الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

وقد نظم ابن جبير قصيدة عند وصوله إلى مكة المكرمة في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة ٥٧٩ ه‍ / ١١٨٣ م ومطلعها :

بلغت المنى وحللت الحرم

فعاد شبابك بعد الهرم

فأهلا بمكة أهلا بها

وشكرا لمن شكره يلتزم

ونظم قصيدة أخرى عند استقباله للمدينة المنورة ومطلعها :

أقول وآنست بالليل نارا

لعل سراج الهدى قد أنارا

وإلا فما بال أفق الدجى

كأن سنا البرق فيه استطارا (١)

واشتهرت له قصيدتان أيضا في صلاح الدين الأيوبي الأولى شاكيا إليه فيها من المكس المأخوذ من الناس في الحجاز والتي منها :

وما نال الحجاز بكم صلاحا

وقد نالته مصر والشام (٢)

أما القصيدة الثانية فقالها عند خروجه للمرة الثانية للحج ومطلعها :

أطلت على آفقك الزاهر

سعود من الفلك الدائر (٣)

فهذا هو الترتيب التاريخي الصحيح للقصيدتين ، لأن الثانية يهنىء ابن جبير فيها صلاح الدين بفتح بيت المقدس فأغلب من ذكر القصيدتين خلط في الترتيب الزمني لهما.

سبب الرحلة الثانية :

وهذه الرحلة كان الدافع لها ما بلغه من أخبار فتح صلاح الدين لبيت المقدس حيث نلاحظ نظمه للقصيدة السابقة مهنئا. فكان خروجه من غرناطة للمرة الثانية يوم الخميس التاسع من ربيع الأول سنة ٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م وعودته إليها سنة ٥٨٧ ه‍ / ١١٩١ م.

__________________

(١) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، ٤٨٧.

(٢) المصدر السابق والجزء ، ص ٣٨٤.

(٣) أبو شامة : كتاب الروضتين ، ج ٢ ، ص ٢ ، ٤ ، ١٠٥ ـ ١٠٦ ؛ المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٣.

١٠١

وتمكن خلالها من أداء فريضة الحج ثم عاد إلى غرناطة ورحل منها إلى مالقة (١) وسبتة وفاس ولم يلبث أن انقطع عن الكتابة وجلس لتدريس الحديث (٢).

سبب الرحلة الثالثة :

يبدو أنه قد تأثر لوفاة زوجته عاتكة (٣) ورحل إلى الحجاز طلبا للراحة والسلوان عقب دفنه لزوجته بسبته حيث قال فيها :

بسبتة لي سكن في الثرى

وخل كريم إليها أتى

فلو أستطيع ركبت الهوى

فزرت بها الحي والميتا (٤)

فكانت هذه آخر رحلاته حيث جاور بمكة طويلا ثم ببيت المقدس ثم تجول بمصر واستقر بالإسكندرية للتدريس إلى أن توفاه الله (٥).

مؤلفاته :

لم يدون سوى رحلته الأولى ؛ إذ ليس بأيدينا معلومات كافية عن رحلتيه الأخيرتين إلا النزر اليسير المبعثر في طيات الكتب المترجمة له ، كما أن كل من ترجم له ذكر أسماء مختلفة لرحلته وهي : تذكرة بالأخبار عن اتفاق الأسفار (٦) ، ورحلة الكناني (٧) ، وكتاب اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك (٨).

__________________

(١) (مالقة) مدينة بالأندلس عامرة على ساحل بحر المجاز المعروف بالزقاق وأصل وضعها قديم ثم عمرت وكثر قصد المراكب والتجار إليها. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٢) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٢ ، ص ٢٣٢.

(٣) أم المجد عاتكة بنت الوزير أحمد بن عبد الرحمن الوقشي كانت وفاتها يوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة ٦٠١ ه‍ / ١٢٠٤ م وقد قام ابن جبير برحلته الثالثة عقب وفاتها فوصل مكة سنة ٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م وجاور هناك طويلا. انظر المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٤٨٩.

(٤) المصدر السابق والجزء والصفحة.

(٥) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٢ ، ص ٢٣٢.

(٦) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧ ؛ نقولا زيادة : رواد الشرق العربي في العصور الوسطى ، ص ٨ ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ، ص. ٧ ؛ عبد الرحمن حميدة : أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم ، ص ٣٣٣.

(٧) حاجي خليفة : كشف الظنون ، ج ١ ، ص ٨٣٦ ؛ كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ٢٩٩.

(٨) محمد عبد الله عنان : تراجم إسلامية شرقية وأندلسية ، ص ٣٣٦.

١٠٢

ويبدو أن هذا الاسم الأخير ليس اسما لرحلته التي اشتهر بها ، وإنما هي رسالة مستقلة. فقد أشار إلى ذلك إشارة طفيفة ابن عبد الملك المراكشي في كتابه الذيل والتكملة حيث قال : " وله مقالة سماها رسالة اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك كتب بها إلى وليه أبي الحسن بن مقصير من علماء فاس عند عودته إلى المشرق في ذي القعدة سنة ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م" (١).

ونلاحظ هنا أنه ذكرها بلفظ رسالة وليس رحلة ، وأنه كتب بها إليه سنة ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م. ومن المعروف أن زمن رحلته الأولى سنة ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م وتاريخ إرسال هذه الرسالة في فترة سابقة ما بين رحلته الثانية والثالثة (٢). ومما يؤيد ذلك أن عنوان الرحلة التي بين أيدينا تذكرة بالأخبار عن اتفاق الأسفار كما هو مدون في بدايتها (٣).

ومما سبق يتضح أنها رسالة مستقلة. إما أن تكون وصفا لرحلته الثانية وتقتصر على الآثار الكريمة والمناسك وإما أن تكون جزءا مأخوذا من الرحلة الأولى اشتمل فقط على الآثار الكريمة والمناسك. وهذا كله يدعم القول : بأنها مختلفة عن الرحلة التي اشتهر بها وهذا ما لم يشر إليه أحد.

وقد كان ابن جبير ناظما للشعر والنثر. له أشعار كثيرة منها : ديوان شعر يعرف بنظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان (٤). وله جزء آخر سماه نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح. في رثاء زوجته أم المجد (٥).

وأشار شكيب أرسلان إلى عدم صحة ما قيل : في أن الرحلة ليست من تأليفه (٦) إذ قال" وهذا غير صحيح لأن نسجه معروف وأسلوبه العالي واحد لا تختلف فيه جملة عن جملة وديباجة كلام ابن جبير لا تخفى على أحد" (٧).

__________________

(١) المراكشي : الذيل والتكملة ، ج ٥ ، قسم ٢ ، ص ٦٠٤.

(٢) المقرى : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٤٨٩ ، فرحلته الثالثة كانت سنة ٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م. انظر ما سبق ص ٩٢ ، هامش ٤.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧.

(٤) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

(٥) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ٣ ، ص ١١٨.

(٦) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٨٠.

(٧) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ٣ ، ص ١١٨.

١٠٣

مكانة ابن جبير الاجتماعية :

تلقى ابن جبير العلم على عدد كبير من العلماء. وقد ذهب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري إلى القول : بأنهم أربعة وعشرون شيخا (١) ، وهذا عدد قليل بالنسبة لشخص بلغ هذه المكانة مع تعدد رحلاته إلى المشرق. فهو بلا شك تلقى العلم على الكثير منهم خلال رحلاته. ولعل السبب عائد إلى عدم ذكره أو ترجمته لهم بل اكتفى أحيانا بإيراد الاسم الأول أو اللقب أو الشهرة مما أدى إلى صعوبة تتبعهم والعثور على تراجم وافية لهم. وهو في هذه الناحية يختلف عن غيره من الرحالة الذين انتهجوا منهج الرحلات الوصفية والبرامج ، من حيث الترجمة الكاملة لمشايخهم التي قد لا توجد بهذه السعة والشمول لدى كتاب التراجم من حيث الإشارة لأماكن التدريس والمؤلفات وغيرها من الأمور المتعلقة بهم.

وقد بلغ ابن جبير مكانة عالية إذ يقول المنذري : " إنه كان مقدما في بلاده" (٢). فارتفاع مكانته عائد لعلمه ومجالسته لعلماء المشرق وغيرهم ، بالإضافة إلى كونه كاتب أمير غرناطة المرموق ، بفضل ما تمتع به من جمال النظم سواء كان شعرا أو نثرا ، وإن كانت شهرته النثرية أغلب عليه وتدل عليها رحلته المدونة والشاهدة على دقته وبراعته. وقد أشار إلى ذلك العلامة ابن جابر الوادي آشي عقب وصفه لدمشق حيث قال : " ولقد أحسن فيما وصف منها وأجاد وتوق الأنفس للتطلع على صورتها بما أفاد هذا ولم تكن له بها إقامة فيعرب عنها بحقيقة علامة وما وصف ذهبيات أصيلها وقد حان من الشمس غروب ولا أزمان فصولها المتنوعة ولا أوقات سرورها المهنئات ولقد أنصف من قال ألفيتها كما تصف الألسن وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين" (٣).

__________________

(١) عبد القدوس الأنصاري : مع ابن جبير في رحلته ، ص ٣٩.

(٢) المنذري : التكملة ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٣) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٧.

١٠٤

مميزات رحلة ابن جبير :

قبل البدء في بيان مميزات الرحلة لا بد من إبداء ملاحظة لعل الكثيرين غفلوا عنها. وهي عدم عودته بعد أداء فريضة الحج رأسا إلى غرناطة من الطريق التي آتى منها عبر مصر ثم عبوره البحر الأحمر إلى جدة. فهو قد عاهد الله تعالى بعدم عبوره مرة أخرى بسبب ما قاساه من أهوال ومشقة (١).

وحيث إنه لم يكن هناك إلا طريق البحر وطريق البر الذي سيطر عليه الصليبيون في تلك الفترة ، فلم يكن أمامه سوى الذهاب إلى العراق وغيرها من مدن الشام. ثم عودته بحرا إلى الأندلس ؛ فلولا ما حلف به لسلك نفس الطريق.

لقد امتازت رحلة ابن جبير بالعديد من المميزات ومنها : تدوينها على هيئة يوميات ؛ لذا كان وصفه شاملا مفصلا مع إثبات ذلك بالتاريخين الهجري والميلادي. وهذا يخالف ما ذهب إليه كراتشكوفسكى من أنه دونها بعد رجوعه (٢) فالدلائل كلها تشير إلى تقييدها يوما بيوم.

ومنها أيضا عنايته الكبيرة بوصف المدن التي مر بها ، وخاصة مكة المكرمة وآثارها ومعالمها الدينية وأسواقها ومساجدها وغيرها. كما تطرق للناحية الاقتصادية بالحجاز وخاصة المكوس المفروضة على الحجاج في شيء من التفصيل. ولا يفهم من هذا أنه قد أفرد للجانب الاقتصادي مبحثا خاصا ، ولكنه يستنتج من خلال كلامه ومن واقع معايشته هناك.

وحفلت رحلته بالمدح والثناء على عدد كبير من الأموات والأحياء لصلاحهم وتقواهم (٣).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٢.

(٢) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٣) كان المسلمون في تلك الفترة يعتقدون بالصالحين والأولياء وخاصة الميتين منهم حيث كانوا يشيدون لهم الأضرحة ويتقربون إليهم بالدعاء وهذا في الواقع بدعة منكرة وغير مقبولة فالدعاء والعبادة لله وحده.

١٠٥

اتصفت رحلة ابن جبير ببعض المبالغات والتي قد تصل إلى حد التهويل لما يشاهده ليظهر مدى إعجابه أو استنكاره لما يصفه. وبالرغم من أهمية رحلة ابن جبير إلا أنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية والتي كان من المفروض عليه التحري عنها مثل مكان مولد الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما ، حيث ذكر أنه بمكة المكرمة (١). ولا ريب أن اشتهار هذا الأمر بين العامة من أهل مكة المكرمة جعله يقع في مثل هذا الخطأ.

ويلوح لقارىء رحلة ابن جبير استشهاده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مكانها الملائم في الرحلة ؛ إضافة إلى استعماله لبعض الكلمات العامية المستخدمة لدى أهل كل بلد مر به. ونلمس خلق ابن جبير في مدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم بدون تجاوز أو تطاول (٢). وعمل ابن جبير على التأكد مما يشاع بين الناس عن زيادة ماء زمزم ، وقيامه بقياسه للتأكد فعلا من زيادته أو نقصانه في منتصف شهر شعبان. حيث أثبت بطلان زعم زيادته.

إضافة إلى عنايته الفائقة بتسجيل النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأسلوب سهل واضح أعطى لرحلته قيمة علمية كبيرة أثرت كثيرا فيمن تلاه من الرحالة فنقلوا عنه بعض عباراته ، مثل ابن بطوطة والبلوي.

وقد كان ابن جبير ملما بالنواحي التاريخية ، كثير المغالاة في التعظيم والتبرك بالآثار المقدسة ، وهو أمر شائع في تلك الفترة بين المسلمين مع ملاحظة عدم اعتنائه بذكر مصدرها ، فغالبا ما يبدأ ذكر ذلك بلفظ يذكر .. ويقال وغيرها من الألفاظ التي لا تفيد التوثيق.

__________________

(١) والصحيح ولادتهما بالمدينة المنورة : انظر فيما بعد ، ص ٣٥٨.

(٢) مدحه لصلاح الدين الأيوبي وذمه لمكثر أمير مكة.

١٠٦

وحفلت رحلته بالكثير من المحسنات البديعية مثل : الاستعارة والسجع البديع دون تكلف ، بحيث يسهل فهمها. كما نجده يقدم معلوماته ببراعة مع حسن تصوير وتشبيه وصدق في الوصف والتحري بقدر اطلاعه على حقائق بعض الأمور المذكورة له ؛ إضافة إلى اهتمامه البالغ بما ساد العالم الإسلامي.

وعلى الرغم من بعض الأخطاء والهفوات التي وقع فيها ابن جبير.

فمدونته تحوي الكثير من المعلومات المهمة التي لا يستغني عنها أديب أو جغرافي أو اقتصادي أو مؤرخ يتناول تلك الفترة بالدراسة ؛ ولو لا تسجيله لها لبقي كأحد الكتاب المشهورين بجمال الأسلوب وحسن الصياغة في الدولة الموحدية.

الرعيني

٥٩٢ ـ ٦٦٦ ه‍ / ١١٩٥ ـ ١٢٦٧ م

الرحالة الأندلسي على بن محمد بن على بن محمد بن عبد الرحمن ابن هيصم الرعيني الإشبيلي البطشي حيث كان سلفه فيها يعرفون ببني الحاج ، ويلقب بأبي الحسن ويعرف بابن الفخار صنعة أبيه. وقد أراد والده أن يعلمه تلك الحرفة فلم يفلح (١). ولد بإشبيلية (٢) في شعبان عام ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م فنشأ فيها وأخذ القراءة على شيوخ عصره ، وقد أجيز صغيرا وقدم للتدريس في مجالسها ، وتولى القضاء على مذهب الإمام مالك في مورور (٣) عام ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م.

ومن المرجح أن تكون رحلة الرعيني إلى المشرق فيما بين عامي ٦١٨ ه‍ / ١٢٢١ م و ٦١٩ ه‍ / ١٢٢٢ م ، ففي ترجمته لشيوخه المشارقه يشير

__________________

(١) المراكشي : الذيل والتكملة ، ج ٥ ، قسم ١ ، ص ٢٢٣.

(٢) (اشبيلية) مدينة كبيرة بالأندلس قريبة من البحر يطل عليها جبل الشرف ، كثيرة الشجر والزيتون وسائر الفواكه ، اشتهرت بزراعة القطن الذي يحمل منها إلى جميع بلاد الأندلس والمغرب وهي على شاطىء نهر عظيم تسير فيه المراكب المتصلة يقال له وادى الكبير. أنظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ١٩٥ ؛ الحميري : الروض المعطار ، ص ٥٨ ـ ٦٠.

(٣) (مورور) : كورة مورور متصلة بأحواز قرمونه من جزيرة الأندلس وهي في الغرب والجوف كورة شنونه وهي من قرطبة بين القبلة والمغرب ومدينة قلب قاعدة مورور ودار الولاية بها. انظر الحميري : الروض المعطار ، ص ٥٦٤.

١٠٧

إلى التقائه بهم في سنة ٦١٩ ه‍ / ١٢٢٢ م في شهر شعبان (١). واكتفى بإيراد أسماء سبعة منهم فقط وتحرز من ذكر البقية ، وسبب ذلك أنه وقت كتابته لبرنامجه لم تتوفر لديه معلومات مفصلة عنهم ولم يقف على فهارسهم (٢).

مكانته الاجتماعية :

اشتهر في بدء حياته بالكتابة وكتب لعدد من ملوك الأندلس في اشبيلية وقرطبة (٣) وغرناطة ومرسية (٤). ويبدو أن الرعيني كثير التنقل ، فقد سكن اشبيلية ومورور وقبطيل (٥) ومالقة وشريش (٦) وقرطبة ومرسية وغرناطة وتلمسان (٧) واستقر به المقام في آخر حياته بمراكش (٨) حيث توفي فيها في الرابع والعشرين من رمضان سنة ٦٦٦ ه‍ / ١٢٦٧ م. (٩).

__________________

(١) الرعيني : البرنامج ، ص ١٧٤ ـ ١٧٩.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٧٩.

(٣) (قرطبة) مدينة في وسط الأندلس ومقر ملوك بني أمية بينها وبين البحر خمسة أيام ليس لها بالمغرب شبيه من كثرة الأهل وسعة الرقعة محصنة بسور من حجارة لها بابان وأبنيتها متشابكة. أنظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٣٢٤.

(٤) (مرسية) مدينة بالأندلس اختطها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام وسماها تدمير الشام فاستمر الناس على اسم موضعها الأول وهي ذات أشجار وحدائق محدقة بها. أنظر المصدر السابق ، ج ٥ ، ص ١٠٧.

(٥) (قبطيل) تقع بالأندلس وهي مفرع وادي طرطوشة بالبحر ويعرف أيضا بالعسكر. انظر الحميري : الروض المعطار ، ص ٤٥٤.

(٦) (شريش) من كور شذونة بالأندلس وهي على مقربة من البحر يجود زرعها ويكثر ريعها وهي موضع رباط ومقر للصالحين يقصد من الأقطار وهي متوسطة حصينة حسنة الجهات بها كروم كثير وشجر الزيتون والتين. انظر المصدر السابق ، ص ٣٤٠.

(٧) (تلمسان) بعضهم يقول تنمسان بالمغرب وهما مدينتان متجاورتان مسورتان بينهما رمية حجر إحداهما قديمة والأخرى حديثة اختطها الملثمون ملوك المغرب ، فيها يسكن الجنود وأصحاب السلطان وأصناف من الناس ، والقديمة يسكنها الرعية. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٤٤.

(٨) (مراكش) أعظم مدينة بالمغرب وأجلها بها كان ملوك بني عبد المؤمن وهي في البر الأعظم بينها وبين البحر عشرة أيام في وسط بلاد البربر اختطها يوسف بن تاشفين سنة ٤٧٠ ه‍ / ١٠٧٧ م. انظر المصدر السابق ، ج ٥ ، ص ٩٤.

(٩) الرعيني. البرنامج ، ص ١٠٢ ، ٢٠٠. وانظر المقدمة ص ، ط ـ ى.

١٠٨

مؤلفاته :

للرعيني عدة مؤلفات منها :

١ ـ برنامج شيوخه الذي سماه" كتاب الإيراد لنبذة المستفاد من الرواية والإسناد بلقاء حملة العلم في البلاد على طريق الاقتصار والاقتصاد" (١).

وقد كتب برنامجه متأخرا عن وقت رحلته ، وأغلب الظن أنه لم تكن لديه نية كتابته لو لا عزم بعض أصحابه عليه أن يقيد برنامجه فأحجم فترة لنسيانه بسبب طول العهد بينه وبينهم (٢).

٢ ـ اقتفاء السنن فى انتقاء أربعين من السنن أخرجها عن أربعين شيخا.

٣ ـ شرح الكافي لابن شريح.

٤ ـ وله كتاب كبير سماه" جنى الأزاهر النضيرة وسنا الزواهر المنيرة في صلة المطمع والذخيرة مما ولدته الخواطر من المحاسن في هذه المدة الأخيرة" (٣).

مميزات برنامج الرعيني :

لقد رتب الرعيني برنامجه وفق اختصاص العلماء ، حيث أفرد لكل اختصاص بابا سرد فيه أسماء شيوخه وأنسابهم ومواطنهم وما حمله عنهم من كتب وما أخذه من إجازات. وقد أفرد أيضا بابا سرد فيه أسماء مشايخه بدون ترجمة حتى يسهل الرجوع إليهم والتعرف عليهم.

احتوى برنامجه على الترجمة لعلماء المشرق وهم قلة وترجمته لهم مختصرة مع عدم ذكره لأسماء مشايخه الذين أخذ عنهم بمكة المكرمة والمدينة المنورة. وربما يكون هذا عائدا إلى نسيانه أسماءهم لطول العهد بين رحلته وبين كتابته لبرنامجه.

حيث صنف برنامجه بعد مرور مدة طويلة على رحلته ، لذا نجد أنه كتبها من الذاكرة. وقد رجح محقق البرنامج أن يكون وقت كتابتها سنة

__________________

(١) الرعيني : البرنامج ، المقدمة ، ص ق ؛ كحالة : المستدرك على معجم المؤلفين ، ص ٥٠٨.

(٢) الرعيني : البرنامج ، ص ٤.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٤ ، ١٦ ، ٢١٤ ؛ كحالة : المستدرك ، ص ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

١٠٩

٦٤٦ ه‍ / ١٢٤٨ م. فالرعيني هنا يخالف الرحالة المغاربة والأندلسيين من حيث التسجيل الآني والترجمة الفورية لمشايخهم وما حملوه عنهم والإجازات التي أخذت منهم.

لذا نراه يغفل ذكر عدد كبير من العلماء لنسيانه إياهم (١). كما أنه عند ذكره لمشايخه في برنامجه ذكرهم ذكر بعيد العهد بهم. ويدل على ذلك ما يظهره من ترحم على الغالبية منهم.

وقد خلا برنامجه أيضا من اللمحات الجغرافية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وتركيزه فقط على الترجمة لذا فبرنامجه من البرامج العلمية فقط.

ابن رشيد

٦٥٧ ـ ٧٢١ ه‍ / ١٢٥٨ ـ ١٣٢١ م

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد ابن مسعود بن حسن بن محمد بن محمد بن رشيد أبو عبد الله الفهري السبتي (٢).

ولد بسبتة في شهر رمضان سنة ٦٥٨ ه‍ / ١٢٥٨ م وكانت وفاته في فاس في يوم الإثنين الرابع والعشرين من محرم سنة ٧٢١ ه‍ / ١٣٢١ م.

رحالة من بلاد المغرب رحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج ولقاء أهل العلم سنة ٦٨٣ ه‍ / ١٢٨٤ م (٣).

صفاته :

لقد أثنى عليه كل من ترجم له ، إذ وصف بالثقة والعدل. كان عارفا بعلم القراءات والعربية وعلم البيان والآداب والعروض والقوافي مشاركا في غير ذلك

__________________

(١) الرعيني : البرنامج ، المقدمة ، ص س ، ص ٧.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٤ ، ص ١١١. وقد ورد في نسبه بعض اختلافات بسيطة من حيث النقص من أسماء أجداده. انظر الحسيني : ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي ، ص ٩٧ ؛ ابن فرحون : الديباج المذهب ، ص ٣١٥.

(٣) المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، ٣٥٦.

١١٠

من الفنون ـ وهو من خدام الكتاب والسنة ـ فاضلا كريما برا بأصدقائه ، حسن العهد ، أديبا خطيبا بليغا ذاكرا يقرض الشعر على تكلف (١).

وقد طلب منه أن يكتب شيئا من شعره ولم يكن الوزن من طبعه فكتب :

يا من يفوق النجم موطنه

كلفتني ما ليس أحسنه

ولتغض عما فيه من خلل

خلدت في عز تزينه (٢)

وكانت له عناية بعلم الحديث وضبط أسانيده ورجاله ومعرفة انقطاعه واتصاله (٣) كما كان أصيل النظر ذاكرا للتفسير (٤) حافظا للأخبار والتواريخ (٥).

ومن صفاته أيضا أنه كان عظيم الوقار والسكينة ، مضبوط الكتابة ، حسن الخلق ، متواضعا ، مبذول الجاه ، طلق الوجه ، ملاذا لطلبة العلم (٦).

وقد ذكر عدم انتماء ابن رشيد للمذهب المالكي (٧) بينما أشار هو إلى انتمائه إلى المالكية (٨).

وجميع صفاته هذه يشهد عليها كتابه المسمى ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة (٩). التي قال عنها السيوطي إنها ست مجلدات مشتملة على فنون (١٠) بينما ذكر الصفدي إنها أربع

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٣٤٨.

(٢) الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج ٤ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٣) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٦.

(٤) السيوطي : بغية الوعاة ، ج ١ ، ص ١٩٩.

(٥) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ١ ، ص ٣١٥.

(٦) السيوطي : بغية الوعاة ، ج ١ ، ص ١١٩ ـ ٢٠٠.

(٧) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٨٩ ؛ ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٤ ، ص ١١٢.

(٨) المقري : ازهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٠.

(٩) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥.

(١٠) السيوطي : بغية الوعاة ، ج ١ ، ص ٢٠٠.

١١١

مجلدات (١). وأشار ابن القاضي والمقري إنها أربعة أسفار جمع فيها من الفوائد الحديثية والفرائد الأدبية كل غريبة وعجيبة. (٢)

ويبدو أن رحلته قد استنسخ منها عدة نسخ ، حيث رأى العياشي أجزاء منها بمكة في وقف المغاربة برباط الموفق (٣). وكما استنسخ من الرحلة فقد اختصر منها أيضا إذ رأى ابن الخطيب مختصرا لها بسبتة (٤). ويدل تعدد نسخها ووجود مختصرات لها على أهميتها.

مكانته الاجتماعية :

اتجه منذ صباه لدراسة الأدب واللغة (٥) وطلب العلم بجميع فروعه وتلقاه على العديد من العلماء. وبلغ أعلى المراتب بفضل علمه الغزير فصار ذا حظوة عند الملوك والناس (٦) ووصف بالإمام لجلال قدره. ووصفه المقري" بأنه من خدام الكتاب والسنة لكثرة عنايته بالحديث متنه وسنده ومعرفته برجاله" (٧).

سبب الرحلة :

الخروج لأداء فريضة الحج ولقاء العلماء والحصول على الإجازات منهم.

وقد سجل ذلك في متن رحلته. وكان خروجه للمشرق سنة ٦٨٣ ه‍ / ١٢٨٤ م (٨).

__________________

(١) الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج ٤ ، ص ٢٨٥.

(٢) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٧ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٢٥٠.

(٣) العياشي : الرحلة العياشية ، ج ٢ ، ص ٢٣٨. انظر الحديث عن الرباط فيما بعد ، ص ٣٥٥.

(٤) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٣٧.

(٥) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٤ ، ص ١١١.

(٦) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ١ ، ص ٣١٥.

(٧) المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٤٨ ـ ٢٥٠.

(٨) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٦ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٤٧.

١١٢

صحبه في جزء من رحلته الوزير أبو عبد الله بن الحكيم (١). وعند ما قفل عائدا من المشرق حل ببلدة سبتة ولكن لم تطل مدة إقامته بها ، إذ كتب إليه رفيق رحلته الوزير أبو عبد الله يستدعيه لغرناطة فرحل إليها وقدم للخطبة والصلاة بجامعها. ولي قضاء الأنكحة واستقر به المقام بغرناطة ، وحظي فيها بمكانة عالية كان خلالها يلقي دروسه (٢). إلى أن قتل صديقه الوزير أبو عبد الله فتعرض للأذى وعزم على الرحيل من غرناطة (٣) بالرغم من أن سلطانها خيره بين المكوث بها أو تركها فاختار أن يلحق بمراكش ، وما لبث أن أصبح فيها محط الأنظار وقدم للصلاة والخطبة بجامعها العتيق ، وكان شغله الشاغل بها العلم والتدريس والتحقيق إلى أن استدعاه سلطان فاس فانتقل إليها وأصبح من خواص السلطان وجلسائه ، أثيرا لديه لعظم مكانته العلمية إلى أن توفي (٤).

وصف ابن رشيد برباطة الجأش فبينما هو على منبر المسجد الأعظم بغرناطة وظن أن المؤذن قد فرغ فقام يخطب فرفع المؤذن أذانه فاستعظم ذلك بعض الحاضرين وقاموا بإشعاره وتنبيهه وكلمه آخرون فلم يلتفت إلى أحد منهم وأكمل ما شرع فيه من الخطبة وأوضح للناس في هذه الخطبة أن الأذان الذي بعد الأول غير مشروع الوجوب وحضهم على طلب العلم ، وتلى قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٥) وذكر أحاديث تبين وجوب الإنصات وعدم اللغو عند خطبة الإمام (٦).

__________________

(١) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي الرندي الكاتب البليغ الأديب الشهير الذكر بالأندلس قدم غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر بعد رجوعه من رحلته للحج التي رافق فيها ابن رشيد فألحقه السلطان بخدمته ثم قلد الوزارة في عهد أبي عبد الله المخلوع ولقبه ذا الوزارتين وصار صاحب أمره. إلى أن توفي قتيلا بغرناطة يوم الفطر سنة ٧٠٨ ه‍ / ١٣٠٨ م حيث انتهبت منازله وضاع ماله وكتبه ومثل به قتلته ، وطيف بأشلائه فضاع ولم يقبر ، وكانت ولادته برندة سنة ٦٦٠ ه‍ / ١٢٦١ م. انظر المقري : نفح الطيب ، ج ٥ ، ص ٤٩٨ ـ ٥٠٧.

(٢) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٩ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(٣) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٤٢.

(٤) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٩ ؛ المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٥) القرآن الكريم : سورة الحشر ، ٥٩ / ٧.

(٦) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

١١٣

مؤلفاته :

خلف ابن رشيد مؤلفات كثيرة ومهمة في علوم الحديث والأدب والعربية منها :

١ ـ رحلته التي سماها ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين إلى مكة المكرمة وطيبة (١). وهي أهم مؤلفاته ولم يسبقه أحد من الرحالة في تأليف رحلة في كبر حجمها وما تحتويه من غرائب وفرائد ، بالإضافة إلى ما اشتملت عليه من تراجم واسعة لشيوخه في المدن الإسلامية التي مر بها.

٢ ـ مقدمة المعرفة في علو المسافة والصفة.

٣ ـ الصراط السوي في اتصال سماع جامع الترمذي.

٤ ـ إفادة النصيح في مشهور رواة الصحيح وجزء فيه مسألة العنعنة.

٥ ـ المحاكمة بين الإمامين.

٦ ـ إيضاح المذهب فيمن يطلق عليه اسم الصاحب وجزء فيه حكم رؤية هلال شوال ورمضان.

٧ ـ تلخيص كتاب القوانين في النحو.

٨ ـ شرح جزء التجنيس لحازم بن حازم الإشبيلي.

٩ ـ حكم الاستعارة.

١٠ ـ وهناك غيرها من الخطب والقصائد النبوية والمقتطفات البديعية (٢).

١١ ـ تقييد على كتاب سيبويه (٣).

١٢ ـ الإضاءات والإنارات في البديع المسماة بإيراد المرتع لرائد القوافي لشيخه أبي الحسن حازم (٤).

ويبدو أنه لم يبق من مؤلفاته إلا رحلته وإفادة النصيح (٥) وقد أورد الكتاني وحاجي خليفة من مؤلفاته أيضا الرحلة ، وإيضاح المذهب فيمن يطلق عليه

__________________

(١) المصدر السابق والجزء ، ص ١٣٧.

(٢) الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج ٤ ، ص ٢٨٥.

(٣) المقري : أزهار الرياض ، ج ٢ ، ص ٣٥٠.

(٤) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ٩٧ ـ ٩٨.

(٥) كحالة : معجم المؤلفين ، ج ١١ ، ص ٩٣.

١١٤

اسم الصاحب ، وترجمان التراجم ، والسنن الأبين في السند المعنعن ، وإفادة النصيح في رواية الصحيح (١).

مميزات رحلة ابن رشيد :

تميزت رحلة ابن رشيد بأنها من الرحلات العلمية. فاهتمامه منصب على علم الحديث الذي كان محور الطلب في ذلك الوقت ؛ بالإضافة إلى العقيدة والفقه والأدب والسيرة والتصوف واللغة والشعر. حيث ظهرت الناحية العلمية جلية في هذه الفترة بفضل ترجمته لكل من لقيهم من العلماء والحفاظ والفقهاء والأدباء في كل مدينة مر بها. وأبان طريقة التلقي سواء كانت سماعا أو مناولة أو قراءة ؛ إضافة إلى تسجيله لأسماء الكتب المقروءة والمسموعة ، وإبراز أسماء المصنفات التي كان يحرص على أخذ الإجازات عليها له ولبنيه وإخوانه.

كما أشار إلى تحديد أماكن الدرس والعلم التي لم تكن قاصرة على مكان معين ، بل نجدها في منازل الفقهاء وحتى الطرقات أو كل مكان يمكن أن يلتقي فيه بشيخه. وهذا يدل على مدى حرصه على تلقي العلم وفي أقصر مدة. كما حرص على السماع والتقييد والحصول على الإجازات التي أورد نماذج منها (٢).

وتميز أيضا بدقة الضبط للأسانيد مع لفت الانتباه إلى غير المعروف لديه بالبحث عنه مع تعليقه على كل ما يقال له ، وإبداء الرأي فيه. ويتخلل كل ذلك نقد للأحاديث وتعريف بالرجال وإيراد سند الأحاديث التي سمعها حتى الوصول بها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

بالإضافة إلى تصويره للمراحل التي قطعها في طريقه ولكن بالقدر المكمل لقوام رحلته. وتبرز لنا شخصية ابن رشيد الحريص على الاقتداء بالسنة وتقبله النصيحة. كما تبرز لنا خلفيته التاريخية في إشارته لبعض الأمور القديمة ، ويبرز لنا ابن رشيد بشخصية العالم اللغوي الذي استطاع ضبط أسماء المواقع

__________________

(١) الكتاني : فهرس الفهارس ، ج ١ ، ص ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ؛ حاجي خليفة : كشف الظنون ، ج ١ ، ص ٢٠٩.

(٢) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٨٤.

١١٥

والأماكن لغويا ، وخاصة أسماء المشاعر المقدسة بالاعتماد على المعاجم الخاصة بذلك.

وكان ابن رشيد ذواقا حافظا للشعر. وقد وضح هذا عند استشهاده بالأبيات الشعرية المؤيدة لما ذهب إليه وذكره لإجازات شعرية حصل عليها.

ولم يكتف ابن رشيد بذكر الأخطاء التي وردت في كتب السابقين ؛ بل قام بإصلاحها والتنبيه عليها. وأشار إلى بعض العادات الاجتماعية المتبعة سواء كانت بالمدينة المنورة أو مكة المكرمة لتلك الفترة. واعتنى بذكر البدع المنتشرة والناتجة عن ضعف العقيدة الإسلامية عند بعض أبناء عصره في ذلك المجتمع.

وناقش ابن رشيد نشأة الشاذروان (١) حول الكعبة واستقر رأيه على أنه أنشىء ليصان به الجدار. كما تطرق لقضايا تتعلق بالأماكن المقدسة : مثل المسجد الموجود بعرفات (٢) ، وأشار إلى وصف الحالة الجوية وندرة المياه في المشاعر المقدسة.

العبدري

محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن مسعود العبدري (٣) الحيحي (٤) ويرجع نسبه إلى بني عبد الدار (٥) ، رحالة من بلاد المغرب لم يعرف إلا القليل عن نشأته ، حيث لم نجد ترجمة لحياته إلا في جذوة الاقتباس وهي مختصرة لا جديد

__________________

(١) (الشاذروان) : بفتح الذال من جدار البيت الحرام وهو الذي ترك من عرض الأساس خارجا ويسمى تأزير لأنه كالإزار للبيت. والشاذروان هو الحجارة المائلة الملتصقة بأسفل الكعبة المحيطة بها من جوانبها الثلاثة. أما الجانب المقابل لحجر إسماعيل ففيه درجة واحدة مسطحة وهي بطول جدار الكعبة. انظر الفيومي : المصباح المنير ، ج ١ ، ص ٣٦٣ ؛ الكردى : التاريخ القويم ، ج ٤ ، ص ١.

(٢) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٩٦ ، ١٢١.

(٣) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٨٦.

(٤) (حاحة) بلدة واسعة بين مراكش وسوس وحيحه بالكسر قبيلة من قبائل سوس مشهورة وحاحة قرب مدينة الصويرة على شاطىء المحيط الأطلسي على مقربة من مغادور بمراكش. انظر العبدري : الرحلة المغربية ، ص ت ؛ الزبيدي : تاج العروس ، ط ١٣٦٩ ه‍ / ١٩٦٩ م ، ج ٦ ، ص ٣٥٨ ؛ نقولا زيادة : الجغرافية والرحلات عند العرب ، ص ١٦٤.

(٥) الزبيدي : تاج العروس ، ط دار الفكر ، ج ٣ ، ص ٣٧٩.

١١٦

فيها يزيد عما هو موجود في متن رحلته. والفترة الوحيدة المعروفة يقينا من حياته هي المسجلة في رحلته ، والتي تكشف عن شخصيته وتبين أنه عالم ملم بجميع العلوم ذو اطلاع واسع ، إلا أنه ليست لدينا معلومات مفصلة عن بداية حياته العلمية. والراجح أن يكون من عائلة علم فقد نعت والده بالشيخ الصالح الخطيب في بداية نسخة الرحلة المخطوطة في الرباط ، إلى جانب اهتمامات شقيقه يحيى العلمية.

وفيما يبدو أنه تلقى تعليمه بمراكش لأنه ارتبط فيها بصلة قوية مع عدد من علمائها ومنهم ابن عبد الملك المراكشي (١).

صفاته :

حفلت رحلة العبدري بتدوين مشاهداته والتي أظهرت دقته في تسجيل ملاحظاته. إضافة إلى وجود الكثير من المباحث الفقهية والنحوية واللغوية والأدبية والأبيات الشعرية التي امتلأت بها رحلته. فمن خلال المباحث يظهر لنا العبدري العالم المثقف المتمكن في علمه ، إذ عكف على مناقشة القضايا التي أوردها معتمدا على ما سبق كتابته في نفس الموضوع مع ترجيح بعضها على بعض هذا من الناحية العلمية.

صفاته الخلقية :

فيها الحدة والغضب والسخط وعدم الرضا. كان صادقا في أحكامه على أهل المدن ضئيلى الثقافة فهو ما أن يحس بذلك حتى يسارع إلى رميهم بأقدح الذم والهجاء معتقدا صواب ما يفعل.

وقد نقده ابن عبد السلام الناصري (٢) في هذا الجانب رغم عدم إنكاره لعلمه وفضله (٣) وهو ما لم يعهد في رحالة قبله أو بعده.

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ح المقدمة ، ١٤٠ ، ٢٧٥.

(٢) محمد بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن محمد الناصرى عالم الحديث رحالة من أهل درعة بالمغرب تعلم ببلده وسافر إلى فاس فقرأ على علمائها ورحل إلى المشرق مرتين توفي بالزاوية الناصرية بدرعة له مؤلفات الرحلة الكبرى والرحلة الصغرى. انظر الزركلي : الأعلام ، ج ٦ ، ص ٢٠٦.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ص ـ ض.

١١٧

وتأتي قيمة رحلته في كونها وثيقة سجل فيها حالة العالم الإسلامي العلمية والدينية.

سبب الرحلة :

فقد كانت لأداء فريضة الحج والعلم والتجارة. ونلمس ذلك بوضوح في إشارته إلى أنه كان يحمل القمح لبيعه في مكة المكرمة دلالة على اشتغاله بالتجارة والتي لم يشر أحد إليها. وكان خروجه للرحلة في الخامس والعشرين من ذي القعدة عام ٦٨٨ ه‍ / ١٢٨٩ م من مدينة حاحة ، ولكنه لم يبدأ بتدوين رحلته إلا بتلمسان (١) وأسماها بالرحلة المغربية والتى ربما أخذت اسمها من الطريق البري الذي سلكه في شمال أفريقيا مع الأخذ في الحسبان أنه من ساكني بلاد المغرب.

والواقع أن العبدري مجهول الميلاد وسنة الوفاة ، واحتمال أن تكون وفاته قريبة عقب عودته من المشرق لأنه كما قيل لو عمر طويلا لظهرت له مشاركات في العلوم التي يتقنها ولعثرنا له على مؤلفات قيمة. وكانت رحلة العبدري إلى المشرق في مقتبل حياته (٢).

مؤلفاته :

لا يوجد له مؤلفات غير رحلته التي دونها وسماها الرحلة المغربية.

مميزات رحلة العبدري :

أوضح العبدري المنهج الذي سيتبعه في تقييده لرحلته وذلك من قوله : إنه سيقيد ما أمكنه تقييده بطريقة تجعل الناظر إليه يسمو مطرقا. كما أنه سيذكر وصفا للبلدان التي زارها وأحوال ساكنيها بقدر ما يدركه ويعاينه بالمشاهدة من غير إخفاء القبيح أو تحسينه ولا تقبيح الحسن أو إخفائه. مظهرا ذلك كله

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٧ ، ١٨٨.

(٢) المصدر السابق ، المقدمة ص ١ ج.

١١٨

بصورة واضحة بحيث يكون السامع كالناظر. وأضاف قائلا : إنه سيورد ما استفاده من أخبار وقصائد ونكات وغيرها من الأمور التي تتمم هدف الرحلة بحيث يكون مؤلفه هذا مغنيا عن غيره. وأكد على أنه سيؤيد أقواله بالأحاديث التي رواها والآثار التي شاهدها متبركا بإثباتها وإثبات الفضلاء من رواتها (١).

وقد سار في تقييده على ما رسمه لنفسه ، فمن ذلك نقده اللاذع وذمه المقدح لأهل المدن التي مر بها بسبب قلة اهتماماتهم العلمية فجعل جل اهتمامه منصبا على هذه الناحية.

فأخذ يتقصى ويمعن البحث عن العلماء في كل مدينة يصلها وقد عزا انصراف الناس عن العلم وندرة حامليه إلى" الملك الذي قوض دعائمه وصدعت قوائمه ، وقال : إن من ادعاه فاته معناه ، ما لهم منه إلا أسماؤه وكناه ، لا يأمن بهم طريق ولا يستفيد بهم غريق ، ولا يذكر منهم أصيل في المجد عريق ، ولا تندى أكفهم بنائل ، ولا تصون عن الابتذال وجه فاضل ، ولا ينصف بهم مظلوم ، ولا يقرع بأسيافهم ظلوم" (٢).

وبهذا يصور حال البلاد الإسلامية السياسية التي مر بها أصدق تصوير.

كما أصاب في التحقيقات الجغرافية الدقيقة ، إضافة إلى وصفه المتقن للمدن فهو في هذه الناحية يضاهي أغلب الجغرافيين الذين اعتمدوا في مؤلفاتهم على النقل في حين أنه اعتمد على مشاهداته ، فوصفه للمناظر والمراحل التي مر عليها كان وصفا جميلا محكما عاكفا على تصحيح أخطاء شائعة وردت في مؤلفات سابقة ، بشيء من التوسع ، مع بيان الصحيح منها وإبداء رأيه بالاعتماد على المنطق المرتكز على الحجج العقلية والبراهين التاريخية. ويظهر لنا العبدري الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في محاربته للبدع المخالفة للقرآن الكريم والسنة المطهرة دلالة على فهمه الصحيح للدين.

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١ ـ ٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣ ـ ٤.

١١٩

أما أسلوبه المتبع في رحلته فهو الصدق والدقة والمناقشة المعتمدة على الحجة والمنطق والهجاء اللاذع.

وحفلت الرحلة بالكثير من الأبيات الشعرية سواء لأدباء وعلماء لقيهم أو ما كان يخصه. فالعبدري اهتم بعلم التاريخ وخاصة تراجم العلماء وكان صائبا في الحكم على بعض علماء عصره إصابة أثبت التاريخ صحتها في مدحه لهم وإعلاء شأنهم : مثل ابن خميس شاعر تلمسان ، والدباغ القيرواني صاحب كتاب معالم الإيمان وروضات الرضوان في مناقب المشهورين من صلحاء القيروان ، وابن دقيق العيد (١).

ومن جملة مميزات الرحلة أيضا اهتمامه بالتدقيق في الآثار القديمة والتصوير الدقيق للحالة الاجتماعية والدينية التي كانت عليها البلاد الإسلامية في ذلك الوقت" فهو يدرك بالنظرة الواحدة ما لا يدركه غيره بالتأمل الطويل" (٢).

إضافة إلى اعتنائه بالجانب الاقتصادي في المدن التي زارها. فقد كتب رحلته بلغة سليمة تنم عن إحاطته بمفرداتها ودقائق أمورها.

ومن خلال مناقشاته للمواضيع التي تناولها ظهر لنا العبدري العالم المتبحر المشارك في مختلف فنون العلم (٣). ومما يؤخذ عليه كثرة ذمه للناس وأخلاقهم. أما فيما عدا ذلك فالعبدري كان دقيق الحكم فيما يختص بالأوضاع الدينية والعلمية إلا ما ندر ، وهذا عائد الى قصر الفترة التي مكثها في المناطق التي أصدر عليها حكمه.

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٣ ، ٦٦ ـ ٦٧ ، ١٣٢ ، ١٣٨.

(٢) حسين مؤنس : الجغرافية والجغرافيون في الأندلس ، ص ٥٢٣.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، المقدمة ، ص غ.

١٢٠