هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

الحاصل ان وجوب التصديق الذى يتحقق به خبرية خبر الصفار مثلا ويجعله موضوعا لا يمكن ان يكون الحكم له أيضا.

وقال المصنف لا مجال لهذا الاشكال واشار الى وجه عدم المجالية لهذا الاشكال.

بقوله : وذلك لانه اذا كان خبر العادل ذا اثر شرعى بحكم الآية وجب ترتيب اثر عليه اى هذا اشارة الى تعليل عدم ورود الاشكال المذبور على خصوص الوسائط وحاصله ان ما تقدم من وجوه الثلاثة فى جواب عن الاشكال المذكور جار بعينه هنا لانّ منشأ الاشكال هو لحاظ افراد الاثر موضوعا لوجوب التصديق دون ما اذا كان الموضوع طبيعة الاثر فاذا لوحظت طبيعة الاثر موضوعا لم يرد الاشكال لان طبيعة الاثر لا تكون ناشئة عن نفس الحكم بوجوب التصديق حتى يلزم اتحاد الحكم والموضوع كما اننا نقطع بعدم الفرق بين الآثار الاخرى المترتبة على ما اخبر به العادل وبين هذا الاثر اعنى وجوب التصديق هذا مضافا الى عدم القول بالفصل بين اثر واثر آخر.

الاستدلال على حجية الخبر بآية النفر

قوله : ومنها آية النفر قال الله تبارك وتعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية.

يستدل بهذه الآية على حجية الخبر من وجوه :

أحدها ان كلمة لعلل فى الآية المباركة تدل عليها : تقريب هذا الاستدلال يحتاج الى امور.

١٦١

الاول : انّ تلك الكلمة ظاهرة فى الترجى الحقيقى اما لكونه موضوعا له كما نسب الى المشهور. او لانصرافه الى كونه الداعى الى استعماله فى معناه الذى هو مفهوم الترجى كما على المختار أو الترجى الانشائى كما على مختار المصنف كما تقدم فى مباحث الالفاظ.

الثانى : ان حفظ الظهور المذكور غير ممكن اذا وقعت تلك الكلمة فى كلامه تعالى من غير حكاية لاستلزامه الجهل : تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الثالث : انه اذا تعذر ارادة الحقيقة بالمعنى المذكور فاقرب المجازات متعين.

الرابع : ان اقرب المجازات للترجى الحقيقى فى خصوص المقام هو المحبوبية وان لم يكن كذلك عند الاطلاق لكونه عبارة عن الارتقاب سواء تعلق بالمحبوب أو المكروه.

الخامس : ان محبوبية الحذر ملازم لوجوبه شرعا لعدم القول بالفصل : وعقلا لانّه عبارة عن الخوف عن العقوبة وعلى تقدير وجود المقتضى له من العلم بالتكليف أو قيام علمى به يجب اذ حينئذ يعلم بالعقوبة او تحتمل والعقل حاكم بوجوب دفع العقوبة مقطوعة أو محتملة وعلى تقدير عدم المقتضى فلا محبوبية ولا حسن له بل لا موضوع له حينئذ حتى يكون محبوبا : فحينئذ يستكشف عن وجوب الحذر بعد الانذار ان قوله كان حجة والا فلا يتحقق الحذر لكون المورد من مصاديق العقاب بلا بيان.

الحاصل ان آية المباركة دلت على وجوب الحذر عند انذار

١٦٢

المنذرين من دون افادة خبرهم العلم فيثبت من هذا البيان المذكور وجوب العمل بخبر الواحد.

اما وجوب الحذر فان لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجى ظاهرة فى كون مدخولها محبوبا للمتكلم اذا ثبت حسن الحذر ثبت وجوبه اما لما ذكره فى المعالم من انّه لا معنى لندب الحذر اذ مع قيام مقتضى يجب ومع عدمه لا يحسن هذا معنى وجوب الحذر بناء على قول صاحب المعالم (قدس‌سره).

وقد ذكر وجوب الحذر بوجه آخر أيضا وهو ان رجحان العمل بالخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب لان كل من اجازه فقد اوجبه قد ثبت الاستدلال بالآية المباركة على حجية الخبر من الوجه الاول أى قد ذكر وربما يستدل بها من وجوه.

قوله : ثانيها انه لما وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب الخ.

هذا وجه الثانى للاستدلال بالآية المباركة على حجية الخبر توضيحه دعوى الملازمة بين انذار الواجب بسبب كونه غاية للنفر الواجب وبين وجوب الحذر واما وجوب النفر فلدلالة لو لا التحضيضية عليه قد علم فى محله ان حروف التحضيض وهى لو لا ولو ما ـ الا ـ الا ـ هلا اذا دخلت على المضارع افادت طلب الفعل والحث والترغيب عليه واذا دخلت على الماضى كما فى الآية المباركة افادت الذم والتوبيخ على تركه ... قال ملا جامى ان معنى حروف التخصيص اذا دخلت على الماضى التوبيخ واللوم على ترك الفعل ومعناها فى المضارع هو الحض على الفعل والطلب له ومن المعلوم انه لا يحسن الذم والتوبيخ على ترك

١٦٣

شىء الا اذا كان واجبا فلا بد ان يكون النفر فى المقام واجبا لتوجه الذم على تركه اما وجوب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب وما هو غاية للواجب واجب واما وجوب الحذر فلانه لو لم يجب الحذر بقبول قول المنذر لفى وجوب الانذار اذ لا معنى لوجوب الانذار مع عدم وجوب العمل بقول المنذر فمناط هذا الوجوب انه يلزم لغوية وجوب الانذار اذا لم يكن القبول واجبا الظاهر ان وجوب النفر دليل على حجية الخبر.

قوله : ثالثها انه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب الخ.

أى الثالث من وجوه الاستدلال بآية النفر ان لعل هنا وقع موقع الغاية نظير قوله اسلم لعلك تفلح وقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) و (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وحينئذ فالغاية المترتبة على الانذار الواجب لكونه غاية للنفر الواجب ـ هى الحذر وغاية الواجب واجبة فيكون الحذر واجبا.

والفرق بين وجوه الثلاثة ان الوجه الاول ناظر الى دعوى الملازمة بين محبوبية الحذر عند الانذار وبين وجوبه شرعا وعقلا والثانى ناظر الى لزوم لغوية وجوب الانذار لو لم يجب الحذر والثالث الى دعوى الملازمة بين وجوب الانذار ووجوب الحذر لكونه غاية للانذار كوجوب نفس الانذار لكونه غاية للنفر الواجب.

وقد استدل على حجية الخبر بآية النفر من الوجوه الثلاثة لكن يشكل على الاستدلال المذكور قال صاحب الكفاية ويشكل الوجه

١٦٤

الاول والغرض من هذا الاشكال هو رد الوجه الاول اى رد التلازم بين محبوبية الحذر ووجوبه عقلا وشرعا وحاصل الرد بالنسبة الى الملازمة العقلية انه اذا كان الحذر عن العقوبة لوجود المقتضى له وهو تنجز التكليف بالحجة من علم أو علمى فلا اشكال حينئذ فى ثبوت الملازمة العقلية بين حسن الحذر ووجوبه عقلا.

واما اذا كان الحذر عن ملاك التكليف اعنى المفسدة أو فوات المصلحة مع فرض عدم قيام الحجة على نفس التكليف فالملازمة بين حسن الحذر وبين وجوبه عقلا ممنوعة لكون العقوبة حينئذ بلا بيان ولا دليل على وجوب الحذر عن مجرد الملاكات من دون مطالبة المولى لها وان كان حسنا بل مقتضى البراءة فى الشبهات البدوية عدم الوجوب هذا بيان لعدم الملازمة بين حسن الحذر ووجوبه عقلا.

واما عدم الملازمة بينهما شرعا فهو ان عدم الفصل بين حسن الحذر وبين وجوبه شرعا فيما لم يقم الحجة على التكليف غير ثابت شرعا فدعوى الملازمة الشرعية بين حسن الحذر وبين وجوبه كدعوى الملازمة العقلية بينهما ممنوعة.

قوله : والوجه الثانى والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بالتحذر تعبدا

هذا اشكال على الوجه الثانى والثالث أى لا يصح الاستدلال على حجية الخبر بالوجه الثانى والثالث من وجوه الاستدلال بآية النفر وحاصل الاشكال عليهما ... انهما بعد تسليم اقتضاهما لوجوب الحذر لا يدلان على وجوبه مطلقا ولو مع عدم افادة

١٦٥

الانذار العلم اذ لا ينحصر فائدة الانذار فى الحذر حتى يقال بوجوبه على المنذر بالفتح بمعنى العمل بقول المنذر بالكسر وان لم يفد العلم فيختص وجوب العمل بقول المنذر بما افاد العلم.

قوله ضرورة ان الآية مسوقة لبيان الوجوب النفر لا لبيان غاية التحذر.

هذا تعليل لنفى الاطلاق واشارة الى الدفع التوهم اما التوهم فهو ان اطلاق الآية يقتضى عدم اختصاص وجوب الحذر بصورة افادة الانذار للعلم فيجب العمل بقول المنذر مطلقا يعنى سواء حصل العلم بقوله للمنذر بالفتح ام لا.

واما الدفع فهو انه لا اطلاق للآية من هذه الجهة حتى يدل على حجية قول المنذر مطلقا اذ الآية غير مسوقة لبيان غاية التحذر حتى يكون لها اطلاق من هذه الجهة بل مسوقة لبيان وجوب النفر ومن المعلوم انه مع عدم احراز الاطلاق من جهة لا يمكن التمسك به من تلك الجهة فلعل وجوب الحذر كان مشروطا بما افاد الانذار العلم.

قوله فان النفر انما يكون لاجل التفقه وتعلم الدين الخ.

هذا بيان لاستظهار كيفية وجوب الحذر بافادة الانذار العلم.

قوله كى ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين الخ.

أى ينذر بمعالم الدين المتخلفين أو النافرين وكان هذا الترديد بينهما بناء على وجهين فى تفسير الآية : احد هذين

١٦٦

الوجهين ان المتفقهين هم النافرون أو ان المتفقهين هم المتخلفون.

قوله ثم إنّه اشكل ايضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر الخ.

هذا ايراد على اصل الاستدلال بالآية على حجية الخبر حاصله انه لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند انذار المنذر ولو لم يفد العلم لكن لا تدل على وجوب العمل بالخبر من حيث إنّه خبر لان الانذار هو ابلاغ مع التخويف ومن المعلوم ان التخويف لا يجب الا على الوعاظ فى مقام الايعاد على الامور التى يعلم المخاطبون بحكمها حاصل قول المستشكل ان الآية لا تصلح لاثبات حجية الخبر من حيث كونه خبرا وانما تثبت حجية الخبر فيما اذا كان مع الانذار والتخويف.

ولا يخفى ان ما ذكر شأن الواعظ الذى وظيفته الارشاد وشأن المجتهد بالنسبة الى العوام فالآية لا تدل على اعتبار الخبر بما هو خبر بل تدل على اعتباره بما هو امر اجتهادى أوامر ارشادى فالظاهر ان الانذار هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة الى المسترشد أو المقلد فالاولى الاستدلال بالآية على اعتبار الفتوى أو الارشاد ولا يصح للاستدلال بها على حجية مطلق الخبر.

قوله : قلت لا يذهب عليك انه ليس حال الرواة فى الصدر الاول فى نقل ما تحملوا من النبى (ص).

هذا جواب عن الاشكال المذكور حاصله ان الرواة فى الصدر الاول يجب عليهم التخويف لكونهم جامعين بين حيثية الاجتهاد

١٦٧

وحيثية الرواية ولذا قيد بقوله فى الصدر الاول اذ معية بين المرتبتين فيه دون هذا الزمان فحينئذ يصح الاستدلال لدلالة الآية على وجوب قبول قول من يجب الانذار عليه مطلقا ولو من حيث كون راويا.

واذا فرض دلالة الآية على حجية نقل الراوى مع التخويف كان نقله حجة بدونه ايضا لعدم القول بالفصل بينهما.

قوله : ومنها آية الكتمان ان الذين يكتمون ما انزلنا الآية

أى الاستدلال بآية الكتمان يتوقف على امور : الاول كون المراد من البينات والهدى اعم من الاصول والفروع.

الثانى وجود اطلاق لحرمة الكتمان حتى فى صورة عدم العلم.

الثالث ان الحرمة ملازمة عقلا لوجوب القبول اذا تمت هذه الامور ثبتت الملازمة عقلا بين حرمة الكتمان واستلزام القبول اذ لا معنى لحرمة الكتمان من دون لزوم القبول كما قال المصنف تستلزم القبول للزوم لغوية بدونه فثبت لاجل الملازمة المذكورة حجية الخبر بعبارة اخرى اذا كان كتمان الخبر حراما وجب اظهاره وكذا وجب على المخاطب قبوله.

قوله : ولا يخفى انه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال للايراد على هذه الآية.

والغرض من هذا الكلام دفع ما اورده الشيخ (قدس‌سره) وحاصله انّ هذين الايرادين هما اللّذان تقدما فى استدلال على آية النفر من ثبوت تشكيك فى الاطلاق المثبت لحجية الخبر وان لم يفد العلم هو المطلوب فى حجية الخبر اى التشكيك حاصل بين

١٦٨

الاطلاق المذكور وبين دعوى استظهار اشتراط الحجية بما اذا افاد العلم فكان الاستدلال بالآية مجملا.

وحاصل رد الاشكال انّه بعد القول بالملازمة العقلية بين الامرين كيف يمكن دعوى الاهمال أو كون المراد صورة العلم مع حكم العقل بالملازمة.

بعبارة اخرى انه بعد تسليم الملازمة العقلية بين وجوب الاظهار ووجوب القبول لا مجال لدعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص اذ لا اهمال فى موضوع حكم العقل لانه اذا احرز موضوع حكمه حكم به بنحو الاطلاق أى سواء حصل العلم عقيب الاظهار أم لا.

قوله : ولكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة الخ.

أى الملازمة ممنوعة وهذا اشكال على الاستدلال بالآية وحاصله منع الملازمة لعدم انحصار الفائدة فى القبول تعبدا كما هو المطلوب لتثبّت الملازمة ويتم الاستدلال بالآية على حجية الخبر غير العلمى لامكان أن تكون الفائدة فى وجوب الاظهار افشاء الحق واتمام الحجة لا لاجل حجيته تعبدا.

قوله : ومنها آية السؤال عن أهل الذكر الخ.

وهذا الاستدلال مبنى على دعوى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول اذ يلزم لغوية وجوب السؤال بدون وجوب القبول. فيدل وجوب السؤال على وجوب القبول.

١٦٩

قوله : وفيه ان الظاهر منها ايجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب الخ.

حاصل الاستدلال ان الظاهر من وجوب السؤال كونه فى صورة الجهل كما يقتضيه قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أى يقتضى هذا ان السؤال لتحصيل العلم فلا تدلّ الآية على وجوب الاخذ بقول أهل الذكر بل فى خصوص صورة افادة العلم.

قوله : وفيه ان كثير من الرواة يصدق عليهم انهم اهل الذكر والاطلاع الخ.

هذا جواب عن الايراد الثالث المتقدم وحاصله انّ أهل الذكر وان كان لا يطلق على من علم من طريق الحواس الظاهرة كما فى المقام حيث انّ الراوى يعلم كلام المعصوم عليه‌السلام بالسمع فلا يطلق عليه أهل العلم الا ان فى الرواة من كان جامعا بين المرتبتين أى الفتوى والرواية فيشمل الآية باعتبار كونه من أهل الذكر وبعدم الفصل قطعا يتم المطلوب أى يعتبر قوله راويا بعدم الفصل فى اعتبار رواية بينه وبين من لا يكون الا راويا.

هذا كما قال صاحب الكفاية فاذا وجب قبول روايتهم فى مقام الجواب بمقتضى هذه الآية الخ.

أى قد ثبت بمقتضى آية السؤال حجية قول كثير من الرواة لانهم أهل الذكر والاطلاع على رأى الامام عليه‌السلام فيجب قبول الرواية هذه الرواة أى زرارة وامثاله فى مقام جواب السائل اما حجية قول الرواة التى لم تكن من أهل الذكر ولم يكن قولهم فى

١٧٠

مقام الجواب فيثبت حجية قول هذه الرواة من باب عدم الفصل فى وجوب القبول بين المبتدإ والمسبوق.

أى المراد من المبتدإ هو الرواية التى لم تكن فى مقام الجواب.

والمراد من مسبوق هو الرواية التى كانت مسبوقة بالسؤال وبعبارة اخرى كانت فى مقام الجواب وكذا لا فرق بين اضراب وامثال زرارة وغيرهم ممن لم يكن من أهل الذكر.

قوله : فافهم.

هذا اشارة الى رد الجواب حاصله ان الاستدلال بالآية لا يتعدى الى غير اهل الذكر وكذا لا يتعدى الى الرواية التى لم تكن مسبوقة بالسؤال لان قدر المتيقن ما كانت الرواة فيه من أهل الذكر وأيضا كانت روايتهم فى مقام الجواب.

قوله : ومنها آية الاذن ومنهم (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) الخ.

وجه الاستدلال بالآية المباركة لحجية الخبر ان الله تبارك وتعالى مدح نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بانه يصدق المؤمنين فيشمل الحكم النبى وغيره لان حسن التصديق يلازم حجية الخبر وتصديق كل واحد من المؤمنين.

وكذا تدل الآية على حسن المتابعة والتأسى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أى كنّا أيضا مصدق كل واحد من المؤمنين فدلّت الآية المباركة على حجية كل خبر مؤمن وان لم يفد العلم ولا يمكن حمل ما ذكر على ما افاد العلم لان التصديق فى صورة افادة العلم ليس من جهة تصديق المؤمن من حيث انّه مؤمن بل انما هو من

١٧١

جهة العلم بالواقع فلا يكون مدحا.

والظاهر ان الآية انما تكون فى مقام المدح فيكون تصديق المؤمن بما هو تصديق المؤمن محبوبا هذا مع اقترانه بتصديقه له تبارك وتعالى ومن المعلوم ان تصديقه تعالى لازم فكذا ما بعده من تصديق المؤمنين أى لم يكن الفرق فى الآية المباركة بين تصديقه تعالى وتصديق المؤمنين قد ثبت الى هنا حجية الخبر بالآية المباركة.

قوله : وفيه أوّلا انما مدحه بانه اذن وهو سريع القطع الخ.

أى قد اشكل المصنف على الاستدلال بالآية بالوجهين.

الاول انه مدح النبى بانّه اذن فالمراد بالاذن السريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبّدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه الحاصل ان الآية تدل على انّه سريع القطع فيكون تصديقه للمؤمنين لاجل حصول القطع بقولهم لا مطلقا والظاهر ان حصول القطع للنبى بقول المؤمنين اجنبى عن مقام البحث هذا الاشكال الاول على حجية الخبر فى الاستدلال بالآية.

قوله : وثانيا انه انما المراد بالتصديق للمؤمنين هو ترتب خصوص الآثار الخ.

الظاهر ان التصديق على اقسام اربعة.

الاول : التصديق الوجدانى وهو حصول القطع لا بنحو السرعة بل بنحو المتعارف.

الثانى : التصديق التعبدى بمعنى حمل قوله على الحسن فى مقابل القبيح بمعنى انّ قوله هذا واقع على وجه غير ممتنع.

١٧٢

الثالث : الصورة ولكن بمعنى ترتّب آثار الواقع التى تنفعه ولا تضرّ غيره.

الرابع : الصورة بمعنى ترتب جميع الآثار الواقع المخبر به وهذا هو المراد من حجية الخبر.

اذا عرفت أقسام التصديق وأيضا عرفت ان المراد من حجية الخبر بمعنى ترتب جميع الآثار الواقع للمخبر به.

فنقول ان قوله ثانيا الايراد الثانى على الاستدلال بالآية لحجية الخبر توضيحه ان المراد من التصديق فى الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه : اذ لو كان المراد به ذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس والظاهر انّ المراد فى حجية خبر الواحد هو ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتب على المخبر به واقعا على اخبار الثقة أو العادل سواء كانت ضررا على المخبر ام نفعا له وحينئذ فاذا اريد من التصديق غير هذا المعنى لم يكن مرتبطا بحجية الخبر واما فى المقام فان الآية الشريفة تدل على انه اذن خير لجميع المؤمنين لدلالة الجمع المحلى على العموم فلا يمكن ارادة جميع الآثار من التصديق اذ لو اريد الجميع لم يكن صلى الله عليه اذن خير بجميع الناس بل اذن خير لخصوص المخبر مثلا اذا اخبر المخبر بان زيدا سرق فهذا اذن خير للمخبر لا لزيد فان تصديق هذا الخبر لم يكن خيرا لزيد بل شرا له أى اذا لم يصح التصديق بترتب جميع الآثار فلم يصح الاستدلال بالآية على حجية الخبر لان المطلوب فى باب حجيته هو التصديق بترتب جميع الآثار.

١٧٣

قوله : ويظهر ذلك من تصديقه للنمام الخ.

ويذكر هنا قبل الاشكال على الاستدلال بالآية سبب نزولها وهو ان عبد الله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيسمع كلامه وينقله الى المنافقين وينم عليه فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك الى المنافقين فقال رسول الله (ص) من هو فعرفه لرسول الله فدعاه واخبره من عمل قبيحه فحلف انه لم يفعل فقال رسول الله (ص) قد قبلت منك أى صدق رسول الله بعد الحلف قول هذا المنافق فرجع الى اصحابه فقال ان محمد اذن اخبره الله تعالى انى أنمّ عليه وانقل خبره فقبل ... واخبرته انى لم افعل ذلك فقبل فانزل الله على نبيه هذه الآية الذين يؤذون النبى ... الآية.

الحاصل انه لا يبقى المجال للاستدلال بالآية على حجية الخبر لان تصديق المنافق لم يكن لترتيب جميع الآثار على خبره اذا تمّ بيان وجه نزول الآية شرع الى توضيح قوله ويظهر ذلك من تصديقه (ص) للنمام اى يظهر ان المراد بتصديقه للمؤمنين هو خصوص الآثار التى تنفعهم والظاهر ان المراد بالتصديق فى الآية خصوص ما ينفعهم ولا يضر غيرهم وفى باب حجية الخبر ترتيب جميع الآثار على المخبر به هذا موجب للفرق بين تصديق المؤمنين المستفاد من الآية والتصديق المطلوب فى اعتبار خبر الواحد.

فيظهر من الآية ان النبى (ص) صدق النمام بانه لم ينمه وكذا النبى صدق الله بانه نمّه فهذان التصديقان جمع بين المتنافيين

١٧٤

هذا دليل بعدم تصديقه (ص) بهذا المعنى للنمام المنافق أى لم يترتب جميع الآثار على المخبر به فى تصديق النمام.

قوله : كما هو المراد من التصديق فى قوله (ع) فصدقه وكذبهم

أى كذا المراد من التصديق فى قوله (ع) هو خصوص الآثار التى تنفع المخبر والظاهر ان هذه الرواية خطاب لمحمد ابن الفضيل القائل للامام عليه‌السلام والمقصود من نقل هذه الرواية قال الامام (ع) لهذا الشخص انه ان شهد عندك خمسون قسامة ان مؤمنا فعل كذا وقال كذا وقال ذلك المؤمن انى لم افعله فصدقه وكذبهم أى صدق اخاك المنكر بما ينفعه وكذب خمسين قسامة.

الظاهر ان المراد بالتصديق فى الآية الشريفة هو ترتيب خصوص الآثار النافعة دون الضارة ولم يكن المراد فيها تصديق جميع الآثار كما هو المطلوب من التصديق فى باب حجية الخبر.

الحاصل انه لم يصح الاستدلال بالآية على حجية الخبر.

قوله : وهكذا المراد بتصديق المؤمنين فى قصة اسماعيل.

هذه القصة على ما رويت فى الكافى عن حريز قال كان لاسماعيل ابن ابى عبد الله عليه‌السلام دنانير واراد رجل من قريش ان ان يخرج الى اليمن للتجارة فقال اسماعيل يا ابت ان فلانا يريد الخروج الى اليمن وعندى دنانير هل كان الصلاح ان أدفعها اليه لمضاربة فقال ابو عبد الله عليه‌السلام يا بنى اما بلغك انه يشرب الخمر فقال اسماعيل هكذا يقول الناس فقال يا بنى لا تفعل فعصى اسماعيل اباه ودفع اليه دنانيره فاستهلكها ولم يأته بشىء منها فقال ابو عبد الله لاسماعيل انت مقصر وقد بلغك انه يشرب الخمر ومع

١٧٥

هذا جعلته أمينا فقال اسماعيل انى لم اره بشرب الخمر انما سمعت الناس يقولون كذا فقال يا بنى ان الله عزوجل يقول فى كتابه ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين أى اذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ولا تأتمن شارب الخمر.

اذا عرفت ما ذكر فى قصة اسماعيل قال مصنف هكذا المراد بتصديق المؤمنين فى قصة اسماعيل أى كان المراد من الرواية فيها صرف تصديق المسلمين فيما ينفعهم وليس المراد من التصديق ترتيب جميع الآثار.

قوله : فصل فى الاخبار التى دلت على اعتبار الآحاد الخ.

أى قد استدل على حجية الخبر بالآيات المباركة وعرفت وجه الاشكال على الاستدلال بها ويذكر هنا الاستدلال بالاخبار على حجية الخبر الواحد هذه الاخبار طوائف كثيرة حيث دل بعضها على حجية قول الثقة. وهى كثيرة وبعضها على حجية قول العادل وبعضها على حجية خبر الشيعة لكنه يشكل الاستدلال بها على حجية الاخبار الآحاد وحاصله ان الاستدلال بالاخبار على حجية الاخبار الآحاد مستلزم للدور اذ هذه الاخبار فى انفسها اخبار آحاد وليست متواترة لفظا ولا معنى ومن انه لم يثبت حجية الخبر بل هى محل النزاع فحجية هذه الاخبار تتوقف على حجية مطلق الاخبار الآحاد وحجية مطلق الاخبار الآحاد موقوفة على اعتبار هذه الاخبار ولازمه توقف حجية هذه الاخبار على انفسها واجاب المصنف عن هذا الاشكال.

١٧٦

بقوله ولكنه مندفع بانها وان كانت كذلك الخ.

وحاصل الجواب عن الاشكال المذكور ان هذه الاخبار وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى لاختلاف الفاظها وكذا اختلافها من حيث المضمون ولكنها متواترة اجمالا بمعنى انه نعلم اجمالا بصدور بعض هذه الروايات عن المعصوم عليه‌السلام وحينئذ فالمتعين الاخذ بما هو اخصها مضمونا وهو خبر العدل الامامى اذا ثبت للاخص الحجية أى ثبت الحجية لخبر العدل الامامى فيتعدى الحكم الى ما كان اعم يعنى تعدى الحكم الى كل خبر الراوى وان لم يكن عادلا ولم يكن اماميا.

قوله فافهم اشارة الى عدم جواز تعدى الحكم الى الاعم لان القيود التى اعتبرت فى حجية الخبر دخيلة فى موضوع حجية الخبر اذا انتفى هذه القيود انتفى حجية الخبر مثلا اذا لم يكن الراوى عدلا اماميا فلم يكن قوله حجة.

قوله فصل فى الاجماع على حجية الخبر وتقريره من وجوه الخ.

أى استدل على حجية الخبر الواحد بالاجماع من وجوه ثلاثة احد هذه الوجوه ثبوت الاجماع أى فتاوى الاصحاب على الحجية فيكون الاجماع المحصل على الحجية أى حكى جماعة كثيرة الاجماع من قبل علماء الامامية على حجية الخبر اذا كان الثقة مأمونا فى نقله وان لم يفد خبره العلم وعلى رأس الحاكين للاجماع الشيخ الطائفة وكذا حكى عن الشيخ الاعظم فى الرسائل اعلى الله مقامهما قال صاحب الكفاية ويقطع به أى يقطع برأى الامام (ع) من باب

١٧٧

الحدس لعدم الاجماع الدخولى وبطلان اللطفى عند المصنف أى استدل على حجية الخبر بالاجماع المحصل والاجماع المنقول.

قوله ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما اخذ باعتباره الخ.

حاصل ما ذكره ان معاقد الفتاوى مختلفة حيث افتى بعضهم بحجية قول الثقة وبعضهم بحجية قول العادل الى غير ذلك من التفاصيل ولم يبلغ كل واحد من الطوائف مرتبة الاجماع اذا ثبت اختلاف معاقد الفتاوى ولم يبلغ شىء من هذه العناوين مرتبة الاجماع فلم يصح دعوى الاجماع والقطع برضا المعصوم باعتبار خبر الواحد أى لا يثبت من هذه الفتاوى المختلفة رضا الامام بحجية الخبر الواحد.

قوله : اللهم الا ان يدعى تواطؤها على الحجية فى الجملة الخ.

أى غرض من هذا تصحيح التمسك بالاجماع على حجية الخبر الواحد فيقال ان اصل اعتبار الخبر مفروغ عنه لديهم والاختلاف انما يكون فى شروط حجية الخبر مثلا بعضهم يقول ان الخبر الواحد حجة بشرط والآخر يقول ان الخبر الواحد حجة بشرط آخر فثبت حجية اصل الخبر ولا يضر اختلاف الشرائط فى اصل الحجية.

قال المصنف لكن دون اثباتها خرط القتاد أى اثبات تواطؤ واتفاق على حجية الخبر اشد اشكالا من خرط القتاد.

قوله ثانيها دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على

١٧٨

العمل بالخبر الواحد الخ.

أى استدل على حجية الخبر بالاجماع العملي المعبر بالسيرة المتشرعية كما ان الوجه الاول هو الاجماع القولى والمناط فى اعتبار كل من الاجماع القولى والعملي انما هو كشفه عن قول المعصوم (ع).

قوله : وفيه مضافا الى ما عرفت مما يرد على الوجه الاول.

اجاب المصنف عن الاستدلال بالاجماع العملي بوجوه الاول ما اشار اليه بقوله مضافا حاصله انّ سيرة المتشرعة وان كانت ثابتة على العمل بخبر الواحد الا انه ملاك الاعتبار بينهم مختلف حيث ان بعضهم يعمل به لانه خبر عدل امامى وآخر لانه خبر ثقة وآخر يقول انه مقبول عند الاصحاب.

والثانى انه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز انهم متفقون بما هم مسلمون الخ.

حاصل هذا الوجه الثانى منع الاجماع العملي على العمل بالخبر الواحد مطلقا وانما المسلم هو عملهم بالاخبار الموجودة فى الكتب الاربعة فبعضهم يعمل بالاخبار فى الكتب المعتبرة لكونها متواترة عنده والآخر يعمل بها لكونها فى نظره محفوفة بالقرينة الموجبة للعلم بالصدور والثالث يعمل بها لكونها عنده اخبار ثقة.

الظاهر انه بعد اتفاقهم على العمل بخبر الواحد لم يظهر ان اجماعهم هو لاجل كونهم مسلمين أو لكونهم عقلاء أى مع الغض عن تدينهم والتزامهم بدين أى ان كان عملهم بخبر الواحد لا

١٧٩

بعنوان كونهم مسلمين ومتدينين ولا بعنوان كونهم عقلاء فيرجع هذا الوجه الثانى الى الوجه الثالث وهو دعوى استقرار العقلاء على العمل بالخبر الواحد ولا يخفى ان تقريب هذا الوجه الثالث يتوقف على مقدمات اربعة الاولى احراز بنائهم على العمل بخبر ثقة فى احكامهم العرفية والشرعية الثانية عدم الردع عنه الثالثة وجود المقتضى للردع على تقدير عدم حجية الخبر عند الشارع والمراد من المقتضى هو فعلية الاحكام الواقعية اذ لو كانت الانشائية لم يستكشف من عدم الردع امضاء الشارع اذ عدم الردع فى هذا المورد يمكن ان يكون لعدم فعلية الاحكام الرابعة عدم المانع عن الردع كما فى مسئلة الخلافة فان عدم الردع فى هذه المسألة لا يدل على امضاء الشارع اذا تمت هذه المقدمات المذكورة ثبت الاستدلال باستقرار العقلاء بما هم عقلاء على حجية الخبر.

الحاصل انه ثبت الى زماننا هذا استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة ولم يردع المعصوم عنه فهذه السيرة دالة على حجية خبر الثقة ان قلت يكفى فى الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم أى هذا الكلام اشكال على التمسك على بناء العقلاء حاصله انه يكفى فى الردع عن سيرة العقلاء الآيات والاخبار.

أى تدل الآيات والاخبار على حرمة العمل بالظن.

بعبارة اخرى ان بناء العقلاء على العمل بالخبر الثقة مسلم لكن ثبوته لنا منوط على امضاء الشارع لهذا العمل ولم يثبت امضاء الشارع للعمل بالسيرة بل ثبت ردعه عنه لان العموم والاطلاق أى عموم واطلاق الآيات الناهية يكفى فى الردع عن

١٨٠