رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٨

كلفه قوى (١) فلا لزم على تكليفه تعالى من التصرف فيها.

والذي منعه عليه‌السلام من أن يقوم مقاماً يذكرهم فيه حقه هو ما ذكرنا بعضه وأشرنا إلى جميعه ، فكيف يطمع في رجوع القوم بالتذكير والتبصير ، وهو عليه‌السلام قد شاهدهم خالفوا الرسول جهاراً وعياناً ، وعدلوا عمن نص عليه وأصر بالإمامة إليه.

هذا مع قرب العهد الذي لا يقع في مثله نسيان ممن (٢) لم يطع ربه تعالى وخالف نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كيف يطمع طامع في إجابته ويرجو رجوعه وطاعته على نفسه طاعته. وانما أظهر بحكم الضرورة أنه قد رضي بأن كف عن المنازعة والمجاذبة بعد أن كان أظهر السخط والكراهية هو وجماعة بني هاشم وجماعة من المهاجرين والأنصار ، وتأخروا عن البيعة ، وجرت في ذلك من المراسلات والمراجعات والمعاتبات والتهويلات والتهديدات ما هو مسطور في كتب العامة فضلا عن الخاصة ، فأوجبت الحال الكف عن إظهار المنازعة والإمساك عن المخالفة ، حتى لا ينتشر الحبل ويتفرق الشمل.

فان كان المخالف يدعي غير هذا الذي ذكرناه ، فهو دعوى عارية من برهان ما ذكرناه ، فلا حجة في القدر المعروف ، لأن إظهار الرضا عند الأسباب التي جرت لا يدل على رضاء القلوب وتسليم الصدور.

وأما الترجيح علينا بأننا نسلم البيعة الظاهرة ، وندعي أموراً باطنة من الإكراه والسخط.

__________________

(١) كذا.

(٢) ظ : ومن.

٢٤١

فغير صحيح ، لان سخط أمير المؤمنين عليه‌السلام وتأخره عن البيعة وإظهار الغضب لما عقد الأمر لغيره هو المعلوم ضرورة والذي لا خلاف بين العقلاء فيه ، ثم كف بعد ذلك عن إظهار المنازعة والمجاذبة ، وان كان عليه‌السلام في خلواته وبين أصحابه وثقاته يتألم ويتظلم ويقول أقوالا مروية.

فمن ادعى من مخالفينا بعد إجماعهم معنا على أنه عليه‌السلام كان ساخطاً كارهاً أنه رضي بقلبه وسلم في سره ، فعليه الدلالة ، لانه ادعى بالظاهر خلافه.

والذي يعتمد عليه في أنه عليه‌السلام كان ساخطاً كارهاً بقلبه وان كان ممسكاً ، أنه قد ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نص عليه بالإمامة في مقام بعد مقام ومقال بعد مقال ، وبما رواه المخالف والموافق ، كخبر الغدير وقصة تبوك ومما هو ظاهر في الرواية الخاصة وان كان قليلا في العامة خبر يوم الدار.

وإذا ثبت أنه الإمام فلا بد من أن يكون كارهاً لعقد الإمامة لغيره ، وأن يكون ما فعله من إظهار البيعة ، انما هو للتقية والضرورة ، فإن شك مخالفونا في النص دللناهم عليه وأوضحناه لهم ، فان الكلام سب والنص أوضح من الكلام ونفسه.

والسبب في إمساكه فلا شبهة في أن ذلك كله بغير الرضا والتسليم ، وإذا لم يسلمونا النص كان كلامهم في سبب البيعة وعلة الإمساك لغواً وعبثاً ، لان من ليس بمنصوص عليه ولا حظ له في الإمامة لا يقال : لم لا يغالب عليها ويحارب ولا يتعجب من مبايعته وموافقته. على أن إظهار أمير المؤمنين «ع» بيعة المتقدمين عليه وإمساكه عن مجاهدتهم وكفه عن مكاشفتهم ، كان مثل فعل الحسن عليه‌السلام مع معاوية وبيعة الأمة بأسرها ويهم الصالحون والخيرون الفاضلون لمعاوية وابنه يزيد من بعده ، وجميع من ولي الأمر من بني مروان، ومخاطبهم (١)

__________________

(١) ظ : مخاطبتهم.

٢٤٢

لهم بإمرة المؤمنين. فينبغي أن يستدل بذلك على استحقاقهم للإمامة ، وكونهم فيها على الحق والصواب.

فإذا قلنا : كلنا (١) كانت هناك غلبة وقهر واستيلاء ، ولم تكن القلوب راضية بما أظهروا من ذلك. قالت الشيعة الإمامية : مثل ذلك في بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام للقوم وجواب الإمامية لمن يقول لهم في البيعة والرضا والتسليم ، وذلك هو الظاهر اللائح.

ومن ادعى شيئاً في الباطن يخالف ذلك عليه الدلالة هو جواب المعتزلة ومن نفى إمامة هؤلاء الفساق عن هذا الاعتراض إذا اعترض به في إمامة معاوية ويزيد ابنه وبني مروان، وهيهات أن يجدوا فصلا (٢) لما بين الأمرين ما أظلت سماء أرضا (٣) وخالف الطول العرض.

وانما يحمل على قلة الفكر ، فيما ذكرناه والعصبية والهوى ، نعوذ بالله من ذلك.

__________________

(١) ظ : في كلها.

(٢) خ ل : نصاً.

(٣) ظ : السماء الأرض.

٢٤٣
٢٤٤

(٤٣)

مسألة في الجواب عن الشبهات الواردة لخبر الغدير

٢٤٥
٢٤٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وسألوا أيضاً فقالوا : أنتم تحتجون بالنص على صاحبكم بما قال فيه يوم الغدير ، وليس في ذلك أن علياً بعدي الامام فيكم والخليفة عليكم ، وموضع الرد عليكم بزعمكم ، فهي جاحد الكلام الوارد ، ومن المفصح المبين عليه‌السلام الى مكلفكم له واحتجاجكم ، لثبت معناه الذي تدعونه.

ولو كان أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك اللفظ الموجد للشبهة والموقع للتأويل ما ذهبتم اليه لكان حينئذ أقدر منكم اليوم على بلوغ غلبة الإفصاح بالغرض المقصود والأمر المشهود ، وإلا نص على الخطاب نفسه.

كما استغنينا على زعمكم مع أمره ونهيه عليه‌السلام ، الى أقاويل شريعة مكملة لدينا ، متهمة عندنا بآرائنا وقياسنا ، وتأويل لغة واستحسان أمر ، فيجيء إذ نحن مفتقرون الى الاجتهاد ، مضطرون إلى الإبانة والإيضاح ، أم تراه عليه‌السلام قد كان أوضح كل شيء من أمور الشريعة وأحوال الدين الا ما يتعلق

٢٤٧

بالإمامة حيث ما تأولتم له من النص ، وجعلتم له معنى وكلاماً إذا استظهر لنفسه في الاجتهاد والأخذ بسائغ الظن.

الجواب وبالله التوفيق :

قال الأجل المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : ان كلامه عليه‌السلام في يوم الغدير تصريح في النص بالإمامة ، والاستخلاف على الأمة ، وأنه لا يحتمل سوى هذا المعنى ولا يليق بخلاف هذا ..

وأنه ان حمل على غيره كان خطلا من القول ثبت ما قصدناه واعتمدناه ، فصار من الزامنا أن يعدل عن هذا اللفظ الى غيره من الألفاظ مبسطاً في الاقتراح معنا ، لأن اللفاظ إذا دلت على معنى واحد فان المتكلم مخير بينهما ، ولا لفظ الا ويجوز أن تقع الشبهة فيه للمتأمل ، وأن لا يوفي النظر حقه.

ألا ترى أنه عليه‌السلام لو قال فيه : أنت الإمام من بعدي والخليفة على أمتي. وذلك أصرح الألفاظ ، جاز أن تدخل شبهة على مبطل ، فيقول انه عليه‌السلام انما أراد بلفظه «بعدي» بعد عثمان. أو يقول : أنت الخليفة ان اختارتك الأمة واجتمعت عليك.

فإذا قيل : ان هذا خلاف ظاهر الكلام.

قلنا : وكذلك حمل لفظ الغدير على غير النص بالإمامة ، عدول عن ظاهر الكلام ، وسنبين ذلك.

فأما دخول الشبهة في لفظ خبر الغدير ، فإنما أتى فيها من دخلت عليه من قلة تبصره وقلة تأمله ، كما دخلته على قوم في قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).

٢٤٨

فلا خلاف بيننا وبين المعتزلة في أن الله تعالى كان قادراً على أن يقول بدلا من هذا اللفظ الذي دخلت فيه الشبهة على المخالفين في الرؤية ، لا يراه ذو الابصار بأبصارهم في الدنيا والآخرة ، حتى تزول شبهة من خالف في أن الإدراك غير الرؤية ، وأن نفي إدراك الابصار ليس ينفي إدراك البصر ، فان الكلام ليس بعام في الآخرة لما هو متناول للدنيا.

فإذا قيل لنا : كيف تعدل بين (١) اللفظ الصريح الى اللفظ المحتمل الذي علم دخول الشبهة معه؟.

لم يكن لنا جواب الأمثل ما أجبناه في خبر الغدير ، ولم يبق الا أن ندل على أن خبر الغدير يقتضي الاستخلاف في الإمامة من غير احتمال لسواها.

والذي يدل على ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرر (٢) مع أمته على فرض طاعته الذي أوجبها الله تعالى له بقول الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وانما أراد تعالى أنه أحق بتدبيرهم وتصريفهم ، وأن طاعته عليهم واجبة ، فقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

فأتى من لفظة «مولى» بلفظ يحتمل المعنى المتقدمة وان كان محتملا لغيرها ، لان لفظ «المولى» يحتمل الاولى ، وابن العم ، والحليف ، والناصر ، والجار ، وغير ذلك ، فقد نص جميع أهل اللغة على أن لفظة «مولى» محتملة للأولى العرب وما هو مسطور والحال في احتمال هذه اللفظة للمعنى الذي ذكرنا أشهر من أن يخفى على محصل.

ومن شأن الأدباء إذا عطفت جملة مفسرة بكلام يحتمل للمعنى الأول ولما يحتمل غيره أن لا يريدوا ما بالكلام الا المعنى الأول دون ما عداه.

__________________

(١) ظ : من.

(٢) ظ : قرن.

٢٤٩

ألا ترى أن أحدهم إذا قال لجماعة : ألستم تعرفون عبدي زيد ، وله عبيد كثيرة ، ثم قال عاطفاً على كلامه : فاشهدوا أنني قد أعتقت عبدي أو وهبته لفلان ، لم يجز أن يحمل لفظة عبدي ثاني المحتمل الا على العبد الأول الذي وقع التصريح به ، ومن حمله على سواه كان مخطئاً عادلا عن حقيقة الكلام ووضعه.

وإذا صح ما ذكرنا وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. ولا يكون أولى بنا من نفوسنا الا وطاعته واجبة علينا ، ولا يكون طاعته واجبة علينا الا وهو امام مستخلف.

ولا فرق على ما ذكرناه ورتبناه بين أن يقول الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وبين أن يقول طاعته واجبة عليكم ولازمة لكم ، وبين أن يقول : ألست أولى بكم من أنفسكم.

هذه جملة كافية في جواب هذه المسائل ، فمن أراد التفصيل والتطويل فعليه بكتاب «الشافي» وما جرى مجراه من كتبنا في الإمامة ، وتصانيفنا وأمالينا. ونسأل الله تأييداً وتوفيقاً وتسديداً في قول وعمل ، فإنه نعم المولى ونعم النصير.

٢٥٠
٢٥١

(٤٣)

مسألة في إرث الأولاد

٢٥٢
٢٥٣

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الأجل المرتضى علم الهدى (قدس الله روحه) : اعلم أنه يلزم من ذهب من أصحابنا الى أن أولاد البنين والبنات يرثون سهام آبائهم ، مسائل سبع لا مخلص لهم منها :

من ذلك أنه يلزمهم أن يكون حال البنت أحسن من حال الابن ، بل أحسن من حال جماعة كثيرة من البنين ، كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت معه ، فعندهم أن لبنت الابن نصيب أبيها وهو الثلثان ، ولبني البنت نصيب أمهم وهو الثلث ، فالبنت الواحدة أوفر نصيبا من عشرين ابنا.

ومنها : أن يكون نصيب البنت يساوي نصيب الابن ، حتى لو كان مكانها ابن لورث ما ترثه هي بعينه ، على وجه واحد وسبب واحد. وذلك أن مذهبهم أن بنت الابن يأخذ المال كله بسبب واحد ، لان لها عندهم نصيب أبيها ، فلو كان مكان هذه البنت ابن لساواها في هذا الحكم ، وأخذ ما كانت تأخذه البنت على الوجه

٢٥٤

الذي تأخذه ، وليس في الشريعة ان الابن يساوي البنت في الميراث.

فإذا عارضونا بمن خلف بنتا ولم يخلف غيرها ، فإنها تأخذ جميع المال ، ولو كان مكان ابن لجرى في ذلك مجراها.

فالجواب : ان الابن لا يجري مجرى البنت هنا ، لأنها تأخذ النصف بالتسمية والباقي بالرد ، والابن يأخذ المال بسبب واحد من غير تسمية ولا رد ، وأنتم توجبون مساواة الابن للبنت في الميراث والسبب.

ومنها : أن البنت في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت ، وللبنتين الثلثان ، وهم يعطون بنت الابن ، وهي عندهم بنت المتوفّى ومستحقة لهذه التسمية الجمعية ، وكذا يقولون في بنتي ابن ، فان لهما جميع المال من غير رد عليهما ، وهذا بخلاف الكتاب والإجماع.

فإن قالوا : ما جعل الله للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين في كل موضع ، وانما جعل لهن ذلك مع الأبوين خاصة ، وإذا انفردن عن الأبوين لم يكن لهن ذلك.

قلنا : قد ذهب الفضل بن شاذان الى هذا المذهب ومن تابعه عليه ، فرارا من مسألة العول ، ونحن نبين فساد هذه الطريقة بعد أن نبين لزوم ما ألزمناهم إياه على تسليم ما اقترحوه.

فنقول : قد جعل الله للبنت الواحدة النصف مع الوالدين بلا خلاف منكم ، فخبرونا عمن خلف ابنة ابن وأبوين ، ومذهبكم هذا يقتضي أن للأبوين السدسين وما بقي لبنت الابن ، وهي عندكم بنت المتوفّى على سبيل الحقيقة ، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب واحد ، وجرت في ذلك مجرى الأبوين.

فأما القول بأن للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين ، انما يختص باجتماع

٢٥٥

الأمرين معهن.

فمن بعيد القول عن الصواب ، لان الله تعالى قال (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(١) وهذه جملة مستقلة بنفسها ، وظاهر القرآن يقتضي أن للذكر مثل حظ الأنثيين على كل حال ، ومع وجود كل أحد وفقد كل أحد.

ثم عطف عليها جملة مستقلة أخرى ، فقال (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ظاهر هذه الجملة أن ذلك لهن على كل حال ، ومع فقد كل أحد ووجوده ، ثم عطف أخرى مستقلة غير متعلقة بما يليها وما يتقدمها ، فقال (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولم يجر للوالدين ذكر ، فهذا يقتضي أن لها النصف مع كل أحد ، الا أن يمنع دليل.

ثم قال (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فبين تعالى حكم الوالدين في الميراث مع الولد وفقده.

فكيف يجوز أن يعلق إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين للبنتين بوجود الأبوين؟ وقد تقدم ذكر حكم البنات مطلقا ، وبعد الخروج عنه أتى بذكر الأبوين مشروطا.

وكيف يتوهم متأمل ذلك والله يقول (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) فشرط في ميراث الأبوين الولد. ولو كان المراد أن النصف للبنت والثلثين للبنتين مع وجود الأبوين ، لكان اشتراط الولد لغوا لما هو موجود مذكور.

ولو صرح تعالى بما ذكروه لكان الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة والبيان ، فإنه (٢) لو قال : ولأبويه مع البنت أو البنتين لكل واحد منهما السدس ان كان له

__________________

(١) سورة النساء : ١١.

(٢) خ ل : ألا ترى أنه.

٢٥٦

ولد ، لقبح ذلك وفحش ، فكيف يقدر في الكلام ما لو أظهرناه لكان غير مستقيم؟.

وأجمع أهل العربية على أن الوقف التام عند قوله تعالى (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولو كان المراد ما توهموه من أن لها النصف مع الأبوين ، لما كان ذلك وقفا تاما.

ولا خلاف بين أحد من أهل العلم والمفسرين وأصحاب الاحكام في أن قوله تعالى (وَلِأَبَوَيْهِ) كلام مبتدأ مستأنف لا تعلق له بما قبله.

فأما اعتذارهم عند سماع هذا الكلام ، بأن اشتراط الولد انما حسن ليدخل فيه الذكور ما زاد على البنتين ، لانه لم يمض الا ذكر البنت الواحدة والبنتين فعجيب ، لانه لو أراد ما ذكروا لقال تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ـ مع الأبوين ـ فإن كن نساء فوق اثنتين ـ معهما ـ فلهما ثلثا ما ترك وان كانت واحدة ـ معهما ـ فلها النصف.

فلو أراد هذا المعنى على الترتيب الذي رتبوه ، وعني بقوله ان ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما ، وأراد أن يبين أن السدس للأبوين مع الأولاد ، لكان لا يحسن (١) أن يقول (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) بل يقول : وان كان له أيضا ذكور. لانه قد تقدم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها ، فلا معنى لاشتراط الولد ، وانفراد قوله (وَلِأَبَوَيْهِ) عن الجملة المتقدمة ، ولا يذهب على متأمل.

وانما فرق بهذا التقدير الذي لا يحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف، وادعوا أن النصف حصل لها مع الأبوين لا في كل موضع.

وأحسن من ركونهم هذه المعضلة أن يقولوا : ان الله تعالى جعل لها النصف بظاهر الكلام في كل موضع ، وفي مسألة العول قام دليل على أن لها دون

__________________

(١) خ ل : لا يتحصل.

٢٥٧

ذلك ، فعلمنا أن الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصة ، وان كان لها في سائر المواضع. وانما أحسن أن نخص بدليل بعض المواضع ، أو يحصل ما هو مطلق من القول مشروطا بغير دليل ولا حجة ، على وجه يسمح به الكلام ويذهب به رونقه فتزول فصاحته.

ثم يقال لهم : خبرونا عمن خلف أولاد ابن وأولاد بنت ذكورا وإناثا ، كيف تقسمون الميراث بين هؤلاء الأولاد؟.

فإن قالوا : للذكر مثل حظ الأنثيين.

قلنا : فبأي حجة فعلتم ذلك؟ فلا وجه لهذه القسمة إلا قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى آخر الآية المفرع (١) في ذلك.

فيقال لهم : قد سمى الله تعالى أولاد الأولاد أولادا ، فأي فرق بين أن يكون الذكور والإناث أولاد ابن واحد أو بنت واحدة ، وبين أن يكون هؤلاء الذكور والإناث أولاد بنت وابن في تناول الاسم لهم.

فإذا كان الاسم متناولا لهم في الحالين فيجب أن تكون القسمة في الحالين تنفق ولا تختلف ، ويعطى أولاد البنات الذكور والإناث وأولاد البنين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين ، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين ، وتناول الآية لهما تناولا واحدا.

فان قالوا : يلزمكم (٢) أن تورثوا أولاد الأولاد مع الأولاد ، لتناول الاسم للجماعة.

قلنا : لو تركنا وظاهر الآية فعلنا ذلك ، لكن إجماع الشيعة ، بل إجماع

__________________

(١) خ ل : المفزع.

(٢) خ ل : ليلزمكم.

٢٥٨

كل المسلمين منع من ذلك ، فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على أن المراد يوصيكم الله في أولادكم بطنا بعد بطن.

فان قالوا : فنحن أيضا نخصص الظاهر ونحمل قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) على أن المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.

قلنا : تحتاجون الى دليل قاطع على التخصيص كما فعلنا.

فان قالوا : أجمعت الإمامية عليه.

قلنا : وما الدليل على ذلك؟ فانا لا نعرف هذا الإجماع ، وفي المسألة خلاف بينهم، وأن أكثرهم يقول بخلاف الصواب في هذه تقليدا وتعويلا على روايات رووها أن كل من يتقرب بغيره أخذ سهام من تقرب به.

وهذا الخبر انما هو في أولاد الاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وبني الأعمام والأخوال ، لأنهم (١) لا تسمية لهم في الميراث وانما يتقربون بغيرهم ، فأعطوا سهام من يتقربون به.

وليس كذلك أولاد الأولاد ، لأن هؤلاء وان نزلوا داخلون في اسم الولد واسم البنين والبنات على الحقيقة ممن هو مسمى في الكتاب ومنصوص على توريثه ، فلا يحتاج في توريثه الى ذكر قرابته ، وأن يعطيه نصيب من يتقرب به ، كما لا يحتاج في توريث أولاد الصلب بلا واسطة إلى شيء من ذلك.

فان قيل : فما دليلكم على صحة ما ذهبتم اليه من توريث أولاد الأولاد ، والقسمة عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

قلنا : دليلنا على ذلك قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ولا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين وولد البنات وان سفلوا

__________________

(١) خ ل : لأن هؤلاء.

٢٥٩

يقع عليهم هذه التسمية ، ويتناولهم على سبيل الحقيقة.

ولهذا حجبوا الأبوين عن ميراثهما الى السدسين بولد الولد وان هبطوا ، وحجبوا الزوج عن النصف الى الربع والزوجة عن الربع الى الثمن بولد الولد ، فمن سماه الله تعالى ولدا في حجب الأبوين وحجب الزوجين ، يجب أن يكون هو الذي سماه ولدا في قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ).

وكيف يخالف بين حكم الأولاد ويعطى بعضهم للذكر مثل حظ الأنثيين والبعض الأخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص ، ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير ، وتارة المساواة بين الذكر والأنثى. وعلى أي شيء يعول في الرجوع عن ظاهر كتابه تعالى؟.

فأما مخالفونا من العامة ، فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد حقيقة ، وفيهم من وافق على ذلك ، ووافق جميعهم على أن ولد الولد وان هبط يسمى ولدا على الحقيقة.

وقد حكي عن بعضهم انه كان يقول : ان ولد الولد انما يسمون بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصلب ، فان حضروا لم يتناولهم. وهذا طريف ، فان الاسم ان تناولهم لم يختلف ذلك ، بأن يحضر غيرهم أو لا يحضر ، وما راعى أحد فيما يجرى على المسميات من الأسماء مثل ذلك.

وانما أحوجهم الى ذلك أنهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور آبائهم شيئا ويأخذون مع فقده ، بالاية المتضمنة للقسمة على الأولاد ، فظنوا أن الاسم يتناولهم في الحال التي يرثون فيها ، وهو غلط منهم.

وقد أغناهم الله تعالى عن هذه البدعة في أخر (١) الاسم والخروج عن المعهود

__________________

(١) ظ : اجراء.

٢٦٠