معجم قرى جبل عامل - ج ٢

الشيخ سليمان ظاهر

معجم قرى جبل عامل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ سليمان ظاهر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (ع) للبحوث في تراث علماء جبل عامل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

أطلقت على النير وزوج من البقر للفلاحة ، ثم مساحة ما يفلحه زوج البقر» (١)؟

موقعها : ترتفع ٤٥٠ مترا عن سطح البحر ، من أعمال قضاء النبطية ، على مسافة ٥ كلم منها جنوبا. مساحة أراضيها ٥٥٥ هكتارا والمستثمر منها حوالي ٢٣٠ فدانا.

فيها مجلس اختياري ، ومدرسة رسمية ، ومدرسة خاصة ، ونادي ثقافي رياضي ، وجمعية خيرية. وفيها نهضة ثقافية وعمرانية.

قدر العنداري عدد سكانها سنة ١٩٧١ م ب ١٣٠٥ نسمات (٢) ، وقدرهم مرهج نفس العام ب ٢٥٠٠ نسمة (٣) ، وقدرهم علي فاعور سنة ١٩٨١ م ب ٢٣٧٤ نسمة (٤) ويقدر عددهم اليوم بأكثر من ٢٥٠٠ نسمة.

إنتاجها الزراعي : تبغ (تراجعت زراعته بسبب الحرب الأهلية) وحبوب ، وخضار بالبيوت البلاستيكية. مصادر مياهها مشروع نبع الطاسة.

الميه وميه [Il ـ Miyi ـ u ـ Miyi]

وقد تكتب متصلة ؛ بميم مكسورة ومثناة تحتية مشددة مفتوحة بعدها هاء ، من الجزء الأول وهكذا ضبط الجزء الثاني ، ومعناها بالسريانية مكان الماء (٥).

كانت مقتسمة في خراجها بين لبنان القديم وولاية بيروت. تقوم على منبسط في هضبة من هضاب ساحل صيدا الجنوبية ، تشرف على كثير من قرى الجنوب والشمال والشرق اللبنانية وغربا على البحر.

__________________

(١) أنيس فريحة ، ص ١٧٨.

(٢) دليل المدن والقرى اللبنانية قضاء النبطية ، رقمها ٤٩.

(٣) اعرف لبنان ، ٩ : ٤٤٤.

(٤) مجلة الباحث ، ص ٤٧.

(٥) إبراهيم الأسود : دليل لبنان ، ص ٤٢١.

٣٢١

من أعمال مركز صيدا ، وهي منها جنوبا على بعد ساعة يصلها بها طريق معبد وفيها مدرسة فخمة صقيلة البنيان داخلية راقية للمرسلين الأميركان (١) ومستشفى. يزيد عدد سكانها من مختلف الملل المسيحيية على الألف.

أصل الإسم : «تحريف السريانيةMayya We mayye ماء وماء (أكثر من نبع ماء» (٢) ، ويقال أن الإسم جاء من لفظ مومياء نسبة إلى الآثار التي اكتشفت في البلدة ، ثم حرفت اللفظة واصبحت الميه وميه (٣).

موقعها : ترتفع ١٥٠ مترا عن سطح البحر ، من أعمال قضاء صيدا ، على مسافة ٥ كلم منها جنوبا شرقيا. مساحة أراضيها ٢٣٨ هكتارا.

شيء من تاريخها : في البلدة آثار كثيرة ، منها نواويس صخرية. وفي المتحف الوطني اللبناني مجموعة من الآثار من الميه وميه (مجموعة فورد).

فيها مجلس بلدي أنشئ سنة ١٩٦١ ومجلس اختياري. ومدرسة رسمية ، وثانوية خاصة الانجيلية (عين الحلوة) ، ونادي رياضي (نادي العرين).

وبالقرب منها (إلى الغرب) مخيم كبير للاجئين الفلسطينيين.

قدر العنداري عدد سكانها سنة ١٩٧١ ب ٢٦٥٩ نسمة (٤) ، وقدرهم مرهج نفس العام ب ٣٠٠٠ نسمة (٥) وقدرهم علي فاعور سنة ١٩٨١ م ب ٤٤٧٦ نسمة (٦). ويقدر عددهم اليوم بأربعة آلاف نسمة.

__________________

(١) ميتم

(٢) أنيس فريحة ، ص ١٧٨.

(٣) اعرف لبنان ، ٩ : ٤٥١.

(٤) دليل المدن والقرى اللبنانية قضاء صيدا ، رقمها ٧٦.

(٥) اعرف لبنان ، ٩ : ٤٥١.

(٦) مجلة الباحث ، ص ٣٨.

٣٢٢

إنتاجها الزراعي : زيتون ، وعنب وحبوب. مصادر مياهها : مشروع نبع الطاسة.

الناقورة : [In ـ Naqurah]

بقاف مثناة فوقية. وقد ورد اسم النواقير جمعا في سيرة صلاح الدين لابن شداد ، قال في حوادث سنة ٥٨٤ ه‍ : «ثم بلغنا بعد ذلك أن الافرنج بصور مع الملك قد ساروا نحو النواقير يريدون جهة عكا ، وأن بعضهم نزل بالاسكندرونة وجرى بينهم وبين رجالة المسلمين مناوشة» (١).

ولم يذكر الناقورة مفردة كما ذكر الإسكندرونة ، وهي منها إلى الشمال على بعد نصف ساعة تقريبا ، ولعل هذه البقعة التي تقوم فيها الناقورة كانت تسمى النواقير ، وأن الناقورة لم تكن عامرة في عهد ابن شداد.

وكأنها مأخوذة من نقرة (كفرحة) وهي كل أرض متصوبة في هبطة.

الناقورة : قرية من قرى الشعب ، كانت عملا لعلما قاعدة ناحيتها ، وبعد إلغائها ألحقت بمركز صور ، وهي منها إلى الجنوب على بعد ثلاث ساعات تقوم في هضاب بياضة الناقورة من هضاب ساحل البحر ، وإلى غربيها البحر ، على مسافة أقل من نصف كيلومتر ، وفيها بساتين مثمرة إلى الغرب منها تسقى من جدول ماء ، ويقام هناك بناء قرب الجدول جميل ، ومستودع للبترول والبنزين قديم البناء ، وكأنه كان مخفرا للصليبيين.

يملكها إلا القليل الوجيه فؤاد سعد من وجهاء فلسطين ، ويكثر فيها شجر الخرنوب ، ولأهلها منه مورد لا يستهان به.

يمر غربيها الطريق المعبد بين صور وعكا ، وإلى جنوبها يقوم مخفر

__________________

(١) ابن شداد : النوادر السلطانية (حوادث سنة ٥٨٥ ه‍ / ١١٩٠ م) ، ص ١٠٣.

٣٢٣

لبناني وجنوبيه مخفر فلسطين لمراقبة الذاهبين إلى لبنان وفلسطين والآيبين منها.

يبلغ عدد سكانها المسلمين الشيعيين (٢٥٠).

أصل الإسم : في السريانية «naqura : حفّار.nqura : نقب وحفر ، ولا شك أن المكان سمي من حفر الطريق أو ثقبها في صخر ناتئ. أما اسم المكان في التلمود فهو sullema ـ d ـ sur سلّم صور ، وسماه الفرنجةJadder of tyre منقر (١).

وقد يكون الإسم عربيا من نقر : حفر. والنقرة : حفرة في الأرض صغيرة ليست بكبيرة. والوحدة المستديرة من الأرض (٢).

موقعها : ترتفع ٥٠ مترا عن سطح البحر ، من أعمال قضاء صور ، على مسافة ٢٢ كلم منها جنوبا.

شيء من تاريخها : ورد اسمها النواقير (جمع نقيرة : المنقورة) ، في حوادث سنة ٥٨٥ ه‍ / ١١٩٠ م في كتب التاريخ العربية ؛ وذكرها ياقوت بهذا الإسم فقال : «النواقير : بلفظ جمع التنقيرة ، وقد تقدم ، وأصله النواقر فاشبعت الكسرة حتى صارت باء : وهي فرجة في جبل بين عكة وصور على ساحل بحر الشام ، زعموا أن الإسكندر أراد السير على طريق الساحل إلى مصر أو من مصر إلى العراق فقيل له إن هذا الجبل محيل بينك وبين الساحل فتحتاج أن تدوره ، فأمر بنقر ذلك الجبل وإصلاح الطريق فيه فلذلك سمي بالنواقير» (٣).

وفي المنطقة القريبة من الناقورة آثار قديمة ، كآثار أم العمد ، وأم الرب

__________________

(١) أنيس فريحة ، ص ١٧٩.

(٢) لسان العرب ، ٥ : ٢٢٩.

(٣) معجم البلدان ٥ : ٣٠٦.

٣٢٤

وغيرها. ولكن يبدو أن القرية نشأت بعد الحروب الصليبية ، ولا نستطيع التكهن بتاريخها.

وعلى ساحل البحر مغارة عميقة لا يعرف قرارها. وتعرف القرية أيضا ببياضة الناقورة لأنها في مكان أبيض التربة (كلسي).

فيها مجلس بلدي أنشئ سنة ١٩٦١ ، ومجلس اختياري ، ومدرسة رسمية. وفيها مركز (مراقبي الهدنة بين لبنان وفلسطين. وفيها اليوم مركز لقوات الطوارئ الدولية.

قدر العنداري عدد سكانها سنة ١٩٧١ م ب ١٠١٥ نسمة (١) ، وقدرهم مرهج نفس العام ب ١٠٥٠ نسمة (٢) ، وقدرهم علي فاعور سنة ١٩٨١ م ب ١٧٧٧ نسمة مع سكان اللبونة وام الرب ، ويقدر عدد سكانها اليوم بحوالي ١٤٠٠ نسمة.

إنتاجها الزراعي : حمضيات وخضار وحبوب.

مصادر مياهها : مشروع رأس العين ، ونبع الناقورة ، وآبار ارتوازية.

النبطية : [In ـ Nabatiye]

النبطية (نون ، وموحدة تحتية مفتوحتان ، وطاء مهملة مكسورة ، ومثناة تحتية مشددة مفتوحة ، بعدها هاء).

وهي نسبة إلى نبط بفتحتين وهو جيل من الناس كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين ، وقامت لهم مملكة بترا في جنوبي شرقي الأردن ، والجمع انباط والنسبة إلى النبطية نبطي ونباطي مثل يمني ويماني.

__________________

(١) دليل المدن والقرى اللبنانية ، قضاء صور رقمها ٩١.

(٢) اعرف لبنان ، ٩ : ٤٦٤.

٣٢٥

ولم أقف على سبب هذه النسبة مع كثرة البحث والتنقيب ، وأذكر بهذه المناسبة تفضل حضرة العالم اللغوي الأديب الكبير المحقق الشاعر الأستاذ أمين ظاهر خير الله الشويري المعروف ـ عليّ بزيارتي في داري منذ سبع سنين (١) ، وأنا متوعك الصحة وتلطف مع زيارته لي التي لا أزال أذكرها له بوافر المنة والشكر بارتجال هذه الأبيات التي أدونها هنا مراعاة لاستبعاد النسبة ، واسجالا لفضل الشاعر الكريم ، قال حفظه الله :

يا بلدة جنفا تنمى إلى نبط

إذ أهلها خيرة العرب الا ماجيد

شيوخها إن دعا الداعي لمكرمة

هبوا سراعا نظير الفتية الصيد

والفتية الصيد فيها كالشيوخ حجى

في السير في منهج هاد ومحمود

فيها سليمان قاض صيته أرج

وشعره نفحات المسك والعود

كأنه جعفر في فيض عارفة

أو ابن جعفر في العرفان والجود

تروى عدالته في كل مشكلة

يحلها قول حق غير مردود

ان ابن ظاهر في حزم ومعدلة

ضاهى قضاء سليمان بن داود

زرنا حماه دجى إذ أنه قمر

يجلو الظلام ويحبو خير مقصود

أما النبطية فهي اسم لبلدين متجاورين يكادان اليوم يتصلان في الأبنية المستجدة. وتسمى أولاهما النبطية الفوقا في هذه الأيام ، وكانت في عهد العلامة البحراني (٢) تسمى النبطية العليا.

هي إلى الشرق الجنوبي من الثانية على بعد أقل من نصف ساعة ، وإذا استمر البناء المتجدد من البلدين على حاله الحاضرة فإنهما يصبحان بلدا واحدا ، وتصبح العليا حيا من أحياء السفلى ، تبلغ نفوسها زهاء ٥٨٠٠ خرج منها غير واحد من العلماء وهي مقر فرع من أسرة نور الدين المعروفة بالعلم

__________________

(١) سنة ١٩٢٧ م.

(٢) كشكول البحراني ، ١ : ٤٢٩.

٣٢٦

وشرف النسب ، ومنها العلامة المرحوم السيد محمد نور الدين المتوفى سنة ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٧ م وهو الذي جدد مدرسة آبائه فيها ، وكان له الفضل في تخريج كثير من الفضلاء ، وفيها في هذه الأيام العلامة السيد عبد الحسين نور الدين ، ومن الأطباء علي جواد عندور.

وثانيهما تسمى النبطية التحتا ، وكانت تسمى النبطية السفلى (١) ، وهذه الثانية هي قاعدة الشقيف قديما ، وهي اليوم حاضرة جبل عامل.

وتبلغ نفوسها زهاء ٤٦٠٠ نفس قبل الحرب ، وهي قاعدة جبل عامل ، وعليها رواء المدن ومسحة العمران ، وموقعها المتوسط بين أمهات القرى العاملية ، يربطها بمدن الساحل وبحاصبيا وطبريا ومرجعيون وغيرها من المدن الداخلية طريق العجلات ، وسوقها العامة جعلت لتجارتها المقام الأول في جبل عامل ، وتقدر تجارتها المنوعة في العام بما لا يقل عن مليون ليرة سورية ، ولو وصلتها الطرق المعبدة بالقسم الجنوبي من جبل عامل وبقضاء جزين وبسوريا على طريق القنيطرة ، لزادت تجارتها اتساعا ، ولو ارتفعت حكومتها إلى قضاء ، وجر إليها الماء ، وتحقق مشروع جره إليها ، وهو المشروع العمراني الذي يعنى به اليوم يوسف بك الزين ، لمشت إلى العمران بخطى واسعة ولأصبحت مصيفا لا يفضله كثير من مصايف لبنان ، ولقلت منها الهجرة التي كادت تخليها من الأيدي العاملة. ولأهلها ولوع بزراعة التبغ التركي ، وأول من أدخله إليها الميرزا إبراهيم الإيراني ، وعنها أخذت زراعته القرى العاملية التي تعنى بزراعته في هذه الأيام.

أما تاريخها العلمي القديم فيمتد إلى عصر ازدهار العلم في جبل عامل ، وإليها ينسب كثير من رجال العلم ، ومنهم الشيخ علي بن يونس النبياضي النباطي صاحب التآليف المفيدة وفيها رمسه. وأما تاريخها العلمي

__________________

(١) كشكول البحراني ، ١ : ٤٢٩.

٣٢٧

الجديد فيبتدئ من سنة ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٨٣ م ، وأول مدرسة أهلية تأسست فيها في عهد مديرية رضا بك الصلح الشهير بإدارة مصطفى حكمة أفندي العكاري الطرابلسي ، وعلى أساسها قام بنيان المدرسة التي تعد اليوم من أرقى مدارس جبل عامل ، وهي ذات ستة صفوف ، وطلابها ٢٣٠ طالبا ، وهيئة التعليم فيها مؤلفة من مديرها النشيط عبد اللطيف أفندي فياض وخمسة معلمين ، وكانت إلى أوائل الحرب العامة تحت رعاية جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ، والمدرسة نفسها من منشآتها ، واليوم تحت رعاية نظارة المعارف ، ومن أموالها تنفق المرتبات على معلميها ، وارتفعت عنها يد الجمعية ، كما ارتفعت عن إدارة أملاكها في عهد عزمي بك ، وفي أوائل الاحتلال عادت إليها أملاكها التي بلغ ريعها زهاء أربعين ألف قرش سوري مسانهة ، وهي عاملة على تحسين أملاكها وتزييد وارداتها لتعيد تشييد مدرسة أخرى على حسابها. وهذه الجمعية هي التي اسست المدرسة النسائية العائدة اليوم إلى نظارة المعارف. وفي النبطية أسس المدرسة الدينية عام ١٣١٠ ه‍ / ١٨٩٣ م فقيد العلم والعمل المرحوم السيد حسن يوسف المتوفى سنة ١٣٢٤ ه‍ / ١٩٠٦ م ، وهي المدرسة التي أعادت إلى العلم العاملي رواءه ، وخرجت طائفة من أفاضل العلماء وأكابر الشعراء والكتاب ، وكادت تعفى آثارها وتدرس أخبارها لو لا نشاط الحاج حسين الزين وشقيقه يوسف بك الزين ، وانفاقهما الأموال الطائلة على تجديد قسم من ابنيتها واهتمامهما بتجديد البقية الدارسة منها مع ما يسعفان به من بعض محبي العلم والإحسان ، وقد حفل القسم المتجدد بالطلاب الذين يبلغ عددهم أربعين طالبا ونيفا ، وجلهم داخليون ، والقيم عليها وعلى إدارة التعليم فيها العالم الفاضل الشيخ محمد رضا الزين. وقد خصصت لها المفوضية العليا مرتبا في كل عام ثمانية آلاف فرنك لتنفق على معلمي اللغة الافرنسية وبعض العلوم العصرية ، لتجمع المدرسة بين علوم الدين والدنيا ؛

٣٢٨

ولنيافة المطران عبد الله الخوري ويوسف بك الزين السعي المشكور مع المفوضية في تحقيق هذه الأمنية.

وفي النبطية اليوم فريق من رجال العلم والأدب ، ومنهم العلامتان الشيخ عبد الحسين صادق ، والشيخ محمد رضا الزين ، والعالم الكاتب المعروف الشيخ أحمد رضا ، والأديب محمد افندي جابر ، ومدير مدرسة النبطية عبد اللطيف افندي فياض ، ومنها من خريجي المدارس العالية المرحوم رشيد حكمت فياض ، المتوفى قتلا سنة ١٩٠٣ في دمشق ، وكان فيها معاون المدرسة السلطانية ، وكان عصاميا آية النبوغ العاملي ، ومن الأطباء الدكتور بهجة الميرزا إبراهيم والدكتور وديع الغفري ، ومن طلاب جامعة اوريانا الأميركية اليوم الرياضي كامل افندي صباح ، ومن الأطباء الذين انتقلوا إليها على أثر حوادث الجنوب (١) الدكتور أسعد رحال من الجديدة ، ونجله الدكتور أديب طبيب بلدية النبطية ، ومن أبنائها من خريجي المدارس الثانوية جملة من النجباء بعضهم اخترمه ريب المنون ، وبعض دخل في سلك المعلمين من مقاطعة دمشق ، وفي لبنان الكبير وفي نفس النبطية ، وطائفة من أبنائها اليوم في المدارس الكبرى ، وفيها من الأسرة الصعبية ، وهي قديمة العهد ، محمود بك الفضل وشقيقه فضل بك النائب في المجلس النيابي اللبناني. ولسكانها في حوادث الجنوب أياد بيضاء مع اخوانهم المسيحيين ، اعترفوا لهم بها في جريدة المقطم وبعض الصحف البيروتية ، وهم مع مساكنيهم المسيحيين في حالة الوئام التي يرمي إليها كل وطني. وقد اتخذت في أوائل الاحتلال وفي عهد حوادث الجنوب قاعدة لأعمال فرقة من الجيش الفرنسي العسكرية ، كما كانت قاعدة الجيش العاملي أيام الحكم الاقطاعي ، وامرة العامليين ، وفي العهد الذي كانت

__________________

(١) حوادث سنة ١٩١٩ ـ ١٩٢٠.

٣٢٩

فيها الحرب سجالا بينهم وبين امراء الشوف ووادي التيم وبعض الولاة العثمانيين ، وقد وقع فيها عدة وقائع من الحوادث التي وقعت فيها ، ولم يذكرها المؤرخان المطران الدبس والشدياق ، وجاء ذكرهما في بعض مخطوطات العامليين «أن الأمير أحمد بن معن جاءها سنة ١٠٧٧ ه‍ (١٦٧٧ م) في أربعة آلاف رجل لمقاتلة بيت أبي صعب فقاتلوه وكسروه كسرة عظيمة وقتلوا من عسكره زهاء مائتي رجل ، وقتل منهم خمسة رجال» (١). وفي تاريخ الدبس (٢) والشدياق (٣) في حوادث سنة ١٧٠٧ م (١١١٩ ه‍) وفي تاريخ الأمير حيدر (٤) سنة ١٧٠٨ م (١١٢٠ ه‍) ، ما محصله : أنه لما تولى بشير باشا ولاية صيدا مكان أخيه أرسلان باشا ولى مشايخ بني علي الصغير بلاد بشارة ، فامتدت أيديهم بالاعتداء على أطراف ولاية الأمير حيدر الشهابي وانضم إليهم المناكرة والصعبية فنهض الأمير حيدر لكبح جماحهم ، ولما بلغ النبطية التقاه المتاولة فكانت وقعة دارت بها عليهم الدوائر ، وقتل منهم خلق كثير ، وتحصن بعضهم بالقرية ، فأغار عليهم فرسان الأمير حيدر فأهلكوهم عن آخرهم ، وانجلى بنو الصغير عن بلاد

__________________

(١) قارن بما ذكر السبيتي (أو مروة) في جبل عامل في قرنين العرفان ، م ٥ ج ١ ، ص ٢١.

وما ذكره الشيخ أحمد رضا في العرفان ، م ٢ ، ص ٢٨٧ : «اغتنم المتاولة فرصة الوهن الذي طرأ على الحكومة المعنية في زمن الأمير أحمد فأعلنوا استقلالهم عن لبنان وخرجوا عن طاعة امرائه ، فغزاهم الأمير أحمد في سنة ١٠٧٧ في النبطية مقر الصعبية حكامها فارتد عنها عسكره منهزما بعد ملحمة كبرى ، فاستجاش عليه والي صيدا فأتاها هذا في العام القابل غازيا وكان نصيبه كنصيب صاحبه المعني حيث لحق المتاولة المنهزم إلى عين المزراب قرب صيدا». وحدد محمد تقي آل فقيه مكان الموقعة الثانية وبأنها في وادي الكفور. (جبل عامل في التاريخ ، ص ١٧٧) وكذا ذكرهما مروة أو السبيتي في جبل عامل في قرنين. العرفان ، م ٥ ، ج ١ ، ص ٢١.

(٢) تاريخ سورية ، م ٧ ، ج ٤ ، ص ٣٦٧.

(٣) أخبار الأعيان في جبل لبنان ، ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٤) الغرر الحسان ، ص ٧٥١.

٣٣٠

بشارة فولى الأمير الشيخ محمودا أبا هرموش نائبا عنه في حكومتها ، وكان ذلك سنة ١٧٠٨ م (١١٢٠ ه‍) ، ولم يذكر تاريخ هذه الواقعة غير واحد من العامليين واقتصر على ذكر تاريخ حدوثها فقط حيث قال «وفي سنة ١١٢٠ ه‍ (١٧٠٧ م) ركب الأمير حيدر على النبطية ، وفيها قتل الشيخ يونس» (١)(٢).

تقدمت شوطا بعيدا في العمران بعد الحرب العامة ، وزاد عمرانها جر مياه نبع الطاسة إليها عام (١٩٢٥ م) بهمة صاحب الامتياز الزعيم المعروف يوسف بك الزين ، وكاد يكون كل بيت متنزها وبستانا وحديقة ، وضاعف ذلك من جمالها وروائها ، وهي تنار هذه الآونة بالكهرباء.

وقد قسمت أخيرا إلى أربعة أحياء (البياضة) وهو الواقع عزب الطريق المعبدة بين صيدا وبينها ، والميدان وهو إلى الشرق من الطريق ، (والسراي) وهو الواقع إلى الجنوب ، وحيّ المسيحية وهو إلى منتهى البلد شرقا ولكل حي مختار.

وقد أنشئ فيها عام (١٩٢٥ م) محكمة صلحية ، وكان هذا العاجز أول حاكم عين لها.

ألغيت حكومتها كما ألغيت حكومات النواحي اللبنانية كافة ، وأصبحت أمورها الإدارية مربوطة بمفخر الدرك.

أما حالتها الاقتصادية فقد أصابها ما أصاب غيرها من البلدان السورية من تقهقر وتراجع ولا سيما التجارية منها ، وتكاد تكون مرتفق سكانها الوحيد ، وللحواجز الجمركية بين فلسطين ولبنان وتفاوت ما بينهما من المكوس أثره البين في ذلك التراجع التجاري في هذا البلد الواقع نقطة الاتصال بين بلدان الجنوب اللبناني وأطراف سورية وفلسطين.

__________________

(١) جبل عامل في قرنين. العرفن م ٥ ، ج ١ ، ص ٢١.

(٢) سنة ١٩٢٣.

٣٣١

ومن يقايس بين مركزها التجاري المتأخر ، وبين تقدمها العمراني تأخذه الدهشة وقد يحكم غير متردد في الحكم أنها من أغنى البلاد اللبنانية وأيسرها ، إذا قارن بينها وبين غيرها مع مراعاة نسبة سكانها العددية في تقدمها الواضح بهذا الفرع من فروع الحياة الاجتماعية ، دع ما تتطلبه تلك الدور المستحدثة من التأهيل والتأثيث المنطبق على روح العصر الحاضر ، وعندي ان الغيرة والتنافس على تشبه الفاقد بالواجد في التجمل الظاهري ، وهو يظهر جليا في جمال المساكن ، هما السببان في هذا الاندفاع الذي يكاد يكون فذا في البلاد ، وإنفاق كل ما في سعته ووجده وما تملكه يداه ليضارع سواه في هذا المظهر ، وطالما عدا الغريب هذا المظهر البارز في هذا البلد من مظاهر الرخاء الذي أسبغ حكمه ظله عليه وعلى غيره.

وأما حالة هذا البلد العلمية فهي حسنة جدا ، وقد ضربت كجديدة مرجعيون الرقم القياسي في انصراف أهله إلى التعلم ويتبين مقدار عنايتهم بالعلم من عدد التلامذة والتلميذات الذي يبلغ زهاء ألف ومائتي تلميذ وتلميذة يتلقون التعليم في مدارسها الحكومية للإناث والذكور ومدرسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ومدرسة البعثة الأميركية للإناث.

وبالجملة فإن النبطية أرقى بلاد الجنوب بعد الجديدة وصيدا في مدارسها وكثرة المتعلمين والمتعلمات. وإذا علمت أن عدد سكانها يبلغ زهاء خمسة آلاف نفس فيكون عدد المتعلمين فيها نحو ربع السكان ، وهي نسبة قل أن يجاريها فيها بلد لبناني في الجنوب ، ما خلا الجديدة.

ويبلغ عدد المتعلمين في النبطية ثمانين في المائة ، ولو أن الحكومة رخصت لبعض أفاضلها في تأسيس مدرسة ليلية لتعليم الأميين منذ ثماني سنين لزادت النسبة المئوية في التعليم عن الثمانين.

ومن طلابها عدد غير قليل يدرسون الطلب والمحاماة وغيرهما من

٣٣٢

العلوم العالية. وحسبها فخرا أن أخرجت مثل الفيلسوف الرياضي والمهندس الكهربائي المخترع العظيم المرحوم حسن كامل الصباح المتوفى في هذا العام (١٩٣٥ م) وفريقا من الكتاب وأفاضل الأدباء والشعراء والمحامين.

يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف ، منهم نحو (٣٠٠) مسيحيون روم كاثوليك إلا نحو ثمانية من المارونيين ، ونحو (٢٠) من المسلمين السنيين والباقون كلهم مسلمون شيعيون.

أصل الإسم : النّبط (في العربية) : الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت ... واسم الماء النّبطة والنّبط ، والجمع أنباط ونبوط. ونبط الماء ينبط وينبط نبوطا : نبع ؛ وكل ما أظهر ، فقد انبط (١).

ونبط في العبرية يفيد النظر والتطلع والرؤية. وNabataye [في السريانية] الأنباط ، وهم سكان شرقي الأردن القدماء» (٢). وقد كان الأنباط في القرن الرابع قبل الميلاد يعيشون في خيام ويتكلمون العربية ، وأول تاريخ ثابت في عهدهم هو عام ٣١٢ ق. م حين نجحوا في صد هجمات حملتين في سورية بقيادة انتيفونس ، أحد خلفاء الاسكندر ، ضد «صخرتهم» (أم البيارة) البتراء شرقي الأردن (٣).

والنّبيط والنّبط كالحبيش والحبش في التقدير : جيل ينزلون السواد ، وفي المحكم : ينزلون سواد العراق ، وهم الأنباط ، والنسب إليهم نبطي ، وفي الصحاح : ينزلون بالبطائح بين العراقين. ابن الأعرابي : يقال رجل نباطيّ بضم النون ، ونباطيّ ونباط مثل يمني ويماني ويمان ، وقد استنبط

__________________

(١) لسان العرب ، ٧ : ٤١٠.

(٢) أنيس فريحة ، ص ١٨٠.

(٣) فيليب حتي : تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، ترجمة جورج طراد وعبد الكريم رافق دار الثقافة ـ بيروت ١٩٨٢ ، ١ : ٤١٧.

٣٣٣

الرجل ... وفي حديث ابن عباس : نحن معاشر قريش من النّبط من أهل كوثى ربّا ، وقيل إن إبراهيم الخليل ولد بها وكان النبط سكانها» (١).

وقد يكون اسم مدينة النبطية نسبة إلى النبط الذين سكنوها في زمن ما قبل التاريخ ، وهناك بعض الأدلة التاريخية وإن كانت ضعيفة ، كذكر المؤرخين للجرمق ، وان الجرامقة قوم من أنباط الشام (٢) ، وما نقله الشيخ سليمان تحت اسم تراخوس وقول البعض أنها بلاد الشقيف ، وان شيلاوس ملك النبطيين قد خطب من هيرودس شقيقته سالومي فرده خائبا ، فحنق شيلاوس عليه إذ التجأ إليه بعض اشقياء كورة انظرخون ، وهي (بلاد الشقيف) (٣).

موقعها : ترتفع النبطية ٤٠٠ متر عن سطح البحر ، هي مركز محافظة جبل عامل (النبطية) على مسافة ٣٠ كلم من صيدا جنوبا شرقيا ، وعلى مسافة ٧٥ كلم عن بيروت جنوبا شرقيا. ومحافظة النبطية (جبل عامل) تضم الاقضية التالية : قضاء النبطية وقضاء بنت جبيل وقضاء مرجعيون من بلاد جبل عامل ، وقضاء حاصبيا (وادي التيم).

شيء من تاريخها : في النبطية آثار تدل على قدمها ، فقد عثر على حجارة مشطوبة ، تعود إلى العصر الحجري ، وهناك مغاور قديمة «عش الغراب ومغر محلا» وقبور محفورة في الصخر عثر فيها على بعض الفخاريات ، في منطقة الرويس ، وغيرها. وفي النبطية أيضا آثار لم يكشف عنها بعد ، وإن ظهر بعضها ثم طمر. كآثار كنيسة بيزنطية وفسيفساء في بستان ، وملعب مدرسة الزهراء ، كما عثر على آثار ابنية ذات عقود قديمة في

__________________

(١) لسان العرب ، ٧ : ٤١١.

(٢) انظر الجرمق.

(٣) جرجي يني : تاريخ سوريا ، ص ٤٣٦ ؛ وانظر تراخوس.

٣٣٤

منطقة حي السراي ، وعلى مغارة كبيرة في منطقة حي التعمير ، (طمرت). وهناك آثار بيزنطية ورومانية ، في منطقة شمالي غربي النبطية وتسمى الخريبة.

وبعد سنة ١٩٣٥ م شهدت النبطية تطورا سياسيا وعمرانيا ، فقد أصبحت مركز قضاء ، ثم في مطلع الثمانينات أصبحت مركز محافظة.

وكانت النبطية مركزا مهما لصناعة الأحذية ، خاصة في حي السراي ، وقد اختفت هذه الصناعة منها منذ عام ١٩٦٥ م ، وكان فيها عدد كبير من البيطاريين لحذو الماشية ، وعدد من صانعي الجلال (الجلالتية) ، وعدد من الحدادين والصفارين (صانعي النحاس) ، وقد اختفت هذه الصناعات فيها وتشتهر النبطية بسوقها يوم الإثنين من كل اسبوع كان يقصده السكان من مختلف مناطق جبل عامل والجولان وفلسطين ، وبعد سنة ١٩٤٨ م اقتصرت تجارته على سكان جبل عامل ، حتى إذا قامت الحرب الأهلية سنة ١٩٧٥ م أصبح هذا السوق مقتصرا على سكان المنطقة فقط.

وقد وصف السوق شاكر الخوري سنة ١٨٦٠ م في كتابه مجمع المسرات فقال : «إن هذا السّوق من أعظم المحلات التجارية في بلادنا تجتمع إليه الناس كل نهار اثنين من كل الجهات على مسافة اثني عشر ساعة ، وأكثر تجارته الحبوب والمواشي ويجتمع فيه من الخمسة إلى الستة آلاف نسمة من شار وبائع ، ومن العجائب أنه ينعقد فيه نحو الخمسين ألف عقد بين بيع وشراء ، وكل ذلك بالقول فقط ، ويتم بكلمتين بعت واشتريت ، ويندر جدا الاختلاف بينهم.

وأغرب من ذلك أنهم من كل الأجناس بين نصارى على اختلاف أجناسهم ومتاولة ودروز ويهود واسلام وخلافهم. ومع هذا الاجتماع لحد الآن ما سمع أن حصل بينهم اختلاف عمومي ، وكل ذلك يتم بنهار واحد

٣٣٥

من صباح الإثنين إلى عصره ، بحيث عند مساء الإثنين لا ترى أحدا من هذه الجموع العديدة ، وقد مضى عليه مئات السنين ولم يزل كما هو رغما عن تجربة بلدان أخرى لعمل سوق مثله ، ولم تفلح ، وأما النبطية فكان يسكنها في ذلك الوقت من المشايخ الصعبيين خلاف حسين بك الأمين [الصغير] الحاكم اخوه سعد الدين وابن عمه الشيخ فضل الشهيمر وولده حسين الذي أولاده الآن نعيم بك ومحمود بك» (١).

وقد وصف روبنسون النبطية قبل ذلك فقال : «هي قرية كبيرة في واد متسع فسيح خصب ، أو حوض أرض تنزح مياهه للشمال الغربي إلى الزهراني ، والنبطية سوق تجارية يقام فيها معرض كل يوم اثنين ، فيها خان كما يسمونه يشتمل على صفين أو ثلاثة من القناطر الحجرية وطيئة وضيقة لا تكاد تغطي طول الحصان ، على نمط ظلل (خيام) الخيل في انكلترا. في القرية بيتان فقط مؤلفان من دورين ، أحدهما لشيخ إقليم بلاد الشقيف الذي كان غائبا في بيروت ، والآخر لفلاح مثر. ويقال أن للشيخ مجلس شورى مؤلفا من أعضاء ينتسبون إلى مذاهب مختلفة. توقفنا هنا أكثر من ساعة لتسمير نعال الخيل. البيطار شاب نشيط وحذق يتقن عمله. وأمامه عدة أحصنة تنتظر دورها. أما نهيق الحمير فلم ينقطع. تقع النبطية في منتصف الطريق بين صيدا وحاصبيا على مسافة ست ساعات من كل منهما» (٢).

لكن سوق النبطية كان يبدأ من نهار الأحد إلى نهاية نهار الإثنين من كل اسبوع ، إذ يتوافد التجار إليه ابتداء من صباح الأحد وينزلون في الخانات ، واشهرها «خان آل نحلة ، وخان الزيون ، وخان آل جابر وخان اللكة وخان بيت الصباح ، وكان قبل ذلك الخان الكبير ، وهو مكان دار آل الفضل.

وأشهر معروضات سوق النبطية القديمة : الخضار والفواكه والحبوب ،

__________________

(١) مجمع المسرات ، ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) يوميات في لبنان ، ١ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

٣٣٦

والزيوت والدبس والأحذية ، والحصر والأقمشة ، و «الموارج» والمواشي ، واللحوم ، والطيور ، وغيرها من السلع. ولا تزال المعروضات هي ذاتها مع اختفاء بعضها كالموارج» والقطن الذي كان يزرع في جبل عامل قبل ازدهار زراعة التبغ.

ومنذ سنة ١٩٧٥ بدأت النبطية تتعرض للقصف الإسرائيلي الذي دمر قسما كبيرا من أبنيتها ، وهجرها القسم الأكبر من سكانها إلى القرى الآمنة كجباع وقرى إقليم التفاح ، وقرى قضاء صيدا وبيروت ، وفي سنة ١٩٨٢ م وقعت تحت الاحتلال الصهيوني ، وعاد إليها معظم سكانها ، وقاومت المحتلين بعمليات بطولية ، كان أبرزها المواجهة البطولية معهم يوم عاشوراء في ١٦ تشرين أول سنة ١٩٨٣ م ، حيث أحرقوا عددا من سيارات المحتلين ، وهاجموا القوة الإسرائيلية بالسيوف والحجارة ، وقد حوصرت النبطية على أثر ذلك لمدة ثلاثة أيام وبعد التهديد بالاضراب والاعتصام رفع الحصار. وكان قد اعتقل عدد كبير من الشبان ـ وسقط شهيد وحوالي ٢٠ جريحا. وفي سنة ١٩٨٥ م وفي ٢٤ نسيان انسحبت القوات المحتلة لكنها اتخذت مواقع عسكرية لها في التلال المشرفة على النبطية ومنطقتها في قلعة الشقيف ، وعلي الطاهر ، والطهرة ، والسويداء وغيرها. ومن هذه المواقع أخذت تمارس الاعتداءات ، من قصف وقنص.

ومنذ العام ١٩٨٢ م عادت إلى النبطية حركة الازدهار العمراني ، فكثرت فيها الأبنية الحديثة العالية ، وتوسعت حركتها التجارية ، وبدأ عمل مركز المحافظة فيها.

حركة السكان في النبطية : لا نستطيع التكهن بتاريخ محدد لبدء النمو السكاني في النبطية ، ولكن نرجح أنها كانت عامرة بعد انتهاء الحروب الصليبية ، وفي العصر المملوكي ، وأول من ذكر من أعلامها : الشيخ علي

٣٣٧

ابن يونس العاملي النباطي البياضي (٧٩١ ـ ٨٧٧ ه‍ / ١٣٨٩ ـ ١٤٧٣ م. وقد نسب اليها) وإلى النبطية الفوقا (؟) الشهيد الأول (١).

أما سكانها الحاليون فمنها العائلات القديمة ، ومنها عائلات سكنتها من المناطق الآخرى ، فهم من قرى جزين وإقليم التفاح بعد سيطرة الدروز على جزين ومنطقتها كآل الصباح ، ومنهم من قدموا إليها من مناطق أخرى في تواريخ متباعدة ، كآل ظاهر ومسكنهم قبلها قرية دبين ... وفي العصر العثماني وفي القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، شهدت النبطية حركة نزوح إلى المهاجر (أميركا وافريقيا وسائر بلدان الاغتراب) وفي الربع الثاني من القرن العشرين بدأت الهجرة منها إلى الدول العربية إلى جانب بلدان الاغتراب القديمة ، فأسهم هؤلاء المغتربون في نهضتها العمرانية والاجتماعية بأموالهم. وقد قصد النبطية عدد من التجار من القرى المجاورة وسكنوها ، ومنذ سنة ١٩٨٥ انتقل إليها عدد من سكان المناطق المحتلة من قرى جبل الريحان ، واقليم التفاح وبلاد بشارة الجنوبية ، ومنذ سنة ١٩٤٨ استقبلت النبطية عددا من اللاجئين الفلسطينيين (الغوارنة) ، ثم أنشئ مخيم غربي النبطية ضم حوالي خمسة آلاف فلسطيني ، ومع دخول المقاومة الفلسطينية إلى لبنان عام ١٩٧٠ م بدأ المخيم يتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية إلى أن دمر المخيم المعروف (بالجاعونة) نهائيا سنة ١٩٧٨ ، وانتقل الفلسطينيون إلى مناطق أخرى ، وبعضهم بقي في النبطية ذاتها وفي القرى المجاورة.

في النبطية : مركز المحافظة (جبل عامل). ومجلس بلدي أنشئ سنة ١٨٨٠ م ، وأربعة مجالس اختيارية. لأحيائها الأربعة : البياض ، والسراي والميدان ، وحيّ المسيحيين ، وأحياؤها الواسعة الجديدة (كحي التعمير ،

__________________

(١) المجلسي : روضات الجنات ، ٧ : ٣ ؛ حسن الصدر : تكملة أمل الآمل ، ص ٣٦٥.

٣٣٨

وخلة الهواء ، وكسار زعتر ، والرويس ، والنبعة وعين قبيس ، والحمرا ، والصالحية ، والمسلخ ، والجزاير ، وطريق المخيم.

المدارس : فيها فرع من فروع الجامعة اللبنانية كلية العلوم. وثانوية رسمية ، ودار للمعلمين والمعلمات ، ومهنية رسمية ، ومدرسة رسمية ابتدائية مختلطة ، ومدرسة متوسطة للصبيان ، ومدرستان متوسطتان مختلطتان ، ومدرستان متوسطتان للاناث ، أما المدارس الخاصة فمدرسة الراهبات الانطونيات (ثانوية) ، والإنجيلية ثانوية ، ومدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية : «الزهراء متوسطة ، العلمية ؛ ابتدائية ، تكميلية مختلطة ، ومدرسة مهنية» ، ومدرسة مهنية خاصة ، ودار حضانة تابعة لجمعية تقدم المرأة ولمصلحة الإنعاش الاجتماعي.

النوادي : نادي الشقيف ثقافي اجتماعي ـ النادي الأهلي رياضي ثقافي ، وعدد آخر من الأندية الثقافية وبعضها توقف نشاطه.

الجمعيات : جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ، هيئة الخدمات الاجتماعية ، جمعية تقدم المرأة جمعية التعاضد الخيري ، وجمعية حسن كامل الصباح وغيرها.

الأعياد التقليدية : تحتفل النبطية كغيرها من البلاد العاملية بالأعياد الإسلامية ، وتمتاز بإقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام ابتداء من اليوم الأول للمحرم ، فمساء كل يوم يطوف اللاطمون ساحات البلدة وينتقلون إلى الحسينية حيث تتلى آيات من القرآن الكريم ، ومجالس العزاء ، وفي تاسوعاء (اليوم التاسع من المحرم) تقام مسيرة تقليدية تمثل انتقال الإمام الحسين عليه‌السلام من المدينة إلى كربلاء ، وتنطلق المسيرة من النبطية إلى النبطية الفوقا لتعود إلى حسينية النبطية ، وفي يوم عاشوراء يحتشد عدد كبير من المشاركين في هذه المناسبة من القرى المجاورة لإقامة مأتم

٣٣٩

استشهاد الحسين عليه‌السلام فتتلى آيات من القرآن الكريم ، ثم تتلى مسيرة الاستشهاد ، لتمثل بعدها الواقعة على مسرح ساحة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وسط مظاهر الحزن والسواد ، وجموع الحجامين (الضرابية) التي تتجول في ساحات البلدة حتى إذا انتهت المسرحية باستشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام يجرح الحجامون رؤوسهم بالسيوف والامواس ، ويتجولون في الساحات ليعودوا إلى الحسينية ، وتمثل بعد الاستشهاد مسيرة السبايا والأسرى ، حيث يمثل الإمام زين العابدين عليه‌السلام أسيرا على جمل يطاف به في ساحة النبطية يتلو في أماكن مختلفة بعض خطب الإمام عليه‌السلام التي وجهها إلى الجماهير ، ورجال الحكم ، ثم تنتهي المسيرة في باحة الحسينية.

قدر العنداري عدد سكان النبطية سنة ١٩٧١ م ب ١٩١٧٣ نسمة (١) ، وقدرهم مرهج نفس العام ب ١٧٥٠٠ نسمة (٢) ؛ وقدرهم على فاعور سنة ١٩٨١ م ب ١٨٢٢٤ نسمة (٣) ويقدر عدد سكانها اليوم بحوالي خمسة وثلاثين ألف نسمة ، قسم منهم في بلاد الاغتراب ، وعدد ساكنيها ، حوالي ٦٠ ألف نسمة.

إنتاجها : التبغ ، وزيتون ، وحبوب ، وفيها عدد من الصناعات المحلية كالحدادة الافرنجية والنجارة ، ولوازم البناء ، من حجارة وبلاط وغيرها ، غير أن محلاتها التجارية ، وطبيعتها التجارية هي الغالبة.

مصادر مياهها : مشروع نبع الطاسة ، وكان فيها عدد من الينابيع المحلية ، ويستعمل اليوم بعضها لري المزروعات أشهرها : «عين الحورانية ،

__________________

(١) دليل المدن والقرى اللبنانية قضاء النبطية رقمها (٥٢).

(٢) اعرف لبنان ، ٩ : ٤٧٠.

(٣) مجلة الباحث ، ص ٤٨.

٣٤٠