رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٨

فيها ، بأن يقولوا : ان الظاهر يقتضي اشتراك الولد وولد الولد في الميراث ، لو لا أن الإجماع على خلاف ذلك ، فتخصصوا بالإجماع الظاهر.

ومما يدل على أن ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) وبالإجماع ان بظاهر هذه الآية حرمت بنات أولادنا ، فلو لم تكن بنت البنت بنتا على الحقيقة لما دخلت تحت هذه الآية.

وتحقيق ذلك : انه تعالى لما قال (أَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) ذكر في المحرمات بنات الأخ وبنات الأخت ، لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات ، ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات ، لم يحتج أن يقول : وبنات بناتكم. وهذه حجة قوية فيما قصدناه.

وقوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) وقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) ـ الى قوله ـ (أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) لا خلاف في عموم الحكم لجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث ، ولأن الإجماع واقع على تسمية الحسن والحسين عليهما‌السلام بأنهما أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهما يفضلان بذلك ويمدحان ، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار ، فثبت أنه حقيقة.

وقد روى أصحاب السير كلهم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما أمر ابنه محمد بن الحنفية وكان صاحب رأيته يوم الجمل في ذلك اليوم ، فقال له :

أطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب إذا لم يوقد

بالمشرفي والقنا المسدد

فحمل رضي الله عنه وأبلى جهده ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت ابني حقا ، وهذان ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعنى الحسن والحسين عليهما‌السلام. فأجرى عليهما هذه التسمية مادحا لهم ومفضلا ، والمدح لا يكون

٢٦١

بالمجاز والاستعارة.

ولم تزل العرب في الجاهلية تنسب الولد الى جده ، اما في موضع مدح أو ذم ، ولا يتناكرون ذلك ولا يحتشمون منه. وقد كان يقال للصادق عليه‌السلام أبدا أنت ابن الصديق ، لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

ولا خلاف أن عيسى عليه‌السلام من بني آدم وولده ، وانما ينتسب إليه بالأمومة دون الأبوة.

فإن قيل : اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا ، وليس كل شيء استعمل في غيره يكون حقيقة له.

قلنا : الظاهر من الاستعمال الحقيقة ، وعلى من ادعى المجاز الدلالة وقد بينا في غير موضع أن الأصل الحقيقة ، والمجاز طار داخل في الاستعمال محمول على الأصول ، الا أن ينقل دلالة قاهرة.

فان قالوا : لو حلف [رجل بالطلاق أو بالله تعالى أنه لا ولد له وله ولد بنت لما كان حانثا.

قلنا : يكون عندنا حانثا إذا أطلق القول ، وانما لا يكون حانثا إذا نوى ما يخرجه عن الحنث](١) من لا ولد له وله ولد بنت أنه لا ولد له لم يحنث.

قلنا : بل يحنث مع الإطلاق ، وانما لا يحنث إذا نوى ما يخرجه عن الحنث.

وقد ناقض الفضل بن شاذان في مذهبه وقال في كتابه في الفرائض : في رجل خلف بنت ابن وابن بنت أن لبنت الابن الثلثين نصيب أبيها ولابن البنت الثلث نصيب أمه في ولد الولد نصيب من يتقرب به وأعطاه ذلك.

ثم قال في هذا الكتاب : في بنت ابن وابن ابن أن المال بينهما للذكر مثل

__________________

(١) الزيادة في الهامش بعلامة خ ل.

٢٦٢

حظ الأنثيين. وهذه مناقضة لما قرره ، لان بنت الابن تتقرب بأبيها وابن الابن يتقرب أيضا بأبيه ، فيجب أن يتساويا في النصيب ، فكيف جعل هاهنا للذكر مثل حظ الأنثيين ، مع أن كل واحد يتقرب بغيره ، فله على مذهبه نصيب من يتقرب به ، وألا فعل مثل ذلك في بنت ابن وابن بنت وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.

ومن العجب أنه قال في كتابه ما هذه حكاية لفظه : فان ترك ابن بنت وابنة ابن وأبوين ، فللأبوين السدسان ، وما بقي فلابنة الابن حق أبيها الثلثان ، ولابن البنت حق أمه الثلث ، لان ولد الابنة ولد كما أن ولد الابن ولد.

وهذا التعليل ينقض الفتوى ، لأنه إذا كان ولد البنت ولدا ، كما أن ولد الابن كذلك، فيجب أن يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، لظاهر (يُوصِيكُمُ اللهُ) وكيف أعطي الأنثى ضعف ما أعطى الذكر.

وقد وافق الحق مذهب ابن شاذان في بعض المسائل من هذا الباب وان خالف في التعليل ، مثل من خلف بنت بنت وابن ابن ، فإنه يعطى البنت نصيب أمها وهو الثلث ، ويعطى الابن نصيب أبيه وهو الثلثان ، وهكذا نعطيهما نحن ، لأنا ننزلهما منزلة ابن ابن وبنت بلا واسطة للذكر مثل حظ الأنثيين.

٢٦٣
٢٦٤

(٤٤)

مسألة عدم تخطئة العامل بخبر الواحد

٢٦٥
٢٦٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة

[عدم تخطئة العامل بخبر الواحد]

فقال : كيف تنكرون أن يكون إرسال (١) أخبار الآحاد في الأحكام الشرعية مما قامت الحجة بالعمل به فضلا حتى أن الإمامية يختلفون فيما بينهم في أحكام شرعية معروفة.

ويستمسك كل فريق منهم الى اخبار الآحاد في المذهب ولا يرجع (٢) كل فريق [من] موالاة الفريق الأخر وان خالفه ، ولا يحكم بكفره وتضليله ، وهذا يقتضي أنه انما لم يرجع عن موالاته ، لانه استند فيما يذهب إليه الى ما هو حجة.

الجواب :

ان أخبار الآحاد مما لم تقم دلالة شرعية على وجوب العمل بالأقل (٣) ، ولا

__________________

(١) ظ : اعمال.

(٢) خ ل : يخرج.

(٣) كذا.

٢٦٧

القطع العذر بذلك ، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب عملا ، فإنما يقتضي إذا كان رواية على غاية العدالة ظنا ، فالتجويز لكونه كاذبا ثابت ، فالعمل بقوله يقتضي الإقدام على ما يعلم قبحه.

فأما الاستدلال على أن الحجة ثابتة بقبول أخبار الآحاد ، بأن لا نكفر من خالفنا في بعض الأحكام الشرعية من الإمامية ولا يخرج عن موالاته ، فلا شبهة في بعده ، لأنا لا نكفر ولا نرجع عن موالاة من خالف من أصحابنا في بعض الشرعيات ، وان استند في ذلك المذهب الى التقليد ، أو يرجع فيه الى شبهة معلومة بطلانها.

ولم يدل عدولنا عن تكفيره وتمسكنا بموالاته على أن التقليد الذي تمسك به واعتمد في مذهبه ذلك عليه حق وأن فيه الحجة ، فكذلك ما ظنه السائل.

وبعد : فلو كنا انما عدلنا عن تكفيره وأقمنا على موالاته من حيث استند من أخبار الآحاد الى ما قامت الحجة في الشريعة ، لكنا لا نخطئه ولا نأمره بالرجوع عما ذهب إليه ، لان من عول في مذهب على ما فيه الحجة ولا يشتمل عليه (١).

ونحن نخطئ من أصحابنا من خالفنا فيما قامت الأدلة الصحيحة عليه من الأحكام الشرعية ، وما يره (٢) بالرجوع إلى الحق وقول ما هو عليه.

وانما لا نضيف الى هذه التخطئة التكفير والرجوع عن الموالاة ، وليس كل مخطئ كافرا وغيره (٣) مسلم ، وان الحق (٤) من أصحابنا في الأحكام الشرعية انما عول فيما ذهب اليه ، ومن عدل على (٥) خبر الواحد وهو لا يوجب علما كيف

__________________

(١) خ ل : عنه.

(٢) ظ : ونأمره.

(٣) ظ : وغير.

(٤) خ ل : المحق.

(٥) في الهامش : عول عن.

٢٦٨

يكون عالما قاطعا وما بقي ما يحتاج إليه في هذا الكلام ، الا أن يبين من أي وجه لم نكفر من خالفنا في بعض الشرعيات من أصحابنا مع العلم بأنه مبطل.

والوجه في ذلك : ان التكفير يقتضي تعلق الأحكام الشرعية ، كنفي الموالاة والتوارث والتناكح وما جرى مجرى ذلك.

وهذا انما يعلم بالأدلة القاطعة ، وقد قامت الدلالة واجتمعت الفرقة المحقة على كفر من خالفها في الأصول ، كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة.

فأما خلاف بعض أصحابنا لبعض في فروع الشرعيات ، فمما لم يقم دليل على كفر المخطئ ، ولو كان كفرا لقامت الدلالة على ذلك من حاله ، وكونه معصية وذنبا لا يوجب عندنا الرجوع عن الموالاة ، كما نقول ذلك في كل معصية ليست بكفر.

فان قيل : فلو خالف بعض أصحابكم في مسح الرجلين وذهب الى غسلهما وفي أن الطلاق الثلاث يقع جميعه ، كنتم تجتمعون على موالاته.

قلنا : هذا مما لا يجوز أن يخالف فيه امامي ، لان هذه الاحكام وما أشبهها معلوم ضرورة أنه مذهب الأئمة ، وعليه إجماع الفرقة المحقة ، فلا يخالف فيها من وافق في أصول الإمامة ، وانما يخالف فيها من يخالف في الأصول الإمامية ومن خالف في أصولهم كفر بذلك.

فان قيل : أفلستم تكفرون مخالفيكم من خالف في صغير فروع الشرعيات وكبيرها ، فكيف تكفر المخالف بما لا تكفر به الموافق.

قلنا : نحن لا نكفر مخالفنا إذا خالف في فرع لو خالف فيه موافق من أصحابنا لم نكفره ، وانما نكفر المخالف في ذلك الفرع بما ذهب اليه المذاهب التي تقتضي تكفيره.

مثال ذلك : ان من خالف من أصحابنا وقال : ان ولد الحر من المملوكة

٢٦٩

مملوك ، إذا لم يشرك لم يكن بذلك كافرا ، وكان هذا القول باطلا.

وكذلك المخالف لنا في الأصول إذا خالف هذه المسألة وقال : ان الولد مملوك وهذا مذهبكم ، لا يكون بهذا القول بعينه كافرا ، وانما نكفره في الجملة بما خالف فيه مما يقتضي الأدلة أن يكون كفرا.

٢٧٠
٢٧١

(٤٥)

مسألة في استلام الحجر

٢٧٢
٢٧٣

بسم الله الرحمن الرحيم

قولهم عند استلامهم له : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة غدا. من المخاطب به؟ ومن المستمع له؟ فان هذا يقتضي أن يكون المخاطب بهذه المخاطبة سامعا رائيا شاهدا مبلغا.

وما معنى قولهم : لبيك اللهم لبيك؟ أهو جواب منهم لنداء إبراهيم عليه‌السلام حين أمره الله تعالى أن يأذن بالحج كيف هو؟.

الجواب :

أما استلام الحجر فهو غير مهموز ، لانه افتعال من السلم التي هي الحجارة واستلام بما هو مباشرته وتقبيله والتمسح ، وحكى ثعلب وحده في هذه اللفظة الهمزة ، وجعله وجها ثابتا وترك الهمز ، وفسره بما اتخذ جنة وسلاحا ولامة وهي الدرع. وما هذا الوجه الذي حكاه ثعلب في هذه اللفظة إلا مليحا إذا كان مسموعا فيها.

٢٧٤

فأما الغرض في استلام الحجر ، فهو أداء العبادة وامتثال أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والتأسي بفعله ، لأنه أمر عليه‌السلام باستلامه الحجر ، ولما ... حج عليه‌السلام رئي مستلما له ، وقد أمر بالتأسي بأفعاله في العبادات ، كما أمر بالتأسي بأقواله.

والعلة في هذه العبادة على سبيل الجملة ، مصلحة للمكلفين وتقويتهم للواجب وترك القبيح ، وان كنا لا نعلم الوجه على سبيل التفصيل.

وما السؤال عن معنى ذلك الا كالسؤال عن معنى الطواف وكونه سبعة أشواط ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات.

فأما ما روي من القول الذي يقال عند استلام الحجر الذي هو : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة غدا.

والسؤال من المخاطب به والمستمع له ، فالوجه في ذلك بين ، لان ذلك هو دعاء الله تعالى وخطبات له (١) ، وهو المستمع له والمجازي عليه ، وانما علقه بالحجر وأضافه اليه ، لأنه عمل عنده وعبادة فيه وقربة الى الله تعالى ، فكأنه قال : أمانتي في استعلائك (٢) أديتها.

ومعنى «لتشهد لي بالموافاة» أي ليكون عملي عندك شاهدا عند الله تعالى بموافاتي بما ندبت اليه من العبادة المتعلقة بك المفعولة فيك.

وقد روى في معنى استلام الحجر وخطابه وفي علل كثير من العبادات أشياء يرغب عن ذكرها ، لأنها مستفتحة خارجة عن العقول ، يحمل التأويل والتخريج على الوجوه الصحيحة، فعلى بعد وتعسف وتكلف ، وقد أغنى الله

__________________

(١) ظ : خطاب.

(٢) ظ : استلامك.

٢٧٥

بالظواهر الصحيحة عن البواطن السقيمة.

فأما التلبية فمأخوذة من قولهم «ألب بالمكان إلبابا» إذا قام به. فمعنى «لبيك» أي نقيم على إجابتك وطاعتك.

فأما السؤال عن هذه في تلبية الحج ، وهل هي جواب لنداء إبراهيم عليه‌السلام أم لغيره؟.

فالجواب ان التلبية بالحج إجابة لدعاء من دعا اليه وأمر به وهو الله تعالى.

ألا ترى أنهم يقولون : «لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ويتبعون ذلك ألفاظا لا يليق الا به تعالى ، فالاجابة له تعالى ، لأنه الأمر بالحج وتلبيتنا إنما(١) أمره به.

وقد بينا أن نداء إبراهيم عليه‌السلام لا يجوز أن يتعلق حمله بأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانه غير مبعوث إليهم ولا مؤد للشريعة التي تلزمهم ، فلم يبق الا أن تكون تلبية المسلمين بالحج انما هي إجابة لدعاء الله تعالى الذي بلغه وأداه إلينا الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهذا واضح لمن تأمله.

__________________

(١) ظ : بما.

٢٧٦
٢٧٧

(٤٦)

مسألة في نفى الرؤية

٢٧٨
٢٧٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

زعمت المعتزلة بأسرها وكثير من الشيعة والزيدية والخوارج والمرجئة بأجمعها أن الله تبارك وتعالى لا يجوز أن يتحرك ، ولا يجوز أن يكون في الأماكن ولا في مكان دون مكان ، وأنه في جميع الأماكن بالعلم بها والتدبير لها.

وقال هشام بن الحكم ، وعلي بن منصور ، وعلي بن إسماعيل بن ميثم ، ويونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين ، واين سالم الجواليقي ، والحشوية وجماعة المشبهة : ان الله جل وعزفي مكان دون مكان ، وأنه يتحرك وينتقل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

فان قالوا : إذا قلتم ان الله جل وعز على العرش بمعنى استولى عليه بالملك والقدرة.

قلنا : لا يلزمنا أن نضيق على قول قلنا به سماعاً واتباعاً ، كما لا يلزمنا والمشبهة إذا قلنا الله ان تعالى على كل شيء وكيل ، وخرجنا معناه أنه حافظ

٢٨٠