رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٨
١٢١

(٣٢)

أجوبة مسائل متفرفة من الحديث وغيره

١٢٢
١٢٣

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى نقصان الدين والعقل في النساء

مسألة : ما معنى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مشير الى النساء لما أرادوا (١) إلى نقص عقل ودين أصلب اللب الحكيم منهن.

الجواب : قد قيل : ان معنى نسب (٢) النساء الى نقصان الدين : أنهن يقعدن من الصلاة والصيام أيام حيضهن الذي هو على الأكثر كل شهر ، فيحرمن ثواب هاتين العبادتين الجليلتين ، وهذا لا يوجد في الرجال.

وأما نقصان العقل ، فمعلوم أن النساء أندر عقولا من الرجال ، وأن النجابة والليانة(٣) انما يوجدان فيهن في النادر الشاذ ، وعقلاء النساء وذوات الحزم

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) ظ : نسبة.

(٣) ظ : اللياقة.

١٢٤

والفطنة منهن معدودات ، ومن بهذه الصفة من الرجال لا تحصى كثرة.

وقد يمكن أيضا أن يقال في نقصان الدين مثل هذا الوجه ، فإنه لما كان الأغلب عليهن ضعف الدين وقلة البصيرة فيه ، نسب إليهن ذلك على الأكثر الأغلب.

ولا يطعن على هذا الوجه من علمناه على غاية العقل في الدين والكمال فيما يعود اليه ، مثل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليها ، وخديجة بنت خويلد ، ومريم بنت عمران. لان كلامنا على الأغلب الأكثر ، ومن عرفناه بالفضل في الدين من النساء قليل العدد عسر الوجود.

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء : معاشر النساء (١) ، النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ، فأما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة الامرأتين كشهادة الرجل الواحد ، وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر (٢).

تفسير قوله عليه‌السلام : الولد للفراش وللعاهر الحجر

مسألة : ما معنى قوله عليه‌السلام «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٣)؟

__________________

(١) في النهج : الناس.

(٢) نهج البلاغة ص ١٠٥ ، الرقم : ٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ ـ ٦٠٤ ، ح ٣ ، ب ٩ من أبواب اللعان ، ورواه أحمد في مسنده ٦ ـ ١٢٩ ، وسنن أبى داود ٢ ـ كتاب الطلاق ح ٢٢٧٣.

١٢٥

الجواب : معنى ذلك أن الولد تابع للفراش الذي اختلف الفقهاء في معناه :

فقال أبو حنيفة وأصحابه : هو الوطء.

وقال الشافعي : الفراش هو العقد مع التمكن من الوطء. وهو مذهبنا.

والعاهر : الزانية التي تأتي بولد من غير عقد.

ومعنى لها الحجر : أن ترجم بالحجارة ويقام عليها حد الزناء ، فكنى عن اقامة الحد بما به يقام الحد من الحجر ، وهذه بلاغة عظيمة.

وجه نهى النبي «ص» عن أكل الثوم

مسألة : سأله أبو القاسم علي بن عبد الله بن العلوي الحسيني ، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لما افتتح خيبر وقعوا في الثوم فأكلوه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها (١).

وقد قال الله عزوجل (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(٢) وما سماه الله تعالى كريما كيف يصح أن يسمى خبيثا.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لجابر بن سليمان : يا جابر لا تسبن شيئا ، فكان جابر لا يسب شيئا. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله للثوم «البقلة الخبيثة» ضرب من السب.

الجواب : اعلم أن أخبار الآحاد غير معلوم ولا مقطوع على صحتها ، والصدق فيها أقل كثيرا من الكذب. وانما يجب أن نتأول من الاخبار ما علمناه

__________________

(١) عوالي اللئالى ١ ـ ١٤٦.

(٢) سورة الشعراء : ٧.

١٢٦

وقطعنا على صحته ، وجائز كونه كذبا.

غير أنا نخرج له وجها تطوعا ، وهو أن يريد عليه‌السلام بالخبيثة المنتنة الريح ، ومعلوم أن المجاور لمن أكل الثوم يتأذى برائحته شديدا ، فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله آكلها من دخول المساجد ، لئلا يؤذي أهله والمصلين فيه.

وليس ينافي وصف هذا النبات بأنه كريم وصفه بأنه منتن الرائحة ، لأن معنى كريم انه دال على الله تعالى ، وأنه لطف في مصالح كثيرة دينية ، وهذا المعنى لا ينافي نتن الريح.

ألا ترى أن الله قد وصف كل ما خلقه بالحسن والتمام والاحكام ، ومما خلق القرد والخنزير وكثير من الخلق الذي يستقذر ، وذلك لا ينافي الحسن والحكمة وان نفرت (١) كثير من الطباع عنها.

ويمكن وجه آخر : وهو أن يريد بقوله تعالى (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(٢) الخصوص دون العموم. والوجه الأول أقوى.

حول كلام ابن جنى في حذف علامة التأنيث

مسألة : قال ابن جني في مختصره الملقب ب «اللمع» وإذا فصلت بين الفاعل المؤنث وبين فعله بكلام ، فالأحسن إسقاط علامة التأنيث من الفعل مع كون المؤنث مؤنثا حقيقيا. وان كانت غير مؤنث ، ازداد ترك العلامة حسنا.

اعترض سائل فقال : كيف يكون إسقاط علامة التأنيث [أحسن](٣) وقد

__________________

(١) ظ : نفر.

(٢) سورة الشعراء : ٧.

(٣) الزيادة منا.

١٢٧

قال الله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)(١) و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)(٢) و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ)(٣) والقرآن لا ينزل بلغة غيرها أفصح منه.

ومثل ابن جني لا يذهب عليه مثل هذا ، فما تفسير كلامه؟ وما له؟

الجواب : انه لا يجوز تقليد ابن جني فيما قاله وغيره لمخالفته فيه ، لا سيما ولم يورد فيه حجة ولا شبهة ، فيقع النظر فيها والكلام عليها.

ومعلوم أن فعل المذكر يجب تذكيره وفعل المؤنث يجب تأنيثه ، واعتراض الكلام لا يخرجه من أن يكون فعل المؤنث. ألا ترى أن اعتراض الكلام في فعل المذكر لا يغير ما يجب من تذكيره. ولو لم يكن النافي ذلك حجة إلا القرآن لكفى وأغنى ، لان فصاحة القرآن وبلوغها الغاية فيها لا مطعن عليها.

ويمكن وجه آخر إذا صححنا ما قاله ابن جني وحققناه ، وهو أن يكون الغرض في الآيات الواردة بخلاف ذلك الاعلام ، بجواز تأنيث الفعل مع اعتراض الكلام ، فإنه لا يجري مجرى ما هو لحن وخطأ لا يسوغ استعماله ، والأول أقوى.

مسألة : ما روي من أن ولد قابيل كانوا غير محياء (٤) ، وان زوجته ما أعك (٥) ، فمن أي جنس كانوا؟

الجواب : اعلم أن الإيجاب قد يكون في جهة دون جهة ولسبب دون سبب ، وان كان الجنس واحدا والنسب متفقا.

__________________

(١) سورة ص : ١٢.

(٢) سورة المائدة : ٣.

(٣) سورة المائدة : ١.

(٤) في الهامش : كذا.

(٥) في الهامش : كذا.

١٢٨

وقد يكون من الأنساب المتفقة صالحون وطالحون ومرجون وكافرون ، فغير واجب إذا لم يبحث ولد قابيل أن يكون من جنس غير جنس التحيات ، وهذا ما لا شبهة فيه.

تفسير قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) إلخ

مسألة : ما معنى قوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً)(١)؟

الجواب : معنى هذه الآية أنه لو لا ما أخبر الله تعالى به وخبر به من الآجال التي تبقي عباده إليها ، لكان الهلاك الذي قد تقدم ذكره ، وأن الله تعالى أوقعه بالأمم السالفة.

يشهد لذلك قوله تعالى قبل هذه الآية (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى)(٢).

ويكون تقدير الآية : لو لا الآجال المضروبة للتبقية واستمرار التكلف لكان الهلاك مستقرا لازما.

حكم أموال السلطان

مسألة : هل يحل ما يحصل من جهة السلطان وخدمته إذا دعت ذلك ضرورة ، الجواب : ان أموال السلطان على ضروب :

فضرب الظاهر أنه حرام ، كالمغصوب والجنايات من غير وجوهها.

__________________

(١) سورة طه : ١٢٩.

(٢) سورة طه : ١٢٨.

١٢٩

والضرب الثاني : ما ظاهره أنه مباح ، كالمال الذي يهدى اليه من طيب نفسه يجد (١) به أو يبر به أقاربه.

والضرب الثالث : ما يختلط فيه الحرام بالحلال ، ولا يتميز أحدهما من صاحبه.

فأما الضرب الأول ، فمحظور أن يؤخذ منه.

وأما الضرب الثاني ، فمباح أخذه والتصرف فيه بغير خلاف.

والضرب الثالث : وهو المختلط قد أباحه أكثر الفقهاء ، مع اختلاط التصرف فيه ، والأخذ عنه.

والأولى عندي أن يكون محظورا والتنزه منه أولى.

حكم التصدق بالمال الحرام

مسألة : ما القول في رجل تصدق من مال محظور؟

الجواب : ان الحرام غير مملوك لمن هو في يده ، فتصدقه بر غير مقبول ولا مبرور. وقد روي : أنه لا صدقة من غلول.

وأما من قال من الجهال : ان من تصدق من مال في يده والمالك له غيره ، فان الثواب لمالك المال. فقال (٢) باطل ، لان هذه الصدقة لا أجر عليها للمتصدق ، لانه لا يملك المال ولا لمالك المال ، لانه لم يرض أن يكون هذا المال صدقة ، ولا أراد إخراجه فيها ، لكنها صدقة لا أجر لأحد عليها.

__________________

(١) ظ : يجديه.

(٢) ظ : فقول.

١٣٠

جواز التزكية من المال الأخر

مسألة : هل يجوز أن يزكي الرجل مالا له من مال آخر؟

الجواب : ان ذلك جائز إذا كان مالكا لكل واحد من المالين ، وليس بمنع من إخراج زكاة كل مال من جملته ولا بعض من أبعاضه ، وهذا واضح.

صحة حمل رأس الحسين عليه‌السلام الى الشام

مسألة : هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليه‌السلام الى الشام صحيح؟ وما الوجه فيه؟.

الجواب : هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه.

وقد رووا أيضا أن الرأس أعيد بعد حمله الى هناك ودفن مع الجسد بالطف.

فان تعجب متعجب من تمكين الله تعالى من ذلك من فحشه وعظم قبحه ، فليس حمل الرأس إلى الشام أفحش ولا أقبح من القتل نفسه ، وقد مكن الله تعالى منه ومن قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ومن شرط التكليف التمكين من القبيح في دار التكليف ، ولا يحول الله تعالى بين المكلف وبينه ، وانما تمكن من ذلك كما تمكن في دار التكليف من كل قبيح مما يكثر تعداده.

علم الوصي بساعة وفاته وعدمه

مسألة : هل يجب علم الوصي ساعة وفاته أو قتله على التعيين؟ أم ذلك

١٣١

مطوي عنه.

الجواب : قد بينا في مسألة أمليناها منفردة ما يجب أن يعلمه الامام وما يجب أن لا يعمله.

وقلنا : ان الامام لا يجب أن يعلم الغيوب وما كان وما يكون ، لان ذلك يؤدي الى أنه مشارك للقديم تعالى في جميع معلوماته ، وأن معلوماته لا يتناهى ، وأنه يوجب أن يكون عالما بنفسه ، وقد ثبت أنه عالم بعلم محدث ، والعلم لا يتعلق على التفصيل الا بمعلوم واحد ، ولو علم ما لا يتناهى لوجب وجود ما لا يتناهى من المعلومات ، وذلك محال. وبينا أن الذي يجب أن يعلمه علوم الدين والشريعة.

فأما الغائبات ، أو الكائنات الماضيات والمستقبلات ، فان علم باعلام الله تعالى شيئا فجائز ، والا فذلك غير واجب.

وعلى هذا الأصل ليس من الواجب علم الامام بوقت وفاته ، أو قتله على التعيين.

وقد روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام في أخبار كثيرة (١) كان يعلم أنه مقتول ، وأن ابن ملجم (لعنه الله) قاتله.

ولا يجوز أن يكون عالما بالوقت الذي يقتله فيه على التحديد والتعيين ، لانه لو علم ذلك لوجب أن يدفعه عن نفسه ولا يلقى بيده الى التهلكة ، وأن هذا في علم الجملة غير واجب.

حكم عبادة ولد الزنا

مسألة : ما يظهر من ولد الزنا من صلاة وصيام وقيام لعبادة كيف القول فيه ،

__________________

(١) رواه جمع من أعلام القوم ، راجع إحقاق الحق ٨ ـ ١٠٩.

١٣٢

مع الرواية الظاهرة أن ولد الزنا في النار. وأنه لا يكون قط من أهل الجنة (١).

الجواب : هذه الرواية موجودة في كتب (٢) أصحابنا ، الا أنه غير مقطوع بها.

ووجهها ان صحت : أن كل ولد زنية لا بد أن يكون في علم الله تعالى أنه يختار الكفر ويموت عليه ، وأنه لا يختار الايمان. وليس كونه من ولد الزنية ذنبا يؤاخذ به ، فان ذلك ليس ذنبا في نفسه وانما الذنب لأبويه ، ولكنه انما يعاقب بأفعاله الذميمة القبيحة التي علم الله أنه يختارها ويصير كذا ، وكونه ولد زنا علامة على وقوع ما يستحق من العقاب ، وأنه من أهل النار بتلك الاعمال ، لا لانه مولود من زنا.

ولم يبق الا أن يقال : كيف يصح تكليف ولد الزنا مع علمه وقطعه على أنه من أهل النار ، وأنه لا ينتفع تكليفه ولا يختار الا ما يستحق به العقاب.

قلنا : ليس نقطع ولد الزنا أنه كذلك لا محالة ، وان كان هناك ظن على ظاهر الأمر، وإذا لم يكن قاطعا على ذلك لم يقبح التكليف.

فان قيل : فنحن نرى كثيرا من أولاد الزنا يصلون ويقومون بالعبادات أحسن قيام ، فكيف لا يستحقون الثواب.

قلنا : ليس الاعتبار في هذا الباب في ذلك بظواهر الأمور ، فربما كانت تلك الافعال منه رياء وسمعة ، وواقعا على وجه لا يقتضي استحقاق الثواب.

وربما كان الذي يظن أنه الظاهر ولد الزنا مولدا عن عقد صحيح ، وان كان الظاهر بخلافه ، فيجوز أن يكون هذا الظاهر منه من الطاعات موافقا للباطن.

__________________

(١) رواه أحمد في مسنده ٢ ـ ٢٠٣.

(٢) راجع عوالي اللئالى ٣ ـ ٥٣٤.

١٣٣

مشاهدة المحتضر الامام عليه‌السلام قبل موته

مسألة : عن المحتضر هل يشاهد في تلك الحال جسم الامام نفسه أم غير ذلك؟

الجواب : قد روت الشيعة الإمامية أن كل محتضر يرى قبل موته أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، وروي عنه شعر يتضمن ذلك وهو قوله :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

وإذا صحت هذه الرواية ، فالمعنى : أنه يعلم في تلك الحال ثمرة ولايته عليه‌السلام وانحرافه عنه ، لان المحتضر قد روي أنه إذا عاين الموت وقاربه ، أرى في تلك الحال ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار.

وهذا معنى قول أحدهم :

إذا قارب الهلاك كدت أرى أعبرا

أي الجزاء عليها.

وقد يقول العربي : رأيت فلانا ، إذا رأى ما يتعلق من فعل به أو أمر يعود اليه.

وانما اخترنا هذا التأويل ، لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام جسم ، فكيف يشاهده كل محتضر ، والجسم لا يجوز أن يكون في الحال الواحدة في جهات مختلفة.

ولهذا قال المحصلون : ان ملك الموت الذي يقبض الأرواح لا يجوز أن

__________________

(١) راجع الروايات الواردة في ذلك بحار الأنوار ٢٧ ـ ١٥٧.

١٣٤

يكون لانه جسم (١) والجسم لا يصح أن يكون في الأماكن الكثيرة ، وتأولوا قوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(٢) أنه أراد بملك الموت الجنس دون الشخص الواحد، كما قال الله تعالى (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها)(٣) وانما أراد جنس الملائكة.

مسألة

بيان قوله «ص» : أنا وأنت يا علي كهاتين

ما معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وأنت يا علي كهاتين. وأشار الى إصبعيه ، مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله نبي وأمير المؤمنين عليه‌السلام وصي.

الجواب : أنه غير ممتنع في المتقاربين في الفضل والدين ، ويزيد أحدهما على صاحبه فيه زيادة قوية ، أن يقال فيهما : أنهما متساويان ومتعادلان. وانما لا يقال ذلك مع التفاوت في الفضل.

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان أفضل وأكثر ثوابا من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فمن حيث تقارب فضلهما ولم يكن فيهما تفاوت ، جاز إطلاق ألفاظ المساواة ، واللغة العربية شاهدة بذلك ، وعرف الاستعمال ونظائره أكثر من أن يحصى.

ووجه آخر وهو أنه يمكن أن يريد بالمساواة بينهما أن كل واحد منهما كامل للخصال التي تقتضيها منزلته وولايته وغير مقتض (٤) عن شيء منهما ، فيكون

__________________

(١) ظ : جسما لان الجسم.

(٢) سورة السجدة : ١١.

(٣) سورة الحاقة : ١٧.

(٤) ظ : غير منقص.

١٣٥

التساوي من هاهنا لا من حيث الفضل وكثرة الثواب.

وقد تقول في ذي الصناعتين المختلفتين : انهما متساويان ومتعادلان ، وانما يريد أن كل واحد منهما كامل من صناعته ومستوفي شرط منزلته ، وان كانت الصناعتان في أنفسهما مختلفتين.

ووجه آخر : وهو أن ظاهر الكلام يقتضي المساواة في كل شيء من ثواب وغيره ، الا أنه لما قام الدليل القاهر على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ثوابا ، أخرجنا الثواب بدليله ، وبقي ما عداه من ضروب الفضائل ، كالعصمة والعلم والحلم وغير ذلك.

مسألة

في الرجعة من جملة الدمشقيات

قال الأجل المرتضى (رضي الله عنه) : اعلم أن الذي يقول الإمامية في الرجعة ، لا خلاف بين المسلمين بل بين الموحدين في جوازه ، وأنه مقدور لله تعالى.

وانما الخلاف بينهم : في أنه يوجد لا محالة أو ليس كذلك. ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ، لان الله تعالى قادر على [إيجاد] الجواهر بعد إعدامها. وإذا كان عليها قادرا ، جاز أن يوجدها متى شاء.

والاعراض التي بها يكون أحدنا حيا مخصوصا على ضربين :

أحدهما : لا خلاف في أن الإعادة بعينه غير واجبة ، كالكون والاعتماد وما يجري مجرى ذلك.

١٣٦

والضرب الأخر : اختلف في وجوب إعادته بعينه ، وهو الحياة والتأليف. وقد بينا في كتاب الذخيرة أن الإعادة بعينها غير واجبة ، ان ثبت أن الحياة والتأليف من الأجناس الباقية ففي ذلك شك ، فالإعادة جائزة صحيحة على كل حال.

وقد اجتمعت الإمامية على أن الله تعالى عند ظهور القائم صاحب الزمان عليه‌السلام يعيد قوما من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوما من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب.

وإجماع هذه الطائفة قد بينا في غير موضع من كتبنا أنه حجة ، لأن المعصوم فيهم ، فيجب القطع على ثبوت الرجعة ، مضافا الى جوازها في القدرة.

وليست الرجعة مما ينافي التكليف ويحيل الإجماع معه ، وذلك أن الدواعي مع الرجعة مترددة ، والعلم بالله تعالى في تلك الحال لا يكون الا مكتسبا غير ضروري ، كما أن العلم به تعالى يكون مكتسبا غير ضروري ، والدواعي ثابتة مع تواتر المعجزات وترادف باهر الآيات.

ومن هرب من أصحابنا من القول بثبات (١) التكليف على أهل الرجعة ، لاعتقاده أن التكليف في تلك الحال لا يصح ، له القول بالرجعة ، انما هي على طريق الثواب ، وإدخال المسرة على المؤمنين مما يشاء من ظهور كلمة الحق ، فهو غير مصيب.

لانه لا خلاف بين أصحابنا في أن الله تعالى ليعيد من سبقت وفاته من المؤمنين لينصروا الامام وليشاركوا إخوانهم من ناصريه ومحاربي أعدائه ، وأنهم أدركوا من نصرته معونته ما كان يقويهم لولاها (٢) ، ومن أعيد للثواب المحض مما (٣)

__________________

(١) ظ : بإثبات.

(٢) ظ : يقويه لولاهم.

(٣) ظ : ما.

١٣٧

يجب عليه نصرة الامام والقتال عنه والدفاع. وقد اغنى الله تعالى عن القول بما ليس بصحيح هربا مما هو غير لازم ولا مشبه.

فان قيل : فإذا كان التكليف ثابتا على أهل الرجعة ، فتجوزوا ثبوت تكليف الكفار الذين اعتقدوا النزول (١) استحقاق العقاب.

قلنا : عن هذا جوابان :

أحدهما أن من أعيد من الاعداء للنكال والعقاب لا تكليف عليه ، وانما قلنا ان التكليف باق على الأولياء لأجل النصرة والدفاع والمعونة.

والجواب الأخر : ان التكليف وان كان ثابتا عليهم ، فتجوزون بعلم الله تعالى أنهم لا يختارون التوبة ، لأنا قد بينا أن الرجعة غير ملجأة الى قول القبيح وفعل الواجب ، وأن الدواعي مترددة. ويكون وجه القطع على أنهم لا يختارون ذلك مما علمنا وقطعنا عليه من أنهم مخلدون لا محالة في النار.

وبمثل ذلك يجيب من يقول : جوزوا في بعض هؤلاء الأعداء أو كلهم أن يكون قبل موته بساعة تاب ، فأسقطت التوبة عقابه ، ولا تقطعوا لأجل هذا التجويز على انهم لا محالة مخلدون في النار.

فان قيل : فما عندكم فيما تستدل به الإمامية على ثبوت الرجعة من قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(٢).

وظاهر هذا الكلام يقتضي الاستقبال ، فلا يجوز أن يحمل على أن المراد به

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) سورة القصص : ٥.

١٣٨

موسى عليه‌السلام وشيعته. وإذا حملنا فرعون وهامان على أنهما الرجلان المعروفان اللذان كانا في عهد موسى عليه‌السلام ، فيجب أن يعادا ليريا ما من الله تعالى به على ما ذكره من المستضعفين، وهذا يوجب الرجعة الى ما بيناه لا محالة.

قلنا : ليس الاستدلال بذلك مرضيا ، ولا دليل يقتضي ثبوت الرجعة إلا ما بيناه من إجماع الإمامية. وانما قلنا ان ذلك ليس بصحيح ، إذ لفظ الاستقبال في الآية لا يدل على أن ذلك ما وقع ، لان الله تعالى تكلم بالقرآن عند جميع المسلمين قبل خلق آدم عليه‌السلام فضلا عن موسى عليه‌السلام ، والألفاظ التي تقتضي المضي في القرآن هي التي تحتاج أن تناولها (١) إذا كان إيجاده متقدما.

وإذا سلمنا أن ذلك ما وقع إلى الآن وأنه منتظر من أن (٢) اقتضاءه الرجعة في الدنيا ، ولعل ذلك خبر عما يكون في الآخرة وعند دخول الجنة والنار ، فان الله تعالى لا محالة يمن على مستضعفي أوليائه المؤمنين في الدنيا ، بأن يورثهم الثواب في الجنة ، ويمكن لهم في أرضها ، ويجعلهم أئمة وأعلاما ، يوصل إليهم من حقوق (٣) التعظيمات وفنون الكرامات ، ويعلم فرعون وهامان وجنودهما في النار ذلك من حالهم ليزدادوا حسرة وغما وأسفا.

وقول الله تعالى (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) صحيح لا ينبو عن التأويل الذي ذكرناه ، لان فرعون وهامان وشيعتهما يكرهون وصول الثواب والمسارعة والتعظيم

__________________

(١) ظ : تتأولها.

(٢) ظ : منتظر ، منعنا.

(٣) ظ : صنوف.

١٣٩

والتبجيل الى أعدائهما من موسى عليه‌السلام وأنصاره وشيعته ، ومشاهدتهم لذلك أو علمهم به زائد في عقابهم ومقوى لعذابهم ومضاعف لإيلامهم ، وهذا مما لا يخفى صحته واطراده على متأمل.

مسألة

من كلام لعليّ عليه‌السلام يتبرأ من الظلم

من كلام لأمير المؤمنين عليه‌السلام أملاها علم الهدى (قدس الله روحه) :

والله لئن أبيت على حسك السعدان مسهدا ، وأجر في الأغلال مصفدا ، أحب الي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصبا لشيء من الحطام ، وكيف أظلم أحدا لنفس تسرع الى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها؟

والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غير الألوان من فقرهم ، كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول مرددا ، فأصغيت اليه بسمعي (١) ، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها.

فقلت له : ثكلتك الثواكل ، يا عقيل! أنين من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه! أتين من الأذى ولا أئن من لظى؟! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ، ومعجونة شنئتها ، كأنما عجنت بريق حية أو قيئها.

__________________

(١) في النهج : سمعي.

١٤٠