شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

للصفة الأصلية بعد التنكير) أي : إنما خالف (١) سيبويه الأخفش ، لأجل اعتباره الوصفية الأصلية بعد التنكير ، فإنه لما زالت العلميّة بالتنكير ، لم يبق مانع من اعتبار الوصفية ، فاعتبرها ، وجعله غير منصرف ، للصفة الأصلية وسبب آخر (٢) كوزن الفعل والألف والنون المزيدتين.

فإن قلت : كما أنه لا مانع من اعتبار الوصفية الأصلية لا باعث (٣) على اعتبارها أيضا فلم اعتبرها وذهب إلى ما هو خلاف الأصل فيه؟ أعني : منع الصرف.

قيل : الباعث على اعتبارها امتناع (أسود وأرقم) مع زوال (٤) الوصفية عنهما ،

__________________

ـ مفعولا يجوز ما ذكرنا من الوجوه ، لا كونه مفعولا له ؛ لعدم اتحاد الفاعل ، ويمكن حينئذ أن يكون بدل الاشتمال أيضا بحذف الضمير ، أي : خالف الأخفش سيبويه اعتباره. (هندي).

(١) فالخلاف راجع إلى الوصفية الأصلية بعد الحكم بزوالها بالعلمية ، هل معتبرة أم لا؟ فاعتبرها سيبويه ، ولم يعتبرها الأخفش. (شرح لباب).

ـ فالحاصل أن أحمر قبل العلمية غير منصرف للصفة ووزن الفعل ، وكذلك بعدها للوزن والعلمية لا للوصفية لزوالها بها اتفاقا ، وأما بعد التنكير ففيه خلاف بين سيبويه والأخفش ، قال سيبويه : إنه غير منصرف أيضا ؛ لاعتبار الوصف الأصلي بعده ؛ لأن المانع عن اعتباره هو العلمية وهو قد زالت بالعلمية ، وهي بالتنكير فيبقي على سبب واحد فصرف ؛ لعدم اعتبار الوصف بعده ؛ لكون حق الزائل أن لا يعتبر ، وأما القياس بنحو أسود وأرقم ففاسد ؛ لأن بينه وبين المبحوث عنه فرقا ظاهرا ، وهو أن شائبة الوصفية باقية فيه بعد التسمية لما ذكر في بحث الوصف ، بخلاف أحمر بعد العلمية فإنها ليست باقية فيه بعدها ، فلا يلزم من اعتبارها في أحدهما اعتبارها في الآخر ، وبهذا يندفع ما يقال : هذا يستلزم صرف ما يمنع منه من الصفات التي غلبت الاسمية عليها مع وجود الاتفاق على منعه. (عوض أفندي).

(٢) الظاهر أنه عطف على وزن الفعل ، وفيه أن الألف والنون ليسا سببا لانتفاء شرطه وهو العلمية ، ويمكن أن يقال : إنه عطف على سبب واحد ، أي : فلم يبق إلا سبب واحد وهو وزن الفعل في نحو : أحمر ، أو لم يبق الألف والنون في نحو : سكران ، وهو ليس بسبب ، لكن لا يخلو عن بعد ، فالظاهر أن يقول : فيبقى بلا سبب وعلى سبب واحد. (خوافي).

(٣) هذا هو المشبه تقديره فإن قلت : لا باعث ههنا بعد التنكير على اعتبار الوصفية ؛ لأن الأصل في الاسم الصرف كما إن لا مانع بعده من اعتبارها لزوال العلمية.

(٤) مع زوال الوصفية عنهما يعني : أسود وأرقم ، حال غلبة الاسمية زائل الوصفية مع أنهم اعتبروها وجعلوا أسود وأرقم غير منصرف ؛ للوصفية ووزن الفعل ، فاعتبارها بعد العلمية أولى. (عصمت).

١٤١

حينئذ (١) وفيه بحث ؛ لأن الوصفية لم تزل (٢) عنهما بالكلية بل بقي فيهما شائبة من الوصفية ؛ لأن الأسود اسم للحيّة السوداء والأرقم للحيّة التي فيها سواد وبياض ففيهما شمّة من الوصفية ، فلا يلزم من اعتبار الوصفية فيهما اعتبارها في (أحمر) بعد التنكير ؛ لأنها قد زالت عنه بالكلية وأمّا (الأخفش) (٣) فذهب إلى أنه منصرف ، فإن الوصفية قد زالت عنه والعلمية بالتنكير والزائل لا يعتبر من غير ضرورة (٤) ، فلم يبق فيه إلا سبب واحد وهو وزن الفعل أو الألف والنون المزيدتان ، وهذا القول أظهر ولما اعتبر سيبويه (٥) الوصف الأصلي بعد التنكير (٦) وإن كان زائلا لزمه أن يعتبره (٧) في حال

__________________

(١) أي : حين غلبة الاسمية على الوصفية ، يعني : قاس سيبويه اعتبار الوصفية في نحو : أحمر بعد التنكير على اعتبارها في أسود وأرقم اسمين للحية ؛ لزوال الوصفية في كلا التسمين. (حاشية).

(٢) قوله : (لم تزل عنهما) بالكلية يعني : أن قياس أحمر بعد التنكير على أسود وأرقم حال غلبة الاسمية قياس مع الفارق ، وهو أن في أسود وأرقم حال غلبة الاسمية شائبة الوصفية باقية ، ولم تزل الوصفية الأصلية بالكلية ، وهي باعثة لاعتبار الوصفية الأصلية ، وأما في نحو : أحمر حال العلمية فليس فيه شائبة من الوصفية حتى يعاد بعد التنكير ، بأن يراد فرد ممن يسمى بهذا الاسم ، وأيضا ليس فيه شائبة من الوصفية التي كانت في الاسم بحسب الوضع ، فلم يصح القياس على أسود وأرقم. (عصمت الله).

(٣) قال الرضي : قال الأخفش في كتاب الأوسط : إن خلافه في نحو : أحمر إنما هو في مقتضى القياس ، وأما السماع فهو على منع الصرف. (عبد الغفور).

(٤) ولا ضرورة ههنا ؛ لأن الأصل في الاسم المعرب الصرف ، وأجيب عنه بأن الساقط لمانع يعتبر بعد زوال المانع ، وإن لم يكن فيه ضرورة. (م).

(٥) قوله : (ولما اعتبر سيبويه ... إلخ) يعني : اعتبر سيبويه الوصف الأصلي مع كونه زائلا ؛ لأصالته ، يلزمه أن يعتبر في حال العلمية ؛ لوجود الأصالة فيه ، وحاصل الجواب أنه لم يعتبر لأجل مانع ، وإن كانت علة الاعتبار موجودا ، فإن العلم المخصوص دليل التضاد ، يعني أن العلمية كون اللفظ موضوعا لذات مع اعتبار خصوصية ، ويقينية ، والوصفية كون اللفظ موضوعا لذات ما باعتبار المعنى كأحمر. (وجيه الدين).

(٦) أشار الشارح بهذا إلى قول المصنف : (ولا يلزمه) جواب السؤال ورد من قبل الأخفش لسيبويه ، على أن يكون الواو فيه للاستئناف. (توقادي).

(٧) الأولى أن يقال : يتوهم اعتباره حال العلمية ، أو يقال : كان مظنة أن يعتبره حال العلمية ، فإن اللزوم ليس في نفس الأمر ، ولا يناسب أيضا بالجواب بقوله : (ولا يلزمه باب حاتم).(عصمت).

١٤٢

العلمية أيضا فيمتنع نحو : (حاتم) من الصرف للوصف الأصلي والعلمية فأجاب عنه المصنف بقوله : (ولا يلزمه) (١) أي : سيبويه ، من اعتباره الوصفية الأصلية بعد التنكير في مثل : (أحمر) علما (باب حاتم) (٢) أي : كل كان علم في الأصل وصفا (٣) مع بقاء العلميّة ، بأن اعتبر فيه أيضا الوصفية الأصلية ، وحكم بمنع صرفه للعلمية والوصفية الأصلية (لما يلزم) (٤) في (باب حاتم) على تقدير منعه من الصرف (من اعتبار المتضادين) (٥) يعني : الوصفية والعلميّة فإن العلم للخصوص والوصف للعموم (في حكم واحد) وهو منع صرف لفظ واحد بخلاف ما إذا اعتبرت الوصفية الأصلية مع

__________________

(١) هذا جواب عن إلزام الأخفش لسيبويه في اعتبار الصفة بعد زوالها ، وتقدير أن الوصف الأصلي لو جاز اعتباره بعد زواله ؛ لكان حاتم علما غير منصرف ؛ إذ فيه العلمية الحالية والوصفية الأصلية ، فأجاب المصنف من سيبويه إن هذا الإلزام لما يلزم ؛ لأن حاتم بالمنع اعتبار ذلك الوصف الزائل بخلاف أحمر المنكر ، ذلك المانع اجتماع التضادين وهما الوصف والعلمية ؛ إذ الوصف يقتضي العموم والعلمية الخصوص ، وبينهما تنافء. (شيخ الرضي).

ـ جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال : لو كانت الصيغة الأصلية معتبرة بعد العلمية في أحمر لكانت معتبرة في مثل حاتم ، إذا سمي به ؛ لكونه وصفا في الأصل ، ولو كانت الوصفية معتبرة لكان حاتم غير منصرف للعلمية والوصفية الأصلية ؛ لكنه ليس كذلك فلم يكن الصفة الأصلية معتبرة. (متوسط).

(٢) قوله : (باب حاتم) وهو كل اسم كان في الأصل صفة مثل قائم وضارب ومضروب وغير ذلك. (قفاعي).

ـ وإنما لم يعتبر الوصفية في باب حاتم ؛ لمانع خاص وهو أنا نعلم أن الوصفية تنافي العلمية في المعنى ؛ لأن العلمية وضع الشيء لمدلول بعينه لا يتجاوزه ، والوصفية وضع شيء لمن قام به ذلك المعنى مطلقا ، فكيف يكون الشيء مختصا غير مختص ، فامتنع لامتناع اعتبار المتضادين في حكم واحد ، وهو منع الصرف ، فلما نكر زال المانع لاعتبار الوصفية ، فاعتبرت لزوال المانع ، فوافقت علة أخرى فوجب منع الصرف لذلك. (شرح المصنف).

(٣) بأن كان في الأصل اسم فاعل كحاتم ، أو اسم مفعول مثل محمد ، أو الصفة المشبهة كحسن وكريم وغيرها ، لما كان في الأصل صفة ثم جعل علما. (م).

(٤) أي : سيبويه الجار متعلق بنفي الفعل لا بالفعل المنفي ، وإلا يتوجه النفي إلى القيد ، ويبقى أصل الفعل مثبتا فبعد المعنى. (هندي).

(٥) وفي هذا المقام احتياج إلى علم الحكمة في أقسام التقابل ، والمتضادان شيئان لا يجتمعان كالليل والنهار. (محمد).

١٤٣

سبب آخر كما في (أسود) و (أرقم) ، فإن قلت : التضاد إنما هو بين الوصفية المحققة والعلمية لا بين الوصفية الأصلية الزائلة والعلمية ، فلو اعتبرت الوصفية الأصلية والعلمية في منع صرف مثل : (حاتم) لا يلزم اجتماع المتضادين. قلنا : تقدير أحد الضدين بعد زواله مع ضد آخر في حكم واحد ، وإن لم يكن من قبيل اجتماع التضادين لكنه شبيه به (١) ، فاعتبارهما معا غير مستحسن.

(وجميع الباب) (٢) أي : باب غير المنصرف (باللام) (٣) أي : بدخول لام التعريف عليه (أو الإضافة)

أي : إضافته إلى غيره (ينجرّ) أي : يصير مجرورا (بالكسر) ، أي : بصورة (٤) الكسر لفظا أو تقديرا ، وإنما لم يكتف (٥) بقوله : (ينجرّ) لأن الانجرار قد يكون بالفتح ، ولا

__________________

(١) قوله : (لكنه شبيه ... إلخ) لا يخفى عليك أن سوق الدليل قبل إيراد السؤال بقوله : (فإن قلت) : وجوبه أن للزوم أي : اعتبار متضادين في حكم واحد باطل ، وينقض جوابه أن اعتبار الوصفية حال العلمية غير مستحسن. (بخاري).

(٢) أي : جميع عنوان أفراد هذا الباب وهو غير منصرف ، وإنما صرح الشارح بباب غير المنصرف ؛ لئلا يتوهم أن المراد باب ما فيه علمية مؤثرة. (عصمت).

(٣) قوله : (باللام وبالكسر) كلاهما متعلق ب : ينجر ، الباء الأول للسبية ، والثاني للمصاحبة ، إن كلا منهما بمعنى واحد ؛ لامتناع تعلق حرفيته يكون بمعنى واحد بدون تحلل عاطفه لا بعامل واحد. (سعد الله).

(٤) إما إشارة إلى حذف المضاف وإلى التجوز ، حيث أراد بالكسر صورة بطريق الاستعارة ؛ لأن الكسرة بلا تاء من ألقاب البناء عند العربيين ، ولو قال : بالكسرة بالتاء لا يحتاج إلى ارتكاب الحذف والتجوز هذا. (مصطفى حلبي).

(٥) قوله : (وإنما لم يكتف ... إلخ) جواب سؤال مقدر ، وهو أن يقال : لا فائدة للتقييد بقوله : (بالكسر) ولم يكتف بقوله : (ينجر) ، أو بقوله : (ينكسر) ، وتقرير الجواب أن هذا القيد مناط الفائدة ؛ لأن غير المنصرف بغير اللام لا ينجر بالفتحة ، كما كان منجرا بها قبل دخولهما ، وإن الكسر من ألقاب البناء ، فكيف ينكسر غير المنصرف به (وجيه الدين).

ـ قوله : (أي : بصورة الكسر) فرقوا بين الكسر بلا تاء ، وبين الكسر مع التاء ، فجعلوا الكسر بلا تاء من ألقاب البناء ، وعمموا الكسرة مع التاء في الحركة الإعرابية والبنائية ، فالمناسب بهذا أن يقول المصنف : ينجر بالكسرة مع التاء ، فأصلحه الشارح بقوله : (أي : بصورة الكسر).(عصمت).

١٤٤

بأن يقول : ينكسر (١) ؛ لأن الكسر يطلق على الحركات البنائية أيضا.

وللنحاة خلاف في أن هذا الاسم في هذه الحالة منصرف أو غير منصرف ، فمنهم : من ذهب إلى أنه منصرف مطلقا (٢) ؛ لأن عدم انصرافه إنما كان لمشابهته الفعل ، فلما ضعفت (٣) هذه المشابهة بدخول ما هو من خواص الاسم أعني : اللام (٤) أو الإضافة. قويت جهة الاسمية ، فرجع إلى أصله الذي هو الصرف فدخله الكسر دون التنوين (٥) ؛ لأنه لا يجتمع مع اللام أو الإضافة.

ومنهم : من ذهب إلى أنه غير منصرف مطلقا ، والممنوع (٦) من غير المنصرف

__________________

(١) ولو اكتفى بقوله : (ينكسر) لتوهم أن غير المنصرف حال دخول اللام عليه والإضافة يكون مبنيا ، وليس كذلك ؛ لأن دخول اللام أو الإضافة عليه ليس من أسباب البناء حتى في هذه الحالة. (م).

(٢) سواء كانت العلتان باقيتين مع اللام أو الإضافة ، أو زائلتين ، أو إحدهما زائلة ، والآخر باقية ، وإنما قال : مطلقا ؛ لينظر مقابله مع القسم الثالث. (م).

(٣) قوله : (فلما ضعف ... إلخ) اعترض عليه بأن الإسناد إليه أيضا من خواص الاسم ، مع أن غير المنصرف لا ينجر به ، وأجيب بأن اللام والإضافة يؤثران في اللفظ والمعنى من حيث أنهما يجعلان النكرة معرفة ، وسائر الخواص ليست كذلك. (وجيه الدين).

(٤) دون سائر الخواص كالفاعلية والمفعولية ، قيل : وجه ذلك أنهما مغيرتان لمدلول الاسم ، بخلاف البواقي. (لارى).

قوله : (أعني اللام والإضافة) لك أن تقول : يدخل عليه خواص أخر كالإسناد إليه والفاعلية ونحوهما ، وحكم المنع بحاله ، فلم خصّصه خاصة بذلك ، وقيل : وجهه أنها مغيرتان لمدلول الاسم دون غيرهما فتأمل. (عيسى الصفوي).

(٥) فعدم دخول التنوين لا لكونه غير منصرف ؛ لعدم اجتماعه مع اللام والإضافة. (م).

(٦) قوله : (والممنوع من غير المنصرف) وذلك ؛ لأن غير المنصرف لما شابه الفعل بسب الفرعيتين منع منه التنوين الذي منع الفعل مطلقا ، فإن الفعل لا يقبل التنوين أصلا ، بخلاف الكسر فإنه قد يكسر ، لكن منع من غير المنصرف تنوين التمكن الذي يدل على أمكنة الكلمة للحركات الثلاث الإعرابية ما يسبب أن يمنع منه إحدى الحركات ؛ ليكون لمنع التنوين فائدة ومعنى ، فاختاروا الكسرة على علامة الجر الذي ليس في الفعل ، فمنع الكسر بتبعية منع التنوين. (عصمت).

ـ قوله : (لأن الكسر يطلق على الحركات البنائية أيضا) ، ولو كان أحدهما على سبيل المجاز ، فلو اكتفى به لم يعمل أنه معرب ، والوجه أن يقول : على الحركة إلا أن يريد أحدهما ، أو إفرادها في الكلمات ، ثم يقول : الأولى أيضا ؛ ليفيد أنه لو اكتفى بالكسر لتبادر البناء ، على ـ

١٤٥

بالأصالة هو التنوين وسقوط الكسر إنما هو بتبعية التنوين وحيث (١) ضعفت مشابهته للفعل لم تؤثر إلا في سقوط التنوين دون تابعه الذي هو الكسر ، فعاد الكسر إلى حاله ، وسقوط التنوين (٢) ، لامتناعه من الصرف ، ومنهم من ذهب إلى أن العلتين إن كانتا باقيتين مع اللام أو الإضافة كان الاسم غير منصرف وإن زالتا معا أو زالت إحداهما كان منصرفا ، وبيان ذلك : إن العلمية تزول باللام أو الإضافة فإن كانت العلمية شرطا للسبب الآخر زالتا معا ، كما في (إبراهيم) وإن لم تكن شرطا كما في (أحمد) زالت بإحداهما وإن لم تكن هناك علمية كما في (أحمر) بقيت العلتان على حالهما وهذا القول أنسب بما عرف به المصنف غير المنصرف.

(المرفوعات)

(المرفوعات) (٣) ...

__________________

ـ أنه لو أطلق على حركة الإعراب كما هو المفهوم من أيضا لم يحتج إلى قوله : (أي : بصورة الكسر) فتأمل ، إلا أن يكون المراد من التفسير أن هذا الإطلاق ليس على الحقيقة فتأمل. (عيسى).

(١) قوله : (وحيث ضعفت ... إلخ) ، قيل في توجيه عدم سقوط الكسرة : إن التنوين كالثابت لوجود خلف وهو اللام والإضافة ، أو أنه محذوف لا لمنع الصرف بل للإضافة واللام ، وفيه أنهم صرحوا بأن الإضافة في حواج بيت الله ، معاقبة للتنوين المقدر. (عب).

(٢) قوله : (وسقوط التنوين ... إلخ) هذا خلاف الظاهر مع وجود اللام المحسوس ، ويرد عليه أن ضعف المشابهة مع أصالة الانصراف تعين الانصراف ، كما أن وجود إحدى التعين ؛ لضعفه لا يجعل الاسم غير منصرف ، ثم إن هل لهذا الخلاف ثمرة أم لا قيل : لا ثمرة ، وأقول : بل فيه ثمرة ؛ لأن من قال : يعلم الانصراف يجوز قبح منعه لتوهم القبح فيه ، ونظيره في كلام العرب كثير. (طاشكندي).

(٣) فإن قيل : المرفوعات جمع المرفوعة لا جمع المرفوع ، قلنا : إذا جمع غير العقلاء جمع السلامة يجمع بالألف والتاء لا مع الواو ؛ لأن الواو مخصوص بالعقلاء ، فإذا يكون واحدها مرفوع لا مرفوعة. (رضا).

ـ قوله : (المرفوعات) إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو بالعكس ، أي : هذا باب المرفوعات، أو المرفوعات هذه ، أو مجرور بتقدير : هذا بحث المرفوعات بحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه بإعرابه كما في قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)[الأنفال : ٦٧] ، بكسر التاء على قول ، وإما موقوف للفصل لا محل له من الإعراب ، واللام فيه ـ

١٤٦

جمع المرفوع لا المرفوعة ؛ لأن موصوفه (الاسم) وهو (١) مذكر لا يعقل ، ويجمع هذا الجمع مطردا صفة المذكّر الذي لا يعقل كالصّافنات للذكور من الخيل و (جمال سبحلات) (٢) أي: ضخمات وكالأيام (٣) الخاليات (هو) (٤) أي : المرفوع (٥) الدال عليه المرفوعات ؛ لأن التعريف إنما يكون للماهية لا للأفراد (ما اشتمل) (٦) أي : اسم اشتمل (على علم الفاعليّة) أي : علامة (٧) كون الاسم فاعلا وهي الضمة والواو والألف.

__________________

ـ إما لاستغراق جميع أنواع المرفوع ، أو للجنس ، والحقيقة بأن يكون مبطلا للجمعية بقرنية مقام التعريف ، أو للعهد الخارجي ، أي : المرفوعات المعهودة المفهومة فيما سبق ، وأنواعه رفع نصب وجر. (مصطفى حلبي).

(١) قوله : (وهو مذكر لا يعقل) ناظر إلى قوله : (لا المرفوعة) ، وهذا القول أيضا إيماء إلى أنها يجمع بالألف والتاء ، فكأنه ظن في باديء الرأي : أن هذا الجمع مخصوص بمؤنث العقلاء ، فأشار بقوله : (ويجمع هذا الجمع ... إلخ) إلى أن المذكر الذي لا يعقل يجمع أيضا بالألف والتاء ، على الاطراد ؛ لمشابهة هذا المذكر بالتاء في الجملة ، في كونهن ناقصات العقل. (جلبي).

ـ قوله : (وهو مذكر لا يعقل) ويعتبر فيه أن بعض الأسماء مؤنث ، وبعضها يعقل ، وجواب أن المراد بالمذكر ما يقابل المؤنث الحقيقي ، أي : ما فيه بإذائه ذكر من الحيوان والأسماء ، وعبارة عن الألفاظ ليست بإزائها ذكر من الحيوان ، فاندفع الأمران ، فعلم ذلك ، وإنما قال : هذا ؛ لأن دعوى السلب يتم بالكلام السابق ، ودعوى الإيجاب لا يتم إلا بهذا الكلام. (طاشكندي).

(٢) بكسر السين وفتح الباء وسكون الحاء جمع سبحل على وزن قطر ، العظيم الجسد من البعير والضب والجارية. (رضا).

(٣) والأيام الخاليات مجاز ؛ لأن خلا المكان بمعنى مات أو مضى ، على ما في القاموس ، وتخلية المكان بالموت أو المضي ليس حال الأيام ، بل على حال ما فيها. (عصمت).

(٤) قال المصنف في شرح المفصل : كل لفظين وضعا لذات واحدة أحدهما مؤنث والآخر مذكر وسطها ضمير ، جاز تذكيره وتأنيثه ، فلذلك قال : (المرفوعات هو ما اشتمل ... إلخ). (غجدواني).

(٥) قوله : (أي : المرفوع الدال عليه المرفوعات) دلالة الجمع على المفرد الذي هو مأخوذ في ضمنه ، أو دلالة الجمع على الجنس بسبب إبطال جمعية ، وبقاء جنسيته ، والظاهر أن المراد تعيين مرجع الضمير ؛ ليكون قوله : (ما اشتمل على علم الفاعلية) تعريفا له. (عصمت).

(٦) المراد بالاشتمال اشتمال الشيء على ما يصاحبه ، أو اشتمال الظرف على ما فيه ؛ لتوهم الظرفية وجعله من قبيل اشتمال الكل على الجزء ، كما في الرضي غير مرضي إذ الكل لا ينفك عن الجزء ، والاسم ينفك عن إعرابه أنه لا يتوهم الجزئية في الحركات الإعرابية غايتها توهمها في حروف الأعراب. (رضا).

(٧) أي : علامة كون ... إلخ) أشار بهذا إلى أن العلم ههنا مصدر بمعنى العلامة ؛ لأن له معان آخر ، وإلى أن الياء مصدرية. (حلبي). ـ.

١٤٧

والمراد باشتمال الاسم عليها : أن يكون موصوفا بها لفظا أو تقديرا أو محلا ولا شك(١) أن الاسم موصوف بالرفع المحلّي ؛ إذ معنى الرفع المحلّي أنه في محل لو كان ثمة معرب لكان مرفوعا لفظا أو تقديرا ، وكيف يختص (٢) الرفع بما عدا الرفع المحلي؟ وهو يبحث مثلا عن أحوال الفاعل إذا كان مضمرا متصلا كما سيجيء (فمنه) (٣) أي : من المرفوع أو مما اشتمل (٤) على علم الفاعلية.

الفاعل وإنّما قدّمه (٥) ؛ لأنه أصل المرفوعات عند الجمهور ؛ لأنه جزء الجملة (٦) الفعلية التي هي أصل الجمل (٧) ، ولأن عامله أقوى من عامل المبتدأ.

__________________

ـ كل ما يرفع الفاعل تسعة الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل والصفة المشبهة وفعل ما لم يسم فاعله ، وأسماء الأفعال من الفاعل على ثلاثة أضرب فاعل في اللفظ والمعنى نحو : قام زيد ، وفاعل في اللفظ دون المعنى : نحو : مات زيد ، وفاعل في المعنى دون اللفظ نحو قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)[النساء : ٧٩] أي : كفى الله شهيدا

(١) قوله : (لا شك) إلى قوله : (معنى) ؛ إذ معنى الرفع المحلى أنه في محل جواب سؤال أورده الهندي حيث قال : الإعراب المحلى لا يشمل عليه اللفظ ، فلا يكون هؤلاء في جاءني هؤلاء مرفوعا إذ معنى الرفع المحلى أنه محلى لو كان ثمة معرب ؛ لكان مرفوعا هذا كلامه ، ولقد أورد الشارح عبارته جوابا لسؤال من باب إلزام الخصم بما أورد سؤالا. (مصطفى حلبي).

(٢) لعل الباعث على التخصيص عدم ظهور اشتمال الاسم على علم الفاعلية وجعل العهد على ما مر آنفا. (لارى).

(٣) من اسم بمعنى البعض مرفوع محلا بأنه مبتدأ خبره الفاعل ، كما في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)[البقرة : ٨] تقديره : وبعض الناس من يقول : آمنا. (فيض الله).

(٤) قوله : (أو مما اشتمل على علم الفاعلية) لقربه لكنه بعيد جدا ؛ لأنه خلاف عادتهم ؛ لأن عادتهم تقسيم المعرف بعد التعريف ، لا تقسيم التعريف ، والأولى إرجاعه إلى المرفوعات ، وتذكيره على تأويل المرجع بما اشتمل ... إلخ ، وعلى هذا يوافق قوله : (ومنها المبتدأ). (جلبي).

(٥) وإنما قدم الفاعل ؛ لأن عامله لفظي ، وعامل المبتدأ معنوي ، وما كان عامله لفظيا أولى مما كان عامله معنويا، وقدم أبو سراج وأبو علي الفارسي المبتدأ على الفاعل ؛ لأن المبتدأ مع خبره جملة اسمية وهي أقوى من الفعلية ؛ لأن الاسم في الإفادة مستغن عن غيره. (شيخ الرضي).

(٦) وهذا يوافق بما نقل عن أمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه ، قال : قبل تدوين علم النحو الفاعل المرفوع ، والمفعول منصوب ، والمضاف إليه مجرور ، فيفهم منه أن مرفوعية سائر المرفوعات بمناسبة. (عصمت).

(٧) وإنما صارت الجملة الفعلية أصل الجمل ؛ لأن النسبة التي هي بين المسند والمسند إليه مأخوذة في مفهوم أحد جزئي هذه الجملة ، وهو الفعل ، بخلاف الاسمية فإن النسبة مأخوذة من الخارج. (مكمل).

١٤٨

وقيل : أصل المرفوعات المبتدأ ؛ لأنه باق على ما هو الأصل في المسند إليه وهو التقديم بخلاف الفاعل ، ولأنه يحكم عليه بكل حكم ، جامد ومشتق ، فكان أقوى بخلاف الفاعل ، فإنه لا يحكم عليه إلا بالمشتق.

(وهو) أي : الفاعل (ما) أي : اسم حقيقة أو حكما ، ليدخل فيه مثل : قولهم:(أعجبني أن ضربت زيدا) (أسند إليه (١) الفعل) بالأصالة لا بالتبعية ، ليخرج عن الحد توابع الفاعل ، وكذا لمراد في جميع حدود المرفوعات والمنصوبات والمجرورات غير التوابع ، بقرينة ذكر التوابع بعدها (أو شبهه) (٢) أي : ما يشبهه (٣) في العمل ، وإنما قال ذلك ، ليتناول فاعل اسم الفاعل والصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل وأفعل التفضيل والظرف (وقدّم) (٤) أي : الفعل أو شبهه (عليه) أي : على ذلك الاسم ، واحترز به عن نحو : (زيد) في (زيد ضرب) ؛ لأنه مما أسند إليه الفعل ؛ لأن الإسناد (٥) إلى ضمير شيء

__________________

(١) الإسناد بمعنى النسبة ناقصة كانت أو تامة ، إخبارية كانت أو إنشائية ، مثبتة كانت أو منفية ، محققة كانت أو مفروضة. (عب).

ـ الأسانيد أربعة : الأول : مجرد الفعل إلى المبتدأ ، الثاني : إسناده إلى ضمير ، الثالث : إسناده بواسطة الضمير إلى المبتدأ ، الرابع : إسناد الجملة التي هي خبر المبتدأ. (مطول).

(٢) قال : أو شبهه لا يقال : ذكرا وأنثى ؛ للترديد والشك لا يلأيم في التعريف الذي هو للتعيين والتحقيق ؛ لأنا نقول : كلمة أو ههنا للتنويع ، إشارة إلى أن الفاعل المعرف ههنا نوعان : يصدق على أحدهما ما أسند إليه الفعل ، وعلى الآخر ما أسند إليه شبه الفعل. (عصمت).

(٣) قوله : (أي : ما يشبهه في العمل) لم يقل : في الاشتقاق ؛ لئلا يخرج المصدر ، ولا في الدلالة على الحدث ؛ لئلا يخرج الظرف ، والأظهر أن إطلاق شبه الفعل على هذه الأمور قبل العمل ؛ لأنهم يعللون عمل هذه الأمور بمشابهته الفعل ، فالأولى أن يفسر بالمشابهة في الدلالة على الحدث ، والظرف أيضا يدل على الحصول والثبوت كأنه صيغة الحاصل في تلك ، ولذا وجب حذف عامله. (ع ص).

(٤) عطف على أسند أو حال من الفعل بتقدير قد بالواو والضمير ؛ لأن الماضي المثبت إذا جعل حالا يلزم فيه قد ظاهرة أو مقدرة. (خلاصة إظهار).

(٥) قوله : (لأن الإسناد إلى ضمير شيء). أقول : الضمير والمرجع لفظان تختلفان ، ولا يسند الفعل إلى لفظين عندهم ، فالأوجه حمل اللفظ في التعاريف على المعاني الحقيقة الاصطلاحية ، على أن المصنف صرح في الشرح بخلافه فالوجه تفسير كلامه بما يرضي به ، ثم العدول إن أريد. (مصطفى الصفوي).

١٤٩

إسناد إليه في الحقيقة (١) لكنه مؤخر عنه ، والمراد (٢) تقديمه عليه وجوبا ، ليخرج عنه المبتدأ المقدم عليه خبره (٣) نحو : (كريم (٤) من يكرمك) فإن قلت (٥) : قد يجب تقديمه إذا كان المبتدأ نكرة ، والخبر ظرفا نحو : (في الدار رجل).

قلت (٦) : المراد وجوب تقديم نوعه وليس نوع الخبر مما يجب تقديمه بخلاف نوع ما أسند إلى الفاعل (على جهة قيامه به) (٧) ...

__________________

(١) لأنه خبر عنه ، والمسند إليه هو المخبر عنه في الحال ، والأصل وكل خبر يرفع ضمير المبتدأ فأزال هذا بقوله : (وقدم عليه). (توقادي).

(٢) وإنما احتاج إليه الشارح بحمل الإسناد على الإسناد حقيقة ، أو بحسب الظاهر ، وأما الكوفيون لم يفرقوا في الإسناد بين قولهم : (ضرب زيد) وبين زيد ضرب ، فجعلوا زيد في المثالين فاعلا ، فلا حاجة عندهم إلى قيد قدم عليه في تعريف الفاعل ، بل لا بد من تركه وأما عند البصريين ومن تبعهم فالفعل في صورة تقديم الاسم عليه مسند إلى ضمير الاسم ، والجملة الفعلية مسند إلى الاسم ، فالفعل ليس بمسند إلى الاسم ، والاسم ليس بفاعل بل مبتدأ ، فلا حاجة إلى إخراجه من تعريف الفاعل بقيد وقدم بل خرج بقيد إسناد الفعل إليه. (عصمت).

(٣) لأنه يصدق عليه أنه أسند إليه شبه الفعل وقدم عليه ... إلخ ، مع أنه ليس من أفراد الفاعل ، لكن التقديم في أمثال هذه المواضع ليس بواجب ، فخرج عن التعريف بتقييد التقديم بالوجوب. (ص).

(٤) فإن كريما أسند إلى من يكرمك ، ومقدم عليه ، لكن لا يجب تقديم نوعه ؛ لجواز أن يقال : من يكرمك كريم. (نجم الدين).

(٥) منشأ هذا السؤال قوله : (والمراد تقديمه وجوبا) فالفاء جواب شرط محذوف ، أي : إذا كان الأمر كذلك ، فإن قلت : ... إلخ. (طاشكندي).

(٦) قوله : (قلت : المراد ... إلخ) وفيه نظر ؛ لأن اعتبار الوجوب في قوله : (قدم عليه) بعيد ، ثم اعتبار وجوب تقديم نوعه خصوصا في التعريفات وإن سلم هذه التكلفات فلا يخلو عن دور ؛ لأنه يتوقف أن يعلم أولا ؛ لأن هذا النوع ـ أعني نوع الفاعل ـ من جنس المسند إليه الواجب تقديمه ، فيتوقف تعريف الفاعل على تعريف الفاعل ، فالأولى ما قاله المصنف في شرحه إن لفظ قدم عليه ليس للاحتراز ، بل لدفع توهم الدخول.(حلبي).

(٧) لأن تقديم نوع ما أسند إلى الفاعل واجب ؛ لأنه إذا أخر صار مبتدأ وخبرا ، لا فعلا وفاعلا ، وإنما لم يقل : قيامه به أو قائما به ؛ لئلا يخرج نحو : مات زيدا وطال زيد. (هندي).

ـ أي : حصول الفعل بذلك الاسم وصدوره عنه وطريق قيامه به أن لا يكون على صيغة المجهول ، فاحترز به عن نحو : ضرب زيد ومضروب زيد. (هندي).

١٥٠

أي : إسنادا (١) واقعا على طريقيه قيام الفعل أو شبهه به ـ أي : بالفاعل.

وطريقة قيامه به أن يكون على صيغة المعلوم (٢) أو على ما في حكمها (٣) كاسم الفاعل والصفة المشبهة (٤) ، واحترز بهذا القيد عن مفعول ما لم يسمّ فاعله ك : (زيد) في (ضرب زيد) على صيغة المجهول والاحتياج إلى هذا القيد إنما هو على مذهب من لم يجعله داخلا في الفاعل كالمصنف ، وأما على مذهب من جعله داخلا فيه كصاحب المفصل (٥) فلا حاجة إلى هذا القيد ، بل يجب أن لا يقيد به ، (مثل) زيد في (قام زيد) فهذا مثال لما أسند إليه الفعل (و) مثل : (أبوه) في (زيد قائم أبوه) فهذا مثال لما أسند إليه شبه الفعل.

(والأصل) في الفاعل ، أي : ما ينبغي أن يكون الفاعل عليه ، إن لم يمنع مانع ، (أن يلي فعله) (٦) المسند إليه (٧) ، ...

__________________

(١) قوله : (إسنادا واقعا) إشارة إلى أن قوله : (على جهة قيامه) متعلق بأسند ، أو صفة لمصدره ، قيل : يحتمل أن يكون حالا بعد حال ، ولا يخلو عن شيء ؛ لأن الفعل لا يكون على طريقه القيام بل الإسناد يكون كذلك. (لارى).

(٢) أي : ذلك علامتها ، أو من لوازمها ؛ لأن القيام ثبوت وجود الأمر في اتصاف ذلك الأمر به والتعبير عنه ليس إلا بصيغة المعلوم ؛ لأن مصدر المجهول لا يوجد أصلا ، ومصدر المعلوم قد يوجب لكن فيه تأمل. (عبد الغفور).

(٣) أي : ذلك من لوازمها ؛ لأن القيام ثبوت وجود الأمر واتصاف ذلك الأمر به ، والتعبير إلا بالمعلوم. (م).

(٤) وكذا المصدر المعلوم ؛ لأنه في قوة أن مع الفعل المعلوم ، كما أن المصدر المجهول في قوة أن مع الفعل المجهول.(ق).

(٥) حيث قال صاحب المفصل : الفاعل هو ما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدما عليه أبدا ، معه عبد القاهر حيث جعلوه فاعلا فلا يحترز عنه عندهم. (م).

(٦) إن قلت : لم أثر هذه العبارة على قولك : الأولى أن يلي ، مع أنه أوضح بمراعات الاشتقاق ، قلنا : لأن لفظ الأصلي لجوء إلى أن قرب الفاعل من الفعل كأنه بمنزلة قاعدة لا يجوز هدمها ، وأنه ليس بمجرد أولوية بل يبنى عليه بعض الأحكام كما بينه.

(٧) وصف الفعل بكونه مسندا إلى الفاعل ، تنبيها على أن المراد من الفعل هو المسند ؛ ليتناول الحكم لفاعل يشبه الفعل أيضا ؛ لكن لو قال المصنف : والأصل أن يلي المسند ، لكان أوضح وأشمل. (عصمت).

١٥١

أي : يكون (١) بعده من غير أن يتقدم عليه شيء آخر من معمولاته (٢) ؛ لأنه كالجزء من الفعل (٣) ، لشدّة (٤) احتياج الفعل إليه ، يدل على ذلك إسكان اللام في (ضربت) ؛ لأنه لدفع توالي (٥) أربع حركات فيما هو بمنزلة كلمة واحدة.

(فلذلك) (٦) الأصل الذي (٧) يقتضي تقديم الفاعل على سائر معمولات الفعل (جاز ضرب غلامه زيد) (٨) لتقدم مرجع الضمير ، وهو (زيد) رتبه فلا يلزم الإضمار (٩) قبل

__________________

(١) قوله : (أي : يكون بعده) أعم من أن يكون حقيقة كالفاعل الظاهر ، أو حكما كالفاعل المستتر ، فإن التعدية فيه حكمية كوجوده. (عصمت).

(٢) كالمفعول والتمييز والحال وغيرها ؛ لقربة في باب الفعل ؛ لأن قربه أكثر من قرب سائر الأشياء بالفعل ؛ لأن الفعل لا يقيد بدونه ، ويقدر سائر الأشياء ، ولكونه يوجد الفعل غالبا بخلاف الأشياء. (متوسط).

(٣) ولهذا جاز وقوعه بين لام الفعل وحركته في يضربان ، فإن النون علامة إعراب الفعل وقد وقع بعد ضمير الفاعل ، فلو لا أن الفاعل كالجزء من الفعل لما وقع إعرابه بعده ؛ لأن إعراب كل كلمة يتصل بجزئها. (داود خوافي).

(٤) لأن الفعل في عرفهم عبارة عما يدل على حدث مسند إلى شيء في زمان ، فتصوره يستلزم تصور الإسناد ، وتصور الإسناد يستلزم ما إليه الإسناد ؛ لأن الإسناد معنى نسبي لا يعقل بدون الطرفين ، فلما تقدم الفعل على الفاعل طبعا التزم تأخيره عنه وضعا. (كاملة).

(٥) قوله : (توالي أربع ... إلخ) ليس كون الفاعل كالجزء علة مستقلة لذلك ، وإلا يلزم توالي أربع حركات في مثل ضرب زيد أيضا ، وليس كونه مضمرا متصلا بالفعل علة مستقلة لذلك ، وإلا يلزم التوالي في مثل ضربك أيضا ، بل مجموع كون الفاعل بحسب اللفظ مضمرا متصلا ، وكونه بحسب المعنى كالجزء باعث لكون المجموع كالكلمة الواحدة. (عصمت).

(٦) قال : فلذلك اللام للتعليل ، فقيد أن الولي أصلا علة الجواز لمثال الأول ، وامتناع الثاني ، والفاء إما للتفريع فيقيد ترتب العلم بالجواز والامتناع فيهما على العلم بالأصل ، أو للتعليل فيكون من باب الاستدلال بالمعلول على العلة ، فلا استدراك في الجمع بين الفاء واللام. (عب).

(٧) الأولى ترك هذا التفصيل في قوله : (الذي يقتضي ... إلخ) ؛ لأنه يلزم أن يكون المقتضي والمقتضي ... إلخ، لا يلزم أن يكون المقتضي والمقتضي شيئا واحدا ذا غير جائز. (حلبي).

(٨) مع مخالفة الأصل ؛ لتقدم مرجع الضمير رتبة بالسبب المذكور ، هو هذا الأصل. (عصمت).

(٩) الإضمار قبل الذكر جائز في خمسة مواضع : في ضمير رب نحو : ربه رجلا ، وفي ضمير الشأن نحو : هو زيد قائم ، وفي ضمير نعم نحو : نعم رجلا ، وفي تنازع الفعلين نحو ضربني ضربك زيدا ، وفي بدل المظهر من المضمر نحو ضربته زيدا. (سعد الله).

١٥٢

الذكر مطلقا ، بل لفظا فقط ، وذلك جائز (وامتنع ضرب غلامه زيدا) لتأخر مرجع الضمير وهو (زيد) لفظا ورتبة ، فيلزم الإضمار قبل الذكر ، لفظا ورتبة ، وذلك غير جائز خلافا للأخفش (١) وابن جني ومستندهما في ذلك مقول الشاعر :

جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

وأجيب عنه بأن هذا لضرورة الشعر ، والمراد عدم جوازه في سعة الكلام وبأنه لا نسلم أن الضمير يرجع إلى (عدي) بل إلى المصدر الذي يدل عليه الفعل (٢) ، أي : جزى رب الجزاء (وإذا انتفى الإعراب) الدال على فاعلية الفاعل ومفعولية المفعول بالوضع (لفظا فيهما) (٣) أي : في الفاعل المتقدم ذكره صريحا ، وفي ضمن الأمثلة والمفعول

__________________

(١) قوله : (خلافا للأخفش وابن جني) اعلم أنهما متفقان في عدم جواز الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة ، ولم يخالف وإن دل ظاهر العبارة في بادئ الرأي ، لكن خالف في لزومه في المثال المذكور وأمثاله ، وتحقيقه أنهما يقولان : إن فعل المتعدي كما يحتاج إلى الفاعل يحتاج إلى المفعول به أيضا بلا مرية بينهما ، فكان حقهما أن يلي الفعل فإذا يلي الفعل الفاعل كان المفعول به ساقط عن مرتبته ، فإن يلي المفعول به كان الفاعل ساقطا عن مرتبته ؛ لأن حق كل منهما أن يلي فعله ، فإذا تقدم أحدهما كان الآخر ساقطا عن حقه ومرتبته ، فعلى هذا لا يلزم الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة فقط ، وهذا جائز بالاتفاق ، وإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الشارح : خلافا للأخفش وابن جني ، ليس بسديد وحصل المخالفة متعلقا إلى قوله : (وذلك غير جائز) يأتي عنه السباق والسياق. (مصطفى حلبي).

ـ وللإضمار أربع مراتب : أحدها : أن يكون إضمار الذكر صورة وتقديرا ، وهذا مما لا شبهة في جوازه نحو : ضرب زيد غلامه ، والثانية : أن يكون إضمار قبل الذكر صورة وتقديرا ، وهذا مما لا شبهة في امتناعه نحو : ضربت غلامه زيدا ، والثالثة : أن يكون إضمار قبل الذكر صورة ولا يكون ذاك تقديرا ، وهو جائز نحو : ضرب غلامه زيدا ، والرابعة : أن يكون إضمار قبل الذكر تقديرا ولا يكون ذلك صورة ، وهو أيضا جائز نحو ضرب زيد غلامه ، فلا يلزم الإضمار قبل الذكر. (إعراب الفاتحة).

(٢) ونظيره قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)[المائدة : ٨] فإن للتقوى هو راجع إلى العدل المدلول عليه بالفعل ، وقد سبق جواز ذلك في الضمائر. (شرح اللباب).

(٣) قوله : (أي : الفاعل ذكره ... إلخ) يعني : أن معنى قوله : (فلذلك جاز ضرب غلامه زيد) جاز تقديم المفعول الذي يقبل به ضمير الفاعل على الفاعل ، ومعنى قوله : (وامتنع ضرب غلامه زيدا) امتنع تقديم الفاعل الذي اتصل به ضمير مفعول على المفعول ، فيكون الفاعل مذكورا صريحا ، وفي ضمن الأمثلة ، والمفعول مذكور في ضمن الأمثلة ، فيصح قوله هذا. (مصطفي حلبي).

١٥٣

المتقدم ذكره في ضمن الأمثلة ، (والقرينة) أي : الأمر الدال عليهما لا بالوضع ؛ إذ لا يعهد أن يطلق على ما وضع بإزاء شيء أنه قرينة عليه فلا يرد أن ذكر الإعراب مستغنى عنه إذ القرينة شاملة له ، وهي إما لفظية نحو : (ضربت موسى حبلى) أو معنوية نحو : (أكل الكمثرى يحيى) (أو كان) الفاعل (مضمرا (١) متصلا) بالفعل بارزا ك : (ضربت زيدا) أو مستكنا ك : (زيد ضرب غلامه) بشرط أن يكون المفعول متأخرا عن الفعل ، لئلا ينتقض بمثل (زيدا ضربت) (أو وقع مفعوله) (٢) أي : مفعول الفاعل بعد (إلّا) بشرط توسطها بينهما في صورتيّ التقديم والتأخير ، نحو : (ما ضرب زيد إلا عمرا) (أو بعد معناها) نحو : (إنّما (٣) ضرب زيد عمرا) (٤) (وجب تقديمه) أي : تقديم الفاعل على المفعول به في جميع (٥) هذه الصور ، أما في صورة انتفاء الإعراب والقرينة فيهما فللتحرز عن الالتباس (٦) ، ...

__________________

(١) وإنما قال : مضمرا ؛ لأنه لو كان الفاعل ظاهرا لم يجب تقديمه على المفعول ، وإنما قال : متصلا ؛ لأنه لو كان مضمرا منفصلا لم يجب تقديمه على المفعول مفعول نحو ما ضربني إلا أنت. (متوسط).

ـ سواء كان المفعول اسما ظاهرا كضربت زيدا ، ومضمرا منفصلا كما في ضربت إياك ، أو متصلا كضربتك ؛ لامتناع الفصل مع الاتصال. (هندي).

(٢) وإنما وجب تقديمه عليه حينها ؛ لأنه لو جاز تأخره لزم انقلاب المعنى ؛ لأن المراد من قولنا : ما ضرب زيدا إلا عمرو انحصار ضرب زيد في عمرو ، مع جواز أن يكون عمرا مضروبا لشخص آخر ، وإذا أفراد الفاعل وقدم على المفعول. (عاقبة).

(٣) وإن إنما وضعت للحصر ؛ لأن إن للإثبات ، وما للنفي فيجب الجمع بين معنييها حين التركيب.(أصول).

(٤) وكذا إذا أضيف المصدر إلى الفاعل نحو : عجبت من ضرب زيد عمروا وجب تقديم الفاعل على المفعول ، إلا لضرورة الشعر. (كاملة).

(٥) قوله : (في جميع هذه الصور) لا يقال : لا حاجة إلى هذه القول في جزاء الشرط ، فإن الشرط يدل على هذا ؛ لأنا نقول : وقع البعد بين طرفي الشرط والجزاء ، توهم أن الجزاء متعلق بالأخير ، فدفع هذا التوهم بذلك القول ، أو بقول مقصوده تحرير المدعى ليستدل على كل منها بقول : أما في صورة انتفاء الإعراب.(عصمت).

(٦) لأنه لو قيل : المتأخر فاعل والمتقدم مفعول ، لكان عدولا عن الأصل من غير حاجة ولا دليل.(متوسط).

١٥٤

وأمّا في صورة كون الفاعل ضميرا متصلا فلمنافاة (١) الاتصال والانفصال (٢).

وأما في صورة وقوع المفعول بعد (إلا) لكن بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير ـ فلئلا ينقلب الحصر المطلوب ، فإن المفهوم من قوله : (ما ضرب زيد (٣) إلا عمرا) انحصار ضاربية (زيد) في (عمرو) مع جواز أن يكون (٤) عمرو مضروبا

__________________

(١) قوله : (فلمنافاة الاتصال الانفصال ... إلخ) ، أقول : هذا القدر إنما يتم إذا أريد بالاتصال المعنى اللغوي كما هو المتبادر ومن كلام الشارح ، والظاهر أنه ليس بمراد يدل عليه قوله : (واتصل مفعوله) وهو غير متصل ؛ إذ لو أريد المعنى اللغوي لصاغ القيد ، وإذا أريد المعنى الاصطلاحي يتجه إن أراد الاتصال اللغوي فلا منافاة ، وإن أراد الاصطلاحي فلا يلزم الانفصال ، إذا قدم المفعول المتصل ، كما لا يلزم الانفصال إذا كانا متصلين وقدم الفاعل ، وبالجملة إذا جاز اتصال ضميرين فلا يلزم الانفصال الاصطلاحي ، ولا ينافيه الانفصال لغة ، والجواب أن المراد لمنافاة اتصال الفاعل اصطلاحا انفصاله لغة عندهم ، أو لمنافاتهما لغة ، ولما تنافيا لغة لم يجوزوا أن يكون اصطلاحا منفصلا لغة ، فالحاصل أن الفاعل الذي سموه اصطلاحا متصلا لم يجوزوا أن يصير منفصلا ، وأما المفعول الذي سموه متصلا جوزوا انفصاله لغة بالفاعل المتصل ؛ لأنه كالجزء من الفعل ، كما عرف المتصل به كالمنفصل بالفعل ، فكأنه ليس بمنفصل فجوزوا ذلك ، وبالجملة فرقوا بين اتصال وانفصال ، وعند هذا يظهر أن قول المحشي : للزم خلاف المفروض ، ليسس بشيء في تحقيق المقام. (عيسى الصفوي).

(٢) لأنه لو أخر لزم أن لا يكون متصلا ، وقد فرضانه متصل هذا خلف ، ولا يقال : ضرب زيدات وت ولا غلامة ضرب ؛ لمنافاة الاتصال الانفصال. (متوسط).

(٣) وحاصل الملازمتين أن المتكلم إذا أراد الحصر في الفاعل وجب تقديم الفاعل على المفعول نحو : ما ضرب زيد إلا عمرا ، وإنما ضرب زيد عمرا ؛ لأنه لو أخر الفاعل ينقلب الحصر عن الفاعل إلى المفعول ، ويلزم خلاف العرض ، وإن أراد الحصر في المفعول وجب تقديم المفعول على الفاعل نحو : ما ضرب عمرا إلا زيد ، وإنما ضرب عمرا زيد ؛ لأنه لو أخر عمرو ينقلب عن المفعول إلى الفاعل. (سعد الله).

(٤) قوله : (مع جواز أن يكون عمرو مضروبا لشخص آخر ... إلخ) هذا لا يتم في مثل ما ضرب أحد إلا زيدا ؛ لأنه لا يبقى أحد حتى يصح أن يكون زيد مضروبا له ، إلا أنه كاذب ، فالكذب يخرج عن وجه الاعتبار ، إلا أن يختص الأحد بأحد من الجماعة ، في مثل : ما خلق الله على أحسن الصور إلا يوسف ؛ لعدم جواز أن يكون مخلوقا لغيره سبحانه ، إلا أن يعتبر الجواز وعدم الجواز بالنظر إلى مفهوم التركيب ، وهو لا يقتضي انحصار الظرف الآخر فيه ، بل الخارج يقتضيه ، وهذا الجواب جواب من الأول. (طاشكندي).

١٥٥

لشخص آخر والمفهوم من قوله : (ما ضرب عمرا إلا زيد) انحصار مضروبية (عمرو) في (زيد) مع جواز أن يكون زيد ضاربا لشخص آخر ، فلو انقلب أحدهما بالآخر (١) انقلب معنى الحصر المطلوب ، وإنما قلنا : بشرط توسطها (٢) بينهما في صورتي التقديم والتأخير ؛ لأنه لو قدم المفعول على الفاعل مع (إلّا) فيقال : (ما ضرب إلا عمرا زيد) فالظاهر أن معناه انحصار ضاربية زيد في عمرو إذ الحصر إنما هو فيما يلي (إلا) فلا ينقلب الحصر المطلوب ، فلا يجب تقديم الفاعل لكن لم يستحسنه بعضهم ؛ لأنه من قبيل (٣) قصر الصفة(٤) على شيء قبل تمامها. وإنما قلنا : الظاهر أن معناه كذا ، لاحتمال أن يكون معناه (ما ضرب أحدا أحد (٥) إلا عمرا زيد) فيفيد انحصار صفة كلّ منهما في

__________________

(١) يعني : لو قال : ضرب زيد إلا عمرا ما ضرب عمرا إلا زيد ، لا يجوز ذلك لما فيه من اختلاف المعنى ، وانعكاس المقصود ، وقس عليه حصر المفعول. (تأمل).

(٢) قوله : (وإنما قلنا بشرط توسطها) يجب عند أكثر النحاة تقديم الفاعل إذا كان المفعول بعد إلا ، ولا يجوز تقديم المفعول لا مع إلا ولا بدونها ، ويجوز تقديم المفعول مع إلا عند السكاكي وجماعة من النحويين ، والظاهر في حل عبارة المتن أن يكون على مذهب أكثر النحويين ، وكأنه دعا الشارح إلى حمل عبارة المتن على مذهب السكاكي أن المصنف علل وجوب التقديم بانقلاب المعنى ، ولك أن تتكلف في التعليل ، فتقول : المراد أنه يلزم الانقلاب في بعض الصور ، وحمل الباقي عليه طرد للباب. (ع ص).

(٣) قوله : (من قبيل قصر الصفة) ؛ لأن الصفة المقصورة على المفعول مثلا هي الفعل الصادر عن الفاعل لا مطلق الفعل ، فلا يتم قبل ذكر الفاعل ، فلا يستحسن قصره ، وإنما جاز على غير الاستحسان نظرا إلى أنها في حكم التام ، باعتبار ذكر متعلقه في الأخر. (حافظ شكندي).

(٤) يعني : أن الفعل صفة ، وهي لا يتم إلا بالفاعل ، ولو قصر الفعل بدون الفاعل كان من قبيل قصر الصفة قبل إتمامها. (ق).

(٥) هذا عند من يجوز استثناء شيئين بأداة واحدة بلا عاطف مطلقا ، وبعضهم يجوز ذلك إذا كان المستثنى منه مذكور والمستثنى بدل منه نحو ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا ، والأكثرون على منعه مطلقا ؛ لضعف أداة الاستثناء ، إذ الأصل فيها ، أي : في إلا ، وهي ، حرف فلا يستثنى بها شيئان. (مطول في آخر بحث القصر).

ـ والمجوزون أن يستدلوا بقوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)[هود : ٢٧] أي : ما لزاك اتبعك أحد في حال من الأحوال إلا الذين هم أراذلنا في بادي الرأي ، أي : بلا رؤية قوية ، وقد يرد بأن الظرف متعلق بفعل مقدر ، أي : اتبعوا في بادي الرأي أي : بأن الظرف مما يكفيه رائحة وقيل من الفعل. (عب).

١٥٦

الآخر وهو أيضا خلاف المقصود (١).

وأما وجوب تقديمه عليه في صورة وقوع المفعول بعد معنى (إلّا) لأن الحصر هاهنا في الجزء الأخير ، فلو أخر الفاعل انقلب المعنى قطعا (٢) (وإذا اتصل به) أي : بالفاعل (ضمير مفعول) نحو : (ضرب زيدا غلامه) (أو وقع) أي : الفاعل بعد (إلّا) (٣) المتوسطة بينهما في صورتي التقديم والتأخير نحو : (ما ضرب عمرا إلا زيد) وفائدة هذا القيد مثل : ما عرفت آنفا (٤) (أو) وقع الفاعل بعد (معناها) (٥) أي : معنى (إلا) نحو: (إنما ضرب عمرا زيد) (أو اتصل) به (مفعوله) بأن يكون (٦) المفعول ضميرا (٧) متصلا

__________________

(١) لأن المقصود انحصار إحدى الفاعل والمفعول في الآخر ؛ لانحصار صفة كل منهما في الآخر فافهم. (ع).

(٢) لأن المفهوم من قوله : (إنما ضرب زيد عمرا) انحصار ضاربية زيد في عمرو ، فلو أخر الفاعل إنما ضرب عمرا زيد فإن معناه انحصار مضروبية عمرو في زيد ، فإذا كان كذلك انقلب المعنى قطعا. (محمد أفندي).

(٣) ولما فرغ عن بيان العوارض التي تعرض للفاعل ، فتوجب تقديمه ، شرع أن يشير إلى العوارض التي تعرض ، فتوجب تأخيره بعد أن كان الأصل فيه التقديم وهي أربعة أيضا. (عوض أفندي).

ـ أي : إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول نحو ضرب زيدا غلامة ، وجب تأخير الفاعل عن المفعول ؛ لأنه لو قدم وقيل : ضرب غلامه زيدا لزم الإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى ، وأنه ممتنع كما مر. (متوسط).

ـ وكذا اتصل بصلته وصفته ضمير المفعول عند من لم يجوز الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي نحو : ضرب زيدا الذي ضرب غلامه ، وأكرم هندا رجل ضرب غلامها. (عب).

(٤) لأنه لو قدم الفاعل مع إلا فيقال : ما ضرب زيدا إلا عمرا ، فالظاهر انحصار مضروبية عمرو في زيد ، فعلم أنه لم يتوسط إلا لا يجب تقديم المفعول وتأخير الفاعل. (شرح).

(٥) إذا كان إنما في أول الكلام فإنما بمعنى إلا ، بأن يجعل ما في أول الكلام ، وإلا مقدما على الجزء الأخير ، فأي من الفاعل والمفعول وقع آخر فهو بعد معنى إلا فالسؤال يرد على معنى إلا. (خ ه).

(٦) إشارة إلى أن ضمير به راجع إلى الفاعل ، وإلى أن المراد باتصال مفعوله به اتصال بالفعل ، وإلى رد ما قيل : أنه لا حاجة إلى قوله : (وهو غير متصل) ؛ لخروج مثل ضربته بقوله : (فإن المفعول لم يتصل بالفعل بل الفاعل). (داود خوافي).

(٧) قوله : (ضميرا متصلا بالفعل) بقي فيه نحو : زيد ضربك ، فإن المفعول فيه ضمير متصل بالفعل مع أنه يجب تقديم الفاعل ، فأخرجه بقوله : (وهو غير متصل). (ع ص).

١٥٧

بالفعل (وهو) أي : الفاعل (غير) ضمير (متصل به) نحو : (ضربك زيد) (وجب تأخيره) (١) أي : تأخير الفاعل عن المفعول في جميع هذه الصور.

أما في صورة اتصال ضمير المفعول به فلئلا يلزم (٢) الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة ، وأما في صورة وقوعه بعد (إلا) أو معناها ، فلئلا ينقلب الحصر المطلوب (٣) ، وأما في صورة كون المفعول ضميرا متصلا والفاعل غير متصل فلمنافاة الاتصال الانفصال ـ بتوسط الفاعل الغير المتصل بينه وبين الفعل بخلاف ما (٤) إذا كان الفاعل أيضا ضميرا متصلا ، فإنه يجب حينئذ تقديم الفاعل نحو : (ضربتك).

(وقد يحذف الفعل) (٥) ...

__________________

(١) ولقائل أن يقول : من المواضع التي وجب تقديم المفعول على الفاعل كون الصفة جرت على غير من هي له ، نحو : زيد هند ضارب هو ، ولم يذكره المصنف ، وجوابه مندرج تحت قوله : (وإذا اتصل مفعوله وهو غير متصل ، ولهذا لم يذكره المصنف. (هندي).

ـ واعلم أنه إذا اتصل بالمفعول الأول من باب أعطيت ضمير المفعول الثاني منه ، وجب تأخير الأول نحو: أعلمت الدبس صاحبه عند البصريين ؛ لأن حق الأول أن يتقدم على الثاني. (متوسط).

(٢) قوله : (لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر) ينبغي أن يكون في وجوب تأخير الفاعل في هذه الصورة ، خلاف الأخفش وابن جني ، أما على ما ذكره الشارح فلجواز الإضمار قبل الذكر عندهما ، وأما على ما نقلناه من مذهبيهما فلأن رتبة المفعول عنده أن يلي الفعل ، ويكون في موضع الفاعل فلم يلزم من تأخيره الإضمار قبل الذكر رتبة ، فيأمل. (عصمت).

(٣) الذي كان مطلوبا حين وقع الفاعل بعد إلا ما ضرب زيد إلا عمرا ، بتوسط إلا بينهما ، وأما تقديم الفاعل الواقع بعد إلا مع توسط إلا بينهما فممتنع التصوير ، كما هو ممتنع فى تأخير الفاعل عن المفعول الواقع بعد إلا مع التوسط كما مر في وجوب تقديم الفاعل على المفعول وأن الاشتراط ههنا وفي وجوب التقديم بما لا يمكن التصوير به في الصورتين الممتنعين من توسط إلا بينها ، فلم يسع له رعاية ما اشترط كما لا يخفى. (محمد أفندي).

(٤) قوله : (بخلاف ما إذا كان الفاعل ... إلخ) ، ولا ينافي اتصال المفعول ؛ لأن الفاعل كالجزء فالمتصل به مع اتصاله بالفعل كالمتصل بالفعل ، بخلاف المفعول فإنه فضلة فإذا توسط بين الفعل والفاعل لم يكن كالمتصل ، فلم يجوزوا بالجملة توسط المفعول ، جعلوه منافيا لاتصال الفاعل مطلقا ، وكذا توسط الفاعل المنفصل منافيا لاتصال المفعول دون الفاعل المتصل ، فإنه بالجزء. (عيسى).

(٥) لما فرغ من تحقيق الفاعل وما يتعلق به من التقديم والتأخير وجوبا ، وجوازا شرع فيما يحذف عامله. (ق). ـ

١٥٨

الرافع (١) للفاعل (لقيام (٢) قرينة) دالة على تعيين المحذوف (جوازا) (٣) أي : حذفا (٤) جائزا (في مثل) قولك : (زيد) أي : فيما كان جوابا لسؤال محقق (لمن قال : من قام؟)(٥) سائلا عمن يقوم به القيام فيجوز أن تقول : (زيد) بحذف (قام) أي : (قام زيد) ويجوز أن تقول : (قام زيد) بذكره ، وإنما قدر (٦) الفعل دون الخبر ؛ لأن تقدير الخبر يوجب حذف الجملة ، وتقدير الفعل يوجب حذف أحد جزئيها والتقليل في الحذف أوّلي.

__________________

ـ وقد للتقليل بالنسبة إلى الذكر ، ويجوز أن يكون للتحقيق ؛ لأن الحذف متحقق الوقوع لا يحذف شيء من الأشياء إلا لقلة قرينه ، سواء كان الحذف جائزا أو واجبا ، إلا أن واجب الحذف لا بد منه من لفظ هو لا لبدل من المحذوف معتبر له بخلاف الجائز. (رضي).

(١) قوله : (في الفعل الرافع للفاعل) توصيف الفعل بالرفع مع أن شأنه بذلك لدفع توهم أن حذف الفعل بيان وحال من أحوال الفعل ، فالبحث بحث الاسم فلا يناسب أن يذكر حال الفعل في بحث الاسم ، فدفع هذا التوهم بذلك التوصيف ، يعني : أن البحث ههنا ليس للفعل المطلق حتى يتوهم كذلك ، بل الفعل الرافع للفاعل فلا يرد. (فيض الله).

(٢) واللام بمعنى الوقت كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)[الإسراء : ٧٨] أي : وقت دلوك الشمس ، واشترط القرنية ؛ لأنه عمدة لا يجوز حذفه بدون القرنية. (متوسط).

ـ قال : لقيام قرنية مقام الفعل في الدلالة على ما هو المرام ، واللام للوقت لا للأجل ؛ لأن قيام القرنية مصحح لا باعث. (لارى).

(٣) قال : جوازا منصوب على أنه نعت مصدر محذوف ، أي : حذفا جائزا ، أو مفعول مطلق بحذف المضاف أي : حذف جواز ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وأعراب بإعرابه ، أو بإضمار فعل من لفظه ، أي : نحو جوازا. (متوسط).

(٤) قوله : (أي : حذفا جائزا) إشارة إلى أن جواز مصدر بمعنى اسم الفاعل ، ونصبه على المصدرية باعتبار موصوفة الذي هو الحذف. (عصمت).

(٥) قيل : لا مطابقة بين السؤال والجواب ؛ لأن السؤال جملة اسمية والجواب فعلية ، قلنا : من قام وإن كانت بحسب الظاهر اسمية لكنها في الحقيقة فعلية. (سيدي).

(٦) قوله : (وإنما قدر الفعل دون الخبر ... إلخ) دفع لما قال الشيخ الرضي : إن زيدا في المثال المذكور مبتدأ لا فاعل ؛ ليطابق الجواب السؤال جملة اسمية ، فإن قدر الفعل لم يطابق وإن قدر الخبر يطابق ، فإن قلت : إن في تقدير الخبر رعاية مطابقة السؤال والجواب ، وهذا راجح على رعاية تقيد الحذف ، قلنا في تقدير الفعل رعاية مناسبة للمعنوية مع تقليل الحذف ، فإن أصل من قام ، أقام زيد أم عمرو أم بكر ، لا أزيد قام ، فإن ألفاظ الاستفهام وحروف النفي بالفعل أولى ، صرح به الشارح في بحث اسم الفاعل وكذا تعريف. (مصطفى حلبي).

١٥٩

(و) كذا يحذف الفعل جوازا فيما كان جوابا لسؤال مقدر ، نحو : قول الشاعر ، في مرثية يزيد بن نهشل.

(ليبك) (١) ...

على البناء للمفعول (يزيد) مرفوع على انه مفعول ما لم يسم فاعله (ضارع) أي : عاجز ذليل ، وهو فاعل الفعل المحذوف ، أي : (يبكيه ضارع) بقرينة (٢) السؤال المقدر وهو (من يبكيه) ، وأمّا على رواية (ليبك يزيد) على البناء للفاعل ونصب (يزيد) ، فليس مما نحن فيه (لخصومة) متعلق بضارع أي يبكيه من يذلّ ويعجز عن مقاومة الخصماء؛ لأنه كان ظهيرا للعجزة ، والاذلاء وآخر البيت :

(ومختبط مما تطيح الطوائح)

المختبط : السائل (٣) من غير وسيلة ، والإطاحة : الإهلاك ، والطوائح : جمع

__________________

(١) أول البيت

سقي حدثنا أمسى بدومة ثاويا

من الدلو والجوزا غاد ورائح

ليبك يريد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح

الجدث القبر ، ودومة اسم موضع قبر فيه يزيد ، ثاويا أي : مقيما منصوب على أنه خبر أمسى ، أو بالعكس ، أو خبر بعد خبر ، الدلو والجوزاء من منازل القمر ، فإذا وصل إليها يمطر كثيرا غاد مرفوع فاعل سقى مطر نازل في الغدوات وقت الصباح ، وفي العشيات وقت المسي. (عصمت).

ـ بناء الفعل على المفعول ، وفضل التركيب على خلافه أعني نحو : ليبك يريد ضارع ببناء الفعل للفاعل ، ونصب يزيد من وجوه أحدها أن التركيب تفيد استناد الفعل إلى الفاعل مرتين إجمالا ثم تفصيلا ، والثاني : أن نحو : يزيد فيه ركن الجملة لا فضلة ، الثالث : أن أوله غير مطيع للسامع في ذكر الفاعل ، فيكون عنده وروده كمن تسرت له غنيمة من حيث لا يحتسب. (إيضاح).

(٢) قوله : (بقرنية السؤال المقدر) وهو من يبكيه ، فإنه لما فيه لما قيل : ليبك على بناء المفعول ناسب أن يقال: من يبكيه ، والمشهور في مثله أن القرنية مقالية على ما ذكره الشارح ، وفي المفتاح : أنها حالية وهي كونها في جواب السؤال ، واعترض عليه السيد فإنه لو اعتبر منك ذلك لم توجد قرنية مقالية ، وأقول : مرفوع بأن كلا منهما قرينة في الجملة ، والمجموع قرينة تامية ، اللازم من اعتبار جواز وجود قرينة حالية في جميع الموارد لا عدم القرينة المقالية ولا محذور فيه. (عيسى الصفوي).

(٣) قوله : (والمختبط السائل) فسر الشارح المختبط بالسائل من غير وسيلة ، أي : غير علاقة نحو قرأته ، وكان اعتبار عدم الوسيلة إما للتصريح بالمبالغة في المدح ؛ لأن الإحسان لمن لا وسيلة ـ

١٦٠