مجموعه رسائل الإمام الغزالي

المؤلف:

أبو حامد الغزالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الفكر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٦

هذا حكم من يظهر لك الصداقة ، فكيف من يجاهرك بالعداوة! قال القاضي ابن معروف رحمه‌الله تعالى :

فاحذر عدوّك مرّة

واحذر صديقك ألف مرّة

فلربّما انقلب الصّدي

ق فكان أعرف بالمضرّه

وكذلك قيل في المعنى :

عدوّك من صديقك مستفاد

فلا تستكثرن من الصّحاب

فإنّ الدّاء أكثر ما تراه

يكون من الطّعام أو الشّراب

وكن كما قال هلال بن العلاء الرقي :

لما عفوت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسي من همّ العداوات

إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته

لأدفع الشرّ عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه

كأنّه قد ملا قلبي مسرّات

ولست أسلم ممّن لست أعرفه

فكيف أسلم من أهل المودّات

الناس داء دواء النّاس تركهم

وفي الجفاء لهم قطع الأخوّات

فسالم النّاس تسلم من غوائلهم

وكن حريصا على كسب المودات

وخالق النّاس واصبر ما بليت بهم

أصمّ أبكم أعمى ذا تقيات

وكن أيضا كما قال بعض الحكماء : الق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير مذلة لهما ولا هيبة منهما ، وتوقر من غير كبر ، وتواضع من غير مذلة ، وكن في جميع أمورك في أوسطها. فكلا طرفي قصد الأمور ذميم. كما قيل :

عليك بأوساط الأمور فإنّها

طريق إلى نهج الصّراط قويم

ولا تك فيها مفرّطا أو مفرطا

فإنّ كلا حال الأمور ذميم

ولا تنظر في عطفيك ، ولا تكثر الالتفات إلى ورائك ، ولا تقف على الجماعات ، وإذا جلست فلا تستوفز. وتحفظ من تشبيك أصابعك ، والعبث بلحيتك وخاتمك ، وتخليل أسنانك ، وإدخال إصبعك في أنفك ، وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذباب عن وجهك ، وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرها.

وليكن مجلسك هادثا وحديثك منظوما مرتبا. واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط ، ولا تسأله إعادته. واسكت عن المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن إعجابك بولدك وشعرك وكلامك وتصنيفك وسائر ما يخصك. ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ، ولا تتبذل تبذل العبد. وتوق كثر الكحل والإسراف في الدهن. ولا تلح في الحاجات ، ولا تشجع أحدا على الظلم.

ولا تعلم أحدا من أهلك وولدك ـ فضلا عن غيرهم. مقدار مالك ، فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم ، إن رأوه كثيرا لم تبلغ قط رضاهم. واجفهم من غير عنف ، ولن لهم من غير

٤٠١

ضعف. ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك من قلوبهم. وإذا خاصمت فتوقر ، وتحفظ من جهلك وعجلتك ، وتفكر في حجتك ؛ ولا تكثر الإشارة بيدك ، ولا تكثر الالتفات إلى من ورائك ، ولا تجث على ركبتيك ؛ وإذا هدأ غضبك فتكلم. وإذا قربك السلطان فكن منه على حد السنان. وإياك وصديق العافية ، فإنه أعدى الأعداء. ولا تجعل مالك أكرم من عرضك.

فهذا القدر يا فتى يكفيك من بداية الهداية ، فجرب بها نفسك ، فإنها ثلاثة أقسام : قسم في آداب الطاعات ، وقسم في ترك المعاصي ، وقسم في مخالطة الخلق. وهي جامعة لجملة معاملة العبد مع الخالق والخلق ؛ فإن رأيتها مناسبة لنفسك ورأيت قلبك مائلا إليها راغبا في العمل بها ، فاعلم أنك عبد نوّر الله تعالى بالإيمان قلبك ، وشرح به صدرك.

وتحقق أن لهذه البداية نهاية ، ووراءها أسرارا وأغوارا وعلوما ومكاشفات ، وقد أودعناها في كتاب إحياء علوم الدين ، فاشتغل بتحصيله. وإن رأيت نفسك تستثقل العمل بهذه الوظائف ، وتنكر هذا الفن من العلم ، وتقول لك نفسك : أنّى ينفعك هذا العلم في محافل العلماء؟ ومتى يقدمك هذا على الأقران والنظراء؟ وكيف يرفع منصبك في مجالس الأمراء والوزراء؟ وكيف يوصل إلى الصلة والأرزاق وولاية الأوقاف والقضاء؟ فاعلم أن الشيطان قد أغواك ، وأنساك منقلبك ومثواك ، فاطلب لك شيطانا مثلك ليعلمك ما تظن أنه ينفعك ويوصلك إلى بغيتك. ثم اعلم أنه قط لا يصفو لك الملك في محلتك فضلا عن قريتك وبلدتك ، ثم يفوتك الملك المقيم والنعيم الدائم في جوار رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

٤٠٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الأدب في الدين

الحمد لله الذي خلقنا فأكمل خلقنا ، وأدبنا فأحسن أدبنا ، وشرفنا بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأحسن تشريفنا ؛ ثم أقول وبالله التوفيق :

إن أكمل الأخلاق وأعلاها ، وأحسن الأفعال وأبهاها ، هو الأدب في الدين ، وما يقتدي به المؤمن من فعل رب العالمين ، وأخلاق النبيين والمرسلين. وقد أدبنا الله تعالى في القرآن بما أرانا فيه من البيان ، وأدبنا بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السنّة بما أوجب علينا ، فله المنة ، وكذلك بالصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الأدب من المؤمنين بما أوجب علينا من الاقتداء بهم ؛ وذلك جليل خطره ، كثير عدده ، نذكر بعضه ، لئلا يطول شرحه فيعسر فهمه.

الآداب بين يدي الله تعالى

أدب المؤمن بين يدي الله تعالى

إطراق الطرف ، وجمع الهم ، ودوام الصمت ، وسكون الجوارح ، ومبادرة امتثال الأوامر ، واجتناب المناهي ، وقلة الاعتراض ، وحسن الخلق ، ودوام الذكر ، وتنزيه الفكر ، وتقييد الجوارح ، وسكون القلب ، وتعظيم الرب ، وقلة الغضب ، وكتمان الحب ، ودوام الإخلاص ، وترك النظر إلى الأشخاص ، وإيثار الحق ، واليأس من جميع الخلق ، وإخلاص العمل ، وصدق القول ، وتنزيه الاطلاع ، وإحياء القربات ، وقلة الإشارة ، وكتمان الفائدة ، والغيرة على تبديل الاسم. والغضب عند انتهاك المحارم ، ودوام الهيبة ، واستشعار الحياء ، واستعمال الخوف ، والسكون ثقة بالضمان ، والتوكل معرفة بحسن الاختيار ، وإسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وارتعاش القلب خوف فوت الفرض ، ودوام التوبة خوف الإصرار ، ودوام التصديق بما غاب ، ووجل القلب عند الذكر ، وزيادة الأنوار عند الوعظ ، واستشعار التوكل عند الفاقة ، وإخراج الصدقة من غير بخل مع الإمكان.

آداب العالم

لزوم العلم ، والعمل بالعلم ، ودوام الوقار ، ومنع التكبر وترك الدعاء به ، والرفق بالمتعلم ، والتأني بالمتعجرف ، وإصلاح المسألة للبليد ، وبرك الأنفة من قول لا أدري ، وتكون همته عند السؤال خلاصة

٤٠٣

من السائل لإخلاص السائل ، وترك التكلف ، واستماع الحجة والقبول لها وإن كانت من الخصم.

آداب المتعلم مع العالم

يبدؤه بالسلام ، ويقل بين يديه الكلام ، ويقوم له إذا قام ، ولا يقول له : قال فلان خلاف ما قلت ، ولا يسأل جليسه في مجلسه ، ولا يبتسم عند مخاطبته ، ولا يشير عليه بخلاف رأيه ، ولا يأخذ بثوبه إذا قام ، ولا يستفهمه عن مسألة في طريقه حتى يبلغ إلى منزله ، ولا يكثر عليه عند ملله.

آداب المقرئ

يجلس جلسة الخشية ، واستماع الأمر ، وإنصات الفهم ، وانتظار الرحمة ، والإصغاء إلى المتشابه وإشارة الوقف ، وتعريف الابتداء ، وبيان الهمزة ، وتعليم العدد ، وتجويد الحرف ، وفائدة الخاتم ، والرفق بالبادي ، والسؤال عن المتعلم إذا غاب ، والحث له إذا حضر ، وترك الحديث ، ويبدأ بالمتلقن يلقنه ما يصلي به لنفسه ، أو احتاج إلى أن يؤم غيره.

آداب القارئ

يجلس بين يديه جلسة التواضع ، وجمع الفهم ، وخفض الرأس ، والاستئذان قبل القراءة ، ثم الاستعاذة والتسمية ، والدعاء عند الفراغ.

آداب معلم الصبيان

يبدأ بصلاح نفسه ؛ فإن أعينهم إليه ناظرة ، وآذانهم إليه مصغية ، فما استحسنه فهو عندهم الحسن ، وما استقبحه فهو عندهم القبيح ، ويلزم الصمت في جلسته ، والشزر في نظره ، ويكون معظم تأديبه بالرهبة ، ولا يكثر الضرب والتعذيب ، ولا يحادثهم فيجترءوا عليه ، ولا يدعهم يتحدثون فينبسطون بين يديه ، ولا يمازح بين أيديهم أحدا! ويتنزه عما يعطونه ، ويتورع عما بين يديه يطرحونه ، ويمنعهم من التحريش ، ويكفهم من التفتيش ، وي. بح عندهم الغيبة ، ويوحش عندهم الكذب والنميمة ، ولا يسألهم عن أمر ينوبهم فيثقلوه ، ولا يكثر الطلب من أهلهم فيملوه ، ويعلمهم الطهارة والصلاة ، ويعرفهم بما يلحقهم من النجاسة.

آداب المحدث

يقصد الصدق ، ويجتنب الكذب ، ويحدث بالمشهور ، ويروي عن الثقات ، ويترك المناكير ولا يذكر ما جرى بين السلف ، ويعرف الزمان ، ويتحفظ من الزلل والتصحيف واللّحن والتحريف ، ويدع المداعبة ، ويقل المشاغبة ، ويشكر النعمة ؛ إذ جعل في درجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويلزم التواضع ، ويكون معظم ما يحدث به ما ينتفع المسلمون به من فرائضهم وسننهم وآدابهم في معاني كتاب ربهم عزوجل. ولا يحمل علمه إلى الوزراء ، ولا يغشى أبواب الأمراء ؛ فإن ذلك يزري بالعلماء ، ويذهب بهاء

٤٠٤

علمهم إذا حملوه إلى ملوكهم ومياسيرهم ، ولا يحدث بما لا يعلمه في أصله ، ولا يقرأ عليه ما لا يراه في كتابه ، ولا يتحده إذا قرئ عليه ، ويحذر أن يدخل حديثا في حديث.

آداب طالب الحديث

يكتب المشهور ولا يكتب الغريب ، ولا يكتب المناكير ، ويكتب عن الثقات ، ولا يغلبه شهرة الحديث على قرينه ولا يشغله طلبه عن مروءته وصلاته ؛ يجتنب الغيبة ، وينصت للسماع ، ويلزم الصمت بين يدي محدثه ، ويكثر التلفت عند إصلاح نسخته ، ولا يقول : سمعت ، وهو ما سمع ، ولا ينشره لطلب العلوّ فيكتب من غير ثقة ، ويلزم أهل المعرفة بالحديث من أهل الدين ، ولا يكتب عمن لا يعرف الحديث من الصالحين.

آداب الكاتب

حسن الخط ، وجودة البري ، وإعراب اللفظ ومعرفة الحساب ، وسداد الرأي ، وحسن اللباس ، وطيب الرائحة ، والمعرفة بأخبار المتقدمين من الوزراء المتصرفين ، والتخوف من المصادرات ، والعلم بأمر الخراج ، والمسامحة والخبرة في السدادات ، وترك الانخرام والتنزه عن الحرام ، واستعمال المروءة وحسن العشرة والتحفظ عن الذّلة ، وترك الرفث في المجالس ، ونفي المداعبة والمحادثة والمداراة للحاشية.

آداب الواعظ

ترك التكبر ، ودوام الحياء من سيده وإظهار الفاقة إلى خالقه ، وشهوة المنفعة لمستمعه ، والإزراء على نفسه لمعرفة عيبه ، والنظر إلى المستمعين إليه بعين السلامة ، وحسن الظن بهم بباطن الديانة ، والإياس منهم طلبا للصيانة ، والرفق بالتأديب ، والعطف على المبتدئ ، واعتقاد فعل ما يقول ؛ لينتفع النّاس بما يقول.

آداب المستمع

إظهار الخشوع ، ودوام الخضوع ، وسلامة الصدر ، وحسن الظن ، واعتقاد القول ، ودوام السكوت ، وقلة التقلب ، وجمع الهم ، وترك التهمة.

آداب الناسك

يكون وقته معلوما ، وو رده مفهوما ، وكلامه مقسوما ، ودمعه مسجوما ، دائما خشوعه ، لازما خضوعه ، غاضّا لطرفه ، عاقّا لقلبه ، مفكرا في دينه ، مراقبا لوقته ، مداوما لصومه ، ساهرا في ليله ، متورعا في مسكنه ، متقللا في مطعمه ومشربه ، متوقعا لنزول أجله ، مجانبا لقرنائه ، تاركا لشهواته ، محافظا على صلواته ، عالما بزيادة حاله ونقصانه ، لا يحتاج إلى علم غيره مع علمه بحاله.

آداب اعتزال الناس

يكون فقيها في دينه ، عارفا بأمر صلاته وصيامه وزكاته وحجه ، يعتقد في اعتزالهم دفع شره عنهم،

٤٠٥

ويحضر الجمع والجماعات ، ويشهد الجنائز ، ويعود المرضى ؛ ولا يخوض في حديثهم ، ولا يسأل عما يفسد قلبه من أخبارهم ؛ ولا يطمع نفسه في نائلهم ، حتى لا يكون له حاجة إلى جيرانه ؛ تكون أوقاته ثلاثة : إما أن يصلي ويدرس فيغنم ، أو ينظر في كتبه فيتعلم ، أو ينام فيسلم. يدمن الذكر ، ويكثر الشكر حتى يتم له الأمر ، فإن كان له أهل يتحدث معهم ، ويجتهد في خلوته حتى يرى ميزان عزلته.

آداب الصوفي

قلة الإشارة ، وترك الشطح في العبارة ، والتمسك بعلم الشريعة ، ودوام الكد ، واستعمال الجد ، والاستيحاش من الناس ، وترك الشهرة في اللباس ، وإظهار التجمل ، واستشعار التوكل ، واختيار الفقر ، ودوام الذكر ، وكتمان المحبة ، وحسن العشرة في الصحبة ، والغض عن المردان وترك مؤاخاة النسوان ، ودوام درس القرآن.

آداب الشريف

يصون شرفه ، ولا يأكل بنسبه ؛ ولا يتعدى بحسبه ، همته التواضع لربه ، والخوف من سيده ، ويأخذ بالفضل على من دونه ، ولا يساوي من هو مثله. يعرف الفضل لأهل العلم وإن كان مثلهم في العلم أو أعلم ، يلازم أهل الدين من أهل الفقه والقرآن ، ويهذب أخلاقه ، ويتحفظ في ألفاظه عند غضبه وخطابه ، يكرم جلساءه ، ويواصل إخوانه ، ويصون أقاربه ، ويعين جيرانه ، ويزين بنفسه أخدانه.

آداب النوم

يتطهر قبل النوم ، وينام على يمينه ، ويذكر الله عزوجل حتى يأخذه النوم ، ويدعو إذا استيقظ ، ويحمد الله تعالى.

آداب التهجد

تقليل الغذاء ، ونقصان الماء ، وإصلاح النهار باجتناب الغيبة والكذب واللغو ، وترك النظر في المحرمات ، والقيام من النوم بفزع وخوف ، وإسباغ الوضوء ، والنظر في ملكوت السماوات ، والدعاء والحضور في الصلاة لفهم التلاوة.

آداب الخلاء

التسمية ثم الاستعاذة قبل الدخول ، وكشف الثوب برفق بعد قربه من الأرض ، ومسح اليد بالتراب بعد الاستنجاء مع الغسل ، والاستتار قبل الخروج ، والحمد والشكر بعد الخروج.

آداب الحمام

ستر العورة ، وغض البصر عن العورات ، وطلب الخلوة ، وترك التكلم ، وقلة التلفت ، ومنع السلام ، وقلة الجلوس ، وغسل الجنابة من قبل الدخول ، وغسل القدمين إذا خرج بالماء البارد فإنه يذهب الصداع.

٤٠٦

آداب الوضوء

السواك ودوام الذكر مع الغسل ، واستشعار الهيبة ممن يقصد والتوبة مما كان ، والسكوت بعد الطهارة حتى يدخل في الصلاة ، والطهارة في إثر الطهارة وأخذ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، والاختتان وغسل البراجم ، وتعاهد الأنف ، ونظافة الثوب والبدن.

آداب دخول المسجد

يبدأ باليمنى ، ويزيل ما في نعله من الأذى ، ويذكر اسم الله عزوجل ، ويسلم على من حضر ، فإن كان خاليا سلم على نفسه ، ويسأل الله تعالى أن يفتح له أبواب رحمته ، ويجلس في مواجهة القبلة ، ويلزم المراقبة ، ويقل المخاطبة ، ويترك الملاعنة ، ولا يرفع فيه صوته ، ولا يشهر فيه سيفه ، ويمسك بنصال نبله ، ولا يصنع صنعة ، ولا ينشد ضالة ، ولا يبايع ولا يشاري ولا يجامع ، فإذا انصرف بدأ باليسرى ، وسأل الله تعالى من فضله ما يعطي.

آداب الاعتكاف

دوام الذكر ، وجمع الهم ، وترك الحديث ، ولزوم الموضع ، وترك التنقلات ، وحبس النفس عن مرادها ، ومنعها في محابها ، وجبرها على طاعة الله عزوجل.

آداب الأذان

يكون المؤذن عارفا بوقته في الصيف وفي الشتاء ، غاضّا لطرفه عند صعوده المنارة ، ويلتفت في أذانه عند النداء بالصلاة والفلاح. ويرتل الأذان ، وينحدر في الإقامة.

آداب الإمام

يكون عارفا بالصلاة وفرائضها وسننها ، فقيها بما يحدث له في صلاته وما يفسدها ، ولا يؤمّ قوما وهم له كارهون ، يجعل من يليه من أهل العلم ويأمرهم بتسوية الصفوف ، ويشير إليهم بلطف ، ولا يقرأ بطوال السور فيضجروا ، ولا يطيل التسبيح فيملّوا ، ولا يخفف بحيث يفوت الكمال ، بل يرتب الصلاة على قدر قوة ضعفتهم ، ويترفق في ركوعه وسجوده حتى يطمئنوا ، ويسكت سكتة قبل الحمد وبعد الحمد وإذا فرغ من السورة ، وينتظر في ركوعه من أحس به ما لم يجحف بمن ورائه ، وينتظر قبل الصلاة من فقد من جيرانه ما لم يخف فوت وقته ، ويفرق بين التسليمتين بوقفة خفيفة ، وإذا فرغ نظر إلى ستر الله ومنته ، وازداد شكرا لسيده ، وأدام له في كل حالاته الذكر.

آداب الصلاة

خفض الجناح ، ولزوم الخشوع ، وإظهار التذلل ، وحضور القلب ، ونفي الوساوس ، وترك التقلب ظاهرا وباطنا ، وهدوء الجوارح ، وإطراق الطرف ، ووضع اليمين على الشمال والتفكر

٤٠٧

في التلاوة ، والتكبير بالهيبة ، والركوع بالخضوع ، والسجود بالخشوع ، والتسبيح بالتعظيم ، والتشهد بالمشاهدة ، والتسليم بالإشفاق ، والانصراف بالخوف ، والسعي بطلب الرضاء.

آداب القراءة

مداومة الوقار والحياء ، ومجانبة العبث والخناء ، ولزوم التواضع والبكاء.

آداب الدعاء

خشوع القلب ، وجمع الهم ، وإظهار الذل ، وحسن النظر ، وخفض الجناح ، وسؤال الفاقة ، ولجأ الغريق ، ومعرفته بقدر نفسه ، وعظيم حرمة المسئول ، وبسط الكف عند الرغبة ، واليقين بالإجابة والخوف من الخيبة ، وانتظار الفرج ، وترك العدوان ، وصحة القصد واللجإ ، ومسح الوجه بباطن الكف بعد الدعاء.

آداب الجمعة

التأهب للوقت قبل دخوله ، والطهارة عند حضوره والبكور ، وغسل الجسد ونظافة الثوب ، وطيب الرائحة ، وترك التخطي ، وقلة الكلام ، ودوام الذكر ، والقرب من الإمام ، والإنصات للخطيب ، والانتشار لطلب العلم ، والمشي بالسكينة والوقار ، وترك تشبيك الأصابع ، وتقارب الخطى ، ودوام الإطراق ، وكثرة الشكر للرزاق ، ودخول المسجد بالخشوع ، ورد السلام ، وترك الصلاة بعد جلوس الخطيب على المنبر. ورد السلام عليه بعد إشارته ، وترك الكلام ، واعتقاد القبول للموعظة ، وترك الالتفات عند إقباله ومخاطبته ، وترك القيام إلى الصلاة حتى ينزل من المنبر ويفرغ المؤذن من الإقامة.

آداب الخطيب

يأتي المسجد وعليه السكينة والوقار. ويبدأ بالتحية ويجلس وعليه الهيبة. ويمتنع عن التخاطب ، وينتظر الوقت ؛ ثم يخطو إلى المنبر وعليه الوقار ، كأنه يحب أن يعرض ما يقول على الجبار. ثم يصعد بالخشوع ، ويقف على المرقاة بالخشوع ويرتقي بالذكر ، ويلتفت إلى مستمعيه باجتماع الفكر ، ثم يشير إليهم بالسلام ليستمعوا منه الكلام ، ثم يجلس للأذان فزعا من الديان ، ثم يخطب بالتواضع ، ولا يشير بالأصابع ، ويعتقد ما يقوله لينتفع به ، ثم يشير إليهم بالدعاء ، وينزل إذا أخذ المؤذن في الإقامة ، ولا يكبر حتى يسكتوا ، ثم يفتتح الصلاة ، ويرتل ما يقرأ.

آداب العيد

إحياء ليلته والاغتسال في صبيحة يومه ؛ ونظافة البدن ، وطيب الرائحة ، وإدامة التكبير ، وكثرة الذكر ، واستعمال الخشوع ، والتسبيح والحمد بين تضاعيف التكبير ، والإنصات للخطبة بعد الصلاة ، وأكل اليسير قبل الخروج إن كان فطرا ، والذهاب في طريق والرجوع في أخرى ، والانصراف بالإشفاق خوف الغيبة.

٤٠٨

آداب الخسوف

دوام الفزع ، وإظهار الجزع ، ومبادرة التوبة ، وترك الملل ، وسرعة القيام إلى الصلاة ، وطول القيام فيها ، واستشعار الحذر.

آداب الاستسقاء

الصيام قبله ، وتقديم التوبة ، ورد المظالم ، وبذل الهمة ، وترك المفاخرة والاغتسال قبل الخروج ، ودوام الصمت ورؤية الحال التي أوجبت المنع ، والاعتراف بالذنب الذي نزلت به العقوبة ، واعتقاد ترك العود ، والإنصات للخطبة ، والتسبيح بين التكبير ، وكثرة الاستغفار وتحويل الإزار مع الدعاء.

آداب المريض

الإكثار من ذكر الموت ، والاستعداد له بالتوبة ، ودوام الحمد والثناء لله ، واستعمال التضرع والدعاء ، وإظهار العجز والفاقة ، والتداوي مع الاستعانة بخالق الدواء ، وإظهار الشكر عند القوة ، وقلة الشكوى ، وإكرام الجلساء ، وترك المصافحة.

آداب المعزّي

خفض الجناح ، وإظهار الحزن ، وقلة الحديث ، وترك التبسم فإنه يورث الحقد.

آداب المشي في الجنازة

دوام الخشوع ، وغض البصر ، وترك الحديث ، وملاحظة الميت بالاعتبار ، والتفكر فيما يجيب به من السؤال ، والعزم على المبادرة فيما يخاف به من المطالبة ، وخوف حسرة الفوت عند هجوم الموت.

آداب المتصدق

ينبغي له أداؤها قبل المسألة ، وإخفاء الصدقة عند العطاء ، وكتمانها بعد العطاء ، والرفق بالسائل ، ولا يبدؤه برد الجواب ، ويرد عليه بالوسوسة في الوسوسة ، ويمنع نفسه البخل ، ويعطيه ما سأل أو يرده ردّا جميلا ، فإن عارضه العدو إبليس لعنه الله أن السائل ليس يستحق ، فلا يرجع بما أنعم الله به عليه ، بل هو مستحق لها.

آداب السائل

يبدي الفاقة بصدق الحقيقة ، ويظهر السؤال بلطافة القول ، ويأخذ ما أعطي بمقابلة الشكر ، وإن قل ، وحسن الدعاء ، فإن رد عليه رجع بجميل قبول العذر ، وترك المعاودة والإلحاح.

آداب الغني

لزوم التواضع ، ونفي التكبر ، ودوام الشكر ، والتوصل إلى أعمال البر ، والبشاشة بالفقير والإقبال عليه ،

٤٠٩

ورد السلام على كل أحد ، وإظهار الكفاية ، ولطافة الكلمة ، وطيب المؤانسة ، والمساعدة على الخيرات.

آداب الفقير

لزوم القناعة ، وكتمان الفاقة ، وترك البذالة والتضعضع ، وإلقاء الطمع ، وإيثار الصيانة ، وإظهار الكفاية لأهل المروءة من أهل الديانة ، وإجلال الأغنياء مع قلة الاستبشار لهم ، وإظهار الكفاية لهم مع الإياس منهم ، وترك الكبر عليهم ، مع نفي التذلل وحفظ القلب عند رؤيتهم ، والتمسك بالدين عند مشاهدتهم.

آداب المهدي

رؤية الفضل للمهدى إليه ، وإظهار السرور بالقبول منه لها ، والشكر عند رؤية المهدى إليه ، والاستقلال لها وإن كثرت.

آداب المهدى إليه

إظهار السرور بها وإن قلت ، والدعاء لصاحبها إذا غاب ، والبشاشة إذا حضر ، والمكافأة إذا قدر ، والثناء عليه إذا أمكن ، وترك الخضوع له ، والتحفظ من ذهاب الدين معه ، ونفي الطمع معه ثانيا.

آداب اصطناع المعروف

البداءة به قبل السؤال ، والمبادرة به عند الوعد ، والتوفير له عند العطاء ، والستر له بعد الأخذ ، وترك المنة بعد القبول ، والمداومة على اصطناعه ، والحذر من انقطاعه.

آداب الصيام

طيب الغذاء ، وترك المراء ، ومجانبة الغيبة ، ورفض الكذب ، وترك الأذى ، وصون الجوارح عن القبائح.

آداب الحج

آداب الطريق

طيب النفقة ، والإحسان إلى المكاري ، ومعاونة الرفقة والرفق بالمنقطع ، وبذل الزاد ، وحسن الخلق ، وطيب الكلمة ، والمزاح من غير معصية ، واختيار التعديل ، والاستبشار به عند رؤيته ، والإصغاء عند محادثته ، وقلة المماراة له عند ضجره ، والتغافل عن زلته ، والشكر له عند خدمته ، والتوصل إلى إيثاره ومساعدته.

٤١٠

آداب الإحرام

غسل الجسد ، ونظافة الإزارين ، وطيب الرائحة ، وتعاهد الجياع ، والتلبية بالهيبة ، ورفع الصوت بحلاوة الإجابة ، والطواف بتعظيم الحرمة ، والسعي بطلب الرضاء ، والوقوف بمشاهد القيامة ، وشهود المشعر برؤية الرحمة والحلق برؤية العتق ، والذبح برؤية الكفارة ، والرمي برؤية الطاعة ، وطواف الزيادة بمشاهدة المرور وهو من غير حد ، والرد بحقيقة الأسف ، والانصراف بمحبة الرجوع.

آداب دخول مكة

دخول الحرم بالتعظيم ، والنظر إلى مكة بالتحسر ، ورؤية المسجد بالتفضيل ، ونظر البيت بالتكبير والتهليل ، ودوام الطواف ، ومواصلة العمرة ، ودخول البيت بتعظيم الحرمة ، ودوام التوبة بعد دخوله.

آداب دخول المدينة

يدخلها بالوقار مع السكينة ، والمشاهدة لما كان فيها من الشريعة ، والنظر إليها بالعين الرفيعة ، ثم يأتي مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنبره كأنه مشاهد لصلاته وخطبته ، ثم يأتي قبره وكأنه ناظر إلى شخصه الكريم ، ومخاطبته مع خفض الصوت بحضرته كأنه معاين لجلسته ، فيبدؤه بالسلام ، ثم يسلم على ضجيعيه ، ويشاهد محبتهما له ، ومشيته بينهما ، وإقباله عليهما ، ويعاين هيبتهما له وإقبالهما عليه ، وإذا ودع القبر فلا يوليه الظهر.

آداب التاجر

لا يجلس في طريق المسلمين فيضيق عليهم ، ويستعمل غلاما كيسا لا يبخس في كيله ، ولا ينقص في وزنه ، يأمره بالرجحان ، وترك العجلة في الميزان ، يكون ميزان دراهمه في حدته كالطيار ، ومن اعتداله كالمعيار ، طويلة خيوطه دقيقة ذوائبه ، معبرة صنجاته ، معتدلة حباته ، يبتدئ كل يوم بمسح ميزانه ، ويتعاهد نقص أرطاله وصنجاته ، يأمر غلامه بالتوقف في كيله الأدهان ، وإذا وقف عليه شريف أكرمه ، أو جار فضله ، أو ضعيف رحمه ، أو غير هؤلاء أنصفه ، يبيع على قدر أسعاره ، إن نقص سعره زاد زبونه ، كما إنه إن زاد سعره نقص زبونه.

وتكون همته في جلوسه درس القرآن ، وغض الطرف عن المحارم والغلمان ، يشتري عرضه باليسير من سفيه يقف عليه ، ولا يرد السائل ، ولا يمنع البشر من النائل.

فإن كان هو المتولي لأمره كان ما يلزم غلامه هو أولى به ، ويشتري الأرطال والصنجات والمكيال من الثقات معبرات ، ويترك المدح للسلعة عند البيع ، والذم لها عند الشراء ، ويلزم الصدق عند الإخبار ، ويحذر الفحش عند المزايدة ، والكذب عند المحادثة ، ويقل الخوض مع أهل الأسواق ، ومداعبة الأحداث ويقصر في الخصومات.

٤١١

آداب الصيرفي

يعتقد الصحة ، ويؤدي الأمانة ، ويحذر الربا ، ويقرب النسيئة ، ولا ينفق الرديئة ، ويوفي الوزن ، ولا يعتقد الغش والغبن ، متفقدا لمعياره ، خائفا من نقصان صنجاته ومثاقيله.

آداب الصائغ

استعمال النصحية ، والاجتهاد في الجودة ، وقلة المطل ، ووفاء الوعد ، وترك التعدي في الأجرة.

آداب الأكل

غسل اليدين قبل الطعام وبعده ، والتسمية ، والأكل باليمين ومما يليه ، ويصغر اللقمة ، وإجادة المضغ ، وقلة النظر إلى وجوه الحاضرين ، ولا يأكل متكئا ولا يأكل فوق الشبع عند الجوع ، ويعتذر إذا شبع حتى لا يخجل الضيف أو من به حاجة ، ويأكل من جوانب القصعة ولا يأكل من ذروتها ، ويلعق الأصابع بعد الفراغ ، ويحمد الله ، ولا يذكر الموت عند الأكل لئلا ينغص على الحاضرين.

آداب الشرب

ينظر في إنائه قبل شربه ، ويسمي الله تعالى قبله ، ويحمده بعده ، ويمصه مصّا ، ولا يعبه عبّا ، ويتنفس في شربه ثلاثا ، ويتبعه بالتحميد ، ويرد بالتسمية ، ولا يشرب قائما ، ويناول من كان على يمينه إن كان معه غيره.

آداب الرجل إذا أراد النكاح

يطلب الدّين ، ثم بعده الجمال والمال إن أراده ، ولا يشارط على ما يأتيه ، ولا يضمره ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، ولا يأذن في إملاكه وعرسه بما يباعده من ربه ويزريه ، ولا يجلس في خلواته حيث يرى غيره حرمته ، ولا يقبلها بين أهله ، ويبدؤها إذا خلا في سؤاله ، ولا يكون سفيره كذابا ، ولا المخبر له نماما بل من خاصتها ، ويسأله عن دينها ومواظبتها على صلاتها ، ومراعاتها لصيامها ، وعن حيائها ونظافتها ، وحسن ألفاظها وقبحها ، ولزوم بيتها ، وبرها بوالديها ، ويتلطف قبل العقد في النظر إليها ، وبعده بما يبلغها بالكلام الجميل. ويبحث عن خصال والدها ودينه ، وحال والدتها ودينها وأعمالها.

آداب المرأة إذا خطبها الرجل

تأمر من تأمن به من أهلها إن كان صدوقا أن يسأل عن مذهب الخاطب ودينه واعتقاده ومروءته في نفسه وصدقه في وعده ، وتنظر من أقرباؤه ، ومن يغشاه في بيته ، وعن مواظبته على صلواته وجماعته ، ونصيحته في تجارته وصنعته ، ويكون رغبتها في دينه دون ماله ، أو في سيرته دون شهرته ، تعزم معه على القناعة وتكون لأوامره مطيعة ، فهو آكد للألفة ، وأثبت للمودة.

٤١٢

آداب الجماع

طيب الرائحة ، ولطافة الكلمة ، وإظهار المودة ، وتقبيل الشهوة ، والتزام المحبة ، ثم التسمية ، وترك النظر إلى الفرج ، فإنه يورث العمى ، والستر تحت الإزار ، وترك استقبال القبلة.

آداب الرجل مع الزوجة

حسن العشرة ، ولطافة الكلمة ، وإظهار المودة ، والبسط في الخلوة ، والتغافل عن الزلة ، وإقالة العثرة ، وصيانة عرضها ، وقلة مجادلتها ، وبذل المئونة بلا بخل لها ، وإكرام أهلها ، ودوام الوعد الجميل ، وشدة الغيرة عليها.

آداب المرأة مع زوجها

دوام الحياء منه ، وقلة المماراة له ، ولزوم الطاعة لأمره ، والسكون عند كلامه ، والحفظ له في غيبته ، وترك الخيانة في ماله ، وطيب الرائحة ، وتعهد الفم ونظافة الثوب ، وإظهار القناعة ، واستعمال الشفقة ، ودوام الزينة ، وإكرام أهله وقرابته ، ورؤية حاله بالفضل ، وقبول فعله بالشكر ، وإظهار الحب له عند القرب منه ، وإظهار السرور عند الرؤية له.

آداب الرجل في نفسه

لزوم الجمعة والجماعة ، ونظافة الملبس ، وإدامة السواك ، ولا يلبس المشهور ولا المحقور ، ولا يطيل ثيابه تكبرا ، ولا يقصرها تمسكنا ، ولا يكثر التلفت في مشيته ، ولا ينظر إلى غير حرمته ، ولا يبصق في حال محادثته ، ولا يكثر القعود على باب داره مع جيرانه ، ولا يكثر لإخوانه الحديث عن زوجته وما في بيته.

آداب المرأة في نفسه

أن تكون لازمة لمنزلها ، قاعدة في قعر بيتها ، ولا تكثر صعودها ولا اطلاعها الكلام لجيرانها ، ولا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول ، تسر بعلها في نظره ، وتحفظه في غيبته ، ولا تخرج من بيتها وإن خرجت فمتخبئة ، تطلب المواضع الخالية ، مصونة في حاجاتها ، بل تتناكر ممن يعرفها ، همتها إصلاح نفسها ، وتدبير بيتها ، مقبلة على صلاتها وصومها ، ناظرة في عيبها ، متفكرة في دينها ، مديمة صمتها ، غاضة طرفها ، مراقبة لربها ، كثيرة الذكر له ، طائعة لبعلها ، تحثه على طلبه الحلال ، ولا تطلب منه الكثير من النوال ، ظاهرة الحياء ، قليلة الخناء ، صبور شكور ، مؤثرة في نفسها ، مواسية من حالها وقوتها. وإذا استأذن بابها صديق لبعلها ، وليس بعلها حاضرا ، لم تستفهمه ، ولا في الكلام تعاوده ، غيرة منها على نفسها وبعلها منه.

آداب الاستئذان

المشي بجانب الجدار ، ولا يقابل الباب ، والتسبيح والتحميد قبل الدق ، والسلام بعده ، وترك السمع إلى من في المنزل ، واستئذان بعد السلام ، فإن أذن له وإلا رجع ولم يقف ، ولا

٤١٣

يقول : أنا ، بل يقول : فلان ، إذا استفهم.

آداب الجلوس على الطريق

غض البصر ، ونصر المظلوم ، وإغاثة الملهوف ، وإعانة الضعيف ، وإرشاد الضال ، ورد السلام ، وإعطاء السائل ، وترك التلفت ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللطف ، فإن أصر فبالرهبة والعنف ، ولا يصغي إلى الساعي إلا ببينة ، ولا يتجسس ، ولا يظن بالناس إلا خيرا.

آداب المعاشرة

إذا دخل مجلسا أو جماعة سلم وجلس حيث امتنع وترك التخطي ، وخص بالسلام من قرب منه إذا جلس ، وإن بلي بمجالسة العامة ترك الخوض معهم ، ولا يصغي إلى أراجيفهم ، ويتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم ، ويقل اللقاء لهم إلا عند الحاجة ، ولا يستصغر أحدا من الناس فيهلك ، ولا يدري لعله خير منه ، وأطوع لله منه ؛ ولا ينظر إليهم بعين التعظيم في دنياهم ؛ لأن الدنيا صغيرة عند الله ، صغير ما فيها ، ولا يعظم قدر الدنيا في نفسه ، فيعظم أهلها لأجلها ، فيسقط من عين الله ؛ ولا يبذل لهم دينه ، لينال من دنياهم ، فيصغر في أعينهم ؛ ولا يعاديهم ، فتظهر لهم العداوة ، ولا يطيق ذلك ولا يصبر عليه إلا أن تكون معاداة في الله عزوجل ، فيعادي أفعالهم القبيحة ، وينظر إليهم بعين الشفقة والرحمة ، ولا يستكثر إليهم في مودتهم له ، وإكرامهم إياه ، وحسن بشاشتهم في وجهه ، وثنائهم عليه ، فإنه من طلب حقيقة لك لم يجده إلا في الأقل ، وإن سكن إليهم وكله الحق إليهم فهلك ، ولا يطمع أن يكونوا له في الغيب كما هم له في العلانية ، فإنه لا يجد ذلك أبدا ، ولا يطمع فيما في أيديهم فيذل لهم ، ويذهب دينه معهم ، ولا يتكبر عليهم ، وإذا سأل أحدا منهم حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد ، وإن لم يقضها فلا يذمه فيكتسب عداوته ، ولا يعظ أحدا منهم إلا أن يرى فيه أثر القبول ، وإلا عاداه ولم يسمع منه.

وإذا رأى منهم خيرا أو كرامة أو ثناء فليرجع بذلك إلى الله عزوجل ، ويحمده ويسأله أنه لا يكله إليهم. وإذا رأى منهم شرّا أو كلاما قبيحا أو غيبة أو شيئا يكرهه ، فليكل الأمر إلى الله تعالى ، ويستعيذ به من شرهم ، ويستعينه عليهم. ولا يعاتبهم ، فإنه لا يجد عندهم للعتاب موضعا ، ويصيرون له أعداء ، ولا يشفي غيظه ، بل يتوب إلى الله تعالى من الذنب الذي به سلطهم عليه ، ويستغفر الله منه ، وليكن سميعا لحقهم أصم عن باطلهم.

آداب الولد مع والديه

يسمع كلامهما ، ويقوم لقيامهما ، ويمتثل لأمرهما ، ويلي دعوتهما ، ويخفض لهما جناح الذل

٤١٤

من الرحمة ولا يبرمهما بالإلحاح ، ولا يمن عليهما بالبر لهما ، ولا بالقيام بأمرهما ، ولا ينظر إليهما شزرا ولا يعصي لهما أمرا.

آداب الوالد مع أولاده

يعينهم على بره. ولا يكلفهم من البر فوق طاقتهم ، ولا يلح عليهم في وقت ضجرهم ولا يمنعهم من طاعة ربهم ، ولا يمن عليهم بتربيتهم.

آداب الإخوان

الاستبشار بهم عند اللقاء ، والابتداء بالسلام ، والمؤانسة والتوسعة عند الجلوس ، والتشييع عند القيام ، والإنصات عند الكلام. وتكره المجادلة في المقال. وحسن القول للحكايات ، وترك الجواب عند انقضاء الخطاب ، والنداء بأحب الأسماء.

آداب الجار

ابتداؤه بالسلام ، ولا يطيل معه الكلام ، ولا يكثر عليه السؤال ، ويعوده في مرضه ، ويعزيه في مصيبته ، ويهنيه في فرحه ، ويتلطف لولده وعبده في الكلام ، ويصفح عن زلته ، ومعاتبته برفق عند هفوته ، ويغض عن حرمته ، ويعينه عند صرخته ، ولا يديم النظر إلى خادمته.

آداب السيد مع عبده

لا يكلفه ما لا يطيق من خدمته ، ويرفق به عند ضجره ، ولا يكثر ضربه ، ولا يديم سبه فيجرأ عليه ، ويفصح عن زلته ، ويقبل معذرته ، وإذا أصلح له طعاما أجلسه معه على مائدته ، أو أعطاه لقما من طعامه.

آداب العبد مع سيده

يأتمر لأمره ، وينصحه في غيبته ، ويبذل له خدمته ، ويحفظه في حرمته ، ويرق على ولده ، ولا يخونه في ماله.

آداب السلطان مع الرعية

استعمال الرفق ، وترك التعنيف ، والفكر قبل الأمر ، وترك التكبر على الخاصة مع منع العدوان منهم ، والتودد إلى العامة مع مزج الرهبة لهم ، والتطلع على أمور الحاشية ، واستعمال المروءة مع أهل العلم ، والتوسعة عليهم وعلى الأصحاب والأقارب ، والرفق في الجناية ، ودوام الحماية.

آداب الرعية مع السلطان

قلة الغشيان لبابه ، وترك الاستعانة به إلا لشيء يلزم أمره ، ودوام الهيبة له وإن كان ذا رفق ، وترك الاستجراء عليه وإن كان ذا لين ، وقلة السؤال وإن كان مجيبا ، والدعاء له إذا ظهر ،

٤١٥

وترك الكلام فيه والإنشاد إذا غاب.

آداب القاضي

إدمان السكوت ، واستعمال الوقار ، وهدوء الجوارح ، ومنع الحاشية من الفساد والطغيان ، والرفق بالأرامل ، والاحتياط لليتيم ، والتوقف في الجواب ، والرفق بالخصوم ، ومنع الميل إلى أحد الخصمين ، والموعظة للمخالف ، ودوام اللجإ إلى الله في صواب القضاء.

آداب الشاهد

استشعار الأمانة ، وترك الخيانة ، والتثبت في الشهادة ، والتحفظ من النسيان ، وقلة المجادلة للسلطان.

آداب الجهاد

صدق النية ، والغيرة لله تعالى ، وبذل المجهود ، والسخاء بالمهجة ، ونفي شهوة الرجوع ، والقصد في أن تكون كلمة الله هي العليا ، وترك الغلول ، وقضاء دينه قبل الخروج ، واستصحاب ذكر الله عند القتال وفي كل حال.

آداب الأسير

لا يؤمل فرجا من غير الله تعالى ، ولا يذل نفسه في معصية الله تعالى ، ولا ييأس من روح الله تعالى ، ويجمع همه بين يدي الله تعالى ، ويعلم أنه بعين الله ، ولا ينبسط في مال العدو بما لا يبيحه الله ، ولا يفزع إلى غير الله تعالى.

آداب جامعة

قال بعض الحكماء :

من الأدب : الق صديقك وعدوك بوجه الرضاء من غير ذلة لهم ، ولا هيبة منهم ، وتوقر من غير كبر ، وكن في جميع أمورك في أوساطها ، ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفات ، ولا تقف على الجماعات ، وإذا جلست فترفع وتحذر من تشبيك أصابعك ، والعبث بخاتمك ، وتخليل أسنانك ، وإدخال يدك في أنفك ، وطرد الذباب عن وجهك ، وكثرة التمطي والتثاؤب. وليكن مجلسك هادئا ، وكلامك مقسوما ، واصغ إلى الكلام الحسن ممن يحدثك ، بغير إظهار عجب منك ولا مسكنة ولا إعادة ، وغض عن المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ، ولا تتصنع كما تتصنع المرأة ، ولا تتبذل كما يتبذل العبد.

وكن معتدلا في جميع أمورك ، وتوقّ كثرة الكحل والإسراف في الدهن ، ولا تلح في الحكايات.

٤١٦

ولا تعلم أهلك وولدك ، فضلا عن غيرهم ، عن مالك ؛ فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم ، وإن رأوه كثيرا لم تبلغ إلى رضاهم ؛ وأحبهم من غير عنف ، ولن لهم من غير ضعف.

وإذا خاصمت فتوفر ، وتفكر في حجتك ، ولا تكثر الإشارة بيدك ، ولا تجث على ركبتيك ، وإذا هدأ غضبك فتكلم.

وإن بليت بصحبة السلطان فكن منه على حذر ، ولا تأمن من انقلابه عليك ، وارفق به رفقك بالصبي ، وكلمه بما يشاء ، وإياك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه ولو كان مستمعا لذلك.

وإياك وصديق العافية ، فإنه أحد الأعداء لك. ولا تجعل مالك أكرم عليك من عرضك.

وإياك وكثرة البصاق بين الناس ، فإن صاحبه ينسب إلى التأنيث ، ولا تظهر لصديقك كل ما يؤذيك فإنه متى رأى منك وقعة أعقبك العداوة.

ولا تمازح لبيبا فيحقد عليك ، ولا سفيها فيجترئ عليك ؛ لأن المزاح يخرق الهيبة ، ويسقط المنزلة ، ويذهب ماء الوجه ، ويعقب الحزن ، ويزيل حلاوة الود ، ويشين فقه الفقيه ، ويجرئ السفيه ، ويميت القلب ، ويباعد من الرب ، ويعقب الذم ، ويفسخ العزم ، ويظلم السرائر ، ويميت الخواطر ، ويكثر الذنوب ، ويبين العيوب.

نسأل الله تعالى أن يهدينا فيمن هدى ، ويعافينا فيمن عافى ويتولانا فيمن تولى ، ويبارك لنا فيما أعطى ، ويقينا شرّ ما قضى ، فإنه لا راد لما قضى ، ولا يعزّ من عادى ، ولا يذلّ من والي.

تبارك ربنا وتعالى ، نستغفره ونتوب إليه ، ونسأله أن يصلي بأفضل الصلوات كلها على عبده المصطفى ، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ، وسلم تسليما كثيرا.

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، آمين.

٤١٧

كيمياء السعادة

٤١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي أصعد قوالب الأصفياء بالمجاهدة ، وأسعد قلوب الأولياء بالمشاهدة ، وحلى ألسنة المؤمنين بالذكر ، وجلى خواطر العارفين بالفكر ، وحرس سواد العباد عن الفساد ، وحبس مراد الزهاد على السداد ، وخلص أشباح المتقين من ظلم الشهوات ، وصفى أرواح الموقنين عن ظلم الشبهات ، وقبل أعمال الأخيار بأداء الصلوات ، وأيّد خصال الأحرار بأسدّ الصّلات.

أحمده حمد من رأى آيات قدرته وقوته ، وشاهد الشواهد من فردانيته ووحدانيته ، وطرق طوارق سرّه وبرّه ، وقطف ثمار معرفته من شجر مجده وجوده ، وأشكره شكر من اخترق واغترف من نهر فضله وإفضاله.

وأومن به إيمان من آمن بكتابه وخطابه وأنبيائه وأصفيائه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه لأصلاب الفسقة والفجرة قاصما ، ولعرى الجاحدين والمارقين فاصما ، ولباغي الشك والشرك قاهرا ، ولأتباع الحق والإحسان ناصرا ؛ فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عنوان معرفة النفس

اعلم أن الكيمياء الظاهرية لا تكون في خزائن العوام وإنما تكون في خزائن الملوك ، فكذلك كيمياء السعادة لا تكون إلا في خزائن الله سبحانه وتعالى ؛ ففي السماء جواهر الملائكة ، وفي الأرض قلوب الأولياء العارفين ، فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة النبوة فقد أخطأ الطريق ، ويكون عمله كالدينار البهرج ، فيظن في نفسه أنه غني وهو مفلس في القيامة كما قال سبحانه وتعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢] ومن رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده أن أرسل إليهم مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي يعلمون الناس نسخة الكيمياء ، ويعلمونهم كيف يجعلون القلب في كور المجاهدة ، وكيف يطهرون القلب من الأخلاق المذمومة ، وكيف يؤدونه لطرق الصفاء كما قال سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة : ٢] أي يطهرهم من الأخلاق المذمومة ومن صفات البهائم ، ويجعل صفات الملائكة لباسهم وحليتهم.

ومقصود هذه الكيمياء أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى منه ، وكل ما يكون من صفات الكمال يلبسه ، وسر هذه الكيمياء أن ترجع من الدنيا إلى الله كما قال سبحانه وتعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] وفضل هذه الكيمياء طويل.

٤١٩

فصل في معرفة النفس

اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس كما قال سبحانه وتعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت : ٥٣] وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» وليس شيء أقرب إليك من نفسك ، فإذا لم تعرف نفسك فكيف تعرف ربك؟

فإن قلت إني أعرف نفسي ، فإنما تعرف الجسم الظاهر الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة ، ولا تعرف ما في باطنك من الأمر الذي به إذا غضبت طلبت الخصومة ، وإذا اشتهيت طلبت النكاح ، وإذا جعت طلبت الأكل ، وإذا عطشت طلبت الشرب ؛ والدواب تشاركك في هذه الأمور ، فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة حتى تدري أي شيء أنت ، ومن أين جئت إلى هذا المكان ، ولأي شيء خلقت ، وبأي شيء سعادتك ، وبأي شيء شقاؤك.

وقد جمعت في باطنك صفات ، منها صفات البهائم ، ومنها صفات السباع ، ومنها صفات الملائكة ؛ فالروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك وعارية عندك ، فالواجب عليك أن تعرف هذا ، وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة ؛ فإن سعادة البهائم في الأكل والشرب والنوم والنكاح ، فإن كنت منهم فاجتهد في إعمال الجوف والفرج. وسعادة السباع في الضرب والفتك ، وسعادة الشياطين في المكر والشر والحيل ، فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم. وسعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية وليس للغضب والشهوة إليهم طريق ، فإن كنت من جوهر الملائكة فاجتهد في معرفة أصلك حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية ، وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال ، وتخلص نفسك من قيد الشهوة والغضب ، وتعلم أن هذه الصفات لأي شيء ركبت فيك ، فما خلقها الله تعالى لتكون أسيرها ولكن خلقها حتى تكون أسراك ، وتسخرها للسفر الذي قدامك ، وتجعل إحداها مركبك والأخرى سلاحك حتى تصيد بها سعادتك ، فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك ، وارجع إلى مكان سعادتك ، وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية ، وقرار العوام درجات الجنة ، فتحتاج إلى معرفة هذه المعاني حتى تعرف من نفسك شيئا قليلا ، فكل من لم يعرف هذه المعاني فنصيبه من القشور ، لأن الحق يكون عنه محجوبا.

فصل

إذا شئت أن تعرف نفسك فاعلم أنك من شيئين : الأول هذا القلب ، والثاني يسمى النفس والروح. والنفس هو القلب الذي تعرفه بعين الباطن. وحقيقتك الباطن ؛ لأن الجسد أول وهو الآخر والنفس آخر وهو الأول ؛ ويسمى قلبا ، وليس القلب هذه القطعة اللحمية التي في الصدر من الجانب الأيسر ، لأنه يكون في الدواب والموتى ، وكل شيء تبصره بعين الظاهر فهو من هذا العالم الذي يسمى عالم الشهادة ، وأما حقيقة القلب فليس من هذا العالم ، لكنه من عالم الغيب فهو في هذا العالم غريب ،

٤٢٠