شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

ومن جعله أخصّ من الجملة قيده به فحينئذ تصدق الجملة على الجمل الخبرية (١) الواقعة إخبارا أو أوصافا (٢) بخلاف الكلام (٣). وفي بعض الحواشي (٤) : أن المراد بالإسناد هو الإسناد المقصود لذاته ، وحينئذ يكون الكلام عند المصنف أيضا أخصّ من الجملة (٥). (ولا يتأتّى) (٦) أي : لا يحصل (٧) (ذلك) أي : الكلام (٨) (إلّا في) ضمن (٩)

__________________

(١) إنما قيد بالخبرية ؛ لأن التحقيق كما ذكره السيد السندي في حاشية المطول : إن الإنشاء لا يقع خبر المبتدأ بدون التأويل فيرجع إما إلى المفرد ، أو إلى الجملة. (وجيه الين).

(٢) قوله : (أوصافا) أو جملة قسمية فإن الكلام هو جواب القسم ، والجملة القسمية للتأكيد وشرطا ، فإن الكلام هو الجزاء على زعمهم ، وأما على التحقيق فليس شيء من الشرط والجزاء كلاما بل الكلام هو المجموع. (عبد الغفور).

(٣) فإنه لا يصدق عليها ؛ لأن الإسناد فيهما وسيلة لما هو المقصود بذاته ، ولأن الكلام لا يقع في هذه المواضع ؛ لكون الإسناد فيه مقصودا لذاته ، فلا يقتضي الارتباط بغيره بل يكون مستقلا بنفسه. (شرح الشرح).

(٤) المراد منه شرح المولى الهندي ، وتسمية بالحواشي بناء على أن المولى المزكور كتب هذا الشرح على هيئة الحاشية ، يعني كتبه على أطراف متن من متون الكافية ، هذا هو المشهور وفيه نظر تأمل. (مصطفى جلبي).

(٥) إلا أنه حينها يكون مخالفا لما ذكره في مختصر الأصول وهو الترادف ، ولا يتأتي. (وجيه الدين).

ـ وكذا كل كلام يكون الابتداء مركبا من كلمتين ، ويكون في تأويل المفرد ، نحو : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. (داودزاده).

(٦) فإنه لما قال : ما تضمن كلمتين بالإسناد ، فكأن السامع يتردد في أنه هل يتأتي إلا في اسمين واسم وفعل ، أم لا ، فقدم المسند. (محمودي).

(٧) قوله : (لا يحصل) يعني أن هذا مجاز من قبيل ذكر الشيء وإرادة لازمه ، فإن المجيء الذهاب لا يتصور في غير ذوي الروح. (جلبي).

(٨) قوله : (أي : الكلام) أشار بذلك إلى الكلام لا إلى تعريفه ، أو إلى التضمن ، أو إلى الإسناد كما قيل ؛ لأن الكلام مسوق للكلام ولبعد الكلام ، ولأن قولنا : لا يتأتى إشارة إلى تقسيم الكلام بعد تعريفه ، كما أن قوله : (وهي اسم وفعل وحرف) تقسيم للكلمة بعد تعريفها وإنما صرح بأداة الحصر للعناية بشأن الحصر ؛ لأن التركيب العقلي من الاثنين يرتقي إلى ستة. (لارى).

(٩) أول هذا الكلام بزيادة لفظ الضمن حتى لا يلزم كون الظرف والمظروف واحد ، ومبنى هذا التأويل إرجاع ذلك إلى الكلام دون التضمن والإسناد ؛ رعاية لمناسبة البعدية بين ذلك وبين الكلام ، وأما إذا أريد بذلك مفهوم وهو ما تضمن كلمتين فلا يحتاج إلى التأويل ، يعني ـ

٤١

(اسمين) (١) أحدهما مسند والآخر مسند إليه (أو) في ضمن (اسم) مسند إليه (وفعل)(٢) مسند. وفي بعض النسخ (أو في فعل واسم) فإن التركيب (٣) الثنائي العقلي بين الأقسام الثلاثة يرتقي إلى ستة (٤) أقسام ، ثلاثة منها من جنس واحد ، اسم واسم ، فعل وفعل ، حرف وحرف. وثلاثة منها من جنسين مختلفين اسم وفعل ، اسم وحرف ، فعل وحرف. ومن البيّن (٥) ، أنّ الكلام لا يحصل بدون الإسناد ، والإسناد لا بدّ له من مسند ومسند إليه (٦) ، وهما لا يتحققان إلا في ضمن اسمين ، أو في اسم وفعل.

__________________

ـ لا يصل ذلك الكلي أي : مفهوم ما تضمن كلمتين بالإسناد ، أي : في اسمين ، أي : في هذين الخاصتين ، وهذا مبني على ما يقال : لا وجود للعام إلا في ضمن الخاص ، وقد مر تحققه هذا في صدر تعريف الكلمة في قوله : (وقد أجيب من الإشكالين). (مصطفى).

(١) حقيقة أو حكما وذلك من قبيل تحقق العام في ضمن الخاص ، فلا يلزم اتحاد الظرف والمظروف ، وإنما قدم هذا القسم لاستحقاق الجزئية التقديم ، فإن قيل : ما باله صرح في تقسيم الكلام بالحصر ولم يصرح به في الكلمة؟ قيل : التركيب العقلي يرتقي إلى ستة ، واحتياج إلى الحصر ، ولو قال الكلام ما تضمن اسمين ، أو فعلا واسما بالإسناد لكان الحصر ما ذكره أصوب وأوضح. (هندي مع لارى).

ـ لامتناع لإسناد في غيرهما ، وفي بمعنى من ، أي : من اسمين فلا يكون الظرف والمظروف شيئا واحدا. (هندي).

وإنما قدم الاسم لشرفه ، وإلا فالأنسب تقديم الفعل ؛ لأنه يصدر بيان الجملة الفعلية ، وأما تقديم الفعل على الاسم كما في بعض النسخ ففيه موافقة الذكر للواقع ؛ لتقدم الفعل على الفاعل. (وجيه الدين).

(٢) فالأول مناسب لسياق الكلام ، والثاني مناسب لصورة ما وقع ، فإنه إذا ركب الكلام من فعل واسم يقدم الفعل على الاسم لكونه عاملا. (جلبي).

(٣) قوله : (فإن التركيب) علة ولا يتأتى أو للمحذوف ، أي وإنما الحصر الكلام في هذين القسمين فإن التركيب .... إلخ

(٤) لا يزيد على التسعة إذا روعي الترتيب ، وعلى الستة إذا لم يراع ترتيب.

(٥) قوله : (ومن البين) خبر مقدم وجوبا لما سيأتي أن الخبر إذا كان خبرا عن أن المفتوحة المؤولة مع اسمها وخبرها بالمفرد الواقعة مبتدأ ، يجب تقديمه عليها ، وههنا كذلك أي : ومن البين الواضح الغير الخفي. (محرم).

(٦) فلا بد من الاسم تحقيقا للمسند إليه ، ثم إن كان معه اسم وهو القسم الأول ، وإن كان معه فعل وهو القسم الثاني ، فاحفظه عن التطويلات (محمد واني).

٤٢

وأما الأقسام الأربعة الباقية ، ففي الحرف والحرف كلاهما مفقودان ، وفي الفعل والفعل ، وفي الفعل والحرف المسند إليه (١) مفقود ، وفي الاسم والحرف أحدهما مفقود ، فإن الاسم إن كان مسندا فالمسند إليه مفقود ، وإن كان مسندا إليه فالمسند مفقود. ونحو (يا زيد) (٢) بتقدير : أدعو زيدا ، فلم يكن من تركيب الحرف والاسم بل من تركيب الفعل والاسم ، الذي هو المنويّ في (أدعو).

(الاسم)

الاسم (٣) (ما دلّ) (٤) أي : كلمة دلّت (على معنى) كائن (٥) في نفسه أي : في نفس ما دلّ ، يعني : الكلمة.

__________________

(١) وإنما اختص هذا المعنى بالاسم ؛ لأن الفعل وضع ؛ لأن يكون أبدا مسندا فقط فلو جعل مسندا إليه يلزم خلاف وضعه. (محمودي).

ـ ولئن سلمنا أنه كلام في الحقيقة لكن لا نسلم بطلان الحصر به ؛ لأن (يا) اسم فعل على ما هو مختار بعضهم ، فالتأليف من اسمين أحدهما (يا) والآخر الضمير المستكن ، أعني : أنا. (حدائق).

(٢) قوله : (ونحو زيد ... إلخ) جواب سؤال مقدر وهو لزوم النقض على قاعدة حصر الكلام إلى القسمين ، وهو أن يا زيد كلام مفيد مع أنه مركب من حرف واسم ، فأجاب أن أصله أدعو زيدا ، فلم يكن من تركيب الحرف والاسم بل من تركيب الفعل والاسم الذي هو الضمير المنوي في أدعو ، وهذا أيضا اعتراض على المبرد حيث حصر الكلام إلى ثلاثة أقسام ، وجعل القسم الثالث ما ركب من حرف واسم مثل يا زيد وجوابه ظاهر. (مصطفى جلبي).

(٣) هذا خطبة بعد خطبة حيث ذكر الكلام بلا عاطفة ، وذكر تعريف الاسم أيضا بلا عاطفة ، وهذا دأب المصنف في أكثر مواضع هذا الكتاب كما ترى (مصطفى جلبي).

(٤) المراد من الدلالة الدلالة الأولية فلا يرد أسماء الأفعال ، فإن قيل : إن أريد بالدلالة المطابق دخل الفعل في حد الاسم ؛ لأن مدلوله المطابقي وهو الحدث مع الزمان غير مقترن ، وإلا لزم اقتران الزمان بالزمان ، وإن أريد بها دلالة التضمن خرج الأسماء البسيطة ، قيل : واعلم أن الماضي الواقع في الحد يراد به الاستمرار. (هندي).

(٥) جعل في نفسه صفة معنى لا متعلقا ب : دلّ ، أي : دلّ عليه بنفسه ، ولا حالا عن ضميره أي : دلّ كائنا في نفسه ، أي : معتبرا في حد ذاته ؛ لئلا يفصل بين معنى وصفة ، أعني : غير مقترن بما ليس صفة ؛ لأنه وإن جاز لكن كون الفاصلة صفة أعذب ومن الفهم أقرب. (عصام الدين).

والمراد من هذه الحكاية إشارة إلى جواز إرجاع الضمير إلى غير الكلمة ، وهو المعنى. (توقادي).

٤٣

فتذكير (١) الضمير بناء على لفظ الموصول.

قال المصنف (٢) في الإيضاح (٣) شرح المفصل : الضمير في (ما دلّ على معنى في نفسه) يرجع إلى (معنى) أي : ما دل على معنى باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه ، لا باعتبار أمر خارج عنه ، كقولك : الدار في نفسها حكمها كذا ، أي : لا باعتبار أمر خارج عنها ، ولذلك قيل (٤) : الحرف ما دل على معنى في غيره أي : حاصل في غيره ، أي: باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه انتهى كلامه ، ومحصوله (٥) : ما ذكره بعض المحققين حيث قال (٦) : كما أن في الخارج موجودا قائما بذاته وموجودا قائما بغيره

__________________

(١) هذا جواب سؤال مقدر وهو أن الشارح جعل لفظة ما عبارة عن الكلمة والضمير في دل وفي نفسه كناية عن الكلمة وراجع إليها ، وهو مؤنث فيجب تأنيث الضمير في الموضعين ؛ ليطابق مرجعه ؛ لأن تطابق الضمير والمرجع في الأحوال العائدة إليهما واجب ، فأجاب عنه بقوله : (فتذكير الضمير ... إلخ). (محرم أفندي).

(٢) وفي بعض النسخ في إيضاح شرح المفصل ، والمفصل كتاب رائق في النحو من مصنفات العلامة الزمخشري ، شرحه ابن الحاجب أولا ، ثم انتحل الكافية منه. (حلبي).

(٣) والأنسب : وتفصيله أو ومفصله ؛ لأن ما ذكره هذا المحقق مفصل بالنسبة إلى ما ذكره المصنف. (حلبي).

(٤) قوله : (حيث قال ... إلخ) يعني شبه العقلي إلى المحسوسات تسهيلا للمتعلمين وتفيهما إلى المبتدئين المحصلين ، وهذا التفصيل مذكور في حواشي الرضي للشريف الجرجاني ، فذكر الشارح أكثر عبارته بعينها ، ثم قوله : (كما أن من حيث الإعراب خبر مبتدأ محذوف) أي : هذا كائن كما أن في الخارج ... إلخ ، وقيس عليه نظائره كقولهم : (النجاة في الصدق) كما أن الهلاك في الكذب ، ولفظة ما زائدة. (مصطفى جلبي).

(٥) والأنسب وتفصيله أو مفصله ؛ لأن ما ذكره هذه المحقق مفصل بالنسبة إلى ما ذكره المصنف. (جلبي).

(٦) قوله : (حيث قال ... إلخ) يعني : شبه الأمور العقلي إلى المحسوسات تسهيلا للمتعلمين وتفيهما إلى المبتدئين المحصلين ، وهذا التفصيل مذكور في حواشي الرضي للشريف الجرجاني ، فذكر الشارح أكثر عبارته بعينها ، ثم قوله : (كما أن من حيث الإعراب خبر مبتدأ محذوف) أي : هذا كائن كما أن في الخارج ... إلخ ، وقيس عليه نظائره كقولهم : (النجاة في الصدق ، كما أن الهلاك في الكذب) ولفظة ما زائدة. (مصطفى جلبي).

أي : لما قاله المصنف في الإيضاح ، أو لكون الضمير المجرور في نفسه راجعا إلى المعنى ، ولكون الاسم ما دل على معنى كائن ، أي : في نفس ما دل. (ح). ـ

٤٤

كذلك في الذهن معقول هو مدركّ قصدا ملحوظ في ذاته ، يصلح أن يحكم عليه وبه ، ومعقول (١) هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره ، فلا يصلح لشيء منهما. فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهوميّة ملحوظا في ذاته ، ولزمه تعقّل متعلّقه (٢) إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره (٣) وهو بهذا الاعتبار مدلول (٤) لفظ الابتداء فقط ، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضمّ كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه ، وهذا هو المراد بقولهم : أن للاسم والفعل معنى كائنا في نفس الكلمة الدّالة عليه. وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة مثلا ، وجعله آلة لتعرّف حاليهما ، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن

__________________

ـ هذه العبارة مأخوذة بعينها للسيد الشريف في حواشي الرضي ، فكتبه الشارح متبركا بلفظه.(حلبي).

ـ الكاف للتشبيه والمشبه به مدخول الكاف ، والمشبه الكلام المرتب عليه من كون المفهوم في نفسه وفي غيره. (توقادي).

ـ جواب عن سؤال المقدر ، كأنه قيل : إن الابتداء الكلي أيضا عن مستقبل بالمفهومية ؛ لأنه يقتضي الارتباط إلى شيء ، أي : إلى متعلق فأجاب رحمه‌الله : بأنه لا يلزم تعقل متعلقة بالذات بل يلزم إجمالا وتبعا. (مصطفى).

(١) كالأعيان الغائبة عن الحسّ البصري ؛ إذا لاحظها العقل قصدا بالذاته تكون مدركة قصدا ، وملحوظة في حد ذاتها ، وتصلح لأن محكم بها ، مثل نوع من الحيوان تمساح يسكن في النيل ، وتصلح ؛ لأن الحكم عليها مثلا التمساح حيوان يحرك فكه الأعلى عند المضغ. (توقادي).

ـ وهذا أي : ما قلنا من أنه إذا لاحظ مفهوم الابتداء العقل قصدا وبالذات ، كان ذلك المعنى الملحوظ مستقلا بالمفهومية. (محرم أفندي).

(٢) والمتعلق ههنا ما أضيف إليه لفظ الابتداء مثل القراءة. (ح).

(٣) والحاصل أن المعنى المدلول غلبة بنفسه مشابه للموجود الخارج الذي هو قائم بذاته في صحة كونه محكوما عليه وبه ، كذا الدال على ذلك المعنى ، والمعنى المدلول عليه بغيره مشابه للموجود الخارجي الذي هو قائم بغيره في عدم كون كل واحد منهما ، وكذا الدال عن تلك المعنى أيضا. (توقادي).

(٤) قوله : (من غير حاجة إلى ذكره) ؛ لأن المتعلق الإجمالي الذي لا يتصور الابتداء بدونه ، وهو شيء ما مفهوم من لفظ الابتداء ، ولما كان ذلك المتعلق غير ملتفت بالذات بل ملتفتا بالتبع كفت دلالته هذه ، بخلاف ما لو كان ملتفتا بالذات ، فإنه لا بد حينئذ من ذكر متعلقه بضم كلمة أخرى ليدل عليه. (عبد الغفور).

٤٥

يتعقّل إلا بذكر متعلقه بخصوصه ، ولا أن يدلّ عليه إلا بضمّ كلمة دالة على متعلقه بخصوصه. والحاصل (١) أن لفظ (الابتداء) موضوع لمعنى كلي (٢) ، ولفظة (٣) (من) موضوعة لكلّ واحد من جزئياته المخصوصة المتعقّلة ، من حيث إنها حالات لمتعلقاتها ، وآلات لتعرّف أحوالها (٤) ، وذلك المعنى الكليّ يمكن أن يتعقّل قصدا ، ويلاحظ في حد ذاته فيستقلّ بالمفهومية ، ويصلح أن يكون محكوما عليه ، وبه ، وأما تلك الجزئيات فلا تستقلّ بالمفهوميّة ، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها ، أو بها ؛ إذ لا بدّ في كلّ (٥) منها أن يكون ملحوظا قصدا ، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه وبين غيره ، بل تلك الجزئيات لا تتعقّل إلا بذكر متعلقاتها ، لتكون آلات ، لملاحظة أحوالها ، وهذا هو المراد (٦) بقولهم :

__________________

(١) فإن قلت : ما الفرق بين الحاصل والمحصول؟ قلت : الفرق بينهما عموم وخصوص مطلقا ، العام هو الحاصل والخاص هو المحصول ؛ لأن الحاصل يدل إلى الإجمال والتفصيل ، والمحصول يدل إلى التفصيل فقط. (الداشكندي).

(٢) مستقل بنفسه في المفهومية يصلح أن يحكم عليه وبه ، كما أن لفظ الحيوان موضوع لمعنى كلي مستقل بنفسه فيها يصلح لأحدهما. (توقادي).

(٣) قوله : (ولفظ من ... إلخ) وذلك ؛ لأن من لا يستعمل إلا في الجزئيات ومثل هذا الاستعمال أمارة الوضع ، والقول بأنه مجاز لا حقيقة له بعيد لا ضرورة إليه ، اعلم أن هذا على رأى القائلين بالوضع العام ، والموضوع له الخاص في الحروف وأمثالها من الضمائر وأسماء الإشارة صحيح لا خفاء فيه ، ومنهم المحقق الشريف صاحب هذا التحقيق ، وأما على رأي من لم يقل وجعل تلك الألفاظ موضوعة لمفهومات كلية بشرط الاستعمال في جزئياتها ، ومنهم المحقق التفتازاني يكون من معناه الموضوع له المفهوم الكلي ومدلوله جزئيات من جزئيات ذلك المفهوم الكلي فالفرق حينها مشتكل. (عصمت رحمه‌الله).

(٤) فإن قلت : حالات المتعلقات هي أحوالها ، فكون حالات المتعلقات آلات لتعريف أحوالها يستلزم آلية الشيء لتعريف نفسه ، قلت : بأن المراد الأولى الابتداء الجزئي بلا ملاحظة المبتدأ ، وبالثانية الابتداء الجزئي بملاحظة المبتدأ ، كونه حالة بين السير والبصرة ، وهذه المغايرة كافية في الأمور الاعتبارية المصطلحة. (عصمت مصطفى جلبي).

ـ يعني في حد نفس لفظ الابتداء لا في غيره. (ح).

(٥) قوله : (إذ لا بد في كل ... إلخ) فيه منع فإن كل في كل إنسان كانت آلة الملاحظة أفراده مع اعتبار النسبة بينه وبين غيره ، فلا بد من التخصيص كما سبق. (عصمت).

(٦) قوله : (وهذا هو المراد بقولهم) : يعني كون تلك الجزئيات التي هي معنى الحرف بحيث لا يتعقل إلا بتعقل متعلقاتها ، وهو المراد بقولهم : إن الحرف يدل على معنى في غيرها ، فالمراد ـ

٤٦

إنّ الحرف يدلّ على معنى في غيره (١) ، وإذا عرفت هذا (٢) ، علمت أنّ المراد (٣) بكينونة (٤) المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية ، وبكينونة المعنى ، في نفس الكلمة ؛ دلالتها عليه من غير حاحة إلى ضمّ كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهوميّة (٥) ، فمرجع كينونة المعنى في نفسه وكينونته في نفس الكلمة ، الدالة عليه إلى أمر واحد وهو ، استقلاله بالمفهوميّة.

ففي هذا الكتاب (٦) ، الضمير المجرور في (نفسه) ، يحتمل أن يرجع إلى (ما) الموصولة التي هي عبارة عن الكلمة وهذا هو الظاهر ، ليكون على طبق ما سبق في وجه

__________________

ـ بغيرها متعلقاتها ، ويكون معنى الحرف فيها أن يكون متعقلا باعتبارها وبملاحظتها. (عصمت).

ـ وليوافق بالضمير الذي قبله ، وهو ضمير دل ؛ ولأنه لا يحتاج حينئذ إلى حرف كلمة في عن معناها الحقيقي. (عصمت).

(١) يعني أن لفظة من مثلا لا تدل على معنى حاصل في نفسها ، بل إنما تدل على معنى في غيرها كالسير والبصرة ، يعني تدل على أن ابتداء السير من البصرة ، حيث كان السير حالا والبصرة محلا. (محرم أفندي).

(٢) قوله : (وإذا عرفت هذا) أي : إذا عرفت أن بعض المفهومات يكون ملحوظا في ذاته ، وملتفتا قصديا ، ولا يحتاج تعقله إلى تعقل أمر آخر ، ولا يحتاج أيضا اللفظ الدال عليه إلى انضمام لفظ دال على أمر آخر معه ، وهو معنى مستقل بالمفهومية ، وهو معنى الاسم ، وبعض آخر من المفهومات يكون ملحوظا باعتبار أنه آلة الملاحظة أمر آخر ، وملتفت بطفيليته ويحتاج إلا للفظ الموضوع بإزائه في الدلالة عليه إلى انضمام اللفظ الدال على ذلك الأمر معه معنى غير مستقل بالمفهومية ، وهو معنى الحرف علمت أن المراد ... إلخ.(عصمت أفندي).

(٣) قوله : (أن المراد ... إلخ) وقد علمت أيضا أن المراد بكينونة في غيره عدم استقلاله بالمفهومية ، واحتياج الدال عليه إلى انضمام كلمة أخرى معه ليدل عليه ، ولم يلفت إليه ؛ لأن البحث في تحقيق مفهوم الاسم ، وإن كان قوله : (وبما سبق من التحقيق إلخ) يستدعي ذكره. (عصمت).

(٤) بناء على تقدير إرجاع الضمير إلى الموصول الذي هو عبارة عن الكلمة. (توقادي).

(٥) المرجع يكون مصدرا ميميا واسم مكان ، فإن الأول يستعمل ب (إلى) كما في هذا الكتاب ، والثاني يستعمل بلا إلى فيقال : مرجع الجور الفناء ، أي : مجلة ومخرة ، ويقال : مرجع الجور إلى الفناء أي : رجوعه إليه. (مصطفى جلبي).

ـ وهو قوله : (لأنها إما أن تدل على معنى في نفسها) بتأنيث الضمير. (علي رضا).

(٦) ولما فرغ من بيان أن يكون الضمير المجرور تارة راجعا إلى ما الموصوفة ، وأخرى إلى المعنى ، وبيان أن لا فرق بينهما في المآل ، وهو الاستقلال بالمفهومية كما سبق ، بل الفرق بينهما ليس إلا في التوجيه ، أورد ههنا بيان الأولى وأليق منها فقال : بالفاء المفيدة للتفصيل. (توقادي).

٤٧

الحصر من كينونة المعنى في نفس الكلمة ، ويحتمل أن يرجع إلى المعنى تنبيها على صحة إرادة كلا المعنيين (١) ، ولكن عبارة (المفصل) ظاهرة في المعنى الأخير ، وهو إرجاع الضمير (٢) إلى المعنى ، لعدم مسبوقيّتها بما يدلّ على اعتبار كينونة المعنى في نفس الكلمة ، ولهذا جزم المصنف هناك برجوعه إلى المعنى.

ومما سبق (٣) من التحقيق ظهر أنه لا يختلّ حدّ الاسم جمعا ، ولا حدّ الحرف منعا بالأسماء اللازمة الإضافة (٤) ، مثل : (ذو ، وفوق ، وتحت ، وقدام ، وخلف) إلى غير

__________________

(١) إن معناه الأول أن الاسم ما دل على معنى في نفس الكلمة ، والثاني أن الاسم ما دل على معنى في نفس المعنى. (لمحرره علي رضا).

(٢) قوله : (وإرجاع الضمير إلى المعنى) بالجر عطف تفسير للمعنى لا خبر وبيان له ، وكونها ظاهرة لقرب المرجع ، وشيوع نوع معناه العرفي ، نقل عن بعض النحاة إذا دال الضمير من القرب والأبعد فهو للأقرب ، لكن في عبارة هذا الكتاب رجح كونه راجعا إلى كلمة وهو إرجاع الضمير في تعريف الاسم الحاصل من دليل الحصر إلى الكلمة ، ويحتمل أن يكون بالرفع جملة مستقلة معللة بقوله : (بعد ... إلخ) أي : لم يصرف عن الظاهر بإرجاع الضمير إلى كلمة ما في عبارة هذا الكتاب لعدم مسبوقيتها. (عصمت).

(٣) قوله : (وبما سبق من التحقيق ظهر أنه لا يحتلّ حد الاسم جمعا الحرف منعا) أي : سبب لزوم تعقل متعلقات هذا الأسماء ، فإن معانيها مستقلة بالمفهومية ؛ لكونها مفهومات كلية ، ولزوم تعقل متعلقاتها لفهم خصوصيات التي جرت العادة باستعمالها في تلك المفهومات الكلية المنضم معها بعض الخصوصيات ، فإن قلت : معاني هذه الأسماء لا يصح الحكم عليها وبها ، كمعاني الحروف ، فكيف تكون مستقلة بالمفهومية؟ قلت : لا نسلم ذلك بل معاني هذه الأسماء إذا أخذت في حد ذاتها تصلح لذلك ، وعروض لزوم الظرفية وانضمام بعض الخصوصيات ، في الاستعمال أخرج عن ذلك ، بخلاف المعاني الحرفية فإنها لا تصلح لذلك في حد ذاتها ، فافترفا ، فإن قلت : معنى الظرفية التي هي معنى حرف داخل في مفهوم متى كما خرج به فاضل المحشي ، فيكون معناه في حد ذاته غير مستقل بالمفهومية مع أنه اسم؟ قلت : الجزء الآخر من معناه وهو الزمان مستقل بالمفهومية ، والمعنى المستقل بالمفهومية أعم من أن يكون مطابقا أو تضمنا ، وأيضا المراد من أن معانيها مفهومات كلية أعم من المعاني المطابقة والتضمينة. (عصمت).

(٤) والفرق بين الأسماء اللازمة الإضافة والحروف أن الواضع شرط في دلالة الحرف على معناه ذكر المتعلق ، ولم يشرط ذكر المتعلق في الأسماء الإضافة اللازمة ، وإنما التزم الإضافة لغرض آخر وهو إزالة الإبهام وإفادة الخصوصيات. (عصام الدين).

٤٨

ذلك ؛ لأن معانيها مفهومات كلية مستقلة بالمفهوميّة ، ملحوظة في حدّ ذاتها ، ولزمها تعقّل متعلقاتها إجمالا من غير حاجة إلى ذكرها ، لكنّ لما جرت العادة باستعمالها في مفهوماتها مضافة إلى متعلقات (١) مخصوصة ؛ لأن الغرض من وضعها ، لزم ذكرها ، لفهم هذه الخصوصيات ، لا لأجل فهم أصل المعنى فهي دالة على معانيها المعتبرة في حدّ نفسها لا في غيرها ، فهي داخلة في حدّ الاسم خارجة عن حدّ الحرف. ولما كان الفعل دالّا على معنى (٢) في نفسه باعتبار معناه (٣) التّضمّني (٤) أعني : الحدث (٥) وكان ذلك المعنى مقترنا مع (٦) أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن لفظ الفعل أخرجه بقوله ،

__________________

(١) والفرق بين الأسماء اللازمة والحروف أن الواضع شرط في دلالة الحرف على معناه ذكر المتعلق ، ولم يشرط ذكر المتعلق في الأسماء الإضافة اللازمة وإنما التزم الإضافة لغرض آخر وهو إزالة الإبهام وإفادة الخصوصيات. (عصام الدين).

(٢) قوله : (ولما كان الفعل دالا على معنى جواب) عن سؤال مقدر ؛ لأنه قيل : لا حاجة إلى قوله : (غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) ؛ لأن هذا القيد لإخراج الفعل ، وهو خرج بقوله : (في نفسه) ؛ لأن الفعل باعتبار معناه المطابقي لا يدل على معنى في نفسه ، وهذا ـ أي : عدم دلالة الفعل باعتبار معناه المطابقي على معنى في نفسه ـ ظاهر ، فأجاب رحمه‌الله بقوله : (ولما كان الفعل دالا إلخ) يعني المراد بالدلالة هنا الدلالة المطلقة الشاملة إلى المطابقة إلى التضمن وإلى الالتزام ، لكن يراد هنا التضمين بناء على عبارة المصنف في تعريف الفعل ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى ، حيث وصف هنالك باقتران أحد الأزمنة الثلاثة ، ولو لم يحمل ههنا إلى التضميني لوقع التناقض بين كلامه. (مصطفى جلبي).

(٣) قوله (الدلالة التضمني في الفعل) الحديث مطلقا والدلالة المطابقة الفاعل والزمان والحديث معا ، والدلالة التزام يكون الفعل مسندا مطلقا (محرره رضا).

(٤) الدلالة التضمني في الاسم الحيوان مطلقا ، والدلالة المطابقي الحيوان الناطق مع التشخص ، والدلالة التزامي أن يكون مسندا ومسندا إليه. (رضا).

(٥) المدلول عليه بالمادة ؛ لأن معناه المطابقي غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وإلا لزم اقتران الزمان بالزمان فيكون الشيء مقترنا بنفسه ، وأراد بالمعنى ما يشمل المعنى التضميني وغيره ، فيدخل في حد الاسم الفعل ، أقول : الدلالة اللفظية الوضعية تنقسم على ثلاثة أقسام : مطابقي تضميني ، إلتزامي. (توقادي).

(٦) يعني أنه أراد بالمعنى ما يشمل المعنى التضميني فدخل فيه الفعل يحتاج إلى خروجه بقوله : (غير مقترن) وأوراد المعنى المطابقي لم يدخل فيه ؛ لأن المعنى المطابقي للفعل باعتبار الشيء له على النسبة غير مستقل ، فلم يحتج إلى أن يخرج بقوله : (غير مقترن). (عبد الغفور).

٤٩

(غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) أي : غير مقترن مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن اللفظ الدالّ عليه فهو (١) صفة بعد صفة (لمعنى) ، فبالصفة الأولى خرج الحرف عن حدّ الاسم ، وبالثانية الفعل (٢).

والمراد (٣) (بعدم الاقتران) أن يكون بحسب الوضع الأول ، فدخل فيه أسماء الأفعال جميعا ؛ لأن جميعها إمّا منقولة ، عن المصادر (٤) الأصليّة سواء كان النقل فيه صريحا نحو : (رويد) فإنه قد يستعمل مصدرا أيضا ، أو غير صريح (٥) نحو : (هيهات)

__________________

(١) أشار إلى أن الباء إذ وقعت للاقتران يكون بمعنى مع ، وإلى أن الاقتران المنفي في حد الاسم ، والمثبت في حد الفعل هو الاقتران عند فهم ذلك المعنى من اللفظ الدال عليه ، فلا يقدح في عدم الاقتران كون الزمان مقارنا للمعنى في الواقع ، ولا كونه مفهوما قبل فهم ذلك وبعده من لفظ آخر ، فلا يخرج عن حد الاسم مثل الضارب في قولنا في الماضي : زيد ضارب ، أو زيد ضارب أمس. (عصمت).

(٢) وفي بعض النسخ وهو بالواو وهو الظاهر ، وأما الفاء فهي للبيان إذ التعريف غير مناسب ، ثم هو مجرور على تقدير الوصفية ، ويجوز نصبه بأن يكون حالا من المعنى ، ورفعه بأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : وهو غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وإنما احتاج الجر بالوصفية ؛ لأن النصب على الحالية يحتاج إلى تقييد الدلالة بحال عدم الاقتران ، والرفع على الجزئية يحتاج إلى ارتكاب الحذف. (عصمت رحمه‌الله).

(٣) قوله : (والمراد ... إلخ) لما كان ههنا مظنة سؤال هو أن حد الاسم غير جامع لخروج أسماء الأفعال عنه بقيد عدم الاقتران ، فإن معانيها مقترنة بأحد الأزمنة ، وغير مانع أيضا لدخول الأفعال المنسلخة عن الزمان إذ معانيها المستعملة فيها بعد الانسلاخ مستقلة غير مقترنة بأحد الأزمنة أراد أن يدفع ذلك فقال : والمراد ... إلخ. (عصمت بخاري).

(٤) قوله : (منقولة عن المصادر) معناه أن الكل في الأصل مصادر موضوعة لمعنى مصدري نقل إلى معنى الفعل ، وهذا المعنى متبادر عن تلك العبارة من غير مسامحة ، كما قيل. (عصمت بخاري).

(٥) أسماء الأفعال ما بمعنى الأمر نحو ها زيد ، أي : آخذه ، ورويدا زيد أي : أمهله ، وهلم زيدا أي : أحضره ، كقوله تعالى (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ)[الأنعام : ١٥٠] ، أحضروهم ، وهات شيئا أي :أعطه ، وشهيل الثريد أي : أتيه ، وحيّ احده بمعنى أقبل ، وبلد زيد أي : دعه ، وعليك زيد أي :الزمه ، ودونك عمر أي : خذه ، وتراك زيد أي : اتركه ، وأمين بمعنى استجب ، دوراك بمعنى تأخر ، وأمامك بمعنى تقدم ، وإليك بمعنى بعد ، وأذهب وغير ذلك ، وإما بمعنى الماضي نحو :هيهات الأمر أي : بعد ، وشتات زيد وعمرو أي : اقترفا ، وسرعان زيد ووشكان عمر أي : ـ

٥٠

فإنه وإن لم يستعمل مصدرا إلا أنه على وزن (قوقاة) مصدر (قوقى) أو عن المصادر التي كانت في الأصل أصواتا نحو : (صه (١) ومه) أو عن الظروف أو عن الجار والمجرور نحو : (أمامك زيدا) ، و (عليك زيدا) فليس لشيء منها الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة ، بحسب الوضع الأول ، وخرج عنه الأفعال المنسلخة عن الزمان نحو : (عسى (٢) وكاد) لاقتران معناها به بحسب أصل الوضع ، وخرج عنه المضارع أيضا ، فإنه على تقدير اشتراكه بين الحال (٣) والاستقبال (٤) يدل على زمانين معينين من الأزمنة الثلاثة فيدل على واحد معين أيضا في ضمنهما ؛ إذ لا يقدح في الدلالة على واحد معين الدلالة على ما سواه (٥) ، نعم يقدح في إرادة المعين إرادة ما سواه ، ...

__________________

ـ قربا ، وغير ذلك. (أظهار مع الشرح). قيل : رويد مصغرا روادا مصدر أرود بمعنى أرفق بعد الترحيم بهذا الهمزة والألف ، واستعمل أرواد رويد بمعنى أرفق رفقا صغيرا قليلا. (عصمت).

(١) بالسكون أو صه بالتنوين فإنه في الأصل صوت ، ثم استعمل في معنى المصدر أعني السكوت ، ثم جعل اسم بمعنى اسكت. (حلبي).

ـ كالحروف ؛ لأن الفعل وإن دل على معنى في نفسه إلا أن ذلك المعنى مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، فتم حد الاسم جمعا ومنعا. (محرم).

(٢) فإن الأفعال المنسلخة في أصل الوضع دالة على المعنى المقترن بالزمان ، إلا أنها انسلخت عنها لتدل على مطلق القرب ، وأفعال المدح والذم فإنها أيضا دالة على معنى مقترن بالزمان الماضي إلا أنها انسلخت عنه لقصد ملازمة الدوام في المدح والذم ، وليكون المدح والذم مطلقا بحيث لا يقترن بالزمان ، وكذا أفعال التعجب. (توقادي).

(٣) بأن لم يثبت استعماله مصدرا إلا أنه يشبهه المصدر بأن يكون على وزنه نحو ههيات ، على وزن قوقات. (بخاري).

اعلم أن العلماء اختلفوا في المضارع فقال بعضهم : حقيقة في الحال ومجاز في الاستقبال ، وقال بعضهم : إنه حقيقة في الاستقبال ومجاز في الحال ، وقال الآخرون : إنه مشترك بينهما ، هذا أرجح من الأولين لأنه في كثير من المواضع في القرآن العظيم مشترك بين الحال والاستقبال ؛ لأن لفظ المشترك في معنيين حقيقة فيهما ، موضوع لكل فهو أصل الوضع لأحد الأزمنة الثلاثة معينا ، وكذا في الاستقبال ، والتباس ذلك المعين لا يخل بكونه لأحديهما معينا. (شيخ رضي).

(٤) أي غير المعنى المعين ، فالمعنى المعين هو الحال والاستقبال معا ، وغيره واحد منهما بين معين. (محرم).

(٥) هذا جواب ناشئ من قوله : (إذ لا يقدح إلى ... إلخ) وهو أنه علم لا يقدح في الدلالة على معنى الدلالة على ما سواه ، وهل يقدح في إرادة الزمان المعين أرادهما سواء ، فأجاب بطريق التسليم. (محرم).

٥١

وأين الدلالة (١) من الإرادة؟ ولما فرغ من بيان حد الاسم أراد أن يذكر بعض خواصه ليفيد زيادة معرفة به ، فقال : (ومن خواصه) (٢) منبها بصيغة جمع الكثرة على كثرتها وب (من) التبعيضيّة ، على أن ما ذكره بعض منها.

وهي : جمع خاصّة ، وخاصّة الشيء ما يختص به ولا يوجد في غيره وهي ، إما شاملة لجميع أفراد ما هي خاصة (٣) له كالكاتب بالقوة للإنسان ، أو غير شاملة (٤) كالكاتب بالفعل له ، فمن خواص الاسم (دخول اللام) أي : لام التعريف (٥) ، ولو قال : دخول حرف التعريف لكان شاملا (٦) للميم في مثل : قوله عليه‌السلام (ليس من امبر أمصيام ، في أمسفر) لكنه لم يتعرض له لعدم شهرته (٧) وفي اختياره اللام وحدها

__________________

(١) قوله : (أين الدلالة من الإرادة) يعني بينهما فرقا ، فإن الدلالة فهم المعنى من اللفظ ، سواء كان مرادا أو لا ، بخلاف الإرادة فإن كون المعنى مرادا مقصودا من اللفظ كلفظ العين المشترك إذا أريد أحد معانيه ، فإنه يدل على جميع معانيه مع أن المراد واحد معين منها. (وجيه الدين).

قوله : (وأين الدلالة من الإرادة) إذ الدلالة وصف الكلمة والإرادة وصف المتكلم ، ولا يتصور أن يريد المتكلم الحال أو الاستقبال مع إرادة الآخر ، بخلاف الكلمة فإن يضرب مثلا يدل على الحال والاستقبال ما لم يخص بالقريبة بأحدهما. (جلبي).

(٢) خبر قدم للاهتمام به أو للقصر ، أو مبتدأ كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)[البقرة : ٨].

(٣) ويقال لها عرض لازم ؛ لأنه يمتنع انفكاكه عن الماهية. (ح).

(٤) ويقال لها عرض مفارق حيث لا يمتنع انفكاكه عن الماهية. (م).

(٥) احترز به عن لام الأمر ولام الابتداء ولام التأكيد ، فإنها تدخل على الفعل ، فكان اللام فيها بدل عن المضاف إليه وللعهد الخارجي وللذهني ، والتفسير بيان للواقع لا بيان لما استعمل اللفظ فيه. (عصمت عبد الغفور).

(٦) أجيب عن هذا بأن الميم داخل في اللام ؛ لأنها بدل عن اللام ، كما صرح في بحث الإبدال. (مصطفى جلبي).

في لغة حمير وهي قبيلة من طيء ، لما قال حميري لرسول الله عليه‌السلام : أمن أمبر أمصيام في أمسفر؟ قال عليه‌السلام في جوابه : «ليس من امبر امصيام في امسفر» أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ١٧٢ (٣٨٧). ولكان شاملا لحرف النداء أيضا ، والأولى أن يتعرض له أيضا ، وقيل : لم يتعرض له الظهور اختصاصه بالاسم عقلا ، وإما ؛ لأنه ليس للتعريف مطلقا مع قصد. (بخاري).

(٧) أي : تعريف الحرفية بخلاف لام الموصولة في نحو الضارب المضروب ؛ لأن اللام الموصول لا تدخل إلا على فعل في صورة الاسم. (الداشكندي).

٥٢

إشارة (١) إلى أن المختار عنده ما ذهب إليه سيبويه (٢) ، من أن أداة التعريف هي (٣) : اللام(٤) وحدها زينت عليها همزة الوصل لتعذر الابتداء (٥) بالساكن. وأما الخليل (٦) : فقد ذهب إلى أنها أل ك : (هل) والمبرد :

إلى أنها الهمزة المفتوحة وحدها ، زيدت اللام للفرق بينهما وبين همزة الاستفهام وإنما اختص دخول حرف التعريف بالاسم ؛ لأنه (٧) موضوع لتعيين معنى مستقل بالمفهومية يدلّ عليه اللفظ مطابقة ، والحرف لا يدلّ على المعنى المستقل بالمفهوميّة والفعل يدلّ عليه تضمّنا لا مطابقة وهذه الخاصة ليست شاملة لجميع أفراد الاسم ، فإن حرف التعريف (٨) لا يدخل على الضمائر ، وأسماء الإشارة وغيرها ، كالموصولات

__________________

(١) فإن قلت : ما فائدة قول المصنف من لفظ دخول ، ولم يقل : ومن خواصه اللام الجر ، قلنا : نفس اللام. (علي رضا).

(٢) ولاختصاصه ببعض اللغات ولجواز أن تقول : إن الميم ليست للتعريف بل هي بدل من لام التعريف. (لارى).

(٣) أي : في ضمن اختار المصنف اللام على الألف واللام ، وعلى الألف وحده ، وعلى حرف التعريف أيضا إلى أن المختار ... إلخ. (بخاري).

(٤) لأن في حرف التعريف ثلاثة مذاهب ، والمختار منها عند المصنف مذهب سيبويه ؛ لأنه مقتدى في هذا الفن ومذهبه يكون أقوى المذاهب. (محرم).

(٥) الحصر المستفاد من هذه العبارة إضافي ، أي : ليست الهمزة ومجموع الهمزة واللام فلا يرد أن حرف النداء أيضا يكون أداة التعريف. (عصمت).

(٦) إنما اختار اللام ؛ لأنه ثابت مع الاسم المعرف درجا وابتداء ، بخلاف الهمزة دال فهو أحق بجعله علامة يعرف بها الاسم. (عصام).

(٧) لأن اللام زيدت ولا ساكنة لم يتحرك ، وإن كان في الأصل في الكلمات الموضوعة على حرف واحد الحركة ؛ لأنه لو حرك بالضم لزم الثقل ، ولو حرك بالفتح لا لتبست باللام الجارة ، فزيدت همزة الوصل ؛ لأنها كثيرا ما تزاد عند لزوم الابتداء بالساكن ؛ ليمكن الابتداء به ، قال العصام ونصر : مذهب سيبويه أن التعريف نقيض التنكير ، ودليله حرف ساكن فيناسب أن يكون دليله حرفا ساكنا. (توقادي).

(٨) أي : ذهب الخليل إلى أن أراد التعريف كلمة أل على وزن هل ، وهمزته في الأصل قطعت جعلت وصلية طلبا للخفة المدعوة لكثرة استعمالها ، لما رأي في جميع الاستعمالات أن الهمزة لا ينفك من اللام في الكتابة درجا وابتداء ، ولو كانت زائدة لجاز حذفها في بعض الاستعمالات كما هو حال حروف الزوائد ، ذهب إلى أنها أصلية غير زائدة كاللام. (عصمت).

٥٣

وكذلك سائر الخواص الخمس المذكورة هاهنا. (و) منها دخول (١) (الجر) (٢) ، وإنما اختص دخول الجر بالاسم ؛ لأنه أثّر حرف الجرّ في المجرور به لفظا وفي المجرور به تقديرا ، كما في الإضافة المعنويّة ، ودخول حرف الجر لفظا أو تقديرا ، يختص بالاسم ؛ لأنه لا فضاء معنى الفعل إلى الاسم ، فينبغي أن يدخل الاسم ليفضي معنى الفعل إليه ، وأما الإضافة اللفظية (٣) فهي فرع للمعنوية فينبغي أن لا تخالف الأصل ، بأن تختص بما يخالف ما يختصّ به الأصل ـ أعني : الفعل ـ أو تزيد عليه بأن تعم الاسم والفعل.

(و) منها دخول (التنوين) بأقسامه (٤) إلا تنوين الترنم ، وسيجيء في آخر الكتاب ـ

__________________

(١) ذكر هذا التعليل الشيخ الرضي وتبعه الشارح ، ونقض عليه بأنه قد يكون لتعيين التضمني كاللام في الجنس ، فإنها لتعيين الذات المعتبرة في مفهوم الحسن ، ولا نصيب للصفة ، والنسبة المعتبرة في مفهوم اللفظ من تعريف اللام ، وقد يكون لتعيين المعنى المجازي الالتزامي ، كما تقول : رأيت الأسد الرامي ، فإن اللام فيه لتعيين نفس اللفظ وغير ذلك. (عصمت).

قوله : (ومنها دخول الجر) إشارة إلى قوله : (والجر) عطف على مدخول الدخول لا على الدخول ؛ لأن الجر هو الحركة أو الحرف ، ولو أريد بالجر معناه المصدري أي : كون الشيء مجرورا لكان عطف على الدخول ، وكذلك التنوين ، وقال اللاري : إذا أريد الجر الدال على الإضافة كما هو الظاهر يكون عطفا على لفظ اللام ، أو على محله ، فعلى الأول يقرأ بالجر ، وعلى الثاني بالرفع ؛ إذ اللام فاعل الدخول. أقول : الأولى ما اختاره الشارح ؛ لأنه لو أريد معنى المصدري لقال : في اللام أيضا ، حتى يكون الخواص على نهج واحد ، ولو أنه يتبادر عند أهل الفن المعنى المختار. (لمحرره رضا قيصري).

(٢) أي : حرف أثره الجر ، أو حرف يجر معنى الفعل إلى الاسم ، ويصد الأول حرف الجزم. (لاري).

(٣) قوله : (أما الإضافة اللفظية) جواب سؤال مقدر وهو أن ، المدعي أن الجر مطلقا من خواص الاسم ، والدليل أفاد أن الجر الذي هو أثر حرف الجر لفظا أو تقديرا من خواص الاسم ، فبقي الجر الذي لم يكن أثر حرف الجر لفظا لا تقديرا كالجر في المضاف إليه بالإضافة اللفظية ، فلم يثبت كونه صاحبة الاسم ، فأجاب بما حاصله : إن هذا التعليل مخصوص بالجر الذي هو أثر حرف الجر كما ترى ، وأما علة اختصاص الجر الذي ليس كذلك كما في الإضافة اللفظية وهو فرع المعنوية. (عصمت أفندي).

(٤) قوله : (بأقسامه) كأنه تعريض للرضي حيث ذكر التنوين بأقسامه في هذا المقام ؛ لكن ما ذكره المصنف في آخر الكتاب كان المناسب تأخيره إلى محله. (مصطفى جلبي).

٥٤

إن شاء الله تعالى ـ تعريفه وبيان أقسامه على وجه يظهر جهة اختصاص ما عدا تنوين الترنم به وجهة عدم اختصاصه تنوين الترنم به. (و) منها (الإسناد إليه) هو بالرفع عطف على (دخول) لا على مدخوله ؛ لأن المتبادر من الدخول الذكر في الأول أو اللحوق (١) بالآخر ، وكلاهما منتفيان في الإسناد وكذا (٢) في الإضافة. والمراد به كون الشيء المسند (٣) إليه ، وإنما اختص هذا المعنى بالاسم ؛ لأن الفعل وضع ؛ لأن يكون أبدا مسندا فقط ، فلو جعل مسندا إليه لزم خلاف وضعه. (و) منها (الإضافة) أي : كون الشيء مضافا (٤) ، بتقدير حرف الجر لا بذكره لفظا. ووجه اختصاصها بالاسم اختصاص (٥) ...

__________________

(١) وهو أن يكون مذكورا في آخر الكلمة كالجر والتنوين. (توقادي).

(٢) خبر مبتدأ محذوف ، أي : وكذا الحال ، يعني أن الإسناد إليه بالرفع عطف على الدخول ، كذا الحال. (محرم أفندي).

(٣) قوله : (والمراد به كون الشيء مسندا إليه) فسر بهذا حتى لا يكون كلام المصنف لغوا يريد أن الألف واللام في الإسناد إليه عبارة عن الشيء ، وهو العام من الاسم فلا يكون مستدركا ، هذا ملخص كلام المحشي ، وقال الأستاذ : مراد الشارح من هذا التفسير أن قوله : (الإسناد إليه) مأخوذ ومشتق باشتقاق الاعتباري من المسند إليه المصطلح ، وأمثال هذا كثير (مصطفى جلبي) في كلامهم. (مصطفى جلبي).

(٤) أي : كانتقاء كليهما في الإسناد إليه انتقاء كليهما في الإضافة ، فهي أيضا بالرفع عطف على الدخول ، أو الكلام المذكور في الإسناد كالكلام في الإضافة ، فيكون التشبيه باعتبار مجموع الدليل والنتيجة. (عصمت أفندي).

ـ اسم الفعل بمعنى انته مبني على السكون ، والفاء جزاء شرط محذوف تقديره : إذا كان وضع الفعل ؛ لأن يكون مسندا أبدا فانته عن أن يكون مسندا إليه. (رضا).

ـ عرض لا يقوم بذاته ، ولا يتقرر في أن واحد ، ويكون متجددا دائما ولهذا وضع ؛ لأن يكون ... إلخ.(ح).

ـ هذا القيد زائد لا دلالة للفظ الإضافة عليه أصلا على ما ذهب إليه أكثرهم ، ومنهم المصنف من أن الإضافة يكون تقدير حرف الجر وتصريحه ، وأما على ما ذهب إليه بعض آخر من أن النسبة التي بين أمرين بصريح حرف الجر ليست بإضافة ، ولا يسمى طرفاها مضافا ومضافا إليه ، فلا حاجة إلى هذا التقدير. (عصمت).

ـ لأن الإسناد لا تكون في الأول ولا في الآخر ، بل تكون في وسط الكلمتين. (لمحرره رضا).

(٥) وإنما اختص تلك اللوازم بالاسم دون الفعل ؛ لأن الفعل نكرة محضة ؛ لأنه الجملة ، ـ

٥٥

لوازمها من التعريف (١) والتخصيص والتخفيف (٢) به. وإنما فسرنا الإضافة بكون الشيء مضافا (٣) ؛ لأن الفعل (٤) والجملة قد يقعان مضافا (٥) إليه ، كما في قوله تعالى : (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] ، وقد يقال (٦) هذا بتأويل المصدر، أي: يوم

__________________

ـ وحق الجملة كونها نكرة من حيث الجملة ، ولا يتصور في الفعل التعريف والتخصيص ، وأما التخفيف فإنه لم يكن في التنوين وما يقوم مقامه ، فلم يحتاج فيه إلى التخفيف. (لمحرره).

(١) قوله : (من التعريف ... إلخ) فيه أن تعريف الحدث وتخصيصه بمعنى تقليل الاشتراك متصور ، ووضعه لمطلق الحدث لا ينافي ذلك ؛ لأن رجلا موضوع لمبهم ، ثم عين بدخول اللام عليه وهذا كالصفات ، فإنه دخل عليه حرف التعريف لتعيين الذات التي هي جزء معناه ، وأما التخفيف في الإضافة فقد يكون بحذف التنوين ، وقد تكون بحذف الضمير كما سيصرح به الشارح والأول وإن كان غير متصور لكن الثاني متصور ، تدبر.

(٢) والظاهر أن قوله : (والتخفيف) إنما وقع سهوا ؛ لأنه فسر الإضافة بكون الشيء مضافا بتقدير حرف الجر، وهذا التفسير لا يصدق إلا على الإضافة المعنوية ، والتخفيف إنما يكون في الإضافة اللفظية كما هو المشهور عند النحاة ، فالأولى أن يقال : لاختصاص لوزمها من التعريف والتخصيص بالاسم ، وأما الإضافة اللفظية فهو فرع المعنوية ، واختصاصها يوجب اختصاص الفرع وهو التخفيف. (إيضاح).

(٣) مع أن قوله : (الآتي والجر علم الإضافة) يدعو إلى تفسيره على طبق نظيره هو الإسناد إليه لكون الشيء مضافا إليه ، ويحوج إلى اعتبار قيد بتقدير حرف الجر. (عصام).

(٤) اختلف في أن المضاف إليه في المثال المذكور الفعل أو الجمله مع أن الاتفاق في أن المضاف إليه هو الجملة الاسمية بتمامها إذا أضيف إليها ، وتفصيله أن الجملة التي وقعت مضافا إليه لاسم الزمان إما أن تكون فعلية كالمثال المذكور ، وإما أن تكون اسمية نحو : أتيتك يوم زيد منطلق ، فاختلف في الأولى أنها مع المضاف إليها بتمامها أو الجزء الأول ، فذهب المصنف إلى الثاني ، وذهب إلى الأولى ، واتفقوا في المثال الثاني على أن المضاف إليه هو الجملة بتمامها. (عصام وحسن أفندي).

(٥) فلا يكون المضاف إليه من خواص الاسم بل يوجد في الاسم والفعل ، أو الجملة فلزم الاحتراز عنه ، ولهذا فسرناها هكذا. (محرم).

(٦) ينبغي أن يكون هذا القول مرضيا ؛ لئلا يخالف السابق من اختصاص الجر فإن لازم الإضافة إليه ، واختصاص اللازم مستلزم لاختصاص الملزوم ، ولئلا يخالف قول المصنف فيما سيأتي المضاف إليه كل اسم ، ولأن معنى الفعل كما ذكرناه يأتي عن الإسناد إليه. (عبد الغفور).

٥٦

نفع الصادقين ، فالإضافة بتقدير حرف الجر مطلقا (١) تختص بالاسم وإنما قيدناها بقولنا : بتقدير حرف الجر ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : مررت بزيد ، فإن (مررت) مضاف إلى (زيد) بواسطة حرف الجر لفظا.

(وهو) أي : الاسم قسمان : (معرب ، ومبني) (٢) لأنه لا يخلو إما أن يكون مركبا مع غيره أو لا ، والأول إما أن يشبه مبني الأصل أولا ، وهذا ـ أعني : المركب الذي لم يشبه مبني الأصل ـ وهو المعرب ، وما عداه ـ أعني : غير المركب والمركب (٣) الذي يشبه مبني الأصل ـ مبني. (فالمعرب) (٤) الذي هو قسم من الاسم. (المركب) أي : الاسم الذي ركب مع غيره (٥) تركيبا يتحقق معه عامله ، فيدخل فيه (زيد ، وقائم ، وهؤلاء) في قولك : (زيد قائم) و (قام هؤلاء) بخلاف ما ليس بمركب أصلا من الأسماء المفردة المعدودة نحو : (ألف ، با ، تا ثا ، زيد ، عمرو ، بكر) وبخلاف ما هو مركب مع

__________________

(١) سواء أريد منها المضاف أو المضاف إليه ، أو النسبة التي بينهما ، ومعنى اختصاص النسبة بالاسم أن يكون طرفاها اسما. (عصمت).

(٢) قوله : (وهو معرب ومبني) أي : الإعراب على ثلاثة أقسام إعراب بالأصالة كإعراب الاسم ، وإعراب بالمشابهة كإعراب الفعل ، وإعراب بالتبعية كإعراب التوابع ، والبناء أيضا ثلاثة الأول بالأصالة كبناء الحرف والفعل الماضي والأمر بغير اللام على أصح القول ، والثاني بالمشابهة كأسماء المبنية ، والثالث بالتبعية كالمنفي والمنادى في قولك : لا رجل ظريف ، ويا زيد بن عمرو. (مولانا سعد الدين).

(٣) ولفظ المركب يطلق على أحد الجزئين أو الأجزاء بالنظر إلى الجزء الآخر أو الأجزاء الأخر ، كما يقال في ضرب زيد مثلا : إن زيد مركب إلى ضرب ، وضرب إلى زيد ، ويطلق على المجموع فيقال : ضرب زيد مركب من ضرب ومن زيد ، ومراد المصنف المعنى الأول ، وليس بمرضي ؛ لأن المركب في اصطلاحهم في المجموع أشهر. (أخي).

(٤) ولما فرغ من التقسيم شرع إلى التعريف بفاء التفسيرية واللام العهد الخارجي ، والمعهود هو الاسم المعرب لا المعرب مطلقا ، وقدم المعرب على المبني ؛ لأن مفهوم المعرب وجودي ، ومفهوم المبني عدمي ، والوجودي مقدم على العدمي ، ولذا قدم المعرب على المبني. (لمحرره رضا).

(٥) قوله : (الذي ركب مع غيره) فيه دفع تناقض وهو أن المعرب قسم من الاسم ، القسم من الكلمة ، وقد أخذ المصنف المفرد في تعريف الكلمة حيث قال : لفظ لمعنى مفرد ، ووصف الاسم المعرب ههنا بالمركب ، وتوجيهه أن المركب المقابل بالفرد وهو المركب من غيره ، لا المركب مع غيره ، يعني من شأنه أن يكون مركبا مع غيره. (مصطفى جلبي).

٥٧

غيره ، لكن لا تركيبا يتحقق معه عامله ، ك : (غلام) ، في (غلام زيد) فإن جميع ذلك من قبيل المبنيات عند المصنف.

(الذي لم يشبه) أي : لم يناسب (١) مناسبة مؤثرة في منع الإعراب (مبني الأصل) أي : المبني الذي هو الأصل في البناء. فالإضافة بيانية ، وهو الماضي والأمر بغير اللام والحرف. وبهذا القيد خرج مثل : (هؤلاء) في مثل : (قام هؤلاء) لكونه مشابها لمبني الأصل كما سيجيء في بابه إن شاء الله تعالى.

اعلم (٢) أنّ صاحب الكشاف جعل الأسماء المعدودة (٣) العارية عن المشابهة المذكورة معربة. وليس (٤) النزاع في المعرب الذي هو اسم مفعول من قولك : (أعربت الكلمة) فإن ذلك لا يحصل إلا بإجراء الإعراب على آخر الكلمة بعد التركيب ، بل النزاع في المعرب اصطلاحا (٥) ، فاعتبر العلّامة مجرد الصلاحيّة (٦) ، لاستحقاق

__________________

(١) فسر المشابهة التي هي أخص بالمناسبة التي هي أعم ؛ ليناسب قوله : (فيما سيأتي المبني ما ناسب مبني الأصل) ، ثم قيد المناسبة بكونها مؤثرة في منع الإعراب ؛ لئلا يخرج به غير المتصرف الذي بينه وبين المبني الأصل، أي : الفعل مناسبة في تحقق الفرعيتين مجازان ، الأول ذكر الخاص وإرادة العام ، والثاني ذكر المطلق وإرادة المقيد. (جلبي).

(٢) ولما أخذ المصنف التركيب في تعريف المعرب وقيده أيضا بعدم المشابهة فهم أن المصنف خالف الجمهور حيث لم يشترطوا التركيب فيه ، ولبيان هذا الخلاف قال منبها واعلم أن صاحب ... إلخ.

ـ قوله : (اعلم أن صاحب الكشاف) الحق أنه لا مشاحة في الاصطلاح ، فكل منها اصطلح على ما هو أليق في نظره ، إلّا أن السيد ذكر في حواشي الكشاف أن جمهور المحققين مع العلامة ، وقال : هذا أولى وبينه. (عيسى الصفوي).

(٣) سواء كانت غير مركبة أصلا مثل زيد وعمر وبكر ، أو مركبة لا بتركيب يتحقق معه عامله كغلام زيد ، وغلام بكر ، وغلام عمرو. (توقادي).

(٤) كأنه قيل : كيف يجعل الأسماء المعدودة معربة ، وليس فيها الإعراب؟ فأجاب بقوله : (وليس النزاع). (أيضاح).

(٥) يعني هل يقال لزيد مثلا قبل التركيب بعامله معرب أم لا ، فعند صاحب الكشاف يقال له ذلك اصطلاحا، وعند المصنف لا يقال. (توقادي).

(٦) وذلك يتحقق بمجرد عدم المناسبة لمبني الأصل ، فالمعرب عند العلامة ما لم يشبه المبني الأصل ، سواء كان مركبا مع غيره أو لم يركب ، وسواء تحقق بعد التركيب عامله معه أو لم يتحقق. (عصمت).

٥٨

الإعراب بعد التركيب ، وهو الظاهر من كلام الإمام عبد القاهر واعتبر المصنف مع وجود الصلاحيّة (١) حصول الاستحقاق بالفعل ، ولهذا أخذ التركيب (٢) في تعريفه ، وأما وجود الإعراب بالفعل (٣) في كون الاسم معربا ، فلم يعتبره أحد. ولذلك يقال : لم تعرب الكلمة(٤) وهي معربة.

وإنما عدل المصنف (٥) عما هو مشهور عند الجمهور من أن المعرب : ما اختلف آخره باختلاف العوامل ؛ لأن الغرض من تدوين (٦) علم النحو أن يعرف به أحوال أواخر الكلم (٧) في التركيب من لم يتتبع لغة العرب (٨) ، ولم يعرف أحكامها بالسماع منهم ، فإن العارف بأحكامها ، كذلك مستغن عن النحو ولا فائدة له معتدا بها في معرفة اصطلاحاتهم.

__________________

(١) لا حاجة هنا إلى ذكر الصلاحية ؛ إذ الاستحقاق بالفعل لا يتحقق بدون صلاحية الاستحقاق. (بخاري).

ـ فهنا أمور ثلاثة صلاحية استحقاق الإعراب ، وحصول استحقاق الإعراب ، ووجود الإعراب ، والأولان اعتبروا ، والأخيران لم يعتبره أحد في كون الاسم معربا ، فإن زيد في جاءني زيد معرب حال الوقف أيضا. (عيسى ألصفوي).

(٢) إذ به يحصل الاستحقاق بالفعل ، وأما وجود الإعراب بالفعل فلم يعتبره أحد ، والحاصل أن العلامة اعتبر الإعراب بالقوة البعيدة من الفعل والمصنف اعتبر بالقوة القريبة من الفعل. (عصمت).

(٣) مثل جاءني زيد بالرفع ، ورأيت زيدا بالنصب ، ومررت بزيد بالجر. (محرم).

(٤) قوله : (لم تعرب الكلمة ... إلخ) فيه أنه لم يوجد عند المصنف معرب هكذا ؛ لأنه لا يخلو معرب عن إعراب محقق أو مقدر ، إلا أن يقال : المراد سلب الإعراب بحسب الظاهر فيما إذا كان إعرابه لفظيا ولم يظهره المتكلم ، كما يقال : جاءني زيد ، ورأيت زيدا ، ومرت بزيد بالسكون من غير وقف ، فيقال حينئذ لم تعرب الكلمة وهي معربة. (عصمت).

(٥) أي : أعرض ؛ لأن العدول إذا تعدى ، يعني : يكون بمعنى الإعراض. (محرم).

ـ ولما ورد ههنا سؤال وهو أن المصنف في تعريف المعرب خالف الجمهور ، حيث لم يعرفه بما عرفوه به ، والمخالفة للجمهور من عين الخطأ ، فأجاب الشارح بقوله : (وإنما عدل ... إلخ). (توقادي).

(٦) أي : من جمع مسائله ، وتعيين موضوعه ، وبيان اصطلاحاته ، وكتبه في الكتب. (عصمت).

(٧) من حيث الإعراب والبناء ، والانصراف وعدمه ، والتام والناقص ، وغير ذلك. (م).

(٨) بأن كان عربيا ، وتعلم اصطلاحاتهم من آبائه وأجداده وفروعهم أو من قبيلتهم. (محرم).

٥٩

فالمقصود (١) من معرفة المعرب مثلا ، أن يعرف أنه مما يختلف (٢) آخره في كلامهم ليجعل آخره مختلفا فيطابق كلامهم. فمعرفته متقدمة على معرفة أنه مما يختلف آخره ، فلو كان معرفته المتقدمة حاصلة بمعرفة هذا الاختلاف وتعريفه به ، وجب أن يعرف أولا بأنه مما يختلف آخره في كلام العرب ، ليعرف أنه مما يختلف آخره فيلزم تقدم الشيء على نفسه. فينبغي أن يعرّف أولا بغير ما عرّفه به الجمهور ويجعل ما عرّفوه به من جملة أحكامه كما فعله المصنف. و (حكمه) (٣) أي : من جملة (٤)(٥) المعرب ، وآثاره المترتبة عليه (٦) من حيث هو معرب ، (أن يختلف آخره) أي : الحرف الذي هو آخر المعرب ذاتا (٧) ، ...

__________________

(١) قوله : (فالمقصود) إشارة إلى أن ليس في نفس التعريف فساد ، بل هو في المقصود من التعريف ، وبيانه أن المقصود من تعريف المعرب أن يعلم المعرب بوجه صالح ؛ لأن يكون وسطا للحكم بأن هذا أو ذاك مما يختلف آخره باختلاف العوامل ، بأن يقال : هذا معرب وكل معرب مما يختلف آخره باختلاف العوامل فهذا مما يختلف آخره باختلاف العوامل ، ولا شبهة في حصول الوجه الصالح من تعريف المصنف لصحة أن يقول : زيد في قام ، معرب أي : مركب ، لم يشبه مبني الأصل ، وكل معرب مما يختلف آخره باختلاف العوامل فزيد مما يختلف آخره باختلاف العوامل ، بخلاف تعريف الجمهور. (عبد الغفور).

(٢) أي : على معرفة وصفه وهو اختلاف آخره باختلاف العوامل ؛ لأن المعرب ذات ، والاختلاف صفة ، والذات متقدمة على الصفة طبعا ، فناسب أن يقدم ذات المعرب وضعا بأن يعرف أولا بحيث يعرف به ذاته ليناسب الوضع الطبع. (محرم).

(٣) في اختيار هذا الحكم إشارة إلى وجه العدول عن تعريف المشهور للمعرب. (عصمت).

(٤) يشير إلى أن الاختلاف المذكور حكم من أحكامه ، وخاصة من خواصه ، وليس مجموع أحكامه.(توقادي).

(٥) إشارة إلى أن إضافة الحكم إلى الضمير للجنس لا للاستغراق ، فيؤول المعنى إلى أنه بعض حكمه.(عصام).

(٦) قوله : (وآثاره المترتبة عليه) يشير إلى المراد بالحكم هنا الحكم المتعارف عند الأصوليين ، كما يقال : المترتب الفرض أن يثاب بفعله ويعاقب بتركه ، أي : الحكم المترتب عليه في الآخرة الثواب بفعله والعقاب بتركه ، لا الحكم الذي بمعنى المحكوم. (جلبي).

(٧) تمييز عن نسبة يختلف إلى الآخر ، فتقديره أن يختلف لفظ آخره ، ثم أزيد الفعل عنه ونسب إلى آخره ونصب لفظا على التمييز ، أو وصف للمصدر المحذوف ، أو على المصدرية بحذف المضاف تقديره يختلف آخره اختلافا ملفوظا. (علي رضا).

٦٠