شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

وبما ذكرناه (١) ظهر فائدة ذكر الفاعل ، فلا يرد أنه لو قال : ما وقع (٢) عليه (٣) الفعل ، لكان أخصر.

(محو (ضربت زيدا) و (أعطيت زيدا درهما) فإن (زيدا) وقع عليه بلا واسطة حرف جر فعل اعتبر إسناده إلى الفاعل الذي هو ضمير المتكلم.

(وقد يتقدم) المفعول (٤) به (٥) (على (٦) الفعل) (٧) العامل فيه ، لقوة الفعل في العمل فيعمل فيه متقدما ومتأخرا ، إمّا جوازا (٨) مثل : (الله أعبد) و (وجه الحبيب أتمنى) وإمّا وجوبا (٩) فيما تضمن معنى (١٠) الاستفهام أو الشرط نحو : (من رأيت؟) (١١) و (من تكرم

__________________

(١) من تعميم لفظ الفاعل في قوله : (فعل الفاعل) إلى الفاعل الحقيقي والحكمي. (م).

(٢) وهذا رد على الفاضل الهندي من حيث قال : لو قال : ما وقع عليه الفعل ؛ لكان أخص ، قال : الأستاذ الأولى ما قاله الهندي ؛ لأنه عن تلك التأويلات مع كونه أوجز وأخص. (حلبي).

(٣) وله محذور آخر وهو أنه لو قال : ما وقع عليه الفعل ؛ لتبادر منه الفعل الاصطلاحي فيخرج شبه الفعل ، ويلزم ارتكاب المسامحة في إسناد التعلق إليه بالمفعول به هو الحدث لا الفعل الاصطلاحي. (عصمت).

(٤) هذا الحكم جاء في المفاعيل الأخر سوى المفعول معه ، فلا وجه لتخصيص البحث بالمفعول به عدم جريانه ، وفي المفعول معه مراعاة أصل الواو وهو العطف ، وموضعها أثناء الكلام. (عصمت).

(٥) سواء كان منصوبا أو مجرورا ، تقديما لازما فيما تضمن صدر الكلام ، وتقديما جائزا تأخيره فيما أريد به الاختصاص ، وغيره من الأعراض المتعلقة للتقديم. (عوض أفندي).

(٦) أي : إذا أريد الاختصاص كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة : ٤] (وافرة).

(٧) وغيره من العوامل إلا لمانع ، وخص الفعل بالذكر ؛ لأصالته. (هندي).

ـ حالا من الفاعل أو المفعول ، أو خبر إن لكان المحذوف ، واسمه راجع إلى الفاعل أو المفعول. (عصمت).

(٨) قوله : (أما جوازا إشارة إلى تقدم المفعول على الفعل بأحد الوجوه الثلاثة : إما جائز وإما واجب وإما ممتنع. (عصمت).

(٩) قوله : (إما وجوبا) فيما تضمن ، وكذا فيما إذا كان معمولا لما يلي الفاء التي في جواب أما ، ولم يكن له منصوب سواه كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)[الضحى : ٩]. (عبد الغفور).

(١٠) وأضيف إلى ما تضمن معنى الاستفهام نحو : أيهم ضربت ، أي : حين تركب وغلام أيهم ضربت. (رضي).

(١١) بتاء الخطاب فإن من فيه اسم تضمن معنى همزة الاستفهام ، فإن معناه أزيدا رأيت أم عمرا ، في محل النصب على أنه مفعول به ، لكن وجب تقديمه ؛ لئلا يبطل الصدارة. (م). ـ

٢٤١

يكرمك) هذا إذا لم يكن مانع من التقديم كوقوعه في حيّز (أنّ) نحو : (من البرّ أن تكفّ لسانك) (١).

(وقد يحذف الفعل) العامل (٢) في المفعول به ، (لقيام قرينة) مقاليّة أو حالية (جوازا نحو : قولك (زيدا) لمن قال : (من أضرب؟) أي : اضرب زيدا ، فحذف الفعل للقرينة المقالية التي هي السؤال ، ونحو : (مكة) للمتوجة إليها أي : تريد مكة ، فحذف الفعل للقرينة الحالية (ووجوبا في أربعة مواضع) تخصيصها بالذكر ليس للحصر ، لوجوب الحذف في (باب الإغراء) (٣) و (المنصوب على المدح أو الذم أو الترحّم) بل لكثرة مباحثها (٤) بالنسبة إلى هذه الأبواب.

(الأول) من تلك المواضع الأربعة (سماعي) (٥) أي : مقصور على السماع ، لا يتجاوز عن أمثلة محدودة مسموعة بأن يقاس عليها أمثلة أخرى ، (نحو : (امرأ ونفسه).

__________________

ـ وهو اسم تضمن معنى حرف الشرط ؛ لأن معناه أن زيدا في محل النصب عليأنهأن أنه مفعول به ، إلا أنه وجب تقديمه للصدارة. (توقادي).

(١) لأن أن موصولة فلا يتقدم ما في حيز الموصول ؛ لأنه كجزء الكلمة منها ، فكما لا يتقدم جزء الكلمة على أولها فكذلك لا يتقدم ما في حيز الموصول عليه. (أيضاح).

ـ وكذا لا يتقدم المفعول به إذا كان الفعل مؤكدا بنوني التأكيد ، والسر في ذلك أن التأكيد يوزن الاهتمام بشأن الفعل ، وتقديم المفعول توهم خلافه فلا يتقدم المفعول ، وكذا لا يتقدم المفعول على فعل التعجب مثل ما أحسن زيدا ؛ لأنه لا يتصرف فيه ، وكذا لام الابتداء. (عصمت).

(٢) قيل توصيف الفعل بالعامل إشارة إلى أن هذه الحذف غير مختص بالفعل ، بل يحذف عامله الذي شبه الفعل أيضا ، لكن يجب أن يعلم أن العامل الأعم إنما هو في الحذف جوازا ، وفي ما أضمر عامله ، وأما في الحذف وجوبا سماعا ، وفي المنادى والمندوب والتحذير فالعامل المحذوف هو الفعل كما لا يخفي. (عصمت).

(٣) قوله : (في باب الإغراء) وهو معمول الذم المقدر مغرا ، أو معطوف عليه بالواو مع معطوفه ، فالأول أخاك أخاك إن من لا أخاك كساع إلى مكررا بغير سلاح ، والثاني نحو : شأنك. (وجيه الدين).

(٤) أي : مباحث أربعة مواضع بالنسبة إلى أبواب الإغراء ، والمنصوب على المدح والذم ، والترخم وهذا صحيح بالنسبة إلى غير الأول الذي هو السماع. (وجيه الدين).

(٥) يعني حذف الفعل بطريق الوجوب في القسم الأول من هذه الأربعة موقوف الذي هو السماع.(غجدواني).

٢٤٢

أي : اترك امرأ ونفسه (١)(انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] أي : انتهوا (٢) عن التثليث

واقصدوا خيرا لكم ، وهو التوحيد (وأهلا (٣) وسهلا) أي : أتيت أهلا ، أي : مكانا مأهولا معمورا ، لا خرابا ، أو أهلا لا أجانب، ووطئت سهلا من البلاد، لاحزنا(٤).

(و) الموضع (الثاني) من تلك المواضع الأربعة :

(المنادى)

(المنادى) (٥) :

(وهو المطلوب (٦) إقباله) (٧) أي : توجهه اليك بوجهه أو بقلبه ، كما إذا ناديت

__________________

(١) أي : اتركه مع نفسه ، يقال ذلك لرجل ينصح شخصا لا يؤثر فيه نصحه ، يعني : اتركه يصنع ما شاء ، فإن نصحك لا يليق به. (شرح).

(٢) وقيل هو صفة مصدر محذوف أي : انتهائي : خيرا لكم ، وقيل : خبر يكن المحذوف أي : انتهوا يكن الانتهاء خيرا لكم ، وفيهما نظر ؛ لعدم اطراد الأول في نحو : انته قاصدا ، وكون حذف كان بلا حرف الشرط شاذ فيه.

(٣) قال المبرد : المنصوبات هنا على المصدرية ، وقال أبو حيان : إنما يكون أهلا وسهلا من المفعول به ، إذا استعملا خبرا وإن استعملا دعاء فمن المصدر. (زيني زاده).

(٤) الحزن بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الزاء ما غلط من الأرض والسهل نقيض الصلب بمعنى الجبل (حواشي هندي).

(٥) النداء في القرآن على سبعة مراتب نداء المدح كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ)[الأنفال : ٦٤] و (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ)[المؤمنون : ٥١] ، ونداء الذم مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا)[التحريم : ٧] ، ونداء التنبيه كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ)[الأنفطار : ٦] ، ونداء الإضافة كقوله تعالى : (يا عِبادِيَ)[العنكبوت : ٥٦] ، ونداء النسبة نحو : (يا بَنِي آدَمَ)[الأعراف : ٢٦] و (يا بَنِي إِسْرائِيلَ)[البقرة : ٤٠] ، ونداء الاسم كقوله تعالى : (يا إِبْراهِيمُ)[هود : ٧٦] و (يا داوُدُ)[ص : ٢٦] ، ونداء التعين كقوله تعالى (يا أَهْلَ الْكِتابِ)[آل عمران : ٦٤] (تفسير).

(٦) هذا كالجنس يشمل المنادى وغيره نحو قولك : أطلب إقبالك على أن يكون الفعل إنشاء ، فلما قال بحرف خرج عند أمثال هذا ؛ لأن الإقبال فيه ليس بمطلوب بالحرف بل الفعل (عافية شرح الكافية).

(٧) وخرج به ما ليس بمطلوب الإقبال ، ونحو (يا الله) لا يصدق عليه كونه مطلوب الإقبال اللهم إلا إن يحتمل على التحيل (كأنياب المنية) ، وفيه أنه يستلزم تشبيه الله تعالى بما يكون مطلوب الإقبال ، أو يكون المراد المطلوب إقباله ولو حكما فيصدق عليه ؛ لأنه سؤال الإجابة (هندي).

أي : إقبال مدلوله بحذف المضاف إليه أو من قبيل وصف الدال بصفة المدلول (جلبي).

٢٤٣

مقبلا عليك بوجهه حقيقة ، مثل : (يا زيد) أو حكما مثل : (يا سماء ويا أرض ويا جبال فإنها نزلت أولا منزلة من له صلاحية النداء ثم أدخل عليها حروف النداء وقصد نداؤها. فهي في حكم من يطلب إقباله بخلاف المندوب ؛ لأنه المتفجع عليه ، أدخل عليه حرف النداء لمجرد التفجع ، لا لتنزيله منزلة المنادى ، وقصد نداؤه. فخرج (١) بهذا القيد عن تعريف المنادى ، ولهذا افرد المصنف أحكامه بالذكر فيما بعد ، وفيه تحكم (٢) ، فإن المندوب أيضا كما قال بعضهم (منادى مطلوب إقباله حكما على وجه التفجع ، فاذا قلت (٣) (يا محمداه) فكأنك تناديه وتقول له : تعال ، فانا مشتاق إليك) فالأولى ادخاله تحن المنادى كما فعله (صاحب المفصل).

وقيل : الظاهر من كلام سيبويه أيضا أنه داخل في المنادى. (بحرف (٤) نائب مناب

__________________

(١) ولو قال : فلا يدخل بهذا القيد ؛ إذ قيدوا حكما في تعريف المنادى لكان أنسب بأول كلامه وآخره وأوضح (داود).

(٢) أي : في إخراج المندوب عن تعريف المنادى بقوله : المطلوب إقباله وإدخال أمثال يا سماء ويا أرض ويا جبال بتعميم هذا القول من الحقيقي والحكمي (توقادي).

قوله : (وفيه تحكم) لأن المندوب أيضا كما قال بعضهم منادى مطلوب إقباله كما في نحو يا سماء وجبال والظاهر ما قال المصنف وهو المندوب ليس بمنادى ؛ لأنه في الحقيقة متفجع عليه لا يقصد ندائه حتى يتكلف طلب الإقبال فيه وأما نحو يا سماء ويا جبال فلما لم يكن فيه أمر آخر غير النداء تكلف فيه معنى الندى وطلب الإقبال.

(٣) قوله : (فإذا قلت : يا محمد) إلخ لا يخفي عليك إن هذا المعنى بعيد وليس مقصودا لنادب بل مقصوده إظهار التألم للسامعين بسبب المندوب وليس مراده طلب إقبال المندوب له بوجه من الوجوه لا حقيقة ولا حكما مع أن المندوب باب واسع كثير الدوران على ألسنتهم فجعله داخلا على المجاز في المنادى مستبعد جدا فلم يكن جعل المندوب بابا على حدة تحكما مع إن المقصود جعله ذا جهتين فنظر إلى كونه مناسبا بالمنادى في أكثر الأحكام لم يجعله بابا مستقلا ولم يفصله من المنادى ولم يقل في صدر البحث ووجوبا في خمسة مواضع بجعله موضعا خامسا ونظرا إلى كونه بابا واسعا كثير الدوران على ألسنتهم وعدم شمول تعريف المنادى بدون التكلف لزم مخالفته بالمنادى في بعض الأحكام وفي كونه مدخولا وذكره على حدة في بحث المنادى فكان المصنف اعترض اعتراضا فعليا على صاحب المفصل (عصمت).

(٤) وإنما وجب حذف الفعل فهنا ؛ لأن حرف الندى قائم مقام الفعل ونائبا منابه فلم يجز الجمع بين النائب والمنوب هنا إذا كان حرف النداء ملفوظا ولم يجز أيضا ذكر الفعل عند حذف حرف الندى لئلا يلتبس بالأخبار فإن ذكر الفعل يوهمه الأخبار بناء على أصله (متوسط).

٢٤٤

أدعو) (١) من الحروف الخمسة ، وهي (يا ، وأيا وهيا وأي) والهمزة. واخترز به عن نحو : ليقبل زيد (٢).

(لفظا أو تقديرا) تفصيل للطلب (٣) أي : طلبا لفظيا (٤) بأن تكون آلة الطلب لفظيّة نحو : (يا زيد) ، أو تقدير يا بان تكون آلته مقدرة نحو : (يوسف (٥) أعرض عن هذا) أو للنيابة أي : نيابة لفظية بأن يكون النائب ملفوظا ، أو تقديرية بأن يكون النائب مقدرا ، كما في المثالين المذكورين ، أو للمنادى (٦) والمنادى الملفوظ ، مثل : يا زيد ، والمقدر، مثل : (ألا يا اسجدوا) (٧) أي : ألا يا قوم اسجدوا.

وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به ، وناصبه الفعل المقدر. وأصل

__________________

(١) قال مناب أدعو الإنشائي ؛ لأن الجملة الندائية إنشائية فالأولى تقدير دعوت أو ناديت ؛ لأن الأغلب في الأفعال الإنشائية مجيئها بلفظ الماضي (لارى).

المناب اسم مكان منصوب لفظا ظرف نائب وحذف في فيه وإن لم يكن من الجهات لكونه جاريا مجرى لفظ المكان لكونه ذا ميم فيه معنى الاستقرار (هندي).

(٢) لأن زيدا مطلوب إقباله لكن لا بحرف نائب مناب أدعو بل بلام الأمر ؛ لأن اللام ليس بنائب أقبل. (عج).

(٣) وفي شرح المصنف قوله : (لفظا أو تقديرا تفصيل للحرف) والعجب من الفاضل الجامي أنه لم يتعرض لما ذكره المصنف في الشرح وقال هذا تفصيل للطلب أي : طلبا لفظيا بأن يكون آلة الطلب لفظية نحو يا زيد أو تقديرا بأن يكون آلته مقدرة مثل (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)[يوسف : ٢٩] (زيني داده).

قوله : تفضيل للحرف الخ. الظاهر أنه تفصيل للحرف بعد تمام الحد كما قال المصنف في الشرح (وجيه الدين).

(٤) ويمكن أن يجعل حالا أي : الذي طلب إقباله بعرف نائب الخ. حال كون ذلك الحرف ملفوظة أو مقدرة ولعله أظهر (سيدي).

(٥) مثل يوسف فإن يوسف منادى وكل منادى إنشاء فإذا ذكر الفعل التبس الإنشاء بالإقبال عنه إذا كان حرف النداء منويا ، أما إذا كان منسيا بالكلية فيجوز ذكر الفعل أعرض يوسف (محمد أفندي).

(٦) قوله : (أو للمنادي) أي : تفصيل للمنادى فعلى هذا يكون هذين اللفظين تفصيلا للحدود وخارجا عن الحد وعلى الوجهين الأولين يكونان تفصيلا للحد داخلا فيه (مصطفى جلبي).

(٧) بتخفيف إلا على أنه حرف تنبيه ، ويا حرف النداء أي : يا قوم اسجدوا والقرنية امتناع دخول يا على الفعل وأما على إلا بالتشديد فليس مما نحن فيه (جلبي).

٢٤٥

(يا زيد) : أدعو زيدا ، فحذف الفعل حذفا لازما ، لكثرة (١) استعماله ، ولدلالة حرف النداء (٢) عليه ، وافادته فائدته. وعند المبرد (٣) : بحرف النداء لسده مسد الفعل.

وقال أبو علي (٤) في بعض كلامه : أن (يا) وأخواته أسماء (٥) أفعال.

فعلى هذين المذهبين لا يكون من هذا الباب ، أي : مما انتصب المفعول به بعامل واجب الحذف ، وعلى المذاهب كلها ، مثل : (يا زيد) جملة وليس المنادى أحد جزئي الجملة.

فعند سيبويه كلا جزئي الجملة ـ أي : الفعل والفاعل ـ مقدران.

وعند المبرد (٦) حرف النداء قائم مقام أحد جزئي الجملة ، أي : الفعل ، والفاعل (٧) مقدر.

__________________

(١) والمقصود من كثرة الاستعمال فيه أن الواضع قبل الوضع علم أن هذا الباب سيكثر في الاستعمال فوضع بالحذف لا إنه استعمل بذكر الفعل فحصل كثرة الاستعمال فوضع ثم حذف الفعل للاختصار ؛ لأن ذلك يستلزم إظهار الفعل كما لا يخفي (ابن جني).

(٢) ونيابة حرف النداء مناب الفعل تخفيفا إلا أنه يحذف لكثرة الاستعمال فإنه ينافي الوجوب (تركيب).

(٣) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأذدي البصري المعروف بالمبرد النحوي سنة ٢١٠ ولادتي سنة ٢٨٦ وفاتي بغداد مدفون (ابن خلكان).

(٤) أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن ايان الفارسي النحوي المشهور سنة ٢٨٠ ولادتي هجرت سنة ٣٧٧ وفاتي (ابن خلكان).

ـ وإنما قال في بعض كلامه إشارة إلى أن المختار عنده ما ذهب إليه المصنف (م).

(٥) وقول أبي علي باطل ؛ لأنه يجوز حذف حرف النداء مع بقاء عمله بخلاف اسم الفعل ، ولأنه يستعمل بالإفادة بالنظر إلى مسماه ؛ لأنه جملة وحرف النداء ليس كذلك ، ولأنه يلزم منه كون اسم الفعل على حرف واحد في الهمزة ولم يوجد ذلك في أسماء الأفعال وإذا بطل في الهمزة بطل في الكل حملا عليه (هندي).

(٦) قوله : (عند المبرد ... إلخ). فيه أن الحرف لا يقوم مقام الفعل في إفادة معناه والفاعل ضمير مستتر لا يكون أيضا مقدرا إلا بتبعية الفعل فلا بد أن يحمل كلام المبرد على أن الحرف قائم مقام الفعل في العمل وكلا جزئي الجملة مقدر (عصمت).

(٧) وهو لفظ أنا في أدعو فيقال له فاعل لحرف النداء مجازا على مذهبه كما في الظرف (ع ب).

٢٤٦

وعند أبي علي : أحد جزئيها اسم الفعل والآخر ضمير مستتر فيه.

(ويبنى) (١) اي : المنادى : قدم بيان البناء والخفض والفتح على النصب لقلتها بالنسبة إلى النصب (٢) ، ولطلب الاقتصار في بيان النصب بقوله (وينصب ما سواهما).

(على ما يرفع به) أي : على الضم (٣) أو الألف أو الواو التي يرفع بها المنادى في غير (٤) صورة النداء. والفعل مسند إلى الجار والمجرور ، أي : (به) ولا ضمير فيه وارجاع (٥) الضمير إلى الاسم غير ملائم لسوق الكلام (٦).

__________________

(١) أي : يجب أن يثني كما هو الأسلوب في الأحكام والقواعد ، ثم لما كان العلم الموصوف بابن مضاف إلى علم آخر مما يختار فتحه ولم يجب فيه البناء وعلى ما يرفع به فهو بمنزلة المستثنى من هذه القاعدة (عصمت).

ـ أي : يجب أن يثني والأحسن في العبارة أن يقال المنادى أن كان مبنيا ترك كما هو.

(٢) قوله : (لقلتها بالنسبة إلى النصب) فإنه في ثلاثة مواضع بخلافها فإنها موضعان وهما المفرد المعرفة والمستغاث) كذا قيل : وهذا إنما يقتضي التقديم لو كان بيانها قليلا بالنسبة إلى بيانه ولا يظهر ذلك على ما ذكره المصنف فالأولى أن يؤخر هو بأنها قليلة باعتبار الموضع والقليل بالنسبة إلى الكثير تحقيقا للمناسبة بمنزلة المفرد من المركب والمفرد مقدم على المركب فقدم بيان القليل على بيان الكثير أيضا (وجيه الدين).

(٣) قوله : (على الضمة) لفظا أو تقديرا كما في المقصور والمنقوص والمبنى) قبل النداء مثل : يا هذا ويا هؤلاء ويا أنت وجوز أيضا يا أياك نظر إلى كونه مفعولا به وإذا اضطر إلى تنوين المنادى المضموم اقتصر على قدر الضرورة كما قال الشاعر.

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

(عبد الغفور).

(٤) يعني : أنه من قبيل أرضعت هذه المرأة هذا الشاب ولك أن تجعل الضمير إلى ذات المنادى فيكون من قبيل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)[المائدة : ٨] (لارى).

(٥) وهذا جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل لم لا يجوز أن يكون في الفعل ضمير يرجع إلى الاسم فح لا يحتاج إلى أن يقال في غير صورة النداء (سعد الله أفندي).

(٦) لأن الكلام مسوق لبيان المنادى لكنه خال عن التكلف الذي في رجع الضمير إلى المنادى (لارى).

ـ لأن قرنية الخصوص التي هي مبحث المنادى أولى من قرنية العموم التي هي بحث الاسم مطلقا.

٢٤٧

(إن كان) أي : المنادى (مفردا) أي : لا يكون مضافا ولا شبه مضاف. وهو كل اسم لا يتم (١) معناه الا بانضمام (٢) أمر آخر إليه.

(معرفة) قبل النداء أو بعده.

وإنما بنى المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية (٣) ، وكونه مثلها افرادا أو تعريفا (٤). وذلك ؛ لأن (يا زيد) بمنزلة (أدعوك) وهذه الكاف ككاف (٥) (ذلك) لفظا ومعنى.

وإنما قلنا (٦) ذلك (٧) ؛ لأن الاسم لا يبنى الا لمشابهته الحرف أو الفعل ولا يبنى

__________________

(١) قال الشيخ الرضي : ما حاصله : يرجع إلى أن شبه المضاف اسم يجيء بعده أمر من تمامه وذلك الأمر ثلاثة ضروب ، أما معمول له نحو يا طالعا جبلا ويا حسنا وجهه ويا خيرا من زيد ، وأما معطوف على ذلك الاسم على أن يكون المعطوف مع المعطوف عليه اسما لشيء واحد سواء كان علما له نحو يا زيد أو عمر إذا سميت شخصا بذلك المجموع أو لم يكن علما نحو يا ثلثة وثلثين ؛ لأن المجموع اسم لعدد معين كأربعة فهو كخمسة عشر إلا أنه لم يتركب ، وأما نعت له فإنه لدلالته على معنى في المتبوع بمنزلة جزئه ويشترط أن يكون ذلك النعت جملة أو ظرفا نحو قولك : يا حليما لا تعجل وقول الشاعر : ألا يا نخلة من ذات عرق (لارى).

(٢) كاسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل مع معمولها (وافرة).

(٣) من جهة الأفراد والخطاب لا التعريف ؛ لأن كاف ذاك حرف ، والتعريف من خواص الاسم (محمد أفندي).

(٤) وإنما اعتبرهما ليتقوى جهة الاتحاد ؛ ولا يلزم بناء المضاف وما في حكمه والنكرة لغير المنفية (لارى).

(٥) فالمشابهة من جهة الإفراد والخطاب لا بالتعريف ؛ لأن كاف ذاك حرف وكاف أدعوك اسم والتعريف من خواص الاسم.

(٦) قوله : (وإنما قلنا) : أن قلت : مشابه المشابه للشيء لا يلزم أن يكون مشابها لذلك الشيء لجواز الاختلاف في وجه الشبه قلنا المشابهة هنا بمعنى المناسبة والمناسب للشيء مناسب لذلك قطعا ولو بالواسطة ولو قيل : أن المشابهة بمعناها فنقول المقصود من ذلك التشبيه تغليب جهة الاتحاد وتقليل ما بالامتياز وجعله كأنه هو الكاف الاسمية وإذا ثبت أنه كاف اسمية حكما وهي مبنية لزم بناؤه (عبد الغفور).

(٧) أي : وإنما بني المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية(لمحرره).

٢٤٨

لمشابهة الاسم (١) المبني.

(مثل (يا زيد ، ويا رجل) مثالان لما هو مبني على الضمة (٢) أولهما معرفة قبل (٣) النداء ، وثانيهما معرفة بعد النداء.

(ويا زيدان) (٤) مثال المبني على الألف (ويا زيدون) مثال المبني على الواو (ويخفض) (٥) أي : ينجر المنادى (بلام (٦) الاستغاثة) (٧) أي : بلام تدخله وقت (٨) الاستغاثة وهي لام التخصيص أدخلت على المستغاث دلالة على أنه مخصوص من بين أمثاله بدعاء (نحو يا لزيد) وإنما فتحت (٩) لئلا يلتمس بالمستغاث له إذا حذف

__________________

(١) الذي هو الكاف في أدعوك ؛ لأن الاسم ليس بأصل في البناء وإلا لكان كالاستعارة من المستعير والسؤال من المحتاج (م).

(٢) لفظا مثل يا زيد ، أو تقديرا كيا قاضي ويا فتى مبنيان على الضمة التقديرية.

(٣) فإن قيل : قوله : (يا زيد) يعرف بالنداء والعلمية قيل : في ذلك وجهان أحدهما أنا نقول أن تعريف العلمية قد زالت منه ووجدت فيه تعريف النداء والقصد فلم يجتمع فيه تعريفان والثاني أنا لانم أن تعريف النداء والعلمية اجتمعا فيه ولكن جاز ذلك أنا إنما منعنا من الجمع بين التعريفين إذا كانا بعلامة كياء مع الألف واللام والعلمية ليست بعلامة لفظية فبان الفرق بينهما (كشف).

(٤) قال ويا زيدان فإن قلت : الصواب في التمثيل يا رجلان لأنهم قالوا إن العلم إذا ثني وجمع بالواو والنون لزمه لام التعريف وإيراد لام التعريف لا يصح ههنا فلا بد من تغيير المثال قلت : هذه القاعدة مختصة بغير المنادى فإن حرف النداء قائم مقام لام التعريف فلا حاجة إلى إيراد اللام (عصمة الله).

(٥) الجر عبارة البصريين ، والخفض عبارة الكوفيين وهما بمعنى واحد وإنما قال ويخفض ولم يقل ويكسر لكونه معربا ؛ لأن الخفض من ألقاب المعرب والكسر من ألقاب المبني (ألفية) (لمحرره).

(٦) وإنما اختير اللام من بين الحروف إذا المستغاث مخصوص من بين أمثاله بالدعاء وكذا لتعجب منه مخصوص بالاستحضار.

(٧) وهو من الغوث وهو استدعاء المطلوب أحدا لدفع الظلم عنه وهو يقتضي مدعوا ومدعوا عليه فالمدعو المستغاث به والمدعو إليه المستغاث (جلبي).

(٨) إشارة إلى أن إضافة اللام إلى الاستغاثة لأدنى الملابسة وليس الاستغاثة معنى اللام بل معنى اللام هو الاختصاص (عصمت).

(٩) فإن قيل : هذه اللام حرف الجر إذا دخلت على الضمير يجب كسرها لتوافق حركة معمولها ومفتوحة في الضمير لكون الفتح أخف والضمير أثقل وأجاب بقوله : (وإنما فتحت) لدخوله على الكاف حكما (لمحرره).

٢٤٩

المستغاث نحو (١) (يا للمظلوم) أي : يا قوم للمظلوم ، فإنه لو لم يفتح لام الاستغاثة لم يعلم أنّ المظلوم في هذا المثال مستغاث أو مستغاث له ، ولم يعكس الأمر ؛ لأن المنادى المستغاث واقع موقع كاف الضمير التي يفتح لام الجر معها ، نحو : (لك) بخلاف المستغاث له ، لعدم وقوعه موقع الضمير.

فان عطفت على المستغاث بغير (يا) نحو : يا لزيد (٢) ولعمرو ، كسرت لام المعطوف ؛ لأن الفرق بينه وبين المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث.

وان عطفت مع (يا) فلا بد من فتح لام المعطوف أيضا ، نحو : يا لزيد ويا لعمرو ، وإنما أعرب (٣) المنادى بعد دخول لام الاستغاثة ؛ لأن علة (٤) نبائه كانت مشابهته للحرف ، واللام الجارة من خواص الاسم فبدخولها عليه ضعفت مشابهته للحرف ، فأعرب على ما هو الأصل فيه.

__________________

(١) لا يكون الاستغاثة بغير كلمة يا ولا يكون لام الاستغاثة إلا في مقام الإغاثة أو التعجب أو التهديد (عص).

(٢) فلان زيدا وعمرا كلاهما مدعوان ولكن اللام تفتح في المعطوف عليه وتكسر في المعطوف لبعده عما وقع موقع المضمر وهو الداخل عليه لفظا (لباب).

ـ وإنما فتح اللام في المستغاث فرقا بين المدعو وهو المستغاث ، والمدعو إليه وهو المستغاث له وهو نحو للمسلمين في قولنا (يا لله للمسلمين) في اللام الداخلة في المستغاث له بما تعلق بما تعلق به اللام الأولى فالمعنى في يا الله للمسلمين أخص الله بالدعاء لأجل المسلمين وقد يستعمل المستغاث له بمن نحو يا الله من ألم الفراق ، وهو متعلق بما دل عليه ما قبله من الكلام أي : استغيث الله من ألم الفراق (داود خوافي).

(٣) جواب سؤال مقدر هو أن يقال المنادى مبني إذا كان مفردا معرفة نحو : يا لزيد ، وهو مفرد لعدم زوال الإفراد والتعريف ويلزم أن يكون مبنيا بعد دخول لام الاستغاثة ولم يكن معربا فأجاب بقوله : (وإنما أعرب المنادى) إلخ. (لمحرره).

(٤) أن قيل : دخول الجار على غير المنصرف لا يوجب صرفه ولكن يوجب إعراب المبني أجيب بأن علة بنائه في غاية الضعف وبأنه بدخول اللام صار بعيدا عما هو مدار الشبه وهو يا ، وخارجا عن الإفراد وفيه أن البدل يبنى مع بعده وأن الإفراد هنا في مقابلة الإضافة لا في مقابلة التركيب ولا يبعد أن يجاب بأن حرف النداء واللام إذا اجتمعا كانت الغلبة للام لقربها كما في تنازع الفعلين (عب).

٢٥٠

قيل (١) : قد يخفض المنادى بلامي التعجب والتهديد (٢) أيضا ، فلام التعجب نحو : (يا للماء) (٣) و (يا للدّاهي) ، ولام التهديد نحو : (يا لزيد لأقتلنّك) ، فلم أهمل المصنف (٤) ذكرهما؟ وكيف (٥) يصدق قوله فيما بعد وينصب ما سواهما كلّيا؟ وأجيب بأن كلا من هاتين اللامين لام الاستغاثة (٦) ، كأن المهدّد (٧) ـ اسم فاعل ـ يستغيث بالمهدّد ـ أسم مفعول ـ ليحضر ، فينتقم منه ، ويستربح من ألم خصومته ، وكأنّ المتعجب يستغيث بالمتعجب منه ليحضر ، فيقضي منه التعجب ويتخلص (٨) منه.

وأجيب عن لام التعجب بوجه آخر ذكره المصنف في (الإيضاح) وهو أن المنادى

__________________

(١) قائله فاضل الهندي اعترض على المصنف بأن قوله : (غير جامع ؛ لأنه قد يخفض المنادى (بلا) في التعجب والتهديد (لمحرره).

(٢) أي : بلام تدخل على المنادى وقت التعجب أو وقت التهديد فالإضافة لأدنى ملابسة (عصمت).

(٣) فكأنك أبصرت ماء في مكان لا يرجي ولا يظن وجوده فيه فأعجبك فتناديه وتقول تعال فإنك عجيب الشأن لا يعرفك كل أحد وقيل المعنى يا قوم اشهدوا الماء وتعجبوا منه (سعد الله).

(٤) قوله : (فلم أهمل المصنف) إلخ. اعترض بأن المناسب ذكر هذا المنادى أيضا عند إرادة ذكر أنواع المنادى (عصمت).

(٥) قوله : (وكيف يصدق) وينصب ، اللهم : إلا أن يحمل على الأعم الأغلب وأن يجعل مثل عبد الله من تتمة القاعدة وفيه تكلف.

(٦) وما يسمى لام التعجب نحو : يا للماء ويا للدواهي بفتح اللام وكسرها فهي للاستغاثة في التحقيق والمنادى مستغاث به بفتح اللام كأنه قيل : يا أيها الماء أدعوك ليعجب منك الناس ومستغاث إليه أن كسرتها كأنه قيل : يا قوم أدعوكم إلى الماء فكذا الكلام بالدواهي (شيخ الرضي).

ـ يعني : قول المصنف شامل عليهما ؛ لأنهما في الحقيقة لام الاستغاثة (محمد أفندي).

(٧) قوله : (كان المهدد) اسم فاعل يعني : كان المهدد يستغيث ويقول يا مهدد أغثني لأجل خصومتي وأحضر مني لأنتقم فيدفع ألم خصومتي أو توجه إلى بقلبك حتى أهدد فأتخلص من ألم ترك المأمور به) ، وكذلك المتعجب يستغيث ويقول يا متعجب منه أغثني لأجل العجب ، واحضر أو دم على حالتك ليقضي منك العجب وتخلص منه ، والأول فيما صح إذا كان المهدد والمتعجب منه غائبا أو بعيدا ، والثاني : فيما إذا كان قربيين فلا يرد ما قيل: أنه يأبى عن هذا التوجيه أن المتكلم بهذا النداء في حضور المهدد والمتعجب منه وأنه لا معنى للاستغاثة بشيء لا يحصر فينتقم منه ؛ لأنه لا يتصور الاستغاثة منه (وجيه الدين).

(٨) من بعد عجبه إلى أحوال ويتبع من عجائبه ولم ينظر مرة أخرى هذا معنى التخلص. (عبد الله قلعي). ـ

٢٥١

في قولهم (يا للماء) و (يا للدواهي) ليس الماء ولا الدواهي وإنما المراد : يا قومي أو يا هؤلاء اعجبوا للماء وللدواهي ولا يخفى عليك أن القول بحذف المنادى على تقدير كسر اللام ظاهر ، وأما على تقدير فتحها فمشكل (١) لانتفاء ما يقتضي فتحها ، كما هو الظاهر مما سبق (٢) (ويفتح) أي : يبنى المنادى على الفتح (لإلحاق ألفها) (٣) أي : ألف الاستغاثة بآخره لاقتضاء الأف فتح ما قبلها (ولا لام) (٤) فيه حينئذ ؛ لأن اللام يقتضي الجر والألف الفتح فبين أثريهما تناف (٥) ، فلا يحسن الجمع بينهما (مثل : يا زيداه) بإلحاق الهاء به للوقف (وينصب ما سواهما) (٦) أي : ينصب (٧) بالمفعوللية ما سوى المنادى المفرد المعرفة (٨) ، ...

__________________

ـ لا وهذا تعسف بارد على أن التهديد يقتضي الاستيلاء ولاستغاثة التذليل وأن الموجود قبل النداء وسببه الضحك والسبب كيف يقتضي منه العجب ويراد التخلص (امتحان).

(١) قوله : (شكل) إلخ. الأشكال إنما يكون إذا انحصرت وجه الفتح فيما سبق وإلا فلا أشكال ؛ إذ يجوز أن يكون وجه الفتح وقوعه موقع كاف الخطاب صورة فتأمل. (عصمت).

ـ ويمكن الجواب بأنه منادى حكما وصورة لقيامه مقامه. (ح).

(٢) لأنه يظهر مما سبق أن فتح اللام لوقوعه موقع كاف الضمير ، أي : كاف الخطاب كذلك ؛ لأن الماء والدواهي ليس موقع الكاف بل القوم وقع موقعه. (تأمل).

(٣) وهذه الألف تدل على أن الاسم مستغاث كدلالة اللام في يا لزيد ولذلك لا يجمع بينهما. (خوافي).

(٤) ولا يجتمعان تحرزا عن التكرار والجمع بين العوضين لا فائدة في الجمع بين لفظ إذا وحين إلا أن يقال جمع بينهما للمبالغة والتأكيد.

(٥) قوله : (فبين أثريهما تناف) فيه أنه يجوز الجر بالفتحة كما في غير المنصرف فلم يكن بين أثريهما تناف في هذه الصورة مثل : يا لاحمداه إلا أن يعتبر اطرادا للباب ويمكن أن يقال أن التنافي في بين أثريهما باعتبار أن أثر أحدهما وهو اللام الإعراب وأثر الآخر وهو الألف البناء فإنه وإن كان كلاهما بالفتح الواحد أعرابا وبناء لا يصح (عصمت).

(٦) أي : يبقى المنادى على نصب كان له قبل النداء فلا يرد أن نصب المنادى تحصيل الحاصل وذا لا يحصل (ب ع).

(٧) قوله : (أي : ينصب بالمفعولية) بقرنية كون المنادى من المواضع الأربعة التي يجب فيها حذف الفعل العامل في المفعول به وقوله : (ما سوى المنادى المفرد المعرفة والمنادى المستغاث يشير إلى أن تثنية الضمير باعتبار هذين القسمين (مصطفى جلبي).

(٨) والأولى أن يقال المفرد المعرفة من كل وجه لئلا يرد المنادى المتعجب منه والمهدد.

٢٥٢

والمنادى المستغاث مع اللام أو الألف لفظا أو تقديرا (١) إن كان معربا قبل دخول حرف النداء ؛ لأن علة النصب وهي المفعولية متحققة فيه ، وما غيّره مغير عن حال وما سوى المفرد المعرفة ، أما ما لا يكون مفردا بأن يكون مضافا أو شبه مضاف ، وأما ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة ، وإما ما لا يكون مفردا ولا معرفة ، فالقسم الأول وهو ما لا يكون مفردا لكونه مضافا (مثل : يا عبد الله) (٢).

والقسم الثاني : وهو ما لا يكون مفردا لكونه شبه مضاف (٣) (مثل : يا طالعا (٤) جبلا).

__________________

(١) قوله : (لفظا أو تقدير إلخ). هذا القيد يخرج من الحكم نحو (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ)[المائدة : ١١٩] ونحو : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ)[الشعراء : ٨٨] ويا مثل : ما ينفعني ويا غير ما يضرني مما هو مضاف إلى الجملة مبني على الفتح ؛ لأنه لم يعرب قبل النداء ولم ينصب لفظا أو تقديرا بل محلا لكنه داخل فيما سواهما فيلزم عدم تبين حاله فالأولى عدم التقييد وجعل النصب في ينصب ما سواهما أعم من أن يكون لفظا أو تقدير أو محلا ليتناول المبني لمبني الذي هو ما سواهما ويجعل منادى كالأمثلة المذكورة.

(٢) فإن قلت : أن مثل يا عبد الله بعد ما جعل علما لا ينبغي أن يعرب بإعرابين نصب الأول وجر الثاني ؛ لأنهما بمنزلة حرفي الكلمة والجواب أن كلمات المنقولة إعرابها باعتبار المنقول عنه ومعناه باعتبار المنقول إليه (شرح اللباب).

ـ منصوب لفظا أو تقديرا فيمن يقول يا غلام غلام زيد إذا كرر المنادى في حال الإضافة ولم ينوى الإخراج (مفتاح).

(٣) واعلم أن جميع الأسماء المضافة جاز أن يكون منادى إلا المضاف إلى المضمر المخاطب فلا يقال يا غلامك لاستلزامه اجتماع النقيضين ؛ لأن الغلام مخاطب من حيث أنه منادى وغير مخاطب من حيث أنه مضاف إلى المخاطب لوجود تغايرهما (متوسط).

(٤) قوله : (يا طالعا) صفة موصوفة محذوف ، أي : كوكبا طالعا جبلا ، وجبلا منصوب لكونه مفعولا به بنزع الخافض تقديره يا طالعا من جبل (جلبي).

ـ ويا حافظا (لا يسيء) جملة فعلية (ويا شاعرا لا شاعر اليوم مثله) جملة اسمية (وإلا يا نخلة من باب عرق) جملة ظرفية ويا ثلثة وثلثين علما (عصمت).

ـ قوله : (يا طالعا جبلا) ، فإن قيل : اسم الفاعل لا يعمل بدون الاعتماد فكيف عمل طالعا مع أنه لم يعتمد ، قيل الموصوف ههنا مقدر ، فإن قيل : فعلى هذا يكون من باب يا رجلا صالحا وهو مشكل ؛ لأن نحو يا طالعا جبلا معرفة بدليل تعرف صفته يقال يا طالعا جبلا الطريق بخلاف يا رجلا صالحا فإنه نكرة بدليل عدم تعرف صفته ، لا يقال : يا رجلا الصالح ، قيل : أنه اعتمد ـ

٢٥٣

والقسم الثالث : وهو ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة (مثل : يا رجلا). مقولا (لغير (١) معين) ، أي : لرجل غير معين وهو توقيت لنصب رجلا ، لا تقييد له (٢) ؛ لأنه منصوبا لا يحتمل المعين.

والقسم الرابع : وهو ما لا يكون مفردا ولا معرفة مثل يا حسنا وجهه ظريفا (٣) ، ولم يورد المصنف لهذا القسم مثالا (٤) ؛ إذ حيث اتضح انتفاء كل من القيدين بمثال سهل تصور انتفائهما معا ، فلا حاجة إلى إيراد مثال له على انفراده مع أن المثال الثاني يحتمله ، فيمكن أن يراد بقوله يا طالعا جبلا غير معين ؛ لأن هذه العبارة أعم من أن يراد بها معين ، فأمثلة الأقسام بأسرها مذكورة وهذه الأمثلة (٥) كلها مثال لما سوى المستغاث أيضا ، فلا حاجة إلى إيراد مثال له على حدة.

__________________

ـ على موصوف معرف مقدر والتقدير يا أيها الطالع فحذف أي : للاختصار ثم حذف اللام لئلا يجتمع ألف التعريف ثم ينصب طالعا لكونه مضارع للمضاف (وجيه الدين).

(١) وإنما قال لغير معين ؛ لأن النكرة بالقصد والإقبال يصير معينة مخاطبة فيقع موقع حرف الخطاب فيبني قيد بذلك احترازا عنها (غجدواني).

(٢) قوله : (لا تقييد له) بأن يكون حالا عن رجلا يعني إنما يكون تقييدا له إذا احتمل نصب رجلا مقولا لمعين وليس بمحتمل له فلا يمكن أن يكون تقييد له فيلزم أن يكون للتوقيت ، يعني : كون الرجل منصوبا وقت كونه مقولا لغير معين (حواشي هندي).

ـ يعني : أن كون الرجل مقولا لغير معين قيل : النصب لزم أن يكون نصبه بدون هذا القيد ؛ لأن القيد عام والعام يوجد بدون الخاص وح يلزم أن يوجد نصب الرجل حال كونه مقولا لمعين وهو باطل حينئذ يبني على الضم فلم يوجد نصبه فما فرض قيدا فليبس بقيد بل هو توقيت له (حاشية).

(٣) نقل عنه في الحاشية وإنما قيدنا بقوله : (ظريفا) ليكون نصا في كونه نكرة لم يقصد به معين فأنه لو قصد به معين يقال ههنا وجهه الظريف انتهى اعلم أن في شبه المضاف إذا قصد به معين وجب تعريف وصفه إلا إذا كان منعوتا بالجملة فإنه ح لا يوصف بالمعرفة فلا يقال : يا حليما لا تعجل القدوسي بل يقال : قدوسا ويقال يا نخلة من ذات عرق طويلة ولا يقال الطويلة (عصمت).

(٤) إذ حرف التعليل حيث للشرط بمعنى إذا : مضافا إلى جملة اتضح وهو فعل شرط وسهل جزاء الشرط والجملة مفعول له.

(٥) قوله : (وهذه الأمثلة) إلخ. كأنه قد قال وينصب ما سوى المفرد المعرفة والمستغاث ومثل بما سوى المفرد المعرفة ولم يمثل بما سوى المستغاث فأجاب بقوله : (وهذه الأمثلة إلخ. (قدقي).

٢٥٤

(وتوابع المنادى المبني) (١) على ما يرفع به (المفردة) (٢) حقيقة أو حكما إنما قيد المنادى بكونه مبنيا ؛ لأن توابع المنادى المعرب تابعة (٣) للفظه فقط ، وقيدنا (٤) المبني بكونه على ما يرفع به ؛ لأن توابع المستغاث بالألف لا يجوز فيها الرفع ، نحو : يا زيداه (٥) وعمرا لا وعمرو ؛ لأن المتبوع مبني على الفتح ، وقيد التوابع بكونها مفردة لأنه لو لم تكن مفردة لا حقيقة ولا حكما كانت مضافة بالإضافة المعنوية وحينئذ لا يجوز فيها إلا النصب (٦) ، وإنما جعلنا (٧) المفردة أعم من أن تكون مفردة حقيقة بأن لا تكون

__________________

(١) غير المستغاث بالألف فإنه مبني على الفتح لا يرفع توابعه وغير المبهم فإنه صفة لازمة الرفع كما سيجيء (هندي).

ـ ويجب أن يعلم أن المراد في قوله : (وتوابع المنادى المبني) المفردة هو المبني بسبب النداء لأن هذا الحكم إنما يأتي به فأما في المبنيات اللازمة فالحمل على المحل ليس إلا كقولك يا هؤلاء الكلام (غجدواني).

(٢) والمفرد الحقيقي هو الذي لم يوجد فيه إضافة أصلا لا معنوية ولا لفظية ولا شبه مضاف والمفرد الحكمي هو الذي لم يوجد فيه معنوية فقط وأن وجد غيرها (محمد أفندي).

(٣) سواء كان ذلك التابع مبنيا أو معربا فإن كان مبنيا فيعرب محلا بإعراب المنادى نحو : يا عبد الله وإن كان التابع معربا فيعرب لفظا أو تقديرا بإعراب المنادى نحو : يا لزيد وعمرو فإنه يجب جر عمرو ولم يجز نصبه حملا على محله الذي هو المفعول به (عصمت بخاري).

(٤) قوله : (وقيدنا المبني الخ). هذا القيد مستفاد من الحكم فإن الرفع لا يتصور في تابع المستغاث بالألف قيل : وكذا لا يتصور الرفع في توابع العلم الموصوف بابن إذا كان مفتوحا ولك أن تقول أن اللام في المبنى للعهد إلى مافهم من قوله : (ويبني على ما يرفع به) فلا حاجة إلى التقييد (لارى).

(٥) قوله : (يا زيدا أو عمرا) بإلحاق الألف في المعطوف كالمعطوف عليه قاله السيد السند في حاشية الرضي وكذلك يا تميما أجمعين بالنصب تبعا للفظ أو المحل ولا يجوز أجمعوك وكذا يا زيدا الطريق بالنصب فقط (قدقيرحمه‌الله).

(٦) لأن المنادى إذا كان مضافا لم يجز فيها إلا النصب وتوابعه إذا كان مضافا لم يجز فيها إلا النصب بالأولوية (متوسط).

(٧) قوله : (وإنما جعلناه) إلخ. هذا غير متبادر من المفرد ههنا بل المتبادر من المفرد ما قصد سابقا في المنادى المفرد والمعرفة من أن لا يكون مضافا لا بالإضافة المعنوية ولا بالإضافة اللفظية ولا شبه مضاف لكن لما كان الحكم الآتي من قوله : (يرفع وينصب) جاريا في الإضافة اللفظية وفي شبه المضاف حمل العبارة على غير المتبادر وجعل المفرد أعم ؛ إذ الأحكام قد تكون باعثة لتعميم الموضوعات وقد تكون باعثة لتخصيصها (عصمت).

٢٥٥

مضافا معنويا ولا لفظيا ولا شبه (١) مضاف ، أو حكما بأن تكون مضافا لفظيا أو مشبها بالمضاف ، فإنهما لما انتفت عنهما الإضافة المعنوية كانا في حكم المفرد (٢) ، ليدخل (٣) فيها المضافة بالاضافة اللفظية والمشبهة بالمضاف ؛ لأنها كالتوابع المفردة في جواز الرفع والنصب نحو : (يا زيد الحسن الوجه) و (الحسن الوجه) و (يا زيد الحسن وجهه و (الحسن وجهه).

ولما لم (٤) يجز الحكم الآتي في التوابع كلها بل في بعضها ، ولم يجز فيما هو جار فيه مطلقا بل لا بد في بعضها من قيد ، فصل التوابع الجاري هذا الحكم فيها ، وصرح بالقيد فيما هو محتاج إليه ، فقال (من التأكيد) (٥) أي : المعنوي (٦) ؛ لأن التأكيد اللفظي ، حكمه (٧) ...

__________________

(١) الظاهر لا حاجة في إدراجه في المفرد إلى هذا التعميم ؛ لأنه مفرد حقيقة ؛ لأنه ليس بمضاف نعم في إخراجه عنه يحتاج إلى ... كما أشير إليه (لارى).

(٢) فالشرح إنما كان المضاف إضافة لفظية في حكم المفرد ؛ لأن إضافة كلا إضافة فيجوز فيه الرفع والنصب وإن كان مضارعا للمضاف ؛ لأن المضارع إذا كان تابعا للمضموم ليس واجب النصب كما وجب نصب المضاف أما إذا كان منادى فحكمه حكم المضاف (داود خوافي).

(٣) وإن لم يجعل المفردة أعم من المفردة الحقيقي والحكمي لا يدخل المضافة اللفظية أو المشابهة ؛ لأن المطلق ينصرف إلى فرد كامل وفرد الكامل هنا المضاف المعنوي.

(٤) قوله : (لما لم يجر) الحكم يعني ، لم يجر الحكم الآتي وهو الرفع على اللفظ والنصب في التوابع كلها بل في بعضها ولم يجر فيما هو جار فيه مطلق بل مع قيد فلا بد من تفصيل التوابع الجاري فيها هذا الحكم لتعين تلك التوابع ويخرج ما سواها ولا بد من تقييد لتعين ما هو جار فيه هو المعطوف بحرف لا تمنع دخول ياء عليه فظهر ترتيب التفصيل والتقييد فلا يرد ما قيل : أن عدم الجريان لا يقتضي التفصيل بل التقييد (وجيه الدين).

(٥) صفة التوابع ؛ لأن من البيانية إن كان بعد المعرفة يكون صفة وإن كان بعد النكرة يكون حالا عنه وههنا هو الأول (هندي).

(٦) قوله : (أي : المعنوي) على ما فسره الشارحون وكان المختار عند المصنف ذلك أي : إعراب التأكيد اللفظي رفعا ونصبا وأما تقييده في الشرح المفصل فبناء على الأعم الأغلب هذا توجيه ما ذكره إلا أن ظاهر المختار عنده في شرح المفصل كما يشعر به التمثيل للتأكيد في شرحه للكافية بنحو يا تميم أجمعون وأجمعين (وجيه الدين).

(٧) لعدم جواز الوجهين فيه قوله : (حكمه في الأغلب) راجع إلى البناء فقط فما لأولى حكمه حكم الأول أعرابا في الكل وبناء في الأغلب بل الأولى حكمه حكم الأول في الأغلب ؛ لأن المبحوث عنه توابع المنادى المبنى (داود).

٢٥٦

في الأغلب حكم الأول (١) إعرابا وبناء ، نحو : يا زيد زيد ، وقد يجوز اعرابه رفعا ونصبا.

وكأن المختار عند المصنف ذلك ، لذلك لم يقيد التأكيد بالمعنوي (والصفة) مطلقا(٢) (وعطف البيان) كذلك (والمعطوف) بحرف (الممتنع دخول (يا) عليه) يعني: المعرف باللام بخلاف البدل والمعطوف الغير الممتنع دخول (٣) (يا) عليه ، فإن حكمهما غير حكمها كما سيجيئ.

(ترفع حملا (٤) على لفظه) الظاهر (٥) ...

__________________

(١) لأن الثاني عين الأول لفظا ومعنى فكان حرف النداء باتره كما باتر الأول

ـ قال الأصمعي : لا توصف المنادى المضموم لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه فارتفاع الظريف في قولك : يا زيد الظريف على تقدير أنت الظريف وانتصابه على تقدير أعني الظريف وليس بشيء ؛ إذ لا يلزم من مشابهته كونه مثله في جميع الأحكام (رضي).

(٢) أي : سواء كانت صفة جرت على من هي له أو صفة غير من هي له سواء كانت ممتنعة دخول الياء عليه أو غير ممتنعة وقوله : (عطف البيان كذلك أي : مطلقا سواء كان ممتنعا دخول الياء عليه أو غير ممتنع (هندي).

(٣) المراد من يا مطلق حرف النداء ؛ إذ ذكره بطريق مثلا ويجوز أن يراد خصوصها بسبب أن امتناع دخولها يستلزم امتناع دخول أخواتها وبالعكس قيل : لم يقل والمعطوف باللام مع أنه أخص ليشعر إلى مانع كونه منادى مستقلا وهو امتناع دخول حرف النداء عليه وليخرج عنه مثل يا محمد والله لتعين الرفع في الله ، وإذا فسر الممتنع دخول (يا) عليه بالمعطوف المعرف باللام يدخل فيه مثل هذا التركيب مع أن المعطوف فيه مرفوع ليس إلا فعلى هذا تفسير الشارح بقوله : (المعرف باللام ليس كما ينبغي (عصمت).

(٤) لكان الاتحاد بينهما من حيث الأفراد كما يؤخذ هذا القيد من قوله : (المفردة فإن ترتيب الحكم على المشتق يشعر بعلية مأخذ الاشتقاق (داود).

(٥) قوله : (جملا على لفظه الظاهر) إن كان رفعه ملفوظا والمقدر أن كان رفعه مقدرا نحو : يا قاضي العالم ، أو المحل نحو يا هؤلاء الكرام ، فإن قيل : المنادى في المثال الأخير ليس بمضموم المحل بل منصوب قلنا مضموم المحل باعتبار أنه لو وقع موقعه مفرد معرفة في الأصل باعتبارين كما في هذاني عجيب من ضرب هذا الرجل فإن محله الجر باعتبار كونه مضافا إليه والرفع باعتبار كونه فاعلا للمصدر من حيث المعنى ولهذا جاء في تابعه الرفع والجر نحو عجبت من ضرب الرجل العالم بالرفع والجر (وجيه الدين).

٢٥٧

أو المقدر ؛ لأن بناء (١) المنادى عرضي فيشبه المعرب فيجوز أن يكون تابعه تابعا للفظه.

(وتنصب) حملا (على محله) لا من حق تابع المبني أن يكون تابعا لمحله وهو ها هنا منصوب المحل على المفعولية ، نحو : (يا تميم أجمعون ، وأجمعين) في التأكيد (مثل : يا زيد العاقل (٢) والعاقل) في الصفة ، واقتصر على مثالها ؛ لأنها أكثر وأشهر استعمالا ، و (يا غلام بشر وبشرا) في عطف البيان ، و (يا زيد والحارث والحارث) في المعطوف عليه بحرف الممتنع دخول (يا) عليه (والخليل (٣) بن أحمد ، وهو أستاذ سيبويه (في المعطوف) بحرف الممتنع دخول (يا) عليه (يختار الرفع) مع تجويزه النصب ؛ لأن المعطوف بحرف في الحقيقة منادى مستقل ، فينبغي أن يكون على حالة جارية عليه على تقديبر مباشرة حرف النداء له وهي الضمة أو ما يقوم مقامها ، ولكن لما لم يباشره حرف النداء جعلت تلك الحالة اعرابا فصارت رفعا.

(وأبو عمرو) (٤) بن العلاء النحوي القارئ المقدم (٥) على الخليل ، يختار فيه

__________________

(١) جواب سؤال مقدر وهو أن المبنيات إنما يجري الصفات على محلها لا على ألفاظها تقول : جاءني هؤلاء الكرام ، بالرفع ولا يجوز جره حملا على لفظ هؤلاء فكان ينبغي أن لا يجوز الرفع.

(٢) الوصف في يا زيد الظريف نظرا إلى لفظ زيد ؛ لأنه مبني فأجاب بأن بناء المنادى عرضي (شرح اللباب).

ـ وليس هذا عطف على زيد وعلي العاقل بل هو عطف مثال على مثال آخر تقديره يا زيد العاقل ويا زيد العاقل ثم اقتصر الدلالة ما سبق (تركيب).

(٣) الخليل هو إمام النحاة وواضع العروض وكنيته أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي بعد الرسول عليه‌السلام أول ما يسمى بأحمد والد خليل سنة ١٠٠ تولدي سنة ١٧٠ وفاتي ، بصره ده تقطيع عروض أيدوا يكن مبارك باشي ديره كه خاربوب سرشكست أولدي (ابن خلكان).

ـ وكذا سيبويه تنبيها على أنه منادى ثان إذ حرف العطف ينوب عن العامل.

(٤) أبو عمرو بن العلا بن عماد بن العريان بن عبد الله بن حصين التميمي المازني البصري أحد قراء السبعة والغالب كنيته اسمه ولجلادة شأنه لم يسئل أحد عن اسمه ولذا اختلف في اسمه ورأى سفيان بن عيينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال يا رسول الله اختلف القراء في قراءة قرآن الكريم على أي : قراءة نقرأ فقال علي قراءة عمرو بن العلاء سنة ٧٠ ولادتي سنة ١٥٤ وفاتي (ابن خلكان).

(٥) فكان الأولى تقديمه على الخليل في الذكر وله تقديم في الموت وفي الجود والزمان دون درجة (فالى). ـ

٢٥٨

(النصب) (١) مع تجويزه الرفع فإنه لما (٢) امتنع فيه تقدير حرف النداء بواسطة اللام (٣) لا يكون منادى مستقلا ، فله حكم التبعيّة ، وتابع المبني تابع لمحله (٤) ومحله النصب (٥).

(وأبو العباس) (٦) المبرد (إن كان) المعطوف المذكور (كالحسن) أي : كاسم الحسن في جواز (٧) نزع اللام عنه.

__________________

ـ رتبا وعلما في الدرجة ؛ لأنه ناقل عن النبي في العلم ؛ لأن القراء أعدل من النحاة.

(١) لأن المعطوف على المبني إنما يجب على المحل لا على اللفظ بدليل ضربني هؤلاء زيدا بالنصب (لباب).

(٢) قوله : (فإنه لما امتنع تقديره) الخ. فالأولى لما امتنع فيه مباشرة حرف النداء بواسطة اللام لا يكون كالمنادى المستقل وأما عدم امتناع حرف النداء فيه هو عدم كونه منادى مستقلا فلا شك فيه (داود خوفي).

(٣) اعلم أن العلم عند المحققين على ثلاثة أنواع نوع لا يجوز دخول اللام فيه نحو : جعفر وأسامة ، ونوع يجب اللام فيه وهو كل اسم صار فيه العلمية وفيه اللام وصارت كالجزء ، ونوع يجوز دخولها وإسقاطها وهنا كان صفة في الأصل أو مصدر ومنهم من جعلها على ضربين فقط وأهمل القسم الذي يجوز دخول اللام عليه وإسقاطها.

(٤) قوله : (لأن المعطوف بحرف). نظر أبو عمرو إلى جانب اللفظ ونظر الخليل إلى جانب المعنى واستقلا له فجعله مرفوعا تنبيها على الاستقلال (لارى).

(٥) فيه أنه على هذا ينبغي أن يكون المختار النصب عند إلى عمرو في سائر التوابع أيضا فلا وجه للتخصيص بالمعطوف المذكور (عصمت).

(٦) وأبو العباس ولم يختر أحدهما بالتعيين بل ردد فهو إن كان المعطوف المذكور كالحسن بأن كان من الأسماء المعرفة التي انتزاع الألف واللام عنها وذلك إنما يكون في الصفة بعد العلم لعدم المانع فيه فكان الخليل أي : يختار الرفع ؛ لأنه لما كان نزع اللام منه صحيحا جاز تقدير دخول حرف النداء عليه فكان الأولى ح أن يحرك بحركة المنادى تنبيها على أنه منادى كأن وإلا أي : وإن لم يكن المعطوف المذكور من الأسماء المذكورة كالنجم والصعق بأن كان اللام يمتنع الانفكاك عن كلمة سواء كان من جهة كونها علما معها أو بجهة أخرى (عافية شرح الكافية).

ـ المبرد بكسر الراء ؛ لأنه يبرد في الكلام ولكن البصريين يجعلون الراء مفتوحا (حاشية كشاف).

(٧) قوله : (في جواز نزع اللام لكونها غير لازمة له) ؛ لأنها إنما جيء بها بعد العلمية للمدح الواصفية ومدح للمسمى إن كان متضمنا للمدح كالحسن والحسين أو ذمه أن كان متضمنا للذم كالقبيح لو سمى بخلاف النجم مما يكون اللام لازما له ؛ لأنه جعل علما مع اللام (وجيه الدين).

٢٥٩

(فكالخليل) أي : فأبو العباس (١) مثل : الخليل في اختيار (٢) رفعه ، لإمكان جعله منادى مستقلا ، ينزع اللام عنه ، (وإلّا) أي. وان لم يكن المعطوف المذكور ، كاسم الحسن في جواز نزع اللام عنه مثل : (النّجم (٣) والصّعق) (٤) (فكأبي عمرو) أي : أبو العباس مثل : أبي عمرو في اختيار النصب ، لامتناع جعله منادى مستقلا.

(والمضافة) (٥) عطف على المفرده. أي : وتوابع المنادى المبني على ما يرفع به ، المضافة بالإضافة (٦) الحقيقية (تنصب) لأنها (٧) إذا وقعت منادى تنصب فنصها إذا وقعت توابع (٨) ...

__________________

(١) وهذا إشارة إلى كون الجزاء جملة اسمية بحذف المبتدأ لتصح الفاء وإلى كون الكاف بمعنى المثل (جلبي).

(٢) لأنه حينئذ يمكن انتزاع اللام منه وتقدير حرف النداء فيه فيكون وجود اللام فيه كونه فيعرب بإعراب يدل على أنه منادى ثان (متوسط).

(٣) النجم اسم جنس لكواكب عرف باللام وجعل علما غالبا بفرد منه بخاصة فيه وهو الثرياء والصعق : اسم جنس للصاعقة عرف باللام وأريد الصاعقة المخصوصة ثم أريد منه الرجل الذي احترقته تلك الصاعقة وجعل علما من الإعلام الغالبة تجوزا له.

ـ قوله : (النجم والصعق) إنما امتنع حذف اللام فيهما ؛ لأنه جزء من العلم ؛ لأنهما صارا علمين بغلبة الاستعمال مع اللام بخلاف ابتداء فالمانع من انتزاع اللام عنهما لفظي ولذا لا يجوز نزع اللام عن مثل الرجل لأنه يفيد تعريفا وهو يفوت بانتزاعه فالمانع معنوي (سيد على متوسط).

(٤) بفتح الصاد وكسر العين صفة مشبهة علم لخويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب فيمتنع أن يجعل حركتهما كحركة ما باشره حرف النداء (داود).

(٥) كأنه قيل : المفردة ترفع وتنصب والمضافة تنصب فقط وهو عطف الجملة على الجملة (سيدي).

(٦) قوله : (بالإضافة الحقيقية) احترز به عن التوابع المضافة بالإضافة اللفظية والتوابع المضارعة بالمضافة فإن حكمها حكم المفردة أما المضارعة بالمضاف فقط ؛ لأنها مفردة حقيقة وأما المضافة بالإضافة اللفظية فلان الإضافة اللفظية في حكم الانفصال (وجيه الدين).

(٧) إن هذا الدليل يقتضي أن لا فرق بين المضاف بالإضافة الحقيقة واللفظية والمشابه للمضاف ؛ لأنه يجري في جميعها مع أنه ادخل المضاف بالإضافة اللفظية والمشبه بالمضاف في المفرد الذي حكمه جواز الرفع والنصب (عصمت).

ـ أي : توابع المنادى إذا كانت مضافة لم يجز فيها إلا النصب.

(٨) مع عدم الاتحاد بينهما وبين متبوعهما كما يؤخذ من قوله : (المضافة) فإن ترتب الحكم على المشتق يشعر بغلبة مأخذ الاشتقاق (داود).

٢٦٠