على ترتيبها كما سبق فليس في هذا ما يناقضه ، وإن أريد بها أمرا آخر فليس يجب له عندنا من الحكم إلا ما ذكرناه ، وما وراء ذلك لفظ لا معنى له.
فإن قيل فيؤدي إلى أن يكون ظالما وقد قال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) قلنا : الظلم منفي عنه بطريق السلب المحض كما تسلب الغفلة عن الجدار والعبث عن الريح ، فإن الظلم إنما يتصور ممن يمكن أن يصادف فعله ملك غيره ، ولا يتصور ذلك في حق الله تعالى أو يمكن أن يكون عليه أمر فيخالف فعله أمر غيره ، ولا يتصور من الانسان أن يكون ظالما لما في ملك نفسه بكل ما يفعله إلا إذا خالف أمر الشرع فيكون ظالما بهذا المعنى ، فمن لا يتصور منه أن يتصرف في ملك غيره ولا يتصور منه أن يكون تحت أمر غيره كان الظلم مسلوبا عنه لفقد شرطه المصحح له لا لفقده في نفسه ، فلتفهم هذه الدقيقة فانها مزلة القدم ، فإن فسر الظلم بمعنى سوى ذلك فهو غير مفهوم ولا يتكلم فيه بنفي ولا إثبات.
الدعوى الرابعة :
ندعي أنه لا يجب عليه رعاية الأصلح لعباده ، بل له أن يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، خلافا للمعتزلة فإنهم حجروا على الله تعالى في أفعاله وأوجبوا عليه رعاية الأصلح. ويدل على بطلان ذلك ما دل على نفي الوجوب على الله تعالى كما سبق وتدل عليه المشاهدة والوجود ، فإنا نريهم من أفعال الله تعالى ما يلزمهم الاعتراف به بأنه لا صلاح للعبيد فيه ، فإنا نفرض ثلاثة أطفال مات أحدهم وهو مسلم في الصبا ، وبلغ الآخر وأسلم ومات مسلما بالغا ، وبلغ الثالث كافرا ومات على الكفر ، فإن العدل عندهم أن يخلد الكافر البالغ في النار ، وأن يكون للبالغ المسلم في الجنة رتبة فوق رتبة الصبي المسلم ، فاذا قال الصبي المسلم : يا رب لم حططت رتبتي عن رتبته؟
__________________
(١) سورة فصلت الآية : ٤٦.