هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

اذا عرفت هذه الجملة المعترضة فاعلم ان ما ذكر من وجوب التعلم والفحص فى التكاليف المطلقة والمنجزة مسلم اذ لو لم يجب الفحص لزم ترك الواجب المطلق واما فى التكاليف المشروطة كالمشروط بزمان أو زماني كصلاة الجمعة وكالحج المشروط بالاستطاعة فوجوب التعلم والفحص فى التكاليف المشروطة مشكل اذ المفروض عدم وجوب فعلي فيها لاناطة التكليف المشروط بتحقق شرطه فقبل تحققه لا تكليف حتى يجب التعلم.

ولا يخفى ان ترك التعلم والفحص تارة يؤدى الى المخالفة بعد وجود الشرط والوقت وتارة لم يؤد تركهما الى المخالفة بعد وجودهما فلا يجب التعلم فى كل من الموردين كما قال صاحب الكفاية ان وجوب الفحص مشكل فى الواجب المشروط ولو ادى ترك التعلم والفحص قبل الشرط والوقت الى المخالفة بعدهما فضلا عما لم يؤد اليها.

واذا لم يصح وجوب التعلم والفحص من باب المقدمة لعدم مخالفة الواقع أى لم يصح جعلهما مقدمة لادراك الواقع التجأ المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك (قدهما) الى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسيا فثبت العقوبة على ترك التعلم بنفسه لا بمخالفة الواقع.

قوله ويسهل بذلك الامر فى غيرهما لو صعب على احد الخ.

أى اشكل على كون التعلم والتفحص واجبا من باب المقدمة فى التكاليف المشروطة واجيب عن هذا الاشكال بان وجوبهما نفسى

٤٨١

فيسهل بهذا الجواب ان يندفع الاشكال الذى ورد فى الواجبات المطلقة قد ذكر ان ترك الفحص فى التكاليف المطلقة يؤدى الى المخالفة فاشكل عليه ان مخالفة الواقع فى حال الغفلة خارجة عن الاختيار والعقاب بالامر غير الاختيارى قبيح.

واجيب عن هذا الاشكال بان المخالفة منتهية الى الاختيار وهو كاف فى صحة العقوبة.

فيقال هنا ان هذا الاشكال الذى دفعناه فى الواجب المطلق بان العقل لا يقبح المؤاخذة على ترك الواقع اذا انتهى الى الاختيار يسهل دفع هذا الاشكال بما افاده المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك (قدهما) من كون وجوب التعلم نفسيا فيكون العقاب حينئذ على ترك التعلم الذى هو بنفسه امر اختيارى أى يسهل دفع الاشكال بما ذكر اذا لم تصدق كفاية الانتهاء الى الاختيار فى استحقاق العقوبة فى حال الغفلة.

قوله ولا يخفى انه لا يكاد ينحل هذا الاشكال الا بذلك الخ.

قد ذكر الاشكال فى استحقاق العقوبة فى الواجب المشروط والموقت لعدم تكليف فعلى فيهما لا قبل الشرط ولا بعده.

واما عدم كون التكليف فعليا قبل الشرط فهو ظاهر لان الوقت والشرط على المشهور من شرائط التكليف فلا تكليف قبلهما حتى يترشح منه الوجوب الغيرى على التعلم والفحص.

واما عدم التكليف بعد الشرط فهو ظاهر أيضا لعدم التمكن من الواجب حينئذ لاجل الغفلة عنه الموجبة لقبح الخطاب الى المكلف فاذا لم يكن التكليف فعليا بالنسبة الى الواجب المشروط والموقت

٤٨٢

فلم يترشح الوجوب الى التعلم والفحص.

واجيب عن هذا الاشكال بان وجوبهما نفسى وقال صاحب الكفاية بقوله لا يخفى انه الخ. انه لا ينحل اشكال المذكور الا بجعل التعلم واجبا نفسيا أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا وتوضيح الجواب الثانى قد ذكر فى باب تقسيمات الواجب كون الواجب على اقسام : الاول المطلق الثانى : المعلق والمنجز الظاهر ان فعلية التكليف تتصور على وجهين :

الاول أن تكون فعلية الوجوب مقارنة زمانا لفعلية الواجب أى كون زمان الوجوب والواجب واحدا ويسمى هذا القسم الواجب المنجز كالصلاة بعد دخول وقتها فان وجوبها فعلى والواجب هو الصلاة فعلي ايضا.

الثانى أن تكون فعلية الوجوب سابقة زمانا على فعلية الواجب فيتأخر زمان الواجب عن زمان الوجوب أى يكون زمان الوجوب مقدما على زمان الواجب ويسمى هذا القسم الواجب المعلق لتعليق الفعل لا وجوبه على زمان غيره كالحج مثلا فانه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه فعليا لكن الواجب أى اتيان اعمال الحج معلق عند الموسم.

اذا عرفت الواجب المنجز والمعلق فاعلم ان مقصود المصنف من قوله : أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا : هو كونهما معلقا أى يكون المشروط والموقت واجبا مطلقا بان يكون الوجوب فعليا ومطلقا والواجب استقباليا وهو المسمى بالواجب المعلق فيصير بهذا التوجيه الواجب المشروط واجبا مطلقا لكون وجوبه فعليا فثبت من البيان المذكور ان الوجوب فى الواجب

٤٨٣

المشروط والموقت فعلي فيصح ترشح الوجوب منهما الى التعلم والتفحص واستدرك المصنف على ما ذكر من وجوب المشروط والموقت وقال لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف المقدمات الوجودية عقلا بالوجوب الخ.

هذا الاستدراك الى الاشكال ودفعه واما الاشكال فهو ان مقتضى كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلقا هو وجوب ايجاد مقدماتهما الوجودية قبل حصول الشرط والوقت اذ المفروض اطلاق وجوبهما المقتضى لايجاب مقدماتهما لكن المسلم عندهم هو عدم وجوب تحصيل المقدمات قبل الشرط والوقت فكان هذا التسالم دليلا على كون الشرط والوقت قيدا للهيئة كما هو مقتضى القواعد العربية فيكون الشرط قيد للوجوب فلا وجوب قبل التحقق الشرط والوقت حتى يترشح منه وجوب على التعلم : هذا اشكال.

واما دفعه فان جعل هذا الوجوب فى الواجب المطلق والمعلق انما يكون بمثابة لا يجب تحصيل مقدماته قبل الشرط والوقت الا خصوص التعلم ودخل سائر المقدمات انما هو بوجودها الاتفاقى فان الاستطاعة مقدمة بوجودها الاتفاقى لا بوجودها التحصيلى كما ذكر فى محله ان تحصيل المال لم يكن واجبا حتى يحصل الاستطاعة.

فظهر مما ذكر التفاوت بين المقدمات فى ترشح الوجوب من الواجب على بعضها كالفحص والتعلم وعدم ترشحه على بعضها الآخر كالاستطاعة بالنسبة الى الحج.

الحاصل ان اطلاق الوجوب لا يقتضى ايجاب جميع المقدمات بل لا بد من ملاحظة المولى فى كيفية دخل المقدمات والظاهر ان

٤٨٤

نظره بالنسبة الى التعلم والفحص هو وجوبهما قبل الشرط والوقت ويعاقب على تركه.

قوله واما لو قيل بعدم الايجاب الا بعد الشرط والوقت الخ.

أى هذا اشكال على كون الواجب المشروط والموقت مطلقا معلقا فيكون على قول المستشكل القيد للهيئة أى للوجوب هذا مطابق لفتاوى المشهور حيث انهم افتوا بعدم وجوب مقدمات الواجب المشروط والموقت قبل الشرط والوقت اذا لم يصح الوجه الثانى أى لم يصح ان يكون الواجب المشروط مطلقا معلقا فيتعين دفع اشكال استحقاق العقوبة فى ترك التعلم والتفحص بكون وجوبهما نفسيا لتكون المؤاخذة على تركه.

فان قلت ان هذا مناف لظاهر الاخبار أى ان الالتزام بالوجوب النفسى للتعلم مناف لظاهر الادلة حيث ان ظاهرها كون وجوب التعلم للغير كوجوب سائر المقدمات وليس وجوبه لنفسه فكيف التوفيق بين كون التعلم واجبا نفسيا وغيريا.

قلت فى دفع الاشكال ان الوجوب للغير مغاير للوجوب بالغير أى ان الواجبات النفسية كلها واجبات للغير بمعنى ان وجوبها كان لاجل الملاك مثلا الصلاة وجبت للغير وهو ملاكها كالنهى عن الفحشاء واما الوجوب بالغير الوجوب الترشحى من وجوب آخر فيكون الوجوب للغير واجبا نفسيا تهيئيا أى ما وجب للتهيؤ لتشريع واجب : ويكون الوجوب بالغير واجبا غيريا أى يترشح الوجوب من الغير اليه.

قد ذكر فى موارد لفظة ايجاب ووجوب فيحسن بيان الفرق

٤٨٥

بينهما من تقرير شيخنا الاستاذ أى ان الايجاب والوجوب شىء واحد لكن اذا نسب الى الجاعل سمى ايجابا واما اذا نسب هذا الشىء الى المجعول فيسمى وجوبا.

قوله واما الاحكام فلا اشكال فى وجوب الاعادة فى صورة المخالفة الخ.

قد ذكر سابقا عند قوله ولا بأس بصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام قد بين شرح التبعة أى العقاب الى هنا : ويبين الآن انشاء حكم العمل بالبراءة قبل الفحص قد ذكر سابقا ان المراد من الاحكام هو الحكم الوضعى أى صحة العمل وبطلانه وايضا ذكر ان الاحكام جمع منطقى أو باعتبار الموارد أى اما الكلام فى الحكم الوضعى وهو صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيبحث تارة فى المعاملات بالمعنى الاعم واخرى فى العبادات.

الحاصل ان ما افاده المصنف (قده) فى حكم العمل بالبراءة قبل الفحص والتعلم ان المدار فى صحة العمل هو الموافقة للواقع والمراد بفساده هو المخالفة له سواء كان ذلك العمل عبادة ام معاملة لكن انه ان كان عبادة فقد اعتبر فى صحته مضافا الى مطابقة الواقع صدوره عن قصد القربة وبدون قصدها لا يصح العمل وتجب اعادته وان كان مطابقا للواقع واما اذا كان العمل معاملة فلا يعتبر فى صحتها غير الموافقة له.

واما العبادة فلا تصح من دون قصد القربة الا فى الاتمام فى موضع القصر أو الجهر أو الاخفات فى موضع الآخر انما تصح

٤٨٦

هذه الموارد للخبر الصحيح كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لابى جعفر عليه‌السلام رجل صلى فى السفر اربعا أيعيد ام لا قال عليه‌السلام ان كان قرئت عليه آية القصر وفسرت له فصلى اربعا اعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه وكذا يصح الاجهار فى موضع الاخفات وبالعكس بالرواية وقد أفتى المشهور بهذا الحكم أى صحة الصلاة فى الموضعين مع الجهل ولو كان عن تقصير.

ولا يخفى ان الحكم الاولى فى الموضعين عدم صحة الصلاة اذا كان الجهل عن تقصير واما كون الصلاة صحيحة فهو بالدليل الثانوى ولكن على طبق القاعدة كان هذا الجهل مستلزما لاستحقاق العقوبة لترك الصلاة فى الموضوعين المذكورين وذلك لان ما اتى به المكلف ليس مأمورا به حتى لا يستحق العقوبة اذا المأمور به هو صلاة القصر دون تمام أو الجهر دون الاخفات أو العكس.

والظاهر ان ترك المأمور به أو الاخلال به لا عن عذر يوجب استحقاق العقوبة أى فى صورة الجهل عن تقصير لم يكن هذا الشخص معذورا بناء على عدم كون هذا الجهل موجبا للعذر ولكن بمقتضى الدليل الثانوى الصلاة صحيحة ولم يكن الشخص مستحقا للعقوبة.

ان قلت : كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها الخ.

أى أورد هنا الاشكال من وجهين.

الاول ان الاتمام مثلا لو لم يكن مأمورا به فكيف يصح ويجزى ولو كان مأمورا به فكيف يجتمع مع الامر التعيينى أى الامر بالقصر

٤٨٧

على المسافر الموجب تركه للعقوبة هذا هو المراد من قول الشيخ (قدس‌سره) فى الرسائل أى فكيف يجتمع هذا الامر مع الامر بالقصر.

الثانى انه كيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك المأمور به مع القدرة على الاعادة والاتيان على المأمور به على طريقه كما اذا علم المكلف بوظيفته من القصر أو الجهر أو الاخفات فى الوقت مع سعته وتمكنه من فعله ثانيا ومعه لا موجب لاستحقاق العقوبة اذ المطلوب فى تمام الوقت هو وجود الطبيعة المأمور بها والمفروض تمكن المكلف على هذا المطلوب.

ولا يخفى ان هذا ليس باسوأ من ترك القصر فى اول الوقت مع عدم اتيان الاتمام مع عدم العقوبة فيه اصلا ما دام لم يخرج الوقت واليه اشار المصنف.

بقوله : وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة الخ.

الحاصل كيف يحكم بالصحة بدون الامر مثلا كيف يصح الاتمام عن المسافر بدون الامر وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة أى ان المكلف متمكن من الاعادة الا ان الشارع منعه وسلب عنه القدرة عليها بسبب حكمه بالاجزاء فى اتيان المكلف الصلاة فى السفر أربعا جهلا ففوت المأمور به ناش عن حكم المولى بالصحة لا عن تقصير المكلف أى لو لا الحكم شرعا بسقوط الاعادة وصحة العبادة التى اتى بها لما ترك الاعادة.

٤٨٨

قوله : قلت انما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على مصلحة تامة الخ.

هذا جواب عن الاشكال الاول أى اتصاف المأتيّ به بالصحة مع عدم الامر به حاصل الجواب ان الصحة هنا ليست بلحاظ الامر بل بلحاظ ملاكه أى بلحاظ مصلحة المأمور به فلاشتمال المأتيّ به على هذا الملاك اللازم الاستيفاء يتصف بالصحة والاجزاء عن المأمور به أى لو لم تجب صلاة القصر كانت الصلاة التامة مأمورا بها لكن لما كانت مصلحة صلاة القصر اهم منها صارت هذه الصلاة واجبة فعلا فظهر ان صحة صلاة التمام مستندة الى الامر الفعلى هذا جواب عن الاشكال الاول.

واما الجواب عن الاشكال الثانى أى الحكم باستحقاق العقوبة على ترك المأمور به مع التمكن من الاعادة هذا حاصل الاشكال الثانى : والجواب عن هذا الاشكال أنه لا فائدة فى الاعادة اذ لا مصلحة تقتضى الاعادة حيث ان المصلحة التامة فى صلاة القصر قد فاتت بالاتيان بصلوة التمام ولم يبق شىء من مصلحة صلاة القصر حتى تجب اعادتها لاجل تداركه.

قوله : فانقدح انه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام.

هذا خلاصة ما تقدم من عدم المجال للاعادة لفوت المصلحة وعدم بقاء شىء منها حتى يوجب الاعادة مثلا لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد اتيان بصلوة التمام وكذا فى الجهر والاخفات وان كان الوقت لاتيانها باقيا لما سبق من ان مصلحة المأتيّ به

٤٨٩

كالتمام تكفى عن مصلحة المأمور به كالقصر ولا يتمكن صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة التمام لان المراد من الصحة موافقة الامر والمفروض سقوط الامر على صلاة القصر بفوات مصلحتها بفعل صلاة التمام.

واما استحقاق العقوبة فانما يكون لاجل ترك التعلم قبل الوقت وقبل وجود الشرط أى كان ترك التعلم عن تقصير كما قال صاحب الكفاية مع تمكنه من التعلم فقد قصّر فيحكم باستحقاق العقوبة لاجل التقصير فى التعلم.

قوله : ان قلت على هذا يكون كل منهما فى موضع الآخر الخ.

أى اذا بنينا على عدم التمكن من الاعادة لعدم المجال لها ورد هنا الاشكال على صحة المأتيّ به واجزائه عن المأمور به حاصل الاشكال ان ترك المأمور به أى القصر حرام حيث ان التمام مقدمة لهذا الترك المحرم فتسري الحرمة اليه والنهى فى العبادة يقتضى الفساد فالصلاة التامة فاسدة فلا تجزى عن المأمور به أى صلاة القصر.

بعبارة اخرى بعد وقوع التضاد بين الفعلين يكون فعل الاتمام سببا لترك القصر فيكون هذا الترك حراما فتحرم صلاة التمام لكونها سببا لترك المأمور به فيكون الاتمام باطلا غير مشتمل على المصلحة العبادية فكيف يحكم بصحة صلاة التمام.

قوله : قلت ليس سببا لذلك غايته ان يكون مضادا له الخ.

هذا دفع الاشكال الذى ذكر فى قوله ان قلت الخ حاصله ان التمام ليس مقدمة لترك الواجب الفعلى أى القصر بل التمام

٤٩٠

والقصر ضدان ولا شك فى كونهما فى رتبة واحدة فعدم كل منهما يكون فى رتبة وجود الآخر أى لا يكون عدم احدهما فى طول وجود الآخر حتى يصير عدم احدهما مقدمة لوجود الآخر ولا يتوقف وجود احدهما على عدم الآخر بل عدم احدهما ملازم لوجود الآخر أى ان وجود الضد مع عدم ضده متلازمان فالظاهر انه مع عدم التوقف والعلية لا يكون التمام سببا لفوت المأمور به حتى يتصف لاجل فوته بالحرمة والفساد بل التمام باق على المحبوبية لاشتماله على المصلحة المهمة.

قوله : لا يقال على هذا لو صلى تماما او صلى اخفاتا فى موضع القصر والجهر الخ.

أى اذا بني على اشتمال المأتيّ به كالتمام فى موضع القصر الذى هو واجب فعلى وكذا كل من الجهر والاخفات فى موضع الآخر ـ على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء موجبة لفوت مصلحة الواجب أى القصر فى المثال المذكور أى اذا بني على اشتمال المأتيّ به الخ فيلزم الحكم بصحة الصلاة التمام من العالم بوجوب القصر أيضا مع استحقاق العقوبة على مخالفة هذا الواجب.

ولا يخفى ان المقام على البيان المذكور يصير من صغريات التزاحم ومن المعلوم الحكم بصحة احد المتزاحمين فى حالتى العلم والجهل لوجود الملاك فيهما فى كلتا الحالتين ولذا حكم بصحة صلاة تارك انقاذ الغريق مع قدرته على الانقاذ سواء علم بالغرق ام لا.

اذا عرفت ما ذكر فاعلم ان ما نحن فيه كذلك أى يحكم بصحة

٤٩١

التمام ممن علم بوجوب القصر وتركه عمدا وصلى تماما لكن لا يفتى به احد أى يعلم من بناء المذكور صحة صلاة تمام مع العلم بوجوب القصر ولكن لم يكن الفتوى من احد فى هذا الحكم هذا حاصل الاشكال الذى ذكر بعبارة لا يقال.

قوله فانه يقال لا بأس بالقول به لو دل دليل الخ.

هذا جواب لا يقال حاصله انه لو دل دليل الاشتمال على صحة صلاة تمام مطلقا أى فى صورتى العلم والجهل على وجوب القصر لصح صحة التمام واجزائه عن القصر مطلقا.

توضيحه انه لو كان الدليل لاشتمال المأتيّ به كالتمام فى موضع القصر على المصلحة أى لو كان لدليل الاشتمال المذكور اطلاق يشمل صورتى العلم والجهل بوجوب القصر لسلمنا صحة التمام واجزائه عن القصر مطلقا.

فثبت من البيان المذكور عدم ثبوت الدليل لصحة صلاة التمام مطلقا أى حتى مع العلم بوجوب القصر أى هذا الحكم ثابت فى صورة عدم احتمال الاختصاص واما اذا احتمل كون صحة المأتيّ به واشتماله على المصلحة مختصين فى صورة الجهل بالواقع فلم يصح المأتيّ به فى صورة العلم بالواقع مثلا لا تصح صلاة تمام مع العلم بوجوب القصر فى الفرض المزبور.

قوله وقد صار بعض الفحول بصدد بيان امكان كون المأتيّ به الخ.

المراد من هذا البعض هو كاشف الغطاء (قدس‌سره) أى قال ان تعليق الامر بالمتضادين ابتداء غير ممكن للزوم التكليف

٤٩٢

بالمحال كالامر بالقصر والاتمام فى السفر وقال بعد ذلك ان تعليق الامر بالمتضادين يمكن بنحو الترتب.

توضيح ما افاده كاشف الغطاء (قدس‌سره) هو ان المأتيّ به كالصلاة التمام يتعلق به الامر بشرط العزم على عصيان الامر بالقصر بنحو الشرط المتأخر واما الامر بصلوة القصر فهو مطلق بعبارة اخرى ان الامر بضدها أى صلاة التمام مشروط بالعزم على عصيان امر القصر ولا يخفى ان العزم على عصيانه يوجب أمرين احدهما استحقاق العقوبة لتركه المأمور به اختيارا أى ترك امر صلاة القصر اختيارا بترك التعلم والفحص : وآخر تعلق الامر بصلوة التمام لتحقق موضوعه أى العزم على عصيان الامر بالقصر فظهر انه لا مانع من تعلق الامر بالضد بنحو الترتب وعليه فيكون التمام مأمورا به قال صاحب الكفاية قد حققنا فى مبحث الضد امتناع الامر بالضدين مطلقا.

أى هذا رد للترتب المزبور حاصله ان الترتب مستلزم لطلب الجمع بين الضدين ضرورة ان خطاب القصر فعلى لا يتوقف على الشىء وخطاب التمام بالعزم على عصيان الامر بالقصر يصير فعليا أيضا فيجتمع الطلبان فى الضدين فى آن واحد.

بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية اگرچه امر به صلات تمام بالا نمى رود تا به مرتبه امر به صلات قصر برسد چون امر بقصر مطابق با واقع مى باشد بعبارة اخرى اين امر به مرتبه فعلية رسيده است وامر به تمام به آن مرتبه نيست واما امر به قصر پائين مى آيد تا آنكه با امر بتمام جمع مى شود چون از جهت عزم بر عصيان ساقط نمى شود پس لازم مى آيد اجتماع ضدين.

٤٩٣

الحاصل ان الامر بالصلاة التمام لا يصعد الى مرتبة الامر بالقصر لانه مأمور به واقعى والامر بالتمام ليس كذلك واما الامر بالقصر ينحدر حتى يصل فى مرتبة الامر بالتمام لان هذا الامر لا يسقط بالعزم على عصيانه فيجتمع بعد العزم على عصيان الامر بالقصر الطلبان أى طلب القصر والتمام فظهر انه يلزم اجتماع الضدين فيما نحن فيه على القول بالترتب ايضا.

قوله ثم إنّه ذكر لاصل البراءة شرطان آخران الخ.

أى قد تقدم ان الشرط فى جريان اصل البراءة هو الفحص واليأس عن الظفر بالحجة قد بحث عن هذا الشرط مفصلا ثم ذكر هنا شرطان آخران احدهما ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة اخرى.

توضيح هذا الشرط ان اصالة البراءة شأنها نفى الحكم لا اثباته فان كانت نافية لحكم عن موضوع ومثبتة له لموضوع آخر فلم تجرى مثلا اذا اشتبه الاناء النجس بين الإناءين علم اجمالا بنجاسة احدهما فلا تجرى الاصالة البراءة فى الفرض المزبور لان جريانها فى احدهما يقتضى نجاسة الآخر أى ان اصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عن احد الإناءين فى المثال المذكور تثبت وجوب الاجتناب عن الاناء آخر.

فلا يصح جريان اصالة البراءة فيما ذكر لان شأنها نفى الحكم فقط لا النفى من جهة واثبات من جهة اخرى ولهذا لم تعد من الادلة فلو كانت مثبتة للحكم الشرعى لعدت من الادلة الشرعية ولا يخفى ان اعتبار هذين الشرطين عن الفاضل التونى ونسب الى

٤٩٤

الفاضل النراقى أيضا.

قوله ثانيهما ان لا يكون موجبا للضرر على آخر.

هذا هو الشرط الثانى لجريان اصالة البراءة توضيحه انه يعتبر فى جريان اصالة البراءة ان لا يكون موجبا لضرر الغير.

قال الفاضل التونى (قده) فى محكى الوافية (ثانيهما) ان لا يتضرر بسبب التمسك بالاصالة البراءة مسلم أو من فى حكمه مثلا اذا فتح انسان قفصا لطائر فطار أو حبس شاة فمات أو حبس رجلا فهربت دابته وضلت فانه لا يصح حينئذ التمسك بالبراءة لاجل برائت الذمة لان اجراء البراءة عن الضمان فى امثال هذه الموارد يوجب الضرر على المالك أى ان جريان اصالة البراءة فى الموارد المذكورة مستلزم للضرر المنفى بقاعدة الضرر والضرار.

قوله ولا يخفى ان اصالة البراءة عقلا ونقلا فى الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية الخ.

هذا جواب عن الشرط الاول أى رد الشرط الاول بان اصالة البراءة جارية لا محالة قد ذكر ان شرط جريان اصالة البراءة هو ان لا يكون جريانها موجبا لثبوت حكم شرعى فيرد هذا الشرط.

توضيحه ان موضوع الحكم الشرعى تارة يكون امرا ظاهريا أو اعم منه وتارة اخرى يكون امرا واقعيا والظاهر ان اصالة البراءة عقلا ونقلا تجرى فى الشبهات البدوية بعد الفحص فمقتضى البراءة العقلية هو عدم استحقاق العقوبة فلا اشكال فى جريانها امّا البراءة النقلية فمقتضاها هو الاباحة أو رفع التكليف مثلا اذا

٤٩٥

شك فى حرمة شرب التتن بعد الفحص جرت فيه البراءة الشرعية المثبتة لحليته وثبت جواز بيعه أيضا اذ المفروض ان موضوع جواز البيع فيما نحن فيه هو الحلية ولو كانت ظاهرة فلو لم يترتب جواز البيع على هذا الحلية للزم تخلف الحكم عن موضوعه فثبت فيما ذكر جريان البراءة الشرعية عن الحرمة فى المثال المذكور مع اثبات الحكم الشرعى فيما ذكر أى جواز بيع التتن.

ولا يخفى ان موضوع الحكم الشرعى فى المثال المذكور هو الامر الظاهرى واما اذا كان موضوع الحكم الشرعى أمرا واقعيا فلا يثبت الحكم الشرعى بجريان البراءة مثلا موضوع جواز عقد النكاح هو عدم المحرمية الشرعية واقعا فلا يثبت هذا الحكم بالبراءة الشرعية أى اذا شك فى هذا الموضوع فلم يترتب الحكم الشرعى بتوسط البراءة الشرعية فى هذا المثال لعدم تحقق موضوعه وهو عدم المحرمية واقعا.

الحاصل ان موضوع الحكم الشرعى ان كان اعم من الواقعى والظاهرى فلا محالة يترتب الحكم عليه بمجرد جريان اصل البراءة فيه لتحقق موضوعه عند جريان البراءة الشرعية واما ان كان موضوع الحكم الشرعى مختصا بالواقعى فلا يترتب الحكم على البراءة لعدم احراز الموضوع فقد ثبت الى هنا الاشكال على الشرط الذى اعتبره الفاضل التونى (قده).

قوله واعتبار ان لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفى الضرر الخ.

هذا اشكال على الشرط الثانى الذى اعتبره الفاضل التونى

٤٩٦

(قده) وذكر انه لا يصح جريان اصالة البراءة اذا كان موجبا للضرر.

حاصل الاشكال على هذا الشرط ان المورد ان كان مما يجرى فيه قاعدة الضرر فلا مجال للبراءة فيه لان قاعدة نفى الضرر دليل اجتهادى فلا شك ان الدليل الاجتهادى مقدم على الاصل فمع الظفر بالدليل الاجتهادى لا مجال للبراءة لعدم المقتضى لها حيث ان الدليل رافع لموضوع اصل البراءة بعبارة شيخنا الاستاد ان الرقم الاول هو العلم والرقم الثانى هى الادلة الاجتهادية والرقم الثالث هو الاصول العملية فظهر انه مع وجود الرقم السابق لا تصل النوبة الى الرقم اللاحق.

قال صاحب الكفاية ايها المشترط هذا الشرط فان كان المراد عدم بقاء المورد لاصالة البراءة مع قاعدة نفى الضرر أى فان كان هذا مراد الفاضل التونى (قده) من الاشتراط فلا بد من اشتراط عدم مطلق دليل الاجتهادى على خلاف اصل البراءة لا خصوص قاعدة الضرر اذ لا فرق بين الادلة الاجتهادية.

فى بيان قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قوله ثم إنّه لا بأس بصرف الكلام الى بيان قاعدة الضرر والضرار الخ.

أى الكلام فى هذه القاعدة من جهات اشار فى هذا المقام الى اربعة منها وهى مقام السند ومقام الدلالة ومقام نسبتها مع ادلة عناوين الاولية ومقام نسبتها مع ادلة العناوين الثانوية واما مقام

٤٩٧

السند هذه القاعدة فانه قد استدل عليها باخبار كثيرة قد بين شرح هذه الاخبار فى المتن.

قوله اما دلالتها فالظاهر ان الضرر هو ما يقابل النفع الخ.

هذا بيان المقام الثانى أى مقام الدلالة توضيحه يتوقف على شرح معانى مفردات الالفاظ الواقعة فى متن الحديث من كلمات «لا» و «ضرر» و «ضرار» قال المصنف فالظاهر ان الضرر هو ما يقابل النفع هذا المعنى محكى من كتب اللغويين أى فالتقابل بين النفع والضرر هو التقابل العدم والملكة.

فاعلم ان التقابل على اربعة اقسام : الاول تقابل النقيضين أو السلب والايجاب مثل انسان ولا انسان : الثانى تقابل الملكة وعدمها كالبصر والعمى الثالث : تقابل الضدين كالحرارة والبرودة الرابع تقابل المتضايفين مثل الاب والابن قد ذكر تفصيل هذه الاقسام فى محلها.

لكن يشرح هنا القسم الثانى أى تقابل الملكة وعدمها لان هذا القسم محل الكلام مثلا البصر ملكة والعمى عدمها والمراد من الملكة وهو الوجود والمراد من العدم هو العدم المقيد أى العدم الذى كان من شأنه الوجود مثلا لا يصح ان يحل العمى الا فى موضع يصح فيه البصر لان العمى ليس هو عدم البصر مطلقا بل عدم البصر فيمن شأنه ان يكون بصيرا وكذا الحكم فى المقام أى المراد من الضرر هو عدم النفع لا عدمه مطلقا بل عدم النفع فى الشىء الذى شأنه ان يكون نافعا فثبت ان المكة وعدمها امران جودي وعدمي

٤٩٨

واما الضرار فى القاعدة المذكورة فهو ظاهر بمعنى الضرر جيء به تأكيدا والدليل له اطلاق المضار على سمرة بفتح السين وضم الميم وفتح الراء أى اطلاق المضار الذى هو من باب المفاعلة على سمرة مع تفرده فى الاضرار وكذا ضرار أى انه من باب المفاعلة أيضا لكن استعمل فى القاعدة المذكورة بمعنى الضرر.

قوله : كما ان الظاهر ان يكون لا لنفى الحقيقة الخ.

هذا بيان لمعنى كلمة «لا» فى القاعدة المذكورة أى يكون «لا» لنفى الحكم أو الاثر فتكون هذه القاعدة من دلالة الاقتضاء وهى أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلم ويتوقف صدق الكلام عقلا أو شرعا أو لغة عليها نحو هذه القاعدة المذكورة أى لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام فان صدق الكلام يتوقف على تقدير الاحكام والآثار الشرعية لتكون هى المنفية حقيقة لوجود الضرر والضرار قطعا عند المسلمين هذا من كلام شيخنا الاستاد.

اما صاحب الكفاية فقال ان «لا» لنفى الحقيقة أى نفى الحقيقة ادعاء قد ذكر فى محله ان الحقيقة واقعية وادعائية مثلا جعل الرجل الشجاع من افراد الحيوان المفترس حقيقة ادعاء الحاصل ان كلمة «لا» فى القاعدة المذكورة على قول صاحب الكفاية تكون لنفى الحقيقة أى حقيقة ادعاء.

واعلم ان صاحب الكفاية خالف الشيخ وقد تقدم مختاره عند تفصيل دلالة الاقتضاء وهو أن تكون كلمة «لا» لنفى الحكم أى نفى الحكم الضررى واورد عليه المصنف بان البلاغة فى الكلام

٤٩٩

تقتضى ارادة نفى الحقيقة لا نفى الحكم ابتداء قال صاحب الكفاية ان نفى الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة يفرق مع نفى أحدهما ابتداء مجازا ووجه الفرق ان البلاغة فى الكلام تقتضى ارادة نفى الحقيقة لا نفى الحكم ابتداء وان كان مرجع نفى الحقيقة الى نفى الحكم أيضا لكن البلاغة قرينة على ارادة نفى الحقيقة ادعاء.

ولا يخفى ان نفى الحكم أو الصفة ابتداء مجازا إما ان يكون من باب المجاز فى التقدير أى نفى الضرر غير المتدارك منه وإما ان يكون من باب المجاز فى الكلمة أى ينفى الحكم الشرعى الذى ينشأ منه الضرر أى جعلت الكلمة الضرر بمعنى الحكم بعلاقة السببية وهذا المعنى المجازي اقرب المجازات عند تعذر ارادة المعنى الحقيقى.

قوله ثم الحكم الذى اريد نفيه بنفى الضرر الخ.

قد بين ان المراد من لا ضرر هو نفى الحقيقة ادعاء واما نفى الحكم فهو بلسان نفى الموضوع أى بلسان نفى الضرر فاراد المصنف ان يبين الحكم الذى ينفى بقاعدة الضرر فقال ان المراد بذلك الحكم هو الثابت لموضوع بعنوانه الاولى كوجوب الصلاة والصوم والحج أو المراد بذلك الحكم هو المتوهم ثبوته لموضوعه بعنوانه الاولى كالنكاح على محارم.

الحاصل ان نفى الحكم حقيقة يقتضى ثبوته حقيقة أو توهما لان النفى فرع الاثبات مثلا الصوم اذا صار مضرا ارتفع حكمه بقاعدة الضرر فظهر ان الضرر سبب لارتفاع حكم الموضوع الذى

٥٠٠