هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

قوله : ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير انما هو فيما لا يحتمل الترجيح فى احدهما على التعيين الخ.

قبل الشروع فى المقصود لا بد من بيان الامرين.

الاول ان دوران الامر بين الوجوب والحرمة تارة يكون مع التساوى الطرفين احتمالا ومحتملا : واخرى يكون احدهما اقوى احتمالا مع التساوى فى المحتمل كما اذا كان مظنونا والآخر موهوما ولا شك ان الظن اقوى من الوهم : وثالثة يكون احدهما اقوى أو محتمل الاقوائية محتملا مع التساوى فى الاحتمال كما اذا قطع كون ملاك الوجوب على تقدير ثبوته اقوى من ملاك الحرمة على تقدير ثبوته والمراد من الملاك هو المصلحة فى الوجوب والمفسدة فى الحرمة فهذا المحتمل أى ملاك الوجوب اقوى من ملاك الحرمة لان المفروض ثبوت القطع باقوائية ملاك الوجوب واما من حيث الاحتمال فكلاهما متساويان : ورابعة ان يكون احدهما اقوى احتمالا والآخر محتملا : خامسة ان يكون أحدهما اقوى احتمالا ومحتملا.

اذا عرفت الامر الاول فاعلم انه قد يكون فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والحرمة احدهما اقوى من الآخر احتمالا ومحتملا أو احتمالا فقط او محتملا فقط فيرجح ما هو الاقوى على غيره.

الامر الثانى دوران الامر بين التعيين والتخيير كحكم العقل بتعيين تقليد الافضل لحجية قوله قطعا تعيينا أو تخييرا والشك فى حجية قول غير الافضل عند المخالفة.

اذا عرفت ما ذكر فاعلم انه قد يقاس المقام أى دوران الامر

٤٠١

بين الوجوب والحرمة بمسألة دوران الامر بين التعيين والتخيير كما هو ظاهر صدر عبارة المصنف وهو قوله كما هو الحال فى دوران لامر بين التعيين أى كما ان استقلال العقل بتعيين ما يحتمل ترجيحه مسلم فى دوران الامر بين التعيين والتخيير كحجية فتوى الافضل تعيينا أو تخييرا فى مسئلة التقليد وكحكم العقل بلزوم انقاذ الغريق المتوقف على التصرف فى مال الغير بدون اذنه لاهمية وجوب حفظ النفس.

قال صاحب الكفاية كما هو الحال فى غير المقام. اى كما ان استقلال العقل بترجيح ما يحتمل ترجيحه مسلم فى دوران الامر بين التخيير والتعيين فى غير مقام البحث والمراد من غير المقام هو موارد التزاحم كمسألة تقديم انقاذ الغريق المحتمل اهميته.

قوله : ولكن الترجيح انما يكون لشدة الطلب فى احدهما الخ.

هذا اشارة الى ان المرجح هو كون المحتمل قويا لا الاحتمال والمراد من الاحتمال هو الشىء الذى كان سببا لادراك الشىء ولا فرق فى كونه علميا او ظنيا أو وهميا واما المراد من المحتمل فهو الشىء المعلوم أو المظنون أو الموهوم.

واعلم ان المراد بشدة الطلب هى قوة الملاك فالمناط فى اهمية الطلب وشدته هو كون الملاك الداعى للمولى الى أحد الطلبيين اقوى واشد من الملاك الآخر لانه لا ريب فى اختلاف مراتب الاحكام فى جميع الاحكام الاقتضائية فلا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا أى سواء كانت مشتملة على شدة الطلب ام لا فلا يكون دفع المفسدة فى باب الحرمة موجبا لترجيحها مطلقا بل

٤٠٢

الملاك فى ترجيحها هو شدة الطلب كما ذكر آنفا.

قوله : فصل لو شك فى المكلف به مع العلم بالتكليف الخ.

قد ذكر سابقا عند قول المصنف فصل اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته ففيه وجوه أى الوجوه الخمسة : الاول الحكم بالبراءة عقلا ونقلا وكان مورد هذا الحكم فيما اذا كان الشك فى التكليف.

واما البحث فى هذا الفصل فانما يكون فى المورد الذى شك فيه فى المكلف به ويجرى فى هذا المورد اصالة الاشتغال كما ذكر الشيخ الاعظم (قدس‌سره) فى الصفحة الاولى فى الرسائل ان الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا : فالاول مجرى الاستصحاب : والثانى اما ان يكون الشك فيه فى التكليف فهو مجرى اصالة البراءة واما ان يكون الشك فيه فى المكلف به فهو مجرى قاعدة الاحتياط فيكون مورد البحث فى هذا المقام فى الشك فى المكلف به مع العلم بالتكليف كالعلم بوجوب فعل مردد بين المتباينين مثلا نقطع بوجوب الصلاة لكن هذه الصلاة مرددة بين الظهر والجمعة وكذا اذا قطع المكلف بايجاب شىء لكن هذا الشىء مردد بين الصلاة والصدقة أى يكون الواجب مرددا بينهما هذا مثال لتردده بين المتباينين.

وقد يكون التردد بين الاقل والاكثر الارتباطيين كتردد بين عشرة واحدى عشرة فى اجزاء الصلاة واما المردد بين الاقل والاكثر الاستقلاليين فهو خارج موضوعا عن الشك فى المكلف به لعدم الاجمال فى المكلف به حقيقة فى هذا القسم من الاقل والاكثر ضرورة ان المكلف يعلم من اول الامر بتعلق التكليف بالاقل لانه قدر متيقن.

٤٠٣

قوله فيقع الكلام فى مقامين المقام الاول فى دوران الامر بين المتباينين الخ.

والمراد منهما ان لا يكون بينهما الارتباط سواء كان تباينهما ذاتيا كتردد الصلاة بين الظهر والجمعة ام كان عرضيا كتردد الصلاة بين القصر والتمام فتجرى اصالة الاشتغال فى مثل ما ذكر لتنجز التكليف بالعلم الاجمالى بعد فعليته أى اذا وجدت العلة التامة صار التكليف منجزا.

واعلم ان الاحكام الشرعية الفعلية على قسمين الاول ان يكون الغرض والملاك الداعى الى الحكم مهما أى لا يرضى المولى بتركه بل تتعلق ارادته باستيفائه مطلقا يعنى سواء كان ثبوته بالعلم الاجمالى ام التفصيلى ولا يخفى انه يجب على المولى فى هذه الصورة ايصال التكليف الى العبد اما بنصب الطريق الموصل واما بايجاب الاحتياط للتنجز التكليف بالعلم الاجمالى حيث تنجز التكليف استحق المكلف العقوبة على المخالفة كما قال صاحب الكفاية فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته فظهر وجوب الاحتياط بالعلم الاجمالى فى مورد كون المكلف به مجملا ومرددا بين المتباينين.

قوله وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع الخ.

أى كان فى مقابل اصالة الاشتغال ما دل بعمومه على رفع التكليف كحديث الرفع والحجب والسعة والحل أى رفع ما لا

٤٠٤

يعلمون ... ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ... كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام.

فهذه الادلة النافية للتكليف انما تكون بعد فرض شمولها لاطراف العلم الاجمالى أى هذه الادلة تدل على نفى التكليف من هذه الاطراف واما العلم الاجمالى فيدل على تنجز التكليف فى متعلقه فهذا مستلزم للتناقض مثلا علم اجمالى يدل على عدم جواز الدخول فى هذه الاطراف ولكن هذه الادلة المذكورة تدل على جواز الدخول فى هذه الاطراف فلا بد من تخصيص هذه الادلة أى ان المعلوم بالاجمال فى الفرض المزبور واجد للمرتبة الاكيدة من البعث والزجر ولا يرضى المولى بالمخالفة فيخرج هذه الاطراف من تحت الادلة المذكورة بحكم العقل كما قال صاحب الكفاية : وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه الخ.

أى لا محالة تكون هذه الادلة مخصصة لاجل مناقضتها مع اطراف العلم الاجمالى هذا بيان للقسم الاول من الاحكام الشرعية الفعلية.

القسم الثانى منها ان لا يكون الداعى الى الحكم الشرعى مهما أى لا يريد من المكلف استفاده على كل حال بل يريده على تقدير وصول الخطاب اليه تفصيلا فالحكم الذى لا يكون الغرض الداعى اليه مهما تكون مرتبة فعليته منوطة بالعلم به تفصيلا بحيث يكون العلم التفصيلى به موجبا لفعليته اولا ولتنجزه ثانيا واذا كان التكليف من سنخ القسم الثانى فهو لا يتنجز بالعلم الاجمالى ـ لا لقصور فى العلم بل لخلل فى المعلوم أى هذا هو القسم

٤٠٥

الذى كان العلم التفصيلى فيه علة تامة دون الاجمالى ولكن للفرق بين المعلومين دون العلمين.

فلا فرق فى القسمين المذكورين من ناحية العلم بل الفرق فيهما انما يكون من ناحية المعلوم لان شرط التنجز فى المعلوم فى القسم الثانى هو العلم التفصيلى ولم يكن الغرض الداعى الى الحكم مهما فى هذا القسم الثانى أى ولم تكن المصلحة أو المفسدة فيه مهمة واما فى القسم الاول فكان غرض الداعى الى الحكم مهما ولا يرضى المولى بفوته فيتنجز التكليف من باب الاحتياط مع العلم الاجمالى ولكن التكليف فى القسم الثانى كان منجزا بالعلم التفصيلى كما قال صاحب الكفاية بقوله وان لم يكن فعليا كذلك ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله الخ.

أى وان لم يكن الحكم الشرعى فعليا من تمام الجهات فى القسم الثانى منه ولكن لو علم تفصيلا فى هذا القسم لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته.

توضيح العبارة وان لم يكن الحكم الشرعى فعليا من تمام الجهات فلم يكن هنا مانع عقلا ولا شرعا عن

شمول ادلة البراءة الشرعية للاطراف قد ذكر انه لا يكون الغرض الداعى الى الحكم الشرعى فى هذا القسم الثانى مهما فلم يكن مانع عقلا ولا شرعا فى هذا القسم عن جريان اصالة البراءة للاطراف فيما لم تكن معلومة تفصيلا.

قوله ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلى والاجمالى الخ.

قد ظهر من انقسام التكليف الى قسمين عدم الفرق بين العلم

٤٠٦

التفصيلى والاجمالى فى علية كل منهما للتنجيز اذا كان التكليف معلوما من جميع الجهات أى يكون العلم الاجمالى علة لتنجز التكليف كالعلم التفصيلى فالتفاوت بينهما انما يكون من ناحية المعلوم لا من ناحية العلم.

قد علم انه لو كانت فعلية التكليف تامة عن جانب المولى من حيث ارادته وكراهته أى لا يرضى بترك التكليف فيحكم فى مورد العلم الاجمالى بالاحتياط أى يحكم بالحكم الظاهرى لوجود موضوعه وهو وجود التردد بين الاطراف فمرتبة الحكم الظاهرى محفوظة الا انه لا مجال للحكم الظاهرى مع العلم التفصيلى بالتكليف لعدم بقاء الموضوع له وهو الشك والتردد فى الحكم الواقعى واما اذا كان العلم بالتكليف اجمالا فثبت المجال للحكم الظاهرى كما قال صاحب الكفاية وله مجال مع الاجمالى فيمكن ان لا يصير فعليا معه الخ.

أى للحكم الظاهرى مجال مع العلم الاجمالى بالتكليف فيمكن عدم صيرورة الحكم الواقعى فعليا مع هذا العلم الاجمالى لامكان جعل الحكم الظاهرى فى اطرافه وان كان الحكم الواقعى فعليا من غير هذه الجهة أى كان الحكم الواقعى فعليا من جهة المقتضى للفعلية ولسائر الشرائط والموانع غير جعل الحكم الظاهرى فحينئذ لا مانع من كشف الحكم باصالة الاشتغال لان المانع من فعلية الحكم الظاهرى هو العلم التفصيلى بالحكم الشرعى قد ثبت عدمه فى مورد الحكم الظاهري.

٤٠٧

قوله ثم ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات الخ.

هذا بيان للاطلاق وعدم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة فى وجوب الاحتياط ويظهر التفصيل من الشيخ (قدس‌سره) بينهما أى يظهر من كلامه وجوب الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى فى الشبهة المحصورة وعدم وجوبه فى الشبهة غير المحصورة.

قال صاحب الكفاية (قدس‌سره) ان المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات وجب الاحتياط فى جميع الاطراف وان كانت غير محصورة وان لم يكن فعليا كذلك أى من جميع الجهات فلم يجب الاحتياط فى شىء منها وان كانت الاطراف محصورة لعدم العلم حينئذ بالحكم الفعلى.

الحاصل انه لا فرق بين الشبهة المحصورة وغيرها فى وجوب الاحتياط فلا وجه لاناطة تنجيز العلم الاجمالى بحصر الاطراف وعدم تنجيزه بعدم حصرها والفرق انما يأتى من ناحية المعلوم كما قال المصنف وانما التفاوت بين المحصورة وغيرها وهو ان عدم الحصر ربما يلازم الخ.

أى لان الغالب كون عدم الحصر مقارنا لعدم الابتلاء ببعض الاطراف للعسر فى الموافقة القطعية أو للاضطرار العرفى أو العقلى فى ترك بعض الاطراف وهذه الامور المذكورة رافعة لفعلية التكليف فحينئذ يكون القصور من ناحية المعلوم لا العلم كما انه فى غير الصورة المذكورة ربما لا يكون الفعلية حتمية

٤٠٨

فلا يكون منجزا الا انه عن قصور فى المعلوم لا فى العلم.

بعبارة اخرى ان الشبهة غير المحصورة تلازم غالبا جهة مانعة فعلية الحكم كالخروج عن الابتلاء والاضطرار المانع عن الفعلية فتكون كثرة الاطراف ملازمة لما يمنع الفعلية أى لم تكن نفس الكثرة مانعة عن الفعلية بل هى ملازمة للشيء الذى هو مانع عن الفعلية كخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء فالتفاوت انما يكون من ناحية المعلوم لا من جهة كثرة الاطراف فاذا كانت الاطراف الكثيرة مورد الابتلاء ولم يترتب الحرج المنفى شرعا على ترك جميعها كان العلم الاجمالى منجزا لعدم المانع عنه فثبت من البيان المذكور انه لا يدور عدم تنجز العلم الاجمالى مدار عدم انحصار الاطراف بل كان عدم تنجزه بالمانع الآخر.

قوله قد انقدح انه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية الخ.

هذا اشارة الى ان اعتبار العلم الاجمالى له مرتبتان : الاولى حرمة المخالفة القطعية : والثانية وجوب الموافقة القطعية قد اختلف فى المرتبة الثانية أى اختلف فى اعتباره بمعنى وجوب الموافقة القطعية واما اعتباره فى الجملة الذى أقل مرتبته حرمة المخالفة القطعية فلا اشكال فيه هذا تفصيل بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية قد اورد عليه صاحب الكفاية (قدس‌سره) بانه لا وجه للتكليف فى علية العلم الاجمالى للتنجيز بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية بل إما ان يكون علة لكليهما فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية

٤٠٩

أولا يكون علة لشيء منهما فلا تحرم المخالفة القطعية كما لا تجب الموافقة القطعية

والوجه للبيان المذكور انه لو كان المعلوم بالاجمال الزاما فعليا من جميع الجهات أى كونه بالغا من الاهمية حدا لا يرضى المولى بمخالفته على كل التقدير فحرمت مخالفته ووجبت موافقته قطعا وان لم يكن المعلوم بالاجمال الزاما بالغا هذا الحد جازت المخالفة القطعية ولم تجب الموافقة القطعية لتوقف فعليته على العلم به تفصيلا لان هذا المعلوم لم يكن بالغا من الاهمية حدا لا يرضى المولى بمخالفته على كل تقدير.

الحاصل ان تأثير العلم الاجمالى فى كل من الموافقة والمخالفة على سواء والمدار فى وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية هو المعلوم قد بين شرحه آنفا.

قوله ومنه ظهر انه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به اجمالا الخ.

قد ظهر مما ذكر ان المناط فى وجوب الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى هو فعلية التكليف المعلوم بالاجمال الفعلية التامة أى من جميع الجهات ولا فرق بين كون الاطراف محصورة أو غيرها ولكن قد تعرض الجهات المانعة عن فعلية التكليف مع العلم بالحكم اجمالا قد ذكر المصنف فى العبارة ثلاثا من الجهات المانعة.

الجهة الاولى هى عدم الابتلاء ببعض الاطراف فان الابتلاء بجميع الاطراف شرط فى فعلية التكليف مثلا لو علم المكلف اجمالا بنجاسة اناء مردد بين اناء الموجود عنده واناء موجود عند احد

٤١٠

ملوك الدنيا فلم يكن هذا العلم الاجمالى علما بتكليف فعلى لاحتمال ان يكون متعلق التكليف ما هو خارج عن مورد الابتلاء.

الجهة الثانية هى الاضطرار الى بعض الاطراف معينا كما اذا كان فى احد الإناءين المشتبهين ماء وفى الآخر ماء الرمان واضطر الى شرب ماء الرمان للتداوى أو كان الاضطرار الى بعض الاطراف مرددا كاضطرار الى شرب ماء احد الإناءين المشتبهين لرفع العطش فان الاضطرار باى نحو كان مانع عن فعلية التكليف.

الجهة الثالثة هى كون الوجوب مشروطا بالشىء الذى لم يكن لنا العلم بوجوده فلم يكن التكليف منجزا.

بعبارة اخرى انه اذا لم يكن التكليف المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات لاجل عدم العلم بتحقق موضوعه فعلا فلم يكن منجزا ولا يجب موافقته بل جازت مخالفته القطعية كما اذا كانت المرأة مستمرة الدم من اول الشهر الى آخره وعلمت بانها حائض فى ثلاثة أيام فى هذا الشهر أى هذه الايام الثلاثة مجملة فانه لا يجب عليها وعلى زوجها ترتيب احكام الحيض فى شىء من ايام الشهر اذ لا تكليف ما لم تصر الزوجة حائضا وليس قبل الحيض الزام فعلى أى لا تجرى عليها الاحكام المختصة فى ايام الحيض لعدم وجود الموضوع وهو كونها حيضا فيجرى الاصل الموضوعى أى استصحاب الطهر من اول الشهر الى ان يبقى ثلاثة ايام منه ثم ترجع فى الثلاثة الاخيرة الى اصالة البراءة عن الاحكام الالزامية.

٤١١

قوله وانه لو علم فعليته ولو كان بين اطراف تدريجية لكان منجزا الخ.

هذا بيان لمنجزية العلم الاجمالى فى تدريجيات أى انه لا ريب فى انه اذا كان التكليف المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات التى منها العلم الاجمالى بتحقق موضوعه وجبت موافقته وحرمت مخالفته القطعيتان سواء كانت اطراف الشبهة دفعية اى موجودة فى زمان واحد كالخمر المردد بين الإناءين اللذين يتمكن المكلف من ارتكاب ايهما شاء ... ام كانت اطراف الشبهة تدريجية أى موجودة شيئا فشيئا فى ازمنة متوالية فان التدرج فى وجود الاطراف لا يمنع عن فعلية التكليف وتنجزه مثلا كما يصح تعلقه بامر حاصل وصار منجزا وكذلك يصح تعلقه بامر المستقبل كما هو الحال فى الواجب المعلق.

قد علم فى محله ان الوجوب قد يكون مشروطا بشىء على نحو الشرط المقارن وقد يكون مشروطا بشرط على نحو الشرط المتأخر ومثل المصنف للواجب المعلق فى فوائده بما اذا علم المكلف وجوب فعل خاص عليه بنذر أو عهد فى يوم معين وشك فى ذلك اليوم أهو يوم الخميس او الجمعة فانه بمجرد انعقاد النذر بحصول المعلق عليه لكون النذر معلقا على شىء كصحة مريض يصير وجوب الوفاء بالنذر حكما فعليا يجب الخروج عن عهدته بتكرار الفعل المنذور فيجب عليه صوم كلا اليومين الخميس والجمعة.

الحاصل انه اذا كان وجود بعض الاطراف مترتبا زمانا على

٤١٢

وجود الآخر كعلمه اجمالا بوجوب صوم احد اليومين كما ذكر آنفا فان مجرد التدريجية لا تمنع عن الفعلية لصحة التكليف الفعلى بامر استقبالى كصحته بامر حالى حيث يكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا كالحج حيث إنّه يستقر وجوبه فى ذمة المستطيع قبل حلول زمان الواجب وهو الموسم.

واعلم ان الاطراف التدريجية على اقسام الاول ان يحصل العلم بوجوب هذا الشىء فعلا الذى يكون ظرف وجوده هذه القطعة من الزمان وان كان وجوده فى هذا الظرف تدريجيا أو ان يحصل العلم بوجوب الشىء فعلا الذى يكون ظرف وجوده المستقبل من الزمان على نحو الواجب المعلق الفصولي كالحج فى الموسم المستطيع أو على نحو الواجب المشروط بشرط متأخر قد علم بحصول ذلك فى موطنه فان الوجوب فى كل منهما فعلى على كل تقدير أى سواء كان على نحو الواجب الملق او على نحو الواجب المشروط بشرط متأخر ولا يمنع فى مثل ما ذكر التدرج عن تأثير العلم.

قوله : تنبيهات الاول ان الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف الخ.

هذا بيان لما يمنع عن فعلية التكليف المعلوم اجمالا ومنه الاضطرار المراد به المشقة العرفية التى توجب ارتكاب بعض الاطراف وليس المراد به الالجاء الرافع للتكليف الشرعى عقلا واعلم ان الاضطرار بالمعنى المذكور يمنع عن فعلية التكليف المعلوم بالعلم الاجمالى ولا فرق فى هذا الحكم بين ان يكون الاضطرار الى واحد معين او الى غير معين أى ان الاضطرار الى بعض الافراد

٤١٣

مطلقا سواء كان حادثا قبل العلم الاجمالى بوجوب الاجتناب عنها ام بعده و ـ سواء كان الى فرد معين منها ام غير معين ـ مانع عن فعلية الحكم المعلوم لان الاضطرار موجب للاحكام الثانوية.

فيقال فى مقام الجمع بين ادلة الاحكام الاولية وادلة الاحكام الثانوية كالضرر والعسر والحرج ان مقتضى الجمع بينهما هو ارتفاع الحكم الاولى بطر والعنوان الثانوى فيقيد فى الحقيقة اطلاق الحكم الاولى بعدم العناوين الثانوية مثلا اطلاق حرمة شرب المتنجس يقيد بعدم الضرورة الى شربه ضرورة ان الاضطرار مطلقا أى سواء كان الى المعين أو غير المعين موجب بجواز ارتكاب احد الاطراف فى الشبهة التحريمية أو يجوز تركه كما فى الشبهة الوجوبية.

قال صاحب الكفاية وهو ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه فعلا.

هذا دليل على عدم الفرق بين الاضطرار الى المعين وبينه الى المخير من غير التعرض الى كونه قبل العلم أو بعده أى جواز ارتكاب بعض الاطراف أو تركه فهذا شاهد على عدم الفرق فى ارتكابه بالاضطرار بين كونه الى طرف معين أو غير معين بان يكون الاضطرار الى بعض الاطراف تخييرا وهذا ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه بين الاطراف أى ان الباقى مشكوك الحرمة بعد جواز ارتكاب احدها أو تركه لاحتمال كون النجس هو الذى ارتكبه.

فلا يكون الحكم فعليا بالنسبة الى الفرد الذى بقى بعد رفع الاضطرار.

٤١٤

قوله : كذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم او لاحقا الخ.

أى لا فرق فى عدم تنجيز العلم الاجمالى بين ما ذكر وبين ان يكون الاضطرار سابقا على حدوث العلم الاجمالى أو لاحقا قد بين صاحب الكفاية وجه عدم الفرق.

بقوله : وذلك لان التكليف المعلوم بينها من اول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار.

أى ان التكليف المعلوم اجمالا ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم الاضطرار فمع عروضه يشك فى التكليف حدوثا ان كان الاضطرار سابقا على العلم أو مقارنا له أو يشك فى التكليف بقاء ان كان الاضطرار لاحقا أى بعد عروض الاضطرار على بعض الاطراف لما كان التكليف معلوما فى هذا البعض لاحتمال ان يكون متعلق التكليف هو ما عرضه الاضطرار فلم يثبت تعلق به حدوثا أو بقاء حتى تجرى فيه قاعدة الاشتغال.

قوله : لا يقال الاضطرار الى بعض الاطراف ليس الا كفقد بعضها الخ.

هذا اشكال على صاحب الكفاية (قدس‌سره) أى قال وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار سابقا او لاحقا فاشكل عليه بان الاضطرار اذا كان بعد تعلق العلم بالتكليف ففى صورة الاضطرار الى بعض الاطراف وجب الاحتياط فى سائر المحتملات التى كانت خارجة عن محل الاضطرار أى لا يقال اشكال على صاحب الكفاية وتأييد لتفصيل الشيخ (قدس‌سرهما).

٤١٥

توضيح هذا الاشكال ان الاضطرار يقاس بفقدان بعض الاطراف كما لا اشكال فى صورة فقدان بعض الاطراف فى وجوب الاجتناب عن الباقى او ارتكابه فكذلك لا اشكال فى صورة الاضطرار الى بعض الاطراف فى وجوب الاجتناب عن الباقى او ارتكابه فيجب الاحتياط فى سائر المحتملات خروجا عن عهدة التكليف المعلوم قبل عروض الاضطرار فيندرج المقام فى قاعدة باب الاحتياط لا البراءة كما اذا علم اجمالا بحرمة شرب أحد الإناءين فاريق ما فى أحد الإناءين فانه لا ريب فى وجوب الاجتناب عن الاناء الباقى هذا اذا كان الفقدان بعد العلم الاجمالى أى اذا كان الاضطرار الى بعض الاطراف بعد العلم الاجمالى وجب الاجتناب عن الباقى الذى لم يكن محلا للاضطرار.

واما اذا كان الفقدان قبل العلم الاجمالى بان اريق ما فى احد الإناءين فلم يلزم الاحتياط الى باقى الاطراف فظهر مما ذكر ان حال الاضطرار الى بعض الاطراف حال فقدان بعض الاطراف فى المنع عن تنجز العلم الاجمالى اذا كان سابقا أى اذا كان فقدان بعض الاطراف سابقا على العلم فهو مانع عن تنجيز العلم الاجمالى.

واما اذا عرض الفقدان بعد العلم الاجمالى فلم يكن مانعا عن تنجيزه فكشف عن البيان المذكور ان الحق ما فصله الشيخ بين الاضطرار اللاحق وغيره أى يمنع الاضطرار السابق عن تنجيز العلم الاجمالى بخلاف الاضطرار اللاحق فانه لم يكن مانعا عن تنجيزه.

قوله : فانه يقال حيث ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده الخ.

٤١٦

هذا جواب عن الاشكال المذكور بقوله لا يقال توضيحه ان قياس الاضطرار على فقدان بعض الاطراف قياس مع الفارق لان الفرق بين الاضطرار والفقدان ظاهر حيث ان الاول من قيود التكليف شرعا بان يكون كل حكم الالزامى مقيدا حقيقة بعدم الاضطرار فمع طروءه يرتفع الحكم واقعا لان الاضطرار يزاحم الملاك الداعى الى الحكم فان ملاك حرمة أكل مال الغير يؤثر فى تشريع الحرمة ان لم يزاحم بمصلحة الاهم كحفظ النفس ولهذا يجوز اكله فى المخمصة بدون رضاء مالكه فاشتراط التكليف بعدم الاضطرار الى متعلقه انما هو من اشتراط الملاك بعدم المزاحم له هذا الحكم ثابت فى الاضطرار بخلاف الفقدان فان الحكم لم يقيد فى الادلة الشرعية بعدمه واما الاضطرار فان الحكم مقيد بعدمه شرعا ولذا لا يجب الاحتياط مع طروءه.

الحاصل انه مع الفقدان ان يشك فى بقاء التكليف عقلا فيجب الاحتياط فيما بقى من الاطراف لكون الشك فى بقاء الحكم المطلق بعد العلم باشتغال الذمة به فقياس الاضطرار اللاحق للعلم الاجمالى بفقدان بعض الاطراف بعد العلم الاجمالى قياس مع الفارق.

قوله ولا يكون الامن باب الاحتياط فى الشبهة البدوية.

أى لا يكون رعاية التكليف بعد عروض الاضطرار بالاحتياط فى باقى الاطراف الامن باب الاحتياط فى الشبهة البدوية فى عدم اللزوم لان العلم وان حصل اولا لكنه بعد عروض الاضطرار تبدل بالشك فلا يقين بالتكليف الفعلى حتى يجب الاحتياط فى اطرافه.

٤١٧

قوله الثانى انه لما كان النهى عن الشىء انما هو لاجل ان يصير داعيا للمكلف نحو تركه الخ.

أى التنبيه الثانى قد بين فيه شرط من شرائط فعلية الحكم وهو كون المكلف به موردا للابتلاء بمعنى كونه مقدور المكلف عادة ولا يخفى ان الشيخ (قدس‌سره) قد اعتبر هذا الامر فى خصوص التكاليف التحريمية ويظهر من كلام المصنف ايضا اختصاص شرطية الابتلاء بالتكاليف التحريمية.

وينبغى اولا بيان امر وهو انه لا ريب فى اعتبار القدرة العقلية على جميع اطراف العلم الاجمالى فى منجزية التكليف فلو كان فعل من حيث بعض الاطراف غير مقدور للمكلف كان التكليف فيه ساقطا لقبح التكليف بغير المقدور فيكون فى سائر الاطراف مشكوك الحدوث فيجرى فيها الاصل النافى بلا معارض ولا اشكال فيه.

وانما المقصود هنا بيان ان المعتبر فى توجيه الخطاب الى المكلف هو امكان العادى اذ مع عدم امكان الابتلاء عادة بجميع الاطراف على البدل لا يصح توجيه النهى اليه فدخول الاطراف فى محل الابتلاء يراد منه القدرة العادية على ارتكاب أى واحد شاء منها.

اذا عرفت ما ذكر فنقول فى توضيح العبارة ان غرض الشارع من النهى عن الفعل انما هو احداث المانع فى نفس المكلف عن ارتكاب متعلق النهى الواصل وهذا متحقق فى موردين :

٤١٨

احدهما ان لا يكون الداعى الى الترك اصلا وانما حدث الداعى له الى الترك بزجر ونهى الشارع.

وثانيهما ان يكون له داع الى الترك ولكن تتأكد ارادة تركه للمنهى عنه بواسطة النهى اذ مع عدم الزجر الشرعى ربما تحمل وسوسة النفس المكلف على المخالفة الا انه بعد العلم بخطاب الشارع وبما يترتب على مخالفته من استحقاق العقوبة يقوى الداعى الى الترك فيجتنب عن الحرام أو يقصد القربة بالترك ولو لا نهى الشارع لما تمكن من قصد القربة لتوقفه على وصول الخطاب المولوى.

ولا يخفى ان كون النهى داعيا للترك متوقف على امكان تعلق ارادة العبد بكل من الفعل والترك بحيث يمكن عادة اختيار ايهما شاء واذا خرج متعلق النهى كالخمر عن معرضية الابتلاء به فلم يتمكن عادة الارتكاب اذ مع عدم التمكن من المكلف به لم تكن الارادة عن المكلف ومع عدمها يكون نهى الشارع عن مبغوضه لغوا لان ترك الحرام حينئذ يستند الى عدم المقتضى أى الارادة لعدم وجود المتعلق حتى يتمكن من ارادة ارتكابه ولم يستند ترك الحرام الى وجود المانع أى زجر الشارع ونهيه لتقدم عدم المقتضى طبعا على المانع.

قد ظهر من البيان المذكور وجه اناطة تنجيز العلم الاجمالى بكون تمام الاطراف مورد الابتلاء ضرورة انه يتوقف عليه حصول العلم بالتكليف الفعلى بحيث يكون انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الاطراف موجبا لصحة توجيه الخطاب الى المكلف ومع

٤١٩

خروج بعضها عن الابتلاء لا يحصل العلم كذلك لاحتمال انطباق الحرام على الخارج عن الابتلاء فتجرى اصالة البراءة فيما بقى من الاطراف بلا معارض.

واعلم ان الشيخ (قدس‌سره) جعل الملاك فى اعتبار الابتلاء استهجان الخطاب عرفا بغير مورد الابتلاء وجعل صاحب الكفاية (قدس‌سره) الملاك فى اعتبار الابتلاء لغوية الخطاب أى اذا لم يكن الشىء الحرام مورد الابتلاء فالنهى عنه لغو والفرق بينهما ان استهجان الخطاب مناف للحكمة عرفا أى يكون قبحه عرفيا لا حدّ الامتناع العقلى واما لغوية الخطاب فهو امر ممكن ذاتا لكنه مستحيل عقلا على الحكيم.

وايضا جعل الملاك فى اعتبار الابتلاء طلب الحاصل أى اذا لم يكن الشىء الحرام مورد الابتلاء فالنهى عنه طلب الحاصل فهو ممتنع ذاتا عند العقل سواء كان من الحكيم ام من عاقل.

الحاصل ان الملاك فى الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب الترك فى نفس المولى فعلا هو ما اذا صح انقداح الداعى الى فعله فى نفس العبد أى الملاك فى الابتلاء هو انقداح الارادة الى فعل الحرام فى نفس العبد مع اطلاع المولى على حال الفعل من حيث كونه داخلا فى الابتلاء أو خارجا عنه فان صحة انقداح الداعى فى نفس العبد الى فعله مصحح للمولى الزجر عنه والا فلا. قال المصنف لا فيما شك فى اعتباره فى صحته وفى هذه العبارة مسامحة واضحة وحقها ان يقال لا فيما شك فى تحقق ما يعتبر فى صحته لان الابتلاء لا شك فى اعتباره بل الشك فى تحققه بعد القطع باعتباره فى صحة الاطلاق لكن عبارة المصنف تدل ان

٤٢٠