شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

بأن يتبدل (١) حرف بحرف آخر حقيقة أو حكما (٢) ، إذا كان إعرابه بالحروف أو صفة (٣) بأن يتبدل صفة بصفة أخرى حقيقة أو حكما ، إذا كان إعرابه بالحركة. (باختلاف العوامل) أي : بسبب اختلاف العوامل (٤) الداخلة عليه في العمل ، بأن يعمل بعض منها خلاف ما يعمل البعض الآخر ، وإنما خصصنا اختلافها بكونه في العمل ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : (إن زيدا مضروب) وإني ضربت زيدا ، و (إني ضربت زيدا) ، (إني ضارب زيدا) فإن العامل في (زيد) في هذه الصور مختلف بالاسمية والفعلية والحرفية مع أن آخر المعرب لم يختلف باختلافه.

(لفظا أو تقديرا) نصب على التمييز (٥) ـ أي : يختلف (٦) لفظ آخره ، أو تقديره ـ أو

__________________

(١) قوله : (بأن يتبدل) على صيغة المجهول مثال المتبدل حقيقة مثل جاءني أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه ، ومثال المبدل حكما نحو رأيت مسلمين ، ومررت بمسلمين ، فإن الباء في حالة النصب وإن كان عينه في حالة الجر حقيقة ؛ لكنه غيره حكما ، والحرف الأخير في المسلمين هي الياء لا النون ؛ لأن النون بدل من التنوين ولهذا أسقط بالإضافة. (مصطفى جلبي).

(٢) كتبدل حركة أحمد بسبب اختلاف العوامل ، بأن الفتحة في حالة النصب ، وإن كان عينها في حالة الجر ، لكنها غيرها حكما.

(٣) قوله : (أو صفة) أي : حاله شبيهة بالصفة لا صفة حقيقة ؛ لأن الحركة لا تقوم بالحرف بل تقوم بما يقوم به الحرف ، لكنها تابعة له. (عبد الغفور).

ـ اعلم أن الإعراب على ثلاثة أقسام : إعراب بالأصالة كإعراب الأسماء ، وإعراب بالمشابهة كإعراب الفعل المضارع ، وإعراب بالتبعية كإعراب التوابع ، والبناء أيضا ثلاثة أقسام الأول بالأصالة كبناء الحرف والفعل الماضي والأمر بغير اللام ، والثاني بالمشابهة كأسماء المبنية ، والثالث بالتبعية كالمنفي والمنادى في قولك : لا رجل ظريف ويا زيد. (سيدي).

(٤) إنما قيد العوامل بالداخلة عليه ؛ لأن معربا لا يخلو عن اختلاف العوامل في وقت ما ، ولا يختلف آخره به ، وإنما يختلف بسبب اختلاف العوامل الداخلة عليه (عصام). لكن بسبب هذا القيد يخرج عن هذا الحكم اختلاف الآخر بسبب اختلاف العوامل المعنوية ، فإنها غير داخلة على المعرب ؛ إذ الدخول هو اللحوق بالأول أو الآخر ، وذا لا يتصور في الأمور المعنوية ويمكن أن يقال : خروج مثل هذا غير مضمر. (عصمت).

(٥) أي : منصوب كل واحد منهما على أنه تمييز عن النسبة في جملة يختلف آخره ، والتمييز عن النسبة في الجملة يكون في المعنى فاعلا ، ولهذا فسر بقوله : (أي : يختلف لفظ آخر ، أو تقديره ولم يحمل على أن يكون تمييزا عن النسبة في قوله : (باختلاف العوامل) حتى يلزم حينئذ تعميم العوامل المختلفة. (عصمت).

(٦) قوله : (يختلف لفظ آخره) أي : صورة آخره ، أو تقديره أي : يختلف آخره بحسب التقدير ، ـ

٦١

على المصدرية ، أي : يختلف اختلاف لفظ (١) أو تقدير. والاختلاف لفظا كما في قولك : (جاءني زيد) و (رأيت زيدا) و (مررت بزيد) وتقديرا (٢) كما في قولك : (جاءني فتى) و (رأيت فتى) و (مررت بفتى) ، فإن أصله فتيّ ، وفتيا وفتي.

قلبت الياء ألفا ، فصار الإعراب تقديريا ، والاختلاف اللفظي والتقديري أعم من أن يكون حقيقة ، أو حكما كما أشرنا إليه ، لئلا (٣) ينتقض بمثل قولنا : رأيت أحمد ، ومررت بأحمد ، وقولنا : رأيت مسلمين ومررت بمسلمين ، مثنى أو مجموعا ، فإنه قد اختلف العوامل فيه ، ولا اختلاف (٤) في آخر (أحمد) حقيقة بل حكما ، فإن فتحة أحمد

__________________

ـ سواء كان بحسب تقدير نفس الآخر فقط كما في مسلمي ، أو تقدير صفته كما في عصى وقاض ، أو بحسب تقديره بالصفة فقط كما في حبلى وغلامي ، فإن أخرهما لا يمتنع عن قبول الإعراب بحسب الغرض ، والحكم وإن كان يمتنع عن قبول بحسب الخارج. (عب).

(١) ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ويقال لمثل هذا عند أرباب المعاني : إيجاز الحذف ، والأولى على التمييزية أولى ؛ لعدم الحذف فيه ، ولأن فيه إجمالا وتفصيلا ، وإبهاما وتفسيرا ، وهو أوقع في النفوس بخلاف الثاني. (محرم).

(٢) والاختلاف التقديري قد يكون بتقدير الآخر والإعراب جميعا ، كما في مثل جاءني فتى ، ورأيت فتى ، وقد يكون بتقدير الإعراب فقط كما في قولنا : جاءني الفتى ، ومررت بالفتى. (بخاري).

(٣) صورة النقض أن يقال هذا الحكم يقتضي أن يكون اختلاف العوامل الداخلة على المعرب سببا لاختلاف آخر المعرب ، وليس كذلك فإن العامل اختلف في قولنا : رأيت أحمد ومررت بأحمد ، وفي قولنا : رأيت مسلمين ومررت بمسلمين ، مع أن الآخر لم يختلف لا لفظا ولا تقديرا ، أو صورة الدفع أن يقال : إن اختلاف آخر المعرب بسبب اختلاف العوامل أعم من أن يكون حقيقة أو حكما ، ففي الأمثلة المذكورة تحقق الاختلاف حكما بسبب اختلاف العوامل ،؟؟؟ كما يجري في الاختلاف لفظا بأن يكون حقيقة وحكما يجري في التقديري أيضا ،؟؟؟ يكون حقيقة وحكما. (عصمت).

(٤) قوله : (ولا اختلاف في أخر أحمد حقيقة بل حكما) كتب الأستاذ بإزاء ذلك ما صورته : أقول : لا يبعد أن يعد من الاختلاف التقديري ما كان نصبه تابعا للجر ، وبالعكس ، فقد صرح الشيخ بأنهما مختلفان حقيقة كضمني ذلك المفرد والجمع ، وصرح الشيخ أيضا بأن الاختلاف في الفلك بحسب التقدير ، والتقدير في مقابلة اللفظ فلا حاجة إلى زيادة قوله : (حقيقة أو حكما) كما ذكره الشيخ على أنه مستغنى عنه بجعله خاصة غير شاملة كما ذكره في جواب ، فإن قلت : أولا بالاكتفاء بالاختلاف بالرفع والنصب وبالعكس ؛ إذ لا يلزم وجود الاختلاف بأنواع الإعراب كلها ، فافهم. (عيسى الصفوري).

٦٢

بعد الناصب علامة النصب وبعد الجار علامة الجر ، وكذا الحال في التثنية والجمع ، فآخر المعرب في هذه الصور يختلف باختلاف العوامل حكما لا حقيقة.

فإن قلت (١) : لا يتحقق الاختلاف لا في آخر المعرب ولا في العوامل (٢) إذا ركب بعرض الأسماء المعدودة غير المشابهة لمبني الأصل مع عامله الابتداء ؛ إذ لا يترتب عليه اختلاف الإعراب بل هناك حدوث الإعراب بدخول (٣) العامل. قلت : هذا حكم آخر من أحكام المعرب ، والاختلاف حكم آخر فلو لم يدخل أحد الحكمين في الآخر ، لا فساد (٤) فيه ، فإن للمعرب أحكاما كثيرة لم تذكر هاهنا ، فليكن هذا الحكم أيضا من هذا القبيل ، غاية الأمر أن هذا الحكم لا يكون من خواصه الشاملة.

(الإعراب (٥) : ما) أي : حركة (٦) ...

__________________

(١) قوله : (فإن قلت : ... إلخ) حاصل السؤال أن اختلاف العوامل لا يتحقق إلا إذا تحقق عامل عقيب عامل ، وكذا اختلاف آخر المعرب لا يتحقق إلا إذا تحقق معرب عقيب معرب آخر ، وإذا ركب بعض الأسماء المعدودة الغير المشابهة لمبني الأصل مع عامله ابتداء ، كما يقال : جاءني زيد ابتداء ، لا يختلف عامل بل وجد العامل ابتداء وآخر المعرب ، بل اختلف الاسم مطلقا ، وحاصل الجواب أن للمعرب حكمين : أحدهما اختلاف الإعراب بسبب اختلاف العوامل ، والثاني حدوث الإعراب بدخول العوامل ، وقد بين أحد الحكمين ولم يدخل فيه الآخر ، ولا فساد فيه ؛ إذ لا يلزم ذكر جميع أحكامه ، غاية الأمر أنه على هذا يلزم أن لا يكون خاصة شاملة لجميع أفراده ولا محذور فيه ، فإن الخاصة ما يختص بالشيء ولا يوجد في غيره ، سواء وجد في جميع أفراده أو بعضها ، كالضاحك وبالفعل أو بالقوة. (وجيه الدين).

(٢) يعني : لا يوجد اختلاف العوامل ، وإذا لم يوجد اختلافها لم يوجد الاختلاف أيضا في آخر المعرب ؛ لأن اختلاف آخره يتوقف على اختلاف العوامل لكن بشرط أن يكون الاختلاف في العمل. (محرم أفندي).

(٣) لأن الاسم قبل دخول العامل لم يكن فيه إعراب ؛ لأنه عند المصنف مبني ، فلما دخل عليه العامل صار معربا ، وظهر الإعراب فيه بدخوله وحدوثه. (توقادي).

(٤) لأن الفساد إنما يلزم إذا اتفقت الأحكام ولم يدخل بعضها ، أما إذا تغايرت فلا فساد في عدم دخول بعضها. (م).

(٥) وإنما سمي الإعراب إعرابا ؛ لأنه يبين المعاني الفاعلية والمفعولية والإضافة ، ويوضحها من قولهم : (أعرب الرجل عن صحبته) إذا تبين. (ودي).

(٦) كالقرنية عليه شهرة أمر الإعراب بأنه حركة أو حرف ، أو ما سنذكره في ضبط إعراب الأسماء ، ولا يخفى بعده. (ودي).

٦٣

أو حرف (اختلف آخره) (١) أي : آخر المعرب من حيث هو معرب ذاتا أو صفة (به) ، أي : بتلك الحركة أو الحرف ، وحين يراد ب : (ما) الموصولة ، الحركة أو الحرف ، لا يرد العامل (٢) والمقتضى. ولو أبقيت على عمومها خرجا بالسببية المفهومة من قوله : (به) فإن المتبادر من السبب هو السبب القريب (٣). والعامل ، والمقتضى من الأسباب البعيدة ، وبقيد الحيثية (٤) خرج حركة نحو : (غلامي) لأنه معرب على اختيار المصنف ، لكن اختلاف هذه الحركة على آخر المعرب ، ليس من حيث إنه معرب بل من حيث إنّه ما قبل(٥) ياء المتكلم وبهذا القدر تم حد الإعراب جمعا ومنعا ، ولكن المصنف أراد أن ينبّه على فائدة اختلاف وضع الإعراب فضم إليه قوله : (ليدل على المعاني المعتورة عليه) وكأنه (٦) أراد هذا المعنى حيث قال : ليس هذا من تمام الحدّ ، لا أنه خارج عن الحدّ ، واللام (٧) في (ليدل) متعلق بأمر خارج عن الحدّ ، يعني : وضع الإعراب المفهوم

__________________

(١) أي : صفة آخر الاسم أو المعرب إنما جعل الإعراب في الآخر ؛ لأنه دال على الوصف ، أي : كونه عمدة أو فضلة ، والدال على الوصف هذا الإعراب. (فاضل سندي).

(٢) لأن العامل والمقتضي الفاعلية والمفعولية والإضافة ، وهذه الثلاثة يقتضي الإعراب ، والإعراب يقتضي الاختلاف ، والقريب هذا الإعراب. (طاشكندي).

(٣) اعلم أن لاختلاف آخر المعرب ثلاثة أسباب : الأول العامل ، والثاني المعنى المقتضي ، والثالث الإعراب ، أعني الرفع والنصب والجر ، والأول بعيد بالنسبة إلى الآخرين ، والثاني متوسط بالنسبة إليهما ، وإنما قال : الحركات الإعرابية سبب قريب للاختلاف ؛ لحصوله بها بلا واسطة شيء آخر بخلاف باقي الأسباب. (شرح).

(٤) إذا أضيف إلى ياء المتكلم بعد جعله معربا ، وأما قبل ذلك فقد صرح بالضمير الراجع إلى المعرب في قوله : (آخره). (عصمت).

(٥) فإن غلام مثلا قبل الإضافة إلى ياء المتكلم كان مبنيا على السكون ؛ لأن التركيب شرط لكون الاسم معربا فحرك بالكسر دون غيرها لمناسبة الياء ؛ ولأنها أصل في تحريك الساكن ، وقيل هذه الكسرة بنائية ؛ لأنها حصلت قبل العامل كالفتحة في اللام ، والضمة في العين ، فلا يوجد الاختلاف بدخول العامل. (توقادي).

(٦) جواب سؤال مقدر كأنه قيل : كيف يعلم أن المصنف أراد أن ينبه على فائدة هذا المعنى فأجاب بقوله : (وكأنه أراد). (رضا).

(٧) قوله : (واللام) بالنصب أي : وليس اللام في ليدل متعلقا بأمر خارج ... إلخ ، والمقصود من هذا التفصيل الرد على الشارح الهندي والمتوسط ، حيث ذهبا إلى كون هذا الكلام من تمام الحد وكون اللام متعلقا بأمر خارج مفهوم من فحوى الكلام. (مصطفى جلبي).

٦٤

من فحوى الكلام ، فإنه بعيد عن الفهم غاية البعد (١).

فاللام فيه متعلق بقوله : (اختلف آخره) ، يعني : اختلف آخره (ليدل)(٢)الاختلاف (٣) أو ما به الاختلاف.

(على المعاني) ، يعني : الفاعليّة والمفعوليّة والإضافة (المعتورة) ، على صيغة اسم الفاعل (عليه) ، أي : على المعرب متعلق بمعتورة على تضمين (٤) مثل : معنى الورود والاستيلاء.

يقال : اعتوروا الشيء (٥) وتعاوروه ، إذا تداولوه ، أي : أخذه جماعة ، واحد بعد

__________________

(١) لأنه لا نظر إلى وضع الإعراب لا قصدا ولا تبعا ، وقوله : (غاية البعد) منصوب على الظرفية ، فإن تعلقه بقوله : (وضع بعيد عن الفهم) في غاية البعد. (محرم).

(٢) لأن العامل يقتضي الفاعلية والمفعولية والإضافة ، وهذه يقتضي الإعراب ، والإعراب يقتضي الاختلاف ، فيكون الإعراب سببا قريبا والعامل والمقتضي سببا بعيدا. (طاشكندي).

ـ هذا بيان لغرض وضع الإعراب في الأسماء إذ الأسماء تعرض لها معان مختلفة وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة ، فأريد تمييز بعضها عن بعض ، فوضع الإعراب مميزا بعضها عن بعض ، ومبينا لما هو المقصود ومزيلا للفساد الناشئ من التباس بعضها من بعض ، كما أشير إلى معناه من حيث الوضع اللغوي. (حبيصي).

(٣) قوله : (الاختلاف أو ما به الاختلاف ... إلخ) إشارة إلى أن فاعل ليدل إما راجع إلى الاختلاف أي : المصدر الذي يدل اختلف عليه ، وإما إلى ما الموصولة التي هي عبارة عن الحركة والحرف. (مصطفى جلبي).

(٤) قوله : (على تضمين مثل معنى الورود) جعل السيد المعتورة بمعنى الداخلة بالنوبة ولو مجازا ليسلم عن تكلف التضمين ، ويدل عليه قول الشيخ أي : المتعاقبة ، فاحفظ ولا تغلط. (عيسى الصفوي).

ـ التضمين هو أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقي ، ويلاحظ معه معنى آخر يناسبه ، والمعنى الآخر مراد يدل عليه ذكر متعلقاته ، فتارة يجعل المذكور أصلا والمحذوف حالا ، وتارة يجعل المحذوف أصلا والمذكور حالا. (ملا محرم).

ـ التضمين يحتمل أمرين أحدهما أن يكون الأصل ثابتا والمضمن حالا تقديره ؛ ليدل على المعاني المعتورة حال كونها واردة ومستولية على المعرب ، والثاني أن يكون الأصل زائدا والمضمن أصلا تقديره ليدل على المعاني الواردة أو المستولية عليه ، وبين معناه اللغوي بقوله : (يقال : اعتوروا).

(٥) فيه إشارة إلى أن بابي الافتعال والتفاعل بمعنى في هذه الكلمة ، وإلى أنها يتعدى بغير ـ

٦٥

واحد على سبيل المناوبة (١) والبدلية ، لا على سبيل الاجتماع ، فإذا تداولت المعاني المختلفة، المقتضية للإعراب على المعرب متعاقبة ، متناوبة غير مجتمعة لتضادّها ، ينبغي أن تكون علاماتها أيضا كذلك ، فوقع بسببها اختلاف في آخر المعرب. فوضع أصل الإعراب ، للدلالة على تلك المعاني ووضع بحيث يختلف به آخر المعرب لاختلاف تلك المعاني. وإنما جعل الإعراب (٢) في آخر الاسم (٣) المعرب ؛ لأن نفس الاسم يدل على المسمى والإعراب يدل على صفته (٤).

ولا شك أن الصفة متأخرة عن الموصوف ، فالأنسب أن يكون الدال عليها أيضا متأخرا عن الدال عليه ، وهو مأخوذ (٥) من أعربه إذا أوضحه. فإن الإعراب (٦) يوضح

__________________

ـ حرف ، فيعلم منه وجه التضمين ، وإلى أنها يتعدد الفاعل في هذه الكلمة ويكون المفعول به واحد ، ويعرف منه وجه كونه على صيغة اسم الفاعل ؛ لأنه إذا كان على صيغة اسم المفعول يلزم تعدد المفعول به دون الفاعل ، على خلاف استعمال هذه الكلمة. (جلبي).

(١) قوله : (على سبيل المناوبة) أي : واحدا بعد واحد ، فلا يجتمع اثنان ، إن قلت : إن أراد ذلك في تركيب واحد فتداول المعاني فاسدة ، وإن أراد في التراكيب فعدم الجمع ممنوع ، فإن أراد إقتضاء بالفاعلية والمفعولية في تركيبين ، قلت : أراد التداول في تراكيب وعدم الجمع في واحد ، أي : معاني يتصف الاسم بأحدها في تركيب ثم بآخر في تركيب آخر ، ولا يتصف بهما في تركيب واحد ، فلا تغفل كمن غفل عنه. (عيسى).

(٢) قوله : (وإنما جعل الإعراب ... إلخ) أي : جعل الإعراب الذي هو الأصل حالا في الآخر ، أو جعل مطلق الإعراب في الآخر تحقق الحال في المحل ، كما في الإعراب بالحركة ، أو تحقق الكلي في ضمن جزئيه كما في الإعراب بالحرف ، أو جعل في جانب الآخر ، لا يقال : على التقدير الأول لم يعلم الإعراب بالحرف ؛ لأنا نقول: إذا تعين موضع الأصل تعين موضع فرعه ، وهو جانب الأسفل. يقدر الإمكان ، وإلا لزم تقدم الفرع وتأخر الأصل. (لارى).

(٣) اعلم أن الآخر إما يكون حقيقة كما في الإعراب بالحركة ، وهو لا يكون إلى في الآخر حقيقة ، وأما أن يكون حكما كما في الإعراب بالحروف ، فإن الواقع بعد أكثر حروف الكلمة كأنه الواقع بعد الكل ؛ لأن الأكثر في حكم الكلي. (محرم).

(٤) قوله : (على صفته) أي : صفة المسمى والمدلول ، وذلك بناء على أن الفاعلية ومقابليها صفات للمدلول ، وقد جعلها الشيخ الرضي صفات للدال ، وهي كونه عمدة أو فضلة ، فقال : جعل الإعراب في الآخر ؛ لأن الدال على الوصف بعد الموصوف. (عبد الغفور).

(٥) قوله : (مأخوذ ... إلخ) إشارة إلى جواب سؤال ، وجه تسمية الإعراب باسم الإعراب بوجهين كما لا يخفى. (رضا).

(٦) فالإعراب لغة الإيضاح سمى العلامات الدالة على المعاني مجازا بعلاقة التشبيه. (توقادي).

٦٦

المعاني المقتضية ، أو من (عربت معدته) إذا (فسدت) ، على أن تكون الهمزة للسلب فيكون معناه حينئذ ، إزالة الفساد ، سمّي به ؛ لأنه يزيل فساد التباس بعض المعاني ببعض.

(أنواع إعراب الاسم)

(وأنواعه) أي : أنواع إعراب الاسم ثلاثة (١) : (رفع ، ونصب ، وجر) هذه الأسماء الثلاثة (٢) مختصة بالحركات والحروف الإعرابية ولا تطلق على الحركات البنائية أصلا بخلاف الضمة ، والفتحة ، والكسرة ، فإنها مستعملة في الحركات البنائية غالبا ، وفي الحركات الإعرابية على قلّة (٣) (فالرفع) (٤) حركة كان أو حرفا (علم الفاعلية) أي :

__________________

(١) يعني : أن المراد تعداد إعراب الاسم بقرنية السياق ، والسياق لا مطلق أنواع الإعراب ، لأن مطلق أنواع أربعة هذه الثلاثة والجزم ، لكن الجزم مختص إلى الفعل كما سيجيء ، وقوله : (ثلاثة) إشارة إلى أن مجموع قوله : (رفع ونصب وجر) خبر واحد يصح الحمل ، فيكون من قبيل تقسيم الكلي إلى الأجزاء بتقديم العطف على الحمل ، كما في قولك : البيت سقف وجدران. (حلبي).

(٢) وإنما سميت الحركات الثلاثة بتلك الأسامي ؛ لحصول الأولى بضم الشفتين ، وحصول الثاني بفتح الفم ، وحصول الثالث بتحرك فك الأسفل وهو كسر الشيء ، إذ المكسور يسقط ، ثم الجزم بمعنى القطع ، وفي الجزم قطع الحركة ، ولذا سمي الجازم جازما ، والوقف والسكون بمعنى واحد والأول مختص بالإعرابي والأخيران بالبنائي. (عب).

ـ قوله : (هذه الأسماء الثلاثة ... إلخ) ذهب الشيخ الرضي إلى أن إطلاقها على الحروف مجاز ، لكن ظاهر كلام غيره الاشتراك ، ومن عرف الإعراب باختلاف الآخر ، فقال الشيخ : أراد بالرفع الانتقال إلى العمدة وهكذا ، ومقتضي كلام غيره أنه وافق غيره في ذلك ، ولكن لم يجعل المقسم الإعراب بل ما به الإعراب ، وقوله الإعرابية مع أن الحركات نفس الإعراب المعنى ، أن كلا منها منسوب إلى مطلق الإعراب نسبة الخاص إلى العام ، والمقصود الامتياز عن الحركة البنائية ، فالحركة تنسب إلى الإعراب والبناء فتدبر ، وقوله : (فالرفع) أي : إذا عرفت أن وضع الإعراب للدلالة فجعل الرفع دالا ، وعلامة على أحدها فحمل الفاعلية على الفاعل خطأ. (عيسى الصفوي).

(٣) قوله : (على قلة ... إلخ) مع القرينة كما في قوله : (بالضمة رفعا) فيكون النسبة بين الرفع والنصب والجر، وبين الضمة والفتحة والكسر عموما وخصوصا من وجه ، فإنهما يجتمعان في الحركات الإعرابية ، ويصدق الرفع والنصب والجر على الحروف الإعرابية دون الضمة والفتحة والكسرة ويصدق الضمة والفتحة والكسرة على الحركات البنائية دون الرفع والنصب والجر. (عصمت).

(٤) وإنما قال : الرفع علم الفاعلية ، ولم يقل : علم الفاعل ؛ لأنه ليس علم الفاعل وحده ؛ ـ

٦٧

علامة كون الشيء فاعلا حقيقة أو حكما (١) ليشمل الملحقات به والجر حركة كان أو حرفا (علم الإضافة) أي : علامة كون الشيء (٢) مضافا إليه.

وإذا كانت الإضافة نفسها مصدرا لم يحتج إلى إلحاق الياء المصدرية إليها كما في الفاعلية والمفعولية.

وإنما اختص (٣) الرفع بالفاعل والنصب بالمفعول ؛ لأن الرفع ثقيل ، والفاعل قليل ؛ لأنه واحد فأعطى الثقيل للقليل ، والنصب خفيف والمفاعيل كثيرة ؛ لأنها خمسة ، فأعطى الخفيف للكثير ، ولما لم يبق للمضاف إليه علامة غير الجر جعل علامة له.

(والعامل) (٤) لفظيا كان أو معنويا (ما به يتقوّم) أي : يحصل (المعنى المقتضى)

__________________

ـ لوجوده في غير ، كالمبتدأ وغيره ، بل علم للفاعل والأشياء المنسوبة إلى الفاعل كالمبتدأ والخبر واسمي كان وما وغيرهما ، ولهذا لم يقل : النصب علم المفعولية. (لمحرره).

(١) وذلك إذا كان الاسم عمدة ، وهذا الوصف يستدعي الرفع ، لكن قد يختلف عنه لعلة المشابهة بالفضلة ، ولا يخفى أن هذا التعميم هو الحق ، والقول بأن الرفع والنصب والجر ، أو الفاعلية والمفعولية ويكونان فيما يشابههما بطريق الاستعارة بعيد لا دليل عليه ، نعم الرفع والنصب بالفاعل والمفعول أحق. (لارى).

(٢) ويجوز حمل الياء على النسبة في قوله : (علم الفاعلية) والنصب علم المفعولية ، أي : الرفع الخصلة ، والحالة المنسوبة إلى الفاعل وهي الفاعلية في الفاعل ، وكون الاسم عمدة من كل وجه في الملحقات بها والنصب علامة الخصلة ، والحالة المنسوبة إلى المفعول وهي مفعولية المفاعيل وكون الاسم فضلة أو مشابها في المحلقات بها ، ورجح المصدرية ؛ لكونها أقرب إلى الفهم ، ولأن الإضافة مصدر فالمناسب حمل عديلها أيضا على المصدرية. (عصمت).

(٣) قوله : (وإنما اختص ... إلخ) هذا من باب التعادل حيث أعطوا الثقيل للقليل والخفيف للكثير ، لا من باب التناسب. (جلبي).

ـ الاختصاص إضافي بالنسبة إلى المفاعيل والمضاف إليه ، وإلا فالرفع غير مختص بالفاعل ، بل موجود في المحلقات بالفاعل أيضا ، وإنما بين الاختصاص في الفاعل لكونه أصلا في الإعراب من حيث أنه معمول ما هو أصل في العمل ، فإن قلت : المضاف إليه كالفاعل قليل فلم لم يعط الرفع إياه؟ قلت : الاهتمام شأن الفاعل أكثر ؛ لكونه معمول ما هو أصل في العمل ، والمراد أن الفاعل لو وجد في الكلام الواحد لا يكون إلى واحد بخلاف المضاف إليه ، والمفاعيل فيكون الفاعل قليلا في الكلام فأعطى الثقيل إياه؟. (عصمت).

(٤) قال : العامل لما اعتبر في تعريف المعرب وإن لم يصرح به وذكر صريحا في حكم المعرب ، أراد أن يبين تعريفه وقدم عليه الإعراب والإشارة إلى المعنى المقتضى ؛ لأنهما مأخوذان في ـ

٦٨

أي : معنى من المعاني المعتورة على المعرب المقتضية (للإعراب) ففي (جاءني زيد) جاء : عامل ؛ إذ به حصل معنى الفاعلية في (زيد) فجعل الرفع علامة لها وفي (رأيت زيدا) ، رأيت : عامل ؛ إذ به حصل معنى المفعولية في (زيد) فجعل النصب علامة لها ، وفي (مررت بزيد) ، الباء : عامل ؛ إذ به حصل معنى الإضافة في (زيد) ، فجعل الجر علامة لها.

(فالمفرد (١) المنصرف) أي : الاسم المفرد الذي لم يكن مثنى ولا مجموعا ولا غير منصرف ك : (زيد ، ورجل) (٢) (و) وكذا (الجمع المكسر المنصرف) أي : الاسم الذي لم يكن (٣) ...

__________________

ـ تعريفه فالأولى تقديمهما عليه ؛ ولأنه بعد ذكر حكم المعرب أراد أن يبين سبب الاختلاف فقدم الإعراب الذي هو سبب قريب للاختلاف ، ثم بين العامل الذي هو سبب بعيد له. (عصمت).

ـ فالمراد الفعل الذي في رأيت عامل ، فإن العامل في المفعول عندهم هو الفعل. (عصمت).

(١) لما فرغ من بيان الإعراب والعامل والمعنى المقتضي ، أراد تفصيل اقتضاء المعنى المقتضي ، أنه تارة يقتضي الحركات الثلاث ، وتارة ما سوى الفتحة ، وتارة سوى الكسرة ، وتارة يقتضى الحروف الثلاث ، وتارة ما سوى الواو ، وتارة ما سوى الألف فهذه أقسام ستة. (عصام).

ـ لما ذكر الإعراب وأنواعه وكان لكل من أنواعه أقسام ، ولتلك الأقسام محال ، وأراد أن تذكر عقيبه تلك ومحالها فأتى بالفاء الفصيحة لبيانها. (عب).

ـ هذا جواب سؤال مقدر ، وهو أن يقال : ذكر المفرد ههنا غير جائز ؛ لأن المراد به إما مقابل المجموع ، وإما مقابل المركب مع الغير ، لا سبيل إلى الأول ؛ لأن الأسماء الستة المضافة إلى غير ياء المتكلم المكبرة مفردة عدا الوجه مع أن إعرابها ليس كذلك ، ولا سبيل إلى الثاني ؛ لأن مثل غلام زيد غير المفرد بهذا الوجه مع أن إعرابه كذلك ، فأجاب بقوله : (أي : الاسم المفرد الذي لم يكن مثنى ولا مجموعا) ، فأشار إلى الطريق الأول فيكون المراد بالفرد في قوله : (ما يكون مقابل المثنى والمجموع) كما لا يخفى على الكيس المتفطن. (ق).

قال المصنف في شرحه : وأردنا بالمفرد ما ليس تثنية ولا جمع ، ولا يرد عليه أن الأسماء الستة مفردات بهذا المعنى مع أن إعرابها بالحروف لا بالحركة ؛ لأن قوله : (فالمفرد) ممهلة وكان في قوة الجزئية فلا يشمل الكل. تأمل. (رح).

(٢) أورد مثالين للمفرد المنصرف تنبيها على أنه أعم من أن يكون معرفة أو نكرة. (حسن أفندي).

(٣) لو قال : الجمع الذي لم يلحق بآخره واو ونون لكان أولى لئلا ينتقض بمثل سنون في جمع سنة ، وثبون في جمع ثبة ، وضربات في جمع ضرب بالسكون. (عصمت).

فامتنع ظهور الإعراب في لفظه فيكون إعرابه بالحركة تقديريا في الأحوال الثلاثة. (محرم).

٦٩

بناء الواحد فيه سالما (١) ولم يكن غير منصرف ك : (رجال ، وطلبة) (٢).

فالإعراب في هذين القسمين من الاسم على الأصل ، من وجهين : أحدهما أن الأصل في الإعراب (٣) أن يكون بالحركة والإعراب فيهما بالحركة ، وثانيهما : أنه إذا كان الإعراب بالحركة فالأصل أن يكون بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث والإعراب (٤) فيهما بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث فالإعراب فيهما (بالضمة (٥) رفعا) أي : حالة الرفع (والفتحة نصبا) أي : حالة النصب ، (والكسرة جرا) أي : حالة الجر ، فنصب قوله (رفعا ونصبا وجرا) على الظرفية بتقدير مضاف ويحتمل النصب على الحالية أو المصدرية ، فالقسم الأول مثل : (جاءني رجل) و (رأيت رجلا) و (مررت برجل) والقسم الثاني : مثل : (جاءني طلبة) ، و (رأيت طلبة) و (مررت بطلبة).

(جمع (٦) المؤنث السالم) : وهو ما يكون بالألف (٧) والتاء. واحترز به عن المكسر ، فإنه قد علم (بالضمة) رفعا ، (والكسرة) نصبا وجرا.

__________________

(١) لو كان سالما إما أن يكون الجمع المذكر السالم فإن إعرابه بالحروف ، والجمع المؤنث السالم فإعرابه بالحركات إلا أنه ناقص. (محرم).

(٢) طلبة جمع طالب كفسقة جمع فاسق ، وجهلة جمع جاهل وكفرة جمع كافر. (ح).

(٣) ليكون الدال على صفة الشيء كالصفة الدال عليه ؛ ولأنها أخف الدوال ، وهذا مراد من قال : لأنها أبعاض الحروف فالاعتراض عليه بأن كونها أبعاضا أمر وهمي ، ولو سلم فلا تقتضي إلا الأصالة بحسب الذات لا في الإعراب ليس بشيء. (عصام).

(٤) إشارة إلى أن قوله : (المفرد المنصرف مبتدأ) بتقدير المضاف ، ويحتاج إلى تقدير هذا المضاف أن جعل الباء للسببية ، وأما إن جعل الباء للملابسة فلا يحتاج إلى هذا التقدير. (حلبي).

(٥) قيل : إن الضم والكسر والفتح بلا تاء مختصة بالمبني ، والرفع وأخواته بالمعرب ، وأما الضمة وأخواتها بالتاء فمشركة بينهما. (حسام الدين).

(٦) وإنما سمي جمع المؤنث ؛ لكون واحد مؤنثا غالبا ، وسالما لسلامة نظمه عند الجمع ، قال بعض المحققين : وينبغي أن يضم إليه أولات جمع ذات من غير لفظه ، كما ضم أولو إلى جمع المذكر السالم. (عصمت).

(٧) قوله : (وهو ما يكون بالألف ... إلخ) المراد ما زيد فيه ألف وتاء للجمعية ، أو جمع فيه ألف وتاء ؛ لئلا يشكل بكثير من المفردات في آخرها ألف وتاء ، وحينئذ يخرج نحو عرفات فإنه لم يرد به جمع عرفة على ما صرح به المصنف وفصل في شرح المفصل بل هي ملحقة بالجمع ، وكان ينبغي أن يذكر ، فمن قاله أنه أعم من أن يكون جمعا حالا ، وباعتبار الأصل فدخل نحو وفات ، وقد خالفه المصنف بما ليس بشيء. (عيسى ألصفوي). ـ

٧٠

فإن النصب فيه تابع للجر إجراء (١) للفرع على وتيرة الأصل الذي هو (جمع المذكر السالم): فإن النصب فيه تابع للجر (٢) كما سيجيء ذكره ، مثل : (جاءتني مسلمات) و (رأيت مسلمات) و (مررت بمسلمات) (غير المنصرف (٣) بالضمة) رفعا ، (والفتحة) نصبا وجرا. فالجر فيه تابع للنصب ، كما سنذكره ، نحو : جاءني أحمد ، ورأيت أحمد ، ومررت بأحمد.

(أخوك ، وأبوك ، وحموك) ، بكسر الكاف ؛ لأن الحم (٤) قريب المرأة من جانب زوجها ، فلا (٥) يضاف إلا إليها. (وهنوك) والهن : الشيء المنكر الذي يستهجن ذكره ،

__________________

ـ بالألف والتاء سواء كانت مفردة مؤنثا كمسلمات ، أو مذكر كالحاليات جمع حال ، وهو بمعنى الماضي ، وسواء مفردة سالما كالمذكور ، أو غير سالما كسجلات وتمرات وخطوات ، فلا ينتقض القاعدة بالأمثلة المذكورة ، ولا ينتقض بمثل سنين وأرضين ، وإن حمل العبارة على ظاهره ؛ لأن السلامة منقوصة هناك ؛ لكنه يتجه أنه لا يقابل بين الجمع المكسر والمؤنث فتوجيه صالح من وجه فاسد من وجه. (طاشكندي.)

(١) قوله : (إجراء للفرع ... إلخ) تحقيق للتبعية ، ولئلا يلزم للفرع مزية على الأصل ، وإن قيل : المزية لازمة بعد ؛ لأن الأصل معرب بالحرف والفرع معرب بالحركة ، قيل : المزية تكون إعراب الفرع بالحركة محتملة ضرورة ؛ لعدم الحرف الصالح للإعراب في آخره ، بخلاف الأصل حيث يوجد في آخره حرف العلة الصالحة للإعراب ؛ لإقامتها مقام الحركات. (وجيه الدين).

(٢) لأنه فرع لجمع المذكر ، وحمل فيه النصب على الجر ، فحمل في الفرع ؛ لئلا يلزم مزية على الأصل ، والمزية تكون إعرابه بالحركة متحملة ضرورة ؛ لعدم ما يصلح للإعراب في آخره ، ولأن الإعراب بالحروف في الجموع صار أصلا مهلا معتبرا ، فصار الإعراب بالحركة كأنه فرع فيها. (فاضل أفندي).

(٣) قوله : (غير المنصرف ... إلخ) أي : غالبا أو جميعا ، إلا ما مر من جمع المؤنث والملحق به نحو عرفات ومسلمات علمين فإنها عند الأكثر بالضمة والكسرة ، وقال أبو حيان : مذهب البصريون ، وإلا ما سيجيء من ذكر اللام والمضاف ونحوهما فإنه كالمنصرف ، وقيل : المراد غير منصرف لو حلى طبعه. (عيسى).

(٤) قوله : (لأن الحم قريب المرأة من جانب زوجها) يعني أنه قرابة حاصلة من جهة الزوج من حيث أنه زوج ، وزوجية الزوج ليس إلا للمرأة ، فيقال : حم المرأة أي : قريب زوجها ، ولا يقال : حم الرجل إذ الرجل ليس له زوج حتى يقال : قريب زوجة ، والأوضح أن يقول : لأنه قريب الزوج ، فكما لا يضاف الزوج إلا إلى المرأة لا يضاف أيضا. (عيسى).

(٥) قوله : (فلا يضاف إلا إليها) هذا هو المشهور ، وقيل : إنه أعم ، وفي القاموس حمو الرجل ـ

٧١

كالعورة ، والصفات الذميمة ، والأفعال القبيحة ، وهذه الأسماء الأربعة منقوصات واوية(١).(وفوك) وهو أجوف واوي ، لامه هاء ، إذ أصله (فوة) (وذو مال) (٢) وهو (لفيف مقرون بالواوين ، إذ أصله (ذوو) وإنما أضيف (ذو) إلى الاسم الظاهر دون الكاف ؛ لأنه لا يضاف إلا إلى أسماء الأجناس. فإعراب (٣) هذه الأسماء الستة بالواو رفعا ، والألف نصبا والياء جرا ولكن (٤) لا مطلقا بل حال كونها مكبرة إذ مصغراتها معربة بالحركات نحو : جاءني أخيّك ورأيت أخيّك ، ومررت بأخيّك. وموحدة (٥) ، إذ المثنى والمجموع منها معرب بإعراب التثنية ، والجمع. وإنما لم يصرح بهذين القيدين اكتفاء بالأمثلة.

(مضافة) (٦) لأنها إذا كانت مكبرة ، وموحدة ولم تكن مضافة أصلا ، فإعرابها

__________________

ـ أبو امرأته أو أخوها أو عمها ، أو الأحماء قبلها خاصة حمو المرأة أبو زوجها ، ومن كان من قبله. هن المرأة : فرجها. (قاموس).

(١) لأن أصل كل واحد أخو وأبو وحمو وهنو ، بدليل تثنية على أخوان وأبوان وحموان وهنوان ، وتصغيره على أخيو وأبيو وهنيو ؛ لأن التشبيه والتصغير ترد الشيء إلى أصله أنه واوي أو يائي فحذفت الواو على غير القياس ؛ لمجرد التخفيف ، فبقي بعد الحذف : أخ أب حم هن ، وإذا أضيف كل واحد منها إلى غير ياء المتكلم عاد المحذوف فصار إعرابا. (توقادي).

(٢) لأنه موضوع لأن يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس ، مثل رجل ذو مال يوصف الرجل بالمال بواسطة ذو ، ولا يتأتى الوصف إلّا به. (وجيه الدين).

(٣) فيه إشارة إلى أن هذه الأسماء مبتدأ بحذف المضاف ، وإلى أن الحكم ليس على خصوصيات هذه الأسماء ، بل على مطلقها ، يعني : يكون إعرابها بالحروف سواء أضيف إلى الكاف أو الهاء أو الاسم الظاهر. (م).

(٤) لما أشار إلى تجريد قوله : (أخوك وأبوك ... إلخ) عن خصوصياتها بقوله : (فإعراب هذه الأسماء الستة) يتوهم تجريدها عن كونها مكبرة وموحدة أيضا استدراك ، وقال : لكن لا مطلقا. (عصمت).

(٥) قوله : (وموحدة) هذا القيد بالنسبة إلى الخمسة من الأسماء ؛ لأن كلمة ذو لا يجمع ولا يثنى. (لمحرره).

(٦) قوله : (مضافة) حال من المبتدأ وما عطف عليه على قوله : (المالكي) بلا تأويل ، أو بالتأويل بالمفعول ، أو نائب الفاعل ، أي : يعرب العرب هذه الأسماء ، أو يعرب هذه الأسماء حال كونها مضافة ، فيكون الحال حالا من مفهوم الكلام ، أو مفعول ، أعني المقدر كما في شرح العصام ، أو حال من الضمير المستكن في الظرف المستقر الآتي على قول الأخفش وابن برهان ، ـ

٧٢

بالحركات (١) نحو : جاءني أخ ، ورأيت أخا ، ومررت بأخ ، فينبغي أن تكون مضافة ولكن (إلى غير ياء المتكلم) (٢) لأنها إذا كانت مضافة إلى ياء المتكلم.

فحالها كسائر الأسماء المضافة إليها ، ولم يكتف (٣) في هذا الشرط بالمثال ، لئلا يتوهم اشتراط إضافتها بكونها إلى الكاف. وإنما جعل (٤) إعراب هذه الأسماء بالحروف ؛ لأنهم لما جعلوا إعراب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف أرادوا أن يجعلوا إعراب بعض الآحاد أيضا كذلك ، لئلا يكون بينهما وبين الآحاد وحشه ومنافرة

__________________

ـ فإن الأخفش جوز تقديم الحال على عامله الظرف بشرط تقديم المبتدأ ، وابن برهان جوز مطلقا كما في الرضي، لا على قول سيبويه فإنه لم يجوز مطلقا ، وقيل : خبر كان المقدر ، أي : إذا كانت هذه الأسماء مضافة وهو تكلف بعيد. (زيني زاده).

(١) وإنما كان أعرابها بالحركات حال الإفراد بالحروف ؛ لئلا يلزم اجتماع الساكنين في المنكر مطلقا نحو ابن أبان أبين ، وفي المعرفة حال كونه موصوفا نحو الأبو الكريم ، الأبا الكريم الأبي الكريم ، فإن قلت : لم يلزم هذا المهروب عنه في حال الإضافة في نحو أبو البقاء ، قلت : نعم إلا أنه لا اعتداد به لقلته بالنسبة إلى الأول ؛ لأن لزومه هنا بالإضافة إلى المعرف باللام وهي ليست بالأكثر ، وأيضا لم يعتبر على الإضافة مطلقا بل خصها بكونها إلى غير ياء المتكلم. (عوض أفندي).

(٢) لأنها لو كانت مضافة إلى ياء المتكلم لكانت مبنية عند بعضهم ، ومعربة بالحركة التقديرية عند صاحب الكتاب. (عوض أفندي).

(٣) جواب سؤال مقدر تقديره : كأنه قيل : لم لم يكتف المصنف من هذا القيد كما اكتفى في الشرطين الأولين فأجاب الشارح بقوله : (ولم يكتف). (من إنشاء الزمخشري).

(٤) اعلم أن المدعي في هذا المقام مركب من ثلاثة أجزاء : الأول جعل إعراب بعض الآحاد بالحروف ، فعلله بقوله : (لأنهم لما جعلوه ... إلخ) الثاني اختيار الأسماء الستة من الآحاد فعلله بقوله : (اختاروا الأسماء الستة ؛ لأن إعراب كل المثنى والمجموع ... إلخ) والثالث اختيار خصوص هذه الأسماء فعلله بقوله : (وإنما اختاروا هذه الأسماء الستة لمشابهتها ... إلخ) فلما تضمن قوله : (وإنما جعلوا إعراب هذه الأسماء بالحروف هذه الأمور الثلاثة) فترك إنما في الأخريين أولى كما لا يخفى ، ثم إن قوله : (لما جعلوا إعراب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف) ، يشعر بتقديم إعراب المثنى والمجموع واستعمالهما في كلام العرب على استعمال هذه الآحاد ، مع أن هذا غير ظاهر ، فالمراد : لما أرادوا أن يجعلوا إعراب المثنى والمجموع بالحروف ، بسبب وجود حرف صالح للإعراب في آخرهما ، أردوا أن يجعلوا إعراب بعض الآحاد أيضا كذلك. (عصمت).

٧٣

تامة. وإنما اختاروا أسماء (١) ستة ؛ لأن إعراب كل من المثنى والمجموع ثلاثة فجعلوا في مقابلة كل إعراب اسما. وإنما اختاروا هذه الأسماء الستة ، لمشابهتها المثنى والمجموع في كون معانيها منبئة عن تعدد (٢) ولوجود (٣) حرف صالح للإعراب في أواخرها ، حين الإعراب سماعا ، بخلاف سائر الأسماء المحذوفة الأعجاز ك : (يد ، ودم) فإنه لم يسمع فيها من العرب إعادة الحروف المحذوفة عند الإعراب.

(المثنى) وما يلحق به : (و) هو (كلا) (٤) ، وكذا (كلتا) (٥) ولم يذكره لكونه فرع (كلا).

__________________

(١) لا يخفى أن هذا الوجه في غاية الضعف ، والأقرب منه أن يقال : المعرب بالحروف في الفرع والملحق به ستة: المثنى وكلا واثنان ، والجمع وأولو وعشرون ، فجعلوا في مقابلة كل فرع أصلا. (عصام).

(٢) فإن الأب يستلزم الابن ، والأخ يستلزم الأخ ، والحم يستلزم الزوج ، والهن يستلزم الشيء المنكر ، والفم ، يستلزم الفم وذو يستلزم الصاحبان وثانيهما وجود حرف صالح للإعراب في أواخرها حين أضيف إلى غير ياء المتكلم ، وأعرب بحسب السماع. (وجيه الدين).

(٣) الأولى ترك اللام ؛ لأنها تدل على استقلال كل واحد من التعيين من أن الأول لا يتم بدون الثاني ، فإن الإنباء عن التعدد موجود في كثير من الأسماء كالوالد والولد والأم والعم وغير ذلك ، فالإنباء عن التعدد لا يستدعي خصوص هذه الأسماء. (عصمت).

(٤) وإنما قدم كلا على اثنان مع مناسبته بالمثنى صورة ومعنى ؛ إما لكون إعراب كلا في بعض الأحوال بالحركة والاسم المعرب بالحركة مقدم على المعرب بالحرف أصالة الإعراب بالحركة ، أو لكونه مفرد صورة والمفرد مقدم على المثنى ، أو لكونه أهم في لحوقه بالمثنى خفاء بالنسبة إلى اثنان ، أو لكونه أخف بالنسبة إلى اثنان والأخف بالتقديم أليق وأنسب. (عصمت).

ـ وهو ليس بمثنى ؛ لأنه لم يثبت كل في المفرد ؛ ولجواز رجوع ضمير الواحد إليه كقولك : كلا الرجلين جاء ، قال الله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)[الكهف : ٣٣] ، وللزوم الألف في الأحوال الثلاثة حال الإضافة إلى المظهر ، ولجواز إمالته فإن المثنى لا يمال ، وألفه بدل من الواو ، ولإبدال التاء منها في المؤنث ولم تبدل التاء من الياء إلا في اثنتين. (عبد الغفور).

(٥) لأن كلتا مؤنث كلا ، وشاع المذكر وترك المؤنث على المقايسة عليه في الأحوال المشتركة ، اعلم أن الظاهر أن التاء في كلتا للتأنيث ، مع أن التأنيث لا تلحق في وسط الكلمة ، وأيضا لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، ولهذا صرح بعضهم بأن التاء فيه ليست للتأنيث ، بل عوض من ألف كلا ، وألف كلتا ألف التأنيث. (عصمت).

٧٤

(مضافا) ، أي : حال كون (كلا أو كلتا) مضافا (إلى مضمر) (١).

وإنما قيد بذلك ؛ لأن (كلا) باعتبار لفظة (مفرد) وباعتبار معناه (مثنى) فلفظه يقتضي الإعراب بالحركات ، ومعناه يقتضي الإعراب بالحروف ، فروعي فيه كلا الاعتبارين فإذا أضيف إلى المظهر الذي هو الأصل ، روعي فيه جانب لفظه الذي هو الأصل وأعرب بالحركات التي هي الأصل ، لكي تكون حركاته تقديرية ؛ لأن آخره ألف تسقط (٢) بالتقاء(٣) الساكنين نحو : (جاءني كلا الرجلين) و (رأيت كلا الرجلين) و (مررت بكلا الرجلين)، وإذا أضيف (٤) إلى المضمر الذي هو الفرع ، روعي جانب معناه الذي هو الفرع ، وأعرب بالحروف التي هي الفرع ، نحو : (جاءني كلاهما) و (رأيت كليهما) و (مررت بكليهما) ، فلذلك (٥) قيد كون إعرابه بالحروف بكونه مضافا إلى مضمر.

(واثنان) وكذا (اثنتان وثنتان) (٦) فإن هذه الألفاظ وإن كانت مفردة لكن صورتها

__________________

(١) وما أضيف إليه كلا وكلتا يجب أن يكون مثنى أو ضمير ، ولا يجوز أن متعددا غير تثنية. (عصام).

(٢) لا دخل لهذا القول في إثبات تقديرية الإعراب ؛ لأن كون آخره ألفا مستقل في كون إعرابه تقديريا ، بل لدفع توهم أن يقال : ليس في آخره ألف حال الإضافة إلى المظهر. (بخاري).

(٣) فامتنع ظهور الإعراب في لفظه فيكون إعرابه بالحركة تقديريا في الأحوال الثلاثة. (محرم).

(٤) قوله : (وإذا أضيف إلى المضمر ... إلخ) وأيضا لما كان المضمر أمر خفيا بالنسبة إلى الاسم الظاهر روعي عند الإضافة إليه جانب المعنى الذي هو أيضا خفي مستتر. (عصمت).

(٥) أي : لكون كلا عند الإضافة إلى المضمر معربا بالحرف ، وعند الإضافة إلى المظهر معربا بالحركات ، أو لكون إضافة كلا إلى المضمر شرطا لأن يكون إعرابها بالحروف. (توقادي).

(٦) وإنما كان حكمها كحكم المثنى بشبهها بالمثنى لفظا ؛ لوجود الألف والياء ، ومعنى للدلالة على اثنتين. (هندي).

ـ قال : وفي كلا وكلتا مضافا إلى مضمر نحو جاءني كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررت بكليهما. أقول : لما ذكر الموضع الأول من المواضع الأربعة التي فيها الإعراب بالحروف ، وأراد أن يذكر الموضع الثاني وهو كلا للمذكر وكذلك كلتا للمؤنث ، فأنهما إذا كانا مضافين إلى المضمر يكون إعرابهما ببعض الحروف ، أعني : بالألف في حالة الرفع ، وبالياء في حالتي النصب والجر ، نحو : جاءني الرجلان كلاهما ، والمرأتان كلتاهما ، ورأيت الرجلين كليهما ، والمرأتين كلتيهما ، وإنما أعراب كلا وكلتا بالحروف ؛ لأنهما يشابهان التثنية من حيث المعنى ، من حيث اللفظ ، أما من حيث المعنى فظاهر ، وأما من حيث اللفظ كما أن في أخر التثنية ألفا ونونا في حالة الرفع ، وياء ونونا في حالة النصب والجر ، وكذلك كلا وكلتا ؛ لأنهما لما كان دائم الإضافة لم ـ

٧٥

صورة التثنية ، ومعناها معنى التثنية فألحقت بها (بالألف) رفعا ، (والياء) المفتوح (١) ما قبلها نصبا وجرا كما سيجيء.

(جمع المذكر السالك)

(جمع المذكر السالم) والمراد (٢) به ما سمى به اصطلاحا ، وهو الجمع بالواو والنون ، أو بالياء والنون فيدخل فيه نحو : (سنين ، وأرضين) مما لم يكن واحده مذكرا يجمع (٣) بالواو والنون. (و) ما ألحق به ـ وهو (ألو) (٤) ...

__________________

ـ يظهر نونهما قط ، وإنما قال : مضافا إلى مضمر ؛ لأنها إذا أضيف إلى المظهر يكون إعرابهما بالحركات تقديرا نحو جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين ، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين. (شرح المؤرخ).

(١) صفة جرت على غير من هي له ، مثل هند جائل وشاحها ، وإنما قيده به احترازا عن الياء المكسورة ما قبلها فإنها علامة في الجمع على حد التثنية. (محرم).

(٢) يعني ليس المراد المعنى التركيبي بمعنى جمع المذكر الذي سلم نظمه عند الجمع حتى يخرج منه ما آخره مؤنث كسنين وشنين وقلين ، وما سلم نظم واحده عند الجمع ، بل المراد من هذا اللفظ معناه الاصطلاحي وهو الجمع الذي ألحق بآخره واو ونون ، وأريد منه ثلاثة مقادير مفردة فصاعدا ، فإن قلت : هذا المفهوم لا يصدق على جميع المذكر السالم في حالتي النصب والجر قلت : مذكور بطريق التمثيل ، بمعنى الجمع الذي في أخره واو في حالة الرفع ، أو ياء في حالتي النصب والجر ، والمراد الجمع بالواو والنون بطريق إطلاق العام ، فيكفي كونه بالواو والنون في الجملة في بعض الأحوال. (عصمت).

ـ هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : إن مثل أرضين وسنين وقلين يدخل في الحكم ، وهو قوله : (بالواو والياء) مع أنه ليس بجمع مذكر فأجاب بقوله : (والمراد). (حاشية).

(٣) أي : جمع المذكر السالم وما على صيغته ، فيكون من باب حذف المعطوف ، أو المراد صيغة الجمع المذكر ، فلا يرد نحو سنين وشنين وقلين من جموع المؤنثات ، ولو قال : الجمع بالواو والنون لكان أحسن. (هندي).

(٤) وإنما أفرد أولو وعشرون وأخواتها بالذكر ؛ لأن جمع المذكر السالم كل اسم ثبت مفرده ، ثم ألحق بذلك المفرد واو ونون دلالة على ما فوق الاثنين ، وليس أولو وعشرون وأخواتها كذلك ؛ لأن أولو موضوع لوضع جمع السلامة وليس منه المفرد ، وكذا عشرون وأخواتها ، وليس عشر وثلاث وأربع آحاد العشرون وثلاثون وأربعون. (شيخ الرضي).

ـ وإنما قدم أولو على عشرين ؛ لأنه أدخل في الجمع منه ؛ لأنه وضع لجماعة بمعنى الأصحاب من غير معين ، كما هو مقتضى الجمع بخلاف عشرون. (هندي).

٧٦

جمع (ذو) (١) لا عن لفظه (عشرون وأخواتها) (٢). أي نظائرها السبع وهي (ثلاثون إلى تسعين) وليس (٣) (عشرون) جمع عشرة ولا (ثلاثون) جمع ثلاثة ، وإلّا صحّ إطلاق (عشرين) على (ثلاثين) ؛ ؛ لأنه ثلاثة مقادير العشرة ، وإطلاق ثلاثين على التسعة ؛ لأنه ثلاثة مقادير الثلاثة وعلى هذا القياس البواقي ، وأيضا (٤) هذه الألفاظ تدل على معان معينة ، ولا تعيين في الجمع. فإعرابها (بالواو) رفعا (والياء) نصبا وجرا. وإنما جعل إعراب المثنى مع ملحقاته (٥) والجمع مع ملحقاته بالحروف ؛ لأنهما فرعان للواحد ، وفي آخرهما حرف يصلح للإعراب وهو علامة (٦) التثنية والجمع (٧).

فناسب أن يجعل ذلك الحرف إعرابهما ليكون إعرابهما فرعا لإعرابه كما أنها فرعان له؛ لأن الإعراب بالحروف فرع الإعراب بالحركة ، ولما جعل إعرابهما بالحروف ، وكان حروف الإعراب ثلاثة ، وإعرابها ستة ، ثلاثة للمثنى وثلاثة للمجموع

__________________

(١) فلا يكون جمعا سالما ؛ لوجوب أن يكون مفرده عن لفظه ، وكذا أولات جمع ذات لا عن لفظها فلا يكون جمع المؤنث السالم ، فينبغي أن يذكر أولات مع جمع المؤنث السالم ملحقا به ، وأما ذو فهو جمع سالم فلذا لم يعده من ملحقاته. (عبد الغفور).

(٢) المراد بالأخت المثل على ما أشار إليه بقوله : (ونظائرها السبع) ، وبه فسر التنزيل حيث فسر (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها)[الأعراف : ٣٨] فاستعارة الأخت للمثل استعارة غريب غير مصنوعة للنحاة. (عصام).

(٣) جواب سؤال مقدر وهو أن عشرون وأخواته مما صدق عليه جمع المذكر السالم ، لا من ملحقاته ؛ لكون عشرون جمع عشرة ، وثلاثون جمع ثلاثة ، وعلى هذا القياس فلا وجه لأفرادها ، فأجاب : بأن عشرون وأخواتها ليس بجمع وإلا لصح ... إلخ. (عصمت).

(٤) أي : كما أن عشرون لا يكون جمع عشرة ، ولا ثلاثون جمع ثلاثة للعلة المذكورة كذلك.

(٥) الأولى ترك ملحقاته ؛ لأن قوله : (إنهما فرع الواحد) مخصوص بالمثنى والمجموع ، وجعل ملحقات المثنى والمجموع أيضا فرع الواحد بواسطة فرعية المثنى والمجموع ، بعيد غاية البعد ، وأيضا بيان الحرف الصالح للإعراب بقوله : (وهو علامة التثنية والجمع) يدل على أن منظورة في الاستدلال هو التثنية والجمع لا الملحق بهما. (عصمت).

(٦) فإن قلت : صلاحية علامة التثنية والجمع للإعراب ممنوعة ؛ لأن العلامة لا تتغير والإعراب يتغير ، قلت : جاز تبدل علامة بعلامة ، وبهذا القدر يصلح للإعراب. (عصمت).

(٧) جعلت الألف علامة للتثنية والواو علامة للجمع ؛ لمناسبة الألف بخفته لقلة عدد المثنى ، والواو بثقله لكثرة عدد الجمع ، وهذا الحكم مطرد في جميع المثنى والمجموع نحو ضربا وضربوا ، وأنتما وأنتموا ، وهما وهمو ، وكما وكموا. (شيخ الرضي).

٧٧

فلو جعل إعراب كل واحد منهما بتلك الحروف الثلاثة لوقع الالتباس ولو خص المثنى بها (١) بقي المجموع بلا إعراب ولو خص المجموع بها بقي المثنى بلا إعراب فوزعت عليهما بأن جعلوا الألف علامة الرفع في المثنى ؛ لأنه (٢) الضمير المرفوع للتثنية في الفعل نحو : (يضربان ، وضربا) ، والواو علامة الرفع في المجموع ؛ لأنه الضمير المرفوع للجمع في الفعل نحو : (يضربون وضربوا) وجعلوا إعرابهما بالياء حال الجر على الأصل (٣) ، وفرقوا بينهما بأن فتحوا ما قبل الياء في التثنية ، لخفة الفتحة وكسرة (٤) التثنية وكسروه في الجمع ، لثقل الكسرة وقلّة الجمع وحملوا النصب على الجرّ لا على الرفع لمناسبة النصب الجر ، لوقوع كل منهما فضلة في الكلام.

ولما فرغ (٥) من تقسيم الإعراب إلى الحركة والحرف ، وبيان مواضعهما المختلة شرع في بيان مواضع الإعراب اللفظي والتقديري اللذين أشير إلى تقسيمه إليهما فيما سبق (٦) ، ...

__________________

(١) الباء في قوله : (بها) كالباء التي في قوله واختص المندوب بواو ، أي : دخلت الباء على المقصود وفادت العكس ، فيكون المعنى : ولو خص هذه الحروف بالمثنى منه.

(٢) ولأن كلا من المثنى والمجموع متقدم لا محالة على إعرابه ما سبق الإعراب الرفع ؛ لأنه علامة العمدة ، فجعلوا ألف المثنى وواو الجمع علامتي الرفع فيهما ، ولم يبق من حرف اللين وهو التي أولى بالقيام مقام الحركة ، إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع والجر أولى بهما ، فعلت ألف المثنى واو الجمع في الجر ياء ، فلم يبق للنصب حرف فاتبع الجر دون الرفع ؛ لكونهما علامتي لكونهما علامتي الفضلة بخلاف الرفع. (عبد الغفور).

(٣) لأن الياء أخت الكسرة التي هي الجر ، ولأن الياء متولدة من الكسرة فكان الجر أصلا للياء فوقع الالتباس. (محرم).

(٤) ولا يلزم مخالفة هذا إلى قول أئمة الصرف حيث حكموا في تسوية التثنيتين دون الجمع بقلة التثنية وكثرة الجمع؛ إذ المراد بقولهم : (مطلق التثنية والجمع) وبقول الشارح : الجمع المقيد ، أي : صفة الجمع المذكر السالم فلا منافات. (مصطفى حلبي).

(٥) يعنى قوله : (فالمفرد المنصرف والجمع المكسر المنصرف) إلى هنا إشارة إلى تقسيم الإعراب إلى الحركة ، والإعراب بالحروف وبيان مواضعهما المختلفة في أنهما في بعض المواضع بالحركات الثلاث أو بالحروف الثلاثة ، وفي بعض المواضع بالحركتين أو الحرفين. (عصمت).

(٦) كأنه قيل : الإنسان ينقسم الإعراب إلى اللفظي والتقديري ، ثم بين مواضعهما فدفع ذلك بأن المصنف قد أشار إلى التقسيم فيما سبق ، حيث قال : لفظا وتقديرا. (الداشكندي).

ـ في حكم المعرب حيث قال : وحكمه أن يختلف آخره باختلاف آخره باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا ، ـ

٧٨

ولما كان (١) التقديري أقل ، أشار إليه أولا ثم بين أن اللفظي ما عداه ، فقال : (التقدير) : أي : تقدير الإعراب (٢) ـ (فيما) أي : في الاسم (٣) المعرب ، الذي (تعذر) الإعراب فيه (٤) ، أي : امتنع (٥) ظهوره في لفظه وذلك إذا لم يكن الحرف الذي هو محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية ، كما في الاسم المعرب بالحركة الذي في آخره (٦) ألف مقصورة (٧) سواء كانت موجودة في اللفظ ك : (العصا) بلام التعريف أو محذوفة بالتقاء

__________________

ـ وفي هذا البيان فوائد الأولى أن قوله : (التقدير إشارة إلى بيان الأقسام للتقسيم السابق ، لا تقسيم آخر للإعراب ، والثانية أن لام التعريف في قوله : (التقدير) وفي قوله : (اللفظي عهدي) ، والثالث أن هذا الكلام متصل بما قبله كمال الاتصال. (عصمت).

(١) قوله : (ولما كان التقديري أقل) وما هو أقل فهو أخف وأضبط ، فيكون أولى بالتقديم وإحالة عديله عليه ، ولأن التقديري لخفائه أولى بالتقديم في مقام البيان ، والمقصود من هذا الكلام الاعتذار عن تقديم الإعراب التقديري مع أن اللفظي أصل ؛ لأن الإعراب علامة ، وحق العلامة أن تكون ظاهرة. (عصمت).

(٢) جعل اللام عوضا عن المضاف إليه ، أي : للعهد إشارة إلى تقدير الإعراب الذي فهم في حكم المعرب ، والمناسب بعديلة أعني : قوله : (واللفظي فيما عداه) وبما سبق من أنه في بيان قسمي الإعراب اللذين أشار إلى تقسيمه إليهما سابقا أن يفسر التقدير بالإعراب المقدر ، بأن يجعل المصدر بمعنى اسم المفعول ، أو بأن يجعل ياء النسبية مقدر بأن يكون التقدير في الأصل التقديري ، كما أن العرض اللازم والعرض المفارق في عبارة المنطقيين بمعنى العرضي. (عصمت).

(٣) أشار إلى ترجيح جعل ما موصولة بمرجح التبادر ، وإلى ترجيح حذف العائد على حذف المضاف في قوله : (تعذر) أي : تعذر إعرابه ؛ لأن حذف الفضلة أهون من حذف العمدة ، ولأن الفهم يتسارع إليه.(عصام).

(٤) في معرب تعذر إعرابه ، فحذف المضاف وهو الإعراب ، وأقام المضاف إليه أعني الضمير مقامه فصار مرفوعا، هذا حل الصاحب البرخي الشارح جعل ضمير تعذر راجعا إلى الإعراب ، وقيد العائد إلى الموصول حيث قال فيه. (طاشكندي).

(٥) إذا تعذر الإعراب ينبغي أن يكون مبنيا ؛ إذ المتبادر من تعذر الإعراب امتناعه ، فدفعه بقوله : (امتنع ظهوره) يعنى المضاف مقدر قبل فاعل تعذر. (حاشية).

(٦) قوله : (في آخره) أي : في موضع آخره ، فلا يلزم اتحاد الظرف والمظروف ، ولك أن تقول : إن آخر الاسم عام والألف خاص ، فلا يلزم الاتحاد. (عبد الغفور).

(٧) قوله : (الألف المقصورة) سميت بها ؛ لأنها ضد الممدودة ؛ أو لأنها ممنوعة من الحركة مطلقا ، والقصر المنع، والأول أولى بدليل مقابلتها للممدودة وعدم اختصاص المنع بالألف ؛ لتحققه في ميم غلامي. (عب).

٧٩

الساكنين (ك ـ (عصا) بالتنوين فإن الألف المقصورة في الصورتين غير قابلة للحركة ، (و) كما في الاسم المعرب بالحركة ، المضاف إلى ياء المتكلم ، نحو : (غلامي) (١) فإنه لما اشتغل ما قبل ياء المتكلم بالكسرة للمناسبة قبل دخول العامل ، امتنع أن يدخل عليه حركة أخرى بعد دخوله ، موافقة لها ، أو مخالفة (٢).

فما ذهب إليه بعض ، من أن إعراب مثل : هذا الاسم في حالة الجر لفظيّ ، غير مرضي ، (مطلقا) ، أي : في الأحوال الثلاث يعني : كون الإعراب تقديريا هذين النوعين من الاسم المعرب ، إنما هو في جميع الأحوال غير مختص ببعضها. (أو استثقل) (٣) عطف على قوله (تعذر) ، أي : تقدير الإعراب فيما تعذر أو في الاسم (٤) الذي استثقل ظهور الإعراب في لفظه ، وذلك إذا كان محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية (٥) ، ولكن يكون ظهوره في اللفظ ثقيلا على اللسان (٦) ، كما في الاسم الذي في آخره ياء

__________________

(١) سواء كانت الألف للتأنيث مثل حبلى وبشرى أو منقلبة عن واو وياء مثل عصا ورضى ، أو ما يشبهه مثل حمرى. (محرم).

(٢) في حال كونه رافعا أو ناصبا ؛ لأن في الأول يلزم اجتماع الكسرتين : كسرة العامل وكسرة البناء ؛ لأن الكسرة قبل دخول العامل بنائية ، وفي الثاني يلزم اجتماع الضمة مع الكسرة أو الفتحة معها ، والكل محال وهو ظاهر ، ولا يمكن أن تجعل هذه الحركة إعرابا ؛ لأنها مقتضى الياء وهو مقدم على العامل ؛ لتحصيل الحاصل ، كذا قال العصام : أقول : هذه العلة مخصوصة بحالة الجر فقط. (توقادي) ..

(٣) يعني : تقدير الإعراب فيما تعذر واستثقل وإن لم يتعذر ، وذلك الاستثقال في الموضعين كالتعذر أحدهما الأسماء المنقوصة ، وهي الأسماء التي في أواخرها ياء مكسورة ما قبلها كقاض ، والثاني جمع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم ، فإن إعرابه تقديري حالة الرفع نحو مسلمي أصله مسلمون حذفت نونه بالإضافة إلى ياء المتكلم ، ثم قلبت الواو ياء ؛ لاجتماعها ، وسبق أحدهما بالسكون ، ثم أدغم في الياء تخفيفا ، ثم أبدلت الضمة إلى الكسرة لأجل الياء. (عوض أفندي).

(٤) ولم يقيده بالحركة ؛ لأن تقدير الإعراب للاستثقال يجري في الإعراب بالحروف كالحركة ، بخلاف تقدير الإعراب للتعذر فإنه مختص بالإعراب بالحركة (محرم)

(٥) أو كان الإعراب بالحروف ، واجتمع ذلك الحرف مع حرف آخر يوجب ثقل الكلمة على اللسان وإنما قلنا ذلك ؛ ليصح التمثيل نحو مسلمي ، وعطفه على قوله : (كقاض). (عصمت).

(٦) للزوم الخروج من الكسرة إلى الضمة في حالة الرفع ، في جاءني قاضي ، واجتماع الكسرتين في حال الجر في مررت بقاضي ؛ لكون ما قبل اللام مكسورا. (م).

٨٠