هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

قوله ربما يشكل فى جريان الاحتياط فى العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب الخ.

قد ذكر الشيخ الاعظم فى الرسائل الوجهين عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب وقال اقواهما العدم أى عدم جريان الاحتياط فى هذه الصورة لان العبادة لا بد فيها من نية التقرب المتوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا.

توضيح هذا الاشكال يتوقف على بيان امور ثلاثة :

الاول ان العبادة تتوقف على القصد القربة أى تكون من القيود المعتبرة فى متعلق الامر بل يكون قصد القربة مقوما لعبادية العبادة وهو فارق بين الواجب التوصلى والتعبدى.

الثانى ان قصد القربة عبارة عن قصد الامر دون غيره مما يوجب القرب الى الله تعالى.

الثالث ان الامر الذى يعتبر قصد التقرب به هو الامر المعلوم أى لا بد من العلم به تفصيلا كقصد الامر المتعلق بالصلاة المعلومة تفصيلا جميع اجزائها وشرائطها وقد يصح قصد الامر المتعلق بالصلاة المعلومة اجمالا كقصد الامر المتعلق باحدى الصلوات الاربع مثل تكرير الصلاة عند اشتباه القبلة.

اذا عرفت هذه الامور الثلاثة فاعلم ان الاحتياط عبارة عن الاتيان بالفعل العبادى بجميع ما له دخل فيه ومنه قصد الامر فاذا شك فى تعلق الامر من جهة دوران الفعل بين ان يكون واجبا وغير مستحب لم يكن الاتيان به من الاحتياط فى العبادة لعدم احراز تعلق الامر بذلك الفعل فالظاهر ان عنوان الاحتياط فى العبادة

٣٦١

حينئذ غير ممكن التحقق اذ لا علم بامر الشارع لا تفصيلا ولا اجمالا فلا يتمشى منه قصد القربة.

قوله وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدى فى رفع الاشكال الخ

هذا بيان للاجوبة التى ذكروها لدفع الاشكال متقدم من عدم صحة الاحتياط عند دوران الامر بين الواجب وغير المستحب اشار المصنف الى الجواب الاول الذى ذكروه لدفع الاشكال.

توضيحه ان قصد القربة وان كان عبارة عن قصد الامر المفروض عدم احرازه عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب لكن قصد الامر الشرعى بالاحتياط يستكشف عقلا أى يستكشف الامر الشرعى من قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع فان الاحتياط لما كان حسنا عقلا كان بهذه القاعدة مأمورا به شرعا فالحسن العقلى يدل بنحو اللم على تعلق الامر الشرعى به وقصد هذا الامر الشرعى كاف فى الاحتياط فى العبادة هذا جواب الاشكال المذكور.

وقد اورد المصنف على هذا الجواب بوجهين احدهما عدم امكان استكشاف الامر المولوى بالاحتياط من قاعدة الملازمة حاصل هذا الايراد انه لا مجال لاستكشاف الامر المولوى بالاحتياط من قاعدة الملازمة ضرورة ان حكم العقل بحسن الاحتياط كحكمه بحسن الاطاعة واقع فى سلسلة معلولات الاحكام لا عللها والظاهر ان مورد تلك القاعدة أى قاعدة الملازمة بين الحكم العقل والشرع انما هو الحكم العقلى الواقع فى سلسلة علل الاحكام وملاكها نظير قبح الظلم وحسن رد الوديعة فيصح الملازمة بين الحكم العقل والشرع

٣٦٢

فى مثل ما ذكر لا فى سلسلة المعلولات.

الحاصل ان حكم العقل بحسن الاحتياط حكم ارشادى مثل حكم العقل بحسن الاطاعة فان الامر بالاطاعة امر ارشادى ولا ينفع فى جعل الشىء عبادة وكذا الامر بالاحتياط أى لم يكن امرا عباديا فظهر من البيان المذكور عدم العلم بامر الشارع على الاحتياط هذا الايراد الاول عن المصنف على جواب الاشكال واشار المصنف الى الايراد الثانى عليه

بقوله : بداهة توقفه على ثبوت توقف العارض على معروضه الخ.

قد ذكر فى الايراد الاول ان قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع لا تجرى فى باب الاحتياط لان الاحتياط من انحاء الاطاعة ومن المعلوم ان حسن الاطاعة لا يلازم الامر المولوى بها فلا امر شرعا بالاحتياط هذا حاصل الايراد الاول.

واما الوجه الثانى أى الايراد الثانى على حسن الاحتياط فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب بعد فرض الملازمة بين حكم العقل والشرع توضيح هذا الايراد ان استكشاف الامر المولوى باحتياط على تقدير استفادته من قاعدة الملازمة لا يدفع الاشكال لان الاحتياط فى العبادة اتيان العمل العبادى بجميع ما يعتبر فيها شطرا كالسورة بالنسبة الى الصلاة أو شرطا كالطهارة لها ومنه الاتيان بقصد امرها وهو المراد بقصد القربة.

بعبارة اخرى ان الاحتياط فى العبادة هو الاتيان بجميع ما له دخل فيها ومنه قصد الامر فالامر مقدم على الاحتياط تقدم

٣٦٣

الموضوع على حكمه والعلة على معلولها وباعتبار ان الامر يستكشف من الاحتياط ويتولد منه حسب الفرض فالامر مؤخر عن الاحتياط تأخر العارض عن معروضه وتأخر الحكم عن موضوعه والمعلول عن علته فالامر بالاحتياط متوقف على ثبوت الاحتياط وثبوت الاحتياط متوقف على الامر به وهذا دور مصرح وعليه فاوامر الاحتياط لا تصلح لاثبات مشروعية الاحتياط فى العبادات.

فالحاصل انه علم فى الوجه الاول ان حسن الاحتياط عقلا لا يدل بقاعدة الملازمة على تعلق الامر المولوى به اذ الامر المتعلق بالاحتياط كالامر بالاطاعة ارشادى ومن المعلوم ان الامر الارشادى لا يصلح للتقرب به وعلم فى الوجه الثانى انه لو سلم استكشاف تعلق الامر المولوى من قاعدة الملازمة لا يدفع ذلك أيضا اشكال جريان الاحتياط فى العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب للزوم الدور الذى عرف تفصيله.

قوله : قد انقدح بذلك انه لا يكاد يجدى فى رفعه أيضا القول بتعلق الامر من جهة ترتب الثواب عليه.

هذا اشارة الى جواب آخر عن اشكال الاحتياط فى العبادة فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب أى اشكل فى جريان الاحتياط فى هذه الصورة لعدم العلم بامر الشارع.

وقد اجيب عن هذا الاشكال بان الامر الشرعى ثابت بقاعدة الملازمة بين الحكم العقلى والشرعى واورد على هذا الجواب بانه مستلزم للدور فاشار الى جواب آخر عن اشكال الاحتياط فى

٣٦٤

الصورة المذكورة حاصله ان الامر الشرعى فى الاحتياط يحرز من ترتب الثواب عليه أى لا ريب فى ترتبه على الاحتياط ولا يترتب الثواب على الشىء الا لكونه طاعة وكونه طاعة يتوقف على تعلق الامر به فثبت المطلوب أى يؤتى بالعبادة حينئذ بنية القربة.

وقد استدل على استحباب كثير من الاعمال بترتب الثواب عليها كالحكم باستحباب زيارة قبر فاطمة المعصومة بنت الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام بقم المقدسة لقول حضرت الرضا عليه‌السلام فى جواب من سأله عن زيارتها ... من زارها فله الجنة وعليه فيصير الاحتياط مستحبا شرعا ويقصد هذا الامر الاستحبابى المصحح لعبادية الفعل المشكوك وجوبه واباحته.

ورد المصنف هذا الجواب بقوله انه لا يكاد الخ.

توضيح كلامه ان تعلق الامر بالاحتياط سواء كان استكشافه بنحو اللم لقاعدة الملازمة أى يكشف بالعلة المعلول أم بنحو الإن لترتب الثواب عليه أى يكشف بالمعلول العلة أى ان تعلق الامر بالاحتياط فرع امكان الاحتياط.

وقد عرفت عدم امكانه لمحذور الدور وهو توقف الامر بالاحتياط على امكانه : وتوقف امكانه على العلم بامره : والعلم بامره متوقف على الامر بالاحتياط حتى يتعلق به العلم : والامر به متوقف على امكانه هذا دور وحيث يتعذر العلم بالامر لمحذور الدور فيتعذر الاحتياط ولا يمكن استكشاف الامر به بالبرهان الإني أى ترتب الثواب عليه فى بعض الاخبار لانه لو ثبت هذا الامر لكان لا محالة متأخرا عن موضوعه أى الاحتياط فكيف يكون

٣٦٥

الامر من مبادى ثبوت الاحتياط.

قوله : وما قيل فى دفعه من كون المراد بالاحتياط فى العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة الخ.

قد اشكل على حسن الاحتياط شرعا فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب حاصل الاشكال ان العبادة متوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا ولم يكن طريق الى العلم بامر الشارع فى الصورة المذكورة فلم يصح الاحتياط فيها قد اجيب عن الاشكال بان الامر الشرعى يكشف من قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع واورد على هذا الجواب أولا ان الامر على الاحتياط ارشادى مثل الامر على الاطاعة واورد ثانيا انه لو سلم استكشاف الامر المولوى لزم الدور واشار المصنف الى التوضيح الدور.

بقوله : مع ان حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم الخ.

أى ان استكشف امر الشارع بالاحتياط بنحو البرهان اللمى وهو ان يكشف الامر الشرعى من ناحية العلة وهى فى المقام الحسن العقلى فهو مستلزم للدور قد ذكر تفصيل الدور وكذا لا يصح كشف الامر الشرعى على الاحتياط بالبرهان الانّى أى لا يصح كشف أمر الشارع من ناحية المعلول وهو فى المقام ترتب الثواب على الاحتياط وهذا أيضا مستلزم للدور هذا تكرار للدرس السابق تبعا لشيخنا الاستاد الآن يشرع فى الجواب الثالث عن اشكال الاحتياط وكذا يذكر ايراد على هذا الجواب.

٣٦٦

قال المصنف وما قيل فى دفعه الخ.

هذا هو الجواب الثالث عن اشكال الاحتياط فى العبادات حاصل هذا ما افاده الشيخ الاعظم بقوله ان المراد من الاحتياط والاتقاء فى هذه الاوامر هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة مثلا معنى الاحتياط فى الصلاة الاتيان بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد القربة فاوامر الاحتياط تتعلق بهذا الفعل وحينئذ فيقصد المكلف فيه التقرب باطاعة هذا الامر أى الظاهر من كلام الشيخ قدس‌سره تصحيح الاحتياط فى العبادات باوامر الاحتياط الواردة فى الاخبار واللازم قصد هذا الامر.

واجاب عن لزوم الدور بما حاصله ان لزومه ناش من كون المراد من الاحتياط بالنسبة الى العبادات فى تلك الاخبار معناه الحقيقى وهو اتيانها بجميع ما يعتبر فيها حتى قصد الامر أى المعنى الحقيقى فى الاحتياط هو اتيان العبادة بجميع ما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط حتى قصد الامر فيلزم بارادة هذا المعنى من الاحتياط الدور المذكور واما اذا اريد معناه المجازي وهو اتيان العبادة بجميع ما يعتبر فيها عدا قصد الامر وحينئذ يدفع الدور وتتحقق العبادات بقصد الامر الاحتياطى.

ويمكن دفع هذا الجواب بوجوه الاول ما اشار اليه المصنف.

بقوله : مضافا الى عدم مساعدة دليل عليه الخ.

حاصله ان الاحتياط اذ كان ظاهرا فى معناه الحقيقى فاى وجه يقتضى حمله على المعنى المجازي الذى يشمل العبادات.

توضيح هذا الايراد انه لا وجه لرفع اليد عن ظهور الاحتياط

٣٦٧

فى الاخبار الآمرة به فى معناه الحقيقى اعنى الاتيان بالفعل بجميع ما يعتبر فيه حتى نية القربة المعتبرة فى العبادات أى لا وجه لرفع اليد عن ظهور الاحتياط وصرفه الى هذا المعنى المجازي اعنى الاتيان بالفعل مجردا عن قصد القربة حتى يتمكن الاحتياط فى العبادات التى لم يعلم امر الشارع بها وذلك لمغايرة الاحتياط بهذا المعنى المجازي للاحتياط المأمور به فى الاخبار موضوعا وحكما.

اما موضوعا فلان ما يستقل بحسنه العقل ويرشد اليه النقل هو الاتيان بالفعل بجميع ما يعتبر فيه حتى قصد تقرب فى العبادة فجعل الاحتياط المأمور به هو ذات الفعل المجرد عن نية التقرب اجنبىّ عن معناه المعروف هذا بيان لمغايرة الاحتياط بهذا المعنى المجازي موضوعا.

واما وجه مغايرة هذا المعنى المجازي للاحتياط المأمور به فى الاخبار حكما فلان الامر بالاحتياط ارشادى كالامر بالاطاعة ولا ينفع هذا الامر فى جعل الشىء عبادة ولا يكون منشأ للقرب.

الثانى انه على فرض المولوية غيرى وهو غير مصحح للعبادية.

الثالث انه على تسليم النفسية توصلى يسقط باتيان متعلقه كيف ما اتفق.

واشار الى ما ذكر صاحب الكفاية بقوله كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا أى الاحتياط هو شىء لو دل عليه الدليل كان مطلوبا مولويا لا ارشاديا وأيضا كان مطلوبا نفسيا عباديا لا غيريا ولا توصليا.

٣٦٨

قال صاحب الكفاية والعقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط أى ان العقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط الحقيقى لا بحسن ما ذكره الشيخ قدس‌سره من المعنى المجازي والنقل أيضا يرشد الى الاحتياط الحقيقى لا الى المعنى الذى ذكره الشيخ (قدس‌سره) لانه اجنبى عما يحكم بحسنه العقل ويرشد اليه النقل.

قوله نعم لو كان هناك دليل على الترغيب فى الاحتياط فى خصوص العبادات الخ.

قد ذكر عدم مساعدة دليل لحسن الاحتياط اذا كان المراد منه معناه المجازي واستدرك عليه بقوله نعم وغرضه ان حمل الاحتياط على معناه المجازي لا وجه له الا بدلالة الاقتضاء وهى أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلم بحسب العرف ويتوقف صدق الكلام عليها مثلا قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) فان صحته عقلا تتوقف على تقدير لفظ أهل أى يكون من باب حذف المضاف توضيح هذه الدلالة فى ما نحن فيه انه اذا قام الدليل على الترغيب فى الاحتياط فى خصوص العبادة كقضاء الصلاة لمجرد خلل موهوم فيها ولم يمكن ارادة معناه الحقيقى لعدم احراز الامر حسب الفرض حتى يقصده ويصير الفعل عباديا فانه لا بد حينئذ من تجريد الفعل عن نية التقرب والاتيان به كذلك امتثال لامر الشارع بالاحتياط.

ولا يخفى ان ارتكاب هذا المعنى المجازي مما لا بدّ منه صونا لكلام الحكيم عن اللغوية اذ لو لم يجرد الفعل عن قصد القربة لم يمكن الاحتياط فيه فلا بدّ من تعلق الامر الاحتياطى بما عدا القربة من من الاجزاء ولشرائط.

٣٦٩

قوله : انه التزام بالاشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى.

والظاهر انه التزام من حيث الاعراب مبتداء مؤخّر وقوله فيه مضافا خبر مقدم وهو مذكور قبل سطور والجملة خبر لقوله وما قيل فى دفعه الخ ويصح ان يكون قوله فيه مضافا الخبر الاول لقوله وما قيل فى دفعه وقوله انه التزام بالاشكال الخبر الثانى له هذا هو أصل الاشكال على كلام الشيخ (قدس‌سره).

وتوضيحه ان صرف الاحتياط عن معناه الحقيقى الى المعنى المجازي وهو الاتيان بالفعل مجردا عن قصد القربة تسليم لاشكال جريان الاحتياط فى العبادة لان تجريده عن قصد الامر دليل على عدم امكان الاحتياط بمعناه الحقيقى فى العبادة.

قوله : هو كما ترى.

أى ان الالتزام بعدم جريان الاحتياط فى العبادة كما ترى لا يمكن المصير اليه لانه مورد لفتوى المشهور وقد تمسك لحل الاشكال الى وجه آخر.

بقوله : قلت لا يخفى ان منشأ الاشكال هو تخيل كون القرية المعتبرة فى العبادة الخ.

قد اجيب عن اشكال الاحتياط فى العبادة بالاجوبة الثلاثة لكن اورد عليها وبقى الاشكال بالاحتياط فى العبادة فاجاب صاحب الكفاية عن هذا الاشكال بلفظ قلت هذا هو الجواب الرابع عن اشكال الاحتياط فى العبادة واختاره فى حاشية الرسائل.

وتوضيح هذا الجواب ان الاشكال المذكور نشأ من تخيل كون

٣٧٠

وزان القربة المعتبرة فى العبادة وزان غيرها مما اعتبر فيها شرطا أو شطرا فى اعتبار تعلق الامر بها فيتعلق امر العبادة مثل صل بقصد القربة كتعلقه بغيره مما هو داخل فى المأمور به فيشكل حينئذ جريان الاحتياط فى العبادة لتعذر قصد الامر مع الشك فيه.

قال صاحب الكفاية وقد عرفت انه فاسد أى هذا التخيل فاسد كما ذكره فى المبحث التعبدى والتوصلى من عدم كون قصد القربة دخيلا فى المأمور به كدخل الاستقبال والستر فى الصلاة بل هو من الامور المحصلة للغرض والحاكم باعتباره ولزومه هو العقل أى يجب قصد القربة فى العبادة بحكم العقل فمتعلق الطلب فى مثل صل واحتط هو ذات الفعل وقصد القربة خارج عن ماهية المأمور به ولا يلزم الدور المذكور حينئذ اذ لم يكن قصد الامر دخيلا فى متعلقه على نحو سائر الاجزاء والشرائط بل هو من كيفية الاطاعة التى هى فى رتبة تالية للامر فيصير الاحتياط فى العبادة ممكنا والمانع هو لزوم الدور واما اذا لم يؤخذ قصد الامر فى المأمور به فلا مانع من الاحتياط فى العبادة.

قوله : ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكماله الخ.

اى يأتى المكلف بالعبادة الاحتياطية بداعى الامر المحتمل وحينئذ فلو كانت مأمورا بها واقعا لكانت المقربة : ضرورة التمكن من الاتيان بالامر الاحتمالى على نحو لو كان محتمل الوجوب مأمورا به لكان مقربا أى يكون مقربية هذا المحتمل على

٣٧١

نحو التعليق بالشرط.

قوله وقد انقدح بذلك انه لا حاجة فى جريانه فى العبادات الى تعلق الامر بها الخ.

أى قد ظهر مما ذكر من عدم دخل قصد القربة فى المتعلق وانما هو دخيل عقلا فى حصول غرض المولى من الامر انه لا حاجة فى جريان الاحتياط فى العبادات الى تعلق الامر بها حتى يقصد مثلا يقول المولى احتط فى العبادة لمجرد خلل موهوم فيها فيكفى فى جريان الاحتياط فيها نفس الامر المحتمل أى احتمال بقاء الامر بالعبادة كاف فى مشروعية الاحتياط بل لو علم تعلق الامر بها لم يكن من الاحتياط فى شيء بل كان اطاعة حقيقية.

والظاهر ان تقوم الاحتياط انما يكون باحتمال الامر فمع العلم به لا احتياط ويكون ذلك الامر تكليفا نفسيا وجوبيا أو استحبابيا فقوام الاحتياط هو الاتيان بالفعل برجاء مطلوبيته وموافقته للامر الواقعى المحتمل فاذا ورد امر من الشارع بفعل مشكوك المطلوبية بهذا العنوان فلم يكن الاتيان به احتياطا بل كان اطاعة جزمية لامر معلوم فيقصد ذلك الامر المعلوم على عنوان محتمل المطلوبية.

قوله فظهر انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغه الثواب على استحباب العمل الذى بلغ عليه الثواب الخ.

قد ذكر ان الاحتياط فى العبادة لا يحتاج الى العلم بالامر بل مع العلم به لا يكون من الاحتياط اصلا هذا جواب خامس عن اشكال الاحتياط فى العبادة.

٣٧٢

توضيح ما افاده المصنف من عدم الحاجة فى جريان الاحتياط الى العلم بالامر انه بناء على دلالة اخبار من بلغ على استحباب العمل البالغ عليه الثواب يكون ذلك العمل المشكوك وجوبه مستحبا اذا كان منشأ الشك فى وجوبه خبرا ضعيفا لصدق بلوغ الثواب على العمل الذى دلت رواية الضعيفة على وجوبه أو استحبابه ومع صيرورة ببركة تلك الاخبار مستحبا كان العمل مأمورا به جزما فيكون الاتيان به اطاعة حقيقة لقصد امتثال ذلك الامر حين العمل.

اذا كان الامر كذلك فلا يجدى اخبار من بلغه الثواب فى جريان الاحتياط لانه متقوم بداعى احتمال تعلق الامر واقعا اذا ثبت الامر على عمل فلم يكن من الاحتياط اصلا بل كان مستحبا كسائر ما دل الدليل على استحبابه أى اخبار من بلغه الثواب دليل على استحباب الشىء اذا ثبت الاستحباب فلم يكن هذا موردا للاحتياط على مذهب المصنف واما الشيخ فقد جعل اخبار من بلغه الثواب دليلا للاحتياط.

قوله لا يقال هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذى بلغ عليه الثواب الخ.

قد ظهر مما سبق ان الامر المستفاد من اخبار من بلغ لم يكن مجديا فى امكان الاحتياط بل يكون اتيان العمل بهذا الامر اطاعة حقيقية لقصد امتثال ذلك الامر فاشكل على هذا المصنف من عدم كون الامر المستفاد من اخبار من بلغ مجديا فى جريان الاحتياط.

توضيح الاشكال ان امر الاحتياط الذى يستفاد من اخبار من بلغ يتصور على النحوين :

الاول ان الاستحباب المدلول عليه باخبار من بلغ مبنى على

٣٧٣

تعلق الامر الاستحبابى بالعمل الذى دل الخبر الضعيف على استحبابه بعنوان بلوغ الثواب عليه فيصير هذا العمل حينئذ مستحبا نفسيا كسائر المستحبات التى يثبت استحبابها بالدليل اذا تصور الامر الاحتياطى المستفاد باخبار من بلغ على هذا النحو فلم يكن مجديا فى جريان الاحتياط.

الثانى ان المستفاد من تلك الاخبار امر بما هو محتمل الواقع كنفس أو امر الاحتياط بناء على مولويتها فهو كاف فى امكان التقرب بالعبادة المشكوكة ويصير نفس المحتمل بما هو محتمل مستحبا ويصح التقرب به فيكون اتيان الفعل بهذا الامر بعنوان الاحتياط فاذا تصور الامر المستفاد من اخبار من بلغ بالنحو المذكور كان كافيا فى امكان الاحتياط فى العبادة المشكوكة.

قوله فانه يقال ان الامر بعنوان الاحتياط لو كان مولويا لكان توصليا الخ.

هذا جواب عن الاشكال الذى ذكر بلفظ لا يقال توضيح هذا الجواب ان الاوامر الاحتياط على تقدير مولويتها توصلية اذ لا دليل على تعبديتها فتسقط بمجرد اتيان المأمور بها ولا يتوقف سقوطها على قصد التقرب بها كما هو شأن الاوامر العبادية فالامر التوصلى كالامر الارشادى يسقط بمجرد اتيان المأمور به.

وأيضا اجيب عن الاشكال انه لا يصح قصد التقرب باوامر الاحتياط حتى مع تسليم كونها عبادية للزوم الدور توضيحه ان الاحتياط حينئذ يتوقف على الامر به حتى يجوز الاحتياط بقصد الامر به والامر بالاحتياط يتوقف على وجود الاحتياط قبل الامر

٣٧٤

به لكون الامر عارضا عليه والعارض يقتضى تقدم المعروض فالامر يستدعى تقدم الاحتياط فيلزم توقف الاحتياط على نفسه.

قوله ثم إنّه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب الخ.

لا بد من الكلام هنا فى المقامين الاول انه لا اشكال ظاهرا فى بلوغ تلك الاخبار الى مرتبة الحجية اما لصحة بعضها كصحيحة هشام واما لوثوق بصدورها لتعدد اسنادها أو لعمل المشهور أو لتواتر الاجمالى.

المقام الثانى فى تعيين مفادها ويقع الكلام فيه من جهات الاولى انه قد يتوهم عدم دلالة صحيحة على الاستحباب لان كلمة من اما تبعيضية أو بيانية فيكون المراد من الشيء هو الثواب أى ان بلغ مقدار من الثواب فى عمل فعمله كان اجر ذلك له فلا دلالة فيه على المقام وهو قيام خبر على وجوب شيء أو استحبابه بل تكون الصحيحة المذكورة لبيان الثواب أى الداعى الى العمل هو الثواب.

واما على قول صاحب الكفاية فصحيحة هشام ظاهرة فى الدلالة على استحباب نفس العمل الذى بلغه الثواب ويذكر هنا أوّلا وجه المخالفة بين الشيخ وصاحب الكفاية (قدس‌سرهما).

قال الشيخ ان اخبار من بلغ تدل على صحة الاحتياط فى العبادة لان داعى المكلف ومحركه هو بلوغ الثواب الذى كان داعيا الى العمل وموجبا له للوجه والعنوان أى يؤتى المكلف بالعمل بعنوان الاحتياط ويتوقف الثواب على الاتيان بالعمل بذلك الوجه والعنوان

٣٧٥

هذا بيان لما افاده الشيخ الاعظم

الآن يشرع فى بيان مقصود صاحب الكفاية (قده) توضيح كلامه ان بعض تلك الاخبار يدل على استحباب العمل الذى بلغ عليه الثواب قال ان صحيحة هشام بن سالم المحكية عن محاسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبى (ص) شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان لم يقله رسول الله (ص) هذه الصحيحة ظاهرة فى استحباب نفس العمل على مذهب صاحب الكفاية وبيّن وجه ظهورها فيه.

بقوله وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونها الداعى الى العمل غير موجب ليكون الثواب الخ.

يذكر اولا الاشكال العبارتي وهو اتيان كونها بالضمير المؤنث والصحيح كونه لان الضمير يرجع الى البلوغ لعله كان سهوا من الناسخ ومقصود المصنف من هذه الجملة ان كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه داعيا الى العمل صحيح لكن كون العمل متفرعا على البلوغ الذى هو الداعى الى العمل غير موجب لكون الداعى هو الثواب أى لم يكن الثواب داعيا الى العمل أنما يكون هذا الثواب مترتبا على العمل أى كان وجوده بعد اتيان الفعل برجاء انه مأمور به وسلمنا كون بلوغ الثواب داعيا الى العمل لكن هذا الداعى لا يصير موجبا لجعل الوجه والعنوان للعمل أى لم يكن هذا الداعى موجبا لجعل العنوان الثانوى ولجعل العمل احتياطيا بل يكون هذا العمل باقيا على العنوان الاولى وكونه عملا استحبابيا بيّن صاحب الكفاية هذا بقوله بداهة ان الداعى الى

٣٧٦

العمل لا يوجب له وجها وعنوانا الخ.

قد ذكر الى هنا دلالة اخبار من بلغ على استحباب نفس العمل كصحيحة هشام بن سالم.

وقد ذكر سابقا ان اخبار من بلغ وردت على العبارات المختلفة الآن يبحث عن روايتا محمد بن مروان عن الصادق عليه‌السلام أى روى روايتان عنه استدل بهما الشيخ (قده) على استحباب الاحتياط واستدل صاحب الكفاية (قدس‌سره) بهما على استحباب نفس العمل.

توضيح استدلال الشيخ بما ورد فى خبر محمد بن مروان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من بلغه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبى (ص) كان ذلك الثواب وان كان النبى (ص) لم يقله أى وان لم يكن هذا البلوغ مطابقا للواقع فموضوع الثواب ليس ذات العمل كيف ما وقع بل العمل المأتيّ به رجاء للاجر فلم يثبت استحباب نفس العمل كما يدعيه صاحب الكفاية هذا خبر اول عن محمد بن مروان ومثله الخبر الآخر عنه قال سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول من بلغه الثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل ففعله التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه حيث إنّه يدل على كون الثواب للانقياد لا لاستحباب نفس الفعل هذا بيان لاستدلال الشيخ (قدس‌سره) باخبار من بلغ على الاحتياط فى العبادة.

واما صاحب الكفاية فقد استدل باخبار من بلغ على استحباب نفس العمل وذكر وجه الاستدلال بصحيحة هشام ويقول ان خبر محمد بن مروان أيضا يدل على استحباب نفس العمل توضيح كلامه

٣٧٧

ان فاء التفريع وان اقتضى صدور العمل بداعى طلب قول النبى والتماس الثواب بحيث لولاه لما وجد فى الخارج لكن الداعى جهة تعليلية وخارج عن حقيقته أى لم تكن هذه موجبة لتعدد الموضوع ولا توجب هذه الجهة وجها وعنوانا للعمل.

واما اذا كانت الجهة تقييدية فتصير سببا لتعدد الموضوع والحكم ويكون قصد رجاء الثواب جزء من موضوع حكم الشارع باعطاء الثواب للعمل وهذه الجهة التقييدية مفقودة فى المقام فالثواب فى اخبار من بلغ مترتب على نفس العمل فيثبت حينئذ استحباب نفس الفعل الذى دل الخبر الضعيف على انه ذو ثواب.

وبعبارة اخرى ان الحيثية تعليلية وتقييدية والمراد من الحيثية التعليلية ما كانت لبيان علة الحكم والمراد من الحيثية التقييدية ما كانت لتعدد الحكم.

واما فى مقام البحث فبلوغ الثواب حيثية تعليلية أى الثواب علة لحكم الشارع على اتيان الفعل فيشرع فى شرح كلام صاحب الكفاية أى يقول انه لا منافاة بين صحيحة بن سالم وخبر محمد بن مروان من حيث الدلالة على استحباب نفس العمل.

توضيحه ان الصحيحة وان كانت مطلقة لكن خبر محمد بن مروان لم يكن موجبا لتقييدها أى سلمنا ان صحيحة هشام مطلقة وخبر آخر مقيد على رجاء الثواب ولكن هذا الخبر لم يكن موجبا لتقييد الصحيحة لعدم وجود ضابطة.

وقد علم فى محله ان المطلق والمقيد اما يمكن الجمع بينهما واما لا يمكن الجمع بينهما والضّابط فى حمل المطلق على المقيد

٣٧٨

هو التنافى وعدم امكان الجمع بينهما بان يكونا مختلفين فى النفى والاثبات مثلا ان ظاهرت فاعتق رقبة وان ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة أو كانا مثبتين كقوله ان افطرت فاعتق رقبة وان افطرت فاعتق رقبة مؤمنة حيث ان المطلق والمقيد فى هذين المثالين يتعارضان فى عتق الكافرة لاقتضاء دليل المطلق الاجزاء واقتضاء دليل المقيد عدمه فيتعين هنا حمل المطلق على المقيد الموجب لتعيين عتق الرقبة المؤمنة وعدم اجزاء عتق غيرها ومن المعلوم انه لا تنافى فى المقام بين الصحيحة وبين الخبر الذى اشتمل على الطلب والتماس حيث ان بلوغ الثواب ليس قيدا للموضوع أى بلوغ الثواب ليس حيثية تقييدية حتى يتحقق التنافى بين المطلق والمقيد.

ولا يخفى ان بلوغ داع الى ايجاد العمل فى الخارج أى يكون هذا الداعى حيثية تعليلية فيكشف عن البيان المذكور ان المطلوب ذات العمل بعنوانه الاولى لا بعنوانه الثانوى أى الاحتياط والانقياد فيكون وزان العمل المأتيّ به بداعى الثواب وزان قوله من سرح لحيته فى ترتب الثواب على نفس العمل أى تسريح اللحية بما هو هو.

قوله فافهم وتأمل.

لعله اشارة الى احتمال ان يكون نظر المشهور فى استحباب نفس العمل الى ان المستفاد من اخبار من بلغ حجية الخبر الضعيف فى المستحبات فتخصص عموم ادلة حجية خبر الواحد لان مفاد اخبار من بلغ هو اعتبار الخبر الضعيف فى المندوبات وعدم

٣٧٩

اعتبار شرائط الحجية فيها هذا هو المراد بقاعدة التسامح فى ادلة السنن.

قوله الثالث انه لا يخفى ان النهى عن الشىء اذا كان بمعنى طلب تركه فى زمان أو مكان الخ.

ذكر المصنف فى تتمة مبحث الاحتياط بقى امور مهمة لا بأس بالاشارة فكان البحث فى الامر الاول فى جريان اصالة البراءة شرعا وعقلا واشار فى الامر الثانى الى جريان الاحتياط شرعا وعقلا الآن يبحث فى الامر الثالث والغرض من عقد هذا الامر بيان ما تجرى فيه البراءة من الشبهات الموضوعية وما لا تجرى فيه من الشبهات المذكورة.

ثم اعلم ان صاحب الكفاية (قدس‌سره) قد عقد هذا البحث فى الشبهة الموضوعية التحريمية ويعلم منها حال الشبهة الوجوبية أيضا ونحن نقتضيه فى العنوان حفظا لبعض خصوصيات.

فنقول وجه الاول أى وجه جريان البراءة كون التحريم مشكوكا فيشمله ادلة البراءة النقلية من حديث رفع وغيره وكذا دليل العقل وهو حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لان المراد منه الحجية لا البيان الذى هى وظيفة الشارع.

واما وجه الثانى أى وجه عدم جريان البراءة فلان الاشتغال اليقينى يقتضى عقلا البراءة اليقينية وقد علم توجه النهى الى طبيعة الخمر وان تركها مطلوب ولم يعلم بحصول المطلوب اذا اتى المشتبه وليس مثل الشبهة الحكمية المشكوك فيها أصل الحكم فحينئذ لا مجرى للبراءة لكونه عالما بتكليفه وانما الشك

٣٨٠