رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٨

فقلت : أصدقة أم نذر أم زكاة (١)؟ وكل ذلك محرم علينا أهل البيت.

فقال : لا ولا ذلك ، ولكنها هدية ، فقلت : هبلتك الهبول! أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها [واسترق لي قطانها مذعنة بأملاكها](٢) على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة فألوكها ما قبلت ولا أردت (٣).

وان دنياكم عندي أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ، ما لعلي ونعيم يفنى ، ولذة لا تبقى! نعوذ بالله من سبات العقل ، وقبح الزلل ، وبه نستعين (٤).

فصل

استدل جمهور المسلمين على أن السماوات سبع وأن الأرضين سبع ، بقول الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ)(٥) وبقوله تعالى (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ)(٦).

قالوا : وجاءت الاخبار بشرح ما في السماوات سماء سماء. واحتجوا بأنها غير كرؤية بقوله (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً)(٧) وبقوله (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ

__________________

(١) في النهج : أصله أم زكاة أم صدقة؟.

(٢) الزيادة غير موجودة في النهج.

(٣) في النهج : جلب شعيرة ما فعلته ، وان دنياكم إلخ.

(٤) أورد الخطبة بتمامها الشريف الرضى في نهج البلاغة ص ٣٤٦.

(٥) سورة المؤمنون : ١٧.

(٦) سورة الطلاق : ١٢.

(٧) سورة الأنبياء : ٣٢.

١٤١

وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ)(١).

قالوا : وليس يجوز أن يكون ما هو فوقنا يحاذي أقدامنا ، ولا أن يحول بيننا وبين الأرض التي تحتنا.

قالوا : وقد وافقنا الفلاسفة على أن السماء فوقنا ، والفوق لا يكون مقابلا لطرف الاقدام.

واحتجوا في أن الأرض مسطوحة بقول الله تعالى (اللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً)(٢) والبساط لا يكون كرويا ولا معادلا ذات تحديب ، وقال (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(٣) أي بسطها ، وقال (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً)(٤) وهذا انما هو احتجاجهم على أهل الملة وابانة عن البيت الذي زعموا أن الفلك والأرض غير كريين لا على من خالف الإسلام.

مسألة

في فدك

ان سأل سائل فقال : إذا كنتم تخطئون أبا بكر في منعه فاطمة عليها‌السلام من أن يسلم إليها فدك على جهة النحلة ، وأن يقبل فيها دعواها لأجل عصمتها عليها‌السلام ، وأن المعصوم المقطوع على صدقه لا يحتاج الى بينة ، فمن أين

__________________

(١) سورة الطور : ٤٤.

(٢) سورة نوح : ١٩.

(٣) سورة النازعات : ٣٠.

(٤) سورة النبإ : ٦.

١٤٢

أبا بكر كان يعلم عصمتها عليها‌السلام.

فان قلتم إن لم يكن عالما بذلك ، فكان يجب عليه أن يعلمه ، فإذا فرط فيه مع قيام الدلالة عليه كان ملوما.

قيل لكم : ومن أين يجب عليه أن يعلمه ، ولو كان اليه طريق وعليه دليل ، فليس كل شيء إلى العلم به طريق وجب علينا أن نعلمه.

الجواب :

فأما أبو بكر فليس له على الحقيقة الحكم على فاطمة عليها‌السلام ولا لها ، ويجب أن يعلم عصمتها ليعلم وجوب الحكم بما تدعيه ، والاحكام الى الامام الذي هو غيره ، فصار المنع منه لها من فدك بغير حق على كل حال.

لا سيما وأبو بكر يعلم أن امام ذلك الزمان هو بعلها ، وما فسح لها من (١) المطالبة إليه بفدك الا وهي مستحقة ، ومعرفته بإمامته واجبة لا محالة بلا شبهة.

فإذا قيل : لو قدرنا أنه الامام والحاكم بين المسلمين ، أيجب عليه أن يعلم عصمة فاطمة عليها‌السلام أم لا يجب عليه؟ فان جوزتم أن لا يجب عليه العلم بالعصمة ، فقد عذرتموه بهذا التقدير والفرض من منعها في فدك ، وان أوجبتم العلم بالعصمة ، فبينوا من أي وجه يجب عليه ذلك؟

قلنا : إذا قدرنا المسألة هذا التقدير الذي هو بخلاف الحال التي جرت عليها ، فالجواب : أن أبا بكر إذا كان له أن يحكم لفاطمة عليها‌السلام وعليها ، بأن قدرنا صحة إمامته وكان الله تعالى قد دل على عصمتها (صلوات الله عليها) فيجب عليه أن يعلم هذه الحال منها ، حتى إذا ادعت أمرا وجب تسليمه إليها للعلم بصدقها ،.

__________________

(١) خ ل : في.

١٤٣

ومعلوم أنها ادعت فدكا.

ولأبي بكر طريق الى العلم بصدقها في دعواها ، بأن ينظر في الدليل الذي نصه الله تعالى على عصمتها ، فيجب أن ينظر فيه ليعلم صدقها ويجب التسليم إليها ، لأنه لا خلاف في أن الخصم إذا ادعى بينة عند الحاكم ، فيجب على الحاكم أن ينظر في بينته ، ليغلب في ظنه ثبوت الحق له به.

ومعلوم أن الظن لا حكم له مع إمكان العلم ، وإذا تمكن الحاكم من أن يعلم صدق المدعي ، وجب أن ينظر في ذلك ليعلم بحسب علمه ، كما وجب عليه النظر فيما يؤدي (١) الى غلبة الظن من بيانه ، وإذا لم يفعل فقد فرط.

فإذا قيل : المدعي (٢) عند الحاكم النظر في بينته التي أسند إليها المدعي ويمينها ، وطالب الحكم بالنظر فيها ، وفاطمة عليها‌السلام ما طالبت أبا بكر بالنظر فيما يجري مجرى البينة لها من دليل عصمتها ، فكيف يجب عليه النظر في ذلك؟

قلنا : إذا كنا نقدر حالا لم يكن ، والحال الجارية على ما ذكرنا يقتضي وجوب التسليم لما ادعته وترك المعارضة فيه ، فإذا قدرنا حالا أخرى لم يتفق قدرنا ما يليق بها.

فقلنا : ادعت فاطمة عليها‌السلام فدكا عند حاكم له أن يحكم بين المسلمين ، ولم يكن لها بينة تقتضي غلبة الظن من شهادة وجب عليها أن ينبه الحاكم على أن جهة وجوب تسليم الحق إليها وهو دليل عصمتها ، وتشير أيضا الى الدليل بينته حتى يكون بين النظر اليه ووقوع العلم له ووجوب التسليم وبين لزوم

__________________

(١) خ ل : يؤديه إليه.

(٢) ظ : للمدعى.

١٤٤

التقصير إياه.

وهذا واضح لمن تأمله.

فصل

(في الغيبة)

قال (رضي الله عنه) ان قالوا ان قلتم : ان الامام موجود ، وأنه يظهر ويفعل ويصنع، فأي شيء يمنع من ظهوره؟ بينوا ما الموجب لاستتاره وغيبته؟.

قلنا : قد ثبت وجوب الامام ، وأن من صفته أن يكون معصوما لا يجوز أن يقع منه الفعل القبيح ، وإذا كان كذلك وقد بينا أن الامام يجب كونه موجودا والان .. ظهوره (١) وغيبته.

فنقول : إذا ثبت عصمته ثم استتر ولم يظهر ، وجب أن يكون ذلك لعذر ، لان القبيح لا يجوز وقوعه منه ، وليس يجب علينا بيان ذلك العذر ، وانما هو بوجه من الوجوه.

وهذا مثل ما نقول وهم الملحدة حين يقولون : ما الحكمة في رمي الحجارة والهرولة واستلام الحجر لا نعلم شيئا؟ الى غير ذلك مما يسألون عنه.

ألسنا نقول لهم : ان صانع العالم قد ثبتت حكمته بالدليل الباهر القاهر ، ومع حكمته إذا أمرنا بمثل هذه الأشياء ، علمنا أن الحكمة أوجبت ذلك الأمر.

فإذا قالوا : ما ذلك الأمر؟

قلنا : لا يجب علينا بيانه من حيث علمنا أن القبيح لا يحصل منه تعالى ،

__________________

(١) في الهامش : ما بقي أن لا.

١٤٥

والطريقان واحد على ما ترى ، وهذا هو سد الباب على مخالفينا وقطع التطويلات عنهم والأمارات (١) ، وبهذا أن يستعمل معهم سؤال لهم.

إذا قالوا : ان نصب الإمام إذا كان لطفا للمكلفين في فعل الواجبات وتجنب المقبحات ، فان استتاره وغيبته ينقضان هذا البناء ، ويبطلان هذا الغرض.

قلنا لهم : لا يمتنع أن يقع هذا اللطف مع غيبته في هذا الباب أقوى ، لأن المكلف إذا لم يعلم مكانه ولم يقف موضعه ويجوز فيمن لا يعرفه أن الامام يكون الى أن لا يفعل القبيح ولا يقصر في فعل الواجب أقرب منه لو عرفه ، ولا يجوز فيه كونه اماما.

وهذا جواب ظاهر ليس لأحد من أصحابنا هذا الجواب.

قال (رضي الله عنه) : العصمة في صفات الامام من أكبر الأصول في الإمامة ، أن تثبت يكفي كثيرا من المؤن ، فالواجب أن يكون الاشتغال بتصحيحها أكثر.

فصل

وسئل (رضي الله عنه) عن الحال بعد امام الزمان عليه‌السلام في الإمامة فقال : إذا كان من المذهب المعلوم أن كل زمان لا يجوز أن يخلو من امام يقوم بإصلاح الدين ومصالح المسلمين ، ولم يكن لنا بالدليل الصحيح أن خروج القائم يطابق زوال التكليف ، فلا يخلو الزمان بعده عليه‌السلام من أن يكون فيه امام مفترض الطاعة ، أو ليس يكون.

فان قلنا : بوجود امام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية ، وان لم نقل

__________________

(١) في الهامش : الإيرادات.

١٤٦

بوجود امام بعده ، أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب ، وهو قبح خلو الزمان من الامام.

فأجاب (رضي الله عنه) وقال : انا لا نقطع على مصادفة خروج صاحب الزمان محمد بن الحسن عليهما‌السلام زوال التكليف ، بل يجوز أن يبقى العالم بعده زمانا كثيرا ، ولا يجوز خلو الزمان بعده من الأئمة.

ويجوز أن يكون بعده عدة أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ، وليس يضرنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة ، لأن الذي كلفنا إياه وتعبدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر ، ونبينه بيانا شافيا ، إذ هو موضع الخلاف والحاجة.

ولا يخرجنا هذا القول عن التسمي بالاثني عشرية ، لأن هذا الاسم عندنا يطلق على من يثبت امامة اثني عشر اماما. وقد أثبتنا نحن ولا موافق لنا في هذا المذهب ، فانفردنا نحن بهذا الاسم دون غيرنا.

حول خبر نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة

وسمع منه (رضي الله عنه) يقول : من أعجب الأشياء أنهم ـ يعني الناصبة ـ يعولون في صحة الإجماع ، وكونه حجة في الشريعة ، على خبر واحد لا يثبت له سند ولم يبن.

وإذا طولبوا بتصحيحه عولوا في ذلك الإجماع وأنه حجة ، فهل هذا الا تعويل على الريح؟! وليس الدليل بالمدلول والمدلول بالدليل ، وتصحيح كل واحد منهما بصاحبه.

يعني بالخبر روايتهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

وكان (رضي الله عنه) ينكر ما كان يذكره بعض الإمامية في منع الاحتجاج

١٤٧

بهذا الخبر ، وأنه انما قال : «ما تركناه صدقة» (١) بنصب «ما» فلا يرتضي هذه الطريقة، لان من نقل هذه الكلمة إنما نقلها موقوفة غير معربة.

ثم ان النصب ينافي هذا الخبر وواضعيه انهم لا ينصبون هذه الكلمة ولم يقصدوا الى معنى النفي ، لظهور التناقض والتنافي بين أولها وآخرها.

مسألة

في تفضيل فاطمة عليها‌السلام

وسألوا أيضا عن السيدة فاطمة عليها‌السلام فقالوا : ما وجه هذا الفضل المتفاوت على سائر بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟.

وما يوجب ذلك وجوبا بصحيحة النظر ، والا سلمتم لغيرها منهي مثل يراثها (٢) صلى الله عليها.

الجواب :

اعلم أن الفضل في الدين انما هو كثرة الثواب المستحق على وجه التعظيم والتبجيل ، والثواب انما يستحق على الله تعالى بالطاعات وفعل الخيرات والقربات.

وانما يكثر باستحقاقه بأحد الوجهين ، اما بالاستكثار من فعل الطاعات ، أو بأن تقع الطاعة على وجه من الإخلاص والخضوع لله تعالى ، والقربة إليه يستحق بها لأجل ذلك الثواب الكثير ، ولهذا كان ثواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على كل طاعة بصلاة أو صيام يفعلها أكثر من ثواب كل فاعل منها لمثل

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا.

١٤٨

تلك الطاعة.

وإذا كانت هذه الجملة متمهدة في الأصول ، فما المنكر من أن تكون سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام قد انتهت من الاستكثار من فعل الطاعات ، ثم من وقوعها على أفضل الوجوه الموجبة لكثرة الثواب وتضاعفه الى الحد الذي فاقت وفضلت على النساء كلهن.

ولو قال لنا قائل : وما الفضل الذي بان به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من سائر الخلق أجمعين من نبي وغيره ، هل كان جوابنا له الا مثل ما تقدم من جوابنا.

فوجوه زيادة الفضل لا تحصى ولا تحصر ، ولم يبق الا أن يدل على أنها عليها‌السلام أفضل النساء كلهن.

والمعتمد في الدلالة على ذلك إجماع الشيعة الإمامية ، فإنهم مجمعون بلا خلاف فيها على أنها عليها‌السلام أفضل النساء ، كما أن بعلة أفضل الرجال بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مسألة

إنكاح أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته

وسألوا أيضا من موجب الفقه المجيز لأمير المؤمنين عليه‌السلام تزويج أم كلثوم.

وقالوا : أوضحي النساء من طريق يوجبه الدين ويتجه ولا يمنعه ، وهو مستعمل التقية ومظهر المجاملة أن ينتهي إلى الحد الذي لا مزيد عليه في الخلطة وهو التزويج.

١٤٩

الجواب :

قال الشريف المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : اعلم أنا قد بينا في كتابنا «الشافي» في الجواب عن هذه المسألة ، وأزلنا الشبهة المعترضة بها وأفردنا كلاما استقصيناه واستوفيناه في نكاح أم كلثوم ، وإنكاح بنته صلى‌الله‌عليه‌وآله من عثمان بن عفان ، ونكاحه هو أيضا عائشة وحفصة ، وشرحنا ذلك فبسطناه.

والذي يجب أن يعتمد في نكاح أم كلثوم ، أن هذا النكاح لم يكن عن اختيار ولا إيثار ، ولكن بعد مراجعة ومدافعة كادت تفضي إلى المخارجة والمجاهرة.

فإنه روي أن عمر بن الخطاب استدعى العباس بن عبد المطلب ، فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ فقال له : ما يجيب أن يقال لمثله في الجواب عن هذا الكلام فقال له : خطبت الى ابن أخيك على بنته أم كلثوم ، فدافعني ومانعني وأنف من مصاهرتي ، والله لأعورن زمزم، ولأهدمن السقاية ، ولا تركت لكم يا بني هاشم منقبة الا وهدمتها ، ولأقيمن عليه شهودا يشهدون عليه بالسرق وأحكم بقطعه.

فمضى العباس الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبره بما جرى وخوفه من المكاشفة التي كان عليه‌السلام يتحاماها ، ويفتديها بركوب كل صعب وذلول ، فلما رأى ثقل ذلك عليه ، قال له العباس : رد أمرها الي حتى أعمل أنا ما أراه ، ففعل عليه ذلك وعقد عليها العباس.

وهذا إكراه يحل له كل محرم ويزول معه كل اختيار. ويشهد بصحته ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام من قوله وقد سئل عن هذا العقد؟ فقال عليه‌السلام : ذلك فرج غصبنا عليه.

وما العجب من أن تبيح التقية والإكراه والخوف من الفتنة في الدين ووقوع

١٥٠

الخلاف بين المسلمين لمن هو الامام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمستخلف على أمته أن يمسك عن هذا الأمر ، ويخرج نفسه منه ، ويظهر البيعة لغيره ، ويتصرف بين أمره ونهيه ، وينفذ عليه أحكام ، ويدخل في الشورى التي هي بدعة وضلال وظلم ومحال ، ومن أن يستبيح لأجل هذه الأمور المذكورة على من لو ملك اختياره لما عقد عليه.

وانما يتعجب من ذلك من لا يفكر في الأمور ولا يتأملها ولا يتدبرها ، دليل على جواز العقد ، واقتضى الحال له مثل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لانه عليه‌السلام لا يفعل قبيحا ولا يرتكب مأثما.

وقد تبيح الضرورة أكل الميتة وشرب الخمر ، فما العجب مما هو دونها؟ فأما من جحد من غفلة أصحابنا وقوع هذا العقد ونقل هذا البيت ، وأنها ولدت أولادا من عمر معلوم مشهور.

ولا يجوز أن يدفعه الا جاهل أو معاند ، وما الحاجة بنا الى دفع الضرورات والمشاهدات في أمر له مخرج من الدين.

كلام في حقيقة الجوهر

المسألة الثانية من المسائل التي وردت على الأجل المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : إذا كان لجوهر في عدمه جوهر منها الذي (١) فعل محدثه ، وهل صفة الوجود والاحداث شيء غير نفسه؟ فان كانت شيئا لزمكم أن يكون في عدمها كذلك ، وان لم يكن شيئا فقد حصلنا على أن الفاعل في الحقيقة لم يفعل شيئا.

__________________

(١) ظ : إذا كان الجوهر في عدمه جوهرا ما الذي.

١٥١

وقد قال أصحاب هذه المسألة : ان أمركم فيها يئول الى قول المجبرة ، لزعمكم أن الجوهر لم يكن جوهرا بفاعله ولا صار شيئا يضايفه وانما وجوه ، فإذا سألناكم عن إيجاده وهل هو نفس الجوهر أم شيء غيره لم نسمع في ذلك الا ما ادعته المجبرة في الكسب.

الجواب وبالله التوفيق :

اعلم أن قولنا «جوهر» عبارة عما يجب له التحيز إذا وجدت ، لان الذوات على ضربين :

منها ما يجب متى وجد أن يكون متحيزا.

ومنها ما يستحيل فيه التحيز مع الوجود ، كالاعراض والقديم تعالى ، فعبرنا عن القسم الأول بعبارة مفيدة ، وهي قولنا «جوهر».

وانما قلنا ان الجوهر لا بد أن يكون في حال عده (١) جوهرا ، لانه لا بد أن يكون في حال عدمه على حال يجب لأجلها التحيز متى وجد ، ولهذا قلنا «انه جوهر لنفسه وجنسه».

والدليل على ذلك أنه لا يخلو أن يكون المتحيز في الوجود مما يجب له هذه الصفة ، ولا يجوز عليه خلافها ولا المتبدل بها ، وان يكون الأمر بخلاف ذلك.

فان كان الأمر على الأول ، فلا بد من اختصاصه في حال العدم بصفة يجب معها لها هذا الحكم عند الوجود مما (٢) يستحيل عليه هذا الحكم عند الوجود ، وأضفنا تلك الصفة إلى النفس ، لان ..

__________________

(١) ظ : عدمه.

(٢) خ ل : حتى.

١٥٢
١٥٣

(٣٣)

مسألة في من يتولى غسل الامام

١٥٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة : من المتولي لغسل الامام الماضي والصلاة عليه؟ وهل ذلك موقوف على تولي الامام بعده له أم يجوز أن يتولاه غيره؟

الجواب : قد روت الشيعة الإمامية أن غسل الامام والصلاة عليه موقوف (١) على الإمام الذي يتولى الأمر من بعده ، وتعسفوا لها فيما ظاهره بخلاف ذلك ، وهذه الرواية المتضمنة لما ذكرناه واردة من طريق الآحاد التي لا يوجب علماً ولا يقطع بمثلها.

وليس يمتنع في هذه الاخبار إذا صحت أن يراد بها الأكثر الأغلب ، ومع الإمكان والقدرة ، لأنا قد تشاهدنا (٢) ما جرى على خلاف ذلك ، لان موسى ابن جعفرعليهما‌السلام توفي بمدينة السلام والامام بعده علي بن موسى الرضا

__________________

(١) في «ن» : موقوفان.

(٢) في «ن» : شاهدنا.

١٥٥

عليهما‌السلام بالمدينة ، وعلي بن موسى الرضا توفي بطوس والامام بعده ابنه محمد بالمدينة. ولا يمكن أن يتولى من بالمدينة غسل من يتوفى بطوس ، أو بمدينة السلام.

وقد تعسف بعض أصحابنا فقال : غير ممتنع أن ينقل الله تعالى الامام من المكان الشاسع (١) في أقرب الأوقات ويطوي له البعيد ، فيجوز أن ينتقل من المدينة إلى مدينة السلام وطوس في الوقت.

والجواب عن هذا : انا لا نمنع من إظهار المعجزات وخرق العادات للأئمة عليهم‌السلام الا أن خرق العادة انما هو في إيجاد المقدور دون المستحيل والشخص لا يجوز ن يكون منتقلا إلى الأماكن البعيدة إلا في أزمنة مخصوصة فأما أن ينتقل الى البعيد من غير زمان محال (٢) ، وما بين المدينة وبغداد وطوس من المسافة لا يقطعها الجسم إلا في أزمان لا يمكن معها أن يتولى من هو بالمدينة غسل من هو ببغداد.

فان قيل : ألا انتقل كما ينتقل الطائر من البعيد في أقرب مدة (٣).

قلنا : ما ننكر اختلاف انتقال الأجسام بحسب الصور والهيئات ، فان أردتم أن الامام يجعل له جناح يطير به ، فهو غير منكر ، الا أن الثقيل الكبير من الأجسام لا يكون طيرانه في الخفة مثل الصغير الجسم. ولهذا لا يكون طيران الكراكي وما شاكلها في عظم الأجسام ، كسرعة الطيور الخفاف ، فإذا كان الطائر الخفيف الجسم انما لم يقطع في يوم واحد من المدينة إلى طوس ، فأجدر

__________________

(١) في «ن» : الواسع.

(٢) ويرده قوله تعالى (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ أَهكَذا عَرْشُكِ) وقد أحضر عرشها في أقل من طرفة عين.

(٣) في الأصل : هذه.

١٥٦

أن لا يتمكن من ذلك الإنسان إذا كان له جناح.

ولا يمكن أن يقال : ان الله تعالى يعدم الامام من هناك ويوجده في الحال الثانية هاهنا.

لان هذا مستحيل من وجه آخر ، لان عدم بعض الأجسام لا يكون الا بالضد الذي هو الفناء ، وفناء بعض الجواهر فناء لجميعها ، وليس يمكن أن يفنى جوهر مع بقاء جوهر آخر ، على ما دللنا عليه في كثير من كلامنا ، لا سيما في كتابي (١) المعروف ب «الذخيرة».

الا أنه يمكن من ذهب من أصحابنا الى ما حكيناه أن يقول نصرة لطريقته : ما الذي يمنع من أن ينقل (٢) الله تعالى الامام من المدينة إلى طوس بالرياح العواصف التي لا نهاية لما يقدر الله تعالى عليه من فعلها وان فيها (٣). وما المنكر من أن يقول في هذه الريح التي تنقله ما يزيد معه على سرعة الطائر الخفيف المسرع ، فينتقل في أقرب الأوقات.

والذي يبطل هذه التقديرات لو صحت أو صح بعضها أنا قد علمنا أن الامام لو انتقل من المدينة إلى بغداد أو طوس لغسل المتوفّى والصلاة عليه لشوهد في موضع الغسل والصلاة ، لأنه جسم والجسم لا بدّ من أن يراه كل صحيح العين. ولو شهد لهم لعلمه وعرف حاله ونقل خبره (٤) ولم يخف على الحاضرين ، فكيف يجوز ذلك وقد نقل في التواريخ من تولى غسل هذين الإمامين والصلاة عليهما وسمي وعين ، وهذا يقتضي أن الأمر على ما اخترناه.

__________________

(١) في «ن» : الكتاب.

(٢) في «ن» : يحمل.

(٣) في «ن» : من فعل الاعتمادات فيها.

(٤) في «ن» : ولو شهد لعلم حاله ونقل خبره.

١٥٧
١٥٨

(٣٤)

عدم وجوب غسل الرجلين في الطهارة

١٥٩

بسم الله الرحمن الرحيم

قال السيد قدس الله روحه :

وقفت على كلام لأبي الحسن علي بن عيسى الربعي ينصر به أن القرآن دال على وجوب غسل الرجلين في الطهارة ، فلما تأملته وجدته كلام مخرم غير محقق لما يقوله ، وكأنه غريب من هذا الشأن بعيد منه أجنبي ، ومن لا يطيق على أمر فأستر عليه ترك الخوض فيه.

ولما لم يتمكن من حمله القراءة ينصب الأرجل على الأيدي المغسولة ، عدل إلى شيء وجدت شيخه أبي (١) علي الفارسي عول عليه ، لما أعياه نصرة إيجاب الغسل من الآية على صناعة الاعراب. وهو وجه روي عن أبي يزيد الأنصاري أشد تهافتا وتقاربا من كل شيء اعتمد عليه في هذه الآية.

ونحن نبين ما في هذا الكلام الذي وقفنا عليه من الخلل والزلل بأوجز

__________________

(١) ظ : أبا.

١٦٠