شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

المواضع (مواقع الفعل) أي : مواضع (١) وقوع الفعل فيها أكثر فإذا نصب الاسم المذكور وقع فيها الفعل تقديرا ، وإلا فلا (٢).

(و) كذلك يختار النصب في الاسم المذكور (عند خوف (٣) لبس المفسر) أي : التباس ما هو مفسر في حال النصب ، لكن لا من من حيث هو مفسر في هذه الحال (٤) بل من حيث هو خبر في حال الرفع (٥) (بالصفة) (٦) فلا يعلم أنه خبر عن الاسم المذكور في حال الرفع مع موافقته للمعنى المقصود ، أو صفة له مع مخالفته للمعنى المقصود.

فالالتباس (٧) إنما هو بين خبرية ذات ما هو مفسر على تقدير النصب ـ ووصفيته (٨)

__________________

(١) يعني : إضافة المواضع إلى الفعل باعتبار أن لها اختصاص بالفعل ؛ لأنه مخصوص يدل عليه اختيار النصب (ع ص).

(٢) وإلا أي : وأن لم ينصب فيها بل رفع بالابتداء فلا ، أي : فلا يقع الفعل فيها تقديرا ولا لفظا لعدم الاحتياج إليه لكون ذلك الاسم معمولا بالعامل المعنوي ، فلا يكون عملا بالأكثر بل يكون عملا بالقليل الغير المختار فينبغي أن ينصب الاسم المذكور فيها ليكون عملا بالأكثر المختار (توقادي).

(٣) إنما أتي بلفظ الخوف للفرق بين تحقق اللبس وتوهمه ، فإن الأول إنما يكون عند تساوي الاحتمالات ، ورفعه واجب ، والثاني عند رجحان البعض ، ورفعه مختار كما نحن فيه وذلك ؛ لأن للفظ إذا دار بين أن يكون خبرا وصفة كان الأولى أن يحمل على الخبر لما فيه من الفائدة التامة (لارى).

(٤) أي : حال النصب ، حيث لا التباس فيه ح ؛ لأن التركيب الواحد لا يحتمل التفسير والصفة معا.

(٥) فإطلاق المفسر عليه في حال الرفع مع أنه ليس بمفسر في هذه الحالة مجاز أولى أو كوني ؛ لأنه في حال الرفع ليس بمفسر وإنما يكون مفسرا في حال النصب (توقادي).

(٦) قال : بالصفة ، أراد به احتمال التركيب لغير معنى المقصود بأن يكون المفسر عند الانتصاب صالحا ؛ لأن يقع صفة وغيرها عند الارتفاع ، لا أنه يلتبس على تقدير الرفع ، أنه مفسر أم صفة لظهور فساد ذلك ؛ لأنه ليس لكونه مفسر أوجه على تقدير الرفع أصلا (عوض أفندي).

(٧) فإن قيل : فيجب النصب ، إذا لتحرز عن اللبس واجب ، قيل : هذا وهم اللبس ولا لبس حقيقة ولذا سماه خوف اللبس (هندي).

ـ يعني : التباس الفعل المفسر في حال النصب بالصفة أو الخبر في حال الرفع (م).

(٨) أي : بين كون ذلك الفعل وصفا في حال الرفع يعني الالتباس ليس إلا في حال الرفع (م).

٣٠١

لا بينه ـ بوصف التفسير ـ وبين الصفة فإن التركيب لا يحتملهما (١) معا مثل : قوله تعالى: (إِنَّا كُلَ (٢) شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] بنصب (كل شئ) على الإضمار بشريطة ، ولو رفع بالابتداء وجعل (خلقناه) خبرا له لكان موافقا للنصب في أداء المقصود ولكن خيف لبسه بالصفة لاحتمال كون قوله (بقدر) خبرا وهو خلاف (٣) المقصود فإن المقصود الحكم على (كل شيء) بانه نخلوق لنا بقدر لا الحكم (على كل شيء) مخلوق لنا أنه (بقدر) فإنه يوهم (٤) كون بعض الاشياء الموجودة غير مخلوق لله ،

__________________

(١) لأنه إذا كان الاسم المذكور منصوبا يكون الفعل مفسرا لا يحتمل الصفة ، وإذا كان مرفوعا يكون الفعل صفة أو خبرا لا يحتمل المفسر وهما متضادان.

ـ بأن يكون الفعل لواقع بعد الاسم المذكور وصفا لذلك الاسم وخبرا له أيضا (م).

ـ فإن المقصود من الأية عمومية القدر في جميع المخلوقات ، فإذا نصب كل كان تقديرها : خلقناه كل شيء بقدر ، فلم يعد إلا المعنى المقصود لعدم دلالتها ح إلا على ذلك ، وأما إذا رفع كل على الابتداء فيحتمل وجهين أحدهما : أن يكون خلقناه في محل الرفع بأن يكون خبرا لكل شيء ، ويقدر خبر بعد خبر أو متعلق بخلقنا وج يفيد المعنى المقصود أيضا ، والثاني أن يكون مجرور المحل ، بأن يكون صفة لشيء وبقدر خبره ، وحينئذ لم يفد المعنى المقصود من الآية ؛ إذ ليس المراد أن الشيء المخلوق لنا هو بقدر دون ، ما لم يكن مخلوقا لنا مع أن المفهوم من الكلام حينئذ ذلك ، فلم يلزم منه عمومية القدر في جميع المخلوقات بمجرد الخبر وهي المقصود منها بل عموميته في جميع المخلوقات التي تلك الصفة فالحاصل أن الرفع لما كان محتملا لوجهين مقصود وغير مقصود والنصب متعينا للمقصود كان أرجح (عافية في شرح الكافية).

(٢) قال الشيخ الرضي : ما حاصله يرجع إلى أن لا فرق بين كونه خبرا وكونه صفة ؛ لأن المراد بالشيء المخلوق لا مطلق الشيء ؛ لأنه متناول للممكنات المعدومة ، فإذا أريد بالشيء المخلوق وجعل خلقناه صفة ، كان المعنى كل مخلوق ، مخلوق بالقدر وفيه نظر لأنا لا نسلم تناول الشيء للمعدوم لاختصاصه بالموجود كما ذهب إليه أهل السنة (لارى).

(٣) قوله : (فإنه يوهم) إلخ لا حاجة إلى الاستدلال بفساد احتمال الصفة لاختيار النصب بل يكفي في نفيه أن يكون المفسر جملة خبرية هو المقصود بالإفادة ، وكونه صفة لأمر آخر خلاف المقصود سواء كان له معنى صحيح في نفس الأمر أو لم يكن وإلا يلزم أن لا يكون المختار النصب عند المعتزلي ، فإن احتمال الصفة على مذهبهم غير فاسد مع أنه ليس كذلك إذا لم ينقل خلاف في اختيار النصب في المثال من واحد منهم ، ورؤساء علم النحو كالشيخ عبد القاهر وجار الله العلامة والرضي والسكاكي منهم فالأولى إيراد قوله : (فإنه يوهم بطريق العلاوة لا بطريق الاستدلال) (عصمة الله).

(٤) أي : في الاسم الذي وقع في مظان الإضمار على شريطة التفسير من غير ترجيح لأحد الجانبين على الآخر (توقادي).

٣٠٢

كما هو مذهب (المعتزلة) في الأفعال الاختيارية للعباد.

(ويستوى الأمران) أي : الرفع والنصب (١) ، فللمتكلم أن يختار كل واحد منهما بلا تفاوت (في) مثل : (زيد قام وعمرا أكرمته) أي : عنده (٢) أو في داره ونحو ذلك ، وإلا لا يصح العطف على الصغرى لعدم الضمير أي : يستوي الامران فيما إذا عطف الجملة التي وقع فيها الاسم المذكور على جملة ذات وجهين (٣) أي : جملة اسمية خبرها جملة فعلية ، فيصبح رفعه بالابتداء ونصبه بتقدير الفعل والوجهان مستويان لحصول التناسب فيهما.

ففي الرفع تكون اسمية فتعطف على الجملة الكبرى وهي اسمية وفي النصب تكون فعلية فتعطف على الجملة الصغرى وهي فعلية.

فان قلت (٤) : السلامة من الحذف مر جحة الرفع (٥) قلنا (٦) : هي معارضة (٧) بقرب المعطوف (٨) عليه.

__________________

(١) فلاحتياج إلى هذا التقدير إنما هو في على تقدير النصب والعطف على الجملة الصغرى (عصمت).

ـ وإنما ذكر عنده أو في داره لئلا يورد عليه أنه لا يصح عطف الجملة الثانية على الفعلية فقط لأن المعطوف في حكم المطعوف عليه ، وفي المعطوف عليه ضمير يرجع إلى المبتدأ ، وهو زيد وليس في الجملة الثانية ضمير يرجع إليه ليصح العطف لعود الضمير إليه (شرح لباب).

(٢) أن الجملة لا تكون ذات وجهين وإلا لكانت جملة واحدة صغرى وكبرى بالاعتبارين (حواشي هندي).

(٣) وهذا التفسير إشارة إلى أن تساوي الأمرين بالنظر إلى خصوص المادة.

(٤) لم يستوي الأمران في المثال المذكور ؛ لأن قرنية الرفع أقوى ؛ لأن السلامة.

(٥) أي : لرفع الاسم المذكور فيكون الرفع بالابتداء مختارا فكيف يستوي الأمران حتى يكون المتكلم مخيرا في اختيار أيهما.

(٦) نعم السلامة من الحذف مرحجة للرفع حتى يكون الرفع بالابتداء مختارا لكن هي.

(٧) قوله : (هي معارضة) إلخ فعلى هذا يلزم أن يكون النصب راجحا بالاستغناء من تكلف جعل الجملة خبرا على تقدير الرفع (عصمت).

(٨) يعني : إذا نصب الاسم المذكور يكون المعطوف عليه وهي جملة : زيد قام قريبا ، وإذا رفع يكون المعطوف عليه وهو جملة : زيد قام بعيدا ، فقرب المعطوف عليه أولى من بعده وإن كان فيه سلامة من الحذف فتعارض الجهتان فاستوى فيه الأمران ؛ لأن عدم الترجيح في الجهة ينفي الترجيح في الأمر (توقادي).

٣٠٣

فان قلت (١) : لا تفاوت في القرب والبعد بينهما إذ الكبرى أيضا قريبه غير مفصولة عنها (٢) ، قلنا : هذا باعتبار المنتهى وأما باعتبار المبتدأ فالصغرى أقرب.

(ويجب النصب) أي : نصب الاسم المذبكور (بعد حرف الشرط) (٣) والمراد به هنا (٤) (إن) و (لو) فإن (أما) وان كانت من حروف الشرط فحكمها ما سبق من اختيار الرفع مع غير الطلي واختيار النصب مع الطلب (و) كذا يجب النصب بعد (حرف التحصيص) (٥) وهو (هلا وألا ولو لا ولو ما).

وانما وجب النصب بعدهما لوجوب (٦) دخولهما على الفعل لفظا أو تقديرا (نحو (إن زيدا ضربته ضربك) (٧) مثال لحرف الشرط (و (ألا زيدا ضربته) مثال لحرف التحصيص.

(وليس (٨) ...

__________________

(١) لا نسلم أن السلامة من الحذف معارضة تقرب المعطوف عليه على تقدير نصب الاسم المذكور ؛ لأنه لا تفاوت.

(٢) أي : عن الجملة المعطوفة عليها ؛ إذ جملة : وعمرا أكرمته متصلة بجملة ، زيد قام فاستوى في القرب والبعد فبقي السؤال الأول على حاله وهو السلامة من الحذف مرجحة حجة للرفع.

(٣) غير أما صريحا أو ضمنا كما في متى وحيثما وأينما ، إلا إذا لم يكن راسخا فيه كاذا الشرطية وحيث ؛ لأن الشرطية يستلزم الفعل (هندي).

(٤) أي : في البحث أعني نصب الاسم المذكور وجوبا إذا كان بعد حرف الشرط فإن وهما.

(٥) ومن الحروف اللازمة دخولها على الفعل إلا العرض فيجيب النصب بعدها نحو : إلا زيدا تكرمه على ما سيجيء الكلام فيه أي : في اسم لا لنفي الجنس (رضي).

(٦) قوله : (لوجوب دخولهما على الفعل) قال الشيخ الرضي لا شك أن التخصيص والعرض والاستفهام والنفي والشرط والتمني معان تليق بالفعل فكان القياس اختصاص حروفها بالأفعال إلا أن بعضها بقيت على ذلك الأصل ، كحرف التخصيص وبعضها اختصت بالإسمية ك ليت ولعل ، وبعضها استعملت في القبلتين مع أولويتها بالأفعال كهمزة الاستفهام ، وما ولا للنفي ، وبعضها اختلفتا في اختصاصها كالا للعرض ، وكذا أن الشرطية فإن المرفوع في : أن امرؤ هلك ، يجوز عند الأخفش أن يكون مبتدأ (عب).

(٧) والجملة لا محل لعدم اقترانها بالفاء وإذا جزاء الشرط.

(٨) هذا إشارة إلى الصورة الخامسة من الصور الخمس في الاسم ، الذي في مظان الإضمار على شريطة التفسير والرفع فيها واجب ، وإنما غير الأسلوب ولم يقل ويجب الرفع كما قال ويجب ـ

٣٠٤

مثل : (أزيد ذهب (١) به؟) أي : من باب الاضمار على شريطة التفسير ، فإن (زيدا) فيه وان كان يظن في بادئ النظر انه مما أضمر عامله على شريطة التفسير والمختار فيه النصب لوقوع الاسم المذكور فيه بعد حرف الاستفهام ، لكن يظهر بعد تعمق النظر انه ليس منه فإنه وان صجق عليه انه اسم بعده فعل مشتغل عنه بضميره لكنه ليس بحيث لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه ؛ لأن (ذهب (٢) به) لا يعمل النصب وكذا مناسبه ، أعني: (أذهب).

فان قلت (٣) : لا ينحصر المناسب في (أذهب) فليقدر مناسب آخر ينصبه مثل : (يلابس) أو (أذهب) على صيغة المعلوم ، فيكون تقديره : أزيدا يلابسه (٤) الذهاب(٥)به،

__________________

ـ النصب لئلا يتوهم فيها كونه مما أضمر عامله في الجملة كما في الصور السابقة وليس كذلك (عصمت).

(١) فإن قلت : عدم كونه من هذا الباب ظاهر لا شبهة فما الحاجة في إيراده قلت : إنما أورده ردا على السيرافي، حيث جوز النصب فيه بناء على جعل المصدر قائما مقام الفاعل ، والجار والمجرور منصوب المحل على أنه مفعول به تقديره : زيدا ذهب ، الذهاب به أي : ذهب زيدا ذهب الذهاب به وهو مردود بوجوه أما الأول فلأنه لا يعلم الفاعل فكيف تقدير ما ذهب زيدا وأما ثانيا فلأنه قال : في اللباب لا يحسن أن يقوم المصدر مقام الفاعل إلا إذا خصص وأما أجازه سيبويه من نحو قيم بالإسناد إلى المصدر ، محمول على أن يكون المصدر مقصود ، تقول : قعد لمن يتوقع القعود أي : قعد القعود الذي يتوقع ، وأما ثالثا فلوجود المفعول به فكيف تقام غيره مقام الفاعل وفيه أن المفعول بالواسطة والمصدر سواء (حاشية هندي).

(٢) ولفظ ذهب يستعمل بأربعة أحرف ، الأول : مثل ذهب به ، والثاني : ذهب عليه ، والثالث : ذهب إليه ، والرابع : ذهب عنه ، أما ذهب به وذهب عليه أي : نسبه ، وذهب إليه أي مشى إليه أذهب وذهب عليه (لمحرره).

(٣) أن هذا المثال إذا لم يجز فيه تسليط الفعل المفسر بعينه ولا مناسبه الذي هو أذهب بالبناء للمفعول ، لا يلزم أن لا يكون من باب إضمار على شريطة التفسير.

(٤) على أن يكون يلابس المقدر مسند إلى ضمير عائد إلى المصدر المجهول الذي دل عليه ذهب تضمنا (قدمي).

(٥) الأظهر أن يقال يلابس زيدا الذهاب به ، وفي هذا المثال ملابسة الصفة للموصوف وفي الثاني ملابسة مبدأ الصفة لموصوفها (لارى).

٣٠٥

أو يلابسه (١) أحد بالذهاب به ، أو : أذهبه أحد (٢).

قلنا : المراد بالمناسب ما يرادف الفعل المذكور أو يلازمه مع اتحاد (٣) ما أسند إليه فالاتحاد فيما ذكرته مفقود وإذا كان الأمر كذلك (فالرفع) أي : رفع (٤) (زيد) في المثال المذكور (واجب) (٥) بالابتداء ونصبه غير جائز بالمفعولية.

فليس من باب الاضمار على شريطة التفسير فكيف يكون مما يختار فيه النصب؟ (وكذا) أي : مثل : (أزيد ذهب به) (قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ (٦) فَعَلُوهُ (٧) ...

__________________

(١) على أن يكون المقدر مسندا إلى ضمير عائد إلى من أذهب زيد ؛ لأنه دل عليه ذهب به التزاما. (قدمي).

(٢) تقديره اذهب أحد زيدا اذهب به فح يكون هذا المثال من هذا الباب في اختيار النصب فيه فلم يصح قول المصنف. (م).

(٣) أي بشرط أن يكون فاعل الفعل المضمر والفعل متحدا يعني واحدا في هذا الباب حتى لو لم يتحد لم يكن مناسبا لا يفهم اعتبار هذا القيد من تعريف ما أضمر عامله فلا بد من الإشارة إليه في التعريف إذ التعريفات محمولة على المتبادر (عصمت وغيره).

(٤) لأن رفع الاسم ونصبه تابع لرفع الضمير ونصبه وإن كان الضمير منصوبا كان الاسم منصوبا وإن كان الضمير مرفوعا فمرفوعا ، وإذا كان كذلك وجب رفع الاسم لكون الضمير مع الياء في موضع الرفع لكونه مفعول ما لم يسم فاعله لذهب (جلبي).

(٥) قوله : (واجب بالابتداء) فيه لم لا يجوز أن يكون مرفوعا بتقدير اذهب المجهول المناسب لذهب به المتعدي بالباء والظاهر أنه أولى بسبب أن ما بعد الاستفهام تدفع الفعل كما سبق (عصمت).

(٦) ليس من باب ما أضمر عامله على شريطة التفسير لفساد المعنى ، وأن كان منه من حيث الظاهر ؛ لأن اسم بعده فعل مشتغل عنه بضميره ، لو سلط عليه لنصبه وذلك ؛ لأنه إذا نصب كل سلط فعلوا عليه فلا يخلو من أن يكون الجار والمجرور صفة لشيء أو متعلق بفعلوا ، فإن كان الأول كان المعنى فعلوا كل شيء مسطور في الزبر ، وهو معنى فاسد ؛ لأنهم ما فعلوا كل وأن كان الثاني المعنى فعلوا كل شيء في الزبر وهو فاسد أيضا إذا الزبر وهي صحف الملائكة التي تكتب فيها الأعمال ليس محلا لفعلهم فتعين الرفع في (كل) بأن يكون مبتدأ ، وجملة فعلوه في محل الخبر بأنها صفة لشيء والجار والمجرور في محل الرفع بأنه خبر مبتدأ ، فالمعنى كل شيء مفعولهم من الأشياء ثابت مكتوبة في الزبر. (عافية شرح الكافية).

(٧) والضمير في فعلوه عائد إلى الأشياع في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ)[القمر : ٥١] أشباهكم ونظائركم في الكفر من الأمم السابقة (معالم).

٣٠٦

فِي الزُّبُرِ)(١) [القمر : ٥٢])

أي : في صحائف اعمالهم فهو ليس من باب الاضمار على شريطة الفسير ؛ لأنه لو جعل منه لصار التقدير فعلوا كلّ شيء في الزبر فقوله (فِي الزُّبُرِ) إن كان متعلقا (فعلوا) فسد المعنى (٢) ؛ لأن صحائف أعمالهم ليست محلا لفعلهم (٣) ؛ لأنهم لم يوقعوا فيها فعلا ، بل الكرام الكاتبون (٤) اوقعوا فيها كتابة أفعالهم.

وان كان صفة لشيء ـ مع أنه خلاف ظاهر (٥) الآية ـ فات المعنى المقصود ، اذ المقصود (٦) أنّ كلّ شيء هو مفعول لهم كائن في الزبر مكتوب فيها موافقا لقوله تعالى : ((وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٣]) (٧) لا أنّ كل شيء كائن في صحائف أعمالهم هو مفعول لهم ، فالرفع (٨) لازم على أن يكون (كل شيء) مبتدأ والجملة الفعلية صفة لشيء والجار والمجرور في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ تقديره : كلّ شيء هو مفعول(٩) لهم ثابت في الزبر بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة (١٠).

__________________

(١) والظرف خبر المبتدأ والجملة مجرورة المحل صفة شيء ، الزبر الكتاب وبالكسر المكتوب والجمع : الزبور ، والمزبر : القلم ، والزبور الكتاب بمعنى الزبور والجمع الزبر. (قاموس وغيره).

(٢) أي : معنى هذا القول فحينئذ يكون المعنى على ما سبق أوقع الخلائق يعني كل واحد منهم كل شيء من الخير والشر في صحائف وهذا المعنى غير صحيح.

(٣) حتى يوقعوا فيها أعمالهم بل الصحائف محل لأفعال الملائكة وهم الكرام الكاتبون (توقادي).

(٤) وهم الحفظة الذين يكتبون أفعال العباد من خير أو شر لقوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ)[الانفطار : ١٠ ـ ١١] (توقادي).

(٥) وظاهر الآية أن يكون الظرف مستقرا وأن لا يفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي (رضا).

(٦) قوله : (إذا المقصود أن كل شيء) إلخ وذلك أن المقصود بيان أحوال مفعولاتهم والحكم عليكم وعلى مفعولاتهم كما يقتضيه سوق الأية ، بيان حال كل هو كائن ومكتوب في صحائف أعمالهم بأنه مفعول لهم (وجيه الدين).

(٧) يعني : كل عمل بن آدم من خير أو شر قليل أو كثير مسطور يعني معلوم لنا لا يشذ منه شيء عن علمنا (م).

(٨) إذا لم يكن من باب الإضمار على شريطة التفسير لما قلنا فالرفع لازم.

(٩) خبر المبتدأ الثاني والجملة الاسمية في محل الجر صفة لشيء.

(١٠) وإن جاز فيه الرفع أيضا لئلا يلزم وقوع الطلب خبرا بلا تأويل على ما سبق (ت ح). ـ

٣٠٧

واعلم (١) أنّه قد سبق أنّ بعد الاسم المذكور إذا كان الفعل المشتغل عنه بضميره أو متعلقه أمرا أو نهيا فالمختار فيه النصب (٢).

فالظاهر (٣) أن قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢] داخل تحت هذه القاعدة (٤) مع أن القراء اتفقوا فيه على الرفع (٥) إلّا في رواية شاذة عن بعضهم ، فاضطر النحاة إلى أن تمحّلوا لاخراجه عن هذه القاعدة المذكورة لئلا يلزم اتفاق القراء على غير المختار.

فأشار المصنف إلى ما تمحّلوا لاخراجه عنها فقال : (ونحو (٦) : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي

__________________

ـ فيكون موافقا لقوله تعالى : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)[القمر : ٥٣].

(١) واعلم يبشير على أن قول المصنف ونحو : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية جواب عن سؤال مقدر وهو أنه قد سبق.

(٢) وإن جاز فيه الرفع أيضا لئلا يلزم وقوع الطلب خبرا بلا تأويل على ما سبق.

(٣) قوله : (والظاهر أن قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) إلخ داخل تحت هذه القاعدة لوجود جميع شرائط المذكورة فيها حاصلة في بادي النظر ؛ لأن ما بعد الفاء قد يعمل فيما قبلها نحو (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)[المدثر : ٣] كذا في الرضي فهو ظاهر بالنسبة إلى الكل لا إلى المبتدأ الغير الفارق بقاعدة أعمالهم ، ما بعد الفاء فيما قبلها واعلم أن ما بعد الفاء يعمل فيما قبله إذا كانت زائدة كما في قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ)[الفتح : ١] إلى قوله : (فَسَبِّحْ) وواقعة غير موقعها لغرض نحو وربك فكبر ونحو (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)[الضحى : ٩] وأما إذا لم يكن زائدة وكانت واقعة موقعها فما بعدها لا يعمل فيما قبلها كما في قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) (وجيه الدين).

(٤) لأنه اسم بعده فعل مذكور مع الطلب لكن القراء السبعة اتفقوا على الرفع فالمراد منه غير هذا الظاهر (متوسط).

(٥) واتفاقهم حجة قاطعة ؛ لأنهم اخذوا القراءة عن صاحب الشريعة محمد عليه‌السلام أما بالواسطة أو بغير واسطة ، فلزم أتباع النحاة لهم ولأن القراء أعدل من النحاة فيرجح ما نقل عنهم على قول النحاة (حاشية قاضي).

(٦) قال ونحو (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الواو أما للعطف على كل شيء فعلوه فيكون التقدير وكذا نحو الزانية والزاني ، وقوله : (الفاء) بمعنى الشرط تعليل وجملة ، قوله : (وجملتان بتقدير المبتدأ) أي : هذه الآية جملتان تعليل آخر معطوف على الأول ، وأما للعطف على قوله : وكذا (كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) وجملة قوله : (الفاء) بمعنى الشرط المشيرة إلى التعليل خبر لقوله : (نحو الزانية) بتقدير العائد وقوله : (جملتان معطوف عليها) المفرد على الجملة لها محل من الأعراب (عب).

٣٠٨

فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (الفاء) (١) فيه مرتبط (٢) (بمعنى الشرط (٣) عند المبرد) (٤) لكون الألف واللام في (الزانية والزاني) مبتدأ موصولا فيه معنى (٥) الشرط واسم الفاعل الذي هو صلته كالشرط فخبر المبتدأ كالجزاء والفاء الداخلة عليه مرتبطة بالشرط لدلالته على سببيته (٦) للجزاء.

ومثل (٧) هذا الفاء لا يعمل ما في حيزه فيما قبله فامتنع تسليط الفعل المذكور بعده على ما قبله فتعين فيه الرفع.

__________________

(١) (الفاء) في فاجلدوا داخلة على الخبر بتأويل مقول فيهما لكون المبتدأ متضمنا بمعنى الشرط جيء بها لتدل على السببية كما في قولك : الذي يأتيني فله درهم ، فيكون تقديره التي زنت والذي زنا فاجلدوهما مئة جلدة ، وعلى ذلك لا يكون من هذا الباب ؛ لأنه لا يصلح أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لكونها مخرجة للاسم عن كونه مبتدأ فلا يكون الفاء في الخبر الذي هو محلها (عافية شرح الكافية).

ـ الفاء مبتدأ وقوله : (بمعنى ظرف) مستقر خبر لمبتدأ والجملة الاسمية لا محل لها استيناف تعليلي) أي: وكذا نحو الزانية والزاني ؛ لأن الفاء بمعنى الشرط وقد تقر في محله أن الجملة الاسمية تقع استينافا تعليليا حتى يجوز الوجهان في أن الواقع في هذا الموضع نحو قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور : ٢٨] قراءة نافع والكسائي بالفتح على تقدير لام التعليل والباقون بالكسر على أنه استيناف تعليلي (توضيح على الألفية).

(٢) قوله : (مرتبطة بمعنى الشرط) فيكون الباء صلة ويجوز أن يكون للسببية (لارى).

(٣) يعني الفاء ههنا لربط الجزاء بالشرط المستفاد من الألف واللام في الزانية.

(٤) قال عند المبرد قيل : ظرف لعامل الظرف المقدر والأظهر أنه ظرف للنسبة بين المبتدأ والخبر كما أن قوله : (عند سيبويه) (ظرف للنسبة) المبتدأ والخبر يوافق قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)[آل عمران : ١٩]. (عب).

(٥) لما سبق أن المبتدأ إذا كان موصولا صلته فعل أو ظرف يكون فيه معنى الشرط.

(٦) لأن الفاء وضعته لسببية ما قبلها لما بعدها ، فإذا دخلت على الجزاء يعلم أن الشرط سبب للجزاء حتى لو لم تدخل عليه لم تعلم السببية.

(٧) كأنه قيل : لم لا يجوز أن يكون الفاء زائدة ويكون من باب ما أضمر عامله ويكون النصب مختارا منه (رضا).

ـ وإنما قال مثل ؛ لأن الفاء إذا كانت زائدة أو غير واقعة موقعها لغرض كما في قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)[الصحى : ٩] جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها (لارى).

٣٠٩

(و) الآية (جملتان) مستقلتان (١) (عند سيبويه) إذ (الزانية) (٢) مبتدأ محذوف المضاف و (الزاني) عطف عليه والخبر محذوف أي : حكم الزانية (٣) والزاني فيما يتلى عليكم بعد.

وقوله تعالى : (فَاجْلِدُوا) جملة ثانية لبيان الحكم الموعود ، والفاء عنده أيضا للسببية أي : إن ثبت زناهما فاجلدوا.

وقيل : زائدة أو للتفسير ، وجزء الجملة لا يعمل في جزء جملة أخرى فيمتنع التسليط فلا يدخل في الضابط فتعين الرفع.

(والا) أي : وان لم يكن الفاء بمعنى الشرط ولم تكن الآية جملتين أيضا فهي تكون داخلة تحت (٤) الضابطة (فالمختار) حينئذ فيها (٥) (النصب) (٦) واختيار (٧) النصب

__________________

(١) قوله : (مستقلتان كل منهما منقطعة عن الأخرى) لا تعلق لأحديهما بالأخرى نظيره زيد مضروب فأكرمه (وجيه الدين).

(٢) قوله : (إذا الزانية) توجيه المبرد أقوى من هذا التوجيه لعدم احتياجه إلى إضمار ولذا قدمه المصنف لكن فيه أنه يلزم أن يكون الإنشاء خبرا.

(٣) وذلك الحكم قوله : (فاجلدوا) أي : فاضربوا أيها الحكام كل واحد من الزانية والزاني مئة جلدة.

(٤) لصدق التعريف عليها ؛ لأنه يصدق على قوله : (الزانية) كل اسم بعده فعل مشتغل عنه بضميره بحيث لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه (توقادي).

(٥) قوله : (فيها في الأية : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)) يعني : إن لم يؤل بتأويل المبرد وسيبويه ويعتبر الظاهر كان المختار ، النصب لمكان الأمر وقد جاء قرأت من غير السبعة بالنصب كذا في الكشاف (غجدواني).

(٦) كما أن في القراءة الشاذة لمكان الأمر ؛ لأن فعل المر لا يحسن أن يكون خبرا فقوى النصب فيختار (وجيه الدين).

(٧) قوله : (واختيار النصب) يعني أن الشرطية إشارة إلى قياس استثنائي ، استثنى فيه نقيض الثاني ليبث نقيض المقدم ، وهو ما ذهب إليه المبرد ، وإنما حمله على ذلك إذ ، لو لم يحمله لكان معناه أن اختيار النصب واقع على بعض التقارير ، لكنه غير واقع أصلا فإن الشاذ لا يعبأ به.

ـ وأراد بنحو مثل قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)[المائدة : ٣٨](وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما)[النساء : ١٦] فإن قلت : ما الحكمة في تقديم المرأة في بيان حكم الزنا وتقديم المرء في بيان حكم السرقة ، قلت : ذلك بالنظر إلى حصول إلى السبب القوي ، وذلك ؛ لأن حصول الزنا إنما يكون لسبب الشهوة وهي غالبة في المرأة منها من المرء ، وحصول السرقة إنما يكون بسبب الجرأة وهي أكثر في المرء منها في المرأة (عافية في شرح الكافية).

٣١٠

باطل (١) لاتفاق القراء على الرفع فلا بد من جعل الفاء بمعنى الشرط أو جعل الآية جملتين لتعين (الرفع).

(الرابع) (٢) من تلك المواضع التي وجب حذف ناصب المفعول به فيها :

(التحذير) (٣)

وانما وجب (٤) حذف الفعل فيه لضيق (٥) الوقت عن ذكره (٦).

(وهو) في اللغة : تخويف شيء من شيء. وتبعيده منه.

وفي اصطلاح (٧) النحاة : (معمول) أي : اسم عمل فيه النصب بالمفعولية (بتقدير: اتق ، تحذيرا) (٨) أي : حذر ذلك المعمول تحذيرا. فيكون مفعولا مطلقا ، أو ذكر تحذيرا ، فيكون مفعولا له.

__________________

(١) لكونه مخالفا لما اتفق عليه جمهور القراء وما يكون مخالفا لما اتفقوا عليه يكون باطلا.

(٢) أي : أربع الأربعة لا رابع الثلاثة يعني أنه باعتبار الحال لا باعتبار التصيير.

(٣) أي : موضع التحذير ولو أريد بالرابع ، القسم الرابع من أقسام المفعول به الذي يحذف فعله الناصب لا حاجة إلى تقدير الموضع (عصمت).

(٤) قوله : (وإنما وجب حذف الفعل) إلخ. وإنما لم يذكر علة وجوب الحذف في المواضع السابقة أما في المنادى فلأن تعريفه يفيد ذلك حيث ذكر أن المطلوب إقباله بحرف نائب مناب أدعو فعلم منه أن أدعو فعله وحرف النداء قائم مقامه ومن المعلوم عدم جواز اجتماع النائب مع المندوب وأما في ما أضمر عامله على شريطة التفسير فلأن هذه العنوان يدل على إضمار عامله بشرط التفسير بعد الإضمار ، ومن المعلوم عدم جواز ذكر المفسر بعد إرادة التفسير بسبب حذفه (عصمة الله).

(٥) في كلا قسمي التحذير ضيق وقت وهو أضيق من القسم الثاني منه ولهذا لا يذر إلا المحذر منه. (لارى).

(٦) لأنه لو ذكر لفات وقت التحذير ؛ لأن مثل هذا إنما يقال عند مشارفة وشدة الخوف أو لقصد الفراغ بسرعة إلى ما هو المقصود من الكلام.

(٧) قوله : (وفي اصطلاح النحاة معمول) إلخ إشارة إلى دفع ما قيل : أن التحذير بمعنى المحذر أو المحذر منه بإقامة المصدر مقام المفعول وذلك أنه لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن التحذير جعل في الاصطلاح للمعمول (وجيه الدين).

(٨) قال تحذير مما بعده ، هذا القسم الذي هو المحذر أما ظاهر أو مضمر ، والظاهر لا يجيء ـ

٣١١

(مما بعده) (١) أي : مما بعد ذلك المعمول.

(أو ذكر (٢) المحذّر منه مكررا) على صيغة المجهول عطفا على (حذر) أو (ذكر) المقدر ، فإن قلت : فعلى هذا (٣) لا بد من ضمير في المعطوف كما في المعطوف عليه قلنا(٤): نعم ، لكنه وضع في المعطوف المظهر موضع المضمر العائد إلى المعمول اشعارا بأنه محذر منه لا محذر (مثل (٥) : إيّاك والأسد ، وإيّاك وأن تحذف ،) هذان مثلان لأول : نوعي التحذير ، ومعناهما : بعد نفسك من الأسد ، والأسد من نفسك ، وبعّد نفسك عن حذف الأرنب ـ وهو ضربه بالعصا ـ وبعّد حذف الأرنب عن نفسك.

وعلى التقديرين : المحذّر منه هو (الأسد) (والحذف).

فان المراد من تبعيد الأسد أو الحذف ، من نفسك تحذيرها منهما لا تحذيرهما منها.

(والطريق (٦) ...

__________________

ـ إلا مضافا إلى المخاطب والمضمر لا يجيء في الأغلب إلا مخاطبا وقد يجيء متكلما نحو إياي : والشر ، وسيبويه يقدر بنحو لا حذر وغيره يقدر بنحو حذر خطابا والأول أولى (شيخ الرضي).

(١) قال مما بعده احتراز عن المعمول الذي بتقدير اتق لكن لا للتحذير مما بعده كا يا لقائل من اتق فإنه ليس من هذا الباب لجواز ذكر فعله (هندي).

(٢) قال أو ذكر المحذر منه هذا القسم يكون ظاهرا أو مضمرا سواء كان الظاهر مضافا أو لا والمضمر متكلما أو مخاطبا أو غائبا.

(٣) أي : تقدير أن يكون معطوفا على أحد هذين المقدرين أعنى حذر أو ذكر (تأمل).

(٤) قوله : قلنا) : أي : قلنا بتقدير العائد والتقدير أو ذكر المحذر منه من نوعيه وباستتار ضمير في ذكر وجعل المحذر منه بدلا منه (لارى).

(٥) وهذا موافق لما روى عن عمر رضي‌الله‌عنه من أنه قال إياي : وأن تخذف أحدكم الأرنب بالعصا ، وفي القاموس الخذف كالضرب ، رميك حصاة أو نواة أو نحوهما (تأخذ بين سبابتيك) انتهى وفي الحديث نهى عن الخذف كما في البخاري ، وجه النهى أنه ليس من المحددات وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر ؛ لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا لحدته (رضي زاده).

(٦) عطف على القريب أو البعيد منصوب ، مفعول به بفعل محذوف وجوبا ، وجملته إنشائيّة لا محل لها ، استئناف (رضى زاده).

٣١٢

الطريق) (١) مثال لثاني نوعيه ، أي : اتّق الطريق الطريق.

ولا يخفى عليك أن تقدير (اتّق) في أوّل النوعين غير صحيح ؛ لأنه لا يقال (٢) : اتقيت زيدا من الأسد (٣) ، فينبغي أن يقدر فيه مثل : (بعد ، ونح).

وتقدير : (بعد) في مثال النوع الثاني غير مناسب ؛ لأن المعنى على الاتّقاء عن الطريق لا على تبعيده منه.

فالصواب أن يقال : بتقدير (بعد أو اتّق) أو نحوهما (٤) ، فيقدر مثل : (بعد) في جميع أفراد النوع الأول ، وفي بعض أفراد النوع الثاني مثل : (نفسك نفسك) (٥) فإن المعنى(٦) ...

__________________

(١) والجدار الجدار ، والجبل الجبل ، والحية الحيّة ، وإنما كرر ليكون مانعا عن ظهور الفعل ؛ لنيابة أحد المكررين منابه مع ما ذكر في القسم الأول (عوض أفندي).

(٢) يعني : لم يجئ متعديا إلى اثنين ؛ إلى الأول بنفسه ، وإلى الثاني تارة ب : (من) ، وأخرى بنفسه ، بل إنما جاء متعديا إلى واحد فقط ، تارة بنفسه وأخرى ب : (من). والسر فيه : أن وقى متعدّ إلى الأول بنفسه وإلى الثاني ب : (من) وبدونه ، فلما نقل إلى الأفعال انتقص مفعولا ، وبقي المفعول الآخر كما هو القياس ، والله اعلم (قدقي).

(٣) لأنّه لا يقع بعده إلا المحذر منه كما يعلم من تصحيح عصام الدين ؛ تقديره : اتق نفسك ؛ بجعل النفس كأنّه محذر منه بالتّعبير به عن الأسد تأمل (داود).

(٤) وأجيب عنه بأنّ هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، تقديره معمول بتقدير نحو : اتق، أو من باب حذف المعطوف تقديره معمول بتقدير : اتق أو نحوه. فحينئذ يعمّ التعريف ويشمل كل فعل يجوز تقديره فيدخل بعّد ونحّ واتق وغيرها.

(٥) فالنفس هاهنا هو المحذر منه بل مطلقا لقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)[يوسف: ٥٣] ، وقوله : عليه‌السلام : «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» البيهقي في الزهد : (٣٥٥).

(٦) قوله : (فإن المعنى على هذا : بعّد نفسك مما يؤذيك) يوجب كون النفس محذورا لا محذورا منه فلا يكون من أفراد النوع الثاني ، وليس من أفراد النوع الأول أيضا ؛ لأنّه ليس تحذيرا مما بعده. ويمكن أن يقال : لما كان النفس أمارة بالسوء يكون مؤذية فيكون محذرا منها ، فيؤثر الشخص بالاتقاء منها ؛ إذ حاصل المعنى : بعّد شخصك مما يؤذيك ، والمؤذى في مثالنا هذا هو النفس فيكون محذرا منها بهذا الاعتبار وإن كانت محذرة باعتبار أنها نفس الشخص المأمور بالتحذير والاتقاء عنها فتأمل ، لئلا يشتبه عليك الفرق بين هذا الجواب وبين ما أجاب المحشي (قدقي رحمه‌الله).

٣١٣

عن هذا : بعد نفسك مما يؤذيك (١) ، فالأسد ونحوه ، ويقدر مثل : (اتّق) في بعضها كالمثال المذكور (٢).

قيل : لفظ (الأسد) في (إيّاك والأسد) خارج (٣) عن النوعين فينبغي أن لا يكون تحذيرا ، وليس كذلك (٤) ، فإنه أيضا تحذير ، وأجيب بأنه تابع للتحذير ، والتوابع خارجة عن المحدود (٥) ، بدليل ذكرها فيما بعد.

(وتقول) (٦) في قسمي النوع الأول (إيّاك من الأسد) كما كنت تقول (إيّاك والأسد) (و (من أن تحذف) كما كنت تقول : (إيّاك وأن تحذف).

__________________

(١) وفيه بحث مشهور ، وهو أنه إذا كان معنى نفسك نفسك : بعّد نفسك مما يؤذيك لم يكن نفسك نفسك من النوع الثاني ومحذرا منه بل محذرا ، فأجاب عنه بعض المحققين بما حاصله : أنّ المراد التحذير من النفس بتبعيدها عن الرذائل التي تؤذيك ؛ فإنّك إذا لم تبعد من الرذائل يصيبك منها المحن والشدائد ، فالنفس محذر منه لا محذر ، ويمكن أن يقال في الجواب : يجوز أن يكون ما في مما يؤذيك مصدرية. ومن للتعليل والأجل ، والمعنى : بعد نفسك من أجل إيذاء النفس إياك كإيذاء الأسد ، وحينئذ يكون النفس أيضا محذرا منه (عصمة الله).

(٢) لأنّه في معنى : اتق الطريق ، أي : اتق عن الأشياء المؤذية التي يكون في الطريق واحدة أو متعددة ، فيكون من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال (توقادي).

(٣) لأنّه إن فرض دخوله في النوع الأول ليس محذرا بل محذرا منه ، وإن فرض دخوله في النوع الثاني ليس مكررا فحينئذ على أي : تقدير يكون خارجا من المحدود (رضا).

(٤) بل يكون تحذيرا لأنّه يصدق أنه معمول بتقدير : اتق تحذيرا مما بعده ؛ بأن يكون المراد من قول مما بعده أعمّ من أن يكون لفظا أو تقديرا ، فحينئذ يكون الأسد تحذيرا مما بعده تقديرا ، وعلى هذا التقدير يكون معناه : اتق إياك عن الأسد ، والأسد من الصياد ، تأمل هذا الاحتمال إذا لم يقل مع من ، وإذا قال مع من لا يكون الأسد إلا محذرا منه تأمل.

(٥) وفيه نظر ؛ لأن كونه تابعا لا يخرجه عن التحذير ، كما أنّ (عمرو) في جاءني زيد وعمرو لا يخرج عن الفاعلية بكونه تابعا.

(٦) يعني : يستعمل التحذير على وجهين : أحدهما : بحرف الجر ، وحرف الجر قد يذكر لفظا داخلا على اسم ، نحو : إياك من الأسد. وقد يكون داخلا على أن مع ما في حيزه ، نحو : إياك من أن تخذف ، والثاني : أن يذكر بحرف العطف إما داخلا على الاسم ، نحو : إياك والأسد ، أو على أنّ مع حيزه ، نحو : إياك وأن تخذف ، وقد يحذف حرف الجر من أن ، فيقال : إياك أن تخذف ، أي : من أن تخذف ، ولا يحذف من الاسم ، فلا يقال : إياك الأسد ، أي : من الأسد ، وإنما حذف حرف الجر من أن ولم يجز حذفه من الاسم لأنّ أن مستطال بصلة فناسب تخفيفه فحذف حرف الجر منه بخلاف الاسم المفرد ؛ فإنّه لا طول فيه (شرح اللباب).

٣١٤

وتقول في المثال الأخير : (إياك أن تحذف) بتقدير (من) أي : إياك من أن تحذف ؛ لأن حذف حرف الجر عن (أن ، وأنّ) قياس.

(ولا تقول) في المثال الأول (إيّاك الأسد) لامتناع تقدير (من) (١) وشذوذه مع غير (أن وأنّ)

فان قلت : فليكن بتقدير العاطف قلنا : حذف العاطف أشد شذوذا ؛ ؛ لأن حذف حرف الجر قياس مع (أن وأنّ) وشاذ (٢) كثير في غيرهما (٣).

وأما حذف العاطف فلم يثبت إلّا نادر (٤).

(المفعول فيه)

(المفعول (٥) فيه)

(هو ما فعل فيه فعل) أي حدث (مذكور) تضمنا في ضمن الفعل الملفوظ أو المقدر أو شبهه (٦) ، ...

__________________

(١) قوله : (ولا تقول : إياك الأسد لامتناع تقدير من) فإن قلت : تقدير من في مثل هذه الصورة غير ممتنع ؛ إذ لو كان ممتنعا لم يقع لكن وقع فلا يمتنع. أما بيان الوقوع أنّه جاء في كلام العرب ، كقول أبي إسحاق :

وإياك إياك المراء فإنّه

إلى الشر دعاء وللشرّ جالب

 ـ تقديره : إياك إياك من المراء ، وحذف (من) في من المراء فكذلك جوز حذفها من الأسد على تقدير : إياك من الأسد في قولك : إياك والأسد. قلنا : أجيب عنه بوجوه : الأول : أنه من ضرورات الشعر ، وكلامنا من السعة والاختيار. الثاني : أنه على خلاف القياس واستعمال الفصحاء ، ومثل هذا مردود ولا يكون حجة. الثالث : أن المراء مصدر بمعنى : أن يماري ، فحمل المراء على أن تماري في جواز حذف من لكون أن المراء بمعنى أن تماري ، فكما يجوز حذف (من) من أن تماري فكذلك من المراء فإذا احتمل الوجوه المذكورة فليست بحجة ؛ إذ لا يجوز إثبات القاعدة بالمحتملات (قطب الكيلاني).

(٢) كقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)[الأعراف : ١٥٥] (رضا).

(٣) أي : في غير المفعول فيه والمفعول به ؛ فإن حذف اللام فيهما شاذّ (رضي).

(٤) كما قال أبو علي في قوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، قُلْتَ)[التوبة : ٩٢] أي : وقلت (وجيه الدين).

(٥) ولما فرغ ممن بيان المفعول به بجميع أنواعه وأحكامه ، شرع أن يبين المفعول فيه فقال (عوض أفندي).

(٦) نحو : ضارب عمرا يوم الجمعة ، ونحو : يوم الجمعة في جواب من قال ، أي : وقت أنت ضارب ، وتقديره: أنا ضارب يوم الجمعة (شرح).

٣١٥

كذلك (١) أو مطابقة (٢) ، إذا كان العامل مصدرا.

فقوله : (ما فعل فيه فعل) شامل لأسماء الزمان والمكان كلها.

فانه لا يخلو زمان أو مكان عن أن يفعل فيهما فعل ، سواء ذكر الفعل الذي فعل فيهما أو لا (٣).

وقوله : (مذكور) خرج به ما لا يذكر فعل فعل فيه ، نحو : (يوم الجمعة يوم طيّب)، فإنه وان كان فعل لا محالة (٤) ، لكنه ليس بمذكور ، لكن بقي مثل : (شهدت يوم الجمعة) داخلا فيه ، فإن (يوم الجمعة) يصدق عليه أنه فعل فيه فعل مذكور ، فإن شهود يوم الجمعة لا يكون إلّا في يوم الجمعة ، فلو اعتبر في التعريف قيد الحيثية ، أي : المفعول فيه، ما فعل فيه فعل مذكور من حيث (٥) إنّه فعل فيه فعل مذكور ، ليخرج مثل : هذا المثال عنه فإن ذكر يوم الجمعة فيه ليس من حيث إنّه فعل فيه ، فعل مذكور ، بل من حيث إنه وقع عليه فعل مذكور ، ولا يخفى (٦) عليك أنه على تقدير اعتبار قيد الحيثية لا حاجة إلى قوله : (مذكور) الا لزيادة تصوير المعرّف.

__________________

(١) أي : يكون ما شابه الفعل ملفوظا أو مقدرا ، مثل : يوم الجمعة لمن قال لك : متى ضربت (م).

(٢) فيه تأمل ؛ إذ لو أريد من قوله : (ما فعل فيه) ما ناسب إليه الفعل بكلمة في لم يحتج إلى اعتبار قيد الحيثية ، ولو أريد معناه الحقيقيّ لا تجدي الحيثية ؛ لأن هذا المعنى يصير قيدا وهو لا يقتضي اعتبار نسبة الفعل إليه بكلمة في نعم يصير قريبا من اعتبارها (عب).

(٣) قوله : (أو لا) يذكر الفعل الذي حدث ووجد في كل واحد منهما لفظا أو تقديرا بل لا يلتفت إليه أصلا (م).

(٤) لفظة لا لنفي الجنس ، و (محالة) اسمها وخبرها محذوف ، أي : لا محالة فيه ، أي : لا شك في أن يفعل يوم الجمعة فعل ما (توقادي).

(٥) قوله : (من حيث أنه فعل فيه فعل مذكور) أي : يأخذ ، ويلاحظ ويذكر بهذه الحيثية. فيوم الجمعة مثلا في مثل : شهدت يوم الجمعة ، وإن فعل فيه فعل الشهود إلا أنّه لم يكن بهذه الحيثية إذا لم يقصد بذلك ، ولم يذكر لأجله بل بحيثية وقوع الفعل عليه ، فيخرج عن التعريف لأنّه مفعول به لا مفعول فيه (وجيه الدين).

(٦) قوله : (ولا يخفى) أنه على تقدير اعتبار قيد الحيثية ، يعني : أنّ قيد الحيثية وإن كان لا بد منه لإخراج غير المحدود ، مثل : شهدت يوم الجمعة إلّا أنّه يلزم الاستغناء عن قوله : (مذكور) لأنّه حينئذ يخرج قوله : (الجمعة يوم طيب بقيد الحيثية) إلّا أن يكون لزيادة تصور مفعول فيه وتحقيق ماهيته بأن يذكر جميع إتيانه وما يعبر في ماهية قول فإنّهم لا يطلقون المفعول فيه إلا ـ

٣١٦

وقوله (من زمان أو مكان) (١) بيان ل : (ما) الموصولة أو الموصوفة إشارة (٢) إلى قسمي المفعول فيه ، وتمهيد لبيان حكم (٣) كل منهما.

وهو ، أي : المفعول فيه ، ضربان :

ما يظهر فيه (في) وهو مجرور (٤) بها.

وما يقدر فيه (في) وهو منصوب بتقديرها.

وهذا خلاف اصطلاح القوم (٥) ، فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلّا على المنصوب ، بتقدير (في).

وخالفهم المصنف ، حيث جعل المجرور أيضا مفعولا فيه ، ولذلك قال : (وشرط نصبه) (٦) أي : شرط نصب المفعول فيه (تقدير في) (٧) إيذ التّلفظ بها يوجب الجرّ ،

__________________

ـ على المنصوب بتقدير (في) ، فالحد عندهم هو المقدر بفي من زمان أو مكان فعل فيه فعل مذكور (وجيه الدين).

(١) حقيقيين أو اعتباريين سرت يوم الجمعة زمان حقيقي خلفك مكان حقيقي ، وجلست قدوم زيد الشمس ، أي : وقت قدوم زيد في مكان ظهور الشمس (هندي).

(٢) قوله : (إشارة) إشارة إلى أن قوله : (من زمان) ليس قيدا احترازيا بناء على أن في محمولة على الظرفية الحقيقية فليس كل مجرور بفي مفعولا فيه (عب).

(٣) والحكم قبول النصب بتقدير في وعدم قبوله وتقسيم كل منهما إلى المبهم المحدود وبين النصب بتقدير في وعدمه بإظهار في (م).

(٤) كقولك : سرت في يوم الجمعة فيكون السير واقعا في وقت من أوقات يوم الجمعة (توقادي).

(٥) وإنما عبر عنهم بالقوم تنبيها على أن المختار عند الشارح ما ذهب إليه المصنف ؛ لأنّه كما أن اليوم في قولك: سرت يوم الجمعة ظرف للسير ومحل له. كذلك قولك : سرت في يوم الجمعة ظرف له ومحل أيضا فلا وجه لإطلاقه المفعول فيه على الأول دون الثاني (م).

(٦) قوله : (وشرط نصبه تقدير في) فإذا قدر (في) في المفعول فيه وقد تضمن المفعول فيه معنى في ، وإذا تضمن معنى في يكون المفعول فيه مبنيا لتضمنه معنى أن أين وكيف مبنيان لتضمنهما معنى همزة الاستفهام. قلنا : لا نسلم أنه إذا قدر (في) في المفعول فيه فقد تضمن المفعول فيه معنى ؛ لأنه لو كان كذلك لم يجز إظهار في مع المفعول فيه كما لم يجز إظهار الهمزة مع أين وكيف ؛ ؛ إذ الفرق بين التضمين والتقدير ؛ ؛ إذ التضمين يقتضي عدم جواز الإظهار ، والتقدير يقتضي جواز الإظهار (قطب الكيلاني).

(٧) أي : أن يكون في مقدرة لا ملفوظة ؛ لأنها لو كانت ملفوظة لوجب خفضه فامتنع نصبه ، وإنما ـ

٣١٧

(وظروف (١) الزمان كلها) مبهما كان الزمان أو محدودا (٢) (تقبل ذلك) أي : تقدير(في)؛ لأن (٣) المبهم منها جزء مفهوم الفعل فيصبح انتصابه بلا واسطة ، كالمصدر(٤).

والمحدود منها محمول عليه أي : على المبهم ، لاشتراكها في الزمانية نحوه (صمت دهرا) و (أفطرت اليوم).

(وظروف المكان إن كان) المكان (٥) (مبهما قبل ذلك) أي : تقدير(في) حملا(٦)

__________________

ـ اشترط أن يكون مقدرة لأنّ للمفعول فيه لا بد من كلمة في تحقيقا لمعنى الظرفية فهي إذا لم يكن ملفوظة وجب أن يكون مقدرة وإلا لكان اسم الزمان والمكان اسما صريحا ولم يكن مفعولا فيه. فإن قلت : إن قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)[سبأ : ٣٣] وفي قول الشاعر :

يا سارق الليلة

ـ هل الدار مقدرة مع تخلف النصب. قلت : ذلك لكونه من الأمور الجائزة ؛ لأن وجود الشرط لا يلزمه أن يكون مستلزما لوجود المشروط بل الأمر على العكس مع أن منع تقدير في ههنا جائز (عوض أفندي).

(١) ولما ثبت أن شرط نصبه تقدير في أراد أن يبين أن أي : نوع يمتنع عن قبوله (عافية).

(٢) أي : معينة وهي ما يكون مقداره معلوما كاليوم والليلة والشهر والحول (عوض أفندي).

(٣) قوله : (لأنّ المبهم منها جزء) فإن قلت : الزمان الذي هو جزء الفعل إنما هو أحد الأزمنة الثلاثة لا ظرف الزمان المبهم كالحين والوقت والزمان ، قلت : أحد الأزمنة أيضا مبهم فإنّه قال الرضي : المبهم من الزمان الذي هو لا حد له يحصره معرفة كانت أو نكرة والمعين ما له نهاية يحصره كاليوم والليل ، أو تقول : لما كان المقيد أي : أحد الأزمنة جزءا فكان المطلق أيضا جزءا. واعلم أن المراد من قوله : (وظروف المكان) فكذا من قوله : (وظروف الزمان) إن كان مبهما هو المظهر وأما المضمر مبهما فلا بد فيه من إظهار في إلا إذا سمع فيه فجعل مفعولا به (شرح اللباب).

(٤) لأن الفعل يدل بصيغته على الزمان كما يدل على المصدر فكما يتعدى إلى جميع المصدر فكذلك إلى جميع ظروف الزمان وفيه نظر ؛ لأن الفعل لا يدل قطعا على المؤقت من الظروف الزمان نحو يوم ، نعم يدل على الزمان المعين كالماضي فيكون من المكان فكذلك المؤقت من الزمان دون المكان (شرح موشح).

(٥) يشير إلى أن الضمير في كان راجع إلى المضاف إليه وهو المكان وإلا لوجب التأنيث ويجوز إرجاعه إلى المضاف وهو الظروف فالتذكير بتأويل القسم الثاني أو النوع الثاني أو بأن يكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير أو بأن تأنيث الظروف غير حقيقي لكونه بتأويل الجماعة.

(٦) وذلك أن الفعل لا يدل على المكان المبهم أصلا ؛ لأن المقصود من دلالة اللفظ على ـ

٣١٨

على الزمان المبهم ، لاشتراكهما في الإبهام نحو : (جلست خلفك) (وإلا) أي : وان لم يكن مبهما ، بل يكون محدودا (فلا) يقبل تقدير (في) اذ لم يمكن حملاه على الزمان المبهم (١) ، لاختلافهما ذاتا (٢) وصفة ؛ نحو :

(جلست في المسجد) (وفسر المبهم) (٣) من المكان (بالجهات الستّ) (٤) وهي: (أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت) وما في معناها ، فإن (أمام زيد) ، مثلا يتناول جميع ما يقابل وجهه الى انقطاع الأرض ، فيكون مبهما.

ولما لم يتناول هذا التفسير بعض الظروف المكانية) الجائز نصبها (٥) قال : (وحمل عليه) أي : على المبهم المفسر بالجهات الست (عند ولدي (٦) ، وشبههما) نحو : دون ، وسوى (٧) (لإبهمامهما) أي : لإبهام (عند (٨) ولدي) ولم يذكر وجه حمل شبههما

__________________

ـ الشيء الدلالة الوضعية لا العقلية ودلالة الفعل على المكان عقلية لا وضعية ومع هذا فهو يدل عقلا على مطلق المكان لا على مبهم المكان بالتفسير الذي فسره (شيخ الرضي).

(١) ولم يحمل على المكان المبهم ؛ لأنه فرع فالحمل عليه كالاستعارة من المستعير والسؤال من الفقير (هندي).

(٢) لأن ذات الأول الزمان والثاني المكان وصفة الأول المبهم والثاني محدود ولم يوجد وجه الحمل (توقادي).

ـ واعلم أن الظرف إذا دخل عليه حرف الجر صار اسما صريحا نحو من قبلها (رضا).

(٣) قال : وفسر المبهم بالجهات هذا تفسير أكثر المتقدمين وأما تفسير غيرهم فمنهم من قال إن المبهم من المكان هو النكرة والمعين منه هو المعرفة ، وفيه أن نحو خلفك معرفة مع أنه منصوب اتفاقا ويمكن دفعه بأنه ملحق بالنكرة لإبهامه أو بأنه نكرة حقيقية (لاري).

(٤) وترك التاء في العدد ؛ لأن الجهات مؤنثة (هندي).

(٥) وبعض الأزمان والأماكن لا يكون إلا منصوبا على الظرفية وقد يكون مبتدأ نحو يوم الجمعة مبارك وقد يكون فاعلا نحو دخل الشهر وغير ذلك.

ـ ويستعمل عند في الزمان أيضا يعني : عند أصله أن يستعمل في المكان وقد جاء مستعملا في الزمان كما في قوله : (عند الصباح) يحمد القوم السري (شرح اللباب).

(٦) ولدى من الظروف وهو بمعنى عند إلا أنها أخص ، فقولك : عندي ، يتناول ما كان في منك حضرك كقولك عندي مائة ولدى لم يتناول إلا ما حضرك (شرح المحمدية).

(٧) مقصور بضم السين وهو الأكثر وبكسره وسواء ممدود بفتح السين المال سوى زيد أي : مكانه ؛ لأن سوى بمعنى المكان المال دون زيد بمعنى عند (لباب).

(٨) لأنك إذا قلت : جلست عندك يتناول جميع الأمكنة التي حواليك (مصطفى جلبي).

٣١٩

عليه ؛ لأن حكمه حكمهما (١).

وفي بعض النسخ (لإبهامهما كما هو الظاهر).

وكذا حمل على المبهم من المكان (لفظ مكان) (٢) وإن كان معينا نحو : (جلست مكانك) (لكثرته) في الاستعمال مثل : الجهات الست ، لا لابهامه.

(و) كذا حمل عليه (ما (٣) بعد (دخلت) (٤) وان كان معينا (نحو (دخلت الدار)(٥) لكثرته (٦) في الاستعمال لا لابهامه (على الأصح) أي : على المذهب الأصح.

فإنه ذهب بعض النحاة إلى أنه مفعول به ، لكن الأصح أنه مفعول فيه ، والأصل

__________________

(١) ولك أن تجعل الضمير راجعا لها عند ولدى وشبههما بجعلهما بمنزلة المشبه والمشبه به وذلك بأن تجعل الضمير راجعا إلى المبهم وعند ولدى وشبههما بتأويلها بالمحمول والمحمول عليه (إسفرايئني).

(٢) أو ما بمعناه إذا كان الفعل موافقا له في إفادة معنى الاستقرار نحو : جلست مجلسك وقمت مقامك وضعتك موضع فلان إلى غير ذلك من ذوات الميم مما يجري هذا المجرى (هندي).

(٣) قوله : (ما بعد دخلت) ، فيه نظر ؛ لأن ورود ما بعد دخلت إنما هو على حصر النصب بتقدير (في) في المبهم لا على تفسير المبهم ؛ لأن المراد بما بعد دخلت هو المكان المعين قوله : (فأجاب فيه أن الجواب ليس في مقابلة السؤال فإن الحمل لا يستلزم صحة التفسير بالجهات نعم لو كان السؤال على حصر النصب بتقدير (في) في المبهم ولم يكن هذه الأشياء مبهمة يكون ذلك الجواب مقابلا للسؤال ، ويمكن أن يقال : إن المبهم في الاصطلاح إنما هو الجهات ، فالسؤال حينئذ إنما هو على حصر النصب بتقدير (في) في المبهم بالمعنى الاصطلاحي فأجاب بأن هذه الأشياء محمولة على المبهم المصطلح لوجود الإبهام اللغوي (حواشي هندي).

(٤) وما يقاربه من نحو نزلت وسكنت نحو دخلت الدار ونزلت الحان وسكنت البلد (هندي).

(٥) وقال الجرمي : إن دخلت متعد وما بعده مفعول به فلا شذوذ فيه على قوله : (والأكثر) على أنه لازم وما بعده منصوب على الظرفية فيكون شاذا وهو الأصح ؛ لأن مصدره على صيغة الفعول نحو الدخول في الأغلب مصدر اللازم وكذا السكون والنزول ولأن ضد الدخول الخروج وهو لازم اتفاقا وكذا ضد السكون التحريك وضد النزول الارتحال وهما لازمان ولأن استعمال هذه الأفعال مع في نحو دخلت في الدار وسكنتم في مساكن الذين ظلموا ونزلت في الحان يقوي أن انتصاب ما بعدها على الظرفية (عباب).

(٦) أي : لكثرة استعمال هذا المثال أو ليكون استعمال الدخول مع المكان المحدود كثيرا والكثرة يستلزم تخفيف ذلك اللفظ (توقادي).

٣٢٠