شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

(وبنو تميم لا يثبتونه) أي : لا يظهرون الخبر في اللفظ ؛ لأن الحذف عندهم واجب. أو المراد : أنهم لا يثبتونه أصلا ، لا لفظا ولا تقديرا ، فيقولون معنى قولهم : لا أهل ولا مال ، انتفى الأهل والمال ، فلا يحتاج إلى تقدير خبر.

وعلى (١) تقديرين يحملون ما يرى خبرا في مثل : لا رجل قائم ، على الصّفة (٢) دون الخبر.

(اسم (ما) و (لا) المشبهتين ب : (ليس)

في معنى النفي والدخول على المبتدأ والخبر (٣) ولهذا يعملان عملها (٤).

(هو المسند إليه) هذا شامل للمبتدأ ولكل مسند إليه.

(بعد دخولهما) خرج به غير اسم (ماولا) وبما عرفت من معنى الدخول ، لا يرد (أبوه) في مثل : (ما زيد أبوه قائم).

(مثل (ما زيد (٥) قائما ، ولا رجل أفضل منك) وإنما أتى بالنكرة بعد (لا) لأن (لا) لا تعمل إلا في النكرة (٦) ، بخلاف (ما) فإنه يعمل في النكرة والمعرفة.

__________________

(١) أي : تقدير كون الخبر وجب الحذف ، وعلى تقدير أن لا يكون لها خبر أصلا. (م).

(٢) فيجعلون في تلك المادة مرفوعا باعتبار محل الرجل ؛ لأن الرجل مبني وتابع لمحله. (عصمت).

(٣) وفيه أن كون مدخول لا مبتدأ قبل دخول لا مع كونه نكرة صرفة محل نظر ، فتأمل. (عصمت).

(٤) وكذا إن النافية ترفع وتنصب عند المبرد والكسائي نحو : إن هو مستوليا على أحد أجزائه الملاعين ، فإن الشاعر أعمل إن في هو ، وفي مستوليا ، وفي المفصل يجوز إعمال إن عمل ليس عند سيبويه. (خوافي).

ـ وأما مذهب أكثر البصريين والفراء أن إن النافية لا تعمل شيئا ، وهو مذهب الكوفيين ، خلافا للفراء أنها لا تعمل عمل ليس ، وقال به من البصريين أبو العباس المبرد وأبو بكر السراج وأبو علي الفارسي وأبو الفتح ابن جني ، واختار المصنف ، وزعم أن في كلام سيبويه إشارة إلى ذلك ، وتعمل في النكرة والمعرفة فنقول : إن رجل قائما ، وأن زيدا قائم. (شرح ألفية).

(٥) وقد يكون اسم وخبره معرفتين ، أو نكرتين ، أو الأول معرفة والثاني نكرة دون العكس. (م).

(٦) ويرد عليه قول النابغة :

وحلت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولاقي جها متواضيا

وزعم بعضهم أن لا تعمل في المعرفة كما في النكرة. (شرح ألفية وغيره).

٢٢١

هذه لغة أهل الحجاز ، وأمّا بنو تميم فلا يثبتون لهما العمل (١) ويقولون : الاسم والخبر بعد دخولهما مرفوعان بالابتداء كما كانا قبل دخولهما.

وعلى لغة أهل الحجاز ورد القرآن نحو : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١](٢).

(وهو) أي : عمل (ليس) (في لا) دون (ما) (شاذ) قليل ، لنقصان مشابهة (لا) ب : (ليس) لأن (ليس) لنفي الحال ، و (لا) ليس كذلك ، فإنه للنفي مطلقا ، بخلاف (ما) فإنه أيضا لنفي الحال فيقتصر (٣) عمل (لا) على مورد السماع نحو : قوله :

من صدّ (٤) عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

أي : لا براح لي ، ولا يجوز أن يكون لنفي الجنس ؛ لأنه إذا كان لنفي الجنس ، لا يجوز فيما بعده الرفع ما لم يتكرر ولا تكرار في البيت.

اعلم أن (٥) المراد بالمسند والمسند إليه في هذه التعريفات ما يكون مسندا أو

__________________

(١) لأن هذه المشابهة لا توجب عمل المشبه كعمل المشبه به ؛ لأن ليس فعل غير منصرف حيث ليس له مجهول ولا مضارع ، فيكون ضعيفا ، والضعيف لا يستتبع غيره ، فضلا عن تتبعه في العمل. (م).

(٢) (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)[المجادلة : ٢] وإذا عمل ما في الثاني عمل في الأول ، وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة تميم ، وقرئ أمهاتهم وهو أيضا على لغة من ينصب. (قاضي البيضاوي).

(٣) كما أن ليس للحال في مثل ما زيد قائما ، كذلك ما لنفي الحال ، وإذا كان لا شاذا قليلا ؛ لنقصان مشابهتها بليس للعلة المذكورة فيقصر ... إلخ. (توقادي).

(٤) أول البيت :

يا بؤس للحرب التي

وضعت أراهط فاستراحوا

 ـ من شرطية ، وصد عن نيرانها شرطها ، والفاء جزائية ، وما بعده جزاء الشرط ، ولا براح يمكن أن يكون على الاستئناف ، وقال صدر الأفاضل : محلها نصب على أنها حال مؤكدة من قوله : (ابن قيس) ، والاستشهاد أنه استعمل لا بمعنى ليس ، قال الإمام المرزوقي في شرح الحماسة : قوله : (لا براح) الوجه فيه النصب لكن الضرورة دعت إلى رفعها ، وقال سيبويه : جعل لا كليس هنا ، وجعل غيره براح مبتدأ والخبر مضمر ، وإنما يحسن ذلك إذا تكرر لا كقولك : لا درهم ولا دينارا ؛ لأنه جوز الشاعر الرفع في النكرة بعد لا ، وإن لم يتكرر هذا كلامه ، ويعلم منه الاستشهاد إنما يستقيم على مذهب سيبويه. (جلبي).

(٥) هذا التعريض مبني على الغفلة عما ذكره في تعريف الفاعل حيث قال : بعد ما أسند إليه الفعل بالأصالة لا بالتبعية ؛ ليخرج عن الحد توابع الفاعل نحو : جاءني زيد وعمرو ، نسي الشارح كلامه السابق. (لمحرره).

٢٢٢

مسندا إليه بالأصالة لا بالتبعية بقرينة ذكر التوابع فيما بعد ، فلا ينتقض بالتوابع.

ولما فرغ (١) من المرفوعات شرع في المنصوبات ، وقدمها على المجرورات ، لكثرتها (٢) ولخفة النصب ، فقال :

(المنصوبات)

(المنصوبات) (٣) (هو (٤) ما اشتمل (٥) على علم المفعولية)

قد تبين شرحه بما ذكر في المرفوعات.

والمراد (٦) بعلم المفعولية : علامة كون الاسم مفعولا حقيقة أو حكما ، وهي :

__________________

(١) الظاهر أن هذه الشرطية لزومية ؛ إذ لا فائدة معتدا بها في الحكم الاتفاقي هنا ، والعلاقة المقتضية للزوم المعتبر عند أرباب العقول منفية ، كما لا يخفي إلا أن يدعي اللزوم العرفي العادي بعد ما علم أن المصنف في صدد ذكر المرفوعات والمنصوبات والمجرورات ، فإن الفراغ من حدهما يستلزم التصدي لبيان الآخر. (عصمت).

(٢) وليوافق تركيبه على ما هو الأصل في ترتيب الكلام ، فإن الأصل أن يلي الفعل الفاعل ثم المفعول بلا واسطة. (قدمي).

(٣) قوله : (المنصوبات) جمع المنصوب لا المنصوبة ؛ لأن موصوفها الأسماء وهي جمع اسم ، وهو مذكر لا يعقل، فيقضي أن يكون الوصف مطابقا للموصوف ، وبأن المراد باشتمال الاسم عليها أن يكون موصوفا بها لفظا أو تقديرا أو محلا هذا. (حلبي).

ـ يحتمل أن يكون المجموع كلاما واحدا بأن يكون هو ضمير الفصل ، واللام للحقيقة المبطلة للجمعية بدخولها ، وحينها التعبير من العرف بلفظ الدال على الأفراد الغير المناسب بمقام التعريف ؛ للإشارة إلى جامعية هذا التعريف، وإلى تعدد الأنواع المنصوبات المعرف هنا ، ويحتمل أن يكون كلامين مستقلين بأن يكون قوله : (المنصوبات) كلاما واحدا بتقدير هذا بأن المنصوبات أو المنصوبات هذا. (عصمت).

(٤) ضمير منفصل مبتدأ ثان راجع إلى المنصوبات ، والتذكير باعتبار الخبر وليس هو ضمير فصل كما توهم ؛ لوجوب مطابقته للمبتدأ. (شرح).

(٥) وإنما لم يقل ما اشتمله على النصب ؛ لئلا يتوهم تعريف الشيء بما هو مثله في المعرفة والجهالة ؛ لأن معنى المنصوب مشتمل على النصب. (كاملة).

ـ والتعريف يشتمل على العلل الأربع علة فاعلية ، وعلة صورية ، وعلة مادية ، وعلة غائية. (لمحرره).

(٦) وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه فلتربية الفائدة ، كقولك : ضربت ضربا شديدا ، وضربت زيدا ، وضربت يوم الجمعة ، وضربت أمامك ، وضربت بالسوط ، وجلست والسادية ، وجاء زيد راكبا وطاب زيد نفسا وما ضرب إلا زيد وما ضربت إلا زيدا. (أيضاح). ـ

٢٢٣

أربع ، الفتحة والكسرة والألف والياء ، نحو : رأيت زيدا ، ومسلمات ، وأباك ، ومسلمين ، ومسلمين (فمنه) (١) أي : من المنصوب أو مما اشتمل على علم المفعولية :

(المفعول المطلق)

(المفعول (٢) المطلق)

سمي به ، لصحة اطلاق صيغة المفعول عليه من غير تقييده بالياء ، أو في أو مع أو اللام بخلاف المفاعيل الأربعة (٣) الباقية ، فإنه لا يصح اطلاق صيغة المفعول عليها إلا بعد تقييدها بواحدة منها.

فيقال : المفعول به أو فيه أو معه أو له.

(وهو) أي : المفعول المطلق : (اسم ما (٤) فعله فاعل فعل) والمراد بفعل الفاعل إيّاه : قيامه به بحيث يصح إسناده إليه ، لا أن يكون مؤثرا (٥) فيه موجدا إيّاه فلا يرد (٦)

__________________

ـ أي : من حيث أنه علامة كون الاسم مفعولا ، فلا ينتقض تعريف المنصوبات بمثل مسلمات ومسلمين ؛ إذ ذات الكسرة والياء في هذه الأمثلة وإن كانت علامة كون الاسم مفعولا لكنها ليست ملابسة بهذه الحيثية. (عصمت).

(١) قوله : (أي : من المنصوب) يعني : أن ضمير راجع إلى المنصوبات في المذكور في ضمن المنصوبات موافقا لضمير هو في قوله : (هو ما اشتمل) وهو المناسب باعتبار جعل القسم موافقا لما جعل معرفا قوله : (أو مما اشتمل ... إلخ) ليوافق ضمير اشتمل الراجع إلى ما وهو المناسب باعتبار قرب المرجع. (عصمت).

(٢) بدأ بالمفعول المطلق ؛ إذ هو مفعول حقيقة واصطلاحا ، دون ما عداه. (غجدواني).

(٣) وزاد السيرا في مفعولا سادسا سماه مفعولا منه نحو : قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)[الأعراف : ١٥٥] أي : من قومه ، ورد عليه بأنه لو صح ذلك يصح أن يقول : مفعولا إليه وغير ذلك. (جلبي).

(٤) والمراد بالفعل أعم من أن يكون مشتقا منه أو غير مشتق منه ؛ ليدخل فيه ويحه وويل فإنهما منصوبان بفعل ليس مشتقا منهما ؛ إذ لا يستعمل وأح وواه بل يفعل بمعناهما مثل هلك ، وأهلك الله ، ويحه كلمة ، وويل كلمة عذاب. (سيدي).

(٥) وإلا أن يكون مختارا فالمؤثر في الحقيقة هو الله تعالى في الأفعال. (م).

ـ كما ذهب إليه بعضهم ، فيشكل عليه دخول الأمثلة الآتية. (محمد أفندي).

(٦) قوله : (فلا يرد مات موتا ، وجسم جسامة ، وشرف شرفا) فإن كل واحد من الموت والجسامة والشرف وهو المعلوم قائم بالفاعل لا تأثير للفاعل فيه ، وإنما المؤثر فيها هو الله تعالى ، أما ـ

٢٢٤

عليه : مثل : مات موتا ، وجسم جسامة ، وشرف شرفا ، وإنما زيد لفظ (الاسم) (١) لأن ما فعله الفاعل هو المعنى.

والمفعول المطلق من أقسام اللفظ ، ويدخل فيه المصادر كلها.

(مذكور) صفة للفعل ، وهو أعم من أن يكون مذكورا حقيقة ، كما إذا كان مذكورا بعينه ، نحو : ضربت ضربا ، أو حكما كما ، إذا كان مقدرا نحو : (فضرب (٢) الرّقاب) ، أو اسما (٣) فيه معنى الفعل ، نحو : ضارب ضربا ، وخرج (٤) به المصادر التي لم يذكر فعلها لا حقيقة ولا حكما (٥) ، نحو : الضرب (٦) واقع على زيد.

(بمعناه) (٧) صفة ثانية للفعل ، وليس (٨) المراد به أن الفعل كائن بمعنى ذلك

__________________

ـ في غير الموت فظاهر ، وأما في الموت فعلى قول من يقول : أنه وجودي ، قال الله تعالى :(خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ)[الملك : ٢] ، وأما على قول من يقول : إن الموت عدمي فلا مؤثر فيه أصلا ، وخلق الموت والحياة بمعنى قدر الموت والحياة. (وجيه الدين).

(١) لأن المفعول المطلق من أقسام المفاعيل ، والمفاعيل قسم المنصوب ، والمنصوب قسم الاسم ، والاسم قسم الكلمة ، والكلمة قسم اللفظ ، فإنه منسوب إلى اللفظ بهذا الاعتبار. (تأمل).

(٢) أصله فاضربوا الرقاب ضربا ، فحذف الفعل وقدم المصدر ، فأنيب منابه مضاف إلى المفعول ، وفيه اختصار على أعطى معنى التأكيد ؛ لأنك تذكر المصدر ، ويدل على الفعل بالنصبية التي فيه. (كشاف).

(٣) وهو مقابل لقوله : (بعينه) ، كما يشعر به قوله : (بعد لا حقيقة ولا حكما) على ما نقل عنه ، فالأولى أن يعطف على قوله : (مقدار). (داود).

(٤) قوله : (وخرج ... إلخ) لكن لم يخرج بعد مثل ضرب شديد في قولنا : ضربي ضرب شديد ، وأنواع في قولنا: ضربي أنواع ، ولم يخرج بقوله : (بمعناه أيضا) فلا يكون التعريف مانعا. (عصمت).

(٥) وبينهما عموم وخصوص مطلق ؛ لأن كل ما هو مفعول مطلق فهو مصدر من غير عكس. (م).

(٦) فإن الضرب فعله فاعل فعل لا محالة ، إلا أنه لم يكن مذكورا لا حقيقة وهو ظاهر ، ولا حكما ؛ لأن الضرب في المثال المذكور مبتدأ ، وكذا سائر المصادر لم يذكر فعله. (توقادي).

(٧) والضمير عائد إلى المطلق ، فيعلم منه أن الموافقة معنى تعتبر في جانب الفعل. (جلبي).

(٨) جواب سؤال مقدر تقديره لا يجوز أن يكون الفعل معنى مفعول ؛ لأن الفعل يدل على الحدث والزمان ، ونسبة فاعل يعني ، والمفعول يدل على الحدث فقط فلا يحمل الأكثر على الأقل فأجاب بقوله : (وليس المراد).(سمع).

٢٢٥

الاسم ، فإن معنى ذلك الاسم جزء معناه (١) ، بل المراد (٢) ، أن معنى الفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ، فخرج به مثل : (تأديبا) في قولك : ضربته تأديبا ، فإنه وإن كان مما فعلة فاعل فعل مذكور لكنه ليس مما يشتمل عليه معنى الفعل.

وكذلك خرج به مثل : (كراهتي) في نحو : كرهت كراهتي ، فإن للكراهة (٣) اعتبارين، أحدهما : كونها بحيث قامت بفاعل الفعل المذكور واشتقّ منها فعل أسند إليه (٤) ، ولا شكّ أنّ معنى الفعل مشتمل عليها حينئذ.

وثانيهما : كونها بحيث وقع عليها فعل الكراهة فإذا ذكرت بعد الفعل بالاعتبار (٥)

__________________

(١) أي : معنى الفعل الذي هو الحدث والزمان ؛ لأن معنى الاسم واحد وهو الحدث ، ومعنى الفعل متعد وهو الحدث والزمان ، فالواحد جزء من المتعدد فيكون معنى الاسم جزء معنى الفعل. (سمع).

(٢) قوله : (بل المراد أن معنى الفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء) فيه أنه حينئذ يلزم خروج المفعول المطلق النوعي والعددي من تعريفه ؛ لأنهما يدلان على أمر زائد على معنى الفعل ، فلم يكن الفعل مشتملا على معنى المفعول المطلق اشتمال الكل على الجزء ، والجواب أن معنى المفعول هو ذات الحدث الذي دل عليه اللفظ ، وكون ذاك الحدث من نوع كذا ومعدود بعدد كذا ، فمن أوصاف ذلك المعنى ، فالمعنى المعتد به في المفعول المطلق هو ذات ذلك الحدث ، والفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء في جميع أقسامه ، أو المراد من معنى المفعول المطلق قصد به من الأفراد ، والفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ، أو المراد من الحدث الحدث الذي في ضمن ذلك الفرد ، وبالجملة تحقق الفعل باعتبار الجزء الذي هو الحدث ، تحقق مدلول الاسم الذي هو المفعول المطلق ؛ لأنها متحدان بالذات ، فعلى هذا يخرج عن حد المفعول المطلق أنواعا في ضربت أنواعا ... إلخ. (عصمت).

(٣) الأولى أن يقال : فإن هنا كراهتين أحدهما ما وجد من فعل وغير عنها بكراهتي ، والأخرى ما وجد بعدها تعلقت بتلك الكراهة الأولى تعلق الفعل بالمفعول به ، فعبر عنها بقولك : كرهت ، فهما متغايران بحسب الوجود ، ويجوز أن يراد بكراهتي معنى مصدر كرهت لا ما وقعت سابقة عليها فحينها يكون مفعولا مطلقا والفعل مشتمل على ما قصد منه مثل ما ذكر في كرهت. (عصمت).

(٤) فيكون المصدر مؤكد للفعل ، والفاعل المضاف إليه الفاعل المسند إليه الفعل ، فصار المعنى كرهت كراهة.(م).

(٥) أي : باعتبار كونه قائما بفاعل الفعل المذكور مشتقا منها الفعل أسند إلى ذلك الفاعل ، يعني باعتبار صدورها عن فاعل الفعل المسند إلى فاعل العامل فيها. (م).

٢٢٦

الأول كما في قولك : كرهت (١) كراهتي ، فهو (٢) مفعول (٣) به لا مفعول مطلق (٤) ؛ إذ ليس ذلك الفعل مشتملا عليه بهذا الاعتبار ، بل هو واقع عليه وقوع الفعل على المفعول به. فخرج بهذا الاعتبار عن الحدّ ، وانطبق الحدّ على الحدود جامعا ومانعا.

(ويكون) (٥) المفعول المطلق (للتأكيد) (٦) إن لم يكن في مفهومه زيادة (٧) على ما يفهم من الفعل.

(والنّوع) إن دلّ على بعض أنواعه (٨).

(والعدد) إن دلّ على عدده (مثل : جلست جلوسا) للتأكيد (وجلسة) ـ بكسر الجيم ـ للنوع وجلسة ـ بفتحها ـ للعدد.

__________________

(١) وإنما يستعمل هنا الكلام إذا دخل عليك شخص وأنت قائم فكرهت دخوله عليك ، ثم ندمت عنه كراهتك فقلت : كرهت كراهتي. (عبد الله).

(٢) أي : الكراهة والتذكير باعتبار الخبر أو باعتبار كون الكراهة مصدرا ، والتذكير والتأنيث مساويان فيه ، وإن كان مع الياء عند المحققين. (سيدي).

(٣) لعدم اشتمال الفعل عليه اشتمال الكل على الجزء ، لكن وجد اشتمال الكل على الجزء ، ولكن الغرض ليس. (حواشي هندي).

(٤) لعدم اشتمال الفعل عليه اشتمال الكل على الجزء ، ولذا قال الشارح ؛ إذ ليس ... إلخ. (ص).

(٥) ولما فرغ من تعريف المفعول المطلق شرع في تقسمه ، كما هو دأب المصنفين فقال : ويكون ...إلخ (م).

(٦) قال : للتأكيد ، أي : لتأكيد ما هو المسند حقيقة نحو : ضربت ضربا ، فإنه لتأكيد الضرب المدلول عليه بضربت ، لا لتأكيد الإسناد والزمان أيضا ، فلو قيل : أنه لتأكيد الفعل كان مسامحة وفائديه دفع توهم السهو ، أو دفع توهم التجوز ، وعليه حمل قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)[النساء : ١٦٤] ، أي : كلمه بذاته لا يترجمان بأن أمره بالتكلم لموسى عليه‌السلام. (عب).

(٧) بل نقض ؛ لأن المصدر يدل على الحدث فقط ، والفعل يدل على الحدث والزمان والنسبة. (حلبي).

(٨) وهو إما أن يدل عليه باسم خاص نحو : رجع القهقرى ، وإما أن يدل عليه بالصفة نحو : ضربت ضربا شديدا ، أو أي : ضرب ضربت الضرب الذي يعرفه ، أو بالمضاف إليه نحو : ضربت ضرب الأمير ، أو بلام العهد نحو : ضربت الضرب إذا كان معهودا بينك وبين مخاطبك ضرب ، القهقرى صفة المفعول المطلق المحذوف تقدير رجع الرجوع القهقرى ؛ لأن القهقرى ضرب من الرجوع. (متوسط).

٢٢٧

(فالأول) أي : الذي للتأكيد ، لا يثنى ولا يجمع (١) ؛ لأنه دال (٢) على الماهية (٣) المعرّاة عن الدلالة على التعدد. والتثنية والجمع يستلزمان التعدد ، فلا يقال : جلست جلوسين ، أو جلوسات ، إلا إذا قصد به النوع أو العدد (بخلاف أخويه) أي : اللذين هما للنوع والعدد ، نحو : جلست جلستين ، أو جلسات بكسر الجيم وفتحها.

(وقد (٤) يكون) المفعول المطلق (بغير لفظة) أي : مغايرا للفظ فعله ، إمّا بحسب المادة (مثل : قعدت (٥) جلوسا) (وأما بحسب الباب نحو : أنبته الله نباتا حسنا). وسيبويه يقدر له عاملا من بابه أي : قعدت وجلست جلوسا ، وأنبته (٦) الله فنبت نباتا.

__________________

(١) اعلم أن تسمية الفعل معروفا ومجهولا وغائبا ومخاطبا ومتكلما ، مجاز لغوي من قبيل إطلاق اسم اللازم وهو الفاعل هاهنا على الملزوم وهو الفعل. (روح الشروح).

(٢) قوله : (لأنه دال على الماهية المعراة ... إلخ) يعني أنه دال على الماهية من حيث هي هي مع قطع النظر عن الإفراد والتثنية والجمع ، لا يكونان إلا مع التعدد والإفراد فيتباقيان. (وجيه الدين).

ـ قوله : (دال على الماهية) فيه أن الدلالة على الماهية لا يستلزم جواز التثنية والجمع ، فالصواب أن يقال : إن المقصود منه تأكيد الماهية ... إلخ فلو مثنى أو جمع لا يبقى تأكيدا. (ح ه).

(٣) أي : على الجنس كالماء يدل على القليل والكثير ، فكذلك هو. (محمد أفندي).

(٤) قد هاهنا للقليل ؛ لأنه وإن كان كثير في نفسه قليل بالإضافة إلى ما إذا كان بلفظه ، أو للتكثير مجازا كما في قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ)[البقرة : ١٤٤]. (لارى).

ـ لأنه موضوع للحقيقة بدليل صحة إطلاقه للضرب القليل والكثير ، والقوي والضعيف ، وهو شيء واحد لا يقبل التثنية والجمع ؛ لأن التثنية ضم شيء إلى شيء ، والجمع شيئين فصاعدا إلى شيء. (تأمل).

(٥) عند من لم يفرق بيت القعود والجلوس ، وإلا مفعول مطلق مجازي لا حقيقي. (س).

ـ قال زين العرب في شرح المصابيح : إن الفصحاء يستعملون العقود في مقابلة القيام في مقابلة الاضطجاع ، وحكي أن نضر بن شميل دخل على المأمون ، وقام بين يديه فقال : جلس ، فقال : يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس ، قال : كيف أقول قال : أقعد ، فعلى هذا فجلوسا مفعول مطلق ، فجلست المقدر أي : جلست جلوسا. (ذنبي زاده).

(٦) ومذهب المبرد والمازني والسيرافي وصححه ابن مالك ، وقال الرضي : هو أولى ؛ لأنه منصوب بالفعل الظاهر ، وهو الأولى ؛ لأن الأصل عدم التقدير بلا ضرورة ملتجئة إليه ، وعند سيبويه والجمهور ، وصححه ابن حيان أن جلوسا مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه ، أي : وجلست جلوسا واختار الفارسي وابن جني ، فإن أريد به التأكيد عمل فيه المضمر لا الظاهر ؛ لأنه من قبيل التأكيد اللفظي وإن أريد به النوع عمل فيه الظاهر ؛ لأنه بمعناه. (نكت السيوطي).

٢٢٨

(وقد (١) يحذف الفعل) الناصب (٢) للمفعول المطلق (لقيام قرينة جواز (٣) كقولك :لمن قدم) من سفره (خير مقدم) (٤) أي : قدمت (٥) قدوما خير مقدم ، فخير اسم تفضيل ، ومصدريته باعتبار الموصوف والمضاف إليه ؛ لأن اسم التفضيل له حكم ما أضيف إليه.

(ووجوبا) أي : حذفا واجبا (٦) (سماعا) أي : سماعيا موقوف على السماع لا قاعدة له يعرف بها (نحو : سقيا) (٧) أي : سقاك الله سقيا ، (ورعيا) أي : رعاك الله رعيا (وخيبة) أي : خاب خيبة ، من خاب الرجل خيبة ، ذا لم ينل ما طلبه (وجدعا) أي : جدع جدعا ، والجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد (٨).

(وحمدا) أي : حمدت حمدا ، (وشكرا) (٩) أي : شكرت شكرا ، (وعجبا) أي:عجبت عجبا.

__________________

(١) استئناف أو اعتراض أو عطف على مقدر ، أي : يذكر الفعل كثيرا وقد يحذف. (م ع).

(٢) توصيف الفعل بالناصب للمفعول المطلق مع أنه شأنه كذلك ؛ لدفع توهم من توهم أن حذف الفعل شأن وحال من أحوال الفعل ، فالبحث بحث الاسم فدفع الشارح هذا التوهم بذلك التوصيف ، مع أن البحث هنا ليس للفعل المطلق ، بتوهم كذلك بالفعل الناصب للمفعول المطلق ، فينبغي أن يذكر هذا لهذه المناسبة.(قدمي).

(٣) مفعول مطلق ليحذف ، بتقدير الموصوف ، أو المضاف أي : حذفا جائزا ، أو حذف جواز. (م ع).

(٤) بحذف الموصوف ، وإقامة الصفة مقامه ، ومن العرب من يرفع على تقدير قدومك خير. (غجدواني تركيب).

(٥) قوله : (قدمت قدوما خير) مقدم ثم ذكر فائدة هذا الوصف بقوله : (فيخرج اسم تفضيل ومصدرية .. إلخ) فإطلاق المصدر عليه هاهنا إما من قبيل إطلاق اسم الموصوف على الصفة ، وإما من قبيل اسم المضاف إليه على المضاف ، وعلى التقديرين يكون مجازا بعلاقة جزئية فيهما. (جلبي).

(٦) إشارة إلى صحة وقوعه مفعولا مطلقا بأنه حذف لا وجوبا ، فهو بتأويله باسم الفاعل صفة للمصدرية تأمل. (داود).

(٧) والقرنية في هذه الأمثلة كثرة الاستعمال ودلالة الحال مثلا سقيا إنما يقال لمن استحق أن يدعى له بالخير ، فدلت الحال على أن التقدير سقاك سقيا. (حلبي).

(٨) أو قطع الاثنين منها أو الثلاثة أو كلها ، ولذا عطف بالواو دون أو ، والمقصود عليه بالذال المعجمة ، وتقبيح الحال كلما زاد القطع زاد القبح ، وإذا قطعت كلها يكون أقبح ، فلا اعتبار إلى قول من قال ، وفي الرضي كلمة أو يدل وهو الموافق في اللغة. (م).

(٩) هذه الأمثلة الثلاثة إما لإنشاء الحمد والشكر والتعجب أو للاختيار بها. (عصمت).

٢٢٩

فإنه (١) لم يوجد في كلامهم استعمال الأفعال العاملة في هذه المصادر. وهذا (٢) معنى وجوب (٣) الحذف سماعا ، قيل عليه : قد قالوا (٤) ، حمدت الله حمدا وشكرته شكرا ، وعجبت عجبا ، فأجاب بعضهم (٥) : بأن ذلك ليس من كلام الفصحاء ، وبعضهم (٦) : بأن وجوب الحذف إنما هو فيما استعمل باللام نحو : حمدا له ، وشكرا له ، وعجبا له.

(و) قد يحذف الفعل الناصب للمفعول المطلق حذفا واجبا (قياسا) أي : حذفا قياسيا ، يعلم له ضابط (٧) كلي يحذف معه الفعل لزوما (في مواضع) (٨) متعددة (منها) أي : من هذه المواضع موضع (ما وقع) أي : المفعول المطلق وقع فيه (مثبتا) أي : أريد

__________________

(١) هذا دليل للدعوى المفهومة ضمنا ، وهو أن المصادر مما حذف فعلها وجوبا سماعا. (عصمت).

(٢) أي : عدم وجود الاستعمال الأفعال العامة ، وعدم القاعدة يعرف الحذف به. (لمحرره).

(٣) قال المصنف في شرحه : وحاصلها أنها مصادر كثرت استعمالهم فخففوها بحذف أفعالها ، فجعلوا المصدر عوضا عنها ؛ لكثرة فهي في المعنى معللة بالكثرة ، إلا أن الكثرة لما تعذر معرفة ما كثرت بعينه احتيج إلى السماع. (عوض أفندي).

(٤) يعني : أن هذه المصادر الثلاثة مما وجب حذف عاملها سماعا ، بل يكون داخلا تحت القياس فلا يكون مما نحن فيه. (جلبي).

(٥) وهذا الجواب ليس بشيء ؛ إذ لا نزاع لأحد في استعمال حمدت حمدا ، وشكرت شكرا. (سيدي).

(٦) قال الشيخ الرضي : الذي أرى أن هذه المصادر وأمثالها إذا بين فاعلها أو مفعولها بالإضافة ، أو بحرف الجر ، ولم يقصد بها بيان النوع وجب حذف نواصبها ، يعني قياسا ، وإذا لم يبين لم يجب ، وذلك مثل : (صِبْغَةَ اللهِ)[البقرة : ١٣٨] وكتاب وسبحان الله ، وسعديك ، سحقا له ، وحمدا لك. (عب).

(٧) ويجوز أن يكون المراد منه هو الدليل الموجب للحذف ، وهو التزام غيره موضعه مع القرنية الدالة عليه.(عافية).

(٨) نبه بصيغة جمع الكثرة على أنه لا ينحصر حذفه الواجب فيما ذكره من المواضع الستة. (توقادي).

ـ قال : منها ، ولم يقل : هي كذا وكذا ؛ لأن المواضع لا تنحصر فيما ذكر ، فإن منها المصدر الذي يقصد به التوبيخ نحو : أقعودا والناس قيام ؛ وقد تنوب الصفة مقامه نحو : أقاعدا والناس قيام. (لارى).

٢٣٠

إثباته لا نفيه (١) ، فإنه لو أريد نفيه ، نحو : ما زيد سيرا لا يجب حذفه (٢) ، (بعد نفي)(٣)داخل على اسم لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه (أو) بعد (معنى نفي (٤) داخل على اسم (٥) لا يكون) المفعول المطلق (خبرا عنه) أي : عن ذلك الاسم ، وإنما قال : على اسم ؛ لأنه لو دخل على فعل نحو : ما سرت إلا سيرا ، وإنما سرت سيرا ، لا يكون منه ، وإنما وصف الاسم بأن لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه ؛ لأنه لو كان خبرا (٦) عنه نحو : ما سيرى إلا سير شديد ، لكان مرفوعا على الخبريّة.

(أو وقع) (٧) المفعول المطلق (مكررا) أي : في موضع الخبر عن اسم لا يصلح وقوعه خبرا عنه ، فلا يرد عليه نحو : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا (٨) دَكًّا) (٩) وإنما جمع بين

__________________

(١) بأن يقع بعد النفي ، ثم ينتقض النفي بإلا وإنما ، بخلاف ما أريد نفيه بأن لا ينتقض النفي.(وجيه الدين).

(٢) أي : الفعل الناصب المفعول المطلق ؛ لأنه لا يقوم مقام الفعل فيه لفظا ، بخلاف (غجدواني) ما زيد إلا سيرا ، فإن كلمة إلا يقوم مقام الفعل. (غجدواني).

(٣) قوله : (بعد نفي داخل) الظاهر أنه قدر لنفي صفة ؛ لأن الصفة الوحدة لا يصح أن يكون تابعة لموصوفين ، وقيل : صفة لنفي فالمقدر صفة معنى نفي ، وما ذكره الشارح أظهر ؛ إذ لا وجه للفصل بين الصفة والموصوف ، والحق أنه صفة لقوله : (نفي) أو معنى نفي بتأويله بواحد من نفي أو معنى نفي ، والصفة في الحقيقة صفة واحد منهما ، ولو قال : بعد نفي داخل على الاسم لا يكون خبرا عنه ، أو معناه بإرجاع ضمير معناه إلى النفي المقيد ؛ لكان أوضح فافهم. (ع ص).

(٤) أورد المظهر موضع المضمر ؛ لصحة الوصف بقوله : (داخل) تأمل تنل. (محمد أفندي).

(٥) أي : داخل على اسم طالب للخبر بقرينة قوله : (لا يكون خبرا عنه) في قصد المتكلم ، ليخرج مثل ما زيد إلا سير بالرفع عند قصد المبالغة. (عصمت).

(٦) قوله : (لأنه لو كان خبرا عنه ... إلخ) إن قلت : هو ليس مفعولا ؛ لأنه مرفوع ، قلنا المفعول قد يكون مرفوعا ، إن قلت : فيفوت فائدة تدوين علم الإعراب ، قلنا : إذا تعين مواضع الرفع والنصب لا يفوت ولا يخفي ؛ إذ لو اعتبر الشرائط في المصدر كما اعتبرها بعضهم لسلم عن ذلك الشبهة ، لكن ما ذكره قدس‌سره بالمقام أنسب. (عب).

(٧) وهو عطف على قوله : (وقع مثبتا) وكلمة أو هاهنا يفيد عناد الخلو ، فلا يمنع الجمع بين الضوابط الأول والثاني ، يشهد عليه أمثلة سيبويه ما أنت إلا قتلا قتلا ، وما أنت إلا الضرب الضرب. (غجدواني).

(٨) فإنه لما جعلت الأرض فاعلا لدكت ، لم يصلح أن يكون مبتدأ ، فلا يكون المكرر في موضع خبر حتى لو قدر الفعل بعد الأرض ؛ لكان مما نحن فيه يصدره. (غجدواني).

(٩) فإن المصدر وإن وقع مكررا لكنه لم يقع في موضع الخبر ، فلا يجب حذف فعله. (وجيه الدين).

٢٣١

الضابطتين (١) ، لاشتراكهما في الوقوع بعد اسم لا يكون خبرا عنه (نحو : ما أنت (٢) إلا سيرا) أي : تسيرا سيرا ، (وما أنت إلا سير البريد) (٣) أي : تسير سير البريد (٤).

هذان مثالان لما وقع مثبتا بعد نفي ، وإنما أورد مثالين تنبيها على أن الاسم الواقع موقع الخبر ينقسم إلى النكرة والمعرفة ، أو إلى ما هو فعل للمبتدأ ، وإلى ما يشبه به فعله(٥)،أو إلى مفرد ومضاف.

(وإنما أنت سيرا) أي : تسير سيرا ، مثال لما وقع بعد معنى النفي (وزيد سيرا سيرا(٦) أي : يسير سيرا ، مثال لما وقع مكررا.

(ومنها) أي : من المواضع التي يجب حذف الفعل الناصب للمفعول المطلق فيها (ما وقع) أي : موضع مفعول مطلق وقع (تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدمة) والمراد (٧)

__________________

(١) يعني : لم لم يقل : ومنها ما وقع مكررا (ص).

ـ قوله : (وإنما جمع بين الضابطتين) جواب سؤال مقدر تقديره أن الضابط الأولى وضابطه وقوع المصدر مكررا كل منها على حاله ، فلم لم يقررهما كما في سائر الضابط ، وتقرير الجواب أنه جمع بينهما لأجل المناسبة بينهما في الوقوع ، بعد اسم لا يكون خبرا عنه. (وجيه الدين).

(٢) لأن أنت اسم ذات ، وسيرا اسم معنى ، واسم معنى لا يكون خبرا عن اسم الذات ، بخلاف ما سرى إلا سير شديد ؛ لأن كليهما اسم معنى. (حلبي). ما أنت إلا سير ما بمعنى ليس ، ملغاة عن العمل ؛ لانتقاض نفيه بتوسط إلا ، وأنت مبتدأ وإلا حرف استثناء وسيرا منصوب لفظا ... إلخ مستثنى مفرغ مفعول مطلق لتسر المقدر ، قائم مقام الخبر. (موشح).

(٣) البريد اسم لبغل يحفظ في الخانات المبنية في الطرق ليركبه من يبعثه السلطان لمصلحة ، وهو كلمة وهو كلمة فارسية بريدوم ؛ وذلكلأن الملوك الماضية كانوا يبنون في الطرق ويقفون فيها البغال ؛ ليركبها الرسل المبعوثون للحاجات ، ويقطعون أذناب تلك البغال علامة لذلك ، فتكون موقوفة فيها لأجل الحاجات ، ثم سمي به الرسول المحمول عليها ، ثم سميت به المسافة التي يقطعها الرسول وهي اثني عشر ميلا. (شيخ زاده).

(٤) يعني : ما أنت إلا تسير سيرا مثل سير البريد ، فإذا كان النفي كذلك مفعولا مطلقا مجازيا.(مكمل).

(٥) لأن السير في المثال الثاني فعل البريد ، وليس بفعل المخاطب الذي هو السير المقدر يشبه فعل البريد.(حاشية).

(٦) وإنما وجب الحذف هنا ؛ لأن المبتدأ يقوم مقام الفاعل ، والتكرار مقام الفعل. (نجم الدين).

(٧) قوله : (والمراد بمضمون الجملة مصدرها ... إلخ) فإن قلت : هذا إنما يصح في الجملة ـ

٢٣٢

بمضمون الجملة مصدرها المضاف إلى الفاعل أو المفعول ، وبأثره غرضه (١) المطلوب منه ، وبتفصيل الأثر : بيان أنواعه المحتملة ، نحو : قوله تعالى (٢) : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) [محمد : ٤] أي : بعد شدّ الوثاق (وَإِمَّا فِداءً)(٣) فقوله : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) جملة مضمونها شد الوثاق ، والغرض المطلوب من شد الوثاق إمّا المنّ أو الفداء (٤) ، ففصّل الله سبحانه هذا الغرض المطلوب بقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ،) أي : إمّا تمنون منّا بعد الشّدّ وإمّا تفدون فداء.

__________________

ـ الفعلية وما في حكمها ، وأما إذا كانت الجملة اسمية مثل زيد جسم أو حيوان أو إنسان ، فما مضمونها ؛ إذ ليس لها مصدر؟ قلت : يجوز في جميع الجمل أخذ المعنى المصدري باعتبار ارتباط مسندها بما أسند إليه بإلحاق الياء المصدرية بالمسند نحو : جسمية زيد ، أو حيوانية زيد ، أو إنسانية زيد في جسم زيد أو حيوان أو أنسان مثلا، أو المراد المعنى المصدري الذي استنبط من الجملة ، واعلم أن التعميم المفهوم من قوله : (مصدرها المضاف إلى الفاعل أو المفعول) إشارة إلى المصدر ينسب إلى الفاعل إذا كان مناط الفائدة التقييد بها ، نحو : أصحبت مع زيد في حديقة مسرورا ، إما ينفعه أو ينفك ، فإن مضمون الجملة هنا صحبة زيد في وقت السرور في الحديقة والنفع أثره. (عصمت).

(١) وإنما سمي أثرا ؛ لأن الغرض من الشيء يحصل بعد حصوله ، كالأثر يكون بعد المؤثر ، وإنما وجب حذف الفعل ههنا ؛ لأن فشدوا الوثاق لما كان متضمنا لفوائد من المن والاسترقاء والعقل يدل على الفعل المحذوف كلمة أما قائمة مقام الفعل ، ولهذا لم يجب الفعل فيما إذا لم يقع تفصيلا نحو : مننت منا لعدم كلمة أما.(وجيه الدين).

(٢) أول الآية (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)[محمد : ٤] فالفاء جوابية وشد أمر حاضر مبني على الوقف عند البصريين ، وعلامة الوقف هنا حذف نون الجمع ، والجملة فعلية لا محل لها ، جواب إذا في قوله : (حتى إذا أثختموهم) ، والوثاق منصوب له ، والفاء للتفصيل ، أما حرف ترديد ، منا منصوب مفعول مطلق بفعل مقدر وجوبا أي : تمنون ، والجملة فعلية لا محل لها تفصيل ، وبعد مبني على الضم ظرف للفعل المقدر عند السيرافي ، أو للمفعول مطلق عند سيبويه ؛ لقيامه مقام الفعل واو زائدة ، أو عاطف ، وفداء منصوب مفعول مطلق لفعل مقدر وجوبا أي : تفدون فداء.(خلاصة معرب).

(٣) والقرينة لحذفه الجملة المتقدمة ؛ لأن شد الوثاق يدل على تمنون ويفدون ؛ لأنهما يحصلان بسببه ، والمحصل قرينة المحصل. (جلبي).

(٤) أما القتل والاسترخاء والاستخدام فالحاصل في شدوا الوثاق فوائد أربع ، فوائد المن والفداء والقتل والاستخدام.

٢٣٣

(ومنها) أي : ومن تلك المواضع (ما وقع) أي : موضع مفعول مطلق وقع (للتشبيه) (١) أي : لأن (٢) يشبّه به أمر آخر ، واحترز به عن نحو : لزيد صوت صوت (٣) حسن (٤) ؛ لأنه لم يقع لتشبيه ، (علاجا) أي : حال كونه دالا على فعل من أفعال الجوارح ، واحترز به عن نحو : لزيد زهد (٥) زهد الصّلحاء ؛ لأن الزهد ليس من أفعال الجوارح.

(بعد جملة) واحترز به عن نحو : صوت (٦) زيد صوت حمار.

(مشتملة) (٧) أي : تلك الجملة (على اسم) كائن (بمعناه) أي : بمعنى المفعول المطلق واحترز به عن نحو : مررت بزيد فإذا له ضرب صوت حمار. (و) على (صاحبه) (٨) أي : على صاحب ذلك الاسم ، أي الذي قام به معناه ، واحترز به عن

__________________

(١) وإنما وجب حذف الفعل في المثال المذكور ؛ لأن صوت يدل على من يصوت معنى ، والصوت في المثال الأول يقوم مقامه لفظا. (غجدواني).

(٢) قوله : (لأن يشبه به ... إلخ) تنبيه إلى أن المشبه مصدر مجهول ؛ لأن المفعول المطلق في هذا الموضع مشبه به ، ولو لم يؤول يشعر كونه مشبها وهو خلاف الواقع. (مصطفى حلبي).

(٣) قال سيبويه : الوصف في الثاني من وجهين : إما على أنه يدل من الأول وإن أعلى أنه مع وصفه وصف الأول ، وإنما حكم بالبدل أو بكونه وصف دون التأكيد ؛ لأن الثاني مع وصفه صار كاسم واحد يفيد ما لم يفيد الأول ، ولو لم يكن معه الصفة لكان تأكيدا لا غير. (كشاف).

(٤) فإنه ليس من هذا الباب ؛ لأن غرض المتكلم جعل الصوت الثاني بدلا من الأول ، وهذا الكلام مستغن عن الفعل. (غجدواني).

(٥) الزهد في اللغة خلاف الرغبة ، تقول : زهد في الشيء وعن الشيء ، وفي اصطلاح ترك حظوظ النفس عن جميع ما في الدنيا ، وبجميع هذه الحظوظية والجاهية وحب المنزلة له عند الناس ، وحب الحمدة والثناء. (وجيه الدين).

(٦) الأول مبتدأ ، والثاني خبره أي : صوت زيد مثل صوت حمار ، كقولك : زيد أسد ، أي : مثل أسد ؛ لأنه لو نصب لبقي المبتدأ بغير خبر ، وما يقوم مقام الخبر. (موشيخ).

(٧) أي : مشتملة على اسم بمعنى المصدر وهو صوت ، ومشتملة على صاحب المصدر وهي المكنى عنه بالضمير في قوله : (له) وجب الحذف لسد الجملة السابقة مسد الحذف. (ص).

(٨) قوله : (وعلى صاحبه ... إلخ) أي : صاحب مدلوله بتقدير المضاف ، ومشتملة تلك الجملة أيضا على صاحب ذلك الاسم ، وهو الاسم الذي اشتملت تلك الجملة ، ولما كان ظاهر هذه العبارة مضطربة متناقضة إذ الصاحب أي : صاحب ذلك الاسم المتكلم في الحقيقة ، وفي المثال المذكور الضمير المجرور في قوله : (له وجهه) بقوله : (أي : الذي قام به معناه) فيكون مجاز ـ

٢٣٤

(نحو : مررت بزيد فإذا له صوت صوت (١) حمار) أي : يصوت صوت حمار ، من صات(٢) الشيء صوتا ، بمعنى صوّت تصويتا (٣).

(فصوت حمار) مصدر وقع للتشبيه علاجا بعد جملة هي قوله : (له صوت) وهي مشتملة على اسم بمعنى المفعول المطلق وهو (صوت) ومشتملة على صاحب ذلك الاسم ، وهو الضمير المجرور في (له) (٤).

(و) نحو : مررت به فإذا له (صراخ صراخ (٥) الثكلى) أي : يصرخ صراخ الثكلي ، وهي امرأة مات ولدها.

__________________

ـ من قبيل وصف الدال بصفة المدلول ، ونظيره قوله : (المنادى من أقسام الكلمة) مثل يا زيد ، والمطلق إقباله وهو مدلول يا زيد وهو الشخص المعين خذ هذا فإنه ينفعك في مواضع شتى. (مصطفى حلبي).

(١) فصوت حمار مصدر وقع للتشبيه علاجا بعد جملة وهي به صوت مشتملة على اسم بمعناه وهو صوت ، إلا أن تلك الجملة ليست مشتملة على صاحب ذلك الاسم ، ولا يجوز حذف الفعل ؛ لأن الاسم بغير صاحب المصدر لا يدل على معالجة الفعل ، فإن دل في بعض الأمثلة فذلك إنما يكون من المادة فلا يعبأ به. (حلبي وم).

ـ وصوت حمار مرفوع إما على الوصفية ، أو البدلية ، ويحتمل أن يكون النصب على تقدير كاف التشبيه. (حلبي).

(٢) هذا إشارة إلى جواب كان السائل قال : فإن الصوت اسم جامد ليس بمصدر ، فأجاب من صات فحينئذ يكون مصدرا. (شرح لباب).

ـ قوله : (من صات ... إلخ) يعني أن صوتا جاء مصدرا بمعنى التصويت ، يعني أنك كررته فلا حاجة إلى القول بأنه اسم أوزانه استعمل استعمال المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء ، وإن عامله يصوت من التصويت. (عب).

(٣) وفي المقاليد الصوت والتصويت بمعنى فقوله : (بمعنى صوت تصويتا) ليس كثير فائدة. (وجيه الدين).

(٤) لرجوعه إلى زيد ، فوجدت الشروط بأسرها فوجب الحذف الدلالة هذه الجملة عليه دلالة تامة ومغنية منه. (توقادي).

(٥) وإنما مثل بمثاليين ؛ لأن الأول مضاف إلى غير ذي العقلاء بخلاف الثاني ، ولأن الأول مضاف إلى النكرة بخلاف الثاني. (حلبي).

ـ وإنما وجب الحذف هنا لوجود القرينة فإن له صوت لما كان مشتملا على الاسم العلاجي ، أي : الدال على الحدوث ؛ لأن المصدر علاج والاسم الذي بمعناه يكون علاجا أيضا ؛ لاتحاده ـ

٢٣٥

(ومنها) أي : من تلك المواضع (ما وقع) أي : موضع مفعول مطلق وقع (مضمون جملة ولا محتمل (١) لها) أي : لهذه الجملة.

(غيره) أي : غير المفعول المطلق (نحو : له عليّ ألف درهم اعترافا) أي : اعترفت اعترافا ف : (اعترافا) (٢) مصدر وقع مضمون جملة ، وهي : (له على ألف درهم) ؛ لأن مضمونها الاعتراف ، ولا محتمل لها سواه (٣).

(ويسمى) هذا النوع من المفعول المطلق (تأكيدا لنفسه) أي : لنفس المفعول المطلق ؛ لأنه إنما يؤكد (٤) نفسه وذاته ، لا أمرا يغايره ولو بالاعتبار (٥).

(ومنها) ما وقع مضمون (٦) جملة (٧) لها أي : لهذه الجملة (محتمل غيره) أي : غير

__________________

ـ معه ، وغرض المتكلم كان إسناد ذلك الاسم الحادث إلى صاحبة قرينة للفعل ، والملتزم موضعه وهو الصوت الأول تقديره مررت بزيد فإذا هو يصرخ صراخ الثكلى. (عافية شرح الكافية).

(١) قال : (لا محتمل لها ... إلخ) الأظهر في إفادة المقصود أن يقال : مضمون جملة لا يحتمل غيره ، وفي مقابلة مضمون جملة يحتمل ، فإن لقوله : (لا يحتمل لها غيره) احتمالين : أحدهما أن يكون محتمل اسم مفعول وقع اسم لا التي لنفي الجنس ولها صفة ، وغيره مرفوع بأنه خبر لا ومفعول ما لم يسم فاعله ، وخبر لا محذوف ، والثاني أن يكون محتمل مصدرا ميميا ، وغيره منصوبا منصوب بأنه مفعول بمعنى احتمال للجملة من المصادر وغيره. (عصمت).

(٢) والمراد من الاعتراف فإنه يؤكد حكم الجملة ومضمونها ، لا الجملة ؛ لأن ذلك ليس تأكيدا لا لفظيا ولا معنويا. (نجم الدين).

(٣) بحسب عرف الشرع ، بل بحسب اللغة أيضا في الأقادير ، وإلا فالخبر يحتمل الصدق والكذب. (وجيه الدين).

(٤) من حيث الصدق لا من حيث المفهوم ، مع أن هذا اصطلاح لا مشاحة ، وما يقال من أن الاعتراف مطلق والمضمونة مقيد فلا يكون هو يندفع بأن لا يكون الأول متحقق إلا في ضمن الثاني ، مع أن ذلك ثابت فيما سبق ، وإنما وجب الحذف هنا ؛ لأن الجملة تدل لى اعترف ويقوم مقامه. (عافية شرح الكافية).

(٥) أي : باعتبار جعل الاعتراف المؤكد ملفوظا حكما ، أو باعتبار جعل المؤكد مضمونا حكما ليتوافقا فيؤكد الملفوظ الملفوظ ، والمضمون المضمون فليتأمل. (عافية شرح الكافية).

(٦) واحترز بإضافة المضمون إلى الجملة عما يقع مضمون مفرد نحو : ضربت ضربا فإنه مضمون مفرد. (عافية).

(٧) فإن قلت : مضمون الجملة لا يخلو من أن يحتمل غير مفعول المطلق أو لا يحتمل غيره ، ـ

٢٣٦

المفعول المطلق (نحو : زيد قائم حقا) أي : حقّ حقا من حقّ يحقّ ، إذا ثبت ووجب.

ف : (حقا) مصدر وقع مضمون جملة ، وهي قوله : (زيد قائم) ولها محتمل غيره؛ لأنها تحتمل الصدق (١) والكذب ، ولا حق والباطل. (ويسمى) هذا النوع من المفعول المطلق (تأكيدا لغيره) ؛ لأنه (٢) من حيث هو منصوص عليه بلفظ المصدر يؤكد نفسه من حيث هو محتمل الجملة فالمؤكّد ـ اسم مفعول ـ من حيث اعتبار وصف الاحتمال فيه يغاير المؤكّد ـ اسم فاعل ـ من حيث انه منصوص عليه بالمصدر (٣). ويحتمل أن يكون المراد : أنه تأكيد لأجل غيره ، ليندفع الاحتمال ، وعلى (٤) هذا ينبغي أن يكون المراد بالتأكيد لنفسه أنه تأكيد لأجل نفسه ، ليتكرر (٥) ويتقرر حتى يحسن التقابل.

__________________

ـ وعلى التقديرين يجب حذف فعله بمقتضي الضابطتين ، فالأخص أن يجمع كلتا الضابطتين ويقال : منها ما وقع مضمون جملة محتمل غيره ولا محتمل غيره ، قلت : نعم لكن لما كان المتأخرون جعلوا ما كان مضمون جملة لا محتمل لها غيره مسمى باسم خاص وهو تأكيد لنفسه ، وما كان مضمون جملة لها محتمل غيره مسمى باسم آخر وهو تأكيد لغيره ، أوردهما في الضابطتين للتصريح باسميهما. (عصمت).

(١) الصدق مطابقة الخبر للواقع ، والكذب عدم مطابقة الخبر للواقع ، والحق مطابقة الواقع للخبر ، والباطل عدم مطابقة الواقع للخبر فافهم ، وتفصيله في المعاني فتأمل ، ولا تنم في الليل ، ولا تمشي في الأسواق إن كنت طالب العلم الحق. (لمحرره رضا).

(٢) قوله : (لأنه من حيث هو ... إلخ) ومدفوع عند احتمال غيره من حيث أنه يحتمل الجملة غير المنصوص عليه ، فالمؤكد باعتبار وصف الاحتمال ، والمؤكد باعتبار وصف منصوصية ، فيكون مؤكد الغيره بالاعتبار ، وإلا فهو في الحقيقة مؤكد لنفسه ؛ إذ لو لم يكن كذلك لم يكن المؤكد مؤكد ؛ لأن معنى التأكيد تفويت الثابت بالتكرار ، وإذا لم يكن الشيء ثابتا فكيف تقوى ، وإذا كان ثابتا فكرر ، وإنما يؤكد نفسه فقيام زيد من حيث أنه مضمون الجملة ومحتمله وغير منصوص. (وجيه الدين).

(٣) لأن المؤكد الذي هو القيام يدل على احتمالين الصدق والكذب ، والمؤكد لا يدل إلا على الحقيقة ، فكان المؤكد عاما والمؤكد خاصا فكانت المغايرة بينهما موجودا. (محمد أفندي).

(٤) ويتقر ما هو المقصود ، ولهذا سمي تأكيدا ؛ لكن أورد عليه فوات حسن التقابل فأشار إلى رفعه بقوله : (وعلى هذا). (م).

(٥) يعني : أن التأكيد قد يكون لمجرد تقرير نفسه من غير دفع احتمال الغير ، وقد يكون لتقرير نفسه بدفع احتمال الغير فحسن المقابلة. (وجيه الدين).

٢٣٧

(ومنها ما وقع مثنى) (١) أي : على صيغة (٢) التثنية وإنّ لم يكن للتثنية بل للتكرير والتكثير (٣) ، ولا بد من تتميم هذه القاعدة من قيد الإضافة ، أي : مثنى مضافا إلى الفاعل أو المفعول لئلا يرد مثل : قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤](٤) أي : رجعا مكررا كثيرا ، وفي جعل (٥) المثالين من تتمة التعريف لإفادة هذا القيد تكلّف.

(مثل (٦) لبّيك) أصله : ألبّ لك إلبابين ، أي : أقيم لخدمتك وامتثال أمرك ، ولا أبرح عن مكاني إقامة كثيرة متتالية ، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وردّ إلى الثلاثي بحذف زوائده ، ثم حذف حرف الجر من المفعول ، وأضيف المصدر إليه ، فصار (لبيك).

__________________

(١) هذا النوع سماعي من جهة أن هذا المثنى على خلاف القياس ، فلا يخالف ما سمع من المثنى بهذا المعنى ، ولا يقاس عليه ما لم يسمع ، وقياسي من جهة أن كل ما جاء مثنى بهذا المعنى حذف فعله وجوبا من غير أن يحتاج إلى سماع. (نجم الدين).

ـ وإنما وجب الحذف في هذا القسم ؛ لأنهم جعلوا اللفظ الأول من التكرار نائبا مناب الفعل والقرينة كونه بمعنى الدعاء ؛ لأن الدعاء لا يكون إلا فعلا ، وقال الجوهري في باب التاء : والتثنية دليل النصب. (جلبي).

(٢) قوله : (أي : على صيغة التثنية) ولا يكون لحصول اثنين بل للكثرة ، حتى لو كان لحصول الاثنين لا يجب حذف فعل نحو : ضربته ضربتين. (وجيه الدين).

(٣) وإنما قلنا : للتكرار والتكثير ؛ احترازا من أن يقع المفعول المطلق مثنى لا للتكثير ، أي : من غير نظر إلى الكثرة ، بل بالنظر إلى المثنى فإنه لا يجب حذف الفعل نحو : ضربته ضربتين. (متوسط).

(٤) كأنه قيل : إن المفعول المطلق في هذه الآية وقع على صيغة التثنية للتكرار والتكثير ، ولم يحذف عامله الناصب له لا جوازا ولا وجوبا ، بل مذكور لفظا. (توقادي).

(٥) قوله : (لو في جعل المثال) من تتمة التعريف بجعل قوله : (مثل) صفة لقوله : (مثنى) لإفادة هذا القيد ، أي : قيد الإضافة تكلف ؛ لأنه مخالف لدأب المصنف في هذا الكتاب ، بل ليس هذا من دأب المصنفين مع أنه إذا اعتبر يكون قيد الإضافة إلى المفعول ، ولاستناد قيد الإضافة إلى الفاعل اللهم إلا أن يراد جنس الإضافة وذا تكلف آخر. (حلبي).

(٦) اعلم أن المصادر التي وردت التثنية وهي لبيك وسعديك وغيرهما ، الغرض منها التكثير لا معنى التثنية ، وإن ثني فتركيبه شبيه التثنية حالة النصب ، فإن قلت : ما الفرق بين التثنية حقيقة وبين التثنية المراد منها التكثير حتى يجب الحذف في الثاني دون الأول؟ قلت : هو أن في الثاني كان المصادر المكررة بصورها ، فحينئذ يمكن أن يوجد النائب ، بخلاف الأول فافهم. (عافية شرح الكافية).

٢٣٨

ويجوز أن يكون من (لبّ بالمكان) بمعنى : ألبّ ، فلا يكون محذوف الزوائد (و) على هذا القياس (١) (سعديك) (٢) أي : أسعدك إسعادا بعد إسعاد.

بمعنى أعينك إلا أن (أسعد) يتعدى بنفسه بخلاف (ألبّ) فإنه ينعدى باللام.

(المفعول به)

(المفعول به) (٣)

(هو ما وقع) أي : هو اسم ما وقع (عليه فعل الفاعل) ولم يذكره اكتفاء بما سبق(٤) في المفعول المطلق.

والمراد (٥) بوقوع فعل الفاعل عليه : تعلقه به بلا واسطة حرف جر ، فإنهم (٦)

__________________

(١) قوله : (وعلى هذا القياس سعديك) إلا أنه لا يكون غير محذوف الزوائد ؛ لأنه لم يجيء سعد ثلاثيا بمعنى أسعد ، كما جاء لب بمعنى ألب. (حلبي).

(٢) وهو لا يستعمل إلا معطوفا على لبيك ، وفي الحديث أن أهل الجنة يقولون : «لبيك وسعديك والخير في يدك كله». (وافية).

(٣) قال : المفعول به اللام فيه إما موصول وضمير به راجع إليه ، أي : الذي فعل به ، أو للتعريف بناء على عدم قصد الحدوث من لفظ المفعول وضمير به راجع إلى موصوف ، أي : الشيء المفعول به ، وعلى التقديرين لفظ المفعول مسند إلى به ، ويجوز إسناده إلى المصدر أي : الذي فعل فعل متعلق به ، أو فعل فعل بسببه ، ويسمى به ؛ لأنه تعلق به على أن يكون الياء للصلة متعلقا بالمفعول باعتبار تضمنه معنى التعلق وعلى هذا القياس فيه وله ومعه. (الطاشكندي).

ـ واختلفوا في ما نصب المفعول به فذهب البصريون إلى أنه هو الفعل وحده ، وذهب الفراء وهو الفعل والفاعل معا ، وذهب هشام بن مقاويد في الكوفيين إلى أنه هو الفاعل وحده ، وذهب الأحمر منهم أنه هو معنى المفعولية ، وذهب الأخفش إلى أنه هو الفاعلية. (كشف الخوافي).

ـ الظاهر أن المجموع جعل اسما واحدا في عرف النحو ، من غير ملاحظة تعلق الجار والمجرور.(الحلبي).

(٤) من التصريح به في تعريف المفعول ، فإن المفاعيل كلها من جنس واحد. (وجيه الدين).

(٥) كأنه قيل : زيد في مررت بزيد ما وقع عليه فعل الفاعل ، مع أنه ليس بمفعول به ؛ لأن كلا منا في التصريح فيبطل طرد التعريف به. (داود).

(٦) قوله : (فأنهم يقولون ... إلخ) لما فسر وقوع فعل الفاعل على المفعول به بتعلقه بلا واسطة حرف الجر ، وفي كون هذا المعنى متبادر منه خفاء بينه بقوله : (فأنهم يقولون) يعني أن أهل اللغة يريدون منه هذا المعنى في متعارفهم. (عصمت).

ـ كأنه أين يعلم كون المراد بالوقوع ذلك التعلق. (ص).

٢٣٩

يقولون في (ضربت زيدا) إن الضرب واقع على زيد ، ولا يقولون (١) في : (مررت بزيد) إنّ المرور واقع عليه ، بل متلبس به ، فخرج به المفاعيل الثلاثة الباقية.

فإنه لا يقال في واحد منها : إنّ الفعل واقع عليه ، بل فيه أوله أو معه والمفعول (٢) المطلق بما يفهم من مغايرته لفعل الفاعل (٣) ، فإن المفعول المطلق عين فعله.

والمراد بفعل الفاعل : فعل اعتبر إسناده (٤) إلى ما هو فاعل حقيقة أو حكما ، فخرج به مثل : (زيد) في (ضرب زيد) على صيغة المجهول ، فإنه لم يعتبر إسناده إلى فاعله (٥) ، ولا يشكل بمثل : أعطي زيد درهما ، فإنه يصدق على (درهما) أنه واقع عليه فعل الفاعل الحكمي المعتبر إسناد الفعل إليه ، فإن مفعول ما لم يسم فاعله في حكم الفاعل.

__________________

(١) قوله : (ولا يقولون في مررت بزيد ... إلخ) فخرج زيد في هذا التركيب من تعريف المفعول به ، وإن كان مسمى بالمفعول به بواسطة ، فإن قلت : فعلى هذا يلزم خروج بزيد أيضا في ذهبت بزيد وأذهبت زيدا ، قلت : لا نسلم خروجه فإن الباء فيه للتعدية ، وذكر ليس لتعلق معنى الذهاب بزيد بل بجعل الذهاب بمعنى الإذهاب كالهمزة وتضعيف العين ، وبعد تغير المعنى تعلق الفعل بنفسه بزيد لا بواسطة شيء ، كما في أذهبت زيدا ، وأما الباقي مررت بزيد فليس للتعدية بل للإصاق فلم يغير معنى الفعل بل تعلق معنى بتوسطها بمدخولها ، وكذا الحال في سائر الحروف الجارة ، فظهر الفرق بين الباء للتعدية وسائر حروف الجر ، مع أن في الكل تعدية ما بالإفضاء بفعل فتأمل حق التأمل. (عصمة الله).

ـ لأن ما فعل الفاعل هو المعنى القائم به ، وهو ليس بلفظ ، وعبارة المتقدمين محمولة على التجوز من قبيل : وصف المدلول بصيغة الدال. (مصطفى جلبي).

(٢) عطف على قوله : (المفاعيل) أي : خرج به أيضا وقوله : (بما يفهم) متعلق بخروج المقدر من مغايرته أي: المفعول به لفعل الفاعل ، فإنه يفهم المغايرة من قوله : (ما وقع عليه الفعل الفاعل) والمفعول المطلق بخلافه ، فإنه عين فعله باعتبار كونه اسما لما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه ، ولو بغير لفظة ، تأمل تنل. (حلبي).

(٣) الفعل بفتح الفاء مصدر فعل يفعل ، والفعل بكسر الفاء الأثر المترتب على المعنى المصدري الذي هو التأثير. (سيدي).

(٤) لكن يرد عليه مفعول المصدر الذي لم يذكر فاعله نحو : عجبت من ضرب زيدا. (قدمي).

(٥) أي : الحقيقي والحكمي حتى يكون زيد في ضرب زيد مفعولا به ، بل اعتبر إسناده إلى زيد وهو مفعول ما لم يسم فاعله ليس مفعولا به. (لمحرره).

٢٤٠