شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

(وشرطها) (١) أي : شرط الحال (٢) (أن تكون نكرة) (٣) لأن النكرة أصل والغرض هو تقييد الحديث المنسوب (٤) إلى صاحبها ـ يحصل بها ، والتعريف زائد على الغرض.

(و) (٥) أن (يكون صاحبها معرفة) لأنه محكوم عليه في المعنى فكان الأصل فيه التعريف (غالبا) أي : ليس اشتراطها بكون صاحبها معرفة في جميع موادها بل في غالب موادها ، أي : اكثرها ، وبيان ذلك :

أن مواد وقوع الحال على قسمين :

أحدهما : ما يكون ذو الحال فيه نكرة موصوفة ، نحو : (جاءني رجل من بني تميم فارسا) أو مغنية غناء المعرفة ، لاستغراقها. نحو : قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ـ ٥] إن جعلت (أمرا) (٦) حالا من (كل أمر) ، أو

__________________

(١) عند البصريين ؛ لأن الكوفيين لم يشترطوا فيها التنكير وجوزوا وقوع المعرفة حالا ؛ لأنها في الأصل خبر ، وكما يجوز في الخبر التعريف والتنكير ، يجوز فيها أيضا إلا أن التنكير أصل عندهم أيضا (م).

(٢) اعلم أن قول النحاة إن العامل في الحال هو العامل في ذي الحال إنما هو مذهب أكثرهم ولا تنتقض بقوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)[الأنبياء : ٩٢] حال والعامل فيها الاسم الإشارة وأمتكم ذو الحال والعامل فيها إن (شرح مصباح).

(٣) حتى لا يلتبس بالصفة في بعض الصور في مثل قولك : ضربت زيدا الراكب ولعدم الاحتياج إلى تعريفها (عافية).

(٤) سواء كانت نسبة الحدث إسنادية كما في قولك : جاء زيد راكبا أو إيقاعية ، مثل : رأيت زيدا ماشيا ، أو إضافية ، نحو : مررت بزيد جالسا (م ح).

(٥) قوله : (وأن يكون صاحبها معرفة) أشار بهذا الحال إلى أن قوله : (وصاحبها) معطوف على ضمير يكون ، وعدم التأكيد لوجود الفصل وجعل الفاضل الهندي مبتدأ وخبرا لينتظم قوله : (غالبا) بل تكلف الأولى ما ذكره الهندي ؛ لأن ما ذكره الشارح من أن مواد وقوع الحال على قسمين إلخ لم يتكلم به أحد مع ارتكاب توجيه غالبا (جلبي).

ـ ولا يجوز أن يكون صاحبها مرفوعا عطف على المستتر في أن يكون ، ومعرفة منصوب عطف على نكرة ؛ لأن تعريف ذي الحال ليس بشرط للحال (سيدي).

(٦) قوله : (إن جعلت أمرا حالا) أشار به إلى أنه ليس نصبا في الاستشهاد لجواز أن يكون منصوبا على الاختصاص أو على الحال من ضمير الفاعل في أنزلناه أي : أمرين أمرا أو عن ضمير مفعوله (عب).

٣٤١

واقعة في حيز الاستفهام (١) نحو : (هل أتاك رجل راكبا؟) أو بعد (٢) (إلّا) نقضا للنفي، نحو : (ما جاءني رجل إلا راكبا) أو مقدما عليه الحال نحو : (جاءني راكبا رجل).

وثانيهما : ما يكون ذو الحال فيه غير هذه الأمور.

وغالب مواد وقوع الحال وأكثرها هو هذا القسم ، ووقوع الحال في هذا القسم مشروط بكون صاحبها معرفة فقوله (غالبا) قيد لاشتراط كون صاحبها معرفة لا بكون صاحبها معرفة حتى (٣) يقال : إن غالبية كون (صاحبها معرفة) المنبئة عن تخلفه (٤) في بعض المواد تنافى الشرطيه (٥) ويحتاج إلى أن يصرف الكلام عن ظاهره (٦) ، ويجعل قوله (وصاحبها معرفة) : مبتدأ وخبرا معطوفا على قوله (وشرطها ان تكون نكرة).

__________________

(١) لأنها يشبه النكرة الواقعة في حيز النفي في كونها غير موجب (لاري).

(٢) قيل : الصواب قبل الإبدال بعد إلا أجيب بأن قوله : (بعد إلا) وقوله : (مقدما عليه) قد تنازعا في الحال في قوله : (مقدما عليه الحال) فلا محذور فتأمل فتح الله عليك الحال (سيدي).

(٣) يعني : لو كان غالبا قيدا لكون صاحبها معرفة يلزم التنافي والتناقض بين اشتراط كون الحال بكون صاحبها معرفة وبين قوله : (غالبا) ؛ لأن الاشتراط يقتضي أن يكون صاحب الحال معرفة في جميع المواد وقيد غالبا يقتضي أن يكون معرفة في أكثر المواد فبينهما تناف فلا يكون قيدا لاشتراط كون صاحبها معرفة (لمحرره رضا).

ـ قوله : (حتى يقال إلخ) وقوله : (يحتاج اه) حاصله : أن قوله : (غالبا) لو جعل قيدا لكون صاحبها معرفة وعطف قوله : (وصاحبها) معرفة على المستكن في تكون كان المعنى وشرطها أن تكون صاحبها معرفة في الغالب فيقال عليه إن غالبية كونها صاحبها فلدفع ذلك يحتاج اه ، أي : لا أن يصرف الكلام عن ظاهره وهو عطفه على المستكن ويجعل اه تأمل (قريان رحمه‌الله).

(٤) التخلف الاختلاف أي : اختلاف الشيء عما كان عليه لا التخلف الذي هو مطاوع خلفت خلافا ورأى وهو بمعنى تخلف عني (ص تأمل).

(٥) يعني : إذا كان قوله فالباء قيدا لكون صاحبها معرفة يكون منافيا للشرط ؛ لأن شرط كون صاحبها معرفة يقتضي أن يكون صاحبها في جميع المواد معرفة ؛ لأن الشرط يجب أن يستوعب المشروط (م).

(٦) والمراد بظاهر الكلام أن يعطف قوله : (وصاحبها) إلى اسم يكون وهو الضمير المستكن وأن يعطف قوله : (معرفة) إلى قوله : (نكرة) (رضا).

٣٤٢

(وأرسلها (١) العراك) (٢)ولم يذدها

ولم يشفق على نغص (٣) الدّخال

البيت للبيد ، يصف حمار الوحش والأتن يقول : ارسل حمار الوحش الأتن (٤) ، وكان(٥) المراد بالإرسال البعث (٦) ، أو التخلية (٧) بين المرسل وما يريد (٨) أي : أرسلها معتركة متزاحمة.

ولم يذدها ، أي ، لم يمنعها من العراك ، ولم يشفق ، أي : لم يخف على نغص الدخال، أي : على أنه لم يتم شرب بعضها للماء بالدخال.

والدخال : هو أن يشرب البعير ثم يرد من العطن (٩) ...

__________________

(١) والضمير المستتر راجع إلى حمار الوحشي وضمير المفعول راجع إلى الأتن الوحشية أو إلى الإبل (معرب).

(٢) قوله : (وأرسلها العراك) ومررت به وحده ونحوه متأول) جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : أنتم قلتم شرط الحال أن يكون نكرة والعراك في قولهم : (أرسلها العراك) حال مع كونه معرفة؟ وجوابه : أن تقول : لما دل الدليل على عدم جواز وقوع الحال معرفة احتاج هذا إلى تأويل وتأويله أن العراك مصدر عن حال محذوف تقديره : أرسل الحمار تعترك العراك ومررت به ينفرد وحده فلما حذف الفعل قيل : إن العراك ووحده حال على سبيل المجاز تسمية للمعمول لاسم العامل ، وتقول : إنّه مصدر وقع موقع الحال النكرة أي : أرسلها معتركة ومررت به منفردة (متوسط).

ـ ومعنى البيت : أرسل حمار الوحشي الأتن حال كونها مجتمعة متزاحمة ولم يمنعها عن الاجتماع والتزاحم ولم يخف على عدم تمام شرب بعضها بسبب مداخلة بعضها في بعض آخر منها ، أو لم يخف على عدم تمام شرب بعضها مثل عدم تمام شرب البعير الداخل بين بعيرين عطشانين.

(٣) ونغص بالصاد المهملة والغين المعجمة المفتوحة عدم تمام الشرب وبالمعجمة تحريك الرأس وكلاهما رواية قال السيرافي يريد أن بعضها يزحم بعضا حتى لا يقدر أن يتحرك لشدة الازدحام فهو واقف لا يتمكن على الحركة (عباب).

(٤) لأنه قادر على ضبطهن بحيث يمنعهم عن التزاحم خوفا من تأديبه إياهنّ (م).

(٥) جواب عن سؤال مقدر تقديره : إن الإرسال يقتضي سبق القيد وهاهنا لم يمكن أن يتصور القيد فضلا عن سبقه ؛ لأن القيد والإرسال منه لم يوجد إلا في بني آدم فأجاب عنه (م).

(٦) هذا رد على العلامة التفتازانيّ حيث عين الثاني بالإرادة (وجيه الدين).

(٧) هي المراد هاهنا أي : خلا بين الإبل وبين شربها ولم يمنعها من ذلك (إقليد).

(٨) والموصوف هاهنا عبارة عن موضع يشرب منه الأتن الماء يعني جائي آب خوردن (م).

(٩) العطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل والمبرك المناح يرد من الورود وهو ـ

٣٤٣

إلى الحوض (١) ويدخل بين بعيرين عطشانين ، ليشرب منه ما عساه لم يكن يشرب منه ولعل(٢) المراد به هنا : نفس متداخلة بعضها في بعض ، أو المعنى على نغض مثل : نغض الدخال.

و (مررت به وحده) (٣) ونحوه مثل : (فعلته جهدك) (٤) متأول بالنكرة ، فلا يرد نقضا على قاعدة اشتراط كونها نكرة وتأويلها على وجهين :

أحدهما : أنها مصادر محذوفة لأفعال محذوفة ، أي : تعترك العراك (٥) ، وينفرد وحده، أي : انفراده ، وتجهد جهدك

فهذه الجمل الفعلية وقعت حالا ، وهذه المصادر منصوبة على المصدرية.

وثانيها : أنها معارف موضوعة موضع النكرات ، أي : معتركة ، ومنفردا ، ومجتهدا.

__________________

ـ المناسب للماء ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)[القصص : ٢٣] لكن لما استعمل بمن احتاج إلى التأويل بتضمين مثل يمشي (جلبي).

(١) متعلق بيشرب يعني : يعاد ذلك البعير من طرف الحوض إليه (م).

(٢) قوله : (ولعل المراد به) أي : بالدخال هاهنا جواب دخل مقدر تقديره إن الإدخال يختص بالبعير فكيف يصح استعماله في حمار الوحشي ، فأجاب الشارح بقوله : (ولعل المراد به هاهنا نفس متداخل بعضها في بعض) وفي نفس متداخلة بعضها في بعض يعني : ليس المراد بالدخال هاهنا معناه الحقيقي بل المراد به معناه المجازي وهو تداخل بعض النفوس في بعض أو المعنى على نغص مثل بعض الدخال ، جواب ثان : يعني على حذف المضاف من المشبه به وإقامة المشبه مقامه ، يعني : لم يخف على أنه لم يتم شرب بعضها للماء كما خاف الحمال على أن البعير لم يتم شرب الماء وأدخله بين بعيرين عطشانين ليتم شربه (مصطفى جلبي).

(٣) الوحدة مصدر وحد يحد واحدا ووحدة كوعد يعد وعدا وعدة وحده لازم الإفراد والتذكير والإضافة إلى المضمر ولازم النصب إلا في مواضع مخصوصة (لاري).

ـ وللوحد تسعة أبنية : واحد أحد وحيد وحد موحد آحاد أوحد آحد وجمع الواحد وحدان (عمدة شرح الهاد).

(٤) وفي الحاشية : الجهد بالفتح والضم الاجتهاد ، وقال الفراء : هو بفتح الجيم المشقة ، وبضمها الطاقة (جلبي).

(٥) وقال ابن برهان أراد من استعمال المصدر هنا بالألف واللام التنبيه على أن تعريف المصدر كتنكيره ، وقيل : إن الألف واللام زائدة في العراك فاعرفه (محصول).

ـ إشارة إلى أن العراك مصدر من ضرب لم يستعمل فعله منه بل يستعمل من المزيد فيه (حاشية).

٣٤٤

فالصورة وإن كانت معرفة فهي في التقدير نكرة (١) ، كما أن (حسن الوجه) في صورة المعرفة وهي في المعنى نكرة (٢).

(فإن كان صاحبها) أي : صاحب الحال (نكرة (٣) محضة) (٤) لم يكن فيها شائبة تخصيص بما سوى التقديم ، ولم تكن الحال مشتركة بينها وبين معرفة نحو : جاءني رجل وزيد راكبين (٥) (وجب تقديمها) أي : تقديم الحال على صاحبها ، لتخصيص (٦) النكرة بتقديمها (٧) ؛ لأنها في المعنى مبتدأ وخبر (٨) ، ولئلا تلتبس بالصفة في النصب في مثل : قولنا:

(ضربت رجلا راكبا) ثم قدمت في سائر المواضع ـ وإن لم تلتبس طرد الباب (٩)

__________________

(١) لأن الألف واللام للعهد الذهني وهو في حكم النكرة باعتبار أن المفرد غير معين فكذا الإضافة للعهد الذهني (لمحرره).

(٢) لأن إضافته إلى الوجه لفظية والإضافة اللفظية لا تفيد التعريف بل التخفيف (تأمل).

(٣) والحال مفردا ؛ إذ لو كانت جملة وجب الواو لا التقديم (لاري).

(٤) احتراز عما إذا لم يكن نكرة مختصة فإنه لا يجب تقديم الحال على صاحبه مثل : جاءني رجل من بني تميم فارسيا كما سبق في الأمثلة الخمسة (توقادي).

(٥) فالحال مشترك في هذا المثال بين رجل وزيد وزيد معرفة والرجل نكرة (رضا).

(٦) قوله : (لتخصيص النكرة) وفيه نظر ؛ لأنه قد تخصصت بتقديم العامل فلا حاجة إلى تخصيص آخر ولأنه لو كان التقديم للتخصيص فإتيان الصفة لهذا أولى من بيان الحال (حاشية هندي).

ـ فيه أن الحال إما عن الفاعل أو المفعول به وكل منهما تختص بالحكم المتقدم فلا حاجة إلى تخصيص آخر اللهم إلا أن يقال الحال حكم آخر فلا يجري التخصيص الحاصل بالقياس إلى حكم آخر (عب).

(٧) يعني : لتفيد النكرة بتقديم الحال عليها التخصيص ؛ لأن الحال بمنزلة الظرف فتقديمها على صاحبها كتقديم الخبر الظرف فبتقديم الخبر الظرف يتخصص المبتدأ النكرة كذلك ذو الحال النكرة يتخصص بتقديم الحال عليه (م).

(٨) كما أن الخبر النكرة واجب التقديم على المبتدأ كذلك الحال على ذي الحال النكرة ؛ لأن معنى قولك : جاءني زيد راكبا أي : زيد راكب وقت المجيء (م).

(٩) اعلم أن تفصيل هذا المقام يحتاج بسط الكلام فنقول : تقديم الحال على صاحبها إذا كان معرفة غير مجرور قد يكون جائزا كما في : جاءني راكبا زيد ؛ إذ لا مانع عنه حينئذ وقد يكون واجبا حيث يشمل التقديم على الإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى ، كما في مثل جاء راكبا الأدهم صاحبه ؛ إذ لو تأخر الحال عن صاحبها هنا ، وقيل : جاء صاحبه راكبا الأدهم لزم إرجاع الضمير إلى ما يتأخر عنه لفظا ومعنى وهو غير جائز (عافية).

٣٤٥

(ولا تتقدم) (١) أي : الحال فيما عدا مثل : (زيد قائما (٢) كعمرو قاعدا) (على العامل المعنوي) قد عرفت فيما قبل العامل المعنوي ، وأنّ ما هو مقدر بالفعل أو اسم الفاعل مثل: الظرف وما يشبهه ـ أعني : الجار والمجرور ـ خارج عنه داخل في الفعل أو شبهه.

فعلى هذا (٣) معنى الكلام أن الحال (٤) لا تتقدم على العامل المعنوي اتفاقا (بخلاف(٥) الظرف) أي : بخلاف ما إذا كان العامل ظرفا أو شبهه فإن فيه خلافا. فسيبويه لا يجوزه أصلا (٦) ، نظرا إلى ضعف الظرف في العمل (٧).

وجوزه الأخفش بشرط تقدم المبتدأ على الحال ، نحو : (زيد قائما في الدار).

فأما مع تأخير المبتدأ على الحال ، فإنه وافق سيبويه في المنع (٨) فلا يجوز (٩) :

__________________

(١) لضعفه إلا إذا كان ذا الحدثين يجوز نحو : زيد قائما كعمرو وقاعدا فإن كاف التشبيه يقتضي حدثين أحدهما كونه مشبها والآخر مشبها به فامتاز عن سائر العوامل المعنوية فاستحق أن يخالفها لجواز التقديم (سيد السند).

(٢) حال من الكاف باعتبار المشبه وقاعدا حال من الكاف باعتبار المشبه به (قدقي).

(٣) قوله : (فعلى هذا معنى الكلام اه) فيكون قوله : (بخلاف الظرف) حالا عن قوله : (على العامل المعنوي) أو جملة معترضة بكونه خبر المبتدأ المحذوف أي : وهو ملتبس بخلاف الظرف (جلبي).

ـ أي : على ما عرفت فيما سبق العامل المعنوي أو أن ما هو مقدر بالفعل أو الاسم.

(٤) اعلم أن تقديم الحال على عاملها يجوز إذا كان العامل فعلا أو شبهه عند عدم المانع عنه ، نحو : راكبا ضربت زيدا وزيد متكئا جالس ؛ لأنهما قويان فيجوز أن يعمل مؤخرا خلافا للفراء ويجب ذلك التقديم إذا تضمن الحال معنى الاستفهام ، نحو : كيف فعلت؟ أي : على أي : حال فعلت؟ أو : كيف زيد فاعل لاقتضاء الاستفهام صدر الكلام (عوض أفندي).

(٥) وإنما احتاج إلى ذكر جواز تقدم الظرف على العامل المعنوي لوجود مناسبة بين الحال والظرف لدلالة الحال على الزمان كالظرف لكونهما فضلة في الكلام مع اختلافهما بهذا الحكم (متوسط).

ـ ظرف مستقر خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هذا كما أشار الشارح أو اعتراض أو حال العامل المعنوي أو مفعول مطلق بتقدير الموصوف لقوله : (لا يتقدم) أي : تقدما كائنا (معرب).

(٦) سواء قدم على الظرف نحو : زيد قائما في الدار أو الظروف نحو : قائما زيد في الدار فكلاهما غير جائز عنده (م).

(٧) لأن الظرف إنما يعمل لنيابته عن الفعل ؛ لأن القائم مقام شيء لا يكون مثله (توقادي).

(٨) أي : في منع تقديم الحال على عامله الظرف سواء كان مؤخرا عن المبتدأ أو مقدما (م).

(٩) تقديم الحال على ذلك العامل سواء كان الظرف مؤخرا مثل : قائما إلخ لحصول الفاصلة بين الحال وعاملها المعنوي (مغني).

٣٤٦

(قائما زيد الدار) ولا (قائما في الدار زيد) اتفاقا.

ويحتمل (١) أن يكون معناه (٢) أن الحال وأن كان مشابها للظروف لما فيه من معنى الظرفية ، إلا أن الظرف يتقدم على عامله المعنوي ، لنوسعهم (٣) في الظروف.

والحال لا يتقدم عليه ، هذا إذا لم يكن الظرف داخلا في العامل المعنوي.

أما إذا جعلته داخلا في العامل المعنوي ـ كما هو الظاهر من كلامهم ـ فالمراد (٤) هو الاحتمال (٥) الثاني لا غير.

(و) (٦) كما لا تتقدم الحال على العامل المعنوي ، كذلك لا تتقدم (على) ذي الحال (المجرور) سواء كان مجرورا بالإضافة (٧) أو بحرف الجر ، فإن كان مجرورا

__________________

(١) عطف على قوله : (إن الحال لا يتقدم على العامل المعنوي اتفاقا) (لباب).

(٢) فعلى هذا الاحتمال قوله : (بخلاف الظرف يكون متعلقا بضمير متقدم والكل تعسف (ع ص).

(٣) لأنك تقول : كل يوم لك درهم ، ولا تقول : قائما لك درهم (لباب).

(٤) قوله : (فالمراد هو الاحتمال الثاني لا غير) ؛ لأن اللائق حينئذ استثناؤه عن العامل المعنوي لا أن يبين المخالفة بقوله : (بخلاف الظرف (م).

(٥) قوله : (الاحتمال الثاني) وذلك أن قوله : (بخلاف الظرف) يدل على أن الحكم في الظرف مخالف للحكم السابق المفهوم من قوله : (لا يتقدم على العامل المعنوي) ؛ لأن المفهوم من السابق الأشياء من الحال لا يتقدم على عامله المعنوي مطلقا ظرفا كان أو غيره ومن أخص يفهم أن الحال قد يتقدم على عامله المعنوي الذي هو الظرف فلزم التناقض ولو قال : (إلا الظرف) لصح الكلام ، ويحتمل قوله : (بخلاف الظرف) عليه مساغ إلا أن فيه خلافا لفظيا لكن الأمر فيه سهل (طاشكندي).

ـ وهو أن الظرف يقدم على العامل المعنوي أي : في الجملة يعني إذا كان العامل المعنوي ظرفا أو شبهه فإنه إذا لم يكن كذلك لم يجز تقديم الظرف عليه (لاري).

ـ فيكون حاصل كلام المصنف أن الحال لا يتقدم على العامل المعنوي بخلاف الظرف يعني أن الظرف يتقدم على عامله المعنوي فيكون قوله : (بخلاف الظرف) متعلقا على الضمير الذي لا تتقدم وهو راجع إلى الحال (جادوب).

(٦) ولما فرغ من بيان تقديم الحال على عامله وعدم تقدمه عليه إجمالا وتفصيلا شرع في بيان تقدم الحال على صاحبه وعدم تقدمه عليه فقال : وكما .. اه (توقادي).

ـ عطف على قوله : (على العامل المعنوي) ولا زائدة لتأكيد النفي مثل قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحة : ٧] (هندي).

(٧) استثني منه ما إذا كان المضاف جزء المضاف إليه ، أو جاز قيام المضاف إليه مقامه فإنه ـ

٣٤٧

بالإضافة لم تتقدم (١) الحال عليه اتفاقا نحو : (جاءتني مجردّا عن الثياب ضاربة زيد) وذلك؛ لأن الحال تابع (٢) وفرع لذي الحال ، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف ، فلا يتقدم تابعه أيضا.

وإن كان مجرورا بحرف الجر ففيه خلاف فسيبويه وأكثر البصريين يمنعون تقديمها عليه للعلة المذكورة (٣) ، وهو الختار عند المصنف ، ولهذا قال : (على الأصح).

ونقل عن بعضهم : الجواز استدلالا بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً (٤) لِلنَّاسِ)[سبأ : ٢٨].

ولعل (٥) الفرق بين حرف الجر والإضافة أن حرف الجر معدّ للفعل كهمزة والتضعيف، فكأنه من تمام الفعل ، وبعض حروفه ، فإذا قلت :

__________________

ـ يجوز التقديم لكن على قلة ، نحو : يتحرك ماشيا يد زيد ونتبع حنيفا ملة إبراهيم (عب).

(١) لأنه إن تقدم فإن وقع بعد الحال لزم الفصل وإن وقع قبل الحال لزم وقوع التابع حيث لا يجوز وقوع ولا يرد نحو : راكبا جاءني زيد ، ؛ لأن الفاعل من حيث هو مسند إليه محله قبل الفعل وإن امتنع بعارض الالتباس بالمبتدأ (هندي).

(٢) لأن الحال في الأصل صفة والصفة من التوابع وحسن حال التوابع أن يقع بعد المتبوع والمجرور لا يتقدم على الجار فكيف يتقدمه ما هو تابع له (ضوء).

(٣) يعني : أن الحال تابع وفرع لذي الحال والمجرور لا يتقدم على الجار فكيف تقدم ما هو تابع له فلا يتقدم تابعه (إيضاح).

(٤) أي : إلا جامعا لهم في الإبلاغ وهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار (قاضي في سورة سبأ).

(٥) وقال الزجّاج كافة حال من كاف الخطاب في أرسلناك لا عن الناس والهاء فيه للمبالغة وبطلانه بيّن ؛ لأنه جعل كافة حالا من المفرد ولا يعرف ذلك في غير محل الفراغ ، وجعل من المذكر مع كونه مؤنثا وكون الهاء للمبالغة مقصور على السماع ولا يأتي إلا في أمثلة معدودة ، قال الزمخشريّ : كافة صفة لأرسلناك محذوفة أي : إلا أرساله كافة فحذفت الموصوف وأقيمت الصفة مقامها وهذا أيضا ضعيف ؛ لأن العرب لا تستعمل إلا حالا من الناس والأصل للناس أي : جميعا وهذا هو الصحيح ؛ لأنه إذا بطل القولان تعين الحكم بصحة القول الثالث (من شرح سهيل).

ـ قوله : (ولعل الفرق) خالف ابن كيسان الجمهور يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف دون الإضافة فاحتاج إلى الفرق بينهما كما بين الشارح (وجيه الدين).

٣٤٨

(ذهبت راكبة بهند) فكأنك قلت : أذهبت راكبة هندا.

وأجاب بعضهم عن هذا الاستدلال : بجعل (١) (كافة) حالا عن الكاف والتاء (٢) للمبالغة.

وبعضهم يجعلها صفة لمصدر أي : إرسالة كافة.

وبعضهم يجعلها مصدرا (٣) ، كالكاذبة ، والعاقبة والكل تكلف (٤) وتعسف (وكلّ ما دلّ على هيئة) أي : صفة سواء كان الدال مشتقا أو جامدا (صحّ أن يقع حالا) من غير أن يؤول الجامد بالمشتق ؛ لأن المقصود من الحال بيان الهيئة (٥) ، وهو حاصل (٦) به ،

__________________

(١) قوله : (يجعل كافة حالا من الكاف) والمعنى : وما أرسلناك إلا مانعا للناس عما يضرهم. إن قلت : إنه عليه‌السلام كما أرسل مانعا ناهيا أرسل آمرا فكيف يصح الحصر؟ قلنا : الحصر إضافي كما إذا جعلته حالا من الناس ؛ لأنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مبعوث إلى الثّقلين. إن قلت : الحال قيد للعامل فيلزم أن يكون الكف في وقت الإرسال وليس كذلك لتراخيه عنه؟ قلنا : الحال مقدرة والتقدير لا يلزم أن يكون من صاحب الحال كما مرت الإشارة إليه (عب).

(٢) قوله : (والتاء للمبالغة) جواب سؤال مقدر تقديره أن الكاف مذكر والتاء مؤنث والحال يجب أن يكون مطابقا لذي الحال ، وتقدير الجواب : أن التاء فيه للمبالغة لا للتأنيث كعلامة والمعنى : وما أرسلناك إلا كافة أي: مانعا للناس عن الشّرك والكبائر مبالغة فيه (وجيه الدين).

ـ وكثير منهم ذهبوا إلى أن تاء المبالغة مخصوصة بفعال وفعول ومفعال (عب).

(٣) منصوبا بفعل محذوف ؛ لأن الفاعلة قد يجيء بمعنى المصدر كالكاذبة والعافية ، أي : وما أرسلناك إلا لتكف كافة والجملة حال مقدرة (عافية شرح الكافية).

(٤) التكلف في الكلام وغيره استلزام غير الظاهر من غير ظهور دليل ، والتعسف الأخذ على طريق غير الواضح كما في راكب التعاسف فهو أقبح من التكلف (حاشية).

ـ قوله : (والكل تكلف وتعسف) وذلك أن المعنى إنا أرسلناك إلى جميع الناس والتأويلات التي ذكروها لا يطابق هذا المعنى وأيضا أن كافة لا يخرج عن النصب على الحالية فلا يكون مصدرا ولا صفة محذوف (وجيه الدين).

ـ أما كون الأول تكلفا فلأن تاء المبالغة في الفاعل غير معلوم الوقوع حتى أنكرها البعض في غير فعال وفعول ومفعال والاستشهاد بالكافة والشافة غير سديد ؛ لأنه بتقدير موصوف وأما كون الثاني تكلفا فلأنه لا حاجة إلى تقدير الموصوف ، وأما كون الثالث تعسفا فلأن كافة غير مضافة لازمة الحالية بمعنى جميعا (ع ص).

(٥) أي : الصفة التي عليها صاحب الحال حين صدر عنه الفعل أو وقع عليه (م).

(٦) ولهذا لم يشترط المصنف على ما ذهب إليه سيبويه الاشتقاق في الصفة أيضا وبالحقيقة لا مخالفة ـ

٣٤٩

وهذا ردّ (١) على جمهور النحاة ، حيث شرطوا اشتقاق الحال وتكلفوا في تأويل الجامد بالمشتق ومع هذا فلا شك أن الأغلب في الحال الاشتقاق.

(مثل) (بسرا ورطبا) في قولهم : (هذا بسرا) وهو ما (٢) بقي في حموضة.

(أطيب منه رطبا) وهو ما فيه حلاوة صرفه ، فهما مع كونهما جامدين حالان ، لدلالتهما على صفة البسريّة والرّطبية ، ولا حاجة إلى أن يؤول (البسر) بالمبسر (٣) و (الرطب) بالمرطب ، من أبسر النخل ، إذا صارما عليه بسرا ، وأرطب إذا صارما عليه رطبا.

والعامل في (رطبا) (أطيب) باتفاق النحاة ، وفي (بسرا) (٤) أيضا عند محققيهم(٥)

__________________

ـ بين سيبويه والجمهور ؛ لأن اشتراط الجمهور الاشتقاق خرج الحال وتأويل الجامد بالمشتق كاشتراط التنكير في الحال وتأويل المعرفة بالنكرة وذلك أن الحال النادر بالغالب حسن الطريق (طاشكندي).

(١) قوله : (وهذا رد على جمهور النحاة) قال الرضي : وهو الحد ؛ لأن الحال هو المبين للهيئة كما ذكر حده وكل ما قام بهذه الفائدة فقد يحصل المقصود فيه المطلوب من الحال بلا تكلف تأويل بالمشتق (وجيه الدين).

(٢) قوله : (ما بقي فيه حموضة) الأظهر أن يقال : ما بقي فيه نوع حموضة ، قال في الصراح : بسر غوراه خرما، أول ما بدأ من النخل طلح ثم خلال بالفتح ثم بلح بالتحريك ثم بسر ثم رطب ثم تمر (عب).

(٣) أي : إذا أريد تأويل الاسم الجامد إلى المشتق اشتق منه اسم الفاعل واسم المفعول وغيرهما (لمحرره).

ـ بكسر السين وفتحها وعلى الأول يكون الإسناد مجازيا عقليا بعلاقة المتعلقية ؛ لأنه بالكسر صفة النخل ؛ لأن النخل مبسر بالكسر وإذا أطلق على عاملها يكون إطلاقا مجازيا لا حقيقة وعلى الثاني يكون حقيقة ؛ لأنه بالفتح يكون صفة ما عليها (م).

(٤) وقد اختلفوا في بسرا أما العامل فيه فذهب قوم إلى أن عامله اسم الإشارة وليس لهم حجة على ذلك سوى ما استبعدوا أن يكون أفعل التفضيل عاملا فيما قبله مع ضعفه في العمل ، وذهب قوم إلى العامل فيه أطيب ؛ لأنهم اتفقوا على جواز تمر نخل يبسرا أطيب منه رطبا والعامل في بسرا أطيب بالاتفاق ؛ إذ هو متعين لذلك فلما أعمل أطيب في الحال المتقدمة هاهنا عمله ثم ؛ إذ هما نظيران (غجدواني).

(٥) لأنه يجوز تقديم الحال على اسم التفضيل تشبيها لها بالظرف (فاضل أمير).

٣٥٠

وتقدم (بسرا) على اسم التفصيل مع ضعفه في العمل ؛ لأنه إذا تعلق بشيء واحد حالان باعتبارين مختلفين (١) ، يلزم أن كل واحد منها متعلقة والبسرية تعلقت بالمشار إليه ب : (هذا) من حيث إنّه مفضل وهذه الحيثية وان لم تكن معتبرة فيه إلا بعد إضماره في (أطيب) لكنه لما كان الضمير بالنسبة إلى المظهر كالعدم أقيم المظهر مقامه ، وأوجبوا أن يليه (٢) والرطبية تعلقت به من حيث إنه مفضل عليه ، وهو ضمير (منه) فيجب أن يليه (٣).

قال الرضي : (وأما الضمير المستكن في (أفعل) فإنه وإن كان مفضلا لكنه لما لم يظهر كان كالعدم ، ومع هذا فلا أرى بأسا بأن يقال :

وإن لم يسمع (زيد أحسن قائما منه قاعدا).

وذهب بعضهم إلى أنّ العامل في (بسرا) (٤) اسم الإشارة (٥) أي : أشير إليه حال كونه بسرا ، وهذا ليس بصحيح (٦) ؛ لأنه يمكن أن يكون المشار إليه التمر اليابس ، فلا

__________________

(١) إذ الحال الأولى تعلقت بالمشار إليه بهذا باعتبار الأفضلية والحال الثاني أيضا تعلقت به باعتبار المفضولية فيكون اعتبار أحدهما مخالفا لاعتبار الآخر (توقادي).

(٢) أي : الحال ذلك المظهر لكون الحال تجب صاحبها حكما ؛ لأن صاحبه حقيقة المضمر في اسم التفضيل(م).

(٣) أي : الحال ضمير منه وهاهنا أن الضمير البارز لما كان ملفوظا حقيقة لم يكن كالمعدوم كالمستكن بل كان كالاسم الظاهر ولذا وجب أن يليه الحال كما يجب أن يلي المظهر (م).

(٤) فالعامل في كلا الحالين أطيب عند سيبويه وبه قال المازنيّ في أظهر قوله والفارسي في تذكرته وابن كيسان وابن جني. وقيل : العامل فيهما كان التامة أي : هذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا كما هو مذهب المبرد وابن سراج والسيرافي والفارسي في حلبياته وقيل : العامل في بسرا اسم الإشارة من معنى الفعل أي : أشير إليه ، وقيل : العامل فيه ما في حرف التنبيه من معنى الفعل أي : أنبه عليه ورجح الأول بما مر وقيده وضعف البواقي بوجوه كثيرة (زهي زاده نقلا من الأشباه).

(٥) لأنه لا يجوز أن يكون أفعل التفضيل عاملا فيه لضعفه في العمل فلا يتقدم معموله عليه (م).

(٦) لأنه يلزم تعريف العامل في الحالين وهذا وإن كان جائزا إلا أنه يستلزم الكراهة وتفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالة واحدة وهو الرطبية ؛ لأنه إذا لم يكن اسم التفضيل عاملا في بسرا لا يدخل تحت التفضيل فيكون الرطبية مفضلا ومفضلا عليه في حالة واحدة وهذا باطل (توقادي).

٣٥١

تتقيد الإشارة (١) بحالة البسرية ولأنه يصح حيث وقع موقع اسم الإشارة اسم لا يصح إعماله فيه ، نحو :

(تمر نخلتي بسرا (٢) أطيب منه رطبا).

(وتكون) (٣) أي : الحال (جملة) (٤) لدلالتها على الهيئة كالمفردات فصح أن وقعت حالا مثلها ، ولكن يجب أن تكون الجملة الحالية (خبرية) (٥) محتملة للصدق والكذب (٦) ؛ لأن الحال بمنزلة الخبر (٧) عن ذي الحال واجراؤها عليه في قوة (٨) الحكم بها عليه ، والجمل (٩) الإنشائية لا تصلح أن يحكم بها على شيء.

__________________

(١) إذا كان المشار إليه تمرا يابسا لا يمكن أن يقال أشير إليه بسرا فإن اليبوسة ينافي البشرية (رضا).

(٢) فإن العامل في بسرا أطيب دون تمرة فإن تمرة في مثل هذا المثال لا يصح إعماله في الحال ؛ لأنه ليس بفعل ولا شبهه ولا معناه (لمحرره رضا).

(٣) استئناف واعتراض أو عطف على ما قبلها من حيث المعنى كأنه قيل : يكون الحال مفردة وتكون جملة (م ع).

ـ قد تقام الجملة الحالية مقام مفرد فيعرب الجزء الأول منها إعراب الحال ، ويلزم تنكيره لقيامه مقام الحال (رضى).

(٤) اعلم أن الأصل في الحال أن يكون مفردا كغيره من المنصوبات إلا أنها لما كانت مفعولا وقصة في الخبر وصفة في المعنى وكانت الجملة تقع موقع المفردات جاز وقوعه موقع الحال (د م).

(٥) وأما وجوب كونها خبرية فلأن مقصود المجيء بالحال تخصيص وقوع مضمون عامله بوقت وقوع مضمون الحال ، فمعنى قولك : جاءني زيد راكبا أن المجيء الذي هو مضمون العامل واقع وقت وقوع الركوب الذي هو مضمون الحال ومن ثمة قيل إن الحال يشبه الظرف معنى (شيخ الرضي).

ـ وقيد بالخبرية احترازا عن الإنشاء ؛ لأنها لا تقع حالا ولا خبرا ولا صفة (هندي).

(٦) يعني أن الأصل في الجملة الخبرية أن تكون صادقة لصدورها عمن يعقل ومن ليس من شأنه الكذب ويحتمل أن تكون كاذبة ؛ لأنها خبر والخبر يحتملهما (م).

(٧) قوله : (لأن الحال بمنزلة الخبر) ؛ لأن الحال يفيد تعلق الفعل بالفاعل والمفعول لوقت وقوع مضمونها ولا يقصد من الإنشاء وقوع مضمونه (لاري).

(٨) وللقوة معنيان أحدهما : مقابل الظهور في الخارج كما يقال : الإنسان ضاحك بالقوة ، والآخر مقابل المفارقة أي : بمعنى اللزوم ، وهنا بمعنى اللزوم أي : كلما صح حالا صح خبرا وبالعكس ، كما يقال : الأوصاف قبل العلم أخبار أو أحوال وعكسه (قدقي).

(٩) قوله : (والجمل الإنشائية لا تصلح أن يحكم بها على شيء) ؛ لأن المحكوم يجب أن يلاحظ من حيث إنه حال من أحكام المحكوم عليه في نفس الأمر ولا يصلح لذلك إلا ما هو مفهوم ـ

٣٥٢

ولما كانت الجملة مستقلة في الإفادة (١) لا تقتضي ارتباطها بغيرها ، والحال مرتبطة بغيرها ، فإذا وقعت الجملة حالا لا بد لها من رابطة تربطها إلى صاحبها ، وهي : الضمير(٢)،والواو (٣).

والجملة الخبرية : إمّا اسمية أو فعلية ، والفعلية : إما أن يكون فعلها مضارعا مثبتا أو مضارعا منفيا أو ماضيا منفيا ، فهذه خمس جمل.

(فالاسمية) (٤) أي : الجملة الإسمية الحالية متلبسة (بالواو والضمير) معا لقوة الاسمية في الاستقلال ، فتطلب أن تكون الرابطة فيها في غاية القوة ، نحو : (جئت وأنا راكب) و (جئت وأنت راكب) و (جاء زيد وهو راكب) (أو بالواو وحدها) لأنها تدل على الربط في أول الأمر فأكتفي بها ، مثل : قوله عليه الصلاة والسّلام : ((كنت (٥) نبيّا وآدم بين الماء والطين)) وهذا ، أي : الربط بالواو وحدها ، أو بها مع الضمير إنما يكون

__________________

ـ الخبرية دون الإنشائية إلا بالتأويل ؛ لأن الإنشائية من حيث إنشائية لا خارج لها حتى تكون حالا من أحواله في نفس الأمر (وجيه الدين).

(١) لاشتمالها على الإسناد المقتضي للمسند والمسند إليه وإذا كان كذلك لا يقتضى (م).

(٢) قوله : (وهي الضمير والواو) لما كانت الجملة الحالية فضلة احتاجت إلى زيادة ربط ، ولهذا لا يكون الواو رابطة في الجملة الواقعة خبرا أو وصفا إلا إذا حصل لهما أدنى انفصال وذلك لوقوعهما بعد إلا نحو : ما جئتك إلا وأنت بخيل ، وما جاءني إلا وهو فقير (عب).

(٣) وفي حصر رابطة في الضمير والواو نظرا وبكون ظهور الملابسة منزلة رابطة لتوقعه على الثبوت بكلام سابق قصد تعيينه بها (معاني).

(٤) ولما فرغ من بيان أن أية جملة تقع حالا شرع في بيانها تفصيلا وبيان الرابطة أيضا فقال : بالفاء التفسيرية والتفصيلية (م).

ـ وفي حكمها الجملة المصدرة بليس ؛ لأنها لمجرد النفي على الأصح ، ولا تدل على الزمان فهو كحرف نفي داخل على الاسمية (لاري).

(٥) قوله : (كنت نبيا) أي : لما ينبوئي من عند الله تعالى ، وآدم بين الماء والطين أي : والحال أن بدنه العنصري لم يكمل بعد وإنما كان نبيا ؛ لأنه خلق روحه المطهر قبل الموجود ثم بعث إلى أرواح المكلفين بعد خلقها قبل الأبدان فبلغ إليهم الحقيقة الأحدية فآمن به من هو أهله ، ثم ظهر ذلك الأيمان بعد خلق أبدانهم وفيه إشارة إلى أن سائر الأنبياء لم يكونوا أنبياء قبل أبدانهم العنصرية.

واعلم أن في صحة هذا تغافلا ولعله نقل بالمعنى فإن المروي عن أحمد (١٦١٨٧) والبخاري في تاريخه (١٦٠٦) والبغوي في التفسير : ٥ / ٢٣٠ والحاكم الصحيح «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» (ح حاي ع ع ب).

٣٥٣

الحال المنتقلة (١) ، وأما في الحال المؤكدة ، فلا يجوز بالواو ، تقول (هو الحقّ لا شك (٢) فيه) وذلك ؛ لأن الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد ، لشدة الاتصال بينهما.

(أو الضمير) (٣) وحده (على ضعف) (٤) ؛ لأن الضمير لا يجب أن يقع في الابتداء (٥). فلا يدل على الربط في أوّل الأمر نحو : (كلمته فوه (٦) إلى فيّ) (٧) فلا بدّ من الواو على الصحيح :

__________________

(١) الغير المتقررة ؛ لأنها لتجددها وانتقالها اقتضت أن يقدر بالواو الموضوعة للجمع ليعلم من أول الأمر أن الجملة مرتبطة بما قبلها غير مستقلة (توقادي).

(٢) لأن لا لنفي الجنس شك مبني على الفتح محلا منصوب إلخ اسم لا وفيه خبره ، والجملة الاسمية حال من الحق ، والعامل فيه هو الفعل المحذوف أي : أحق لا شك فيه (لمحرره رضا).

(٣) قوله : (أو بالضمير وحده) ، قال الأندلسي والشيخ عبد القاهر : إن كان المبتدأ في الجملة الواقعة ضمير ذي الحال يجب الواو ، تقول : جاءني زيد وهو سرع أو هو يسرع (حاشية هندي).

(٤) قيل : في هذا الضعف نظر ؛ لأنه ورد في كلام الله تعالى نحو : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)[الزمر : ٦٠] ولا يجوز إسناد الضعيف إلى كلام الله تعالى الذي [هو] أفصح الكلام؟ وجواب ابن الحاجب أنه : بتقدير وجوههم ممنوع إذ هذا الدليل منقوض بقوله تعالى : : (آوَوْا وَنَصَرُوا)[الأنفال: ٧٢] فثبت هذا الضعف، وكقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)[الحديد: ٢٥] (من حاشية الموشح).

(٥) بل قد يقع في الأول وحينئذ بل على الربط من أول الأمر كالواو ، وقد يقع في الأوسط بل قد يقع في الآخر فلا بد اه (م).

(٦) وقال بعض الأفاضل : هذا كلام فصيح ؛ لأنه يعلم الربط من أول الأمر ، كذا في شرح الكشاف للعلامة التفتازاني ، وفيه نظر (حاشية هندي).

ـ قوله : (فوه) ، مبتدأ و (إلى فيّ) خبره والجملة في موضع النصب حال من الهاء في كلمته والهاء في قوله : (فوه) عائد إلى الهاء في كلمته ؛ لأن جعلت الحال من الفاعل والعامل في قولك : فيّ (توصيف).

ـ حال من الضمير وحده فإن كان حالا عن الفاعل والضمير في (فيّ) وهو ياء المتكلم وإن كان حالا من المفعول والضمير في فوه (سيدي).

(٧) وقوله :

ولو لا جنان الليل ما آب عامر

إلى جعفر سرباله لم يمرق

 ـ أي ولو لا جنان أي : شدة مواده ، آب : أي : يرجع ، سرباله : قميصه ، لم يمزق : تحريق السربال كناية عن السلامة أي : لو لم يكن شدة مواده لم يرجع عامر سالما ، في اللباب : فلولا بالفاء (حاشية هندي).

٣٥٤

(والمضارع المثبت) (١) أي : الجملة الفعلية (٢) التي يكون الفعل فيها مضارعا مثبتا متلبسا (بالضمير وحده) لمشابهته لفظا ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو : (جاءني زيد يسرع).

(وما سواهما) أي : ما سوى الجملة الإسمية والفعلية المشتملة على المضارع المثبت من الجمل المشتملة على المضارع (٣) المنفي أو الماضي المثبت أو المنفي (بالواو والضمير معا أو بأحدهما) وحده من غير ضعف عند الاكتفاء بالضمير ، لعدم قوّة استقلالها كالاسمية(٤).

فالمضارع المنفي ، نحو : (جاءني زيد وما يتكلم غلامه) أو (جاءني زيد ما يتكلم غلامه) أو (جاءني زيد وما يتكلم عمرو).

والماضي المثبت ، نحو : (جاءني زيد وقد خرج غلامه) أو (جاءني زيد قد خرج غلامه) أو (جاءني زيد وقد خرج عمرو) أو (جاءني زيد قد خرج عمرو).

والماضي المنفي ، نحو : (جاءني زيد وما خرج غلامه) أو (جاءني زيد ما خرج غلامه) أو (جاءني زيد وما خرج عمرو) (٥).

(ولا بد في الماضي (٦) ...

__________________

(١) ويشترط في المضارع الواقع حالا خلوه عن حرف الاستقبال كالسين ولن ونحوهما لتناقض الحال والاستقبال (عب).

(٢) لأنه كالمفرد وأما نحو : قمت وأصك وجهه فتقديره : وأنا أصك ، أي : أضربه وجهه (هندي).

(٣) وإن كان بلم خلافا للأندلسي فإنه قال : لا بد فيه من الواو وإن كان مع الضمير ، قال الشيخ الرضي : إذا انتفى المضارع بلفظة ما لم يدخله الواو ، وإذا انتفى المضارع بلا لزمه الضمير والأغلب تجرده عن الواو (لاري).

(٤) يعني كما كان ضعيفا عند الاكتفاء بالضمير في الجملة الاسمية الحالية لقوة استقلالها كما مر (توقادي).

(٥) اعلم أن اجتماع الواو وقد والضمير أكثر من الانفراد أو الاثنين في الماضي المثبت وفي البواقي اجتماع الواو والضمير أكثر من انفراد أحدهما (شيخ الرضي).

(٦) والظرف المستقر خبر لا هذا عند أكثر النحاة وقال البغداديون إن خبر لا محذوف أي : حاصل وقوله : (في الماضي) متعلق باسم لا مع كونه مبنيا على الفتح ، وقال ابن مالك بل معرب منصوب لفظا ترك لكونه مشابها بالمضاف وخبر لا محذوف أي : حاصل وفي الماضي متعلق باسم لا (زيني زاده).

٣٥٥

المثبت) (١) لا المنفي (٢) (من) دخول لفظه (قد) المقّربة زمان الماضي إلى الحال لغة على الماضي المثبت الواقع حالا ، ليدل (٣) بها على قرب زمانه إلى زمان صدور الفعل من ذي الحال ، أو وقوعه عليه تجوزا (٤) ؛ لأن المتبادر من الماضي المثبت إذا وقع حالا أن مضيّة إنما هو بالنسبة إلى زمان العامل فلا بدّ من (قد) حتى تقربه إليه فيقارنه (٥) ، وهذا بخلاف مذهب الكوفيين ، فإنهم لا يوجبون (قد) ظاهرة ولا مقدرة.

__________________

(١) قال السخاوي : الفعل الماضي لا يصلح أن يكون حالا مفعول فيه وما مضى لا يصلح أن يقع حالا فيه شيء فإذا صحة قد وقع حالا إذا كان المعنى ما ذكره وذلك أن قد حرف معنى وحرف المعنى إذا دخل عليه غيره عما كان عليه فإذا قلت : جئت قد كتبت زيدا فلا يجوز أن يكون حالا إن كانت الكتابة قد انقضت ، ويجوز أن يكون حالا إن كان قد شرع في الكتابة وقد مضى منها جزء ؛ لأنه ملتبس بها مستديم لها وكان المخاطب بهذا الكلام مترقبا كتابة زيد فيفيد أن زيد شرع في الكتابة وأنه قد مضى جزء منها فلمضى ذلك الجزء وجيء بالماضي ولتلبس زيد بالكتابة ودوامه عليه صح أن يكون الماضي حالا لاتصاله بالحال قال : ولا يقع الماضي حالا إلا بهذا المعنى فلذا لزم أن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة (خوافي).

(٢) ولا يدخل قد الماضي المنفي إذا وقع حالا ؛ لأن قد للتحقيق واجتماعها مع حرف النفي تناقض (مكمل).

(٣) قوله : (ليدل اه) هذا تحقيق ما ذكره السيد الشريف قدس‌سره وللقوم هنا كلام بعيد عن التحقيق فجرى أن لا تذكره (عب).

ـ قوله : (ليدل بها على زمان) هذا إشارة إلى أن ما قاله المرتضى الشريف في آخر الحاشية : قالوا إنما تجب قد ؛ لأن الماضي يدل على الانقضاء والحال على عدم الانقضاء فإذا أورد قد يتقرب الماضي إلى الحال وفيه؛ لأن المطلوب في الحال مقارنة حصول مضمونها بحصول مضمون العامل ماضيا أو حالا أو مستقبلا كان الحال أيضا كذلك ماضيا أو حالا أو مستقبلا وأيضا لفظ قد إنما يقرب الماضي إلى الحال المقابل للاستقبال وهو زمان التكلم فربما يكون قد سببا لعدم مقارنته لمضمون العامل كما في قولك : جاء زيد في السنة الماضية وقد ركب فرسه فهذا اللفظ ناشئ عن اشتراك لفظ الحال وغاية ما يمكن أن يقال هذا مجرد استحسان دعاية للمنافاة بين الماضوية والحالية في الجملة ولهذا اشترط خلو الجملة علامة الاستقبال كذا في المطلوب (حاشية الهندي).

(٤) أي : دلالة تجوزا ودلالة تجوزية يعني دلالة لفظة قد على هذا القرب مجاز بعلاقة الجزئية ؛ لأن هذه الدلالة جزء من معناها اللغوي لكونه مطلقا (م).

ـ وإنما قال تجوزا ؛ لأن قد لتقريب الماضي إلى الحال اللغوي ؛ إذ هو أحد الأزمنة الثلاثة واستعمال التقريب الواقع حالا في زمان حدوث الفعل من ذي الحال مجازا (عبد الرحيم).

(٥) قوله : (فيقارنه) الظاهر من السياق والسياق أن الضمير المنصوب في فيقارنه راجع إلى ـ

٣٥٦

سواء كانت (ظاهرة) في اللفظ ، نحو : (جاءني زيد قد ركب غلامه) (أو مقدرة) منوّية(١) نحو : قوله تعالى ((أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ (٢) صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠]) أي : قد حصرت صدورهم ، وهذا بخلاف مذهب سيبويه والمبرد ، فإنهما لا يجوّزان حذف (قد).

فسيبويه : يؤول قوله تعالى : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ب : (قوما حصرت صدورهم) فتكون جملة (حصرت) صفة موصوف محذوف هو الحال والمبرد : يجعله جملة دعائية وإنما لم يشترط ذلك في المنفي ، لاستمرار النفي بلا قاطع (٣) ، فيشتمل زمان (٤) الفعل.

(ويجوز (٥) حذف العامل) في الحال ، لقيام ، قرينة حالية (كقولك للمسافر) أي : الشارع في السفر (٦) ، أو المتهيئ له : (راشدا مهديّا) أي : سر (٧) راشدا (٨) مهديّا بقرينة حال المخاطب ، قوله (مهديّا) : إما صفة ل : (راشدا) (٩) ، أو حال (١٠) بعد حال.

__________________

ـ زمان العامل لكن المطلوب مقارنة الحال لعاملها بأن يكون زمانهما واحدا فتدبر ولا تغفل (فاضل).

(١) بأن تكون محذوفة في اللفظ ملحوظة في النية ؛ لأن المقدر المنوي كالملفوظ من غير فرق (م).

(٢) فجملة حصرت صدورهم حال من فاعل جاؤوكم أي : جاءكم الكفار حال كون صدورهم خائفة ؛ لأن الخوف سبب للحصر فيكون من ذكر المسبب وإرادة السبب والمراد من الصدور العقول مجازا بعلاقة المحلية (م).

ـ سواء مقدرة منوية أو محذوفة نسيا منسيا ؛ لأن قد حرف والحرف لا تأثير له إذا كان محذوفا مع جواز وجه آخر إلا أن يكون مذكورا لفظا وههنا ليس كذلك (م).

(٣) بخلاف الثبوت فإنه يحتاج في استمراره إلى فاعل ومبق بخلاف النفي فإنه يحتاج إلى فاعل فقط (جلبي).

(٤) لأنه إذا انتفى الفعل الماضي استمر ذلك إلى الحال بحكم الاستصحاب بخلاف الثبوت فإنه يحتاج في استمراره إلى فاعل ومبق (غجدواني).

(٥) ولما فرغ من بيان ما هو أصل في الحال وما هو الفرع فيه شرع في بيان حذف عامله جوازا أو وجوبا سواء كان العامل فعلا أو شبهه أو معناه ومثال الثالث هذا الهلال بيننا (م).

(٦) يريد بالتفسير الأول معناه الحقيقي وبالثاني معناه المجازي بعلاقة السببية ؛ لأن السفر سبب له فيكون من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبب أو بعلاقة الأولية (توقادي).

(٧) أي : سر راشدا مهديا ، أي : مستقيما غير ضال في سلوكك والقرينة هاهنا تهيئة لأسباب السفر (إيضاح).

(٨) مفعول من هدى يهدي إذا دل أحد على الطريق المستقيم (محمد أفندي).

(٩) كأنه هدى فتقررت له الهداية في صاحب الحال فالأصل ألا يكون وصفا له إلا أن الضمير لما لم يوصف جعلت الهدأية وصفا لما قام به وهو الرشد (م).

(١٠) أي : حال مترادفة إن كانت من فاعل سرا أو متداخلة إن كانت من ضمير راشدا (لمحرره رضا).

٣٥٧

أو مقالية ، كقولك : (راكبا) لمن يقول : كيف جئت راكبا.

بقرينة السؤال ، ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى)(١) قادِرِينَ [القيامة : ٣ ـ ٤] أي : بلى نجمعها قادرين.

(ويجب) (٢) حذف العامل (٣) (في) بعض الأحوال (المؤكدة) (٤) وهي أي : الحال المؤكدة مطلقا ، هي التي لا تنتقل من صاحبها ما دام موجودا غالبا بخلاف المنتقله.

والمنتقلة : قيد (٥) للعامل بخلاف المؤكدة (مثل (زيد أبوك عطوفا (٦) فإن العطوفية

__________________

(١) بلى حرف تصديق مبني على السكون قادرين منصوب لفظا جمع مصحح حالة النصب بالياء اللفظية ، عامله عامل لفظي قياسي من ذي الحال المحذوف وهو فاعل الفعل المحذوف أي : نجمعها (لمحرره رضا).

(٢) هذا هو مذهب من قال إن المؤكدة لا تجيء إلا بعد الاسمية والظاهر أنها تجيء بعد الفعلية أيضا كقوله تعالى: (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[البقرة : ٦٠] وقوله : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)[التوبة : ٢٥] (رضا).

(٣) وإنما وجب حذف العامل لئلا يكون ذكره كالعبث لا قوله : (زيد أبوك عطوفا) تدل على عطفية زيد ؛ لأنها من لوازم الأبوة على إثباتها فلا حاجة إلى تصريح العامل الذي هو إثبات العطف فيه فإن الجملة السابقة كالنائب (سيدي).

ـ ولا يرد نحو قوله تعالى : (قائِماً) في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)[آل عمران : ١٨] مع أن عامله لم يحذف وهو شهد فعلم أن وجوب حذف العامل في بعضها لا في كلها وقيل : غير مؤكدة لعدم الاسمية وإنما سمي حالا دائما أو مؤكدة ؛ لأنه يوجد فيها شرط وجوب حذف العامل على اختلاف التقديرين (هندي وغيره).

(٤) وعلاقة حال المؤكدة أربعة ، أحدها : أن يكون بعد جملة اسمية محضة ، والثاني : أن يكون منصوبة بفعل مقدر ، والثالث : أن يكون منتقلة ليصح أن يكون تأكيدا ، والرابع : أن يوجد معناها في نحو قوله تعالى : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً)[فاطر : ٣١] فمصدقا تأكيد للتصديق الذي يكون في الجملة ؛ لأن الحق لا يزول عنه تقديره أثبته مصدقا (إيضاح).

(٥) لأن الغرض منها تقييد الحدث المنسوب إلى صاحبها إسنادا أو إيقاعا وذلك الحدث هو العامل في الحال فيكون قيدا له (م).

(٦) والعامل فيه عند سيبويه مصدر بعد الجملة أي : أحق عطوفا من حققت الأمر أي : تحققت وعرفته وقيل : أي : يجيء عطوفا وعند ابن مالك العامل معنى الجملة كأنه قال يعطف عليك أبوك عطوفا ؛ لأن الجملة وإن جزآها جامدين إلا أنه يحصل من إسناد أحد جزئيها إلى الآخر معنى من معاني الفعل وعلى هذا لا يجوز تقديم الحال لضعفها في العمل وذلك الخفاء معنى فيهما على جزء الجملة ولا أحدهما (عباب).

٣٥٨

لا تنتقل عن الأب في غالب الأمر (أي : أحقّه) بفتح الهمزة أو ضمها من حققت الأمر بمعنى : تحققته وصرت منه على يقين أو من أحققت الأمر بهذا المعنى بعينه ، أو بمعنى أثبته ، أي :

تحققت أبّوته (١) لك ، وصرت منها على يقين ، أثبتها لك (٢) عطوفا (٣).

وقال صاحب (المفتاح) : أحق (٤) التقديرات عندي أن يقدر (يجيء (٥) عطوفا) (وشرطها) أي : شرط (٦) وجوب حذف (٧) عاملها (أن تكون مقررة) أي : مؤكدة (٨) (لمضمون (٩) جملة) احترز به عما يؤكد بعض أجزائها كالعامل في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩](١٠) فإنه لا يجب حذفه.

__________________

(١) فيه إشارة إلى أن مفعول أحق بحذف المضاف أي : أحق أبوته (قدقي).

(٢) أي : تحققت أبوته لك وصرت منها على يقين بحيث لم يبق لي شبهة (م).

(٣) وعلى هذا الوجوه كلها يكون الحال مبنيا للمفعول وقد سبق (م).

(٤) وإنما قال أحق لسلامته من الخوف ، أي : حذف المضاف من مفعول أحقه (قدقي).

(٥) مضارع معلوم من حنى يحني من باب رمى يرمي أي : يميل ويشفق ويرحم (توقادي).

ـ فلان أحنى الناس عليك أي : أشفقهم وحنوت عليه أي : عطفت (صحاح).

(٦) قوله : أي : شرط وجوب حذف عاملها إنما قدرت هذه الأمور الثلاثة ؛ لأن الحق أن الحال المؤكدة قد تكون مؤكدة بالجملة الفعلية كقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[البقرة : ٦٠] أي : لا تفسدوا ومن خصص المؤكدة بالجملة الاسمية يؤول أمثاله بالمصادر فيجعل قوله تعالى : (مُفْسِدِينَ) بمعنى الإفساد وكثيرا ما يجيء صيغة الصفة مقام المصدر (عب).

ـ وجعل كونها مقررة لمضمون جملة شرطا لوجوب حذف العامل لا شرطا لوجوب الحال المؤكدة ومنهم من جعلها شرطا لوجودها قال إن الحال المؤكدة لا تجيء إلا بعد الاسمية (وجيه الدين).

(٧) قدر الحذف والإضافات ليصح الحمل على الشرط بقوله : (أن يكون اه (توقادي).

(٨) هذا تفسير باللازم ؛ لأن التقرير المذكورة بعد مرة أو جعل الشيء في قراره فيلزمه التأكيد (توقادي).

(٩) والمراد بمضمون الجملة في المثال المذكورة شفقة الأب إلى الابن (هندي).

(١٠) فإن قيل : قوله : (رسولا) يؤكد بعض أجزاء الجملة وهي الإرسال إذا أريد به معناه اللغوي أما لو أريد معناه الشرعي وهو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق بكتاب وشريعة فيؤكد مضمون جملة وهو إرسال الله تعالى قلنا حينئذ يكون المراد بالإرسال أيضا معناه الشريعي فيؤكد أيضا على هذا التقدير مضمون بعض أجزاء الجملة فتأمل (وجيه الدين).

٣٥٩

(اسمية) (١) احترز به عما إذا كانت فعلية ، فإنه لا يجب حذف عاملها ، كما قال صاحب الكشاف ففي قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] : إنّه حال مؤكدة من فاعل (شهد) (٢).

ولا بد هاهنا من قيد آخر وهو : أن يكون عقد تلك الجملة الإسمية من اسمين لا يصلحان للعمل فيها ، وإلا لكان عاملها مذكورا ، فكيف يكون حذفه واجبا؟ نحو : الله شاهد قائما بالقسط.

(التمييز)

التمييز (٣)

(ما يرفع) أي : الاسم الذي يرفع (الإبهام) واحترز به عن البدل ، فإن المبدل منه في حكم التنحية (٤) ، فهو ليس يرفع الإبهام عن شيء ، بل هو ترك مبهم وإيراد معين.

(المستقرّ) أي : الثابت الراسخ في المعنى الموضوع له (٥) ، من حيث إنّه موضوع له.

فإن (المستقر) وإن كان بحسب اللغة هو الثابت مطلقا ، لكن المطلق منصرف إلى

__________________

(١) بشرط أن يكون طرفاها جامدين جمودا محضا ؛ لأن الغرض من وضع تلك الحال يدل على هذه الصفة من صاحبها لا ينتقل ولا يتحول فلو كانت مقررة لمضمون الجملة الفعلية أو التي أحد جزئيها من المشتقات لما حصل ذلك الغرض لما أن في تلك الجملة دلالة على التجدد والحدوث في الأغلب (عافية شرح الكافية).

(٢) وهو الله ومضمون الجملة شهادة الله تعالى ؛ لأن القيام بالقسط بغير اسم من الجملة فأكدت بقوله : قائما بالقسط (حاشية).

(٣) مبتدأ محذوف الخبر أي : من المنصوبات أو من الملحقات أو خبر محذوف المبتدأ أي : هذا بيان التمييز وعلى هذين الوجهين يكون قوله : (ما يرفع خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما يرفع صلة أو صفة (هندي).

ـ قال التمييز ويقال له التبيين والتفسير والمميز بكسر الياء قيل : وقد يقال بفتحها ؛ لأن المتكلم يميزه بين الأجناس برفع الإبهام (غف).

(٤) أي : في حكم السقوط ؛ لأن المبدل منه في حكم الإزالة من البين في المعنى (لمحرره).

(٥) قوله : في المعنى الموضوع له من حيث أنه موضوع له) لعل الوضع شامل للوضع النوعي المجازي ؛ لأن أسماء العدد والوزن والكيل إذا أريد بها المعاني الحقيقية وهي : العدد والكيل والوزن لا تستدعي تمييزا وإنما تستدعي تمييزا إذا أريد بها المعدود والمكيل والموزون كما سيجيء وهي فيها مجاز (لاري).

٣٦٠