شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

مطيحة على غير القياس ك : (لواقح) جمع (ملقحة) و (مما) يتعلق بمختبط و (ما) مصدرية ، يعني : ويبكيه أيضا من يسال بغير وسيلة من أجل إهلاك المهلكات ماله ، وما يتوسل به إلى تحصيل المال ؛ لأنه كان معطي السائلين بغير وسيلة. (و) قد يحذف (١) الفعل(٢) الرافع للفاعل لقرينة دالة على تعيينه (وجوبا) أي : حذفا واجبا (في مثل) قوله تعالى : (إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] أي : في كل (٣) موضع حذف الفعل ، ثم فسر لرفع (٤) الإبهام الناشئ من الحذف ، فإنه لو ذكر المفسّر لم يبق المفسّر مفسّرا ، بل صار حشوا بخلاف المفسّر الذي فيه إبهام بدون حذفه فإنه يجوز الجمع بينه وبين مفسّره كقولك : (جاءني رجل (٥) ، أي : زيد) فتقدير الآية وإن

__________________

ـ له أول على الكريم ، بخلافه مع الوسيلة فقد يكون للوسيلة ، وإما للإشارة إلى أن الحاجة في السؤال عند عدم الوسيلة أتم ؛ إذ قد تغني الوسيلة عن السؤال. (عيسى).

(١) وقد للتقليل بالنسبة إلى الجواز ؛ لأن حذف الفعل جوازا كثير ، ووجوبا قليل بالنسبة إلى الجواز. (جلبي).

(٢) وإنما حذف الفعل لكونه مفسرا ولا يجوز الجمع بين المفسر والمفسر ، ولا أن يكون مبتدأ ؛ لأن حرف الشرط واجب الدخول على الفعل ، ولا يدخل على الاسم ، خلافا للأخفش فإنه يجوز دخوله على الاسم بشرط أن يكون الخبر فعلا ، وكذا كل مرفوع وقع بعد أن وإذا ، فإنه مرفوع بفعل محذوف بفعل وجوبا ، ومثل ذلك قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)[الإنشقاق : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ)[الانفطار : ١] تقديره أي : إذا انفطرت السماء انفطرت ، وصور البواقي. (سعد الله والفية).

(٣) أي : يجب الحذف في كل ما فسر فيه الحذف ؛ لئلا يلزم الجمع بين المفسر والمفسر ، فإن قيل : قد يلزم كما في المفسر ، بأي وأن وعطف البيان ، قيل : ذلك تفسير المعنى وهذا تفسير المحذوف فصح الجمع بين المفسر والمفسر ثمة ، ولم يصح هذا ؛ لأنه بالجمع لا يبقى المفسر محذوفا ، فلا يكون هذا تفسير المحذوف. (هندي).

(٤) قوله : (ثم فسر ... إلخ) إنما قال ذلك رفعا لما يرد على من فسر بقوله : (أي : في كل ما فسر فيه المحذوف) ، فيجب الحذف ؛ لئلا يكون الجمع بين المفسر والمفسر ، وهو أنه يلزم ذلك في المفسر بأي وأن وعطف البيان ، مع أنه صحح. (وجيه الدين).

ـ فائدة ذلك أن التفسير بعد الإبهام أوقع في النفوس ، وذلك المفسر إما فعل صريح ، أو حرف يؤدي معناه كان وإذا. (لارى).

(٥) لأن رجلا لما جاز إطلاقه على كل فرد من ذكور بني آدم ، بلغ مبلغ الشهرة ، لم يعلم متى أطلق ، أي : فردا زيد منه ، فاحتيج إلى بيان ما هو المراد منه فقيل : أي : زيد. (توقادي).

١٦١

استجارك (١) أحد من المشركين استجارك. ف : (أحد) (٢) فيها فاعل فعل محذوف وجوبا، وهو (استجارك) الأول المفسّر باستجارك الثاني. وإنما وجب حذفه ؛ لأن مفسّره قائم مقامه مغن عنه ، ولا يجوز (٣) أن يكون (أحد) مرفوعا بالابتداء ، لامتناع دخول حرف الشرط على الاسم ، بل لا بد له من الفعل. (وقد يحذفان) أي : الفعل والفاعل (معا)(٤)دون الفاعل (٥) وحده (في مثل : نعم) جوابا (لمن قال : أقام زيد؟) أي : نعم(٦) قام زيد ، فحذفت الجملة الفعلية ، وذكر (نعم) في مقامها.

وهذا الحذف جائز بقرينة السؤال ، لا واجب ، لعدم قيام ما يؤدي مؤداه في مقامه كالمفسر ، فيلزم في الكلام استدراك.

وإنما قدرا لجملة الفعلية الاسمية بأن يقال : نعم زيد قام ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال في كونه جملة فعلية.

__________________

(١) استأمنك وطلب جوارك ، فأجره فأمنه ، حتى يسمع كلام الله ويتدبره ، ويطلع على حقيقة الأمر ، ثم أبلغه مأمنه موضع أمنه إن لم يسلم. (قاضي).

(٢) فأحد فيها فاعل وفعل محذوف وجوبا ... إلخ ، فعلم من أن هناك فعلا محذوفا ومن الفعل المذكور أنه بمعناه ، حذف وفسر ليتحقق الإبهام ، ثم التفسير فإنه أمكن في الذهن. (عيسى).

(٣) هذا جواب سؤال مقدر تقديره أن الحذف خلاف الأصل ، والارتكاب بالحذف تعذر ولا عذر فيه ، والأولى أن يكون أحد مبتدأ ، واستجارك خبر ، فلم يجز أحد مرفوعا بالابتداء ، فأجاب بقوله : (ولا يجوز). (طاشكندي).

(٤) نصب على الظرفية والتنوين عوضا عن المضاف إليه ، وهو متعلق بما وقع حالا عن الضمير في يحذفان ، أي: كائنا كل واحد مع صاحبه ، أي : عنده ، أو بالمصدر أي : حذف كل واحد مع. (عصمت).

(٥) قوله : (دون الفاعل وحده) فإن قلت : كما يجوز أن يقال نعم يحذف الفعل والفاعل ، وأن يقال : نعم قام زيد بذكرهما ، يجوز أن يقال : نعم قام بذكر الفعل وحذف الفاعل ، فيجوز حذف الفاعل ، قلت : إذا قيل في جواب قام زيد : نعم قام كان الفاعل ضميرا مستترا في قام راجعا إلى زيد المذكور في السؤال لا محذوفا فلم يلزم حذف الفاعل وحده. (عصمت).

(٦) فقوله : (نعم) أي : نعم زيد قام ، فإن نعم دالة التصديق ما سبق عليه ، وحذف الجملة ههنا جائز لا واجب ، ونعم قرينة له لا سادة مسد الجملة فلو كانت سادة الجملة كان الحذف واجبا ، فإن السؤال قرينة دالة على جنس المحذوف ، ونعم قرينة دالة على كيفية نسبة من الإيجاب والسلب ، إنما حكم بعد نعم بحذف الفعل والفاعل معا ؛ لأن نعم حرف التصديق لا يفيد معناه الإفرادي بالضمان إلى غيره ، وهو ههنا أفاد معنى الكلام المستقل ، فلا بد من تقدير الكلام المدلول عليه بقرينة الكلام الذي صدق لفظ نعم. (ح ص ع م).

١٦٢

(وإذا (١) تنازع (٢) الفعلان) بل العاملان (٣) ؛ إذ التنازع يجري في غير الفعل أيضا ، نحو : زيد معط ومكرم عمرا ، وبكر كريم وشريف أبوه ، واقتصر على الفعل لأصالته في العمل (٤) وإنما قال : (الفعلان مع أن التنازع قد يقع في أكثر من فعلين اقتصارا على أقل مراتب التنازع ، وهو الاثنان (ظاهرا) أي (٥) : اسما ظاهرا واقعا (٦) (بعدهما) أي : بعد الفعلين ؛ إذ المتقدم عليهما والمتوسط (٧) بينهما معمول للفعل الأول ، إذ هو يستحقه (٨) قبل الثاني ، فلا يكون فيه مجال تنازع ومعنى تنازعهما (٩) فيه : أنهما بحسب المعنى

__________________

(١) قوله : (إذا) ظرف مستقبل خافض شرطه منصوب بجوابه عند الأكثرين ، وعند المحقق إن عامل إذا شرطه كمتى فلا يكون حينها مضافا ؛ إلى شرطه لئلا يلزم إعمال المضاف ، إليه في المضاف وجواب إذا محذوف تقديره: وإذا تنازع يجوز إعمال كل واحد منهما ، لكن الاختلاف في المختار وقوله : وقد يكون لا يحتمل أن يكون جزاء له ولا قوله فيختار. (لمحرره).

(٢) أي : إذا قصد توجه الفعلين إلى اسم واحد ، وهذا في القلب ، وأما بعد التركيب فلا تنازع ؛ إذ كل يسند في معموله من مضمرا محذوف أو مذكور ، وهذا شروع في حكم في آخر للفاعل وهو إضماره عند التنازع في ذكر أحد التنازع استطراد (هندي).

(٣) عطف على مقدر تقديره ليس المراد الفعلين فقط بل العاملان من قبيل عطف العام على الخاص إيذايا لعموم التنازع (قدامي).

ـ سواء كان اسما أو فعلا أو حرفا ، مثال تنازع الحرفين قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)[البقرة : ١٦٤] ؛ لأن أن يطلب النصب ، وفي يطلب الجر. (لمحرره).

(٤) وذلك لأن الفعل إنما يعمل ؛ لافتقاره إلى غيره ، والفعل أشد افتقارا ؛ لأن حدثه يقتضي صاحبا ومحلا وزمانا ، وعلة فيكون افتقاره من جهة الأحداث ، أو من جهة التحقق ، وليس في الاسم إلا الثاني هذا. (حلبي).

(٥) وإنما قيد فيه المعمول به ؛ لامتناع التنازع في المضمر ؛ لاستواء الفعلين في الإضمار لدفع الالتباس. (عوض أفندي).

(٦) ظرف تنازع ، أو ظرف مستقر منصوب المحل ، صفة ظاهرا ، أو مفعول مطلق لتنازع بحذف الموصوف ، أي: واقعا بعدهما. (معرب).

(٧) ولا يجوز التنازع في المتوسط عند الجمهور ، وأجاب أبو علي الفارسي.

(٨) وهو طالب والاسم مطلوب ، والمرام مفقود ، أو هو مؤثر ، والاسم قابل ، والمانع مرتفع. (عب).

(٩) قوله : (ومعنى تنازعهما فيه) وفيه إشارة إلى أن قول المصنف : ظاهرا مفعول فيه لا مفعول به مبني على حمل التنازع على معناه العرفي ، يعني : التنازع في الخصوم ، وجملة فاضل الهندي على معناه الأصلي ، يعني : التجارب حيث قال : من قبيل تجاربنا الثوب ، وجعل ـ

١٦٣

يتوجهان إليه ، ويصح أن يكون هو مع وقوعه في ذلك الموضع معمولا لكل واحد منهما على البدل فحينئذ (١) لا يتصور تنازعهما في الضمير المتصل ؛ لأن المتصل الواقع بعدهما يكون متصلا بالفعل الثاني ، وهو مع كونه متصلا بالفعل الثاني لا يجوز أن يكون معمولا للأول كما لا يخفى (٢).

وأما الضمير المنفصل الواقع بعدهما ، نحو : ما ضرب وأكرم إلا أنا ، ففيه تنازع لكن لا يمكن قطعه بما هو طريق القطع عندهم ، وهو اضمار الفاعل في الأول عند البصريين(٣)،وفي الثاني عند الكوفيين ؛ لأنه لا يمكن إضماره مع (إلّا) لأنه حرف لا يصح اضماره ولا بدونه لفساده المعنى ؛ لأنه يفيد ، نفي الفعل عن الفاعل ، والمقصود إثباته له.

ومراد المصنف (٤) ...

__________________

ـ قوله : (ظاهرا) مفعولا به لا مفعولا فيه ، وعلى كلا التقديرين يكون التنازع في هذا المقام مجازا ، ولذا قال : إنهما بحسب المعنى يتوجهان إليه. (جلبي).

(١) أي : حين كون معنى التنازع بحسب المعنى يتوجهان إليه ، ويصح. (رضا).

(٢) لأن المتصل يجب اتصاله بعامله ، وإنما هو كجزئه لا يتصل بعامل آخر سواء كان ضميرا غائبا أو مخاطبا أو متكلما وسواء كان الضمير مرفوعا أو غيره ؛ إذ لا تنازع في الضمير المتصل ، لعدم قطع التنازع بالحذف ، ولا بالإضمار. (سيدي).

ـ قوله : (فلا يكون فيه مجال تنازع) مقتضاه أنه لا يصح التنازع ، ولا يجوز أن يكون العمل إلا للأول ، وليس كذلك بل صرح الشيخ بوجود التنازع إذا كان المقدم أو المتوسط مفعولا ، وأتفق هو والسيد بأنه يجوز إعمال الثاني ، وحقق أن المراد إعمال الأول مختار الفريقين حينئذ ، وليس في النزاع المذكور ، فلعل ذلك مراد الشارح ، ومنه يظهر أن في الدليل بحثا وجوابا ، ولك وأن تقول : إنه ليس من التنازع اصطلاحا بل من تجويز وجهين في كل ، فتأمل. (عيسى الصفوي).

(٣) لأنهم اختاروا إعمال الفعل الثاني ؛ لقربه ولعدم الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ، ولورود الاستعمال. (م ت).

(٤) قوله : (ومراد المصنف) الأولى أن يقول : (المراد ما فيه الأحكام المذكورة) ليتم القاعدة الكلية ، إذ لا يظهر داع إلى تخصيص الإرادة بالطريقة المذكورة ، إذ الغاية مناسبة إرادة حال الفاعل ؛ لأنه في بابه ، وأما إرادة الإضمار فقط ففيه ما فيه ، على أنه يتجه أن في الظاهر أيضا ما لا يمكن إضمار الفاعل بأن يكون بعد إلا ، فكما أنه خصص ذلك فليعمم الكلام أولا ، ويخصص الضمير الفاعل بعد إلا أيضا ، ويمكن دفعه أن الاهتمام على عموم القاعدة وكان الضمير غالبا خارجا ، فأخرجه حفظا على العموم والضبط بحسب الإمكان ، وأطلق الظاهر وأراد التخصيص بالضرورة فتأمل. (عيسى).

١٦٤

بالتنازع هاهنا : ما يكون طريق قطعة إضمار الفاعل ، فلهذا (١) خصه بالاسم الظاهر ، وأما التنازع الواقع في الضمير (٢) المنفصل فعلى مذهب الكسائي (٣) : يقطع بالحذف ، وعلى مذهب الفراء (٤) : يعملان معا ، وأما على مذهب غيرهما فلا يمكن (٥) قطعه ؛ لأن طريق القطع عندهم الإضمار وهو ممتنع ، لما عرفت ، (فقد يكون) (٦) أي : تنازع الفعلين (في الفاعلية) (٧) بأن يقتضى كل منهما أن يكون الاسم الظاهر فاعلا له ، فيكونان متفقين في اقتضاء الفاعلية (٨) (مثل : ضربني وأكرمني زيد).

__________________

(١) أي : لكون مراد المصنف هاهنا ما يكون طريق قطعة ؛ لإضمار الفاعل. (ت).

(٢) إذا كان المنفصل منصوبا نحو : ضرب وأكرم إلا أباك ، جاز أن يجري التنازع فيه بالحذف. (توقادي).

(٣) وكان الكسائي معلما لهارون الرشيد ولابنه محمد أمين بعده ، ومولده في الكوفة ، وهو أحد القراء السبعة ، اسمه علي ، وكنيته أبو الحسن ، ومات في يوم واحد مع إمام محمد رحمه‌الله في الري ، حين سافرها دون الرشيد إلى خراسان ، وقال الرشيد : دفنا اليوم الفقه والعربية. (ابن خلكان وجوهرة).

(٤) اسمه يحيى ، وكنيته أبو زكريا ، وكان إماما بين علماء الكوفة في النحو ، ثم جاء إلى بغداد ؛ لوصول المأمون خليفته لوصل واعي ، وجعل معلما لولديه ، ومات في طريق مكة لسنة سبعة ومائتين بعد الهجرة ، وكان متورعا ولم يكن مثل في التورع والزهد. (ابن خلكان وغيره).

(٥) قوله : (فلا يمكن) القطع انقطع ممكن بالتكرار ؛ لأن العرب لم تفعل ، فالمراد أن طريق القطع فيما تحقق في كلام العرب الإضمار بادئ الرأي ، وغيرهما يقطع التنازع بطريق الكسائي بالحذف كما ذكره الشيخ ، فالمراد أنه لا يمكن على ما هو مذهبه المعتاد ، لا المذهب عدم إمكان القطع ، ثم إن الكسائي إنما تجاوز عن مذهبه المعتاد من إضمار الفاعل في الثاني عند إعمال الأول ؛ لأنه حينئذ يحذف الفاعل سواء أعمل الأول أو الثاني عنده ، لما كان من طريقته المعتادة حذف الفاعل في الجملة ، صح أنه لم يتجاوز عن المعتاد في الجملة ، فتدبر. (عيسى).

(٦) قوله : (فقد يكون .. الخ) فلا يخلو إما أن يكون التنازع في الفاعلية ، فعلى هذا جواب الشرط فقد يكون، أو يكون جواب الشرط قوله : (فإن أعملت) ، ويكون المعنى : إذا تنازع الفعلان بأحد الأنحاء الثلاثة يجوز لك إعمال الثاني والأول ، فإن أعملت ... إلخ ، وبعض النسخ فيختار البصريون بالفاء حينئذ يحتمل أن يكون ذلك الكلام (ماشكندي).

(٧) ولم يقل في الفاعل مع أنه أحصر ؛ ليكون أعم من الفاعل الحقيقي والحكمي ، مثل مفعول ما لم يسم فاعل. (م).

(٨) وإن اقتضى أحدهما فاعلا حقيقا ، والأخر (عصمت) مفعول ما لم يسم فاعله الذي هو فاعل حكمي. (عصمت).

١٦٥

وقد يكون تنازعهما (في المفعولية) بأن يقتضي كل منهما أن يكون الاسم الظاهر مفعولا له فيكونان متفقين في اقتضاء المفعولية (مثل : ضربت وأكرمت (١) زيدا) (٢) ، (و) قد يكون تنازعهما (في الفاعلية والمفعولية) وذلك (٣) يكون على وجهين (٤) :

أحدهما : أن يقتضي كل منهما فاعلية اسم ظاهر ومفعولية اسم ظاهر آخر ، فيكونان متفقين في ذلك الاقتضاء مثل : ضرب (٥) وأهان زيد عمرا ، وليس (٦) هذا قسما ثالثا من التنازع (٧) ، بل هو اجتماع القسمين الأولين.

وثانيهما : أن يقتضي أحد الفعلين فاعلية اسم ظاهر ، والآخر مفعولية ذلك الاسم الظاهر بعينه ، ولا شك في اختلاف اقتضاء الفعلين في هذه الصورة ، وهذا هو القسم الثالث المقابل للأولين (٨).

__________________

(١) وقد يقال : الإعراب صريح أو غير صريح ، فالصريح أن يختلف آخر الكلمة باختلاف العوامل كما كان في زيدا في مثال المتن ، وغير صريح وهو أن يكون الكلمة موضوعة على وجه مخصوص من الإعراب ، وذلك لا غير.(لباب).

(٢) أو غير صريح كقوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)[النساء : ١٧٦] ، فإن يستفتونك ويفتيكم تنازعا في الكلالة وهو مفعول غير صريح ؛ لأنه لو كان صريحا ؛ لكان منصوبا. (كاملة وسيدي).

(٣) أي : تنازع الفعلين في الفاعلية والمفعولية. (عجدواني).

(٤) قوله : (على وجهين) وله وجه آخر أيضا غير ما ذكر من الوجهين ، وهو أن يقتضى أحد الفعلين الفاعل والمفعول ، والآخر المفعول فقط نحو : ضربت وحسبت زيدا منطلقا إن كان النزاع في : زيدا منطلقا ، بأن يكون فاعلا ومفعولا للأول ، أو يكون مفعولا للثاني. (عصمت).

(٥) لأن ضرب وأهان تنازعا بالفاعلية في زيد ، والمفعولية في عمرو فإنهما لا يكونان مختلفين في الاقتضاء بل متفقان في اقتضاء الفاعلية والمفعولية. (س).

(٦) قوله : (وليس هذا) لما يتوهم أن هذا قسم آخر من التنازع لم يذكره المصنف ، وذلك أن النزاع على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يتفقان في اقتضاء الفاعلية ، والثاني : في اقتضاء المفعولية ، والثالث : أن يختلفا فيهما بأن يقتضى أحدهما فاعلية والثاني المفعولية ، وهذا قسم اجتماع القسمين لا آخر ، إذا لم يشترط في اقتضاء الفاعلية قيد فقط (وجيه الدين).

(٧) بل اجتماع القسمين الأولين فإن وحدة المقسم معتبرة في جميع التقسيمات ؛ لئلا يحل في الحصر اجتماع القسمين. (عصمت).

(٨) لأن في القسم الأول الاقتضاء في الفاعلية فقط ، وفي القسم الثاني في المفعولية لا غير ، فيكونان متفقين فيه ، أي : في الاقتضاء ، وفي هذا اختلف الاقتضاء كما عرفت ، فيكونان مقابلان لهما. (توقادي).

١٦٦

فقوله : (مختلفين) (١) لتخصيص (٢) هذه الصورة بالإرادة (٣) ، يعني : قد يكون تنازع الفعلين واقعا في الفاعلية والمفعولية حال كون الفعلين مختلفين في الاقتضاء وذلك لا يتصور على وجوه كثيرة (٤) ، مثل : ضربني وضربت زيدا ، وأكرمني وأكرمت زيدا ، وأكرمني وضربت زيدا ، وغير ذلك (٥) مما يكون الاسم الظاهر مرفوعا.

(فيختار) (٦) ...

__________________

(١) والمراد بالمختلفين المختلفان لفظا أو عملا شرطا وجزاء ، فلا ينقص بمثل ضربت وضربني ، قوله : (مختلفين) حال والعامل فيه معنى فعل يستفاد من الضمير المستتر في قوله : (فقد يكون) لرجوعه إلى تنازع الفعلين ، المدلول عليه بقوله : (إذا تنازع الفعلان) لأن العامل نفس الضمير. (غجدواني).

يعني : يقتضي الأول الفاعل والثاني المفعول وبالعكس ، فعلى هذا يكون معنى مختلفين متعاكسان ؛ ليكون الأقسام أربعة. (غجدواني).

ـ خبر كان المحذوف ، أي : كانا مختلفين عملا أحدهما رافع والآخر ناصب نحو : ضربني وأكرمت زيدا. (هندي).

(٢) قوله : (لتخصيص هذه الصورة بالإرادة) ، يعني : أن قوله : (مختلفين) ليس قيد احتراز بدليل ، هو بيان لما هو المراد من القسم الثالث. (الداشكندي).

(٣) أي : إرادة المصنف من قوله : (وقد يكون بالتنازع في الفاعلية والمفعولية) الوجه الثاني لا الأول.(لمحرره).

(٤) بأن تأخذ الفعلين من أول المثالين نحو : ضربني وأكرمت زيدا ، أو تأخذ من ثانيهما مثل أكرمني وأكرمت زيدا ، أو تأخذ الأول من أوليهما في الثاني من ثانيهما ، مثل ضربني وأكرمت زيدا وبالعكس ، مثل أكرمني وضربت زيدا ، هذا إذا كان الاسم الظاهر منصوبا وأما إذا كان الاسم مرفوعا فكذلك ، وذلك بالعكس في الأخذ مثل ضربت وضربني زيد وأكرمت أكرمني زيد وضربت وأكرمني زيد وأكرمت وضربني زيد. (وجيه).

ـ قوله : (على وجوه كثيرة مثل ... الخ) وهذه الصور الاسم الظاهر فيما في ذاته صالح ؛ لأن يكون معمولا لهما على البدل ، مع قطع النظر عن الإعراب وفي الذهن قبل إجراء الإعراب ، فصدق التعريف. (عيسى الصفوي).

(٥) وأشار إلى أربعة أخرى بقوله : (وغير ذلك) يكون الاسم الظاهر فيه مرفوعا ، وفي هذا الفعل الأول اقتضى الفاعل والثاني المفعول ، وثمانية أخرى بأن يكون الفعل مقتضيا للمفعول والثاني الفاعل. (عصمت).

(٦) والجملة عطف على الجزاء المحذوف ، أي : وإذا تنازع الفعلان ظاهرا بعدهما يجوز إعمال كل منهما ، ويختار البصريون إن كان تحيا ، وإن كان بالفاء ، فكان جزاء إذا تنازع. (هندي). ـ

١٦٧

النحاة (البصريون (١) إعمال) الفعل (الثاني) أي إعمال الفعل الثاني لقربه مع تجويز إعمال الأول (و) يختار النحاة (الكوفيون (٢) إعمال الأول) أي : إعمال الفعل الأول مع تجويز إعمال الثاني لسبقه ،

وللاحتراز عن الإضمار قبل (٣) الذكر (فأن أعملت) (٤) الفعل (الثاني) كما هو مذهب البصريين.

وبدأ به ؛ لأنه المذهب المختار الاكثر استعمالا (أضمرت (٥) الفاعل) في الفعل (الأول) إذا اقتضى الفاعل ، لجواز الإضمار قبل الذكر في العمدة بشرط التفسير ، وللزوم التكرار بالذكر ، وامتناع الحذف. (على وفق) الاسم (الظاهر) الواقع بعد الفعلين ، أي : على موافقته افرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا ؛ لأنه مرجع الضمير ، والضمير يجب أن يكون موافقا للمرجع في هذه الأمور (دون الحذف) (٦) لأنه لا يجوز

__________________

ـ لم يقل : فالمختار إعمال الثاني ، خلاف للكوفيين مع أنه أحصر ، وبعبارته في البيان أوفق ؛ لأنه حينئذ لا يعلم أن المختار عند الكوفيين إعمال ؛ لاحتمال المساوات. (الداشكندي).

(١) والمراد من البصريين أن يكون جمعيهم من البصرة ، بل لو كان بعضهم من البصرة ووافقهم آخر ، وقال ما قالوا ، سمي كلهم ببصريين ، فلا يرد أن الكسائي كوفي ، فكيف عده من البصريين. (عصمت).

(٢) ويلزم واحد من الفريقين مخالفة القاعدة ، أما البصريون فيلزمهم الإضمار قبل الذكر في الفاعل وهم منعوه ، وأما الكوفيون فيلزمهم الفصل بين الفاعل وهو الفعل ، وبين مفعوله بأجنبي وهو الفعل الثاني. (قالي).

(٣) ويجاب من طرف البصريين بأن الإضمار قبل الذكر بشرط التفسير في الجملة جائز ، نحو : نعم رجلا ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)[الاخلاص : ١] ، بخلاف وحذف الفاعل بدون سد شيء مسده ، فإنه لم يوجد أصلا.(هندي).

(٤) بناء الخطاب الفاء جزائية أو تفسيرية ، شروع إلى مذهب الفريقين.

ـ إذا كان العاملان متساويان في القوة ، وأما إذا كان أحدهما فعلا والآخر شبه فعل ، فلا شك أن إعمال أولى ؛ لقوته مقدما كان أو مؤخرا. (الداشكندي).

(٥) احترز بقوله : (أضمرت) عن الإظهار ، فإنه لو أظهر لم يكن من هذا الباب ، والمراد بالفاعل هو الفاعل أو ما يقوم مقامه فيدخل مثل ضرب وضربت زيد. (متوسط).

(٦) قوله : (دون الحذف) دون بمعنى غير صفة مصدر محذوف ، والتقدير إضمار غير حذف الفاعل الأول.(شارح أول).

١٦٨

حذف الفاعل (١) إلا إذا سد شئ (٢) مسده (خلافا للكسائي) فإنه لا يضمر الفاعل في الفعل الأول بل يحذفه تحرزا عن الإضمار قبل الذكر.

ويظهر أثر الخلاف في نحو : (ضرباي وأكرمني الزيدان) عند البصريين (٣) ، وضربني وأكرمني الزيدان (٤) ، عند الكسائي.

(وجاز) أي : اعمال الفعل الثاني مع اقتضاء الفعل الاول الفاعل (خلافا للفراء)(٥) فإنه لا يجوز أعمال الفعل الثاني عند اقتضاء الفعل الأول الفاعل ؛ لأنه يلزلم على تقديره (٦) إعماله : إما الإضمار قبل الذكر كما هو مذهب الجمهور ، أو حذف الفاعل كما هو مذهب الكسائي ، بل يجب عنده إعمال الفعل الأول ، فإن اقتضى الثاني الفاعل أضمرته ، وإن اقتضى المفعول حذفته أو أضمرته ، تقول : ضربني وأكرماني الزيدان ، وضربني واكرمت الزيدان ، أو ضربني وأكرمتهما الزيدان ولا يلزم حينئذ محذور (٧) وهو الإضمار قبل الذكر أو حذف الفاعل.

__________________

(١) لأن حذف الفاعل أشنع من الإضمار قبل الذكر ؛ لأنه جاء بعده ما يفسره ، وإن لم يجيء لمحض التفسير كما في أبه رجلا. (داود خوافي).

(٢) بأن حذف الفاعل وأقيم المفعول مقامه ، مثل ضرب زيد ، بدل قوله : ضرب عمرو زيدا. (لمحرره).

(٣) لأنهم لم يحترزوا عن الإضمار قبل الذكر في العمدة ، فإن ألف الضمير في ضرباني راجع إلى الزيدان. (محمد أفندي).

(٤) أو جمعا نحو : ضربوني ، وأكرمت الزيدون ضربتني ، وأكرمت هندين أو ضربتني ، وأكرمت الهندين وضربتني ، وأكرمت الهندان. (متوسط).

(٥) أي : يخالف هذا القول بالجواز ، خلافا للفراء فإنه يمنع جواز ذلك للزوم أحد المحظورين ، الإضمار قبل الذكر وحذف الفاعل. (هندي).

ـ اعلم أن جواز الإضمار قبل الذكر في خمسة مواضع : الأول : في ضمير الشأن نحو : هو زيد قائم ، والثاني : في ضمير رب نحو : ربه رجلا ، والثالث في نعم نحو : نعم الرجل ، والرابع في تنازع الفعلين نحو : ضرباني وأكرمني الزيدان ، والخامس في بدل المظهر من المضمر نحو : ضربته زيدا. (س).

(٦) قوله : (على تقدير إعمال الثاني مع متعلقه المحذوف في محل النصب على الحالية من قوله : (الإضمار) ومن قوله : (حذف الفعل) قدم الحال هنا على صاحبه ، للتخصيص. (توقادي).

(٧) لا الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة كما هو مذهب البصريين ، ولا حذف الفاعل من غير إقامة ـ

١٦٩

وقيل : روى عنه تشريك (١) الرافعين ، أو إضماره بعد الظاهر كما (٢) في صورة تأخير الناصب ، تقول : ضربني وأكرمني زيد هو ، وضربني وأكرمت زيدا هو.

ورواية المتن غير مشهورة عنه (٣) (وحذفت المفعول) تحرزا (٤) عن التكرار لو ذكر ، وعن الإضمار (٥) قبل الذكر في الفضلة لو أضمر (أن استغنى (٦) عنه (٧) وإلا) (٨) أي : وإن لم يستغن عنه (أظهرت) أي : المفعول ، نحو : حسبني منطلقا ، وحسبت زيدا منطلقا؛ لأنه لا يجوز (٩) حذف أحد مفعولي باب حسبت ، ولا يجوز إضماره ، لئلا يلزم

__________________

ـ شيء مقامه كما هو مذهب الكسائي ، بل اللازم في الإضمار قبل الذكر لفظا لا رتبة ، أو حذف المفعول وكلاهما جائزان فلا محذور. (م).

(١) قوله : (روي تشريك .. الخ) فيلزم توارد العلتين على معلول واحد ، وذلك غير جائز ؛ وذلك لأن العوامل النحوية بمنزلة المؤثرات الحقيقية عندهم. (عب).

(٢) قوله : (كما هو) ، خبر لمبتدأ محذوف هو المشبه ، تقديره إضمار فاعل الفعل الأول بعد الاسم الظاهر كائن كما في ... إلخ. (ح).

(٣) أي : عن الفراء بل الرواية المشهورة عنه تشريك الرافعين وإضماره ، كما هو رواية القيد. (غجدواني).

(٤) فلا يقال : ضربت وأكرمت زيدا زيدا ؛ للزوم التكرار ، ولا يقال : ضربته وأكرمت زيدا ؛ للزوم الإضمار قبل الذكر. (ص).

(٥) قوله : (وعن الإضمار) قيل : وربه رجلا شاذ ، قلت : قد سبق أن الإضمار قبل الذكر بشرط محض التفسير لا يخص العمدة نحو : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ)[فصلت : ١٢] ، نعم الأولى أن يقول : وعن الإضمار قبل الذكر ، من غير محض التفسير في الفضلة. (ع ص).

(٦) استغنى فعل الشرط ، والجزاء محذوف وجوبا بقرنية ما قبل ، أي : حذفت المفعول ، وإنما وجب حذف الجزاء لكون الجملة المتقدمة عوضا عنه ، أو كالعوض عنه. (تركيب).

ـ بأن يكون في غير أفعال القلوب سواء كان من الفعل المقتضي للمفعول الواحد ، أو المفعولين مثال الأول نحو : ضربت وضربني ، ومثال الثاني أعطيت وأعطاني زيد درهما. (عافية).

(٧) أي : عن ذكر المفعول وإظهاره ، لا عن نفس المفعول فلا يرد أن الاستغناء عن المفعول في الفعل المتعدي غير متصور. (عصمت).

(٨) مركبة من أن ولا ، قلبت النون إلى اللام ، ثم أدغم في لام لا ، فصار إلا ، لا مفردة من حروف الاستثناء بدليل دخوله الواو عليه. (ص).

(٩) لأنهما بمنزلة الواحد ، فلو حذف أحدهما لكان كحذف الجزء ، وهو غير جائز. (محمد أفندي).

١٧٠

الإضمار (١) قبل الذكر في الفضلة.

(إن أعلمت الفعل الأول) كما هو مختار الكوفيين (أضمرت الفاعل في) (٢) الفعل الثاني لو اقتضاه نحو : ضربني وأكرمني زيد ، إذا جعلت (زيدا) فاعل (ضربني) وأضمرت في أكرمني ضميرا رجعا إلى زيد ، إذا جعلت (زيدا) فاعل (ضربني) وأضمرت في أكرمني ضميرا راجعا إلى زيد ، لتقدمه رتبة ، فلا محذور فيه حينئذ (٣) ، لا حذف الفاعل ولا الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة بل لفظا فقط ، وهو جائز (وأضمرت المفعول في) الفعل (الثاني) لو اقتضاه (على) المذهب (المختار) (٤) ولم تحذفه وإن جاز حذفه ، لئلا يتوهم أن مفعول الفعل الثاني مغاير للمذكور ، ويكون الضمير حينئذ راجعا إلى لفظ متقدم رتبة ، كما تقول : ضربني وأكرمته زيد (٥) (إلا (٦) أن يمنع مانع) من الإضمار كما

__________________

(١) والمراد من الإضمار هاهنا امتناع الإضمار متصلا ، فإنه لو كان منفصلا متأخر عن المفعول الثاني كقولك : حسبني وحسبت زيدا منطلقا إياه ، فذلك يجوز. (هندي).

(٢) على وفق الظاهر نحو : ضربت وضربني زيدا ، ضربت وضرباني الزيدين ، ضربت وضربوني الزيدين ، ضربني وأكرمني زيد ، ضربني وأكرماني الزيدان ، ضربوني وأكرموني الزيدون. (عيسى).

ـ والمراد من الفاعل هاهنا هو أو ما يقوم مقامه ؛ ليدخل مثل ضرب وأكرم على صيغة المبني للمفعول.(غجدواني).

(٣) أي : حين ، إذا جعل زيد فاعل ضربني ، وأضمر الفاعل في أكرمني. (محمد أفندي).

(٤) اعلم أنه إذا اقتضى الفعل الثاني المفعول عند إعمال الأول فله أربع احتمالات : الأول جواز الإضمار والحذف والإظهار ، والثاني تعين الإضمار ، والثالث تعين الحذف ، والرابع تعين الإظهار ، فإن جاز إضمار المفعول في الفعل الثاني مع جواز الحذف والإظهار ، فحينها المختار إضمار المفعول في الثاني بحسب الاستعمال ، جاز حذفه أيضا بحسب الاستعمال بالطريق المرجوح ، فأشار إلى هذا بقوله : (والمفعول على المختار) وتفصيله في العمل إن كنت طالبا فارجع إليه. (ص).

(٥) يعني : إذا حذفت المفعول ، ويقال : ضربني وأكرمت زيد ، يتوهم أن المكرم هو زيد أو غيره ، فإذا أضمرت ويقال ضربني وأكرمته يكون الضمير راجعا إلى زيد ، فإذا يرفع الإبهام. (ح).

(٦) قوله : (إلا أن يمنع مانع) استثناء من مدلول الكلام السابق أي : أضمرت على المختار وحذفت على غير المختار ، إلا أن يمنع مانع من الإضمار والحذف ، ولذا قال : فتظهر إشارة إلى الاستثناء ومتعلق بالأمرين.(الداشكندي).

ـ هذا مستثنى مفرغ ، أي : أضمرت في جميع الأوقات إلا وقت منع مانع عن الإضمار. (هندي).

١٧١

هو القول المختار ، ومن الحذف كما هو القول الغير المختار (فتظهر) (١) المفعول فإنه إذا امتنع (٢) الإضمار والحذف لا سبيل إلا إلى الاظهار نحو : حسبني وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا (٣) ، حيث أعمل (حسبني) جعل (الزيدان) فاعلا له و (منطلقا) مفعولا له ، وأضمر المفعول الأول في حسبتهما وأظهر المفعول الثاني وهو (منطلقين) لمانع وهو أنه لو أضمر مفردا خالف المفعول الأول ، ولو أضمر مثنى (٤) خالف المرجع وهو قوله : منطلقا، ولا يخفى أنه لا يتصور (٥) التنازع في هذه الصورة (٦) إلا إذا لاحظت المفعول الثاني اسما دالا على اتصاف ذات ما بالانطلاق من غير ملاحظة تثنيته

__________________

(١) الفاء لتفصيل المجمل المفهوم من الاستثناء ، أو استئناف ، أو جوابية ، وتظهر مضارع مخاطب من باب الأفعال. (ص).

(٢) لأنه يمتنع أن يقال : حسبني وحسبتهما إياه الزيدان منطلقا ؛ لأنه لما كان المفعول في باب حسبت مثنى ، ووجب أن يكون المفعول الثاني كذلك ؛ لكون الثاني عبارة عن الأول في المعنى. (متوسط).

(٣) وليس من باب التكرار إظهار المفعول الثاني فيه ؛ لاختلاف اللفظ إفرادا وتثنية. (غجدواني).

(٤) لأنك لو أضمر نحو : حسبتهما إياهما ؛ ليطابق المفعول الأول وهو هما ؛ لأن هما مبتدأ وخبر في الأصل ، وتطابقهما في الإفراد والتثنية والجمع واجب ، لخالف المرجع إليه وهو منطلقا. (داود الخوافي).

(٥) وكذا لا يتصور التنازع في مثل ضربني وأكرمت زيدا ، إلا إذا لاحظت زيدا ، اسما صالحا ؛ لأن يكون فاعلا ومفعولا مرفوعا ومنصوبا ، من غير ملاحظة فاعلية ومفعولية ورفعه ونصبه ، وإلا فالظاهر لا تنازع بين الفعلين فيه ؛ لأن الأول يقتضي أن يكون فاعلا مرفوعا والثاني مفعولا منصوبا ، فلا يتوجهان إلى أمر واحد فلا تنازع ، وكذا مثل ضرباني وأكرمت زيدين ، وكذا ضربني وأكرمت زيدا ؛ لامتناع توارث المؤثرين المستقلين على أثر واحد ، فظهر ما ذكرنا أن قوله : (.... الخ) ليس مخصوصا للصورة التي ذكرها ، بل عام لجميع صور التنازع ، ولهذا قالوا : إن التنازع إنما يكون في القلب قبل التركيب لا بعده ، وتأولوا قوله : (وإذا تنازع الفعلان) إلى قصد تنازعهما وهو ظاهر لا محل عنه لمن تأمل وتتبع ، ووقع لعصام لا يخفى فساده. (داود خوافي).

(٦) أي : صورة توجيه فيها أحد الفعلين إلى اسم ظاهر مثنى ؛ لكون مفعوله الأول مثنى والآخر مفردا ، حيث كان مفعوله الأول مفردا ؛ لأن معنى التنازع على ما سبق أنهما بحسب المعنى أن يتوجها إلى ذلك الاسم الظاهر ، ويصح أن يكون هو مع وقوعه في ذلك الموضع معمولا لكل واحد منهما على سبيل البدل ، وهذا المعنى ليس بموجود في هذه الصورة ، يعرف بالتأمل في وقت من الأوقات. (م).

١٧٢

وإفراده ، وإلا فالظاهر أنه لا تنازع بين الفعلين في المفعول الثاني ؛ لأن الأول يقتضي مفعولا مفردا والثاني مفعولا مثنى ، فلا يتوجهان إلى أمر واحد فلا تنازع فيه.

ولما استدل الكوفيين على أولوية أعمال الفعل الأول بقول امرئ القيس (١) :

ولو أنّ ما (٢) أسعى لأدنى معيشة

كفانى ولم أطلب قليل من المال

حيث قالوا : قد توجه الفعلان ، أعني : (كفاني ولم اطلب) إلى اسم واحد وهو قليل من المال ، فاقتضى الأول رفعه بالفاعلية ، والثاني نصبه بالمفعولية ، وامرؤ القيس (٣) الذي هو أفصح شعراء العرب أعمل الأول (٤) ، فلو لم يكن أعمال الأول أولى لما اختاره ؛ إذ لا قائل (٥) بتساوي الإعمالين ، فأجاب المصنف عن طرف البصريين وقال :

__________________

(١) صرح باسمه تنبيها على قوة الاستهشاد ، وضرورة الجواب عنه ، وقوله : (كفاني) بدل أو بيان لقوله. (لارى).

(٢) لو حرف شرط دلّ على امتناع الشيء الثاني لامتناع الأول ، أن حرف من حروف المشبهة بالفعل مصدرية مع بعدها في تقرير ، أي : لو أن أسعى ، والمصدر اسم أن ، لأدنى معيشة في محل الرفع خبر أن ، كفاني فعل ومفعوله (ني) ، قليل فاعله ، الواو لعطف لم أطلب على أكفاني ، لم أطلب جازم ومجزوم ، وفعل فاعله مستتر أي : لم أطلب أنا ، ومفعوله متعلق بقليل. (حل الأبيات).

(٣) قال النبي عليه‌السلام : «تأسفت على موت أربعة من الكفار على موت أنوشروان لعدله ، وحاتم الطائي لسخائه، وعلى امرئ القيس لشعره ، وعلى أبي طالب لبره» [لم أجده]. (نصيحة الملوك).

فإن امرئ القيس علم لابن حجر بضم الحاء ، ابن الحارث الكندي الشاعر الجاهل ، وهو أول من قصد القصائد ، وهذا الشاعر هو الذي قال في حقه حبيب الرب الباري : «امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار» أخرجه أحمد في مسنده (٧٠٨٧) ؛ لأنه أول من أحكم قوافيها. (سيوطي).

(٤) فلو أعمل الأول من غير ضرورة دل على أن إعمال الثاني ليس بفصيح ؛ إذ لا قائل بغير ما ذكر من إعمال الأول من غير ضرورة ، يكون دالا على إعمال الثاني ليس بأفصح ، ويقوي ذلك أي : لكون إعمال الثاني ليس بأفصح ، بأنه أعمل الأول مع ارتكاب ما يلزم من حذف المفعول من الثاني ، ولو أعمل الثاني يلزم ارتكاب أمر محذور ، وذلك أي : إعمال الأول مع ارتكاب في أن إعمال الأول أفصح. (نصيحة الملوك).

(٥) جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : لا يلزم من اختيار امرؤ القيس إعمال الأول أولويته ، محصل الجواب : أن الاحتمال ثلاثة : إما أولوية إعمال الأول كما هو مذهب الكوفيين ، أو الفعل ـ

١٧٣

(قول امرئ القيس (كفاني (١) ولم أطلب قليل من المال) ليس منه) أي : من باب التنازع (لفساد (٢) المعنى) على تقدير (٣) : توجه كل من كفاني ولم أطلب إلى (قليل من المال) لاستلزامه عدم السعي (٤) لأدنى معيشة ، وانتفاء كفاية قليل من المال ، وثبوت

__________________

ـ الثاني كما هو مذهب البصريين ، أو تساوي الإعمالان ، وذلك الثالث لم يوجد قائله فيلزم اختيار الأول أولويته. (غجدواني).

(١) اعلم أن هذا البيت المذكور دليل نقلي للكوفيين على مختارهم ، أي : على أن إعمال الأول أولى من إعمال الثاني ، ثم وجه الاستدلال به أن كفاني ، ولم أطلب تنازعا في قليل ، وأعطي الشاعر العمل للأول دون الثاني ، وهو من الفصحاء فلو لم يكن إعمال الأول أولى من إعمال الثاني مع إمكان إعماله هنا ؛ إذ لا تفاوت في النظم بين رفع قليل ونصبه ، ومع لزوم حذف المفعول من الثاني على تقدير إعمال الأول وهو ضعيف غير مختار ، وعدم لزوم حذف الشيء على تقدير إعمال الثاني لما اختاره ، فعلم منه أن إعمال الأول أفصح ؛ لأن الفصيح لا يختار إلا الفصيح. (عوض أفندي).

(٢) لفساد المعنى إضافة المصدر إلى الفاعل ، وهذا على تقدير توجههما إلى قليل من المال ... إلخ (هندي).

ـ أي : وإنما فسد المعنى إذا جعل الواو في قوله : (ولم أطلب) للعطف ، وأما إذا جعل حالا فلا فساد من الضمير المنصوب في كفاني. (نجم الدين).

ـ قوله : (لفساد المعنى) على تقدير كونه منه ؛ لاستلزمه اجتماع النقضين ، وبيان ذلك أن لو تدل على امتناع جزائها لامتناع شرطها ، سواء كانا مثبتين أو منفيين ، فإن كانا مثبتين يجب انتفائهما ، وإن كانا منفيين يجب ثبوتهما ، ولو كان أحدهما مثبتا ولآخر منفيا يجب نفي المثبت وثبوت المنفي ؛ لأن نفي النفي إثبات ، وأيضا حكم المعطوف على جزائها حكم جزائها ، فعلى هذا كان قوله : (ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة) لأنه مثبت وقع في سياق لو ، فلو توجه لم أطلب إلى قليل ، وهو معطوف على جزائها لوجب أن يكون فيه إثبات الطلب القليل ، فلزم من امتناع السعي لأدني معشية أن لا يكون طالبا لقليل من المال ؛ لأنه يستلزم. (عافية).

(٣) قوله : (على تقدير توجه كل من كفاني .. إلخ) إن قلت : هذا إذا كان لم أطلب معطوفا على كفاني ، وأما إذا كانت الجملة حالية أو معترضة أو معطوفة على الشرطية فلا يلزم هذا الفساد ، قلنا : لا يجوز الأول للزوم تقييد الجزاء بنقض الشرط ، ولا الأخير للزوم حمل الكلام على التأكيد دون التأسيس مع واو العطف ، والاعتراض تبنئو عن ذلك ؛ وذلك لأن نفي السعي مستلزم لنفي الطلب ، إن قلت : السعي الطلب البليغ ، فيكون أخص من الطلب ونفي الخاص ، لا يستلزم نفي العام ، قلنا : المراد بالسعي هنا الطلب مطلقا ؛ لأن الكفاية تحتاج إلى الطلب لا إلى الطلب البليغ. (عب).

(٤) لأنه يلزم اجتماع النقيضين ، وذلك مبني على معرفة مقدمتين : أحدهما أن لو لانتفاء الثاني ـ

١٧٤

طلبه المنافي لكل منهما ، وذلك (لأن لفظ لو) يجعل مدخوله المثبت شرطا كان أو جزاء أو معطوفا على أحدهما منفيا والمنفي من ذلك مثبتا ، فعلى هذا ينبغي أن يكون مفعول (لم أطلب) محذوفا (١) ، أي : لم أطلب (٢) العزّ والمجد ، كما يدل عليه البيت المتأخر ، أعني قوله :

ولكنّما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

وحينئذ يستقيم المعنى ، يعني : أنا لا اسمى لأدنى معيشة ، ولا يكفيني قليل من المال ، ولكني أطلب المجد الأصيل الثابت وأسمى له.

مفعول ما لم يسمّ فاعله

أي : مفعول فعل أو شبه فعل لم يذكر فاعله ، وإنما لم يفصله (٣) عن الفاعل ولم يقل: ومنه كما فصل المبتدأ حيث قال : ومنها المبتدأ والخبر ، لشدة اتصاله بالفاعل حتى سماه بعض النحاة (٤) فاعلا.

(كل (٥) مفعول حذف فاعله) أي : فاعل ذلك المفعول وإنما أضيف (٦) إلى

__________________

ـ لانتفاء الأول : فلو دخل لو على المثبت لصار ذلك المثبت منفيا ، ولو دخل على المنفي لصار ذلك المنفي مثبتا ، والثاني : أن حكم المعطوف على جواب لو حكم جواب لو. (متوسط).

(١) أي : نسيا منسيا كما في قوله : (يقبض ويبسط) أي : له القبض والبسط ، أي : لم يكن مني الطلب مع القليل من المال. (لباب).

(٢) أي : ولو كان سعى لقليل من المال المنفي ما وجدته منه ، ولم يكن مني طلب ، ولكن السعي لتحصيل مجد مؤثل أي : مدخر لنفسي أو عقبي يرجع إليه عند التفاخر. (شيخ الرضي).

(٣) قوله : (وإنما لم يفصله .. إلخ) ، اعلم أن الفصل هو ترك العطف ، وكان المصنف في هذا الكتاب فصل العنوانات وهو واقع هاهنا أيضا ، وأما إيراد منه أو منها في أول عنوان المرفوعات والمنصوبات ، فليس عادة له حتى يحتاج في تركه إلى نكتة ، بل محتاج في إيراده على أسلوبه ، وقوله : (ومنها) مبتدأ والخبر إلى نكتة. (عصمت).

(٤) ولا يرد نحو : أنبت الربيع البقل ، حيث كان في الأصل مفعولا فيه ؛ لأنه صرح عن كونه مفعولا فيه ، وصار فاعلا لصدق حد الفاعل. (هندي).

(٥) قيل : لفظ كل غير واقع موقعه ؛ إذ هو لإحاطة الأفراد والتعريف الماهية ، وأجيب عنه بأنه ذكر لبيان اطراد الحد ، ومحصول الجواب أن كل مفعول صدق عليه مفعول حذف فاعله ، صدق عليه أنه مفعول ما لم يسم فاعله. (متوسط).

(٦) قوله : (وإنما أضيف .. إلخ) جواب عن سؤال مقدر ، كأنه قيل : كان الأصل والقياس أن ـ

١٧٥

المفعول لملابسة (١) كونه فاعلا لفعل متعلق به.

(وأقيم هو) (٢) أي : المفعول (مقامة) أي : مقام الفاعل في إسناد الفعل أو شبهه إليه (وشرطه) أي : شرط مفعول ما لم يسم فاعله في حذف فاعله ، وإقامته مقام الفاعل ، إذا كان عامله فعلا.

(أن تغيّر صيغة الفعل إلى فعل) (٣) أي : إلى الماضي المجهول (ويفعل) أي : إلى المضارع المجهول فيتناول مثل : (افتعل واستفعل ، ويفتعل ويستفعل) وغيرها من الأفعال المجهولة (٤) المزيد فيها.

(ولا يقع) موقع الفاعل (المفعول الثاني من) مفعولي (باب علمت) لأنه مسند إلى المفعول الأول إسنادا تاما ، فلو أسند الفعل إليه ولا يكون إسناده إلا تاما لزم كونه مسندا ومسندا إليه معا ، مع كون كل من الإسنادين تامّا ، بخلاف : أعجبني (٥) ضرب

__________________

ـ يضاف الفاعل إلى الفعل ، فلم خالف ههنا؟ وأجاب بقوله : (وإنما .. إلخ) (سعد الله أفندي).

(١) يعني : إذا كان بين الشيئين ملابسة ، أي : مخالطة ومقارنة ، جاز أن يضيف أحدهما إلى الآخر ، ولا يلزم أن يكون المضاف ملك المضاف إليه أو وصفه. (مكمل).

(٢) تأكيد للضمير المستتر ، فإنما أكد ؛ لئلا يتوهم إسناد الفعل إلى قوله : (مقامه) فيخل المعنى. (هندي).

(٣) ولم يظهر الجر فيه ؛ لأنه يمتنع عن الصرف للوزن والعلمية ؛ لأنه اسم ماض مجهول ؛ لعدم اقترانه بالزمان ، والجار مع المجرور متعلق بتغير. (تركيب كافية).

ـ وهذا من باب ذكر العلم ، وإرادة الصفة المشهورة نحو : لكل فرعون موسى ، أي : لكل جبار عادل وقاهر. (هندي).

(٤) لكنه اقتصر المصنف على الثلاثي ؛ لكونه أصلا للرباعي وذي الزيادة. (رضي).

(٥) يعني : أن إسناد أعجبني إلى الضرب تام ؛ لأنه إسناد الفعل إلى الفاعل ، وهو تام ؛ إذ يصح السكوت عليه، بخلاف إسناد الضرب إلى زيد فإنه ليس كذلك ؛ إذ لم يصح السكوت عليه ، فلا يلزم كون الضرب مسندا ومسندا إليه في حالة واحدة بالإسنادين التامين. (غجدواني).

ـ وفيه نظر ؛ لأنه يجوز كون الشيء الواحد مسندا أو مسندا إليه في حالة واحدة ، إذا كان باعتبار الجهتين المختلفتين نحو : أعجبني ضرب زيد عمرا ، فإن أعجبني مسند إلى ضرب ، وضرب مسند إلى زيد ، فلو قال : في حالة واحدة من جهة واحدة ، لم يرد هذا السؤال أصلا ، فافهم. (غجدواني).

١٧٦

زيد ؛ لأن أحد الأسنادين ـ وهو إسناد المصدر (١) ـ غير تام (ولا) (٢) المفعول (الثالث من) مفاعيل (باب (أعلمت) ؛ إذ حكمه حكم المفعول الثاني من باب (علمت) في كونه مسندا (٣) (والمفعول له) بلا لام (٤) ؛ لأن النصب فيه مشعر (٥) بالعلّية وفلو أسند إليه الفعل فات النصب (٦) ، والإشعار بخلاف (٧) ما إذا كان مع اللام ، نحو : ضرب للتأديب. (والمفعول معه كذلك) أي : كل من المفعول له والمفعول معه كذلك أي : كالمفعول الثاني والثالث من باب (علمت وأعلمت) في أنهما لا يقعان موقع الفاعل.

أمّا المفعول له فلما عرفت ، وأمّا المفعول معه فلانه لا يجوز إقامته مقام الفاعل

__________________

(١) لأن المصدر ما لم يكن مشتقا ، ويكون بنفسه فاعلا ومفعولا ومضافا إليه إلى غير ذلك ، كالاسم الجامد لم يحتج إلى الفاعل ، فلم يكن إسناده إلى فاعله حين أسند تاما كالاسم الفاعل. (م).

(٢) لا زائدة ، ويقال : بدلها حرف الفاء هذا عند البصريين ، وعند الكوفيين يعبر عن الزائدة بالصلة أو الحشو. (زاده).

(٣) وكذا ثاني مفاعيل عند اللبس نحو : أعلم موسى عيسى أخاه ، بخلاف أعلمت زيدا هندا ذاهبة.(هندي).

(٤) قيل مع اللام أيضا لا يقع ؛ لأنه ليس من ضروريات الفعل فلا يشبه الفاعل ، ولا يقوم مقامه ، وكذلك المفعول معه. (عب).

(٥) قيل نصب الظرف أيضا مشعر بالظرفية ، فلا بد من بيان فارق ، ويمكن بيانه بأن ذات المفعول فيه يقتضي الظرفية ، والنصب يدل على قصدها ، بخلاف المفعول له فإن ذاته لا يقتضي العلمية وإنما يعلم عليته بالنصب كقصدها. (ع س).

ـ وفيه نظر ؛ لأن النصب لا يدل على العلمية بل إنما يدل عليها اللام المقدرة ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه وإن كان لازما كما قلت ؛ لكون النصب دل على تقدير اللام دال على العلمية فكان النصب دالا عليها بالواسطة. (هندي).

(٦) قوله : (فات النصب) أي : فات النصب بسبب جعله مسندا مرفوعا ، وفات الإشعار بسبب النصب المشعر للعلية ، فعلى هذا لا يرد ما قيل : إن ذكر النصب مستدرك. (عصمت).

ـ قوله : (بخلاف ما إذا .. إلخ) فإن المشعر بعلية وكونه مفعولا له هو اللام ، وهو لم يتغير ولا بد أن يفهم معنى المفعولية في كل مفعول أقيم مقام الفاعل. (عصمت).

(٧) قوله : (بخلاف ما ... إلخ) يرد على الرضي حيث قال : كل مجرور ليس من ضروريات الفعل كالفاعل ، لم يقم مقامه كالمجرور باللام ، فلا يقال : جيء للمن وكذا كل ما يخالفه ؛ لأنه إذا كان باللام يقام مقام الفاعل. (الداشكندي).

١٧٧

مع الواو (١) التي أصلها العطف ـ وهي دليل الانفصال (٢) ، والفاعل كالجزء من الفعل ـ ولا بدون الواو فإنه لم يعرف حينئذ كونه مفعولا معه.

(وإذا (٣) وجد المفعول به) في كلام مع غيره من المفاعيل التي يجوز وقوعها موقع الفاعل (تعيّن) (٤) أي : المفعول به (٥).

(له) أي : لوقوعه موقع الفاعل ، لشدة شبهه (٦) بالفاعل في توقّف (٧) تعقّل الفعل عليهما ، فإن الضرب مثلا كما أنه لا يمكن تعقله بلا ضارب كذلك لا يمكن تعقله بلا مضروب ، بخلاف سائر المفاعيل ، فإنها ليست بهذه الصفة.

(تقول : ضرب زيد) باقامة المفعول به مقام الفاعل.

__________________

(١) لأن الواو يمنع الإسناد ، وتركه يغير ماهية المفعول معه. (هندي).

(٢) أي : انفصال ما بعدها عما قبلها ، لما عرفت أنها وضعت للفصل بين المعطوفين ، وتفيد تغايرهما. (توقادي).

(٣) استئناف ، أو اعتراض ، أو عطف على طريق عطف القصة على القصة. (معرب).

ـ يعني : إذا وجد المفعول به الذي تعدى إليه الفعل بنفسه لا بحرف ، يتعين أن يقام مقام الفاعل ؛ لأنه أقرب إلى الفاعل ؛ ولأنه في المعنى قد يكون فاعلا نحو : ضارب زيد عمرا ، فإن الفاعل لفظا هو المفعول معنى كذا ، المفعول لفظا هو الفاعل معنى. (قطب).

(٤) تعين فعل ماض بمعنى المستقبل ، كما في قوله تعالى : (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)[النمل : ٨٧] ، (محمد أفندي).

والمراد بالتعين الوجوب عند البصريين ، وأما عند الكوفيين المراد بالتعين التعين الاستحساني لا الوجوبي ، يعني : إذا وجد المفعول به مع غيره يتعين للوقوع استحسانا ، حيث يجوز لغيره أن يقع موقعه.(خلاصة حواشي).

(٥) أي : إسناد الفعل إليه لبناء المجهول له ، وكون إسناده إليه حقيقي وإلى غيره من الملابسات مجاز ، لا يصار إلى غير الحقيقة مع إمكانها. (هندي).

(٦) لأن الفاعل والمفعول به يدلان على طرفي الفعل ، والفاعل على صدوره ، والمفعول به على وقوعه ، فبهذه المناسبة تشابه بالفاعل ، فتعين أن يقوم مقام الفاعل. (حافظ الداشكندي).

(٧) قوله : (في توقف تعقل الفعل .. إلخ) يعني كما لا يعقل الفعل بدون الفاعل ، كذلك لا يعقل بدون المفعول به ؛ إذ لا يتصور الحال ، بدون المحل كما لا يتصور بدون من صدر عنه ، بخلاف الظرف الزمان والمكان ، فإن وجود الفعل يتوقف عليهما لا تعقل ، فالاحتياج إليهما ليس كالاحتياج إليه. (وجبه الدين).

١٧٨

(يوم الجمعة) ظرف زمان.

(أمام الامير) ظرف مكان.

(ضربا شديدا) (١) مفعول مطلق للنوع باعتبار الصفة (٢) وفائدة (٣) وصف الضرب بالشدة التنبيه على أن المصدر لا يقوم مقام الفاعل بلا قيد مخصّص ؛ إذ لا فائدة فيه لدلالة الفعل عليه (في داره) (٤) جار ومجرور شبيه بالمفاعيل أقيم مقام الفاعل مثلها ، (فتعيّن (٥) (زيد) (٦) وأن لم يكن) أي : وإن لم يوجد في الكلام مفعول به (فالجميع) (٧) أي : جميع ما سوى المفعول به (سواء) في جواز وقوعها موقع الفاعل (و) المفعول (الأول : من باب أعطيت) (٨) أي : الفعل المتعدي إلى المفعولين.

ثانيهما غير الأول (أولى) بأن يقام مقام الفاعل (من) المفعول (الثاني) (٩) لأن فيه

__________________

(١) وصف المصدر ؛ لأنه لو قيل : ضرب لم يفيد ؛ لأن في ضرب دلالة عليه ، فلا فائدة في إسناده بخلاف إذا أضيف أو وصف أو عرف أو دخله تاء الوحدة أو تاء النوع ، فإنه حينئذ يقام مقام الفاعل نحو : ضرب ضرب الأمير ، وضرب ضرب شديد ، وضرب الضرب ، وضرب ضربة ، لأنه يفيد معنى لا دلالة عليه للفعل. (سعد الله).

(٢) وهي الشدة لا باعتبار الذات ؛ إذ لو كان كذلك لقيل ضربته بكسر الضاد. (توقادي).

(٣) جواب سؤال مقدر ، وهو : إن يقال أن ذكر الشديد في ضربا شديدا ، والجمعة ، في يوم الجمعة وكذا لغوا لأن ما يقوم مقام الفاعل هو الضرب واليوم .. إلخ. (لمحرره).

(٤) قوله : (في داره) مفعول به بواسطة حرف الجر على اصطلاح الجمهور ، وأما على اصطلاح المصنف فهو مفعول فيه ، حيث جعل تقدير في شرط النصب لا شرط المفعول فيه ، فيلزم تكرار نظير ظرف المكان ، وترك نظير المفعول به بالواسطة. (هندي).

(٥) والفاء تعليل على التمثيل المذكور ؛ لأنه إذا قيل : تقول كذا ، فتعين فكأنه قيل : مثاله كذا ؛ لأنه تعين زيد كما ترى. (هندي).

(٦) لأن يقوم مقام الفاعل ، وكذلك البواقي نحو : ضرب يوم الجمعة ، وضرب أمام الأمير ، وضرب شديد شديد ، وضرب في داره ، بأن يكون غير متعلق. (محمد أفندي).

(٧) الفاء جزائية ، فالجملة الاسمية مجزومة المحل جزاء الشرط ، والجملة الشرطية لا محل لها تفصيل ، وقيل استئناف واعتراض. (م ع).

(٨) وكذا المفعول الأول من باب أعطيت أولى من الثاني ؛ لأن الأول عالم والثاني معلوم. (عصمت).

(٩) لأنه مكتس وعاط أي : آخذ ، فهو أنسب أي : أقرب بالفاعل ، وأليق بالقيام مقامه ، ويجب عند اللبس نحو : أعطى زيد عمرا. (هندي).

١٧٩

معنى الفاعلية بالنسبة إلى الثاني (١) ؛ لأنه عاط ، أي : آخذ نحو : أعطي زيد درهما ، مع جواز (أعطي درهم زيدا) وذلك (٢) عند الأمن من اللبس ، وأما عند عدمه فيجب إقامة المفعول الأول نحو : أعطي زيد عمرا.

(المبتدأ والخبر)

(ومنها (٣) المبتدأ والخبر)

وفي بعض النسخ ، (ومنه) يعني : من جملة المرفوعات أو من جملة المرفوع المبتدأ والخبر. جمعهما في فصل واحد ، للتلازم الواقع بينهما على ما هو (٤) الأصل فيهما ، واشتراكهما في العامل المعنوي.

فالمبتدأ (وهو الاسم) (٥) ...

__________________

(١) إذ معنى أعطيت زيدا درهما بالتركي مثلا (بن زيدي درهم أخذ زيد يجيء قلدم مآخوذين درهم أخذا يتدردم) وهذا معنى قوله : (لأنه عاط ، أي : آخذ .. إلخ). (مصطفى جلبي).

(٢) أي : جواز وقوع المفعول الثاني موقع الفاعل ، مع أن وقوع المفعول الأول موقعه هو الأنسب والأولى واقع عند اللبس (م).

(٣) قوله : (ومنها المبتدأ والخبر) اعلم أن دأب المصنف في هذا الكتاب الفصل بين أقسام المرفوعات وغيرها ، ولما وصل هنا لزم علينا أن نذكر له نكته وقد سبق أن النحاة اختلفوا في أن الأصل في المرفوعات الفاعل أو المبتدأ ، وقدم الفاعل تنبيها على إن أصالته هو المختار ، ثم وصل المبتدأ تبنيها على أنه وإن لم يبلغ في الأصالة مرتبة الفاعل لا ينبغي أن يهجر بالكلية. (جلبي).

ـ قوله : (ومنها المبتدأ) قال : في بعض المواضع منه ، وفي بعضها منها إشعارا ، بأنه يصح إرجاع الضمير إلى كل من لفظ المرفوعات والمرفوع ، ولم يذكر في أكثر المواضع لا منه ولا منها ، أما في مفعول ما لم يسم فاعله ؛ فلأنه كالفاعل حيث عدت بعضهم من الفاعل ، وأما في خبر المبتدأ فللاتحاد بين المبتدأ والخبر ، وأما في الباقي ؛ فلأنه في الحقيقة مبتدأ وخبر. (ح).

ـ وإنما كان من المرفوعات لمشابههتما الفاعل ، أما مشابهة المبتدأ به إن كان بالمعنى الأول فلكونه محكوما عليه أيضا ، وإلا فلكونه أحد جزائي الجملة كالفاعل ، وأما مشابهة الخبرية فلكونه جزء ثانيا كالفاعل. (عافية).

(٤) أي : بناء على الأصل الكائن في المبتدأ والخبر ، وهو أن يكون المبتدأ والخبر من القسم الأول الذي كان المبتدأ مسندا إليه والخبر مسندا ؛ احتراز عن القسم الثاني من المبتدأ والخبر ؛ لأنه ليس بينهما التلازم ؛ لأن فيه المبتدأ دون الخبر بل فيه شيء الذي قام مقام الخبر. (محمد أفندي).

(٥) وهو ضمير فصل يؤتي بين المبتدأ والخبر ، إذا كانا معرفتين ؛ لئلا يلبتس بالصفة. (لمحرره).

١٨٠