هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

العمل بغير العلم وكذا الروايات ويشمل هذا النهى ... البناء العقلائى فهذه الآيات والروايات رادعة عن العمل بسيرة العقلاء.

قلت : لا يكاد يكفى تلك الآيات فى ذلك الخ.

هذا رد للاشكال المذكور وحاصله ان مورد هذه الآيات الناهية هو خصوص اصول الدين ولا ربط لها بما نحن فيه أى اثبات حجية خبر الواحد فى الفروع فيكون النهى عن اتباع الظن فى اصول الدين ارشادا الى حكم العقل بعدم كفاية الظن فى اصول الدين.

قوله : ولو سلم فانما المتيقن لو لا انه المنصرف اليه اطلاقها.

قد ذكر ان الآيات ناهية عن عمل بالظن فى اصول الدين لا ربط لها فيما نحن فيه أى اثبات حجية خبر الواحد فى الفروع فيقال انه بعد فرض التسليم فى ان الآيات الناهية باطلاقها تشمل العمل بالخبر الواحد فى الفروعات أيضا فينصرف اطلاق الآيات الى خصوص الامارة غير المعتبرة أى رادعة الآيات الناهية عن العمل بالامارات غير المعتبرة أى لم تقم على اعتبارها حجة وكذا يدعى تيقن الامارة غير المعتبرة من اطلاق الآيات أى هى رادعة عن قدر المتيقن من الامارات الظنّية هو عبارة من الامارات غير المعتبرة فلم يصحّ رادعية الآيات عن جميع الامارات الظنية هذا اشكال الثانى على رادعية الآيات.

قوله : لا يكاد يكون الردع بها الا وجه دائر.

أى قد اجاب المصنف عن رادعية الآيات الناهية بوجوه الثلاثة الاول ان الآيات رادعة عن العمل بالظن فى اصول الدين الثانى مع

١٨١

فرض تسليم رادعية الآيات فى الفروع أيضا فالقدر المتيقن هو اخراج الامارات غير المعتبرة الثالث ما بين فى قوله لا يكاد يكون الردع بها الا على وجه الدائر أى فانه مضافا على الاشكالين المذكورين يرد الاشكال الآخر على رادعية الآيات.

توضيحه انّه لا يمكن أن تكون الآيات الناهية رادعة عن السيرة العقلائية لان رادعيتها مستلزمة للدور توضيحه ان رادعية الآيات متوقفة على عدم تخصيص عمومها او عدم تقييد اطلاقها بالسيرة وعدم تخصيص العمومات متوقف على الردع عن السيرة بالآيات الحاصل ان رادعية الآيات متوقفة على عدم تخصيص عموميتها بالسيرة وأيضا عدم تخصيص عمومية متوقف على الردع عن السيرة بالآيات.

وبعبارة اخرى ان حجية خبر الثقة موقوفة على حجية السيرة وهى موقوفة على عدم الردع وهو موقوف على تخصيص العمومات بها والا تكون رادعة عنها وهو موقوف على عدم الردع والا فلو كانت رادعة فكيف تكون مخصّصة فيتوقف عدم الردع على عدم الردع.

قوله : فانه يقال انما يكفى فى حجية بها عدم ثبوت الردع عنها الخ.

هذا دفع عن الاشكال الدورى الذى كان فى القضية الثانية حاصلة منع توقف حجية السيرة على عدم الردع الذى هو المفروض فى القضية الثانية حسب ما قرر بل هى موقوفة على عدم العلم بالردع وعدم ثبوته وهو حاصل من دون توقف على شىء أى عدم

١٨٢

العلم بالردع حاصل بنفسه من دون توقف على الشىء آخر فثبت انّ حجية السيرة لم تتوقف على عدم الردع بل متوقفة على عدم العلم بالردع وهو حاصل من دون توقف على شىء.

قوله ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه فى الشرعيات.

هذا أيضا اشارة الى دفع الدور وحاصله ان ما قام عليه السيرة الممضات حجة ما لم يعلم بالمنع حتى تكون السيرة مردوعة فلا يكون الخبر حجة فثبت حجية الخبر بالسيرة ودفع الاشكال الدورى.

قوله : فصل فى الوجود العقلية التى اقيمت على حجية الخبر الواحد الخ.

توضيح هذا الاستدلال على وجوه قال مصنف احدها انه يعلم اجمالا بصدور كثير مما بايدينا أى انا نعلم اجمالا بصدور أخبار كثيرة مخالفة للاصول النافية للتكليف المجردة عن القرينة فى ما بين تلك الاخبار الموجودة فى أيدينا وقضية ذاك العلم الاجمالى العمل بجميع الاخبار التى تكون من اطراف العلم الاجمالى فوجب الاحتياط عقلا بعد العلم الاجمالى الحاصل انه ثبت عقلا العمل بالاخبار من باب الاحتياط.

توضيح المقام يحتاج الى بيان آخر وهو انا نعلم اجمالا بوجود تكاليف شرعية بين جميع الامارات من الروايات وغيرها كالشهرة والاجماع وهذا ما يسمى بالعلم الاجمالى الكبير كما نعلم أيضا اجمالا بوجود أحكام شرعية فى روايات صادرة عن المعصوم (ع) منقولة الينا فى ضمن مجموع ما بايدينا من الاخبار

١٨٣

مروية عنهم عليهم‌السلام وهذا ما يسمى بالعلم الاجمالى الصغير.

فنقول انا نعلم اجمالا بمقتضى العلم الاجمالى الصغير بصدور كثير من الاخبار التى بايدينا عن الائمة الاطهار عليهم‌السلام وكانت هذه الاخبار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علمنا تفصيلا بذلك المقدار الوافى لجاز لنا فيما عدا هذا المقدار اجراء اصول النافية فى الشبهات الحكمية لعدم لزوم المحذور من جريان اصول النافية أى لا يلزم من اجراء اصول النافية الخروج عن الدين وكذا لا يلزم المخالفة القطعية.

ولكن حيث لا نعلم تفصيلا بذلك المقدار الوافى وانما نعلم اجمالا وجب بحكم العقل العمل بكل خبر مظنون الصدور لان تحصيل الواقع اذا لم يمكن على وجه العلم تعيّن العمل بالظن أى يعمل بالظن بسبب العمل بالاخبار المظنونة الصدور ولا يجب مراعاة اطراف العلم الاجمالى الكبير لان هذا العلم الاجمالى الكبير ينحل بالعلم الاجمالى الصغير أى نعلم اجمالا بوجود التكاليف بين هذه الاخبار التى كانت بايدينا وقد خرجت بقية الامارات عن اطراف العلم الاجمالى وكان الشك بالنسبة اليها بدويا.

قوله : ولازم ذلك العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة الخ.

أى لازم انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى هو وجوب العمل بالخبر المقتضى للتكليف لانه الذى يجب العمل به واما الاخبار الصادرة النافية للتكليف فلا يجب العمل بها.

١٨٤

الحاصل ان مقتضى هذا الوجه العقلى هو وجوب العمل بالخبر المثبت للتكليف لا غيره واما الاخبار النافية للتكليف فلا يجب العمل بها لانا مكلفون بامتثال الاحكام الواقعية المعلومة اجمالا والمفروض العلم بصدور مقدار من الاخبار واف بتلك الاحكام فلا موجب للعمل بالروايات النافية ولكن يجوز العمل بالاخبار النافية للتكليف بشرط عدم أصل مثبت فى مورده من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب فمع وجود هذا الاصل المثبت للتكليف لا يجوز العمل بالخبر النافى.

قوله وفيه انه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا او تقييدا.

أى هذا اشكال على الوجه الاول من الدليل العقلى حاصله ان العمل بالاخبار حينئذ من باب الاحتياط وقاعدة الاحتياط مورودة بالدليل الاجتهادى وعمومات الكتاب والسنة المعلومة.

توضيحه انه لا يثبت حجّية الاخبار بهذا الدليل العقلى لان معنى حجية الخبر كونه دليلا متبعا فى مخالفة الاصول العملية واللفظية وهذا المعنى لا يثبت بالدليل المذكور الحاصل ان مقتضى الدليل المذكور هو الاخذ بالاحتياط لا جعل الخبر حجة والظاهر ان الاخذ بالاخبار من باب الاحتياط ينافى الاخذ بها من باب الحجيّة فانّ الحجة ما تخصّص العمومات وتقيد المطلقات وتقدم على معارضها مع الرجحان بخلاف الاخذ بها احتياطا فانه لا يكون موجبا للتخصيص والتقييد والترجيح فهذا الوجه العقلى لا يقتضى حجية الاخبار فلم يصحّ لاستدلال بهذا الوجه الاول من الوجوه

١٨٥

العقلى على حجية الاخبار.

قوله : وان كان يسلم عما اورد عليه من أن لازمه الاحتياط فى سائر الامارات.

أى يرد هذا الاشكال المذكور على الوجه العقلى الاول وان كان سليما عن الاشكال الآخر وهو لزوم مراعات الاحتياط فى جميع الامارات وعدم اقتصاره على العمل بالروايات أى اشكل أولا على الوجه العقلى على حجية الاخبار بان لازم هذا الوجه العقلى الاحتياط فى سائر الامارات أيضا لا فى خصوص الروايات.

واما وجه سلامة عن هذا الاشكال فهو ما عرفت من انحلال العلم الاجمالى الذى كان بين الامارات الى العلم التفصيلى بما علم بين الاخبار بالخصوص أى الاخبار التى كانت فى ايدينا اذا سلم الوجه العقلى من هذا الاشكال لكن لا مناص عن ورود الاشكال الذى أورده المصنف بقوله وفيه انه الخ قد ذكر توضيح هذا الاشكال الحاصل انه لم يصحّ الاستدلال لحجية الاخبار بهذا الوجه العقلى الاول.

قوله : ثانيها ما ذكره فى الوافية مستدلا على حجية الاخبار الخ.

أى الوجه الثانى من الوجوه العقلية فى حجية الاخبار ما ذكره فى الوافية وهو انّا نقطع ببقاء التكليف الى يوم القيامة وهذا الدليل مركب من مقدمات ثلاثة أى العلم بحدوث التكليف والعلم ببقائه الى يوم القيامة وان جل اجزاء وشرائط العبادات والمعاملات موجودة فى الكتب المعتبرة مثلا انا نقطع ببقاء

١٨٦

التكليف بالصلاة والصوم والحج ونحوها ولكن جل الاجزاء والشرائط هذه المذكورات انما يثبت بالاخبار غير القطعية وان ترك العمل بالاخبار المذكورة فلا يدرك حقائق هذه الامور المذكورة فثبت بهذا الدليل المذكور حجية الاخبار.

قوله : واورد عليه اولا بان العلم الاجمالى حاصل بوجود الاجزاء الخ.

المورد هو الشيخ الاعظم (قدس‌سره) حاصل الايراد ان العلم الاجمالى بوجود الاجزاء والشرائط لا تنحصر اطرافه فى الاخبار الواجدة لما ذكر من الشرطين اعنى كونها موجودة فى الكتب المعتمد عليهما عند الشيعة وكونها معمولا بها عندهم فثبت العلم الاجمالى بوجود الاجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكر والظاهر ان هذا الدليل العقلى لا يدل على حجية الاخبار المذكورة بل اللازم هو العمل بالاحتياط أو العمل بكل الاخبار سواء كانت واجدة للشرائط أم لا مع ان العمل بكل الاخبار لم يصح عند المستدل فبقى طريق الاحتياط.

قوله : قلت يمكن ان يقال ان العلم الاجمالى وان كان حاصلا بين جميع الاخبار.

هذا دفع الاشكال بدعوى انحلال العلم الاجمالى الكبير الى العلم الاجمالى الصغير أى العلم بوجود الاخبار التى كانت واجدة للشرائط المذكورة وثبت حجية هذه الاخبار بالدليل العقلى المذكور.

١٨٧

قوله : اللهم الا ان يمنع عن ذلك وادعى عدم الكفاية فيما علم فى صدوره الخ.

هذا اشكال على انحلال العلم الاجمالى الكبير وكان الغرض منع انحلال العلم الاجمالى اما بدعوى كون معلوم الصدور أو الحجية اقل من المعلوم بالاجمال بالعلم الاجمالى الكبير واما بدعوى علم اجمالى آخر بصدور أخبار آخر غير هذه الاخبار المذكورة فى الكتب المتعددة فاللازم حينئذ العمل بجميع الاخبار وعدم جواز الاكتفاء فى الاخبار المذكورة فى الكتب المعتمدة.

قوله : وثانيا بان قضيته انما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية او الشرطية دون الاخبار النافية لهما.

هذا عطف على اولا فى قوله واورد عليه اولا بانّ العلم الاجمالى حاصل بوجود الاجزاء والشرائط بين جميع الاخبار قد ذكر شرح هذا الايراد الاول.

الآن يشرع فى شرح الايراد الثانى على الدليل العقلى الثانى أى اورد على الدليل العقلى الثانى ... ثانيا بان مقتضى هذا الدليل وجوب العمل بالاخبار الدالة على الاجزاء والشرائط دون الاخبار الدالة على عدمها أى عدم الاجزاء والشرائط الحاصل ان هذا الدليل أخص من المدعى اذ مقتضى هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما بعبارة اخرى ان هذا الدليل العقلى الثانى لا يدل على حجية الاخبار التى تنفى الجزئية والشرطية

١٨٨

مع ان البحث انما هو عن حجية الخبر مطلقا أى سواء كانت الاخبار المثبتة او النافية.

قوله : والاولى ان يورد عليه بان قضيته انما هو الاحتياط.

أى لما كان الدليل العقلى الثانى أخص من المدعى لان هذا الدليل لا يشمل الاخبار النافية للاجزاء والشرائط فاشكل عليه لكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال فقال المصنف الاولى ان يورد عليه بهذا الايراد الذى عدل المصنف اليه وحاصل هذا الايراد ان الدليل العقلى غير تام فى نفسه مطلقا أى غير تام بالنسبة الى الاخبار المثبتة والنافية واما عدم تماميته بالنسبة الى الاخبار المثبتة فلان العمل بها من باب الاحتياط كما هو مقتضى العلم الاجمالى انما يتجه اذا لم يكن فى مقابلها ما ينفى التكليف من العموم أو الاطلاق أى اذا كان العمل بالاخبار المثبتة من باب الاحتياط فهو اصل ولا يعمل بالاصل فى مقابل الدليل اعنى العموم والاطلاق يقدمان عليه.

الظاهر انّ وجوب العمل بالخبر المثبت من باب الاحتياط مشروط بعدم قيام الحجة على نفى التكليف فى مورده ولو كان مقابله بلسان العموم أو الاطلاق فلو قامت الحجة على نفى التكليف اخذ بها ولم يكن الخبر المثبت مخصصا لعمومها ولا مقيدا لاطلاقها لان الاخذ بالخبر المثبت انما هو من باب الاحتياط فظهر من هذا البيان عدم حجية الخبر المثبت لانه اذا لم يكن مخصصا العموم ولا مقيدا للاطلاق فلم يكن حجة.

واما عدم تمامية هذا الدليل العقلى الثانى بالنسبة الى الاخبار

١٨٩

النافية فلان جواز العمل بالنافى أيضا مشروط بان لا يكون فى مقابله ما يثبت التكليف ولو كان اصلا.

قد ظهر الاشكال على الدليل العقلى الثانى ولم يتم الاستدلال بهذا الدليل على حجية الاخبار.

قوله : ثالثها ما افاده بعض المحققين الخ.

قد ذكر الى هنا الاستدلال على حجية الاخبار بالوجه الاول والثانى من الوجوه العقلية وذكر عدم تماميتهما : الآن يستدل على حجية الاخبار بالوجه الثالث من الوجوه العقلية استدل بهذا الوجه بعض المحققين وهو المحقق الشيخ محمد التقى فى هداية المسترشدين وهذا الاستدلال مركب من مقدمتين.

الاولى العلم بوجوب الرجوع الى الكتاب والسنة والاجماع من الشيعة.

الثانية : حكم العقل بالرجوع الى هذه المذكورات على وجه العلم أو العلمى عند انفتاح بابهما وعلى وجه الظن عند انسداد البابين فيتعين حينئذ العمل بالظن فى الكتاب والسنة.

الحاصل انه اذا لم يحصل القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بدّ من التنزل الى الظن باحدهما فظهر من هذا البيان حجية الاخبار المعتبرة.

قوله : وفيه ان قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع الى الاخبار الحاكية للسنة الخ.

هذا اشكال على الاستدلال بالوجه الثالث من الوجوه العقلية وحاصله انه لا يصل النوبة الى الامتثال الظنى مع التمكن من الامتثال

١٩٠

العلمى التفصيلى او الاجمالى وعلى هذا فان كان فى الروايات ما هو متيقن الاعتبار وكان وافيا بمعظم الفقه بحيث لا يلزم من اجراء الاصول فى باقى الموارد محذور اهمال الاحكام وجب الاخذ بهذا المقدار واما اذا لم يكن هذا المقدار المتيقن وافيا بمعظم الفقه فيضم الى هذا المقدار ما هو المتيقن الاعتبار بالنسبة الى غيره واما فى صورة عدم وجود متيقن الاعتبار النسبى فلا بدّ من الاحتياط بالعمل بالاخبار المثبتة للتكليف حاصل هذا الاشكال ان هذا الدليل العقلى الثالث يدل على حجية ما هو متيقن الاعتبار ولا يدل هذا الدليل على حجية ما هو مظنون الاعتبار.

ولا يخفى ان المراد هو الرجوع الى حاكى السنة أى أخبار الحاكية للسنة وليس المراد المحكيّ اعنى نفس قول المعصوم وفعله وتقريره.

والمراد من الحاكى هو الروايات الحاكية لقول المعصوم عليه‌السلام وشرط العمل بهذه الروايات أن تكون متيقنة الاعتبار ولا شك ان هذه الروايات خارجة عن محل النزاع والعمل بالروايات المظنونة انما يكون من باب الاحتياط.

قوله : هذا مع ان مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع الى السنة بذلك المعنى الخ.

هذا الاشكال الثانى على الاستدلال بالوجه العقلى الثالث توضيح هذا الاشكال ان مجال المنع فى الرجوع الى السنة بذلك المعنى واسع أى اذا كان المراد من السنة الاخبار الحاكية لها ولم يكن العلم بصدورها ولا باعتبارها فمجال المنع بالرجوع اليها واسع : وجه هذا المنع هو عدم الدليل على حجية الروايات التى

١٩١

لم يكن العلم بصدورها ولا باعتبارها.

قوله : واما الايراد عليه برجوعه اما الى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالى بتكاليف الواقعية الخ.

اورد الشيخ الاعظم على كلام المحقق الشيخ محمد التقى حاصل هذا الايراد انه بعد عدم دلالة الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع الى الروايات الحاكية للسنة ان ادعى المحقق التقى (قدس‌سره) وجوب العمل بالروايات الظنية لاجل ان طرحها وعدم العمل بها يستلزم الخروج عن الدين فنقول ان هذا الوجه ليس دليلا مستقلا على حجية الظن الحاصل من الخبر الواحد وذلك لانه هذا الدليل ان استند فى وجوب العمل بالروايات الى العمل بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التى يعلم بوجوب رعايتها فمرجع ذلك الى الدليل الانسداد ومقتضاه حجية كل امارة كاشفة عن الواقع لا خصوص الخبر.

وان استند فى لزوم بالروايات الى العلم الاجمالى بصدور أكثر هذه الاخبار من المعصومين عليهم‌السلام حتى يختص اعتبار الظن بالواقع الحاصل من خصوص الخبر فمرجع هذا الى الوجه الاول المتقدم وقد عرفت عدم تماميته.

قد بيّن الى هنا اشكال الشيخ محمد التقى على وجه الثالث من الدليل العقلى وحاصل الاشكال ان مرجع هذا الدليل اما الى دليل الانسداد واما الى الوجه الاول.

١٩٢

قوله : وفيه ان ملاكه انما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع الى الروايات فى الجملة الى يوم القيامة الخ.

هذا جواب عن ايراد الشيخ الاعظم على الشيخ محمد التقى (قدس‌سرهما) توضيحه ان المصنف اجاب عن هذا الايراد هنا بان ملاك الدليل أى دليل محمد التقى ليس هو العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية ليرجع الى الدليل الانسداد وكذا ليس الملاك العلم الاجمالى بصدور جملة من الروايات المدونة فى الكتب المعتبرة ليرجع الى الدليل الاول العقلى ... بل ملاكه العلم بوجوب الرجوع الى هذه الروايات فعلا حتى اذا لم يحصل العلم الاجمالى بصدور جملة منها أو العلم الاجمالى بتكاليف واقعية يجب التوصل بها بالظن بعد تعذر الوصول اليها بالعلم أو ما هو بحكمه فمؤديات هذه الروايات احكام فعلية لا بد من امتثالها قد ظهر الى هنا الاستدلال بالوجوه العقلية على حجية الاخبار الآن يشرع البحث عن ادلة حجية مطلق الظن.

قوله : فصل فى الوجوه التى اقاموها على حجية الظن الخ.

أى يبحث عن حجية الظن من غير خصوصية للخبر أى الوجوه التى اقاموها على حجية الظن اربعة قال المصنف انّ هذا الدليل مؤلف من صغرى وكبرى اما الصغرى فتقريبها ان الظن بالحكم الالزامى ملازم للظن بامرين أحدهما ترتيب العقوبة على مخالفته والآخر ترتيب المفسدة عليها ان كان الحكم هو الحرمة وفوات المصلحة ان كان هو الوجوب بناء على مذهب العدلية من تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد والوجه فى الاستلزام المذكور كون

١٩٣

الحكم مترتبا على الملاك ... علة لاستحقاق المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته ومن المعلوم ان الظن بالعلة وهى الحكم يلازم الظن بالمعلول وهو استحقاق المثوبة أو العقوبة وعليه فالظن بالحكم الالزامى مستلزم للظن بالضرر الدنيوى أو الاخروى على مخالفته واما الدنيوى فلترتب الوقوع فى المفسدة أو فوات المصلحة على مخالفته واما الاخروى فلترتب الظن بالعقوبة على مخالفته الحاصل ان الصغرى هى ترتب الضرر الدنيوى أو الاخروى على مخالفة الحكم المظنون.

اما الكبرى فانّه بعد اثبات الملازمة بين الظن بالحكم والظن بالضرر يقال ان دفع الضرر المظنون لازم لاستقلال العقل به وان لم نقل بحكم العقل على التحسين والتقبيح كما هو مذهب الاشعرى.

ولا يخفى ان حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون لم يتوقف على القول بالتحسين والتقبيح العقليين لان لزوم دفع الضرر من الامور الفطرية فظهر ان ملاك حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون ليس منحصرا فى التحسين والتقبيح العقليين قد ذكر الى هنا الاستدلال بالوجه الاول من الوجوه الاربعة على حجية الظن.

قوله والصواب فى الجواب هو منع الصغرى اما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته الخ.

قد اجيب عن هذا الدليل المؤلف من صغرى وكبرى تارة بمنع الكبرى واخرى بمنع الصغرى واما منع الكبرى فلما كان

١٩٤

مسلما عند المصنف لم يتعرض للمناقشة فيها وقد اشار الى منع الصغرى بقوله والصواب فى الجواب هو منع الصغرى فيقال لو كان المراد من الضرر فى الصغرى هو العقاب فالجواب المنع من كون الظن بالالزام ملازما مع الظن بالعقوبة وبيانه ان الحكم له مراتب ثلاث : الانشاء والفعلية والتنجز وهو ملازم مع العقوبة فى المرتبة الاخيرة لا فى المرتبتين الاولتين فلا يكون الظن بالحكم ملازما مع الظن فى العقوبة لعدم الملازمة بين المظنونين حتى تحقق بين الظنين وذلك لان العقل حاكم بقبح العقاب بلا بيان ولا موجب هنا لتنجزه فكيف يكون الملازمة بين نفس الحكم والعقوبة الحاصل ان الظن بالوجوب لا يكون ملازما للظن بالعقوبة على المخالفة وانما الملازمة بين خصوص معصية واستحقاق العقوبة عليها وان كان فى المقام الظن بالتكليف لكن لم يتنجز لان مجرد الظن به بدون دليل اعتباره لا يتنجز التكليف بهذا الظن غير المعتبر فلا يكون مخالفة هذا الظن عصيانا.

قوله الا ان يقال ان العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده الخ.

هذا اشكال على الجواب توضيحه ان العقل وان لم يحكم بتنجز التكليف بمجرد الظن به ليترتب عليه استحقاق العقوبة الا ان العقل لا يستقل أيضا بعدم استحقاق العقوبة مع الظن بالتكليف فتكون العقوبة محتملة والظاهر ان دعوى استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جدا بعبارة اخرى ان دفع الضرر المحتمل أيضا واجب بالنسبة الى العقوبة الاخروية.

قد بين الاشكال على الدليل العقلى المذكور من حيث الصغرى

١٩٥

بالنسبة الى عقوبة اخروية الآن يبين الاشكال على الصغرى من حيث المفسدة.

قوله واما المفسدة فلانها وان كان الظن بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الخ.

هذا معطوف على قوله اما العقوبة أى واما اذا كان المراد بالضرر المذكور فى الصغرى الدليل هو المفسدة ولكن المفسدة ليست بالضرر على كل حال هذا الجواب الاول عن الاستدلال العقلى والجواب الثانى ان الاحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد يأتى توضيح هذا الجواب فيما بعد إن شاء الله.

توضيح الجواب انه اشكل على الصغرى بنحوين الاول قد سبق شرحه أى ان كانت المراد من الضرر العقوبة فالملازمة ممنوعة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته قد سبق شرح هذا الجواب.

والثانى أى الاشكال الثانى على الصغرى ان المفسدة ليست ضررا على كل حال.

تقريب هذا الجواب ان القبيح اعم من الضرر فالمفسدة لو كانت نوعية توجب قبح الفعل من دون أن تكون ضررا فلا ملازمة بين قبح الفعل وبين الضرر الشخصى الذى هو مورد قاعدة دفع الضرر المظنون.

قوله واما تفويت المصلحة فلا شبهة فى انه ليس فيه مضرة الخ.

وهذا أيضا بيان لمنع الصغرى وحاصله ان مخالفة الوجوب

١٩٦

المظنون لا توجب الا الظن بفوات المصلحة ومن المعلوم ان فوات المصلحة ليس ضررا ونقصا بل هو عدم النفع ومن الواضح ان تحصيل النفع غير لازم حتى يجب العمل بالوجوب المظنون وقد تحصل من جميع ما ذكر منع صغرى هذا الدليل العقلى وان الملازمة المدعاة بين الظن بالحكم والظن بالضرر ممنوعة سواء كان الحكم المظنون وجوبا أو حرمة سواء اريد بالضرر الضرر الدنيوى اعنى المفسدة ام الاخروى اعنى العقوبة فظهر الى هنا ان الظن بالحكم لم يكن حجة.

قوله بل ربما يكون فى استيفائها مضرة كما فى الاحسان بالمال قد ذكر ان تفويت المصلحة ليس فيه مضرة اى الملازمة بين تفويت المصلحة والمضرة ممنوعة توضيحه ان فوات المصلحة لا يكون مطلقا ضررا لعدم كونه نقصا بل قد يكون الضرر فى استفاء المصلحة كالاحسان بالمال والجهاد فان الاول موقوف على الضرر المالي والثانى على الضرر النفسى فثبت عدم الملازمة بين تفويت المصلحة والضرر بل قد يكون الضرر فى استفاء المصلحة كما فى مسئلة احسان بالمال فان المصلحة انما تكون فى عدم صرف المال وكما فى مسئلة الجهاد فان المصلحة فى عدم ذهاب الى الجهاد.

قوله مع منع كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد الخ.

قد ذكر الاشكال فى منع الصغرى من الوجهين الاول بالنسبة الى العقوبة والثانى الى المفسدة قد ذكر ان الاشكال على الدليل العقلى بالنسبة الى المفسدة بوجهين الاول انه ليس فى تفويت المصلحة مضرة قد سبق توضيحه والثانى ما ذكر بقوله مع منع

١٩٧

كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد هذا الوجه الثانى ناظر الى انكار اصل تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد فتوضيح هذا الوجه الثانى ان الظن بالحكم ليس ملازما للظن بالمفسدة أو فوات المصلحة اذ هذه الملازمة مبنية على حصر المصالح والمفاسد فى متعلق التكاليف حتى تكون المخالفة سببا للوقوع فى المفسدة أو فوات المصلحة واما اذا لم تكن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد فلا ربط لهما بمخالفة العبد وموافقته للحكم المظنون أى لم يكن الموافقة موجبة للمصلحة ولا المخالفة للمفسدة قد ظهر الى هنا منع الصغرى أى قال مستدل فى السابق واما الصغرى فلان الظن بوجوب الشىء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة أو الظن بالمفسدة على المخالفة بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد فظهر من هذا الاستدلال انه ان قلنا بعدم تابعية الاحكام للمصالح والمفاسد فلم يلازم الظن بوجوب الشىء العقوبة على المخالفة وكذا لم يلازم الظن بالوجوب المفسدة على المخالفة بعبارة اخرى ان الاحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد فى المأمور بها والمنهى عنها.

قال صاحب الكفاية فى توجيه هذا الاشكال وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان فى الافعال وانيط بهما الاحكام بمضرة.

توضيح هذا الكلام انه ليس ملاك حكم العقل بحسن الشىء أو قبحه هو كونه ذا نفع عائد الى الفاعل أو ضرر وارد عليه بل ملاك حكم العقل اعم من ان يكون نفعا للفاعل أو ضررا عليه فعلى القول

١٩٨

باستقلال العقل بالحسن والقبح لا يتوقف حكم العقل بهما على النفع والضرر الشخصيين بل يكفى فى اتصاف الفعل بالحسن والقبح المصلحة والمضرة النوعيتان أى ليس حكم العقل منوطا بقبح ما فيه المفسدة والمضرة على الفاعل وكذا حكم العقل بحسن ما فيه المصلحة العائدة اليه وليس هذا الحكم منوطا بهذا الحسن والمصلحة فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون فى باب حجية الظن أى دفع الضرر المظنون لم يكن موجبا لحجية الظن.

قوله فافهم.

لعله اشارة الى ضعف قوله فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون توضيح ضعف هذا القول ان المفسدة قد تكون من الاضرار احيانا ولازمه ان الظن بالحرمة مستلزم لاحتمال الضرر قد ذكر فى السابق ان دفع الضرر المحتمل واجب كالضرر المظنون : قد ذكر فى السابق فصل فى الوجوه التى اقاموها على حجية الظن وهى اربعة وبيّن الوجه الاول من هذه الوجوه واشكل عليه بما مرّ توضيحه الآن يذكر الوجه الثانى من وجوه الاستدلال على حجية الظن.

قوله الثانى انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح.

هذا الدليل قياس استثنائى مركب من المتصلة والحملية وهذا القياس موقوف على ثبوت الملازمة بين هذا القياس والنتيجة مثلا فيما نحن فيه انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح أى لزم من ترك العمل بالظن العمل بالوهم وهو قبيح فالعقل يحكم بوجوب اخذ الراجح أى الظن.

١٩٩

قوله انه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما اذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما.

حاصل هذا الكلام انه لو قرر الدليل فى مقام الفتوى ففيه منع من الدوران بين الاخذ بالظن والاخذ بالوهم حتى يلزم من عدم اخذ الاول اخذ الثانى الذى هو ترجيح المرجوح بل اللازم حينئذ التوقف عن الفتوى بالمرة لحرمة الفتوى بغير المعلوم من دون الفرق بين المظنون والموهوم نعم لو فرض وجوب الافتاء باحد الطرفين فى مورد لكان الدليل المذكور متوجها واشار اليه صاحب الكفاية بقوله وفيه انه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما اذا كان الاخذ بالظن الخ.

أى لو فرض الاخذ بالظن أو بطرفه لازما لزم الاشكال المذكور فى صورة العمل بالوهم وعدم امكان الجمع بينهما عقلا أو فرض عدم وجوب الاخذ بالظن شرعا فيدور فى هذا الفرض دوران الامر بين ترجيح الظن وترجيح طرفه قال صاحب الكفاية ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات الانسداد قد ذكر فى باب مقدمات الانسداد ان قبح ترجيح المرجوح على الراجح هى مقدمة اخيرة لدليل الانسداد اذا تمت هذه المقدمة صح الاستدلال العقلى أى ترجيح المرجوح على الراجح واما اذا لم تتم هذه المقدمة فاللازم هو الرجوع الى العلم أو العلمى أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على اختلاف الاشخاص أو الاحوال أى اذا لم تتم مقدمات الانسداد لم يكن الظن حجة فاللازم الرجوع الى ما ذكر لاختلافهم فى استظهار الحجية فاذا ثبت عندهم حجية الاخبار كان الباب العلمى مفتوحا

٢٠٠