هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

المحكيّ عن السيد المرتضى فى مواضع من كلامه وجعل الظن فى بعضها بمنزلة القياس قد ذكر الى هنا استدلال المانعين لحجية الظن فيجاب عن استدلالهم.

بقوله والجواب اما عن الآيات فبان الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقها هو اتباع غير العلم فى الاصول الاعتقادية الخ.

أى قد اجيب عن الاستدلال بالآيات الناهية بوجوه الثلاثة :

الاول ان ظاهر الآيات الناهية بقرينة المقام هو اختصاص النهى عن اتباع الظن باصول الدين أى لم تكن الآيات الناهية فى مورد الفروعات : والظاهر ان قوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ورد بعد قوله تعالى (أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) فهذا دليل على كون المقام فى اصول الدين.

والجواب الثانى ان سلمنا ان المورد لم يكن مخصصا للعمومات لكن يصلح ان يكون موجبا للاجمال فيصير قوله تعالى مجملا ويعمل فى مورد الاجمال بقدر المتيقن وهو عدم العمل بالظن فى اصول الدين.

والجواب الثالث انه بعد تسليم عمومات الآيات الناهية للفروع الشرعية لكن ثبت الدليل الخاص لبعض الظنون كدليل حجية الخبر الواحد فيخصص به عمومات الآيات.

قوله : واما عن الروايات فبان الاستدلال بها خال عن السداد الخ.

أى استدلال بالروايات على عدم حجية الخبر الواحد مستلزم للدور المحال توضيحه ان عدم حجية الخبر الواحد موقوف على

١٤١

حجية الروايات التى استدل المانعون بها وحجية تلك الروايات موقوفة على حجية مطلق الخبر الواحد.

وبعبارة اخرى ان استدلال بهذه الروايات على عدم حجية الخبر الواحد يستلزم عدم حجية نفس هذه الروايات فيلزم من وجودها عدمها وما يلزم من وجوده عدمه محال بعبارة اخرى ان صح الاستدلال بهذه الروايات لزم كونها قاتلة على نفسها.

قوله : لا يقال انها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنا الا انها متواترة اجمالا الخ.

هذا اشكال على جواب المصنف توضيحه ان الروايات المتقدمة متواترة اجمالا فلم يكن الاستدلال بهذه الروايات مستلزما للدور لان هذه الروايات المتواترة لم تكن متوقفة على حجية الخبر الواحد.

لتوضيح مقام البحث يذكر هنا اقسام التواتر : الاول التواتر اللفظى وهو عبارة عن اخبار جماعة بلفظ واحد عن واقعة الواحدة وهو يوجب حصول العلم.

الثانى التواتر المعنوى وهو اخبار جماعة بالفاظ مختلفة مع اشتمال كل منها على معنى مشترك بينها كاخبار عن شجاعة امير المؤمنين (ع) بعبارات المختلفة لكن كلها مشتملة على معنى مشترك أى شجاعته (ع).

الثالث التواتر الاجمالى أى لم يوجد فى المقام التواتر اللفظى ولا المعنوى قد تقدم تعريفهما والمراد من التواتر الاجمالى هو ان يحصل القطع لنا بصدور بعض الروايات اجمالا

١٤٢

بحيث يستحيل عادة ان يكون كلها كاذبة وهذا كاف للاستدلال بها والحاصل ان المراد بالتواتر الاجمالى هو صدور جملة الاخبار مع اختلافها عموما وخصوصا لكن ثبت العلم الاجمالى بصدور بعضها مثلا نعلم انه صدر مائة رواية وايضا نعلم بتواتر بعض الروايات فى بين الروايات المذكورة.

اذا بين اقسام التواتر فاعلم ان المراد منه فى محل البحث هو التواتر الاجمالى للعلم بصدور بعض هذه الاخبار فثبت التواتر بمجموعها فليست تلك الاخبار بالنسبة الى هذا القدر الجامع اخبار آحاد أى يخرج هذا الاخبار لاجل تواتر اجمالى من تحت اخبار آحاد ولا يلزم الاشكال الدورى المتقدم.

قوله : فانه يقال انها ان كانت كذلك الا انها لا يفيد الخ.

هذا جواب عن الاشكال الذى ذكر فى قوله لا يقال انها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الخ.

توضيح الجواب وان سلمنا التواتر الاجمالى فى بعض الاخبار لا تفيد هذه التواتر الاجمالى الا فى المورد الذى توافق المانعون والمثبتون فيه والمراد من المورد الذى وافقوا فيه هو الخبر المخالف للكتاب والسنة معا فينفى بالمتواتر الاجمالى حجية الخبر المخالف أى يختص عدم الحجية للخبر الواحد بنحو القضية السالبة الجزئية وهذا لا يضر بمدعى المثبتين الذى هو حجية الخبر الواحد بنحو الايجاب الجزئى.

الظاهر ان ما توقفت الاخبار عليه غير مفيد فى اثبات المدعى

١٤٣

وهو عدم حجية اخبار الآحاد مطلقا ولكن ينفى الاخبار الذى يفيد التواتر الاجمالى الحجية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة لا كل خبر واحد والمدعى هو الثانى فيكون الدليل اخص من المدعى لانه السلب الكلى لا الجزئى الحاصل ان الالتزام بالتواتر الاجمالى فى الاخبار المذكورة الدالة على عدم حجية الخبر الواحد غير قادح فى حجيته فى الجملة قد ذكر الى هنا عدم تمامية استدلال المانعين بالكتاب والسنة لعدم حجية الخبر الواحد ـ الآن نشرع فى استدلالهم بالاجماع.

قوله واما عن الاجماع فبان المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل الخ.

قد استدل المانعون على عدم حجية الخبر الواحد بالاجماع وقد اجاب المصنف عن دعوى الاجماع على عدم حجية الخبر الواحد بوجوه الاول ما اشار اليه بقوله فبان المحصل منه غير حاصل.

توضيحه ان الاجماع اما محصل واما منقول واما المحصل فغير حاصل لوجود المخالفة من الاكثر واما الاجماع المنقول فلا يصلح للاستدلال به لعدم حجيته كما عرفت سابقا قال صاحب الكفاية والمنقول منه للاستدلال على عدم حجية الخبر غير قابل خصوصا فى المسألة أى لو اغمضنا عن عدم حجية الاجماع المنقول فى جميع المقامات وبنينا على حجيته فى بعض المقامات لا يمكن الالتزام بحجيته فى خصوص المقام للزوم المحال وبيانه ان الاجماع المنقول من افراد الخبر الواحد فيتوقف حجيته على

١٤٤

حجيته الخبر الواحد اذا قلنا بعدم حجية الخبر الواحد لزم عدم حجية الاجماع المنقول به ايضا فلا يثبت عدم حجية الخبر الواحد لانه يلزم من عدم حجية الخبر عدم حجية الاجماع المنقول ايضا.

واما على تقدير حجية الخبر الواحد فيلزم حينئذ حجية الاجماع المنقول لكونه من افراد الخبر الواحد فيثبت بحجيته حجية كل خبر واحد ومنه نفس هذا الاجماع فالتمسك به على هذا التقدير مبطل لنفسه وهو محال ايضا.

الحاصل انه لو قلنا بعدم حجية الخبر للزم عدم حجية الاجماع المنقول ايضا فالاستدلال على عدم حجية الخبر تحصيل للحاصل.

واما لو قلنا بحجية الخبر فثبت حجية الاجماع المنقول لانه من افراد الخبر الواحد فالتمسك بالاجماع على عدم حجية الخبر مستلزم للمحال أى يكون الاجماع المنقول قاتلا لنفسه لانه اذا منع حجية الخبر الواحد منع حجية نفسه ايضا لكون هذا الاجماع من افراد خبر واحد.

ذكر المصنف الوجه الآخر لمنع الاستدلال بالاجماع المنقول وقال مع أنّه معارض بمثله أى قد نقل الاجماع على حجية الخبر الواحد وثبت فى المقام اجماعان المتعارضان قد ظهر الى هنا عدم صحة استدلال المانعين بالاجماع المنقول على عدم حجية الخبر الواحد الآن يشرع الاستدلال على حجية الخبر الواحد فى مقابل المانعين.

قال صاحب الكفاية وقد استدل المشهور لحجية الخبر الواحد بالادلة الاربعة

١٤٥

فقال فصل فى الآيات التى استدل بها فمنها آية النبأ الخ.

أى استدل بآية النبأ على حجية الخبر بوجوه ويذكر هنا بعضها الاول من جهة مفهوم الوصف بناء على ثبوت المفهوم له بان يقال ان تعليق وجوب التبين على خبر الفاسق يقتضى انتفائه عند انتفاء فسق المخبر فكانه قيل خبر الجائى الفاسق يجب التبين عنه فان مفهومه ان خبر الجائى غير الفاسق أى العادل لا يجب التبيّن عنه.

الثانى من جهة مفهوم الوصف الخاص فى المقام بان يقال ان وجوب التبيّن انما هو لاجل عدم الامن من تعمد الكذب فى الفاسق فهذه الخصوصية فى وصف الفسق أوجبت له المفهوم اذا انتفى هذا الوصف انتفى وجوب التبيّن.

الثالث ان التبيّن المأمور به بقوله تعالى ـ (فَتَبَيَّنُوا) هو التبيّن العرفى المفيد للاطمينان وان لم يفد القطع بالواقع وخبر العادل بما انه مفيد للاطمينان فلا يبقى معه موضوع لوجوب التبيّن والتفحص عرفا.

الرابع استدل بآية النبأ على حجية الخبر من جهة التعليل فى الآية المباركة بخوف وقوع فى الندم فانه يقتضى اعتبار خبر العادل فانه يحسن ارتكابه والعمل به عند العقلاء فلا يكون العمل بخبر العادل موجبا لوقوع فى الندم قد ذكر الى هنا وجوه اربعة لتقريب الاستدلال بآية النبأ على حجية الخبر وذكر المصنف الوجه الخامس لتقريب الاستدلال.

بقوله ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه اظهرها انه من جهة مفهوم الشرط.

١٤٦

أى الاستدلال بآية النبأ على حجية الخبر اظهر من الوجوه المذكورة ووجه اظهريته من سائر الوجوه انما هى لسلامته من الاشكالات الواردة على سائر الوجوه.

توضيح الاستدلال ان الموضوع فى الآية المباركة هو طبيعة النبأ وقد علق وجوب التبيّن عنه على كون الجائى به فاسقا فاذا انتفى الشرط وهو مجىء الفاسق لم يجب التبين عنه فكانه قيل :

النبأ يجب التبين عنه ان جاء به الفاسق والنبأ لا يجب التبين عنه ان لم يجيء به الفاسق.

قوله : ولا يخفى انه على هذا التقرير لا يرد ان الشرط فى القضية لبيان تحقق الموضوع الخ.

هذا دفع لما يتوهم من ان الشرط فى المقام يكون لبيان تحقق الموضوع أى الموضوع لوجوب تبين هو النبأ الذى جيء به الفاسق فينتفى وجوب التبيّن بانتفاء موضوعه بعبارة اخرى كانت هذه القضية من القضية السالبة بانتفاء الموضوع فيقال فى جواب التوهم ان الجملة الشرطية على نحوين.

الاول أن تكون مسوقة لبيان موضوع الحكم أى ان المقدم هو نفس موضوع الحكم حيث يكون الحكم فى التالى منوطا بالشرط فى المقدم على وجه لا يعقل فرض الحكم بدونه نحو قولهم ان رزقت ولدا فاختنه فانه لا يعقل فرض ختان الولد الا بعد فرض وجوده وقد اتفق الاصوليون على انه لا مفهوم لهذا النحو من الجملة الشرطية لان انتفاء الشرط معناه انتفاء موضوع الحكم فلا معنى للحكم بانتفاء على تقدير انتفاء المقدم الا على النحو

١٤٧

السالبة بانتفاء الموضوع ولا حكم حينئذ بالانتفاء فلا مفهوم للشرط فى المثال المذكور فلا يقال ان لم ترزق ولدا فلا تختنه.

الثانى ان القضية الشرطية لا تكون مسوقة لبيان الموضوع : حيث يكون الحكم فى التالى منوطا بالشرط على وجه يمكن فرض الحكم بدونه نحو قولهم ان احسن صديقك فاحسن اليه فان فرض الاحسان الى الصديق لا يتوقف عقلا على فرض صدور الاحسان منه فانه ممكن الاحسان اليه احسن أو لم يحسن وهذا النحو الثانى من الشرطية هو محل النزاع فى المقام.

قال صاحب الكفاية على هذا التقرير لا يرد انّ الشرط فى القضية لبيان تحقق الموضوع وجه عدم الورود ان الموضوع بناء على هذا التقرير هو النبأ بما هو نبأ وهو باق بعد انتفاء الشرط وهو مجىء الفاسق وليس الموضوع النبأ الذى جاء به الفاسق حتى ان يكون مجىء الفاسق جزء الموضوع ومحققا له لينتفى الموضوع بانتفائه.

الحاصل انّ هذا القسم الثانى من الجملة الشرطية يدل على المفهوم وليس مفهوم هذا القسم قضية سالبة بانتفاء الموضوع.

قوله : ولكنه يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم ان امثالها ظاهرة فى المفهوم الخ.

أى اشكال على الاستدلال لثبوت المفهوم توضيح هذا الاشكال انّ مقتضى عموم التعليل وجوب التبيّن فى كل خبر لا يؤمن من الوقوع فى الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فانّ التعليل باصابة القوم بجهالة مشترك بين المنطوق والمفهوم وهو نبأ

١٤٨

العادل اذ المفروض عدم افادة خبر العادل للعلم اذ لو افاد العلم خرج عن المبحث وهو تعبد بغير العلم فالاعتماد بنبإ العادل كالاعتماد بنبإ الفاسق أى اعتماد بما لا يفيد العلم فيصير من اصابة القوم بجهالة فلا مفهوم لهذه الشرطية حتى يكون مقتضاه عدم وجوب التبيّن عن نبأ العادل.

الحاصل انّ التعليل المذكور فى الآية المباركة أى اصابة القوم بجهالة مشترك بين نبأ العادل والفاسق فى وجوب التبيّن يعنى لا ينتفى وجوب التبيّن عند انتفاء مجىء الفاسق بل يجب التبين عند مجىء العاد ـ ايضا.

قوله : ولا يخفى ان الاشكال انما يبتنى على كون الجهالة بمعنى عدم العلم الخ.

أى قد اشكل على المفهوم فى الآية المباركة ويدفع هذا الاشكال بقوله لا يخفى الخ وحاصل الجواب ان مبنى الاشكال كون الجهالة بمعنى عدم العلم كما هو مقتضى مادة الاشتقاق لغة كالجهل فيكون عدم العلم مشتركا بين خبر العادل والفاسق ويجب التبيّن فيهما وسلمنا عدم دلالة الجملة الشرطية المذكورة على المفهوم بناء على كون الجهالة بمعنى عدم العلم.

لكن لا يبعد دعوى انّ الجهالة حقيقة عرفا فى السفاهة ولا شك فى تقدم المعنى العرفى على اللغوى عند الدوران بينهما : فاذا كان الجهل فى المعنى السفاهة التى هى عبارة عن فعل ما لا ينبغى صدوره من العاقل فيختصّ التعليل حينئذ بخبر الفاسق لانّه الذى يكون الاعتماد عليه بدون التبيّن سفهيا لاحتمال تعمّده

١٤٩

الكذب وبهذا الاحتمال يوجب العقل التبيّن فى خبره.

دون هذا بخلاف نبأ العادل فان الاعتماد عليه لا يكون سفهيّا ولو فرض مخالفة خبره للواقع لعدم احتمال تعمده على الكذب بل نعلم بعدم تعمده له فالركون اليه بدون التبيّن لا يكون سفهيا.

قوله : ثم إنّه لو سلم تمامية الآية على حجية خبر العدل ربما اشكل شمول مثلها للروايات لقول الامام عليه‌السلام بواسطة او وسائط الخ.

هذا اشكال آخر على الاستدلال بجميع ادلة حجية الخبر الواحد من دون اختصاصه بآية النبأ والمقصود من هذا الاشكال ان الغرض من الحجية للخبر الواحد هو اثبات السنة بالاخبار التى وصلت الينا مع الواسطة اى رتّب الواسطة بين المعصوم والمخبر الذى اخبر لنا ولا يترتب حصول الغرض المذكور على حجية الخبر لقصور هذه الحجية عنه أى حصول الغرض.

توضيح الاشكال انّ حجية الخبر المعبّر عنها بوجوب تصديق العادل انما هذه الحجية تكون بلحاظ الاثر الشرعى الثابت للمخبر به اذ لو لم يكن له أثر شرعى كانت الحجية لغوا مثلا اذا اخبر بان زيدا مجتهد فوجوب تصديق هذا المخبر انما يكون بلحاظ الاثر الشرعى للمخبر به كجواز التقليد المترتّب على اجتهاد زيد وحينئذ فوجوب تصديق العادل المستفاد من دليل حجية الخبر حكم واما الموضوع فهو خبر العادل والمخبر به أى اجتهاد زيد واثره الشرعى أى جواز التقليد يعنى كل هذه الامور موضوع للحكم المذكور أى وجوب تصديق العادل ومن المعلوم لزوم تغاير

١٥٠

كل حكم مع موضوعه وعدم امكان اتحادهما.

اذا عرف فى المقام الحكم وموضوعه ظهر الاشكال على حجية الاخبار وحاصل هذا الاشكال ان حجية قول العادل التى مرجعها الى وجوب تصديقه مترتبة على خبر العادل أى وجوب تصديق العادل مترتب على خبره فيما كان للمخبر به بهذا الخبر اثر فهذا موضوع لوجوب التصديق أو الحجية أى لا فرق بين وجوب التصديق والحجية فموضوعه مركب من امور ثلاثة الخبر وعدالة المخبر وكون المخبر به ذا اثر شرعى فلا فائدة فى جعل وجوب التصديق اذا لم يكن فى البين اثر فحينئذ يكون وجود الاثر مأخوذا فى ناحية الموضوع بحكم الانصراف لان المنصرف اليه عند الاطلاق هو موضوع ذى اثر قد ذكر آنفا ان الموضوع مركب من الخبر وعدالة المخبر وكون المخبر به ذا اثر اذا ثبت هذا الموضوع المركب ثبت الحكم وهو فى المقام عبارة عن وجوب تصديق المخبر فلم نحتاج على الاستدلال فى حجية الخبر الى آية النبأ ولا الى غيرها.

توضيحه بوجه آخر انّه اذا لم يكن واسطه بيننا وبين الراوى عن المعصوم (ع) كما اذا اخبرنا الصفار بان الامام (ع) قال كذا فلا اشكال فى تحقق اجزاء الموضوع أى الخبر وعدالة الراوى وكون المخبر به ذا اثر وحينئذ ثبت الحكم أى وجوب تصديق المخبر من غير ان يستفاد وجوب التصديق من الآية هذا الاشكال وارد على تقدير عدم الواسطة بيننا وبين الراوى عن المعصوم لكن يرد الاشكال الآخر على تقدير ثبوت الواسطة بيننا وبين الراوى عن المعصوم (ع) مثلا اذا اخبر المفيد باخبار الصفار عن الامام (ع)

١٥١

فيشكل ثبوت الحكم من دون الاستدلال بآية النبأ.

توضيح الاشكال ان المخبر به بخبر الصفار وان كان له اثر لانه اخبر عن الامام واما المخبر به بخبر المفيد هو اخبار الصفار فليس هذا المخبر به ذا اثر أى اخبر المفيد ان الصفار اخبر عن الامام فالمخبر به بخبر المفيد هو اخبار الصفار وليس هذا المخبر به ذا اثر شرعى بنفسه لكن يثبت الاثر لاخبار الصفار بالاستدلال على آية النبأ أى ثبت بها وجوب تصديق العادل أى الصفار فحينئذ يشمل الآية لخبر المفيد بملاحظة اثر وجوب تصديق.

ولا يخفى انه اذا لوحظ فى المخبر به بخبر المفيد هذا الاثر الشرعى أى وجوب تصديق العادل فيصر جزء الموضوع ويلزم اتحاد الحكم والموضوع اذ المفروض كون هذا الاثر أى وجوب تصديق عادل حكما فى صدق العادل واخذه موضوعا مستلزم للمحذور اعنى اتحاد الحكم والموضوع.

وايضا ملاحظة هذا الاثر مستلزم لتقدم الشىء على نفسه اذ وجوب تصديق العادل بما هو حكم متأخر وبما هو موضوع متقدم.

وقد ذكر الى هنا المورد الذى اخبر المخبر باخبار مخبر آخر ويذكر الآن مورد الذى اخبر المخبر فيه بعدالة مخبر آخر فيقال كذا الكلام بعينه اذا اخبر العادل بعدالة مخبر فانه يلزم محذور المذكور وان لم يكن بين هذا المخبر الذى اخبرنا بعدالته واسطة فيلزم اتحاد الحكم والموضوع فى صورة اخبار العادل بعدالة المخبر.

توضيحه ان العدالة التى اخبرنا بها ليس لها اثر فى نفسه بل يثبت الاثر بملاحظة اثر وجوب تصديق العادل المستفاد من الآية

١٥٢

فيلزم كونه حكما وموضوعا اذ وجوب تصديق العادل المذكور فى خبره مستفاد من نفس الآية مع كونه موضوعا لوجوب التصديق بالنسبة الى المخبر بالعدالة الذى هو ايضا مستفاد من الآية.

قوله : نعم لو انشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس بان يكون بلحاظه ايضا الخ.

أى لا يلزم المحذور المذكور اذا انشأ الحكم ثانيا اذ الدليل يشمل خبر الصفار لتحقق اجزاء موضوعه بنفسه وبعد تحقق اجزاء الموضوع يكون خبر الصفار ايضا ذا اثر وهو وجوب تصديقه المستفاد من هذا الدليل والدليل الثانى يثبت حجية قول المفيد لكون المخبر به فيه هو اخبار الصفار ذا اثر بالدليل الاول فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع خبر المفيد العادل مع كون المخبر به أى اخبار الصفار فى المثال المذكور ذا اثر والمراد من الحكم هو وجوب تصديقه.

وبعبارة اخرى ان محذور وحدة الموضوع والحكم يندفع فيما اذا تعدد الانشاء حيث ان وجوب التصديق الذى انشأ اولا يصير موضوعا للوجوب المنشأ ثانيا كما هو مقتضى القضية الحقيقية فلا يلزم تولد الموضوع من الحكم واتحادهما نعم يلزم اتحادهما نوعا وهو غير قادح مثلا اذا اخبر الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن الصادق (ع) وبنينا على وجوب تصديق الشيخ بدلالة مثل الآية على وجوب تصديق العادل فانه لا يلزم اتحاد الحكم والموضوع اذ ينحل وجوب التصديق الى وجوبات متعددة بعدد الوسائط فيثبت بوجوب تصديق الشيخ حدثنى المفيد ويصير

١٥٣

وجوب تصديق الشيخ موضوعا لوجوب تصديق المفيد ولا شك فى ثبوت المغايرة بين وجوب تصديق الشيخ ووجوب تصديق المفيد وكذا بوجوب تصديق المفيد يثبت (حدثنى الصدوق) ويصير وجوب تصديق المفيد موضوعا لوجوب تصديق الصدوق وهكذا الى ان ينتهى الى قول المعصوم (عليه‌السلام) حيث يترتب الحكم الشرعى على وجوب تصديق الصدوق مثلا

الحاصل ان وجوب تصديق الشيخ يصير موضوعها لوجوب تصديق المفيد فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع فى الفرض المذبور هو وجوب تصديق الشيخ والمحمول هو وجوب تصديق المفيد وكذا فى صورة اخرى مثلا وجوب تصديق المفيد يصير موضوعا لوجوب تصديق الصدوق فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع هو وجوب تصديق المفيد والحكم هو وجوب تصديق الصدوق.

قال صاحب الكفاية فلا بأس فى ان يكون بلحاظه ايضا الخ.

أى فلا بأس يكون انشاء الحكم أى وجوب تصديق العادل بلحاظ نفس وجوب التصديق المفروض تعددهما انشاء وان اتحدا نوعا فوجوب تصديق الشيخ يكون بلحاظ وجوب تصديق المفيد المغاير له انشاء وان اتحد معه نوعا.

فظهر الى هنا دفع اشكال اتحاد الحكم والموضوع بتعدد الانشاء فى وجوب تصديق العادل أى تعدد من حيث الانشاء يكفى فى المغايرة واما اذا كان الجعل والانشاء واحدا لزم اتحاد الحكم والموضوع.

١٥٤

قوله : فتدبر.

لعله اشارة الى ان الاشكال انما هو فى الانشاء الاول اذ لا مصحح له بعد فرض عدم اثر للخبر الا وجوب التصديق الذى يجيء من قبل الآية مثلا ولو فرض الاثر للانشاء الاول فلا اشكال فى الانشاء الثانى والثالث ففى الفرض المذكور يشكل فى انشاء وجوب فى خبر الشيخ بعد فرض عدم الاثر لخبره الا نفس وجوب تصديق الجائى من قبل الآية فيصير هذا الاثر أى وجوب تصديق حكما وموضوعا ويندفع الاشكال اتحاد الحكم والموضوع بالنسبة الى خبر الواسطة لتعدد الانشاء فيه قد ذكر شرحه.

قوله : ويمكن الذب عن الاشكال بانه انما يلزم اذا لم يكن القضية طبيعية الخ.

ثم ان الفرق بين دفع اشكال اتحاد الحكم والموضوع بما ذكره بقوله نعم لو أنشئ هذا الحكم ثانيا وبين قوله ويمكن الذب عن الاشكال الخ.

هو : ان ما تقدم من دفع الاشكال ناظر الى تعدد الانشاء حقيقة لكون صدق العادل من القضايا الحقيقية والخارجية فان انشاء صدق العادل ينحل حقيقة ويتعدد بتعدد اخبار الواسطة واما قوله ويمكن الذب عن الاشكال الخ. فهو ناظر الى تعدد الانشاء ايضا لكنه لا بنحو القضية الحقيقية والخارجية بل بنحو القضية التى يحكم فيها على الطبيعة ثم على الافراد من جهة انطباق الطبيعة عليها مثل الانسان حيوان فان الحيوانية ثابتة حقيقة لطبيعة الانسان اولا وبالذات ولافراده ثانيا وبالعرض ففى المقام يثبت

١٥٥

الحكم لطبيعة الاثر اولا وبالذات ولافرادها ثانيا وبالعرض مثلا يثبت وجوب تصديق العادل للطبيعة والماهية اولا وبالذات لكن لا يمكن وجود الطبيعة من دون الافراد فيتعلق الحكم للافراد ثانيا وبالعرض.

والحاصل ان الاشكال يندفع بكلا الجوابين لتحقق الانحلال الى الافراد الا ان الانحلال فى الاول حقيقى اى اذا كان صدق العادل من القضايا الخارجية فانحلال حقيقى وفى الثانى الانحلال حكمى لترتبه على انطباق الطبيعة على افرادها أى اذا كان صدق العادل من القضايا الطبيعية فالانحلال حكمى أى يحكم ثانيا وبالعرض على انحلال الافراد.

قد ظهر الى هنا الفرق بين الجوابين لدفع اشكال اتحاد الحكم والموضوع الآن يذكر تفصيل قوله ويمكن الذب عن الاشكال الخ وهو ان اشكال اتحاد الحكم والموضوع انما يلزم اذا جعل صدق العاد قضية خارجية لترتب الحكم فيها على خصوص افراد الموضوع الموجودة فى الخارج فعلا واما اذا جعل صدق العادل قضية حقيقية لترتب الحكم فيها على طبيعة الموضوع ومنها يسرى الى افرادها الخارجية المحققة أو المقدرة فلا يلزم الاشكال المذكور.

وبعبارة اخرى ان الملحوظ فى ناحية الموضوع لو كان خصوصيات الاثر ومنها وجوب التصديق للزم المحذور المتقدم والمراد من خصوصيات الاثر كوجوب تصديق العادل وكقبول الشهادة وجواز اقتداء الصلاة فى خلفه فان ثبت الحكم أى وجوب تصديق العادل لموضوع الخارجى أى اثر الشرعى الخاص الذى

١٥٦

لوحظ موضوعا ومنه وجوب تصديق العادل فثبت الحكم أى وجوب تصديق العادل للموضوع الذى هو اثر خاص وهو فى الفرض المذكور عبارة من وجوب تصديق العادل فيلزم اتحاد الحكم والموضوع.

واما اذا كان فى ناحية الموضوع هو طبيعة الاثر لا لطبيعى المعقولى بل الطبيعى الاصولى وهو الطبيعة بشرط الوجود السعى الخارجى فلا محذور حينئذ بل الموضوع غير الحكم فيكون المتقدم الطبيعة والمتأخر هو الفرد منها فحينئذ يسرى حكم الطبيعة الى كل فرد ذى اثر ولو كان نفس وجوب التصديق ولو فرض فى مورد عدم الاثر للمخبر به غير وجوب التصديق لوجب ترتيبه بحكم الآية.

الحاصل ان الموضوع اذا كان طبيعة الاثر أى الطبيعة من حيث هى الطبيعى الاصولى يعنى الطبيعة بشرط الوجود فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع لان الموضوع طبيعة اثر الشرعى وهى يشمل وجوب التصديق وغيره فيصح ان يحمل هذا الحكم أى وجوب التصديق على الموضوع الذى هو عبارة عن الطبيعة.

قوله : هذا مضافا الى القطع بتحقق ما هو المناط فى سائر الآثار فى هذا الاثر الخ.

هذا هو الوجه الآخر من وجوه الجواب عن الاشكال المذكور : وتوضيحه ان المناط فى شمول دليل الاعتبار للخبر هو كون الخبر ذا اثر شرعى من تفاوت بين كون ذلك الاثر ووجوب التصديق غاية

١٥٧

الامر ان دليل الاعتبار لا يشمل الاثر الاول اعنى وجوب التصديق لفظا للزوم محذور الاتحاد ولكن يشمله مناطا ومن المناط يستكشف تعدد الانشاء ومن المعلوم ان المناط فى شمول دليل الاعتبار اى اعتبار خبر العادل لخبره كونه ذا اثر شرعى كما اذا اخبر زيد العادل بعدالة عمرو فان دليل الاعتبار لا يشمل الاخبار بعدالة عمرو الا اذا كان لعدالته اثر شرعى كجواز الاقتداء به دون ما اذا لم يترتب على عدالته اثر شرعى ولذا لو اخبر العادل بان ارتفاع الجبل الفلانى مائة ذراع لم يجب تصديقه استنادا الى وجوب تصديق العادل المستفاد من الآية المباركة.

الحاصل ان الحكم الذى ثبت لسائر الآثار يثبت هذا الحكم لهذا الاثر أى وجوب تصديق العادل ولا يخفى ان المناط فى اثبات الحكم هو كون الموضوع ذا اثر شرعى اذا ثبت الحكم للموضوع باعتبار الاثر الشرعى له فيثبت الحكم أى وجوب التصديق لان هذا الموضوع ذو اثر شرعى.

بعبارة اخرى ان الحكم أى وجوب التصديق يثبت بخبر العادل من عدم الفصل بين الآثار : الظاهر انه لم يوجد الفصل بين هذا الاثر أى وجوب تصديق العادل وبين سائر الآثار كجواز الايتمام وتحمل الشهادة وقبولها عند ادائها فاذا ثبت الحكم لسائر آثار ثبت لهذا الاثر أى وجوب التصديق ايضا فاعتبار المناط بين هذا الاثر وسائر الآثار كاف فى اثبات وجوب التصديق لخبر العادل وان لا يمكن ان يكون هذا الاثر اى وجوب التصديق ملحوظا لفظا لاجل

١٥٨

محذور اتحاد الحكم والموضوع لكن ملحوظ من باب المناط قوله فافهم هذا اشارة الى ان عدم القول بالفصل لا يكفى فى دفع الاشكال بل النافع فيه هو القول بعدم الفصل بين هذا الاثر أى وجوب التصديق وبين سائر الآثار ولا يخفى ان تحققه غير معلوم فى المقام.

قوله : ولا يخفى انه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك للاشكال فى خصوص الوسائط الخ.

أى قد دفع الى هنا الاشكال عن الاستدلال بالآية على حجية الخبر سواء كان بلا واسطة أو مع الواسطة قال المصنف انه بعد دفع الاشكال عن الاخبار الوسائط وغيرها لا وجه ولا مجال للاشكال فى خصوص الواسطة أو الوسائط فيذكر هنا اصل الاشكال اولا أى الاشكال الذى قال المصنف بعدم المجال فيه.

ولا يخفى انّ ملاك هذا الاشكال من قبل الخبرية وذلك لان موضوع وجوب التصديق : هو الخبر العادل والمعلوم ان الحكم متوقف على موضوعه فيتوقف تصديق خبر العادل على الخبرية ولو شمل الخبر مع الواسطة للزم توقف الخبرية على وجوب التصديق اذ لا خبرية لغير الخبر الواصل الينا بعد وجوب التصديق المستفاد من الآية أى قال المستشكل ان المراد من الخبر هو ما وصل الينا مثلا خبر الشيخ وصل الينا يصدق عليه الخبرية اما خبر المفيد والصفار لم يوصلا الينا فلم يصدق عليهما الخبرية الا بتوسط وجوب التصديق وايضا الخبر موضوع لوجوب التصديق فيتوقف على الخبر من باب توقف الحكم على موضوعه وبعبارة

١٥٩

اخرى يلزم على تقدير الشمول لما ذكر توقف تحقق بعض افراد العام على ثبوت حكمه لبعض آخر مثلا قول القائل كل خبرى صادق ولو فرض شموله لنفسه أيضا وذلك دور واضح حاصله لو شمل صدق العادل الخبر الذى كان مع الواسط لكان هذا دورا واضحا.

توضيحه اذا قال المتكلم كل خبرى صادق فيتوقف هذا الخبر على صدق نفسه لان كل خبرى صادق أيضا من اخبار المتكلم فيتوقف صدق بعض افراد العام على ثبوته لبعض آخر ثم ان هذا الاشكال مع الاشكال المتقدم متبائن ملاكا لان هذا الاشكال من قبل مأخوذية الخبر فى موضوع الحكم وصار هذا مستلزما للدور واما الاشكال المتقدم فهو اتحاد الحكم والموضوع.

قوله : فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا.

هذا منشأ الاشكال الذى حكم المصنف بعدم مجال فيه والمراد من هذا الاشكال هو استحالة تولد الموضوع اعنى نفس خبر العدل كخبر المفيد ـ من الحكم اعنى وجوب التصديق فالاشكال حينئذ يكون من جهة عليّة الحكم لوجود الموضوع ولو تعبدا قد ذكر انه لا يثبت الخبرية للواسطة الا من جهة الحكم أى صدق العادل : وما يتولد منه الموضوع كيف يكون حكما له.

وبعبارة اخرى كيف يكون صدق العادل حكما لما يتولد هو منه وهو أى ما يتولد من صدق العادل هو الخبرية لقول المفيد قال صاحب الكفاية فكيف يكون هذا الحكم لخبر الصفار الخ.

ولا فرق بين خبر المفيد والصفار فى صورة كونهما واسطة.

١٦٠