شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

مكسور (١) ما قبلها ، سواء كانت محذوفة بالتقاء الساكنين ك : (قاض) أو غير محذوفة ك: (القاضي) (رفعا وجرا) (٢) أي : في حالتي (الرفع والجر) لا في حالة (النصب) ، لاستثقال الضمة والكسرة (٣) على الياء (٤) دون الفتحة. (ونحو مسلميّ) عطف (٥) على قوله ك : (قاض) (٦) ، يعني : تقدير الإعراب للاستثقال ، قد يكون في الإعراب بالحركة ، وقد يكون في الإعراب بالحروف نحو : (مسلميّ) بخلاف تقدير الإعراب للتعذر ، فإنه مختص بالإعراب بالحركة. (رفعا) يعني تقدير الإعراب في نحو : (مسلمي) إنما هو في حالة الرفع فقط دون النصب والجر ، نحو : (جاءني مسلميّ) ، فإن أصله (مسلموي)(٧) بسقوط النون بالإضافة ، فاجتمع الواو والياء ، والسابق منهما ساكن فانقلبت الواو ياء،

__________________

(١) وإنما قال : في آخره ياء مكسورة ما قبلها ؛ احترازا من نحو ظني فإن إعرابه لفظي لعدم الاستثقال. (عصمت).

(٢) يعني : أن قوله : (رفعا وجرا) ظرف للاستثقال المقدر ، والمعنى كاستثقال المقدر ، والمعنى كاستثقال قاض وقت مرفوعيته ومجرورتيه ، أو وقت رفع العامل وجره ، ولك أن تجعل مصدرا أي : استثقال رفع وجر ، أو حالا مما أضيف إليه لاستثقال المقدر ، أي : حال كونه مرفوعا أو مجرورا. (عبد الغفور).

(٣) وإنما استثقل الكسرة على الياء ؛ لأنه يجتمع أربع كسرات كسرة الضاد وكسرة الباء ، والياء عبارة عن الكسرتين فيجتمع أربع كسرات. (حاشية).

(٤) على الياء المكسورة ما قبلها ، وذلك مخصوص ؛ لضعف الياء وثقل الحركين مع تحرك ما قبلها بحركة ثقيلة ، فإن سكن ما قبل الياء استثقل الحركة كظبي وكرسي. (عب).

(٥) وقد بيّن الشارح فائدة زيادة النحو بقوله : (يعني تقدير الإعراب للاستثقال) قد يكون في الإعراب بالحركة ، وقد يكون في الإعراب بالحروف ، بخلاف تقدير الإعراب للتعذر ، فإنه مختص بالإعراب بالحركة ، ولهذا قال فيه : كعصا وغلامي بالعطف على المجرور ، فالحاصل أن المصنف أراد التنبيه بأن تقدير الإعراب للاستثقال نوعان ، بخلاف تقدير الإعراب للتعذر فإنه نوع واحد. (جلبي).

(٦) فهو مرفوع لا على قاض ، فيكون مجرورا ، ووجه النفي ظاهر ؛ إذ قد يكون ذكر النحو مستدركا ، ومع ذلك يتجه أن الأخصر أن يحذف نحو ويعطف مسلمي على قاض.

(٧) فإعراب مسلموي لفظي لا شك إن تلفظ الإعراب في مسلمي بعد الإعلال متعذر ، وقبله مستثقل كما في عصا ، لكن المؤثر في التقدير في عصا بعد الإعلال من التعذر ، وفي مسلمي ما قبله من الاستثقال ؛ لأن إعرابه بالواو وثقله يوجب تقديرها ، بخلاف عصا فإن إعرابه بالحركة وثقله يوجب إبدال الحرف لا الإسكان وتقدير الحركة. (فاضل أفندي).

٨١

وأدغمت الياء في الياء كسر ما قبل الياء (١) ، فلم تبق (٢) علامة الرفع التي هي الواو في اللفظ ، فصار الإعراب في حالة الرفع (٣) (تقديريا) بخلاف حالتي النصب والجر فإن الإدغام لا يخرج الياء عن حقيقتها ، فإن الياء المدغمة أيضا ياء ، وقد يكون الإعراب بالحروف تقديريا في الأحوال الثلاث في مثل : (جاءني أبو القوم) و (رأيت أبا القوم) و (مررت بأبي القوم) ، فإنه لما سقط حروف الإعراب عن اللفظ بالتقاء الساكنين لم يبق الإعراب (لفظا) بل صار (تقديريا) (٤). (واللفظي) أي : الإعراب المتلفظ به (٥). (فيما عداه) يعني فيما عدا (٦) ما ذكر مما تعذر فيه الإعراب أو استثقل (٧) ، ...

__________________

(١) أي : ياء المدغمة لزيادة التخفيف ؛ لأن الكسرة أخف من الضمة ، فصار مسلمي فحصل التخفيف من جهات ثلاث : قلب الواو ياء ، وإدغام الياء في الياء ، وكسر ما قبلها ؛ لأن الياء أخف من الواو ، والإدغام من فكه ، والكسرة من الضمة ، تأمل. (توقادي).

(٢) قوله : (فلم يبق علامة الرفع) يعني أن القلب يخرج الواو حقيقة فلا يكون الواو واوا ، فيم يبق علامة الرفع الذي هو الواو بخصوصه ، بخلاف الإدغام فإن الإدغام لا يخرج الياء عن حقيقته ، فإن الياء المدغم أيضا فيبقى علامة النصب والجر الذي هو الياء. (وجيه الدين).

(٣) قوله : (حالة الرفع تقديريا) وذلك لامتناع أن يكون الياء حقيقة عن الواو بدلا عنها في الدلالة ، كما جعلت كسرة جمع المؤنث السالم بدلا عن الفتحة ؛ لأن الزائل بالإعلال في حكم الثابت.

(٤) لكون حروف الإعراب مقدرة ؛ للاستثقال ، فإن قلت : تقدير الإعراب للاستثقال مسلم في الرفع والجر ؛ لكون الواو والياء يتحملان الحركة ، ولكن يثقل على اللسان ، وأما في النصب فغير مسلم ؛ لأن تقدير الإعراب ليس إلا للتعذر ؛ لأن الألف ما دام ألف لا يقبل الحركة ، قلت : لأن الألف فيه كانت واوا ؛ لأن أصله حال إعرابه : رأيت أبو القوم ، فقلبت الألف لتحركها وانفتاح ما قبلها. (محرم أفندي).

(٥) الجار مع مجروره نائب الفاعل الضمير إلى الموصوف ، يريد توجيه إفراد الضمير مع تعدد مرجعه بأنه راجع إلى المذكور ، وقال العصام : إن المتعدد إذا ذكر بالعطف بكلمة ، أو يجوز إفراد الضمير الراجع إليه ؛ لأنه في الحقيقة راجع إلى أحد الأمور ، لا إلى المجموع. (عصمت).

(٦) قوله : (يعني : فيما عدا ما ذكر ... إلخ) يعني : أن ما عدا اللفظي في موضعان ، فالمناسب أن يقول : فيما عداهما ، فأجاب الشارح بأن إفراد الضمير باعتبار المذكور للاختصار ، وهذا شائع في كلامهم بأن الضمير إفراد باعتبار ما ذكر ، والقضية الحقيقة المنفصلة وهي قوله : (التقدير فيما تعذر واستثقل) من قبيل مانعة الجمع فقط ، فالظاهر أن يقال : فيما عداهما ، كما في قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما)[النساء : ١٣٥] آية ، ولما خالف المصنف للظاهر بإفراد الضمير لزم التأويل ، وبهذا التحقيق سقط ما ذكره المحشي عصام الدين. (حلبي).

(٧) فالمقصود أنك إذا عرفت أن الإعراب التقديري في أيّ : صورة كان ، فاعلم أن ما سواه لفظي ـ

٨٢

ولم ذكر (١) في تفصيل المعرب المنصرف وغير المنصرف وكان غير المنصرف على قياس الأعراب التقديري واللفظي عرّف غير المنصرف واكتفى بتعريفه ، فقال :

(الممنوع في الصرف)

(غير المنصرف (٢) ما) أي : اسم (٣) معرب (فيه علّتان) تؤثّران (٤) باجتماعهما واستجماع شرائطهما فيه أثرا سيجيء ذكره. (من) علل (تسع أو) علّة (واحدة منها) أي : من تلك التسع (تقوم) هذه العلة الواحدة (مقامهما) أي : مقام هاتين العلتين بأن تؤثر وحدها تأثيرهما. (وهي) أي : العلل التسع مجموع ما في هذين البيتين (٥) ومن الأمور

__________________

ـ من الأسماء المعربة ، ولم يذكر للإعراب اللفظي ضابطة ؛ لتعسر ضبطه ، لكثره معروضه. (عوض أفندي).

(١) قوله : (ولما ذكر ... إلخ) يريد ارتباط بحث غير المنصرف بما قبله ، ونكتة ذكر غير المنصرف وترك المنصرف بأن التفصيل الذي سبق للمعرب في بيان مواضع الإعراب بالحركات ، والإعراب بالحروف بقوله : (فالمفرد المنصرف ... إلخ) يحتاج إلى بيان المنصرف وغير المنصرف. (عصمت).

(٢) قوله : (غير المنصرف) مأخوذ من الصرف ، إما بمعنى التحويل والتغيير فما كان التحويل والتغيير فيه عن حالته الأصلية أكثر بسبب دخول الحركات الثلاث والتنوين يسمى منصرفا وما ليس بهذه المثابة كأنه لم ينصرف بالنسبة إلى القسم الأول يسمى غير منصرف ، وإما بمعنى الزيادة فسمي المشتمل على زيادة الإعراب والتنوين منصرفا. (عصمت).

(٣) اختار تفسير كلمة ما بالنكرة وهو أحد احتماليه ؛ لأنه أقرب بامتزاج الشرح بالمتن ، ولم يشر إلى الاحتمال الآخر ؛ لوضوح أمره واشتهاره. (عصمت).

(٤) قوله : (تؤثران) أراد دفع إيراد هو أن المراد علتان لمنع الصرف ، فيلزم أخذ منع الصرف ، في تعريف غير المنصرف وهو فاسد ؛ لأن من لم يعرف غير المنصرف لم يعرف منع الصرف ، ومن عرف عرف ، فأشار الشارح إلى أن المراد بالعلتين ما يؤثران تأثيرا ما ، فيلزم ملاحظة منع الصرف قوله : (صفة مخصصة مما هو المطلوب) ولعل فائدة الوصف بكونهما علتين الإشارة إلى كونهما علتين لمنع الصرف فليتدبر ، ويمكن أن يكون المراد بما فيه شيئان مسميان بعلتي منع الصرف ، أي : بهذا اللفظ ، ومعرفة هذا اللفظ كذا ما يطلق عليه هذا اللفظ لا يحتاج إلى المعرفة غير المنصرف فلا يرد. (عيسى الصفوي).

(٥) وذلك باعتبار تقدم العطف على الحكم ، كقولك : البيت سقف وجدران ، قال قدس‌سره في الحاشية : أوله موانع الصرف تسع كلمات اجتمعت ثنتان منها فما للصرف تصويب ، انتهى هذا وهذه الأبيات لأبي سعيد الأنباري النحوي ، وإنما لم يذكر أولها حتى يكون له غنى ـ

٨٣

التسعة ، لا كل واحد منها حتى يقال لا يصح الحكم على العلل التسع بكل واحد من هذه الأمور ، وذلك المجموع :

 (عدل ووصف وتأنيث ومعرفة

وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب)

والعدول في عطف هاتين العلتين من الواو إلى (ثم) لمجرد (١) المحافظة على الوزن.

(والنّون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل وهذا القول تقريب) (٢)

فقوله زائدة ، منصوب على أنه حال ، إذ المعنى : ويمنع النون الصرف حال كونها زائدة ، وقوله : (ألف) فاعل الظرف ـ أعني : من قبلها ـ أو مبتدأ وخبره الظرف المتقدم عليه. ولا يخفى (٣) أنه لا يفهم من هذا التوجيه (٤) ...

__________________

ـ عن التعريف ؛ لأن التعريف المستفاد منه غير جامع ؛ لعدم صدقه على ما فيه علة تقوم مقامهما إلا بضرب من التكلف بأن يقال : المراد اجتماع الثنتين حقيقة أو حكما. (عبد الغفور).

(١) وقد يوجد في اختيار ، ثم بأن قد يستعار للتراخي الرتبي ، ونظيره في القرآن كثير فقد يقصد علو مرتبة المعطوف على المعطوف عليه ، وقد يقصد زيادة رتبته ، فعطف الجمع ب : ثم إشارة إلى أنه أعلى مرتبة لما قبله ؛ لقيامه مقام العلتين ، ثم عطف التركيب على الجمع بثن للإشارة إلى دناءة رتبته عن الجمع بسبب عدم قيامه مقام العلتين. (عصمت).

(٢) إشارة إلى أن في عدد علل خلافا ، فقال بعضهم : إنها تسع كما هو المختار عند المصنف ، وقال يعضهم : عشرة ، التسع المذكور والألف لإلحاق في أوطي ، وهو مشابهة لألفي التأنيث بدليل أوطأة ، ووجه مشابهته لها عدم قبول التاء بعد التسمية ، وقال بعضهم : أحد عشر العشرة المذكورة ومراعات الأصل بعد التنكير في أحمر ، وقال بعضهم : إنها ثلاثة عشر ؛ لأنهم عد التنكير وعدم النظير سببا لمنع الصرف ، وقال بعضهم : اثنان الحكاية والتركيب. (عوض أفندي).

أي : مقرب إلى الصواب أو إلى الحفظ أو بقريب لا تحقيق ، وذكر أمثلة علل المذكورة على ترتيب ذكرها. (هندي).

(٣) قوله : (ولا يخفى أنه لا يفهم من هذا التوجيه) هذا إنما يصح إذا قدر متعلق الظرف ، أعني من قبلها من أفعال العموم ، وأما إذا قدر ما يدل على الزيادة كقولنا : مزيدة من قبلها فيفهم زيادة الألف بلا اشتباه ، ولم يلتف إلى هذا التوجيه ؛ لأن الشائع عندهم تقدير متعلق الظرف بلا قرنية واضحة من أفعال العموم ، ولا يخفى أنه كما لا يفهم زيادة الألف من هذا التوجيه لا يفهم كون مجموع الألف والنون علة لمنع الصرف ، بل يفهم منه عليه النون فقط مع أن العلة مجموع الألف والنون ، وكذا لا يفهم هذا من توجيه الثاني أيضا فتأمل.(عصمت).

(٤) والمراد من هذا التوجيه إما كون الألف فاعل الظرف ، وإما كون الألف مبتدأ والظرف ـ

٨٤

زيادة الألف ، مع أنها أيضا زائدة (١) ، ولهذا يعبر عنهما بالألف والنون الزائدتين ، ولو جعل (الألف) فاعلا (٢) لقوله (زائدة) والظرف متعلقا بالزيادة ، وأريد (٣) بزيادة الألف قبل النون اشتراكهما في وصف (٤) الزيادة ، وتقدم الألف عليها في هذا الوصف ، لفهم زيادتهما جميعا. وهذا كما إذا قلت : جاءني زيد راكبا من قبله أخوه ، فإنه يدل على اشتراكهما في وصف (٥) الركوب ، وتقدم أخيه عليه في هذا الوصف. وقوله (وهذا القول تقريب) يعني أن ذكر العلل بصورة النظم تقريب لها إلى الحفظ ؛ لأن حفظ النظم أسهل ، أو القول (٦) بأن كل واحد من الأمور التسعة علة ، قول تقريبي لا تحقيقي ، إذ العلة في الحقيقة اثنان (٧) منها لا واحد (٨) ، أو القول بأنها تسع تقريب لها إلى

__________________

ـ خبره ، وعلى كلا التقديرين قوله : (زائدة) حال من النون ، والجملة الظرفية حال من صاحب الحال الأولى ، فيكون من الأحوال المترادفة ، أو من ضمير المستتر في زائدة فيكون من الأحوال المتداخلة ، أو صفة. (لمحرره).

(١) لأنه يكون معنى الكلام حينها ، وتمنع النون من الاسم المعرب الصرف حال كونها زائدة حال كون قبل النون ألف ، وأنت خبير بأنه لا يفهم زيادة الألف من هذا المعنى. (توقادي).

(٢) بأن تكلم الألف ثم النون المزيدتان ، والمعنى حال كونه متصفا بزيادة الألف قبل اتصافه بالزيادة. (وجيه الدين).

(٣) لا يخفى أن هذه الإرادة بعيدة من الطبع لا تقضيه وضع ولا قاعدة ، إلا أن الشارح ادعى أن هذا المفهوم عرفا بدليل أن هذا المعنى مفهوم من نظيره وهو قولك : جاءني زيد راكبا من قبله أخوه.(عصمت).

(٤) لأن جعل الألف فاعل الزيادة ، والزيادة حالا من النون أفاد اشتراكها فيها ؛ لأنها صارت صفة لهما حتى لو لم يقصد الاشتراك فيها لما كان لهذا التعبير وجه. (محرم).

(٥) ولا يلزم أن يكونا راكبين على فرس واحد ، بل يجوز أن يكونا راكبين على فرسين على حدة ، بل المراد هنا هذا. (لمحرره).

(٦) الأولى أن يقال : أو القول بأن كل واحد منها مانع ؛ لأن المذكور في نظم أبي سعيد المانع لا لعلة ، حيث قال : موانع الصرف تسع ... إلخ ، وقد اعتذر عن هذا بأن الموانع جمع مانعة ، وتأنيثه باعتبار أن موصوفه العلة ، فكأنه قال : العلل الموانع للصرف تسع. (عصمت).

(٧) والاثنان أي : الحكاية والتركيب ، أما الحكاية أي : النقل من الفعل إلى الاسم ففي وزن الفعل مع الوصف كاعلم ، أو مع العلمية كشكر علما ، وأما التركيب ففي البواقي وقد تكلف في اعتبار التركيب هناك تكلفا لا معنى له. (عب).

(٨) يعني : العلة الوجبة كون الاسم غير منصرف في الحقيقة اثنان ، هذا فيما إذا كانت ناقصة ، ـ

٨٥

الصواب ؛ لأن في عددها خلافا ، فقال بعضهم : إنها تسع ، وقال بعضهم : إنها اثنتان ، وقال بعضهم : إنها (إحدى عشرة (١) ، ولكن القول بأنها تسع تقريب لها إلى ما هو صواب من المذاهب (٢) الثلاثة ، ثم أنه ذكر أمثلة العلل المذكورة على ترتيب ذكرها في البيتين (٣) فقال : (مثل : عمر) مثال للعدل (وأحمر) مثال للوصف ، (وطلحة) مثال للتأنيث (وزينب) مثال للمعرفة وفي إيراد (زينب) مثالا للمعرفة بعد (طلحة) إشارة إلى قسمي التأنيث (٤) اللفظي والمعنوي (وإبراهيم) مثال للعجمة (ومساجد) مثال للجمع (ومعد يكرب) مثال للتركيب (وعمران) مثال للألف والنون (وأحمد) مثال لوزن الفعل. (وحكمه) أي وحكم غير المنصرف والأثر المترتب عليه من حيث (٥) اشتماله على علتين أو علة واحدة منها تقوم مقامهما (أن لا كسر) (٦) ...

__________________

ـ حيث لا يؤثر وحدها فضم إليها أخرى ، لنقصان كل واحدة منهما ، وأما إذا كانت تامة فالواحدة كافية في منع الصرف ، إلا أنه لما كانت هذه أقل لم يذكر الشارح ، وجعلها كالعدم وبنى الحكم على الأغلب. (محرم).

قوله : (إذ العلة في الحقيقة اثنان منها لا واحد) هذا يدل على أن إطلاق العلة على الناقصة مجاز ، وبه صرح الشيخ ، وفيه نظر بل غاية ما يقبل التبادر. (عيسى).

(١) من حيث الأعداد وهي التسع المذكورة ، وشبه ألفي التأنيث كأوطي علما ، ومراعات الأصل في نحو أحمر وعطشان إذا نكر بعد العلمية ، فصارت أحد عشر. (توقادي).

(٢) قوله : (من المذاهب الثلاثة) كلمة تبعيضية بيانية ، وإلا لم يصح المعنى ، كما لا يخفى ، وقد يجتمع من التبعيضية والبيانية صرح به صاحب الكشاف. (حسن أفندي).

(٣) ليكون النشر عل ترتيب اللف ، وهذا أقوى في الضبط وأسهل في اللفظ ، ولكن مع قطع النظر عن أن يكون صالحا ؛ لأن يكون مثالا لعلة أخرى. (م).

(٤) يعني : أن التأنيث اللفظي معتبر وإن كان مع التذكير الحقيقي الذي لا يعتبر تأنيث الفعل معه ، فلا يقال : ما جاءت طلحة ، وكذا المعنوي الذي خفي فيه العلامة. (لارى).

(٥) كلمة حيث تعليلية لا تقييدية ، فإن غير المنصرف لا يكون إلا بهذا الوصف فلا فائدة في التقييدية ، وإنما علل به ؛ لأن لغير المنصرف أوصافا أخر ليست علة لترتيب هذا الحكم فإنه من حيث أنه معرب له حكم آخر من اختلاف آخره ، باختلاف العوامل ، ومن حيث أنه فاعل حكمه أنه مرفوع ، وعلى هذا القياس. (عصمت).

(٦) ولم يقل : لا جرّ ؛ لأنه يدخله الجر عند الجمهور ؛ إذ هو عندهم معرب ، والجر أنواع وجره فتح والفتح الذي في بأحمد عندهم عمل الجار وهو يعمل الجر لا محالة ، وقال الأخفش والمبرد والزجاج : غير المنصرف في حال الجر مبني على الفتح لخفته ؛ وذلك لأن مشابهته للمبني ، ـ

٨٦

فيه (ولا تنوين) (١) وذلك ؛ لأن لكل علة فرعية (٢) ، فإذا وقع في اسم علتان حصل فيه فرعيتان : فيشبه الفعل (٣) من حيث إن له فرعيتين بالنسبة إلى الاسم :

أحداهما : افتقاره إلى الفاعل.

وأخراهما : اشتقاقه من المصدر.

فمنع منه الإعراب المختص بالاسم وهو (٤) الجر والتنوين (٥) الذي هو علامة التمكن وإنما قلنا (٦) :

__________________

ـ أي : الفعل ضعيفة فحذفت علامة الإعراب مطلقا ، أي : التنوين ، وهي في حالة واحدة فقط ، واختص بالبناء في حالة الجر ؛ ليكون كالفعل المشابهة في التعريف من الجر. (رضي).

(١) قوله : (ولا تنوين) عطف على قوله لا كسر ، ويجوز في قوله : (لا كسر ولا تنوين) من الوجوه ما يجوز في قوله : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، ويأتي في بحث المنصوب بلا التي لنفي الجنس. (إفصاح).

(٢) اعلم أن الفرعية لا تختص بفرعية الموقوف للموقوف عليه ، بل يشملها وغيرها ، المرجوح للراجح وأنها لا تنحصر فيما ذكر ككون الاسم مثنى إلى غير ذلك ، لكن لم يعتبروها ولم يعلم وجهه. (عبد الغفور).

(٣) اعلم أن لمشابهة الاسم الفعل ثلاث مراتب : أعلاها يوجب البناء كما في أسماء الأفعال ويمنع جميع أنواع الإعراب عنه ، وأوسطها يوجب عدم الانصراف كما في غير المنصرف ، وأدناها يوجب كون الاسم عاملا كما في الاسم الفاعل. (لمحرره).

(٤) أي : الإعراب المختص بالاسم الجر لما مر ؛ لكونه أثر حرف الجر لفظا أو تقديرا ، كان مختصا بالاسم فمنع منه بسبب المشابهة ؛ لأن الرفع والنصب يوجدان في الفعل والاسم ، والجزم بالفعل فرقا بين إعرابهما وتعادلا. (توقادي).

(٥) قوله : (والتنوين) عطف على قوله : (وهو الجر) وصحة الجر مع قطع النظر عن عموم ما في قوله : (الإعراب ما اختلف آخره به) لكونه وصف عاما لأنواع الإعراب ، فيكون مجازا بعلاقة التلازم وعطفه على الإعراب لا يخلو عن ركاكة كما لا يخفى. (سيد جلال).

(٦) قوله : (وإنما قلنا لكل علة فرعية ... إلخ) الظاهر أن ليس المراد بالفرعية في المقام إلا تأخر المرتبة ، فقول المحشي : (والاعتبار ... إلخ) أي : بأي : يكون اعتبار أحدهما متأخر عن اعتبار الآخر ، كما في المذكر والمؤنث فإن اعتبار المؤنث بعد اعتبار المذكر ، ولذا تقول : قائم ، ثم تقول : قائمة ، والاعتبار سواء الوقف واحتاج إلى الأصل أو لا ، فتتم الفرعية في الكل بلا تكلف ، ثم الظاهر من كلامهم أن المراد فرعية اللفظ للفظ كما في الفعل ، لا فرعية المعاني والأوصاف ، ولذا يستدل على فرعية التأنيث والتعريف للتذكير بأنك تقول : قائم ورجل ، ثم ـ

٨٧

إنّ لكلّ علة فرعية ؛ لأن (١) العدل فرع المعدول عنه والوصف فرع الموصوف والتأنيث فرع التذكير ؛ لأنك تقول : قائم ، ثم تقول : قائمة ، والتعريف فرع التنكير ؛ لأنك تقول : رجل ، ثم تقول : الرجل ، والعجمة في كلام العرب فرع العربية إذ الأصل في كل كلام أن لا يخالطه لسان آخر ، والجمع فرع الواحد والتركيب فرع الإفراد ، والألف والنون الزائدتين فرع ما زيدتا عليه (٢) ، ووزن الفعل فرع وزن الاسم ؛ لأن أصل كل نوع أن لا يكون فيه الوزن المختص بنوع آخر ، فإذا وجد فيه هذا الوزن كان فرعا لوزنه الأصلي (ويجوز) أي : لا يمتنع (٣) سواء كان ضروريا أو غير ضروري (صرفه) أي : جعله في حكم المنصرف بإدخال الكسر والتنوين فيه لا جعله منصرفا حقيقة فإن غير المنصرف عند المصنف ما فيه علتان (٤) أو واحدة تقوم مقامهما وبإدخال الكسر

__________________

ـ قائمة والرجل وحينها يشكل إتمام بعض ما ذكروه إلا بالتكلف ، والأولى تعميم المراد بالفرعية ، تأمل. (عيسى الصفوي).

(١) قوله : (لأن العدل فرع المعدول عنه) ؛ إذ لو لا تحقق المعدول عنه أولا لم يمكن العدل ، وهذا أولى مما قيل: لأن الأصل بقاء الاسم على حاله. (عيسى).

(٢) قوله : (ما زيدتا عليه) منهم من قال إن منهما للصرف لمضارعتهما لألفي التأنيث الممدودة في انتفاء التاء ، وكونهما زيدتا معا ، وحذفتا معا ، وكون أولى الحرفين في كل مدة ، والثانية حرفا تشبيها بحرف العلة ، ولا يخفى أن لا بد حينئذ من إثبات الفرعية بين المشبه والمشبه به. (لارى).

(٣) اعلم أن الأمور المعقولة ثلاثة : واجب وهو ما اقتضى ذاته أو جوده وكان وجوده ضروريا كوجود الباري تعالى وتقدس ، وممتنع وهو ما اقتضى ذاته وعدمه أو كان عدمه ضروريا كشريك الباري تعالى ، وجائز وهو ما استوى طرفاه أي : امتناعه وعدم امتناعه وفي هذا المقام لا يستقيم هذا ؛ لأن الضرورة تقتضي الإيجاب ولا يمكن جعله بمعنى الوجوب كما قيل : لأن قوله : (أو للتناسب) يمنعه ، فلزم تأويله بالإمكان العام ، فإن الإمكان على قسمين : الأول ما استوى طرفاه وهو المسمى بالإمكان الخاص ، والثاني ما سلب طرف امتناعه مع قطع النظر من الطرف الآخر وهو المسمى بالإمكان العام ، وهو المراد من قول الشارح : أي : لا يمتنع سواء كان ضروريا أو غير ضروري فحينئذ يستقيم قوله : (أو للتناسب). (مصطفى حلبي).

ـ إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، وهو عام يتناول الوجوب كما في ضرورة الشعر ، والجواز كما في التناسب. (وجيه الدين).

(٤) وأما عند غير المصنف فهو ما لم يدخل الكسر والتنوين ، فعند إدخال أحدهما يجعل منصرفا حقيقة. (عصمت).

٨٨

والتنوين (١) لا يلزم (٢) خلو الاسم عنهما وقيل : المراد بالصرف هاهنا معناه اللغوي لا الاصطلاحي والضمير في (صرفه) راجع إلى (حكمه) (للضرورة) (٣) أي : لضرورة (٤) وزن الشعر أو رعاية القافية فإنه إذا وقع غير المنصرف في الشعر فكثيرا ما يقع من منع صرفه انكسار يخرجه عن الوزن ، أو انزحاف يخرجه عن السلاسة ، أمّا الأول فكقوله (٥) :

(صبّت عليّ مصائب (٦) لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا)

وأمّا الثاني فكقوله (٧) :

__________________

(١) قوله : (والتنوين) الأولى أو التنوين بأو المانعة الخلو ؛ لأن صرف غير المنصرف لم يلزم أن يكون بإدخال كليهما ، بل يحصل بأحدهما أيضا كما في صبت علي مصائب ، لو أنها وفي من يسمى بأحمد. (عصمة الله).

(٢) قوله : (لا يلزم خلو الاسم عنهما) أي : عن العلتين الباقيتين فيه بعد إدخال الكسر والتنوين ، إما مؤثر أو لا ، فعلى الأول يلزم وجود المؤثر بدون أثره فإن أثره المنع عن الكسر والتنوين لا غير كما لا يخفى ، وعلى الثاني لم يصدق عليه تعريف غير المنصرف على مذهب المصنف أيضا ، فإن كون العلتين مؤثرتين معتبر في تعريفه كما صرح الشارح. (عصمة الله).

(٣) قوله : (للضرورة) لأن الضرورة ترد الأشياء إلى أصولها ، ولذا لم يجز عدم صرف المنصرف لها عند الجمهور من البصريين ، وكما لم يجز جعل الهمزة المقصورة ممدودة ؛ لأن أصل الممدودة المقصورة ، وجوز الكوفيين وطائفة من البصريين منع صرف العلم للضرورة. (عصام).

(٤) يشير إلى أن كون اللام للعوض عن المضاف إليه وللعهد فإن الضرورة مخصوصة بالشعر لا توجد في النثر ، وقوله : (للضرورة) من قبيل خرجت مخافة للشر. (جلبي).

(٥) قائله أم المؤمنين فاطمة الزهراء أول البيت :

ماذا على من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

والمعنى ما الذي ، أو أيّ : شيء وقع على من شم تربة أحمد في أن لا يشم مدى الزمان وامتداده أنواع الغالية ، والاستفهام للإنكار ، والمعنى : ماذا أوجب على من شم تربة أحمد أن لا يشم ... إلخ) ، والاستفهام للتعجب من عظم الموجب وهو كمال الاستغناء عن شم الغوالي. (عصام الدين).

(٦) والمعنى نزلت على مكروهات مكررات لو نزلت على الأزمنة في غاية الصفاء صارت تلك الأزمنة في الظلمة كالليل قبل غروب الشمس ، فلو لم يجعل مصائب في حكم المنصرف بإدخال التنوين لكان المصراع الأول ناقصا عن المصراع الثاني بحرف ؛ لأن التنوين يعد حرفا عند الشعراء. (رضا).

(٧) الإمام الشافعي في مدح إمام الأعظم ، وأول البيت :

هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم

وللعاشق المسكين ما يتجرع

٨٩

(أعد ذكر نعمان لنا إنّ ذكره (١)

هو المسك ما كررته يتضوّع)

فإنه لو فتح نون (نعمان) من غير تنوين يستقيم الوزن ولكن (٢) يقع فيه زحاف يخرجه عن السلاسة كما يحكم به سلامة الطبع ، فإن قلت : الاحتراز عن الزحاف ليس بضروري ، فكيف يشمله قوله : للضرورة. قلنا : الاحتراز عن بعض الزحافات إذا أمكن الاحتراز عنه ضروري عند الشعراء ، وأما الضرورة الواقعة لرعاية القافية ، فكما في قوله :

سلام (٣) على خير الأنام وسيّد

حبيب إله العالمين محمد

بشير (٤) نذير هاشميّ مكرم

عطوف رؤف من يسّمى بأحمد

فإنه لو قال : (بأحمد) ـ بفتح الدال لا يخلّ بالوزن ولكنه يخل بالقافية فإن حرف الروي في سائر الأبيات ، الدال المكسورة (أو للتناسب) أي : ويجوز صرف غير المنصرف، ليحصل (٥) التناسب بينه وبين المنصرف ؛ لأن رعاية (٦) التناسب بين

__________________

(١) جواب سؤال مقدر نشأ من الأمر بالإعادة أو بالفتح ، علة لذلك الأمر بحذف اللام. (رضا).

(٢) ولما كان كلمة لكن من حروف العاطفة كيف أن تجامع مع الواو العاطفة ، مع أنه لا يجوز اجتماع حرفي العطف قلنا : نعم الأمر كذلك أن كلمة لكن إذا وقعت بعد الواو يخرج عن كونها للعطف ، وتتمحض للاستدراك ، كما أن اللام إذا اجتمعت مع سوف تخرج عن كونها للحال وتخلص للتأكيد. (شيخ زاده للقاضي).

(٣) مبتدأ مخصوص بالنسبة إلى المتكلم مثل سلام عليك ، أي : سلامي ، أي : سلام من قبلي ، أي : التنزيه من كل آفة ونقيضه ، والتبرئة من كل عيب. (توقادي).

(٤) قوله : (بشير) فعيل بمعنى فاعل للمبالغة أي : مبشر للمؤمنين بالمغفرة والإحسان والرحمة في دار الجنان ، نذير أي : منذر للكافرين مخوف إياهم بالخلود في النار والعاصين بالعذاب ، هاشمي أي : منسوب من قبيلة هاشم ، مكرم عند الله تعالى وأهل سمواته وأهل أرضه ، بل عند كل الخلائق. (م ح).

(٥) أشار بهذا إلى شيئين أحدهما أن قوله : (أو للتناسب) من قبيل ضربته تأديبا له ، يعني أن هذا مغاير بحسب النوع للقسم الأول ، ولهذا أعاد فيه الجار ، وثانيهما إلى وجه ذكر سلاسلا مع أغلالا ، فإن وجه المناسبة لا يعرف إلا بذكرهما معا كما أشار إليه الشارح. (جلبي).

(٦) قوله : (لأن رعاية التناسب ... إلخ) ولهذا صار السجع من أجمل المحسنات ، وذلك يكون في آخر الكلام الفصيح على أنحاء مختلفة ، منها ما في قولهم : (هنأني الشيء ومرأني) مع أن الأصل أمرأني عند من لم يثبت مرأني ، ومنها ما في قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ ـ

٩٠

الكلمات أمر مهم (١) عندهم وإن لم يصل إلى حد الضرورة (٢).

(مثل : (سَلاسِلَ (٣) وَأَغْلالاً)) حيث (٤) صرف (سلاسلا) ليناسب المنصرف الذي يليه ـ أعني (أغلالا) ـ فقوله : (سلالا وأغلالا) مثال لمجموع غير المنصرف الذي صرف ، والمنصرف الذي صرف غير المنصرف لتناسبه (وما يقوم (٥) مقامهما) أي : العلة(٦) الواحدة التي تقوم مقام العلتين من العلل التسع ، علتان مكررتان قامت كل واحدة منهما مقام علتين لتكررهما ، أحداهما : (الجمع) البالغ إلى صيغة منتهى (٧)

__________________

ـ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ ؛ إِذا يَسْرِ)[الفجر : ١ ـ ٤] بحذف الياء لمناسبة الفجر ، كما قيل. (عصمت).

(١) أي : عند العرب سواء كان في النثر كما في قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)[البروج : ١٣] بضم الياء في الأول والقياس الفتح ؛ لأنه من بدأ ثم قرأ ، أو في الشعر كما في قوله :

قالوا اقترح شيئا تجد لك طبخة

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

فأتى ب : اطبخوا مكان خيطو لمناسبة طبيخه واختلفا اسما وفعلا. (م).

(٢) قوله : (إلى حد الضرورة) فيه إشارة إلى علة التناسب قد يصل إلى حد الضرورة ، ومنه وجوب صرف أعلام الأوزان التي قصد بها وزن منصرف مع عدم صرفها ، كما يقال : وزن ضارب يضارب مضاربة فاعل يفاعل مفاعلة ، فصرف مفاعلة مع تأنيثها وعلميتها لوزن مخصوص ؛ لمناسبة ما يوزن به ، أعني : مضاربة وهذا التناسب ضروري عند بيان الوزن كما لا يخفى. (عصمت).

(٣) قوله : (سلاسلا) فإن نون ما قبله وهو للكافرين لما كان بمنزلة التنوين ، وكان ما بعده وهو قوله تعالى : (وَأَغْلالاً)[الإنسان : ٤] منونا كأن كان ما بعده وما قبله منون هو أيضا ؛ للتناسب. فإن قلت : عليه أن يقول : يجب صرفه للضرورة ؛ لأنها موجبة لا مجوزة قلت : لو قال كذلك لم يصح عطف التناسب على الضرورة ؛ لأنه مجوز لا موجب ، فالحق أنه أراد بالجواز القدر المشتركة بين الوجوب والجواز ، فحينئذ صحت عطف التناسب على الضرورة كانت ظاهرة. (عوض أفندي).

(٤) تعليل لصحة التمثيل به أو للمكان ، إشارة إلى قراءة أخرى بدون رعاية التناسب.

(٥) ولما فرغ من بيان حكم غير المنصرف وبيان دواله ، أراد أن يبين السبب الذي يقوم مقام السببين فقال : وما يقوم مقامهما. (م).

(٦) وهذا التفسير إشارة إلى أن هذا التفصيل ، أي : قول المصنف : وما يقوم مقامهما ، تفصيل لما أجمل المصنف في تعريف غير المنصرف حيث قال : أو واحدة تقوم مقامهما. (جلبي).

ـ قوله : (وما يقوم مقامهما) قيل : هذا من تتمة بيان التعريف فينبغي أن يقدم على قوله : (وحكمه) ، وفيه أن بيان الأسباب كلها من تتمة التعريف ، فهذه جملة معترضة ولا مشاحة في وقوعها أينما وقعت ، الاهتمام ببيان أنها لا تصلح التعريف قدمت إلى هنا. (عصام).

(٧) قوله : (منتهى) مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل ، وأضيف إلى الجموع إضافة الصفة ـ

٩١

الجموع ، فإنه قد تكرر (١) فيه الجمعية حقيقة ك : (أكالب) و (أساور) و (أناعيم) أو حكما كالجموع الموافقة لها في عدد الحروف والحركات والسكنات ك : (مساجد) و (مصابيح).

وثانيهما : التأنيث لكن لا مطلقا بل بعض أقسامه (و) هو (ألفا التأنيث)(٢)المقصورة والممدودة أي : كل واحدة منهما ك : (حبلى) و (حمراء) لأنهما لازمتان للكلمة وضعا ، لا تفارقانها أصلا قد يقال في (حبلى) : حبل ولا في (حمراء) : حمر فيجعل لزومهما للكلمة بمنزلة تأنيث آخر ، فصار التأنيث مكررا ، بخلاف التاء فإنها ليست لازمة للكلمة بحسب أصل الوضع ، فإنها وضعت فارقة (٣) بين المذكر والمؤنث ، فلو عرض اللزوم لها بعارض كالعلمية مثلا ، لم يقوقوّة اللزوم الوضعي (فالعدل) (٤) مصدر (٥) مبني للمفعول أي : كون الاسم معدولا (خروجه) أي : خروج الاسم ، أي :

__________________

ـ إلى الموصوف ، والمراد من الجمع الفرد الكامل وهو الجمع المكسر ، فإن الجمع الصحيح لسلامة واحده كأنه لم يجمع. (ه ح)

(١) قوله : (تكرر فيه الجمعية ... إلخ) اعلم أن في علة قيام الجمع مقام العلتين أقوالا : الأول تكرار الجمعية حقيقة أو حكما ، وإلى هذا ذهب المصنف ولهذا اختاره الشارح ، والثاني أن الجمعية فيه وصل إلى حد التناهي بحيث لا يصح جمعه ثانيا جمع التكسير ، فكأنه له كمال قوة في الجمعية ، والثالث أنه لا نظير لهذا الجمع في الآحاد ، بخلاف سائر المجموع فله قوة في الجمعية يصح أن يقام مقام السببين ، وبعض كأكلب وأجمل وإن لم يكن لها نظير في الآحاد كما قيل ، لكن لكونها جمع قلة تناسب الآحاد فلا يقوى قوة يقوم بها مقام السببين. (عصمت).

(٢) وإنما كانت تلك الألف قائمة مقام العلتين ؛ لأنها فيها تأنيثا ، ولزوم تأنيث فالتأنيث علة واحدة ولزومها بمنزلة علة أخرى ، فكان فيها تأنيثين ، وإنما كان اللزوم بمنزلة العلة ؛ لكونه مشابها لسائر العلل المعتبرة في الفرعية ؛ لأن الأصل أن يلزم التأنيث الكلمة ، ولزومه فرع على ذلك الأصل ، هذا هو المفهوم من كلام الغالي.(عافية).

(٣) قوله : (فارقة بين المذكر ... إلخ) دفع بهذا الكلام ما يقال من أن التاء قد تكون لازمة كالقدرة والرحمة والبركة والحرمة وغيرها ، فينبغي أن يكون غير منصرف ، وليس كذلك ، وحاصل الدفع إن هذا اللزوم عرضي للتاء ، فليس فيه اللزوم الوضعي. (طاشكندي).

(٤) والعدل في اللغة بمعنى الميل ، يقال : عدل عنه ، أي : مال عنه ، وعدل إليه مال إليه وجاء ، بمعنى التبعيد يقال : عدل الحجال الفحل إذا نحاه ، كذا في القاموس. (عصام الدين).

(٥) هذا دفع لاعتراض الشارح الرضي ، حيث قال : إن العدل مصدر متعد صفة المتكلم ، والخروج مصدر لازم صفة الاسم ، فلا يصح الحمل فالواجب أن يقال : إخراجه لا خروجه ؛ ـ

٩٢

كونه مخرجا (عن صيغته الأصلية) أي : عن صورته التي يقتضي الأصل والقاعدة أن يكون ذلك الاسم عليها ، ولا يخفى (١) عليك أن صيغة المصدر ليست صيغة المشتقات ، فبإضافة الصيغة إلى ضمير الاسم خرجت المشتقات كلها.

وإن المتبادر من خروجه عن صيغته الأصلية أن تكون المادة باقية ، والتغيير إنما وقع في الصورة فقط (٢) ، فلا ينتقض بما حذف عنه بعض الحروف كالأسماء المحذوفة الإعجاز (٣) مثل : (يد ودم) فإن المادة ليست باقية فيهما ، وأن خروجه عن صيغته الأصلية يستلزم دخوله في صيغة أخرى ـ أي : مغايرة للأولى (٤) ـ ولا يبعد (٥) أن يعتبر مغايرتها لها في كونها غير داخلة تحت أصل وقاعدة كما كانت (٦) الأولى داخلة تحته ،

__________________

ـ ليصح الحمل ، فأجاب الشارح بأن العدول ههنا مصدر مجهول ، أي : كون الاسم مخرجا فحينها يستقيم الحمل. (جلبي).

(١) وذلك لأن العدل متعدّ والخروج لازم ، فلو كان العدل مصدرا مبينا للفاعل لا يحمل عليه الخروج ، تأمل.

ـ قوله : (ولا يخفي أن صيغة المصدر ليست صيغة المشتقات) جواب دخل مقدر وهو أن يقال : تعريف العدل ليس بمانع ؛ لأنه يصدق على المشتقات كلها ؛ لأنها مخرجة عن شيء آخر ، والجواب ما أشار المصنف.

(٢) كرباع عدل عن أربعة أربعة ، وكذا مربع ، وعمر وزفر عن عامر وزافر ؛ لأنه شرط كون المادة باقية وجب أن يكون التغيير في الصورة ؛ لأنه إذا لم يتغير فيها أيضا لا يتحقق العدل ، فوجب أن يقع التغيير في الصورة. (توقادي).

(٣) وكذا محذوفة الأوائل نحو عدة أصله وعدا ، ومحذوفة الأواسط كمقول أصله مقوول على قول ، والظاهر أن يكون كل ما غير بإبدال حرف بحرف من هذا القبيل ؛ لأنه لم يبق مادية بحسب الظاهر كالمقام والإيلاء ، وحينها لم يبق من المغيرات القياسية إلا المدغمات والمقلوبات وما غير فيه الحركة فقط. (عصمت).

(٤) أي : للصيغة التي هي الصيغة المعدول عنها في الوزن والهيئة كما مر من الأمثلة ؛ لأنه إذا لم تكن مغايرة لها تكون الثانية عين الأول ، فلم يوجد الشرط وهو أن تكون المادة باقية ، والتغيير يكون في الصورة فقط. (م).

(٥) قوله : (ولا يبعد) هو هذا جواب سؤال مقدر نشأ من قوله : (مغايرة للأولى) وهو أن يقال في قوله : (صيغة أخرى) بقوله : (مغايرة للأولى) لعدم المقام مثلا عنه ، وهو لا يخرج به ؛ لأن المغايرة أعم من أن يكون بتبديل حروفه الأصلي إلى آخر ، فأجاب بقوله : (ولا بيعد أن يعتبر مغايرتها). (شرح).

(٦) قوله : (كما كانت الأولى داخلة تحته) أي : تحت أصل كثلاثة ثلاثة مثلا ، فإنهما من ـ

٩٣

فخرجت (١) عنه المغيرات القياسية. وأمّا (٢) المغيّرات الشاذة فلا نسلم أنها مخرجة عن الصيغ الأصلية فإن الظاهر أن مثل : (أقوس) و (أنيب) من الجموع (٣) الشاذة ليست مخرجة عما هو القياس فيهما ـ أعني : (أقواسا) و (أنيابا) بل إنما جمع (القوس) و (الناب) ابتداء على (أقوس) و (أنيب) على خلاف القياس من غير أن يعتبر جمعهما أوّلا على (أقواس) و (أنياب) وإخراج (أقوس) و (أنيب) عنهما (٤).

__________________

ـ أسماء العدد ، وأصل القاعدة في أسماء العدد من الواحد إلى العشرة واحد واثنان وثلاثة إلى عشرة ، والثلاثة داخلة في تلك الأصل بخلاف ثلاث ومثلاث فإنهما ليس بداخلين تحت أصل وقاعدة ؛ إذ ليس أصل وقاعدة حتى يكون ثلاث ومثلاث داخلة تحته. (شجاع).

(١) قوله : (فخرجت عنه المغيرات القياسية) نحو قال وقول مقام ومكان ، فإن كلا منهن داخل تحت القاعدة ، أما الثلاثة فظاهر وأما قول ؛ فلأنه ؛ لأنه ماضي يفعل بضم العين يجيء على فعل بفتحها. (وجيه الدين).

(٢) قوله : (وأما المغيرات الشاذة) جواب سؤال وهو أن المغيرات الشاذة كأقوس وأنيب مغيرة عما هو القياس فيهما كأقواس وأنياب ، على ما عرف من أن الأصل في الأجوف واويا كان أو يائيا لا يجمع على أفعل ، وتقرير الجواب : إنا لا نسلم أن الصيغة الأصلية أنياب وأقواس ، وأنهما خارجتان عنهما ، بل إنما جمعا على أقوس وأنيب ابتداء من غير أن يعتبر جمعهما أولا على أقواس وأنياب ، ثم عدل عنهما إلى أقوس وأنيب بخلاف نحو ثلاث ، فإن اعتبر أولا ثلاثة ثلاثة ثم عدل عنه إلى ثلاث. (وجيه الدين).

ـ قوله : (وأما المغيرات) نقل عن المصنف أنه لا بد في العدل من الخروج عن المعنى أيضا ؛ لئلا يرد الجموع الواردة على خلاف القياس والمصغرات والمنسوبات كذلك ، وحينها لا حاجة إلى ما ذكره الشارح ، إلا أن السيد أمر بالتأمل في جريان ذلك في جميع المعدولات ، فتأمل وقد تعرض به دار الحديث وأثبته ، ثم إنه نقل عن المصنف أيضا شرط اتحاد المعنى ؛ لئلا يرد المشتق ونحوه ، ولعل المراد اتحاد أصل المعنى وإذا اختلف شيء من العوارض؟؟؟ فتأمل. فارجع إلى المطولات. (عيسى الصفوي).

(٣) أما الجموع الشاذة التي لا وجود لأصولها فلا يتوهم ورودها أصلا فتأمل ، وجهه أن يختص المجموع الشاذة ههنا إنما بناء على أن لا بد للعدل الحقيقي من المعدول عنه المحقق المستعمل وهو في حيز المنفي ؛ إذ اللازم له إنما هو اقتضاء دليل غير منع الصرف أن يكون أصل المعدول سببا آخر ، ولم يلزم وجود ذلك الشيء في نفس الأمر.

(٤) قوله : (عنهما) أي : عما هو القياس فيهما ، إذا كان كذلك لما حكم عليهما وعلى أمثالهما بالشذوذ ؛ لأنه قاعدة للأسماء المعدولة متى أن ما خالفهما يكون شاذا ، ولما حكم عليهما وعلى أمثالهما بالشذوذ علم أنهما ليس بمعدولين. (توقادي).

٩٤

وقال بعض الشارحين : قد جوز بعضهم تعريف الشيء بما هو أعم منه إذا كان المقصود منه تمييزه عن بعض ما عداه ، فيمكن أني قال : المقصود هاهنا تمييز العدل عن سائر العلل لا عن كل ما عداه ، فحيث حصل (١) بتعريفه هذا التمييز لا بأس بكونه أعم منه فحينئذ لا حاجة في تصحيح هذا التعريف إلى ارتكاب تلك المتكلفات.

واعلم أنا نعلم قطعا (٢) أنهم لما وجدوا (ثلاث ومثلث وأخر وجمع وعمر) غير منصرف ولم يجدوا فيها سببا ظاهرا غير الوصفية (٣) أو العلمية احتاجوا إلى اعتبار سبب آخر ، ولما لم يصلح للاعتبار إلا العدل ، اعتبروه فيها لا أنهم تنبهوا للعدل فيما عدا (عمر) من هذه الأمثلة ، فجعلوه غير منصرف ، للعدل ، وسبب آخر ، ولكن لا بد في اعتبار العدل من أمرين : أحدهما : وجود (٤) أصل للاسم المعدول. وثانيهما : اعتبار إخراجه عن ذلك الأصل إذ لا تتحقق الفرعية بدون اعتبار ذلك الإخراج.

__________________

(١) ويفهم من كلام الشارح أن هذا التوجيه مرضي له ، مع أن الظاهر أن المقصود في هذا المقام تمييز غير المنصرف عن المنصرف لا مجرد تمييز بعض العلل عن بعض ولا شك أن هذا التعريف للعدل لا يتميز به غير المنصرف عن المنصرف ، فإنه إذا سمي بالجموع الشاذة مثلا شخص لم يعلم أنها غير منصرف أو منصرف ، بل يتوهم أنها غير منصرف لتحقق العلمية والعدل بهذا التعريف الأعم منها. (عصمت).

(٢) قوله : (واعلم أنا نعلم قطعا ... إلخ) كان وجهه أن نظر النحاة في تتبعهم أولا إلى إعراب الكلمة وبنائها ، فإذا نظروا إلى إعراب ثلاث وأخواته وجدوا إعرابها إعراب منع الصرف ، ولما علموا بالتتبع أن منع الصرف لا يكون إلا بفرعيتين حقيقة أو حكما ، فتشوا عن حال تلك الأمثلة ، فوجدوا فرعيته ظاهرة وهي العلمية أو الوصفية ، ولم يجدوا أخرى فاضطروا إلى اعتبار فرعية ، ولم يصلح للاعتبار إلا العدل فاعتبروه ، ثم فتشوا عن حال الأصل ، ففي بعض الأمثلة لم يجدوا ما يدل على ثبوت أصل إلا اقتضاء العدل المعدول عنه ، وفي بعضها وجدوا دليلا آخر فالثاني هو العدل التحقيقي ، أي : العدل المنسوب إلى ما هو محقق ، أي : في الخارج ، والأول هو العدل التقديري ، أي : العدل المنسوب إلى ما هو مقدر ليس ثابتا في الخارج. (عبد الغفور).

(٣) والوصفية أو العلمية وحدها لم تؤثر في منع الصرف لكون اجتماع السببين أو تكرر واحد منها شرطا ، وهما ليسا كذلك. (ح).

(٤) لأن الأصل المعدول عنه إذا لم يوجد لم يمكن اعتبار العدل فكيف يوجد العدل ، الذي هو النوع ؛ لأن المعدول فرع المعدول عنه. (م).

٩٥

ففي بعض تلك الأمثلة يوجد دليل غير منع الصرف يدل على وجود الأصل المعدول عنه ، فوجوده محقق بلا شك ، وفي بعضها لا دليل غير منع الصرف ، فيفرض له أصل ، ليتحقق العدل بإخراجه عن ذلك الأصل. فانقسام (١) العدل إلى التحقيقي والتقديري إنما هو باعتبار كون ذلك الأصل محقّقا أو مقدّرا (٢) ، وأما اعتبار (٣) إخراج

__________________

(١) لأن إذا لم يقدر الأصل ولم يخرج عنه يلزم أن يوجد اسم غير منصرف بعلة واحدة في كلامهم ، وذلك غير جائز ؛ لأن العلة الواحدة لم تؤثر في منع الصرف ، فيكون أصل هذا البعض مقدرا ، ولهذا قال الشارح : فانقسام العدل. (توقادي).

ـ أي : إذا لم يكن الفرق بين عمر وغيره ، لا باعتبار تحقق الأصل وعدمه ، فانقسام العدل. (لمحرره). فالحاصل أن انقسام العدل إلى التحقيقي والتقديري إنما هو باعتبار كون ذلك الأصل محققا أو مقدرا. (مصطفى حلبي).

ـ قوله : (فانقسام العدل إلى التحقيقي والتقديري ... إلخ) ، أقول : ذكر المصنف في شرح المنظومة أن التحقيقي مما ثبت معرفته صرف أو لم يصرف ، والتقديري ما يتوقف معرفته على منع الصرف ، وقال الشيخ : العدل المحقق ما لوجدناه منصرفا أيضا لكان هناك طريق معرفة كونه معدولا بخلاف المقدر ، وذلك مناف لتحقيق الشارح ، والشارح لم يبن تحقيقه على دليل بل على دعوى العلم القطعي وهو ممنوع منعا ظاهرا ، بل الذي يظهر من كلامهم أن مرادهم بالدليل في هذا المقام المارة وما يناسب الشيء ثم أنهم لما علموا أن الاسم على خلاف القياس حكموا حكما ظنيا مناسبا ، بأن الاسم مخرج عما هو القياس مع قطع النظر عن منع الكسر والتنوين وعدمه ، وجعلوا الدليل على مخالفة الأصل دليلا ظنيا ، وإمارة في الجملة على إخراجه عن ذلك الأصل ، فحيث وجدوا أمارة في نفس الكلمة على إخراجه عن ذلك الأصل جعلوها أمارة للخروج عنه ، وسموه عدلا تحقيقا ، وحيث لا يجدوا سموه عدلا تقديريا ، وقد صرح المصنف بأن التحقيقي ما يكون في نفس اللفظ مخالفة لفظه يعرف بها أنه مخرج عن الأصل ، وهو صريح فيما قلنا ، والتحقيق في بيان مرادهم في المقام. (عيسى).

(٢) نظرا إلى الأمر الأول ؛ لأن وجود الأصل إذا كان محققا بلا شك كان العدل محققا أيضا بلا شك ، وإن كان مقدرا كان العدل مقدرا ؛ لأن الفرع يتبع الأصل. (م).

(٣) كأنه قائلا يقول : قد ذكرتم أنه لا بد في كل اسم معدول من أمرين أحدهما وجود الأصل ، والثاني اعتبار إخراجه وأن وجد في بعض تلك الأمثلة دليل في وجود الأصل ، وفي بعضها لا يوجد دليل في منع الصرف ، فالدليل على اعتبار الإخراج ، فأجاب بقوله : (وأما ... إلخ). (لمحرره رضا).

ـ قوله : (وأما اعتبار ... إلخ) فلا دليل عليه أنه أراد لا دليل قطعيا أو قويا فمسلم ، لكن لا يفيد أن معنى تحقيقيا عندهم ما ذكره ، وإن أراد أنه لا دليل عليه عندهم فممنوع ، بل هم جعلوا ـ

٩٦

المعدول عن ذلك الأصل ليتحقق العدل ، فلا دليل عليه إلا منع الصرف. فعلى هذا (١) قوله (تحقيقا) (٢) معناه خروجا كائنا عن أصل محقق يدل عليه دليل غير منع الصرف (كثلاث ومثلث) والدليل على أصلهما أن في معناهما تكرارا دون لفظهما والأصل أنه إذا كان المعنى مكررا يكون (٣) اللفظ أيضا مكررا ، كما في (جاءني القوم (٤) ثلاثة ثلاثة).

فعلم أنّ أصلهما لفظ مكرر وهو (ثلاثة (٥) ثلاثة) وكذا الحال في (أحاد) و (موحد) و (ثناء) و (مثنى) إلى (رباع) و (مربع) بلا خلاف ، وفيما وراءها إلى (عشار ومعشر) خلاف ، والصواب مجيئها والسبب (٦) في منع صرف (ثلاث ومثلث) ،

__________________

ـ ما يدل على تحقيق الأصل وسماه عدلا تحقيقيا كما هو المشهور ، والمتبادر من كلام الجمهور ، وليس فيه محذور فهو أولى بالاعتبار في بيان مرامهم. (عيسى الصفوي).

(١) قوله : (فعلى هذا) أي : انقسام العدل إلى التقديري والتحقيقي باعتبار كون ذلك الأصل محققا أو مقدرا. (حلبي).

والمنع محقق في جميعها ، فاعتبار الإخراج أيضا محقق لا مقدرة ، فإنه يصح انقسام العدل إلى التحقيقي والتقديري باعتبار الإخراج ، فلا يرد ما قيل. (مولانا سعيد).

(٢) قوله : (تحقيقا ... إلخ) وصف بحال المتعلق ، وأما على المشهود فمعناه خروج تحقيق أي : خروجه محققا ، كرجل سوء بمعنى رجل مسيء ، فيكون وصفه بالتحقيق وصفا بحال نفسه ، وكذا معنى قوله : (تقديرا). (عبد الغفور).

(٣) يعني : إذا كان المعنى ملحوظا مرتين يكون اللفظ أيضا مذكورا مرتين ، لا يقال : إن المعنى في المثنى مكرر مع عدم تكرار اللفظ ؛ لأنا نقول إن المعنى غير مكرر في المثنى ، بل أريد منه فردان من مفهوم واحد لا تكرار ذلك المفهوم. (عصمت).

(٤) قوله : (جاءني القوم ثلاثة ثلاثة) كلاهما منصوبان على الحالية مؤول بلفظ واحد ، أي : مفصلا بهذا التفصيل ، فلما كان كلا اللفظين عبارة عن الحال أجري الإعراب عليهما. (بخاري).

(٥) وقد عدل ثلاث ومثلاث عن هذا الأصل تخفيفا في اللفظ ؛ لأن ثلاث أخف من ثلاثة ثلاثة مع أن معناهما واحد ، وقال الرضي : وذلك أنا وجدنا ثلاث وثلاثة ثلاثة بمعنى واحد ، وفائدتهما تقسيم أمر ذي أجزاء على هذا العدد المعين ، ولفظ المقسوم عليه في غير تلفظ العدد مكرر على الاطراد في كلام العرب ، نحو قرأت الكتاب جزأ جزأ ، وأبصرت العراق بلدا بلدا ، فكان القياس في باب العدد أيضا التكرير عملا بالاستقراء ، فلما وجد ثلاث غير مكرر لفظا حكما بأن أصله لفظا مكررا ، لكن كلام الشارح أخص من كلام الرضي. (لارى).

(٦) قوله : (والسبب في منع الصرف ... إلخ) المقصود من هذا الكلام ترجيح قول من قال : ـ

٩٧

وأخواتهما العدل والوصف ؛ لأن الوصفية (١) العرضية التي كانت في (ثلاثة ثلاثة).

صارت أصلية في (ثلاث ومثلث) لاعتبارها في ما وضعا له (٢). (وآخر) جمع أخرى مؤنث آخر ، وآخر اسم التفضيل ؛ لأن معناه في الأصل : أشدّ (٣) تأخّرا ، ثم نقل إلى معنى (٤) (غير) وقياس اسم التفضيل أن يستعمل باللام أو بالإضافة أو كلمة (من)

__________________

ـ إن السبب في منع الصرف ثلاث وأخواتها هو العدل والوصف لا ما قيل : إن منع صرفها لتكرار العدل ، حيث عدل عن الصيغة وعن التكرار ، وعن الصيغة وعن الاسمية إلى الوصفية ، وذلك لأن اعتبار العدل أمر اضطراري يجب أن يقصر على قدر الحاجة ؛ ولأنه لو كان كذلك لكان العدل قائما مقام العلتين كالجمع ، ولم يقل به أحد. (عصمت).

(١) قوله : (لأن الوصفية العرضية) يشير إلى دفع سؤال من أن شرط الوصف أن يكون في الأصل وصف ، والوصف في هذه الأمثلة عارضة كيف تؤثر في منع الصرف فأجاب بقوله : (لأن الوصفية العرضية ... إلخ) ، لكون الوصفية معتبرة فيما وضعا له ، يعني : أن الوصفية معتبرة في وضعهما فيوجد شرط تأثيرها في منع الصرف. (جليي).

ـ ولما وضعت أسماء العدد لنفس الآحاد والأعداد ؛ لاشتماله الوحدات ، أي : المعدودات فاستعماله في المعدودات يكون مجازا ، والوصفية تعرض لها باعتبار هذا الاستعمال ، فالوصفية التي تعرض لثلاثة ثلاثة باعتبار هذا الاستعمال. (عصمت).

ـ فإن قلت : إذا كان الوصفية في الأصل عرضية ، فكيف يكون في الفرع أصلية قلنا : كون الوصف في الأصل عرضية أيضا لا يوجب أن يكون في الفرع عرضية أيضا ، كما أن للكافر إذا أسلم وأتي بولد بعد الإسلام يكون الولد مسلما أصلية ، وإن كان الإسلام في الأب عرضية. (مغني).

(٢) أي : حصلت لهما بالتركيب ؛ لأن ثلاثة وضعت اسما المرتبة معينة من مراتب العدد من غير ملاحظة معنى الوصف فيه ، فلا وصف فيه في أصل الوضع ، ويدل عليه إضافته إلى المعدود نحو ثلاثة رجال. (توقادي).

(٣) وظاهر أن صيغة أفعل واشتقاقه أيضا كاشتقاقه ، يقال : آخر آخران آخرون وأواخر ، كأفضل وأفضلان أفضلون وأفاضل ، أخرى أخريان أخريات وأخر كفضلى فضليان فضليات وفضلى ، فلا يرد أن كون معناه أشد تأخرا لا يستلزم كونه اسم التفضيل ؛ لأن مثل هذا المعنى يتحقق في صيغ المبالغة أيضا. (عصمت).

(٤) يعني : إلى المعنى المجازي وهو النفي بقرنية السؤال تحقيقا ، كما إذا قيل : أزيد في الدار ، يقال آخر ، أي : ليس فيها ، أو تقديرا ؛ لأن في اسم التفضيل أيضا معنى النفي ؛ لأن الوصف الزائد في المفضل منفي باسم التفضيل عن المفضل عليه معنى ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان ـ

٩٨

وحيث لم يستعمل بواحد منها علم أنه معدول عن أحدها.

فقال بعضهم : إنه معدول عما فيه اللام أي : عن الآخر. وقال بعضهم : هو معدول عما ذكر معه (١) (من) أي : عن آخر من ، وإنما لم يذهبا إلى تقدير الإضافة ؛ لأنها توجب التنوين أو البناء أو إضافة أخرى مثلها نحو : (حينئذ) (٢) و (قبل) و:

يا تيم تيم (٣) عديّ ...

وليس في (أخرّ) شيء من ذلك فتعين أن يكون معدولا عن أحد الآخرين (وجمع) جمع (جمعاء) مؤنث (أجمع) وكذلك (كتع وتبع وبصع) وقياس (٤) (فعلاء (٥) أفعل) إن كانت صفة أن تجمع على (فعل) ك : (حمراء) على (حمر) وإن كانت اسما أن تجمع

__________________

ـ للتفضيل وجه ، ولهذه المناسبة نقل إلى معنى غير ، فمعنى قولك : جاءني زيد ورجل آخر ، جاءني رجل غير زيد ، لكن بشرط أن يكون من جنس المذكور ، فلا يقال : جاءني رجل وحمار آخر وامرأة أخرى. (شيخ الرضي).

(١) وهو الأصح ؛ لأنه لو كان معدولا عن المعرف باللام لكان معرفة وليس كذلك ؛ لوقوعه صفة للنكرة قال الله تعالى : (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة : ١٨٤] والفرق بينه وبين أمس مما يلتفت إليه. (لمحرره رضا).

ـ ولقائل أن يقول : لا يصح أن يكون معدولا عن آخر لأن أخر جمع أخرى ، وأخر مفرد فكيف يصح معدول الجمع من المفرد قلنا : في جوابه أن أفعل التفضيل إذا كان مستعملا بمن فيه المذكر والمؤنث والجمع فحينئذ يكون آخر معدولا عن الجمع. (محمود أفندي).

(٢) يعني : أن حذف المضاف إليه من التركيب الإضافي لا يخلو إما أن يوجب التنوين في المضاف ليكون عوضا عن المحذوف نحو حينئذ ، وإما أن يوجب بناء المضاف لتضمنه معنى الإضافة ، وهو معنى من معاني الحروف كقبل ؛ لأن أصله قبل زيد ، فلما حذف المضاف إليه ونوي بني على الضم لما سيأتي. (ملخص من الشرح).

(٣) وإما أن يوجب أن يليه تركيب أجنبي في مثله بشرط أن يكون المضاف والمضاف إليه في الثاني يمين المضاف ، والمضاف في الأول يكون قرنية على أن المضاف إليه محذوف في الأول نحو : يا تيم تيم عدي ، أصله يا تيم عدي. (م).

(٤) اتفقوا على أن جمعا مؤنث جمع ، لكنهم اختلفوا في أنه اسم أو صفة ، فقيل : اسم كصحراء وقياس جمعه في التكسير فعالى كصحارى ، وفي الصحيح فعلاوات ، فأصلهما جماعي وجمعاوات. (وجيه الدين).

(٥) يعني : أن قياس الاسم المؤنث الذي على وزن فعلاء مذكره على وزن أفعل. (عصمت).

٩٩

على (فعالى) أو (فعلاوات) ك : (صحراء) على (صحاري) أو (صحراوات) فأصلها إمّا (جمع) أو (جماعى وجمعاوات) فإذا اعتبر إخراجها عن واحدة منها تحقق العدل ، فأحد السببين فيها العدل التحقيقي والآخر الصفة الأصلية وإن صارت بالغلبة في باب التأكيد (١) اسما ، وفي (أجمع) وأخواته أحد السببين ، وزن الفعل والآخر الصفة الأصلية (٢) وعلى ما ذكرناه (٣) لا يرد الجموع الشاذة ك : (أنيب ، وأقوس) فإنه لم يعتبر إخراجهما عما هو القياس فيهما ك : (أنياب وأقواس) كيف (٤) ولو اعتبر جمعهما أولا على (أنياب وأقواس) فلا شذوذ في هذه الجمعية ولا قاعدة (٥) للاسم المخرج ، ليلزم من مخالفتها الشذوذ فمن (٦) ...

__________________

(١) لأن فعلاء أفعل إلا يكون لا وصفا فالاسمية فيها عارضة ، فتكون الصفة مؤثرة في منع الصرف سواء كانت زائلة بغلبة الاسمية مثل أسود وأرقم وأدهم ، أو غير زائلة بغلبة الاسمية مثل أحمر وأصفر. (توقادي).

(٢) وأما جمعاء وأخواته فألفا التأنيث القائمان مقام السببين ، وإنما أورد المصنف ثلاثة أمثلة مع أن المثال الواحد كاف في التمثيل كما في العدل التقديري ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون الوصف باقيا أو لا الأول والأول ، والثاني إما أن يكون الثقل فيه محققا أو لا ، وما يكون الثقل فيه محققا فهو الثاني ، والثاني أي : ما يكون للنقل فيه غير محقق هو الثالث ؛ لأنه دائر بين أن يكون باقيا على وصفية ، أو منقولا إلى الاسمية كما في باب التأكيد. (م).

(٣) قوله : (وعلى ما ذكرنا) إشارة إلى قوله : (فإذا اعتبر إخراجها عن واحدة ... إلخ) لك أن تجعل إشارة إلى قوله : (ولكن لا بد في اعتبار العدل من أمرين ... إلخ) ولا يبعد كل البعد أن يجعل إشارة إلى قوله : (وأما المنيرات الشاذة) إشارة فلا نسلم. (سيد جلال).

(٤) قوله : (كيف ولو اعتبر إلى ... إلخ) يعني : أقوسا وأنيبا لو كانا مغيري أقواس : وأنياب لم يصح نسبة الشذوذ إليهما ؛ إذ نسبة الشذوذ إليهما إما على من جهة أنهما مجموعان للواحد على خلاف قاعدة المجموع ، أو من جهة أنهما معدولان على خلاف قاعدة المعدول ، لا سبيل إلى الأول ؛ إذ الجمع ليس لا مغير الواحد ابتداء ، ولا الثاني ؛ إذ ليس للمعدول قاعدة ليلزم من مخالفتها الشذوذ. (عبد الغفور).

(٥) كأنه قيل : يجوز أن يكون الاسم المخرج أصلا وقاعدة ليلزم من مخالفة القاعدة الشذوذ ، فأجاب بقوله : (ولا قاعدة). (لمحرره).

(٦) قوله : (فمن أين) هذا جواب لو بالفاء ، أي : فمن أين مكان يحكم في تلك الجموع بالشذوذ حتى لا يكون أقوس وأنيب شاذا ، ولما لم يعتبر إخراجهما عنهما ؛ لعدم سببه وهو عدم الانصراف ، حكم عليهما بالشذوذ. (م).

١٠٠