شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

أين يحكم فيهما بالشذوذ؟ ومن هذا تبين الفرق (١) بين الشاذ والمعدول (أو تقديرا) أي : خروجا كائنا عن أصل مقدر مفروض يكون (٢) الداعي إلى تقديره وفرضه منع الصرف (٣) لا غير (كعمر) ، (و) كذلك (زفر) فإنهما لما وجدا غير منصرفين ولم يوجد (٤) فيهما سبب ظاهر إلا العلمية اعتبر فيهما العدل ، لما توقف اعتبار العدل على وجود الأصل ولم يكن فيهما دليل على وجوده غير منع الصرف قدر فيهما أن أصلهما (عامر وزافر)

__________________

(١) لأن المعدول هو الاسم المخرج عما هو الأصل فيه باعتبار الإخراج عنه ؛ لوجود سبب الاعتبار الذي هو عدم الانصراف ، والشاذ ما لم يعتبر إخراجه عما هو القياس فيه لعدم وجود سببه بل كان أولا على خلاف القياس. (ح م).

(٢) اعلم أن الداعي إلى التقدير أمور ثلاثة : أحدها منع الصرف ، وثانيها عدم وجدان علة أخرى سوى العلمية، والثالث عدم صلاحية علة أخرى للاعتبار سوى العدل ، والجواب أن الداعي يكون أمرا وجوديا وهو منع الصرف هنا لا غير ، وأما الأمران الآخران العدميان فهما ارتفاع المانع ، ولا يقال لهما الداعي. (عصمت).

ـ قوله : (في العدل التقديري) أن يكون الداعي منع الصرف ، هذا أحسن ممن اشتهر في الشروح من أن الداعي منع صرفه ؛ وذلك لأنهم اختلفوا في اسم امتنع أخواته ، ولم يعرف حاله في كلامهم أنه منصرف على الأصل والقياس ، وجزم الشيخ الرضي وآخرون بأنه غير منصرف إلحاقا بالأغلب ، فإن قلنا به فيجب أن يقال في تعريف التقديري : أن يكون الداعي منع صرف أخواته ويفسر التعريف المشهور ، ويجب أن يراد في التحقيقي أيضا أن يكون دليل غير منع صرفه ، أو منع أخواته ، وإن قلنا بصرفه فالتعريفات على الظاهر ، وقول الشارح : منع الصرف عبارة حسنة يمكن أن يحمل على المذهبين ، فعلى مذهب الشيخ يراد منع صرفه أو أخواته ، وعلى غيره يراد منع صرفه ، فتدبر. (عيسى الصفوي).

(٣) لا يقال : إن هذا مناف لما سبق وهو قوله : (أعلم أنا نعلم قطعا ... إلخ) ، إذ يفهم منه أن الداعي إلى تقديره أمور ثلاثة وهي : وجد غير منصرف ، وعدم وجدانهم فيه سبب ظاهرا غير العلمية ، وكون العدل فقط صالحا للاعتبار لنا نقول : إن المذكور فيما سبق هو الداعي إلى تقدير العدل ، وأما المذكور فيما نحن فيه الداعي إلى تقدير الأصل المعدول عنه فاندفع المنافاة. (سيد جلال).

(٤) قوله : (ولم يوجد ... إلخ) أما انتفاء الوصف والتأنيث فلكونهما علمين للمذكر وتضاد الوصف العلمية والتذكير التأنيث ، وأما انتفاء العجم وغيرها فلكونهما عربيين ، وكون كل منهما موحدة ، وليس فيهما ألف ونون مزيدتان ، وليسا على وزن الفعل ؛ إذ لم يجيء الفعل على هذا الوزن. (وجيه الدين).

١٠١

عدل عنهما (١) إلى (عمر وزفر) (و) مثل : (باب قطام) (٢) المعدولة عن (فاطمة) وأراد ببابها كل ما هو على وزن (فعال) علما للأعيان المؤنثة من غير ذوات الراء (في) لغة (بني تميم) فإنهم اعتبروا العدل في هذه الباب حملا له على ذوات الراء في الأعلام المؤنثة مثل : (حضار (٣) وطمار ووبار) فإنها مبنية وليس فيها إلا سببان العلمية والتأنيث ، والسببان لا يوجبان البناء فاعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء ، فلما اعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء اعتبر فيما عداها مما جعلوه معربا غير منصرف أيضا ، حملا على نظائره مع عدم الاحتياج إليه لتحقق السببين لمنع الصرف والعلمية والتأنيث ، فاعتبار العدل فيه إنما هو للحمل على نظائره لا لتحصيل سبب منع الصرف ولهذا يقال : (ذكر باب قطام) هاهنا ليس في محله ؛ لأن الكلام فيما قدر فيه العدل لتحصيل سبب منع الصرف وإنما قال : (في بني تميم) لأن الحجازيين (٤) يبنونه) مطلقا فلا يكون مما

__________________

(١) قوله : (عدل عنهما ذكر المصنف وغيره) لأنهم قصدوا أن يجعلوا عامر وهو وصف علما ثم عدلوا عنه إلى عمر ، ففيه تقديران تقدير عامر علما وتقدير خروج عمر عنه ، لكن في كلام الشيخ أنه معدول عن اسم الجنس وهو ينافي ما مر ، فيمكن الجمع بأنه حكم بعدوله عن اسم الجنس بعد تقديره أيضا علما فتدبر عبارة العباب شرح للباب ، فقدر فيه العدل ؛ لئلا يلزم هدم قاعدتهم من كون الاسم غير منصرف بسبب واحد ، فقيل : إنه معدول عن عامر علما ، انتهى. (عيسى الصفوي).

(٢) فإن باب قطام غير منصرف عندهم ، وإنما قدر العدل فيه عندهم ، وإن لم يكن محتاجا إليه ؛ لأن باب قطام غير منصرف للتأنيث والعلمية ، لا من باب حصار الذي وجب عندهم العدل فيه تحصيلا للكسرة اللازم بسبب البناء الذي هو سبب للإمالة المطلوبة فيما فيه الراء لثقله وتكريره ، فإنه إذا إعراب لم يكسر فإذا بني كسر إذا منع الاسم من الصرف بسببين بني لثلاث أسباب ، فقدر فيه العدل كذلك للبناء ، فإنه إذا قدر فيما لم يكن فيه الراء اطراد للباب. (سيد عبد الله).

أراد بقوله : (قطام) فعدل التي يكون علما للأعيان المؤنثة دون فعلى التي بمعنى الأمر ، أو المصدر ، أو الصفة ، فإنها مبنية بالاتفاق ، وأما فعال ففيها خلاف فذهب أهل الحجاز إلى بنائها أيضا لمشابهتها فعال التي بمعنى الأمر في العدل والزمنة ، وإن كان تقديرا فاعتبارهم العدل التقديري للبناء فلا يكون مطابقا للمقصود ، وعند بني تيم معرب غير منصرف فاعتبارهم هذا الثبوت حكم من أحكام المعرب ، فيكون موافقا للمقصود فلذلك خصص ، وقال : في بني تيم. (عوض أفندي).

(٣) لأن الاسم الذي آخره ؛ راء ثقيل لكون الراء حرف مكرر ، والثقيل يستدعى الخفيف ، والبناء أخف من الإعراب ؛ لأنهما حالة واحدة. (سيدي).

(٤) اعلم أن أهل الحجازيين يبنونها ؛ لأن الاسم على ثلاثة أقسام : منصرف ومبني ، فإذا حصل ـ

١٠٢

نحن فيه والمراد من (بني تميم) أكثرهم ، فإن الأقلين منهم لم يجعلوا ذوات الراء مبنية بل جعلوها غير منصرف ، فلا حاجة إلى اعتبار العدل فيها ، لتحصيل سبب البناء ، وحمل ما عداها عليها (١) (الوصف) (٢) وهو كون (٣) الاسم دالا على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها سواء كانت هذه الدلالة بحسب الوضع مثل : (أحمر) فإنه موضوع لذات ما أخذت مع بعض صفاتها التي (٤) هي الحمرة أو بحسب الاستعمال مثل :

__________________

ـ في الاسم سببان انتقل من القسم الأول وهو المنصرف إلى القسم الثاني وهو غير المنصرف ، فإذا حصل سبب واحد بينهما فلزم أن ينقل من الثاني إلى الثالث ، فهو بناؤه سواء كان في آخره راء أو لم يكن ، وحذام وقطام أصلهما حاذمة وقاطمة ، عدلا ومبنيا. (حواش هندي).

(١) أي : على فعال التي كانت ذوات الراء ؛ لأن هذا الباب معرب عندهم ، فكان في باب قطام ثلاثة أقوال : في قول مبني ؛ لمشابهته فعال التي بمعنى الفعل ك : (نزال) عدلا ووزنا ، فلم يكن مما نحن فيه ، وفي قول : معرب ، وفي قول : إن كان ذوات الراء فهو مبني ، وإن لم يكن ذوات الراء فهو معرب غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي ، فاعتبر فيه العدل وإن لم يحتج إليه ، للحمل على نظائره من ذوات الراء فقط ، لا لتحصيل سبب منع الصرف. (توقادي).

(٢) الوصف كون الاسم دالا شامل لجميع الأنواع ، يعني : المعرفة والنكرة ، وكون الاسم صفة ، وبقوله : (على ذات) يخرج كون الاسم صفة ككاتب وقائم ، وبقوله : (مبهمة) يخرج كون المعرفة لعدم دلالته على ذات مبهمة ، وبقوله : (مأخوذة مع بعض صفاتها) ، يخرج أسماء النكرة كرجل وفرس وامرأ ؛ لأنها لا تكون مأخوذة مع بعض صفاتها ، وبإضافة الصفات إلى ضمير الذات يخرج اسم المكان والزمان ، ومضرب مثلا معرب معناه مكان الضرب ، فيدل على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها ؛ لكن على صفات نفسه. (كفاية الطالبين).

ـ فالوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة بمعنى واحد ، وإن فرق بينهما بأن الوصف يقوم بالواصف ، والصفة بالموصوف. (توقادي).

(٣) وهو كون الاسم إنما فسر به ؛ لأن الوصف يطلف على معنيين أحدهما تابع يدل على معنى في متبوعه ، والثاني كون ... إلخ ، أن المعتبر في باب منع الصرف هو الثاني. (وجيه الدين).

الفرق بين الوصف والصفة ، والمتكلمون فرقوا بينهما ، وقالوا : الوصف قائم بالواصف ، والصفة قائمة بالموصوف. (هندي).

احتاج إلى هذا التأويل ؛ لأن الأسباب أمور معنوية ، ولو لم يؤول يلزم كون الشيء سببا لنفسه هذا. (حلبي).

(٤) أي : في أحمر ، والموصول مع الصلة صفة البعض ؛ لأنه يأخذ التأنيث من المضاف إليه مثل : قطعت بعض أنامله ، قال العصام : والذكورة أيضا ، وفيه أن مثل الذكورة والأنوثة لو كانت من جملة الصفات التي كان الأخذ معها موجبا للوصفية يلزم أن تكون جميع الأسماء النكرة ـ

١٠٣

(أربع) في (مررت بنسوة أربع) فإنه موضوع لمرتبة معينة من مراتب العدد ، فلا وصفية فيه بحسب الوضع ، بل قد تعرض له الوصفية كما في المثال (١) المذكور فإنه لما أجرى فيه على (النسوة) التي هي من قبيل المعدودات (٢) لا الإعداد علم أن معناه (٣) : مررت بنسوة موصوفة بالأربعيّة وهذا معنى وصفي عرض له في الاستعمال لا أصلي بحسب الوضع والمعتبر في سببية منع الصرف هو الوصف الأصلي لأصالته لا العرضي لعرضيته ، فلذلك قال المصنف : (شرطه) أي : شرط الوصف في سببية منع الصرف (أن يكون وصفا في الأصل) الذي هو الوضع (٤) بأن يكون وضعه على الوصفية لا أن تعرض

__________________

ـ وصفا ؛ لأنها تدل على ذات مبهمة مأخوذة مع الذكورة والأنوثة فيلزم أن يكون مثل إنسان وفرس وحيوان وحجارة وتجارة وكتابة وصفا له ، وليس كذلك. (عصمت).

(١) يفهم من هذا الكلام أن الوصفية إنما تعرض الأسماء العدد إذا جعلت نعتا لمعدوده ، وأطلقت عليه دون سائر استعمالاته مع أن كل اسم عدد استعمل مع مميزه يراد منه حينئذ ذات ما له ذلك المرتبة من مراتب العدد ، فيكون أكثر استعمالات العدد بل جميعها في معنى الوصفية. (بخاري).

(٢) وصف بأربع دفعا لتوهم أن النسوة لما كانت من ذوات العقول توهم أنها لم تعد ؛ لأن العدد لا يكون معدودا. (توقادي).

(٣) فإن قيل : لم فسر الشارح معنى الأربع بأن معناه مررت بنسوة موصوفة بالأربعة ، قلنا : لأنه صفة النحوي ، والصفة النحوي ينبغي أن يكون محمولا على الموصوف والأربع لا يمكن أن يحمل على النسوة ؛ لأنها جوهر والأربع عرض ، والعرض لا يمكن أن يحمل على الجوهر ، فاحتاج إلى تفسير هذا المعنى. (كفاية).

فإن قلت : جعل المصنف أربعا دليلا لاشتراط أصالة الوصف في منع الصرف ، وجعل اشتراط الأصالة دليلا لصرفه ، فيلزم منه الدور ، قلت : لا نسلم لزوم الدور ، فإن اشتراط الأصالة سبب لصرف أربع ولكن صرفه ليس سببا لاشتراط الأصالة ، بل إن جعل صرفه نظيرا ليفهم منه المتعلم اشتراط الأصالة انتقالا من الأثر إلى المؤثر.

(٤) نقل عن الشارح في الحاشية ، وإنما كان الوضع أصلا لتفرع الدلالات الثلاث المعتبرة عليه ، انتهى. وإذا كانت الدلالة الثلاث المعتبرة في باب الإفادة ، والاستفادة متفرعة عليه صحّ نسبة الوضع الذي هو كون الاسم دالا على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها بقي في قوله :

أن يكون في الأصل لتنزيل اشتمال الأصل على في الفرع منزلة اشتمال الظرف على المظروف ، ثم ههنا أن يجعل الوضع أصلا بالنسبة إلى الاستعمال حتى يكون الوصفية التي بمقتضى الوضع أصلية والوصفية التي يعرض بحسب الاستعمال غير أصليته إلا أن الاستعمال لما كان باعتبار أحد الدلالات الثلاث أثبت الأصالة بالنسبة إلى الدلالة يظهر منشأ أصالة الوضع على الاستعمال. (عصمت ، بخاري).

١٠٤

له الوصفية بعد الوضع في الاستعمال سواء بقي على الوصيفة الأصلية أو زالت عنه (فلا تضرّه) ، بأن تخرجه عن سببية منع الصرف (الغلبة) أي : غلبة الاسمية على الوصفية.

ومعنى (١) الغلبة : اختصاصه ببعض أفراده بحيث لا يحتاج في الدلالة عليه إلى قرينة كما أن (أسود) كان موضوعا لكل ما فيه سواد ثم كثر استعماله في الحيّة السوداء بحيث لا يحتاج في الفهم عنه إلى قرينة (٢) (فلذلك) (٣) المذكور (٤) ، من اشتراط أصالة الوصفية وعدم مضرة الغلبة (صرف) لعدم أصالة الوصفية (أربع في) قولهم : (مررت بنسوة أربع وامتنع) من الصرف لعدم مضرة الغلبة (أسود وأرقم) حيث صار اسمين (للحيّة) الأول : (٥) للحية السوداء ، والثاني : للحية التي فيها سواد وبياض (وأدهم)

__________________

(١) ومعنى الغلبة يعني معنى الغلبة أن يكون اللفظ عاما في أشياء ثم يصير بكثرة الاستعمال في أحدها اشتهر به واختص به ، بحيث لا يحتاج في الدلالة عليه إلى قرنية بخلاف سائر ما كان واقعا عليه كابن عباس. (وجيه الدين).

(٢) مثلا إذا قلت : رأيت أسود يفهم منه الحية السوداء بلا احتياج إلى ذكر الموصوف ، وإما أردت غيرها فتحتاج إلى ذكره الموصوف مثل رأيت عبدا أسود ، أو غرابا أسود أو ونحوهما. (مصطفى حلبي).

دالة على أن المراد الحية السوداء من موصوف أو غيره ، بخلاف سائر السواد مثل ليل أسود ، ورجل أسود يحتاج إلى قرنية. (ح).

(٣) قوله : (فلذلك) يفيد علية اشتراط الوصف بكونه في الأصل للأمور المذكورة وهي صرف أربع ، وامتناع صرف أسود وأرقم اسمين للحية ، وضعف منع صرف أفعى وأجدل وأخيل ، بناء على توهم الوصف فيها ، فاللازم أفادت أن اشتراط الوصف بكونه أصليا علة كون أربع منصرفا لانتفاء الشرط ، وعلة كون أسود وأرقم ممتنعين من الصرف ؛ لوجود الشرط علة كون منع صرف أفعى وأجدل وأخيل ضعيفا ؛ لعدم تحقق الشرط يقينا ، والفاء دلت على أن صرف أربع لاشتراط المذكور نتيجة للاشتراط المذكور ، ومتفرع الاشتراط. (سيد عماد سمرقندي).

(٤) إشارة إلى أن ذلك إشارة إلى متعدد ، وأن أفراده بتأويل المتعدد بالمذكورة ، وإنما جعله إشارة إلى المتعدد ؛ لأنه أراد صرف أربع إلى اشتراط الأصالة ، ورد امتناع أسود إلى عدم المضرة ، ورد ضعف أفعى إلى الأصالة ، فجعل مجموع الأمور الثلاثة معللة بمجموع الأمرين ، وأحال على فطانة المخاطب. (ع).

(٥) قوله : (الأول للحية السوداء) تبع الشارح الشيخ الرضي وبعض كتب اللغة لكن مقتضى كلام المصنف كما صرح به السيد أن أسود للحية مطلقا ، وبه صرح في القاموس حيث قال : إنه الحية أو العظمة ، ولم يعتبر السوداء وأرقم لا حيت الحيات ، أو ما فيه بياض وسواد للحية ـ

١٠٥

حيث صار اسما (للقيد) من الحديد ، لما فيه من الدهمة ، أعني : السواد (١) ، فإن هذه الأسماء وإن خرجت عن الوصفية لغلبة الاسمية لكنها بحسب أصل الوضع أوصاف لم يهجر(٢) استعمالها في معانيها الأصلية أيضا بالكلية (٣) فالمانع من الصرف في هذه الأسماء : الصفة الأصلية ووزن الفعل.

وأما عند استعمالها في معانيها الأصلية فلا إشكال في منع صرفها لوزن الفعل والوصف في الأصل والحال. (وضعف (٤) منع أفعى) اسما (للحيّة) على زعم وصفيته

__________________

ـ الذكر ، انتهى. ومنه يعلم أنه لا يلزم في عروض الاسمية بقاء المعنى الوصفي في الجملة كما جزم به الشيخ ، واقتضاء كلام الشارح وأن المصنف لم يرد بالغلبة المعنى الاصطلاحي بل مجرد أكثرية الاستعمال في معنى اسمي. (عيسى الصفوي).

(١) تفسير للدهمة وهو السواد ، يقال : فرس أدهم وناقة دهماء ، أي : أسود وسوداء ، وفي قوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ)[الرحمن : ٦٤] أي : سوداوان ، والحديد الأسود كقول قبعثرى ـ ملك من العرب ـ لحجاج بن يوسف ، وقال الحجاج للقبعثرى متوعدا إياه : لأحملنك على الأدهم ، يعني القيد ، هذا مقول قول الحجاج فقال : مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب ، هذا مقول قول القبعثرى ، فأبرز وعيد الحجاج في معرض الوعد ، وتلقاه بغير ما يترقب بأن حمل الأدهم في كلامه على الفرس الأدهم الذي غلب سواده حتى ذهب البياض ، وضم إليه الأشهب أي : الذي غلب بياضه ومراد الحجاج إنما هو القيد فيه ، على أن الحمل على الفرس الأدهم هو الأولى بأن يقصده الأمير. (مختصر).

(٢) جواب سؤال مقدر وهو أنه من أين علم أنها أوصاف بحسب الوضع ، وإذا استعمل أسود في كل واحد من أفراده يلاحظ فيه الوصفية ، وإذا نقل إلى الاسمية بالغلبة لا يلاحظ فيه الوصفية. (لمحرره).

(٣) قوله : (بالكلية) لأنها استعملت في نوع من أنواع معانيها الوصفية ؛ لأنا نعلم قطعا أن معنى أسود الغالب في الاسمية حية سوداء ، ومعنى أرقم الغالب فيها حية فيها سواد وبياض ، ومعنى أدهم قيد فيه دهمة ، أي : سواد وأنت خبير أن في معانيها الاسمية سمة من معانيها الوصفية. (توقادي).

معطوف على قوله : (صرف) أي : ولكون الوصف الأصلي معتبرا ضعف منع أفعى ؛ لأنه لم يتحقق كونه وصفا في الأصل ، ولم يثبت أيضا في الاستعمال نحو أنتم أفعى ، بل توهم أنها موضوعة للصفة لما رأوا أنها للحية الخبيثة الشديدة ، من قولهم : (فعوة السم أي : شدته. (رضي).

(٤) قوله : (وضعف ...) أي : وجه ضعف يوهم جواز منع الصرف على ضعف ، وتحقيق المقام ، والمراد أنه لم لما يتحقق وصفيتها الأصلية ضعف منع الصرف ، فلذا صرف عند الأكثر فلا ـ

١٠٦

لتوهم اشتقاقه من الفعوة التي هي الخبث (و) كذلك منع (أجدل للصقر) على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من الجدل (١) بمعنى القوّة (وأخيل للطائر) (٢) أي : لطائر ذي خيلان على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من الخال ، ووجه ضعف منع الصرف في هذه الأسماء عدم الجزم بكونها أوصافا أصلية فإنها لم يقصد بها المعاني الوصفية مطلقا لا في الأصل(٣) ولا في الحال مع أن الأصل في الاسم الصرف (٤).

(التأنيث) (٥) ...

__________________

ـ يجوز منعها عندهم ، ومنعت في لغة ضعيفة فلا تغلط. (عيسى).

(١) الجدل محكم يا فتن رسن ، يعني توهم أنه مشتق من الجدل وهو شدة الخصومة ، يقال : جادله خاصمه ، فيكون أجدل بمعنى ذي جدل قوي وخصومة ، فمنع من الصرف على الضعف ، وأما صرفه فقوي ؛ لأنه لم يتحقق الوصفية. (توقادي).

(٢) قوله : (أخيل) للطائر الذي فيه ألوان ؛ لعدم العلم بكونها صفاتا في الأصل ، فإن الظاهر أنها اسما ، ولا صفات فكان القياس أن ينصرفوا مطلقا ، ولذلك كثر في الاستعمال صرفها ، لكن لما توهم البعض فيها معنى الوصفية ما قيل : أن أفعى لما فيه من معنى الخبث يقال : تفعى الرجل إذا ساء خلقه ، وإن أجدل مأخوذ من الجدل وهو القوة ، وأن الأخيل مأخوذ من الخيلان ، ثم هذه التوهمان ضعيفة لما مر حكم المصنف ؛ لضعف منعها لأجل هذا التوهم. (عافية).

(٣) قوله : (لا في الأصل ولا في الحال) أما الأول فظاهر أنه لم يثبت ، وأما الثاني فلأن المستعمل لم يقصد بتلك الألفاظ إلا أنواعا مخصوصة ، من غير ملاحظة خبث وقوة وخال ، وإن كانت في أنفسها متصفة بتلك الأوصاف. (عب).

(٤) لأن الصرف لا يحتاج إلى سبب بخلاف غير المنصرف فإنه يحتاج إلى سببين ، أو سبب واحد قائم مقامهما.

(٥) قوله : (التأنيث اللفظي) وهو كون الاسم مؤنثا ملحقا بآخره علامته ، والمراد التاء التي لم تجعل جزء الكلمة ، فإن ما جعلت جزء كأخت وبنت إن كانت مع العلمية المؤنث فهو كالمعنوي وإلا لم تعتبر قطعا عند الجمهور ، كذا حققه بعضهم ، وإما أن تاء أخت ليست للتأنيث أصلا ، كما ذكره بعض ففيه نظر. (عيسى الصفوي).

قوله : (التأنيث اللفظي) قيده ليكون مقابلا للتأنيث المعنوي ؛ لأن التاء فيه مقدر ، يظهر في بعض التصريفات فلا يحصل فرق بينهما ، بقوله : (التاء) ، وقوله : (الحاصل بالتاء قدر الوصف دون الحال) أي : حاصلا بالتاء ؛ لأن التأنيث من توابع الصرف ؛ ليكون فاعلا معنى دون الحال ؛ لأن جزالة المعنى دونها ، ولا يلزم حذف الموصول مع بعض الصلة ؛ لأن الحدوث غير متصور حتى يكون اللام موصولا. (طاشكندي).

١٠٧

اللفظي الحاصل (بالتاء) (١) لا بالألف ، فإنه لا شرط له (٢) ، (شرطه) في سببية منع الصرف (العلمية) أي : علمية (٣) الاسم المؤنث ، ليصير التأنيث لازما ؛ لأن الأعلام محفوظة عن التصرف بقدر الإمكان ولأن العلمية لها وضع ثان (٤) ، وكل حرف وضعت الكلمة عليه لا ينفك عن الكلمة (و) التأنيث (المعنوي كذلك) أي : كالتأنيث (٥) اللفظي بالتاء في اشتراط العلمية فيه ، إلا أن بينهما فرقا فإنها في التأنيث اللفظي بالتاء (٦) شرط لوجوب منع الصرف وفي المعنوي شرط لجوازه (٧).

ولا بد في وجوبه من شرط آخر كما أشار إليه بقوله : (وشرط (٨) تحتم تأثيره) أي : شرط وجوب تأثير التأنيث المعنوي منع الصرف أحد أمور ثلاثة : (الزيادة على الثلاثة) أي: زيادة حروف الكلمة على الثلاثة مثل : زينب ، (أو تحرك) الحرف (الأوسط) من

__________________

(١) وإنما قيد التأنيث بقوله : (بالتاء) احترازا عن الألف كحبلى وحمراء ، فإن العلمية ليست شرط فيه. (متوسط).

(٢) في منع الصرف لما سبق أن الألف سبب قائم مقام السببين من غير احتياج إلى الشرط ؛ لكونه تأنيثا وضعيا لازما للكلمة. (ح ع).

(٣) يشير إلى دفع ما يرد على ظاهر العبارة من أن العلمية وصف لا يقوم إلا بالموصوف ، فلا يستقيم الحمل ، فأجاب بأن اللام للعهد ، أو عوض عن المضاف إليه ، على الاختلاف عند البصرية والكوفية. (جلبي).

(٤) لأن الاسم يوضع أولا على الجنس ، ثم يوضع علما عائشة من عاش يعيش فهو عائش وعائشة ، وهو الجنس ليس موضوعا مع التاء ، فإذا سميت به فقط وضعته ثانيا معها ، وصارت التاء كلام الكلمة في هذا الموضع ، فلزمت للكلمة وضعا لكن وضعا ثانيا. (وجيه الدين).

(٥) قوله : (أي : كالتأنيث بالتاء في كونه مشروطا بالعلمية) لأن التأنيث المعتبر هو اللازم لا يكون لازما إلا بالعلمية ، ولذلك صرف جريح في مررت بامرأة جريح ، مع تحقق الوصف الأصلي والتأنيث المعنوي بدون العلمية. (سعد الله).

(٦) يعني : أن هذا التأنيث إذا جعل علما يجب منع صرفه من غير احتياج إلى شيء آخر. (م).

(٧) يعني : أن التأنيث المعنوي إذا جعل علما لم يجب منع صرفه ، بل يحتاج في وجوبه إلى شيء آخر. (توقادي).

(٨) لا يخفى أنه لا يفهم من ظاهر عبارة المصنف أن احد الأمور الثلاثة وجوب تأثير التأنيث المعنوي مع العلمية، إلا أن يرجع ضمير تأثيره إلى التأنيث المعنوي الذي يشترط فيه العلمية ، وتحققت ، وإنما قال : شرط يحتم تأثيره ، ولم يقل : وشرط تأثيره ؛ لأن أحدا ما ذكرنا من الأمور الثلاثة ليس شرط التأثير ، بل هو شرط لوجوب التأثير ، كما لا يخفى. (كبير).

١٠٨

حروفها الثلاثة مثل : سقر (أو العجمة) مثل : ماه وجور.

وإنما اشترط في وجوب تأثير التأنيث المعنوي أحد الأمور الثلاثة ليخرج (١) الكلمة بثقل أحد الأمور الثلاثة عن الخفة (٢) التي من شأنها أن تعارض ثقل أحد السببين فتزاحم تأثيره وثقل الأولين ظاهر (٣) وكذا العجمة ؛ لأن لسان العجم ثقيل على العرب (فهند يجوز صرفه) (٤) نظر على انتفاء شرط تحتمّ تأثير التأنيث المعنوي أعني :

أحد الأمور الثلاثة ، ويجوز عدم صرفه نظرا إلى وجود سببين فيه ، (وزينب) علما للمرأة (وسقر) علما لطبقة من طبقات النار (وماه وجور) علمين لبلدتين (٥) (ممتنع)(٦)

__________________

(١) قوله : (ليخرج الكلمة بثقل أحد الأمور ... إلخ) القوم اعتبروا ثقل السببين في غير المنصرف ، يدل على ذلك تفصح كتب النحو ، فمنعوا منه الجر والتنوين ؛ لئلا يلزم زيادة الثقل ، ولعل وجهه تنزيل ثقل المعنوي منزلة اللفظي ، فلا يرد ما قيل : لا يظهر اعتبار حدوث ثقل من كل سبب ؛ إذ لا يعقل من الوصف والعلمية ، ولا من العدل ، بل هو منشأ الخفة كما يرد الشارح إليه أمثلة.(وجيه الدين).

(٢) قوله : (عن الخفة التي هي من شأنها ... إلخ) اعترض عليه بأن الخفة كما تعارض التأنيث والعجم كذلك تعارض العلمية ، فلا وجه لتخصيص الاشتراط بالعجمة والتأنيث ، وأجيب بأن التأنيث المعنوي أمر ضعيف وهو ظاهر ، وكذا العجم ؛ لأن العجمي قليل الاعتبار عند العرب ، فإذا خفّت الكلمة العجمية لم يعتبر ثقلها ، ولك أن تقول : اشتراطها يغني عن اشتراط العلمية ؛ لأن العلم الخفيف لا يكون إلا مع إحدهما فإن للعدل أوزانا معلومة ، وكذا غيره لا خفة فيه. (عيسى الصفوي).

(٣) لأن لسان العرب لما كان مبنيا على السهولة كان الأصل فيه أن يكون ثلاثيا ساكن الأوسط ؛ لأنه لا بد من حروف يبتدئ به ، وحرف يوقف عليه ، وحرف يفصل بينهما ، والذي كان على خلاف هذا بأن يكون متحرك الأوسط أو رباعيا كان ثقيلا وأثقل ؛ لأن ما خالف الأصل شأنه كذلك. (توقادي).

(٤) قوله : (فهند يجوز صرفه) إلى قوله : (ويجوز عدم صرفه) والمنع أجود وأكثر عند الجمهور ، وفي الباب الأجود الصرف. (عيسى).

(٥) اعلم أن أسماء الأماكن قد يلتزم تأنيثها بتأويل البلدة مثلا ، فيمتنع صرفها ، وقد يلتزم تذكيرها بتأويل المكان مثلا فيصرف ، وقد يعتبر كل منهما فجاز الوجهان ، إذا عرفت هذا فنقول : إن كان الاستعمال معلوما فذاك ، وإن لم يكن معلوما فلك فيه وجهان ، وكذا في أسماء القبائل في تأويلها بالقبيلة والحي. (لأرى).

(٦) قوله : (ممتنع صرفها) ولم يقل : من الصرف ، كما قال : وامتنع من الصرف أسود تفننا وكشفا ـ

١٠٩

صرفها ، أمّا (زينب) فللعلميّة والتأنيث المعنوي مع شرط تحتّم تأثيره ، وهو الزيادة على الثلاثة ، وأمّا (سقر) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحتّم تأثيره ، وهو تحرك الأوسط.

وأمّا (ماه) و (جور) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحتمّ تأثيره ، وهو العجمة.

(فإن سمّى به) أي : بالمؤنث المعنوي (مذكر فشرطه) (١) في سببية منع الصرف (الزيادة على الثلاثة) (٢) لأن الحرف (٣) الرابع في حكم تاء التأنيث ، قائم مقامها (فقدم) وهو مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي إذا سمي به رجل (منصرف) لأن

__________________

ـ لوجوه التوجيه ، ولمناسبة بينه وبين قوله : (فهند يجوز صرف) وأشار بتأنيث ضميرها صرفها إلى أن تذكر الضمير العائد إلى تلك المؤنثات يحتاج إلى التوجيه بإرادة اللفظ والاسم. (عصمت).

(١) أي : شرط التأنيث لا شرط التأنيث المعنوي ؛ لأنه قد زال ، ولا المؤنث وهو ظاهر ، فمرجع ضمير شرطه مغاير لمرجع ضمير سمي به ، والتأنيث عند تحقق هذا الشرط يكون لفظيا بالتاء حكما ، وقي يقال : إنه ضمير شرط راجع إلى التأنيث المعنوي ، وعند تحقق ذلك الشرط يسمى تأنيثا معنويا حكميا ، والسوق يلائم بهذا كما لا يخفي. (بخاري).

(٢) قوله : (الزيادة على الثلاثة) اعترض بأن ههنا شروطا أخر تركها المصنف : إحداها : أن لا يكون في الأصل مذكر كرباب اسم امرأة ، فإنه في الأصل بمعنى السحاب البيض ، وكحائض فإنه في الأصل موضوع للشخص المذكور ؛ لأن الأصل في الصفات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر ، فإنه إذا سمي بهما رجل انصرفا ، وثانيها : أن يكون تأنيثها بتأويل كرجال فإن تأنيثه بتأويل الجماعة ، فإذا سمى به مذكر انصرف ، وثالثها : أن لا يغلب استعماله بحسب المعنى الجنسي في المذكر ، ثم إن تساوي استعماله مذكرا ومؤنثا يساوي الصرف ومنعه ، وإن غلب استعماله مؤنثا فمنع الصرف راجح ، وأجيب بأن مراد المصنف أن شرطه من بين الثلاثة المذكورة الزيادة على الثلاثة ، ولا ينفع الآخران من تحرك الأوسط ، وبعد التسمية للمذكر ، وذلك لا ينافي ؛ لوجوب شرائط أخر ، وفيه أن السؤال إنما وقع من وجه ترك شرائط أخر لا بد منها ، فالجواب بهذا الوجيه غير مفيد ، ويمكن أن يقال في الجواب : بأن المراد بالمؤنث المعنوي في قوله : (فإن سمي بالمؤنث المعنوي مذكر الاسم) الذي هو مؤنث معنوي لا غير ، فلا حاجة حينئذ إلى هذه الشرائط الثلاثة. (عصمت).

(٣) قوله : (لأن الحرف الرابع في حكم التأنيث) فكما أن تاء التأنيث لفظا يؤثر وجوبا في علم المذكر كطلحة ، فكذا ما في حكمها ، ويعتبر ههنا تحرك الأوسط ؛ لأنه نائب عن حرف الرابع ، واعتبار نائب النائب بعيد ، وكذا العجم ؛ لأنها تقوي التأنيث ، ولا تؤثر في الثاني الساكن الأوسط ، وقد زالت التأنيث بالعملية للمذكر. (وجيه الدين). ـ

١١٠

التأنيث المعنوي الأصلي زال بالعلمية للمذكر من غير أن يقوم شيء مقامه والعلمية وحدها لا تمنع الصرف (وعقرب) (١) وهو مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي (٢) إذا سمي به رجل (ممتنع) صرفها ؛ لأنه وإن زال التأنيث بالعلميّة للمذكر فالحرف الرابع قائم مقامه ، بدليل أنه إذا صغّر (قدم) ظهر التاء المقدر كما يقتضيه قاعدة التصغير ، فيقال : (قديمة) بخلاف (عقرب) فإنه إذا صغر يقال : (عقيرب) من غير إظهار التاء ؛ لأن الحرف الرابع قائم مقامه. ف : (عقرب) إذا سمى به رجل امتنع صرفه للعلمية (٣) والتأنيث الحكمي.

(المعرفة) أي : التعريف (٤) ؛ لأن سبب منع الصرف هو وصف التعريف لا ذات المعرفة.

__________________

ـ وإنما شرط في المعنوي الزيادة إذا سمى به مذكر ؛ لأن التأنيث المعنوي باعتبار مدلوله ، وقد فات بتسمية المذكر ، فلم يبق إلا اعتبار اللفظ ، فاعتبر الزائد على الثلاثة ؛ لأن فيه سماته تاء التأنيث ، فكان فيه تاء ولا يعتبر ما دون ذلك ؛ لفوات المعنى ما يتقدر بالتاء. (كبير).

(١) قوله : (وعقرب) إذا سمى به رجل امتنع صرفه للعملية والتأنيث الحكمي ، كذا ذكره المصنف أيضا ، ولك أن تقول : أراد بالمؤنث المعنوي في المقام ما يكون التاء فيه مقدرة ، سواء كان مؤنثا حقيقيا أو لا ، والتاء في عقرب مقدرة كما صرح به الشيخ ، فلا يكون حكميا فليتأمل ، فلا يتصور كونه سببا ، ذهب المصنف وكثيرون إلى أنه تجعله في حكم المنصرف ، وحينئذ يتصور كونه سببا إن كان في حكم المنصرف ، ويمكن أن يكون له أثر فيما إذا حذف آلة التعريف ، واعتبر التعريف الأصلي كما قيل : في أجمع ، فكان الوجه أن يقول : في حكم المنصرف ، فلا يناسب جعله سببا ، ويمكن التوجيه بالتكلف في العبارة. (عيسى الصفوي).

(٢) وإنما قال في الموضعين : معناه الجنس ، احترازا عن معناه العلمي ؛ لأنه باعتبار لا يكون علما لآخر وإنما يكون باعتبار الجنس ، كما أن زيدا مثلا يكون علما لأشخاص شتى باعتبار معناه الجنسي لا العلمي. (ت ق).

(٣) قوله : (للعلمية والتأنيث الحكمي) لما كان الحرف الرابع قائما مقام التأنيث ، فكان التأنيث موجودا بالفعل، وفيه أن يكون في حكم التأنيث اللفظي والكلام في المعنوي ، ولو قيل : التأنيث المعنوي الذي زال يؤثر في منع الصرف ، بسبب وجود هذا الشرط لكان من البحث المذكور ، اللهم إلا أن يتكلم أن يتكلف. (حافظ الدين كندي).

(٤) قوله : (أي : التعريف) يحتمل لوجهين : أحداهما : أن يكون مجازا من قبيل ذكر الموصوف وإرادة الصفة ، وثانيهما أن تكون معرفة مصدرا بمعنى التعريف في عرف هذا الفن ، ويجوز أيضا أن يقدر المضاف ، أي : تعريف المعرفة ، أو أن يعتبر الحيثية ، أي : المعرفة من حيث أنها المعرفة. (مصطفى جلبي).

١١١

(شرطها) أي : شرط تأثيرها في منع الصرف (أن تكون علميّة) (١) أي : يكون هذا النوع من جنس التعريف علما على أن تكون (الياء) مصدريّة أو منسوبة إلى العلم ، بأن تكون حاصلة في ضمنه على أن تكون الياء للنسبة وإنما جعلت مشروطة بالعلمية ؛ لأن تعريف (٢) المضمرات والمبهمات لا يوجد إلا في المبنيات ومنع الصرف من أحكام المعربات ، والتعريف باللام أو الإضافة يجعل غير المنصرف منصرفا أو في حكم المنصرف (٣) كما سيجيء.

فلا يتصور كونه سببا لمنع الصرف فلم يبق إلا التعريف (٤) العلمي (٥).

وإنما جعل المعرفة (٦) سببا لمنع الصرف والعلمية شرطها ، ولم يجعل العلمية سببا

__________________

(١) فيه نظر ؛ لأنه يلزم أن يكون المشروط غير الأول وهو محال ؛ لأن المراد بالمعرفة في الموضوع ليس إلا العلم ، فيصير المعنى : شرطه أن يكون علما ، وهو قبيح جدا قلت : لا نسلم لزوم ذلك اشتراط المعرفة بالعلمية ، وإنما يلزم ذلك على تقدير كون المعرفة نفس العلمية ، لكنه ليس كذلك ؛ لأن المراد بالعلم المعرفة ، والمراد بالعلمية كونها علما ، فيلزم اشتراط الموصوف فاندفع الإشكال. (لباب).

(٢) قوله : (لأن تعريف المضمرات) يعني أن كلا من الضمائر والإبهام يستلزم البناء ، ومنع الصرف يستلزم الإعراب ، وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات ، فلا يجتمع الإضمار والإبهام مع غير المنصرف فضلا عن أن يؤثر فيه. (وجيه الدين).

(٣) يعني أن اللام إذا دخل على غير المنصرف يجعله منصرفا ؛ لأنه لما كان من خواص الاسم يزول عليه مشابهة الفعل فيعود إلى أصله وهو الانصراف ، وأن غير المنصرف إذا أضيف يكون منصرفا دون المضاف إليه ، يعني : أن غير المنصرف إذا صار مضافا إليه لا يصير مصروفا بل يبقى على حاله ، كما إذا دخل حرف الجر ؛ لأن الإضافة لما كانت من خواص الاسم يزيل مشابهته الفعل في المضاف دون المضاف إليه ؛ لأنها لم تؤثر شيئا كما في المضاف حتى يغيره من حال إلى حال. (م).

(٤) قوله : (فلم يبق إلا التعريف العلمي) هذا مبني على أن السبب الآخر في أجمع وأخواته الصفة الأصلية والعلمية ، لا التعريف بالإضافة المقدرة كما ذهب إليه جمع. (لاري).

(٥) بقي تعريف النداء ، فالمناسب التعرض له بأنه لا يصلح سببية منع الصرف ؛ لأن بعض أنواعه من المبنيات ، وبعضها مضاف ومشبهة ، فلا يصلحان سببية منع الصرف لما مر ، وأما البعض وهو المنادى المستعان باللام فلم يعتبره للاطراد. (ع).

(٦) قوله : (وإنما جعل) يعني لم يجعل العلمية سببا كما جعل جاد الله العلامة ؛ لأنهم جعلوا كلها من العلل فرعا عن غيره ، وكون التعريف فرعا عن التنكير أظهر من فرعيه العلمية ؛ لمقابلة التعريف ـ

١١٢

كما جعل البعض ؛ لأن فرعية التعريف (١) للتنكير أظهر (٢) من فرعية العلمية له.

(العجمة) (٣) وهي كون اللفظ مما وضعه. غير العرب ، ولتأثيرها في منع الصرف شرطان (٤) (شرطها) الأول : (أن تكون علميّة) أي : منسوبة إلى العلم (في) اللغة (العجمية) (٥) بأن تكون متحققة في ضمن العلم في العجم حقيقة ك : (إبراهيم) ،

__________________

ـ التنكير دون العلمية ، فإن قيل : لما يكون العلمية سببا عنده ، فلم قال فيما سيأتي : وما فيه علمية مؤثرة ، بل الواجب أن يقال : وما فيه معرفة مؤثرة قيل : جرى فيه على اصطلاح غيره ، أو محمول على التجويز بأن يراد بالعلمية التعريف العلمي. (وجيه الدين).

(١) لأن فرعية التعريف للتنكير بلا واسطة ، وفرعية العلمية له بالواسطة ؛ لأن العلمية نوع من أنواع التعريف الذي هو فرع التنكير. (جلبي).

(٢) وجه الأظهرية في تعريفه بلا واسطة وفرعية العلمية بواسطة كونها فرعا من المعرفة مطلقا ، ولا شك أن الفرعية بلا واسطة أظهر من الفرعية بالواسطة. (سعيد أفندي).

(٣) وتعريف العجمة منها مخالفة أبنية كلام العرب ، ومنها ترك الصرف في إعلامها ، ومنها جهل اشتقاقها ، ومنها اجتماع الصاد والجيم في كلمة كالصروج ، وهو ما يجتمع فيه الماء والحصر ، ومنها أن يقع الراء والنون نحو نرجس ، ومنها اجتماع القاف والجيم فإنهما لا يجتمعان في العربية إلا في القبح وهو الجقل. قال في الصحاح : هو فارسي معرب ؛ لأن القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة وهو واحدة كلام ، ومنها يقع الزاي العجمية للدال المهملة نحو مهندز ، ومنها أن يكون فيها غير حروف العربية كالقاف والياء والجيم والزاء. (فاضل حلبي).

(٤) لأن العجمة لما كانت أمرا خفيا وهو كون اللفظ غير موضوع العرب ، حيث ليس له علاقة ظاهرة كالتأنيث اللفظي ، أو علامة مقدرة كالتأنيث المعنوي ، لم تؤثر في منع الصرف بمجرد العلمية ، بل أخذت فيه إلى أمر زائد غير العلمية ، إلا أنها لما كانت أخفى من التأنيث المعنوي ؛ لأنه يظهر في بعض تفرقاته مثل إسناد الفعل المضارع وإرجاع الضمير إليه وغير ذلك ، فاشترط فيه أحد الأمور الثلاثة ، حيث لم تظهر في شيء من تصرفاتها ، اشترط فيها أحد الأمرين غير العلمية. (توقادي).

(٥) قوله : (في العجمية) قبل انتقال في الاستعمال إلى العربية ، وقيل هذا ليس بشرط بل الشرط أن يكون علما في أول استعمال العرب في كلامهم ، سواء كان قبل ذلك الاستعمال علما أو لم يكن ، فإن قالون اسم جنس في لغة روم بمعنى الجيد ، ثم جعل علما لعيسى لجودة قراءته ، وإنما شرطت العلمية ؛ لأنها لو لم يكن علما في العجم خفّ على لسان العرب أن يدخلوا اللام والإضافة والتنوين عليها ، ويمكن إيراد أحكام كلامهم فيها ، فبهذا التصرف يضعف أمر العجمة فلم تعتبر ، بخلاف ما إذا كان علما فإنه يمتنع منهم حينئذ أن يدخلوا هذه الأحكام عليها ، فيقوى الأمر العجمة بسبب عدم تصرفهم فيها والعلمية النقل لا تؤثر. (عوض أفندي).

١١٣

وحكما (١) بأن ينقله العرب من لغة العجم إلى العلمية من غير تصرف فيه قبل النقل ك : (قالون) فإنه كان في العجم اسم جنس سمى به أحد رواه القرّاء لجودة قراءته قبل أن يتصرف فيه العرب ، فكأنه كان علما في العجمية.

وإنما جعلت شرطا لئلا يتصرف فيها العرب مثل : تصرفاتهم في كلامهم فتضعف فيه العجمة ، فلا تصلح سببا لمنع الصرف ، فعلى هذا لو سمى بمثل (لجام) لا يمتنع صرفه لعدم علميّته في العجمية (و) شرطها الثاني : أحد الأمرين (تحرك) الحرف (الأوسط أو زيادة على الثلاثة) أي على ثلاثة أحرف ، لئلا تعارض الخفة أحد السببين (فنوح منصرف) هذا تفريع بالنظر إلى الشرط الثاني. فانصراف (نوح) إنما هو ؛ لانتفاء الشرط الثاني وهذا اختيار (٢) المصنف ؛ لأن العجمة سبب ضعيف ؛ لأنه أمر معنوي (٣) فلا يجوز اعتبارها مع سكون الأوسط.

وأما التأنيث (٤) المعنوي فإن له علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات فله نوع قوّة فجاز أن يعتبر مع سكون الأوسط وأن لا يعتبر.

فإن قلت : قد اعتبرت العجمة في (ماه وجور) مع سكون الأوسط فيما سبق ، فلم لم يعتبر ههنا؟

__________________

(١) إشارة إلى دفع ما أورده الرضي من أن اشتراط العلمية في العجمة ليس بلازم ، بل الواجب أن لا يستعمل في كلام إلا مع العلمية ، قيل : من أن التعميم إلى الحقيقي والحكمي جمع بين الحقيقة والمجاز مما لا يلتفت إليه ، ولأن الأعلام وضع ثان. (سوسي).

(٢) قوله : (هذا اختيار المصنف) ذهب الزمخشري إلى أن نوعا كهند يجوز فيه الأمران ، وخالف المصنف والجمهور فكان اللائق أن يقول : وهذا اختيار المصنف ومذهب الجمهور ، ثم الأكثرين على أنه لا بد من الزيادة، ولا يكفي تحرك الأوسط وهو مذهب سيبويه ورجحه المتأخرون ، إلا أن المصنف اختار ما ذكره فكان اللائق أن يذكر ذلك الخلاف ، وينسب إلى اختيار المصنف ، والخلاف المذكور ينسب إلى الجمهور ، فتدبر. (عيسى الصفوي).

(٣) وهو كون الكلمة ليست من أوضاع العرب وليس له علاقة لفظية ولا مقدرة ، فكانت في غاية الضعف. (ع م).

(٤) جواب سؤال مقدرة تقديره : إذ ليس العجمة أمرا حقيقيا ثابتا في الاسم ، بل أمر إضافي ، فلا يجوز اعتبارها مع سكون الأوسط ، وأما التأنيث في هند أمر محقق فيه ، فجاز أن يعتبر مع سكون الأوسط ، وأن لا يعتبر ، كأنه قيل : فعلى هذا لا يجوز اعتبار التأنيث مع سكون الأوسط ؛ لأنه أمر معنوي ، فأجاب بقوله : (وأما التأنيث). (لمحرره).

١١٤

قلنا : اعتبارها فيما سبق إنما هو لتقوية (١) سببين آخرين (٢) لئلا يقاوم سكون الأوسط أحدهما (٣) ولا يلزم من اعتبارها لتقوية سبب آخر اعتبار سببيّتها بالاستقلال.

(وشتر) (٤) وهو اسم حصن (٥) بديار بكر (وإبراهيم ممتنع) صرفهما لوجود الشرط الثاني فيهما فإن في (شتر) تحرك الأوسط وفي إبراهيم الزيادة على الثلاثة ، وإنما خص التفريع بالشرط الثاني (٦) ؛ لأن غرضه التنبيه على ما هو الحق (٧) عنده من انصراف نحو : (نوح) ولهذا قدم انصرافه مع أنه متفرع على انتفاء الشرط الثاني ، والأولى تقديم (٨) ما هو متفرع على وجوده كما لا يخفى.

__________________

(١) أي : لتقوية أحد السببين ، أي : التأنيث إذ العلمية مستغنية عن المقوى ، ويؤيده قوله : (ولا يلزم من اعتبارها لتقوية سبب أخر ... إلخ). (عصمت).

(٢) هما التأنيث المعنوي ، وشرطها العلمية هذا من باب التغليب كالقمرين ، أو من باب حذف المضاف كما قاله العصمت رحمه‌الله. (م).

(٣) أي : أحد السببين ؛ لأن الاسم إذا كان ثلاثيا يكون حقيقيا ، وإذا كان أوسطه ساكنا يكون أخف فيقبل الانصراف بدخول الجر والتنوين عليه ، وإذا اعتبرت العجمة فيه يكون أثقل فيقتضي التخفيف بإسقاط الجر والتنوين منه ، بجعله غير منصرف. (م).

(٤) قوله : (وشتر) قيل : يجوز أن يقال امتناع صرفها لتأويلها بالتبعة ، وفيه أنه لا يستعمل إلا مذكرا ولا يرجع إليه ضمير المؤنث ، والمناقشة فيه محال ، فلو مثل بلمك على وزن عضد اسم أبي نوح عليه‌السلام لكان أسلم.(عب).

(٥) قوله : (حصن بديار بكر) في القاموس : هو قلعة بإيران بين بردعة وكنجه ، وعلى التقديرين يجوز أن يكون منع صرفه للعلمية والتأنيث من حيث اسم بلدة ، وكأن الشارح فر من هذا وقال : اسم حصن ، ولم يقل : اسم بلدة ؛ لكنه لا ينفعه إذ الظاهر أنه اسم لنفس البلدة لا لجدرانه. (عصمت).

(٦) وإنما بين المصنف فائدة الشرط الثاني ، ولم يبين فائدة الشرط الأول بأن يقول : فلجام منصرف ؛ لأنه ليس فيه علمية في العجم. (توقادي).

(٧) قوله : (ما هو الحق عنده) يجوز أن يقال : لأن غرضه التنبيه على ما هو الحق عنده مما وقع فيه النزاع من نوح وشتر ، وتقديم انصراف نوح على امتناع صرف شتر ؛ لأن انصراف نوح مخالف لأصل هذا الكتاب ، أعني المفصل دون عدم انصراف شتر ؛ ولأن انصراف نوح جلي مما لا ينبغي أن ينازع فيه ، بخلاف امتناع صرف شتر فإنه ليس بهذا المثابة. (لاري).

(٨) قوله : (والأولى تقديم ما هو متفرع) أقول : فيه بحث فإنا لا نسلم أن المتفرع على وجود الشرط ينبغي أن يتقدم على المتفرع على عدمه ، فإن معنى الشرط انتقاء المشروط عند انتفاء الشرط ، لا وجوده عند وجوده ، كان الأولى تقديم ما يتفرع على أصل معناه ، فتدبر. (ع س).

ـ فائدة الاسم الأعجمي إذا وافق عربيا كإسحاق فإنه مصدر إسحاق ، فلو سمي به قاصدا ـ

١١٥

واعلم (١) أن أسماء الأنبياء عليهم‌السلام ممتنعة عن الصرف إلا ستة (محمد ، وصالح ، وشعيب ، وهود) لكونها عربية و (نوح ولوط) لخفتهما.

وقيل : إنّ هودا كنوح ؛ لأن سيبويه قرنه معه (٢) ، ويؤيدّه ما يقال من أن العرب من ولد إسماعيل ومن كان قبل ذلك فليس بعربي و (هود) قبل إسماعيل فيما يذكر فكان كنوح.

(الجمع) وهو سبب قائم مقام السببين (شرطه) أي : شرط (٣) قيامه مقام السببين (صيغة منتهى الجموع) (٤) وهي الصيغة التي كان أولها مفتوحا وثالثها ألفا وبعد الألف

__________________

ـ المعنى المصدري فلا اعتداد بالعجمة ، أو قاصدا اللفظ فغير منصرف ، قال أبو حيان : فإن جهل القصد حمل على عادة الناس في التسمية باسم الاتباع. (عيسى الصفوي).

(١) قوله : (واعلم أن أسماء الأنبياء عليهم‌السلام) أي : الأسماء المشهورة المتداولة في لسان العرب ، قيل : قلما يخلو عن هذه الفائدة كتاب يعتد به ، حتى كاد أن يكون مجمعا عليه عندهم ، وعليه شاهدا صدق شيت وعزير ، فلا عجب أن يقضي فيه العجب ، انتهى.

ـ يعني أن الحصر غير مستقيم ؛ لانتقاضه بشيت وعزير ، والجواب أن شيتا لم يذكر في القرآن ، وأن عزيرا استعمل منصرفا وغير منصرفا ، وقد قرأ بهما في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)[التوبة : ٣٠]. والحاصل أن لفظ شيت لم يذكر في القرآن فلا نسلم كونه عربيا ، وأن لفظ عزير مختلف في صرفه وعدمه ، وكذلك اختلف في نبوته فلا ينتقض القاعدة بهما. (مصطفى جلبي).

(٢) حيث قال : محمد وصالح وشعيب ونوح وهود ولوط ، فقرن هود بنوح لا شعيب ، فلو كان هود عربيا لقدمه على نوح وجعله مقارنا لشعيب. (عصمت).

(٣) وقيل : الأولى أن يقال : أي شرط تأثيره في منع الصرف ؛ ليكون مطابقا لما سبق ، والجواب أن عبارة شرط قيامه مقام سببين مستلزمة لهذه ، أي : عبارة شرط تأثيره دون العكس. (جلبي).

(٤) قوله : (صيغة منتهى الجموع) أي : وزن غاية جموع التكسير ؛ لأنه يجمع الاسم جمع التكسير جمعا بعد جمع فإذا وصل أي : هذا الوزن امتنع جمعه جمع التكسير كجمع كلب على أكلب ، وكجمع نعم على أنعام ، وجمعه على أناعيم ، وإنما قيدناه بغاية جموع التكسير ؛ لأنه لا يمتنع جمعه جمع سلامة ، وإن لم يكن قياسا مطردا على ما يجيء في التعريف في باب الجمع ، نحو قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنكن صواحبات يوسف عليه‌السلام» أخرجه البخاري (٦٦٤) ، ومسلم (٤١٨). (شيخ الرضي).

ـ لفظ منتهي مصدر ميمي مضاف إلى الفاعل ، أي : صيغة يتنهي به جموع التكسير ، بمعنى أن تلك الصيغة من حيث أنها غير قابلة للتكسير ، فلا يرد النقص برجال ، بناء على أنه مخصوصة غير قابلة للتكسير ، فإن وزن فعال قابل للتكسير ، ولذا جمع حمار على حمير. (عيسى).

١١٦

حرفان متحركان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وهي (١) التي لا تجمع جمع التكسير مرة أخرى ، ولهذا (٢) سميت صيغة منتهى الجموع (٣) ؛ لأنها جمعت في بعض الصور مرتين (٤) تكسيرا فانتهى تكسرها ، المغيّر للصيغة ، فأما جمع السلامة (٥) فإنه لا يغيّر فيجوز أن يجمع جمع السلامة كما يجمع (أيا من) جمع (أيمن) على (أيا منين) وصواحب جمع صاحبة على (صواحبات) وإنما اشترطت بذلك لتكون صيغته مصونة (٦) عن قبول التغيير (٧) فتؤثر (بغير هاء) (٨) ...

__________________

(١) أي : صيغه منتهى الجموع المتداولة في ألسنة النحاة ، هي هي ، أي : هذه الصورة المذكورة. (حلبي).

(٢) أي : لكون هذه الصيغة صيغة لا تجمع جمع التكسير مرة أخرى ، بحيث انتهى تكسيرها المغير للصيغة.(ح).

(٣) قوله : (منتهى الجموع) المراد من المنتهى الانتهاء ومن الجموع ما فوق الواحد ، هكذا أفاده بعض المحققين. (عصمت).

(٤) أي : أكثر من مرة واحدة بحيث لا يقبل الجمعية المكسرة بعدها ، أو هو المقصود في وجه تسميته بصيغة منتهى الجموع مرتين فقط ، إلا أن الواقع هكذا ، فتأمل. (مجازي).

(٥) سواء كان جمعا مذكرا ، أو مؤنثا ، اسما أو صفة ، وهو ما لحق آخر مفرده واو ونون ، أو ياء ونون ، أو ألف وتاء. (م).

(٦) فإن قلت : الصيانة عن التغير لا يستدعي ذلك ، فإنها تحصل بالعلمية أيضا ، فلم لم يشترط العلمية كما شرطت في بعض الأسباب لهذا الغرض؟ قلت : المراد صيانته مع حفظ معنى الجمعية ؛ ليظهر قيامه مقام السببين. (عصمت).

(٧) قوله : (عن قبول التغيير) لم يقل : عن التغير ؛ لأن هذه الصيغة لم تقبل التغير ، فأما مثل رجال فإنه لم يتغير لكن يقبل التغير ؛ لأن المفردات الواردة على هذه الصيغة يقبل التغير. (حلبي).

(٨) بغير هاء ، أي : بغير التاء التأنيث ، وسمى هاء باعتبار انقلابها إليه عند الوقف ، ولهذا يندفع ما قيل : إنه منقوض بفواره ؛ لكون هائه ليس للتأنيث ؛ لأنه إذا كان بالتاء يكون منصرفا لمشابهة المفرد لفظا ومعنى ، نحو ملائكة فإنه متشابه لكراهية ، أما المتشابهة منهما لفظا فمن حيث الموازنة وهو ظاهر ، وأما من حيث المشابهة من حيث المعنى فلوقوع كل منهما على كثيرين ، ثم وقوع الجمع عليه ظاهر ، وأما وقوع المفرد للذكور فلأنه مصدر ، وهو صالح لأن يقع على القليل والكثير. (عاقبة).

ـ والمراد بالهاء الحرف الدال على التأنيث غير الألف بطريق عموم المجاز ، وهو أن يراد باللفظ معنى شامل لمعناه الحقيقي والمجازي أو المعينين الحقيقيين ، والقرينة شهرة استعمال الهاء بهذا المعنى في عرفهم ، كما أن القرنية لا أضع قدمي دار فلان ، أي : لا أدخل دار فلان ، ـ

١١٧

منقلبة عن تاء التأنيث حالة الوقف أو المراد (١) بها تاء التأنيث ، لكن عبّر بالهاء باعتباره ما يؤول إليه حالة الوقف فلا يرد نحو : (فواره) جمع (فارهة) (٢) وإنما اشترط كونها بغير هاء؛ لأنها لو كانت مع هاء كانت على زنة المفردات ك : (فرازنة) فإنها على زنة كراهية وطواعية بمعنى الكراهة والطاعة فيدخل في قوة جمعيته فتور ولا حاجة (٣) إلى إخراج نحو : (مدائني) فإنه مفرد محض ليس جمعا ، لا في الحال ولا في المآل وإنما الجمع (مدائن) (٤) وهو لفظ آخر بخلاف (فرازنة) فإنها (جمع فرزين أو فرزان) بكسر الفاء ، فعلم مما سبق أن صيغة منتهى الجموع على قسمين ، أحدهما : ما يكون بغير هاء ، وثانيهما ما يكون بهاء.

فأمّا ما يكون بغير هاء فيمتنع صرفه ، لوجود شرط تأثيرها (كمساجد) مثال لما بعد ألفه حرفان متحركان (ومصابيح) مثال لما بعد ألفه ثلاثة أحرف أوسطها ساكن (وأما فرازنة) (٥) وأمثالها مما هي على صيغة منتهى الجموع مع الهاء.

__________________

ـ العرف العام يشتمل حالتي الوصل والوقوف ، وأما إرادة التاء بطريق الأولى ، أو حقيقة الهاء مراد بهاء الموقوفة ، فلا يشتمل الحالتين. أقول : يمكن إن يجيب بأن يقال : إن كونه تغير تاء يستلزم كونه بغيرها ، ولأن الهاء حاصل من التاء في حال الوقف ، فإذا لم توجد التاء ولم يوجد الهاء وهو ظاهر فإرادة التاء بطريق الأولى شامل للحالتين ، وكذا كونه بغير هاء منقلبة من تاء التأنيث يستلزم كونه بلا تاء ؛ لأن جميع الأسماء صالح للوقف. (مختصر الكافية للبركوي).

(١) عطف على مقدر تقديره : المراد بها أن تكون منقلبة عن تاء التأنيث حالة الوقف ، والمراد : والفرق بينهما أن إطلاق الهاء عليها في الأول على حقيقة باعتبار اتصافها بوصف الانقلاب ، وفي الثاني على مجازية باعتبار الأولية. (م).

(٢) قال الأزهري : قوله تعالى : (فارِهِينَ)[الشعراء : ١٤٩] أي : حاذقين ، والفاره من الناس المليح الحسن، ومن الدواب الجيد السير. وقال الجوهري : ويقال للبرذون والبغل والحمار فاره بيّن الفروهة ، وجمعه فرهة وفره ، مثل صحبة وصحب. (لمحرره).

(٣) جواب سؤال مقدر تقديره : كأنه قيل : لو قال المصنف : لغير هاء وياء النسبية لكان صواب ؛ لئلا ينتقض بمثل مدائني ، فإنه على صيغة منتهى الجموع بغير هاء ، مع أنه منصرف ، فأجاب بقوله : (ولا حاجة).(لمحرره).

(٤) جمع مدنية ، يقال : مدن بالمكان أقام به ، وبابه دخل ، ومنه المدنية وجمعها مدائن بالهمزة ، ومدن مخففا ومثقلا ، والنسبة إلى مدينة الرسول عليه‌السلام مدني ، وإلى مدائن كسرى مدائني.(صحاح).

(٥) أما هاهنا ليس للتفصيل ؛ لعدم التعدد ، ولا الاستئناف لسبق كلام آخر ، إلا أن يعتبر الاستئناف لعدم الإجمال ، كما في بعض الشروح فيكون للاستئناف ، فأجاب الشارح بأن أما هاهنا ـ

١١٨

(فمنصرف) (١) لفوات شرط تأثير الجمعية وهو كونها بلا هاء (وحضاجر (٢) علما للضّبع) هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره : أن يقال : إنّ حضاجر علم جنس للضبع يطلق على الواحد ، والكثير كما أن (أسامة) علم جنس (٣) للأسد ، فلا جمعية فيه ، وصيغة (٤) ...

__________________

ـ للتفصيل ؛ لأنه يفهم من قوله : (بغير هاء) إجمال من أن صيغة منتهى الجموع على قسمين : أحداهما : ما يكون بغير هاء ، وثانيهما : ما يكون بهاء ، ولكن وجود التعدد موقوف على أنه قد يذكر أحد طرفي التعدد اهتماما لها ، ويترك الطرف الآخر اعتمادا على القرنية كما في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ)[آل عمران : ٧] إلى قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فإن قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) بمنزلة (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) فهاهنا قوله : (مساجد ومصابيح) بمنزلة أما ، ما كان بغيرها ، وقوله : (وأما فرازنة) بمنزلة وأما ما كان بهاء فيكون أما للتفصيل ، هذا هو المستفاد من كلام الشارح ، لكن يرد عليه من الإجمال عين للتفصيل ؛ لأن يفهم من قوله : (الجمع شرطه) صيغة منتهى الجموع بغير هاء ، وأما ما كان بهاء منصرف ، لكن غفل الشارح عنه ، واعتمد بقوله : (بغير هاء) وحده فلا يكون كلامه جوابا للهندي ، ولعل أن أما هاهنا لتفصيل ما أجمل في ذهن السامع ، كما قرر في الكشاف. (مصطفى حلبي).

(١) إنما لم يقل فمنصرفه ؛ لأن المنصرف صار اسما فيجوز اعتبار اسميته ؛ أو لأن المراد نحو فرازنة ؛ أو لأن المراد اللفظ وهذا هو الظاهر ، لا يقال : فعلى هذا يكون غير منصرف بالعلمية والتأنيث ، فكيف يصح تنوينه لأنا نقول : تنوينه للمناسبة ومشاكلة المسمى مع أنه يجوز أن لا يكون منونا. (عب).

(٢) وحضاجر ، أي : سؤال مقدر وتقديره أن يقال : هذا الوزن إنما يمنع الصرف إذا كان جمعا ، وحضاجر ليس بجمع ؛ لأنه علم للضبع مع أنه غير منصرف ، ثم أشار إلى جوابه بقوله : (لأنه منقول عن الجمع). (عافية).

وحضاجر علما منصوب على الحالية من حضاجر مع أنه مبتدأ ، وجوز ذلك ابن مالك ، وكأن الشارح اختار هذا حيث قال : وتقرير الجواب أن حضاجر علما للضبع وجعله حالا من ضمير غير المنصرف بتأويل غير بمعنى لا ؛ لئلا يتوهم تقديم معمول المضاف إليه على المضاف ، تكلف يوجب تقييد حضاجر غير منصرف بحالة العلمية للضبع مع أنه بدون العلمية أيضا غير منصرف ، وجعله منصوبا بتقدير : أعني ، يستدعي المدح أو الذم أو الترحم ، والمقام لا يستدعي ذلك. (عصمت).

(٣) قوله : (علم جنس) وهو ما وضع للماهية الكلمة الصادقة على الإفراد من حيث إنها ماهية معينة من الماهيات ، بخلاف اسم الجنس فإنه موضوع للطبيعة من غير اعتبار التعيين فيه. (عصمت).

(٤) جواب سؤال مقدر وهو أن يقال : إن زالت الجمعية فيه ؛ لكونه علم الجنس للضبع ، وقد بقي ـ

١١٩

منتهى الجموع ليست من أسباب (١) منع الصرف بل هي شرط للجمعية ، فينبغي أن يكون منصرفا لكنه غير منصرف.

وتقدير الجواب : أن حضاجر حال كونه (٢) علما للضبع (غير منصرف) لا للجمعيّة الحاليّة بل للجمعيّة (٣) الأصلية ؛ (لأنه منقول عن الجمع) فإنه كان في الأصل جمع (حضجر) بمعنى عظيم البطن ، سمى به الضّبع مبالغة في عظم بطنها ، كأنّ كل فرد منها جماعة من هذا الجنس ، فالمعتبر في منع صرفه هو الجمعيّة (٤) الأصليّة فإن قلت : لا حاجة في منع صرفه إلى اعتبار الجمعية الأصلية ، فإن فيه العلمية والتأنيث ؛ لأن الضّبع هي أنثى الضبعان (٥).

__________________

ـ صيغة منتهى الجموع ، وهو كاف لمنع الصرف. (لمحرره رضا).

(١) فإن قلت : شرط السبب أيضا سبب لتأثيره ، فكيف منع سببيته وثبت شرطيته قلت : المراد نفي السبب العرفي المعدود في تعريف غير المنصرف لا مطلق السبب. (ع ص).

(٢) قوله : (حال كونه علما) فهو حال إما عن المبتدأ كما رأى ابن مالك ، وإما عن مفعول أعني المقدر ، وإما عن الضمير المستكن في غيره منصرف على ما اختاره الشارح. (وجبيه الدين).

(٣) قوله : (بل للجمعية الأصلية) لأنه منقول عن الشارح على أن قوله : (لأنه منقول عن الجمع) ليس علة لوجود الجمعية الأصلية التي هي سبب لمنع صرف حضاجر ، والجمعية المانعة من الصرف أعم من أن تكون حالية أو أصلية ، ويمكن تقرير الجواب عن النقض بحضاجر بأن حضاجر لفظ له معنيان : أحدهما : المعنى الجمعي الأصلي ، والثاني : المعنى العلمي الحالي ، وعلة منع صرف كونه جمعا بصيغته منتهى الجموع ، وهي غير منفكة عنه حال كونه علما للضبع كما أن مصابيح حال علمية لكتاب أيضا غير منصرف للجمعية مع صيغة منتهى الجموع ، فإن قلت : العلمية ضد للجمعية فكيف يعتبر الجمعية الأصلية حال العلمية؟ قلت : الممتنع اعتبار الضدين في حكم واحد ، لا اعتبار الضدين عن وجود الآخر ، وهاهنا اعتبر الجمعية وحده ، ويمنع الصرف حال العلمية ، ولم يعتبر العلمية لمنع الصرف فيه. (عصمت).

(٤) فكذلك وضع مساجد علما على شخص يكون غير منصرف ، وإن كان في اللفظ اسما مفردا إلا أنه في التقدير يجمع. (غجدواني).

ـ لا الجمعية الحالية فعلى هذا الجواب يكون الجمع أعم في الحال كمساجد ، وفي الأصل كحضاجر. ـ علما للضبع. (لمحرره).

(٥) قوله : (قلنا علمية) أي : علمية لفظ حضاجر بهذا الاعتبار ، أي : باعتبار كونه علما للضبع مع كون الضبع ، أنثى الضبعان غير مؤثرة في منع الصرف ؛ لأنه علم جنس والمؤثرة في منع ـ

١٢٠