هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

فى بعض الاحكام هو الضرر مثلا ان الملاك فى خيار الغبن ووجوب التيمم مع خوف الضرر باستعمال الماء هو الضرر لئلا يتضرر المتطهر ولكن لا سبيل الى احراز هذا الملاك فى كثير من الاحكام حتى يلازم احتمال الحرمة احتمال الضرر الدنيوى كى يجب دفعه.

قد تحصل من جميع ما ذكر ان الضرر دنيوى لم يكن ملاكا للحكم فلا يجب دفعه وان كان الضرر الدنيوى ملاكا للحكم فى بعض الموارد لكن شرط كون الشىء ملاكا وجوده فى تمام الاحكام.

قوله : ان قلت نعم ولكن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن مفسدته الخ.

هذا اشكال آخر على قاعدة قبح عقاب بلا بيان بعد الجواب عن الاشكال الاول أى اشكل اولا ان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بيان لمجهول الحرمة فلا يلزم قبح عقاب بلا بيان فى المقام وقد اجيب عن هذا الاشكال الاول بانه لم يجب دفع الضرر المقطوع فضلا عن دفع الضرر المحتمل فيرجع الى الاشكال الثانى.

توضيحه ان احتمال التكليف التحريمى وان لم يستلزم احتمال العقاب الاخروى والضرر الدنيوى كما تقدم الا انه بناء على مذهب العدلية أى من تبعيّة الاحكام للملاكات لا ينفك احتمال الحرمة عن احتمال المفسدة لاقتضاء الملازمة بينهما بعبارة اخرى ان تبعية الاحكام للملاكات مقتضى التلازم بين احتمال الحرمة واحتمال المفسدة فترتب فى المقام الصغرى والكبرى والمراد من الصغرى هى احتمال المفسدة والمراد من الكبرى وهى

٣٢١

قبح الاقدام على المفسدة المحتملة كقبح الاقدام على المفسدة المعلومة فيترتب القياس على هذا النحو احتمال الحرمة ملازم لاحتمال المفسدة واحتمال المفسدة كالعلم بها يجب دفعه فاحتمال الحرمة يجب دفعه فتكون هذه الكبرى بيانا للمشكوك ورافعا لموضوع قبح عقاب بلا بيان.

بعبارة اخرى ان العقل يستقل بقبح اقدام على المفسدة المحتملة فيكون حكم العقل بيانا للتكليف المجهول ولم يبق الموضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا تجرى البراءة فى هذا التكليف المجهول كما استدل بحكم العقل الشيخ الطائفة قدس‌سره بان الاشياء على الحظر أو الوقف أى اشياء قبل الشرع على الحظر أو الوقف ولا يجوز الاقدام عليها.

قلت استقلاله بذلك ممنوع والسند شهادة الوجدان الخ.

هذا جواب الاشكال توضيح ما ذكر فى الجواب انا لا نسلم القياس المذكور لعدم تمامية الكبرى أى لا نسلم كون احتمال المفسدة كالعلم بها يجب دفعه لوجود الفرق عند العقلاء بين محتمل المفسدة ومعلومها لان العقلاء لا يحترزون عن محتمل المفسدة بعبارة اخرى ان ما ذكر من الحكم العقلى ممنوع لشهادة الوجدان وجريان عادة العقلاء على عدم التحرز عن محتمل المفسدة وانما يكون لزوم التحرز عن معلومها.

هذا مضافا الى اذن الشارع فى الاقدام على المفسدة المحتملة فى الشبهات الموضوعية كقوله عليه‌السلام كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه فلو كان

٣٢٢

الاذن فى الاقدام عليها قبيحا كقبح اقدام على المفسدة المعلومة لم يأذن فيه لان الاذن فى الاقدام على القبيح قبيح ويمتنع صدور القبيح عن الحكم فثبت انه لا اصل لقاعدة حكم العقل بقبح الاقدام على المفسدة محتملة وصح الاستدلال على البراءة بالدليل العقلى.

فى الاستدلال المحدثين على وجوب الاحتياط بالكتاب

قوله : واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة الخ.

قد ذكر ان البحث فى المقصد السابع فى الاصول العملية واستدل اولا على حجية اصالة البراءة ويبحث الآن عن حجية الاحتياط واستدل على وجوب الاحتياط بطوائف ثلاث يعنى الكتاب والسنة والعقل اما الكتاب فبالآيات الناهية عن القول بغير علم وعن القاء فى التهلكة والآمرة بالتقوى.

وتوضيح الاستدلال بالكتاب انه استدل بالطوائف الثلاث من الآيات : الاولى الآيات الناهية عن القول بغير العلم كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) : الثانية الآيات الناهية عن الالقاء فى التهلكة كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) : الثالثة الآيات الآمرة بالتقوى كقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ونحوها.

وجه الاستدلال بهذه الآيات ان الحكم بالاباحة فيما يحتمل حرمته مع عدم نهوض حجة عليها افتراء على الشارع وقول بغير علم والقاء النفس فى التهلكة ومخالفة للتقوى ولا ريب فى ان افتراء على الشارع حرام والمراد منه الكذب العمدى على الشارع وكذا حرام القاء

٣٢٣

النفس فى التهلكة ومخالفة التقوى حرام أيضا.

الحاصل ان الحكم بالاباحة فيما يحتمل حرمته مع عدم الحجة عليها حرام فلا بدّ من الاحتياط فى الامور المشتبهة وهو المطلوب.

قوله والجواب ان القول بالاباحة شرعا وبالامن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم الخ.

توضيح هذا الجواب ان هذه الآيات المذكورة لا تدل على وجوب الاحتياط لان الخطابات المذكورة لا يتوجه على من يقول بالبراءة اذ بعد جريان اصالة البراءة فى الامور المشتبهة لم يكن الحكم بالاباحة قولا بغير العلم.

بعبارة اخرى انه بعد دلالة الدليل العقلى والنقلى على البراءة لا يكون فعل محتمل الحرمة موجبا للتهلكة ومخالفة التقوى وكذا لا يكون الحكم بالاباحة فى الامور المشتبهة قولا بغير العلم لان بعد حجية اصالة البراءة بالادلة العقلية والنقلية يصح الحكم بالاباحة فى هذا المورد.

واما احتمال العقوبة فلا موجب له أيضا بل المعلوم عدم العقوبة فى هذا المورد لما عرفت من عدم الملازمة بين الحكم بوجوده الواقعى وبين استحقاق العقوبة عليه فاحتمال الحرمة بعد اصالة البراءة لا يوجب التوقف فى العمل والظاهر ان الحكم الواقعى اذا لم يكن فى مرتبة التنجز أى لم يوصل الى المكلف بالحجة المعتبرة فلا يكون موجبا لاستحقاق العقوبة.

قوله واما الاخبار فيما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا

٣٢٤

فى بعضها بان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى المهلكة الخ.

والغرض من هذه الاخبار الامر بالتوقف عند الشبهة واعلم ان الاخبار الآمرة بالتوقف على طائفتين.

احدهما الاخبار الدالة على التوقف مطابقة لاشتمالها على مادة الوقوف وهذه الطائفة على قسمين أى قسم ما علل فيه الامر بالتوقف عند الشبهة وقيل ان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى التهلكة : وقسم ما لم يعلل فيه.

واما المعللة فهى عدة روايات منها قوله عليه‌السلام فى موثقة مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لا تجامعوا فى النكاح عند الشبهة يقول اذا بلغك انك قد رضعت من لبنها وانها لك حرام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة.

وجه الاستدلال بهذه الاخبار المعللة على وقوف عند الشبهة منوط ببيان امور :

الاول ان كلمة الخير وان كانت من صيغ التفصيل لكن هنا منسلخة عن التفضيل ومتمحضة فى نفى الخير أى لا خير فى الاقتحام فى الهلكة المترتبة على ترك الوقوف عند الشبهات.

الثانى ان حسن تعليل الحكم منوط بعموم العلة وكليتها فلا يحسن التعليل بما يكون جزئيا ومختصا بالمورد.

الثالث انه لا بد من السنخية بين العلة والمعلول فلا يصح تعليل الحكم الوجوبى بالعلة المستحبة والحكم التحريمى بعلة

٣٢٥

جائزة لعدم السنخية فى هذه الصورة بين العلة والمعلول.

اذا عرفت ظهور الموثقة وما فى مضمونها فى وجوب الاحتياط والتوقف فى كل الشبهة وجه ظهور هذه الموثقة فى وجوب الاحتياط انه عليه‌السلام علل النهى عن نكاح المرأة المرددة بين كونها اجنبية واختا رضاعية بان الوقوف عند الشبهة خير من الوقوع فى الهلكة فلو لم يكن الوقوف فى مورد الموثقة واجبا لم يصح جعلها تعليلا للنهى فى قوله عليه‌السلام لا تجامعوا فى النكاح عند الشبهة.

ولا يخفى ان النهى ظاهر فى الحرمة فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبا ونكاح المرأة المرددة محرما لما صح السنخية بين العلة والمعلول وقد عرفت اعتبار السنخية بينهما فكانه قال عليه‌السلام يحرم الجمع فى النكاح عند الشبهة وحيث يحرم الجمع فيجب التوقف فيه لان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ويستفاد من هذا التعليل وجوب التوقف فى كل شبهة وان لم تكن فى مورد النكاح.

قوله بما دل على وجوب الاحتياط من الاخبار الواردة بالسنة مختلفة الخ.

هذا الكلام اشارة الى طائفة اخرى من الاخبار التى تدل على وجوب الاحتياط فى الشبهة الحكمية والظاهر ان مراد المصنف (قدس‌سره) من الالسنة المختلفة دلالته على وجوب لاحتياط مطابقة والتزاما فالاول هو ما اشتمل على مادة الاحتياط مثل احتط وكذا فعليك بالاحتياط وخذ بالحائطة لدينك تدل هذه المذكورات

٣٢٦

بالمطابقة على وجوب الاحتياط.

والثانى وهو ما دل على وجوب الاحتياط التزاما مثل ما ورد فى خبر التثليث فى مقبولة عمر بن حنظلة من قوله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم تقريب الاستدلال بهذا الخبر ان الامام (ع) استدل بهذه الجملة على وجوب طرح الخبر الشاذ لان فيه الريب ووجوب ذلك موقوف على لزوم الاحتياط والاجتناب عن الشبهات والا فلا يتجه الاستدلال على وجوب طرح الخبر الشاذ والحاصل انه مع عدم وجوب الاحتياط لا وجه لوجوب طرح الخبر الشاذ.

قوله والجواب انه لا مهلكة فى الشبهة البدوية مع دلالة النقل على الاباحة الخ.

هذا جواب عن اخبار التوقف المتضمنة للتعليل أى هذه الاخبار لا تدل على وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية.

توضيح هذا الجواب ان هذه الروايات مشتملة على الموضوع والمراد من الموضوع فى هذه الروايات هو الهلكة وهى العقوبة بقرينة بعض هذه الاخبار كمقبولة عمر بن حنظلة اذ النهى فى هذه المقبولة دال على التحريم أى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة يدل هذا النهى على تحريم النكاح فى مورد الشبهة فظهر ان المراد من الهلكة فى المقبولة هى العقوبة الاخروية لا الهلكة الدنيوية وهذه العقوبة موضوع فى الرواية المذكورة.

٣٢٧

وكذا مشتملة هذه الرواية على المحمول وهو وجوب التوقف المستفاد من الامر فى قوله عليه‌السلام قفوا عند الشبهة وقوله فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى المهلكة ولا ريب فى ان نسبة المحمول الى الموضوع كنسبة المعلول الى العلة فى تأخيره عنها رتبة فلا بد حينئذ من وجود العقوبة قبل الامر بالتوقف حتى ينبعث عنها الامر به فهذا يختص فيما اذا احرز من الخارج ما يصح العقوبة عليه لان العقوبة موضوع لوجوب التوقف فلا بد من احراز وجود الموضوع قبل المحمول واما فى مقام البحث فيجرى البراءة بعد الفحص واليأس.

وبعبارة اخرى فانه لم يحرز وجود الموضوع لوجوب التوقف لان العقوبة كانت موضوعا لم تحرز فى المقام لانه لا مانع من اجراء البراءة فى الشبهة البدوية بعد الفحص واليأس ولا يمكن اثبات البيان بنفس اخبار التوقف لانه مستلزم للدور.

توضيح الدر ان وجوب التوقف متوقف على الهلكة والعقوبة لان وجوب التوقف معلول للهلكة والعقوبة ولا يخفى ان الهلكة متوقفة على البيان لقبح العقاب بدونه فلو توقف البيان على وجوب التوقف لكان مستلزما للدور المضمر أى الدور الذى كان مع الواسطة بعبارة اخرى يلزم ان يتوقف وجوب التوقف على وجوب التوقف.

فثبت من البيان المذكور ان اخبار التوقف لا تدل على وجوب الاحتياط وكذا الادلة النقلية تدل على الاباحة كاحاديث الرفع والحل والسعة الدالة على ان ما لم يعلم حرمته مباح فى الظاهر

٣٢٨

وكذا حكم العقل بالبراءة كما عرفت فى ادلة البراءة من ان العقل حاكم بالبراءة فى الشبهة التحريمية.

قوله وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وان كان واردا على حكم العقل الخ.

هذا جواب عن اخبار الاحتياط مطلقا سواء كانت دلالتها على الاحتياط مطابقة أو التزاما سواء كانت اخبار التوقف معللة أو لم تكن معللة حاصل هذا الجواب يرجع الى الوجوه الثلاثة الاول ما اشار اليه بقوله لو سلم أى يقال اولا ان اخبار الاحتياط لا تدل على الوجوب الاحتياط بل يكون الامر على الاحتياط ارشاديا أو يحمل الامر على الجامع الذى يشمل الوجوب والاستحباب.

حاصل هذا الاشكال ان اخبار الاحتياط لا تدل على وجوبه وعلى فرض تسليم هذه الاخبار على وجوب الاحتياط يعنى لو سلم دلالتها على وجوب الاحتياط ولم يناقش فيها بدعوى وجود القرائن التى تدل على ان الامر فيها للاستحباب أو الارشاد وأخذنا بظواهر أو امر الاحتياط فى وجوب المولوى فيكون ما دل وجوبه واردا على حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ورافعا لموضوعه لوجود البيان الظاهرى المصحح للعقوبة على مخالفته.

بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية اگرچه وجوب احتياط بكرسى قرار گيرد واين وجوب احتياط وارد باشد بر حكم عقل باز هم نفع در مقام بحث ما ندارد.

٣٢٩

قوله : ولا يصغى الى ما قيل من ان ايجاب الاحتياط كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح الخ.

هذا اشكال الثانى على ايجاب الاحتياط توضيح هذا الاشكال ان ايجابه شرعا ان كان لاجل التحرز عن العقاب للحكم الواقعى التحرز عن العقاب الحكم الواقعى المجهول كان مفاد ذلك ثبوت العقاب على الواقع المجهول فى صورة مخالفة الاحتياط فلا يصح وجه عدم صحته واضح لان ايجاب الاحتياط لا يرفع الجهل بالواقع بل هو باق بعد ايجابه فيكون العقاب على الواقع المجهول قبيحا لان المناط فى قبح العقاب هو الجهل بالواقع وهو باق بعد ولم يرتفع بايجاب الاحتياط فيكون العقاب على هذا المجهول الواقعى قبيحا كما قال صاحب الكفاية :

ان ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع فهو قبيح.

أى لا يرتفع بايجاب الاحتياط شرعا ما هو مناط قبح العقاب على الحكم الواقعى المجهول وهو الجهل به فالعقاب على هذا الحكم عقاب بلا بيان لان مناط هذا القبح هو الجهل ولا يرفع الجهل بالحكم الواقعى بايجاب الاحتياط هذا اذا كان ايجاب الاحتياط غيريا ومقدميا.

واما ان كان ايجاب الاحتياط نفسيا لوجود الملاك فى نفس الاحتياط والاحتراز عن الشبهة ومع الغض عن الحكم الواقعى المجهول فاللازم ترتب العقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع ولا يخفى ان المقصود للمحدثين هو الاحتياط فى الشبهات لاجل

٣٣٠

الاحتراز عن العقوبة المحتملة المترتبة على الاقتحام فى الشبهات ولم يكن المقصود من أخبار التوقف والاحتياط لاجل الاحتراز عن مخالفة الاحتياط.

الحاصل ان ثبوت وجوب النفسى لا ينفع فى مقام البحث كما قال شيخنا الاستاد اگرچه وجوب احتياط بكرسى قرار گيرد نفع در مقام بحث ما ندارد.

قوله وذلك لما عرفت من ان ايجابه يكون طريقيا الخ.

هذا بيان العلة لقوله لا يصغى ووجه عدم الاصغاء الى ما قيل ما عرفت من ان ايجابه يكون طريقيا قد بيّن الايجاب الطريقى فى حاشية الرسائل بقوله ان الامر بالاحتياط يكون طورا آخر من الاوامر المولوية غير النفسى والغيرى ويكون الامر بالاحتياط من قبيل الطرق والامارات وبعض الاصول كالاستصحاب فانه يكون مثبتا للتكليف ويستحق المكلف المؤاخذة فى ظرف المخالفة ووجود الحكم واقعا بل ومع عدم الحكم واقعا بناء على استحقاق المتجرى العقوبة.

وقد ذكر المصنف الاشكالين على اخبار الاحتياط احدهما ما اشار اليه بقوله ما دل على وجوب الاحتياط لو سلم قد ذكر توضيح هذا الاشكال آنفا والاشكال الثانى ما اشار اليه بقوله ولا يصغى الى ما قيل من ان ايجاب الاحتياط ان كان مقدمة الخ.

وقد ذكر توضيح هذا الاشكال مع جوابه وذكر هنا الاشكال الثالث أى مع قطع النظر عن الاشكالين الاولين قد ورد فى اخبار الاحتياط الاشكال الثالث بيّن المصنف هذا الاشكال بقوله الا انه

٣٣١

تعارض بما هو اخص أو اظهر الخ.

هذا الاشكال الثالث على اخبار الاحتياط واستدراك على قوله وان كان واردا توضيح هذا الاشكال ان اخبار الاحتياط ظاهرة فى الوجوب المولوى وكانت واردة على قاعدة قبح عقاب بلا بيان لصلاحيتها للبيانية ولا يبقى مع هذه الاخبار موضوع للبراءة العقلية لان موضوع البراءة هو عدم البيان.

ولكن اخبار الاحتياط معارضة باخبار البراءة ويتعين تقديمها على اخبار الاحتياط بوجهين احدهما اخصية موضوع اخبار البراءة من موضوع اخبار الاحتياط ولا شك ان التقدم الخاص على العام بدهى والوجه الثانى من وجهى تقديم اخبار البراءة على اخبار الاحتياط اظهريتها فى الدلالة على حلية المشتبه من دلالة اخبار الاحتياط على وجوبه فى الشبهات.

قوله ضرورة ان ما دل على حلية المشتبه اخص الخ.

هذا بيان لوجه اخصية واظهرية اخبار البراءة توضيحه ان اخبار البراءة نص فى الترخيص والمراد من هذه الخصوصية هى عبارة عن كون الدال على البراءة هى المواد مثل حلال ومطلق وسعة فان هذه المواد دالة على البراءة نصا واما دال على الاحتياط فهى الهيئات مثلا هيئة افعل كقوله عليه‌السلام احتط ليست هذه الهيئة اكثر من كونها فى الوجوب ظاهرة بعبارة اخرى ان الهيئة ظاهرة فى الوجوب وليست نصا فيه فيمكن رفع اليد عنه بقرينة ما هو نص أو اظهر منه كما هو الحال فى رفع كون صيغة الامر ظاهرة فى الوجوب بقرينة الاستحباب فتحمل اوامر الاحتياط على

٣٣٢

الفضل لا الوجوب.

قوله مع ان هناك قرائن دالة على انه للارشاد الخ.

أى ذكر الى هنا تقديم اخبار البراءة على ادلة الاحتياط بملاك الاخصية والاظهرية ولا يخفى ان ما ذكر فى تقديم ادلة البراءة انما هو مع تسليم دلالة اخبار الاحتياط على الطلب المولوى فيمكن التعارض بين ادلة الاحتياط مع ادلة البراءة وتقدم ادلتها على ادلة الاحتياط بمناط الاخصية والاظهرية ولكن اذا كانت اخبار الاحتياط قاصرة عن اثبات الطلب المولوى وذلك لوجود قرائن داخلية وخارجية دالة على ان الامر به للارشاد فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد اليه.

قال صاحب الكفاية ويؤيده انه لو لم يكن للارشاد لوجب تخصيصه ببعض الشبهات.

أى ان لم يكن الامر بالاحتياط للارشاد وجب تخصيص هذا الامر ببعض الشبهات ولا يخفى ان ما دل على الاحتياط آب عن التخصيص فلا بد ان لا يكون الامر بالاحتياط للوجوب قد ذكر الشيخ قدس‌سره القرائن التى تدل على كون الامر بالاحتياط للارشاد وجعل من القرائن لزوم محذور تخصيص الاكثر لو لم يكن الامر للارشاد توضيح هذا المحذور ان موضوع الامر بالتوقف والاحتياط هو الشبهة فان اخذ بظاهر الامر من الطلب المولوى اللزومى فهو مستلزم لتخصيص الاكثر لان عنوان الشبهة صادق على الشبهات مطلقا يعنى الحكمية والموضوعية الوجوبية والتحريمية وقد اتفق القائلون بوجوب الاحتياط وغيرهم على

٣٣٣

جريان البراءة فى الشبهة الوجوبية والموضوعية أى يخرج غير الشبهة التحريمية الحكمية عن موضوع الامر بالاحتياط فحينئذ يلزم تخصيص الاكثر لخروج اكثر الشبهات عن موضوع الامر بالتوقف وهى الشبهات الموضوعية مطلقا أى الوجوبية والتحريمية منها والشبهة الحكمية الوجوبية فيلزم بخروج هذه المذكورات تخصيص الاكثر ومن المعلوم انه مستهجن كما ان حمل الامر بالتوقف والاحتياط على الندب مستلزم لاخراج موارد وجوب الاحتياط فيلزم أيضا تخصيص الاكثر لان هذه الموارد فى نفسها كثيرة فلا مناص عن حمل الامر بالتوقف على الارشاد المطلق أى فيكون ارشادا الى وجوب الاحتياط فى موارد وجوبه وهو الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى والى استحبابه فى غيرها.

قد ذكر الى هنا القرينة التى على كون الامر بالاحتياط للارشاد واشار المصنف الى القرينة الاخرى لكون الامر بالاحتياط ارشاديا بقوله مع أنّه آب عن التخصيص قطعا كيف لا يكون قوله : قف عند الشبهة للارشاد : هذه القرينة الاخرى على كون الامر بالاحتياط ارشاديا توضيح هذه القرينة ان المراد بالهلكة ما يرجع الى الآخرة هو عبارة من العقوبة الاخروية ومقتضى التعليل بقوله فان الوقوف عند الشبهة الخ كون الهلكة ثابت قبل ايجاب الاحتياط لان الهلكة فى هذه الاخبار موضوع للحكم بوجوب التوقف ولا شك فى تقدم الموضوع على الحكم لانه كالعلة له فلا بد أن تكون العقوبة مفروضة الوجود قبل الامر بالتوقف حتى يكون ايجاب الاحتياط لاجل التحرز عن العقوبة.

ومن الواضح ان هذه الهلكة ليست على مخالفة الزامى الواقع

٣٣٤

المجهول لان قاعدة قبح عقاب بلا بيان تقتضى قبح الهلكة والعقوبة فلا بد أن تكون هذه الهلكة على التكليف المنجز بغير الامر بالتوقف والا لزم الدور قد سبق توضيح لزوم الدور.

فلا يخفى ان الامر بالتوقف حينئذ يختص بالشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى والشبهة البدوية قبل الفحص : ويكون الامر باحتياط ارشادا الى حكم العقل بوجوب تنجز الواقع بالعلم الاجمالى وكذا ارشاد الى حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية بعد الفحص فلا يلزم اختصاص الامر بالاحتياط.

قوله لا يقال نعم لكن يستكشف عنه بنحو الإن ايجاب الاحتياط من قبل الخ.

هذا اشارة الى استكشاف الامر المولوى الظاهرى بالاحتياط بالبرهان الإني أى العلم من المعلول الى العلة مثلا فى المقام الاخبار المثبتة للهلكة كاشفة عن وجوب الاحتياط على نحو كشف العلة بالمعلول توضيح هذا الاشكال انه لا يصح الامر بالوقوف والاحتياط فى الاخبار المثبتة للتهلكة للطلب المولوى الالزامى بل لا بد من حمله على الارشاد أى بالمطابقة كان الامر بالوقوف للارشاد كما تقدم.

لكن يمكن استفادة طلب ظاهرى المولوى من تلك الاخبار بالدلالة الالتزامية وبيان هذه الدلالة انه لما كانت العقوبة من آثار الطلب المولوى كما هو المستفاد من هذه الاخبار حيث رتبت الهلكة أى العقوبة على كل محتمل التكليف الالزامى الذى كان منه الشبهة البدوية بعد الفحص والظاهر ان ترتب العقوبة على

٣٣٥

التكليف المحتمل الزامى كاشف عن وجود البيان على التكليف ودال عليه بالدلالة الالتزامية وان الشارع قد اكتفى بذكر اللازم والابتلاء بالعقوبة الاخروية عن بيان ملزومه اى الوجوب الشرعى للاحتياط.

وبعبارة اخرى ان الاخبار المثبتة لترتب الهلكة على ترك الاحتياط فى الشبهة التحريمية هذه الاخبار كاشفة عن وجوب الاحتياط كشفا بالمعلول عن العلة والا يلزم كون المعلول بلا علة.

قوله فانه يقال ان مجرد ايجابه واقعا الخ.

هذا جواب عن الاشكال الذى ذكر بلفظة لا يقال توضيح هذا الجواب ان العقاب على ايجاب الاحتياط فى الشبهة البدوية ما لم يصل الى المكلف عقاب بلا بيان اذ المستلزم للعقاب هو البيان الواصل لا التكليف الذى كان موجودا فى الواقع.

قال صاحب الكفاية فلا محيص عن اختصاص بما يتنجز فيه المشتبه قبل الفحص مطلقا هذا بيان لبطلان ما ذكر فى لا يقال وجه هذا البطلان ان التعليل المذكور فى اخبار التوقف لا تدل على وجوب الاحتياط مولويا فيختص هذا التعليل أى وقوف عند الشبهة لانه خير من الاقتحام فى الهلكة فيما يتنجز فيه تكليف المشتبه والشبهة التى مقرونة بالعلم الاجمالى.

بعبارة اخرى فانه لا محيص عن اختصاص التعليل فى التكليف المشتبه قبل الفحص مطلقا أى سواء كانت الشبهة وجوبية أو تحريمة وكذا الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى فلا تجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيهما لكن تجرى هذه القاعدة فى الشبهة

٣٣٦

البدوية بعد البحث والفحص.

فظهر مما ذكر ان الامر بالاحتياط ارشاد الى الحكم العقلى أى يشمل هذا الامر الارشادى ما حكم العقل فيه على تنجز الواقع بالعلم الاجمالى وكذا الشبهة البدوية قبل الفحص فان الامر بالاحتياط فى هذين الموردين ارشاد الى حكم العقل على وجوب الاحتياط وكذا ارشاد الى حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة البدوية بعد الفحص قد بينت هنا القرينة التى دلت على كون الامر بالاحتياط ارشاديا وكان البحث فى القرينة الثانية قد ذكر ان العلة لوجوب الاحتياط هى الهلكة على قول الخصم فيلزم ان يكون الهلكة مفروضة الوجود قبل الامر بالاحتياط لانها علة لوجوده فلا يعقل تأخر هذه العلة عن الامر لاستلزامه الدور.

توضيحه ان الهلكة علة لايجاب الاحتياط ومقدمة عليه رتبة فلو ترتبت الهلكة على ايجاب الاحتياط حيث ان الخصم يدعى ترتب العقوبة على ترك الاحتياط لانه يعترف بقبح المؤاخذة على التكليف المجهول فكانت العقوبة مؤخرة عن الامر بالاحتياط لان العقوبة تجيء بعد الامر بالاحتياط هذا دور صريح لتوقف ايجاب الاحتياط على الهلكة وتوقف الهلكة على ايجاب الاحتياط.

ويدفع هذا الدور اذا قلنا بكون الامر بالاحتياط ارشاديا فلا تتوقف الهلكة على الامر بالاحتياط فاذا لم تترتب الهلكة على الامر باحتياط ويحتاج ترتب العقوبة على التكليف المنجز الى الدليل الآخر غير الامر باحتياط فاذا لم تترتب الهلكة عليه كان للارشاد.

٣٣٧

واعلم انه لما كانت الاعادة خير من الحوالة لذا تكرر هذا البحث وان حولنا اولا الى ما سبق أى قد ذكر نظير هذا الدور عند قوله والجواب انه لا مهلكة فى الشبهة البدوية الخ.

قد ذكر ان هذا الكلام اشارة الى الجواب عن اخبار التوقف ولزم الدور على الاستدلال بهذه الروايات على وجوب التوقف والاحتياط.

قوله واما العقل فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته الخ.

كان الكلام فى وجوب الاحتياط قد استدل على وجوبه فى الشبهة التحريمية البدوية بالدليل النقلى وبعد الفراغ منه استدل على وجوب الاحتياط بالدليل العقلى وقد قرر هذا الدليل على طريق قياس منطقي اى مركب من صغرى وجدانية وكبرى عقلية.

واما الصغرى فانا نعلم بوجود التكاليف فى الشريعة المقدسة ولكن لم نعلم بعض هذه التكاليف بالعلم التفصيلى كالوقائع المشتبه بل نعلم اجمالا عدم خلو المكلف من التكاليف فى هذه الموارد المشتبهة.

واما الكبرى فهى استقلال العقل بتنجز الخطاب بالعلم الاجمالى فصورة القياس هكذا هذا المعلوم بالاجمال تكليف الزامى كل التكليف الالزامى منجز عقلا فهذا المعلوم بالاجمال منجز عقلا فيجب بحكم العقل الخروج عن عهدة التكاليف الالزامية ولا يمكن ذلك الا بالاحتياط بالاتيان ما يحتمل وجوبه وترك ما يحتمل حرمته لاقتضاء الاشتغال اليقينى البراءة اليقينية ولا خلاف فى لزوم

٣٣٨

الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى.

قوله : والجواب ان العقل وان استقل بذلك الا انه اذا لم ينحل العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى والشك البدوى الخ.

هذا جواب عن الاستقلال العقلى على وجوب الاحتياط توضيحه ان منجزية العلم الاجمالى وان كانت مما يستقل بها العقل لكنها منوطة ببقاء العلم الاجمالى على حاله أى اذا كان دائرا بين الاطراف بنحو القضية المنفصلة الحقيقة وعدم انحلاله الى العلم التفصيلى والشك البدوى فلو انحل فى مورد سقط حكم العقل بلزوم الاحتياط فى سائر الاطراف لان الاصل النافى للتكليف جار فيه مع سلامته عن المعارض.

واعلم ان المفروض فى المقام انحلال العلم الاجمالى بوجود الواجبات والمحرمات فى الوقائع المشتبهة أي ينحل هذا العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى الصغير فنعلم اجمالا ان لنا الطرق والاصول المثبتة لمقدار من التكاليف مساويا للمعلوم بالعلم الاجمالى الكبير فينحل هذا العلم المتعلق بجميع الاحكام الالزامية بهذا العلم الاجمالى الصغير المتعلق بالامارات والاصول المثبتة للمقدار المذكور من التكاليف فلا يبقى العلم بتكاليف واقعية اخرى غيرها حتى يجب رعاية الاحتياط فيها فما عدا هذه التكاليف مشكوك بالشك البدوى فتجرى فيه البراءة ان قلت نعم لكنه اذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالواجبات هذا الكلام اشكال على انحلال العلم الاجمالى الكبير حاصل هذا الاشكال ان العلم بالاحكام التى هى مؤديات الامارات وموارد الاصول وان كان

٣٣٩

موجبا لانحلال العلم الاجمالى بالاحكام ولكن هذا الانحلال ليس مطلقا بل هو مشروط بما اذا لم يكن العلم بالتكاليف التى تضمنها الطرق والاصول مسبوقا بالعلم الاجمالى الكبير بالتكاليف والمفروض سبق العلم الاجمالى بالاحكام على العلم بما فى الامارات فلا ينحل هذا العلم الاجمالى الكبير بهذا العلم الاجمالى الصغير أى فى صورة تأخر العلم الاجمالى الصغير عن العلم الاجمالى الكبير فلا يؤثر هذا العلم الاجمالى مؤخر فى انحل العلم الاجمالى السابق

قلت انما يضر السابق اذا كان المعلوم اللاحق حادثا الخ.

هذا جواب الاشكال حاصل هذا الجواب هو اثبات الانحلال توضيح هذا الجواب ان سبق العلم الاجمالى على التفصيلى وان كان مسلما بعبارة اخرى انا سلمنا سبق العلم الاجمالى الكبير على العلم الاجمالى الصغير اذ يحصل هذا العلم الاجمالى الكبير للمكلف بمجرد التفاته الى الشريعة المقدسة الاسلامية والعلم الاجمالى الصغير متأخر عنه حيث لا يحصل الا بعد المراجعة الى الامارات والاصول ولا يخفى ان هذا العلم الاجمالى الصغير مشتمل على العلم التفصيلى على بعض الاحكام : لكن مجرد سبق العلم الاجمالى على التفصيلى لا يضر فى انحلال هذا العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى وانما يضر فى الانحلال اذا كان هذا المعلوم التفصيلى اللاحق تكليفا حادثا مغايرا للمعلوم الاجمالى السابق.

واما فى المقام فلم تكن المغايرة بين التكليف السابق واللاحق ويذكر هنا المثال لتوضيح المقام مثلا انا نعلم اولا باصابة قطرة

٣٤٠