الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

أما الأعمدة الموجودة في داخل الكعبة فأعلاها مغطى بقماش أخضر مزّين بالآيات القرآنية والجزء الظاهر من الأعمدة أشبه ما يكون بالخشب ولونه بلون خشب العود وهذا راجع إلى كثرة دهنه بالطيب.

وما زالت الكعبة إلى الآن تحتوي على سقفين وربما كانت الأعمدة الثلاثة موضوعة لدعم السقف الأول من جهة أرض الكعبة. ويعد أعلى السقف الأول مخزنا للكعبة الآن بعد أن كان فجوة بداخلها (١).

المقامات بالحرم المكي الشريف :

أشار ابن جبير إلى وجود أربعة مقامات بالمسجد الحرام : منها مقام للإمام المالكي ويقع أمام الركن اليماني وهو على شكل محراب مبني بالحجارة.

أما مقام الإمام الحنفي فيقع أمام الميزاب. بينما الإمام الحنبلي يصلي ما بين الحجر الأسود والركن اليماني إذ ليس له مقام كبقية الأئمة ؛ إذ أن حطيمه (٢) هدمه مرجان الخادم خادم الخليفة المقتفي تعصبا منه ضد المذهب الحنبلي فقد حكي عنه قوله : قصدي أن أقلع مذهب الحنابلة فلما حجّ أمر بهدمه ومنع إمامهم من الصلاة (٣) ونسب ابن جبير هذا المقام لرامشت.

أما الإمام الشافعي فمقامه خلف مقام إبراهيم ، وهو مقام عظيم البناء. وقد وصف ابن جبير هذه المقامات فقال : خشبتان موصول بينهما بأذرع تشبه السلم تقابلهما خشبتان على تلك الصفة قد عقدت هذه الخشب على عامودين صغيرين من الجص قليلة الارتفاع وفي أعلى

__________________

(١) حصلنا على جميع هذه المعلومات الخاصة بالحالة داخل الكعبة المشرفة الآن من ابنين من أبناء سادن الكعبة المشرفة السابق وهما الأستاذ عبد القادر طه الشيبي والأستاذ حسين طه الشيبي بواسطة الهاتف.

(٢) الحطيم الجدار. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ١٤٠.

(٣) ابن الجوزي : المنتظم ، ج ١٠ ، ص ٢١٣ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

٣٦١

الخشب خشبة عارضة مثبتة فيها علق بها خطافات حديد علقت بها قناديل من الزجاج وأحيانا يوصل بالخشبة المعترضة العليا شباك بطول الخشبة.

وأضاف أن الحطيم الحنفي محراب بين القائمتين الجصيتين المنعقدتين على الخشب (١).

المساجد الموجودة بمكة المكرمة :

اكتفى الرحالة المغاربة والأندلسيون بذكر عدد من المساجد حددوا مواضعها والإشارة إلى سبب نسبتها. بينما لم يقوموا بإمدادنا بمعلومات مفصّلة عن الوصف المعماري لهذه المساجد. ويبدو من إشارات الرحالة أن أغلب هذه المساجد ارتبطت بحوادث تاريخية معينة في صدر الإسلام ، أقيم المسجد بعد ذلك بفترة من الوقت للدلالة عليها وللتذكير بها.

مسجد فوق جبل أبي قبيس :

أشار إليه كلّ من ابن جبير وابن بطوطة والبلوي ولم يقوموا بوصفه ، وذكروا أن سطحه مشرف على مكة ؛ وزاد ابن جبير أن موضعه هو موضع موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند انشقاق القمر. وأضاف ابن بطوطة أن الملك الظاهر (٢) أراد عمارته (٣) ، وربما يكون هذا المسجد هو المعروف بمسجد بلال وأغلب الظن

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧٨ ـ ٧٩. انظر الرسم لموقع المقامات رقم ٦ ، ١٣.

(٢) الملك الظاهر بيبرس البندقداري العلائي بويع بالسلطنة وتلقب بالظاهر القصير وذلك يوم السبت خامس عشر ذي القعدة سنة ٦٥٨ ه‍ / ١٢٥٩ م توفي بدمشق في الثامن والعشرين من المحرم سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م وعمره نحو سبع وخمسين سنة ومدة حكمه سبع عشرة سنة وشهران وكان رحمه‌الله ملكا جليلا كريما مشهورا بالفروسية والإقدام له مآثر كثيرة منها تعميره للمسجد النبوي وله فتوحات كثيرة وقد قدم الحجاز لأداء فريضه الحج انظر ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ٢ ، ص ٦٦ ـ ٨٤.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٤ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٢.

٣٦٢

أن نسبته إليه غير صحيحة (١) ، وقد نسبه الأزرقي لرجل يسمى إبراهيم القبيسي (٢) ، مما يؤكد عدم نسبته لبلال.

مسجد الجن :

يقع على يمين المستقبل لمقبرة المعلاة في واد بين جبلين (٣). وقد أشار إليه الأزرقي بقوله «مسجد بأعلى مكة يقال له مسجد الجن لأنهم بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك الموضع» (٤) ، وحدد القرطبي الموقع الذي بايعت فيه الجن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه في الحجون (٥). ويبدو أن المسجد كان مهدما في زمن رحلة ابن بطوطة لإشارته إلى خرابه (٦).

مسجد على طريق التنعيم :

يبعد عن مكة المكرمة بنحو ميل بجانبه حجر على الطريق كالمصطبة فوقه حجر آخر مسند عليه فيه أثر نقش ويقال : إن موضع المسجد هو موضع جلوس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند عودته من العمرة مستريحا. فاتخذه الناس مزارا يفدون إليه ويتمسّحون به لذلك ، ونجد أن التجيبي أطلق عليه المتكأ (٧). وهو غير معروف الآن.

__________________

(١) البلادي : معالم مكة التاريخية والأثرية ، ص ١١. وقد أزيل هذا المسجد الآن ؛ انظر تفاصيل بنائه. سيد بكر : أشهر المساجد في الإسلام ، ص ١٢١ ـ ١٢٣.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣. انظر الرسم رقم ١٤ ـ ١٥.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٨ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٢ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٨.

(٤) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٥) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٩ ، ص ٤.

(٦) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٢. وهو الآن معروف بالقرب من مبنى البريد المركزي ومجاور لباب المقبرة ؛ انظر تفاصيل عمارته في سيد بكر : أشهر المساجد في الإسلام ، ص ١٠٢ ـ ١٠٤.

(٧) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٩ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٩.

٣٦٣

مسجد إبراهيم :

يقع قرب آبار الشبيكة بوادي طوى (١) ذكر الأزرقي أن زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد بنته لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بذي طوى معتمرا فبات فيه وصلّى الصبح وأضاف أن مصلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسفل منه (٢). والظاهر أن المسجد لم يشيد في مكان مصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل قريبا منه وهذا المسجد غير معروف الآن (٣) ولكن جدد مسجد بالقرب من بئر طوى فربما يكون هو.

مساجد التنعيم وهى :

عدة مساجد مبنيّة بالحجارة منها مسجد يقال له مسجد عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارج حدود الحرم ، كما يوجد مسجد أمام مسجد عائشة ينسب لعلي بن أبي طالب (٤). ولم يتعرّض الأزرقي لذكره وذكره الفاسي ولكنه لم يظهر حقيقه نسبته. أما ابن ظهيرة فقال «لم أقف على شيء من خبره» (٥) فهذه الأقوال إنما توضح لنا حقيقة مهمة وهي أن أغلب المساجد التي تنسب لأشخاص بعينهم شيدت عقب عهودهم بفترة طويلة ، أو لعل بناء هذه المساجد في الموقع الذي اعتمرت فيه السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها. ولعل تعدد هذه المساجد في هذا المكان هو اعتناء المقتدرين من أهل الخير من أبناء المسلمين بتتبع أثر الصحابة طمعا في الأجر والثواب من جراء بناء مثل هذه المساجد في الأماكن التي يرجّح نزولهم بها.

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٩.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٢٠٣.

(٣) البلادي : معالم مكة التاريخية والأثرية ، ص ٢٧٢.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٩٠ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ١٤٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٠.

(٥) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ؛ ابن ظهيرة : الجامع اللطيف ، ص ٢١٠.

٣٦٤

وهناك العديد من المساجد الأخرى منتشرة حول الأعلام ذكر ابن بطوطة إنها ثلاثة وجميعها تنسب لعائشة رضي‌الله‌عنها. ونجد أن ابن رشيد لم يذكر إلا مسجد عائشة (١).

ولم يعد لهذه المساجد في الوقت الحاضر أثر سوى مسجد عائشة رضي‌الله‌عنها والذي يطلق عليه مسجد التنعيم فهو باق إلى اليوم وقد بني بناية حديثة وجميلة. والأصل في وجود هذا المسجد كما أورده الأزرقي أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي‌الله‌عنهما أن يذهب مع السيدة عائشة لتعتمر من التنعيم (٢).

مسجد أقيم في الدار التي ولد بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

ذكر ابن جبير والبلوي أنهما لم يريا أعظم بناء منه. وأضاف التجيبي أنه شارع في الزقاق الذي يقال له زقاق المولد (٣). وذكره الفاسي وحدد مكانه بموضع في سوق الليل وأسهب في وصفه (٤). وهو غير موجود الآن.

مسجد منسوب لأبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه :

يقع في أسفل مكة فيما يعرف الآن بحي المسفلة وبجانبه تقع دار صغيرة اتّخذ بها محراب قيل إنها كانت مخبأ أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه (٥). غير أنه من الملاحظ أن مؤرخ مكة الأزرقي أغفل ذكره ، ولعل ذلك إشارة إلى احتمال عدم وجوده على عهده وإنما استحدث فيما بعد. بينما أشار إليه كلّ من الفاسي

__________________

(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٨٣ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٣.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٩٢ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٣٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١١.

(٤) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٣١.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ٩٣ ؛ وروي عن عائشة رضي‌الله‌عنها أن أبا بكر ابتنى مسجدا بفناء داره كان يصلي فيه ويقرأ القرآن بعد أن أصبح في جوار ابن الدغنة ، انظر البخاري : صحيح البخاري ، ج ٢ ، ص ٣٣١.

٣٦٥

وابن ظهيرة. ونجد أن إشارة الفاسي إليه اعتمدت على ابن جبير مما يؤكد أهمية كتب الرحالة كمصدر من مصادر تاريخ الحجاز حتى بالنسبة لمؤرخي مكة القدماء ، بينما ابن ظهيرة أشار إليه بقوله «مسجد بأسفل مكة منسوب لأبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه يقال إنه من داره» (١) وفي هذا دلالة على احتمال اعتماده على الطريقة الشفوية المتواترة مما يضعف الدليل على وجوده فضلا عن نسبته لأبي بكر الصديق ، وعلى كل حال فقد تعارف أهل مكة على وجود هذا المسجد بالموضع المشار إليه إلا أنه هدم لصالح مشروع توسعة الحرم الشريف.

مسجد منسوب لعلي بن أبي طالب :

وقد ذكره كلّ من ابن جبير والتجيبي والبلوي ويقع في دار بمقربة من جبل أبي قبيس وبه نقش مكتوب عليه «هذا المسجد هو مولد علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وفيه تربّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان دارا لأبي طالب عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكافله» (٢) وحدد الفاسي مكانه بالقرب من مكان مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعلاه مما يلي الجبل (٣). وربما يقصد جبل أبي قبيس فالبلوي أشار إلى أنه بسفح جبل أبي قبيس. وأكّد التجيبي ذلك بقوله إنه في شعب بني هاشم (٤) ، ويعرف الآن بشعب علي وقد أزيل أكثره بسبب مشاريع الأنفاق.

وعلى كل حال فالدار هذه مشهورة لدى أهل مكة على أنها مكان مولد علي بن أبي طالب ، ولكن الأزرقي أغفل ذكره مما يوضح أنه لم يشيد ولم يعرف في هذا الوضع إلا بعد عهد الأزرقي. وهذا المسجد قد هدم ضمن التوسعة التي تجرى حول الحرم الشريف.

__________________

(١) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، ابن ظهيرة : الجامع اللطيف ، ص ٢٠٦ ؛ انظر تفاصيل عمارته في سيد بكر : أشهر المساجد في الإسلام ، ص ١١٦ ـ ١١٧.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٤١.

(٣) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٣٤.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٣٦ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٢.

٣٦٦

مسجد بقرب باب المعلاة :

انفرد بذكره التجيبي ووصفه بأنه محاط بحجارة يبلغ ارتفاعها نحو شبر عمل في قبلته محراب للصلاة فيه (١). إلا أنه لم يشر إلى الشخص المنسوب إليه. وربما يكون هذا المسجد هو مسجد الشجرة وبحذائه مسجد الجن إذ ذكر الأزرقي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمسجد الجن فدعا شجرة كانت في موضع هذا المسجد وكلمها فأقبلت تخطّ بأصلها وعروقها الأرض حتى وقفت بين يديه فسألها عما يريد ثم أمرها فعادت حتى انتهت إلى موضعها الأول (٢)

وأورد ابن ظهيرة خبر هذا المسجد ضمن مساجد الدراسة في ذلك الوقت (٣).

مسجد دار الندوة :

وقد وصفه العبدري بأنه شارع في المسجد الحرام ومضاف إليه من جهة الحجر والميزاب ، وقد دخله فوجده مليئا بالأوساخ والقاذورات وبه الكثير من الصناع (٤) ، وأغفل ذكره باقي الرحالة.

المساجد بالمشاعر المقدسة :

مسجد البيعة أو العقبة :

يقع على يسار الذاهب لمنى (٥) ، ونقل التجيبي نقشا في المسجد مكتوبا

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٣٦.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٢٠١.

(٣) ابن ظهيرة : الجامع اللطيف ، ص ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، وهذا يفسر وجود المسجد بالقرب من مسجد الجن.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٤ ـ ١٧٦.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٦ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٨٦.

٣٦٧

على حجر «هنا كانت أول بيعة كانت في الإسلام» وأضاف إن علم جمرة العقبة ملصق به (١).

وهذا المسجد يفضي إلى جمرة العقبة وهي علم منصوب مماثل لأعلام الحرم (٢) ، وأضاف التجيبي قائلا : قيام زوجة هارون الرشيد بتبليط موقع جمرة العقبة (٣) ، ويلاحظ أن المسجد صغير المساحة فلم يحظ بمعلومات مفصّلة عن عمارته في حين تشابهت أقوال الرحالة في تحديد موقعه مع المؤرخين الدارسين لتاريخ مكة المكرمة (٤).

مسجد منحر الذبيح :

بني عليه مسجد وموقعه بالقرب من جبل ثبير بعد الجمرة الأولى بعيدا عن الطريق قليلا. وقد وصف موضع المنحر بأنه حجر لاصق بجدار المسجد وهذا الحجر فيه أثر قدم صغيرة يقال : إنها أثر قدم الذبيح عند ما تحرك فألانه الله تعالى بقدرته ، وسمى التجيبي هذا المسجد بمسجد الكبش. ولعل التسمية عائدة إلى ما نقله التجيبي من نزول الكبش الذي فدى الله به الذبيح. ويبدو أن موضع الحجر الموجود به الأثر قد تغيّر مكانه ، فقد ذكر التجيبي أنه حجر غامق اللون قائم في حائط صحن المسجد ، وأضاف أنه بجانب هذا الموضع رأى إبراهيم الخليل عليه‌السلام الرؤيا (٥).

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٨ والعلم هنا علامة توضع على حدود المشاعر المقدسة لمعرفة أماكنها.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٦ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٥.

(٣) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٨.

(٤) الحربي : المناسك ، ص ٥٠٣ ، حاشية رقم ٢ ؛ المحب الطبري : القرى لقاصد أم القرى ، ص ٥٤٣ ؛ القطبي : إعلام العلماء ، ص ١٥٥ ؛ ولزيد من التفاصيل عن مكانة وبداية بنائه وكيفيته ، انظر ناصر البركاتي ومحمد نيسان : دراسة تاريخية لمساجد المشاعر ، ص ٢٢٦ ـ ٢٤٦ ، انظر الرسم رقم ١٠.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٦ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٨ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦.

٣٦٨

والواقع إننا لا نؤيّد ذلك نظرا للفارق الزمني بين وقت الذبح وبناء المسجد.

فالمسجد بنته لبابة بنت علي بن عباس (١) ، وقد أغفل الرحالة وصف المسجد واتفق الفاسي مع الرحالة في ذكر موقعه ثم قيامه بوصفه وإشارته إلى الأثر وبيان خرابه (٢) وقد اتفق الحربي والقطبي في تحديدهما لموقع المسجد (٣).

مسجد الخيف :

حدد ابن جبير والبلوي موقعه في آخر منى ثم تليه آثار قديمة ممتدة لمسافة طويلة (٤) ، وقد نال المسجد عناية الرحالة من حيث وصفه فقال ابن جبير باتساعه ووقوع المئذنة في وسط الصحن ، كما له أربع بلاطات مسقوفة في قبلته (٥) ، وأشار ابن رشيد إلى قربه من مكة ، ويبدو أن المسجد قد أصابه التلف فابن رشيد أكّد على كبر مساحته وعدم وجود أبواب له وأشار إلى أن الباقي من سقفه جزء يسير في آخر القبلة إلى جانب وجود الأحجار بالقرب من وسطه ذكر أنها علامة على مكان مصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويظهر أن الناس تركت الصلاة فيه فيقول «أقمنا به سنة بعد العهد بإقامتها» (٦).

وأكّد العبدري على تردّي حالة المسجد بأكثر مما ذكر ابن رشيد حيث أصبح مطرحا للأقذار وبقايا الجزارة التي نتج عنها روائح كريهة به. وكان الناس يوقدون فيه النار فأسوّد جداره وصار كالمطبخة على حدّ قوله (٧).

__________________

(١) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ١٧٥.

(٢) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٢٣.

(٣) الحربي : المناسك ، ص ٥٠٣ ؛ القطبي : إعلام العلماء ، ص ١٥٣.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٧ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٧.

(٦) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٠٥ ، ١٢٦.

(٧) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٧.

٣٦٩

ولكن يبدو أن الأيدي امتدت إليه بالتعمير والتجديد بعد ذلك ، ففي موقعه يقول التجيبي : على يمين الذاهب إلى المزدلفة مستطيل الشكل طوله مائتان وخمس وسبعون ذراعا واشتملت قبلته على وجود أربع بلاطات مسقوفة بالإضافة إلى وجود سقائف أخرى في جوانبه الباقية محمولة على أقواس من الآجر ، كما احتوى على العديد من الأبواب.

أما موضع مصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمام المنارة في وسط الصحن (١) ونلاحظ أن وصف التجيبي لمسجد الخيف مشابه تماما لما ذكره صاحب الاستبصار عن المسجد نفسه مما يشير إلى نقله عنه في بعض المعلومات (٢) ، كما وأن وصف صاحب الاستبصار يقارب من وصف ابن جبير لاقتراب الفترة الزمنية بينهما.

بينما نجد أن البلوي من حيث وصفه للمسجد مطابق لوصف ابن جبير إشارة إلى نقله عنه في تحديد موقعه وصفته لذا لم يأت بجديد فيه (٣).

أما الأزرقي فلم يشر إلى وجود أربع بلاطات في قبلته وإنما أشار إلى وجود السقائف في جهاته الأربع وأفاض في وصفه الشيء الكثير (٤). ويبدو أن نمط بنائه قد طرأ عليه التغيير عند قدوم ابن جبير عما كان عليه في زمن الأزرقي.

أما مكان مصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالأزرقي والطبري والفاسي ذكروا قربه من مواجهة المنارة ووضعت الأحجار للدلالة على موضع المصلّى ، وقد أفاض الفاسي في وصف المسجد (٥).

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٣.

(٢) مؤلف مجهول : الاستبصار ، ص ٣٣.

(٣) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦.

(٤) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ١٧٤ ، ١٨١ ، ١٨٥.

(٥) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ١٧٤ ؛ المحب الطبري : القرى لقاصد أم القرى ، ص ٥٣٩ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٢٥ ـ ٤٢٩.

٣٧٠

ومما ذكره الفاسي حول عمارة مسجد الخيف قوله بعدم توفر المعلومات الوافية عن المسجد عقب فترة الأزرقي إما لفقدها وإما لعدم التدوين مع التأكيد على قيام الوزير الجواد بعمارته وأن أم الخليفة الناصر لدين الله العباسي قد أسهمت في عمارته أيضا حيث وجد اسمها مكتوبا على بابه الكبير ، كما أسهم في عمارته المظفر الرسولي ملك اليمن سنة ٦٧٤ ه‍ / ١٢٧٥ م (١).

وبيّن الفاسي مدى اهتمام الوزير الجواد بعمارته مما أدى إلى حسن حالته زمن رحلة ابن جبير والسؤال المتبادر إلى الذهن عن عمارة المظفر له في السنة المذكورة إذ نلاحظ أنها معلومة غير مؤكدة ولو كان كذلك لظهر في وصف ابن رشيد والعبدري والأرجح أنها تمت عقب سنة ٦٨٨ ه‍ / ١٢٨٩ م وقبل وفاة المظفر الذي توفي سنة ٦٩٤ ه‍ / ١٢٩٤ م (٢).

ونخلص مما سبق إلى أن المسجد قد أصابه التلف والحراب في عهد ابن رشيد والعبدري بينما نجده في حالة جيدة في زمن رحلة التجيبي. وقد سبقت الإشارة إلى توافق وصف التجيبي وصاحب الاستبصار وهناك احتمال بإعادة المظفر لبنائه وفق حالته زمن صاحب الاستبصار وأن التجيبي اعتمد عليه في معلوماته عن المسجد. وكان هذا حال المسجد إلى وقت قريب وقد تغير الآن بسبب التوسعة الجديدة وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة وهي أن معظم المباني المعمارية بقيت على حالها زمن إنشائها لم تتغير من حيث المساحة وطراز البناء إلا حديثا وما كان يقوم به الأمراء والملوك المسلمون من تعمير بها إنما كان ترميما وتجديدا فقط.

__________________

(١) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٢٨ ؛ ولمزيد من التفصيلات حول مسجد الخيف انظر ناصر البركاتي ومحمد نيسان. دراسة تاريخية لمساجد المشاعر المقدسة ، ص ٥٤ ـ ١٩٩.

(٢) الخزرجي : العقود اللؤلؤية ، ج ١ ، ص ٢٣٢. انظر الرسم رقم ١٧.

٣٧١

غار المرسلات :

يقع قرب مسجد الخيف على يمين الذاهب إلى عرفات ذكر ابن جبير وجود حجر كبير مرتفع عن الأرض يظل أسفله قيل إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلس ناحيته للاحتماء من الشمس فمّس رأسه الحجر فأصابته ليونه تاركة فيه أثرا يشبه الرأس (١). في حين أشار التجيبي إلى أن الأثر المذكور في غار بجبل قرب مسجد الخيف يعرف بغار المرسلات بسبب نزول سورة المرسلات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به وقد عاين الأثر بالغار. وقيل إن ذلك الأثر من أثر عمامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عقب جلوسه تحته (٢) ، وأشار المحب الطبري إلى الغار ولم يعلّق عليه وحدد موقعه خلف مسجد الخيف ناحية الجبل (٣) ، ويبدو أن هذا المكان أصبح مسجدا بعد ذلك ؛ إذ يشير الفاسي إلى وجود مسجد المرسلات يمين مسجد الخيف ولكن مع عدم الإشارة إلى الأثر ، في حين نقل خبر الأثر من ابن جبير (٤) وورد ذكره أيضا لدى القطبي الذي أوضح خبر الأثر وأكّد على عدم توفّر المعلومات الدقيقة لديه عن ذلك مع تحديده لنفس موقع الغار (٥).

مسجد المزدلفة :

يقع بوسط المزدلفة وعليه قبة وتظهر أنواره ليلا من بعد ، ويبدو أن المسجد مرتفع عن الأرض فابن جبير أشار إلى صعود الحجيج إليه من جهتين بهما درج (٦) وقد أغفل ابن رشيد ذكر هذا المسجد في رحلته.

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٥ ، ٣٤٧.

(٣) المحب الطبري : القرى لقاصد أم القرى ، ص ٥٣٩ ـ ٥٤٠.

(٤) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٢٥ ؛ مما يعني اعتماد مؤرخي مكة على ما جاء في كتب الرحلات عند كتابتهم لتاريخ مكة مما يبرز أهمية كتب الرحلات كمصدر مهم من مصادر تاريخ الحجاز في تلك الفترة.

(٥) القطبي : أعلام العلماء ، ص ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٦) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٥٠ ـ ١٥١ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦٩ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦.

٣٧٢

مسجد بأعلى جبل الرحمة :

في أعلى جبل الرحمة قبة تنسب لأم سلمة رضي‌الله‌عنها ولا يعرف مدى صحة ذلك وقد جعل جزء من القبة مسجدا اشتملت قبلته على عدة محاريب يصلي الناس فيها وباقي القبة عبارة عن سطح يشرف على عرفات. وقد ذكر الفاسي هذه الدار نقلا عن ابن جبير ويبدو أن نسبتها إلى أم سلمة وهم لا شك فيه ، فمؤرخو مكة قد أغفلوا ذكرها عند ما وصفوا جبل الرحمة ولم يذكروا أن عليه مسجدا أو قبة وأغلب الظن أن الذي بنى هذا المسجد الحسين بن سلامة في أواخر القرن الثالث الهجري وقد حرف الاسم إلى أن أصبح أم سلمة (١).

مسجد بالقرب من جبل الرحمة :

وصف بالصغر ويقع على يسار مستقبل القبلة بالقرب من جبل الرحمة.

مسجد إبراهيم عليه‌السلام :

يقع بمقربة من العلمين حدّ عرفة عن يسار المستقبل للقبلة مسجدان الأول صغير والثاني قديم وكبير لم يبق من بنائه إلا جدار قبلته وينسب هذا المسجد إلى إبراهيم عليه‌السلام وفيه يخطب الخطيب يوم الوقفة ويصلي جامعا بين الظهر والعصر (٢).

والملاحظ تغير حال مسجد إبراهيم عليه‌السلام زمن رحلة ابن رشيد فالمسجد كما يبدو يقع آخر عرفات من جهة مكة المكرمة ، وقيل إن حائط قبلته مقام على بطن عرنة ولو وقع لا يقع إلا فيه وقيل أيضا إن مقدمة المسجد تقع في عرنة ومؤخرته بعرفة أي أن قسما منه بعرفة وجزءا ليس بعرفة. وأضاف ابن رشيد أنه ربما زيد فيه لهذا القول ، وقد تسلّق ابن رشيد جداره حيث إنه

__________________

(١) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٨٨ ؛ أحمد عمر الزيلعي : مكة وعلاقاتها الخارجية ، ص ١٣٣.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٥٠ ـ ١٥٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦٩ ـ ١٧٠ ؛ البلوي : تاج المفرق ج ١ ، ص ٣١٦ ـ ٣١٧. انظر الرسم رقم ١٨.

٣٧٣

بدون سقف وشاهد جميع أرجائه إلى جانب حجارة كبيرة وضعت إلى جانب المسجد تقرب من حائط القبلة كعلامة دخول هذا الجزء من المسجد في عرفة لما اشتهر من أن جزءا من المسجد يقع خارج حدود عرفة وقدر المسافة بين المسجد وموقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحو ميل.

ونستخلص مما ذكره ابن رشيد أن مسجد إبراهيم عليه‌السلام قد أصبح خربا ولا تقام الصلاة فيه بدليل عدم استطاعته الدخول إليه خوفا من السلب والقتل ، فقام بتسلق حائطه أثناء مرور جيش أبي نمي إضافة إلى أسفه على ترك سنة الجمع في وقتها وموضعها وأصبح الإمام يقيم الصلاة بغير معرفة بالسنة فهو لا يصلي مكان مصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل يتقدم عليه إضافة إلى تأخيره الظهر إلى قرب العصر فينتظره كثير من الجهلة ويصلي أهل العلم فرادى أو مجتمعين في رحالهم (١).

أما العبدري فوصف المسجد بأنه مستطيل الشكل من الشرق إلى الغرب ويعرف بمسجد إبراهيم ويقع أول عرفة مع قلة معرفة الحجاج لمكانه لبعده عن موقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمقدر بنحو ميل واتفق العبدري مع ابن رشيد في موقع حائطه القبلي على حد عرنة (٢).

ومما سبق يتضح أنه بالرغم من قدم وتهّدم مسجد إبراهيم زمن رحلة ابن جبير إلا أن الصلاة تقام فيه. وما ذكره ابن جبير موافق تماما لما أورده ابن بطوطة والبلوي ؛ ولعل ذلك عائد إلى نقلهما عن ابن جبير إذ أنه من غير المعقول ثبات أحواله مدة تزيد على قرن ونصف من الزمان ، إضافة إلى الاختلاف الذي أورده ابن رشيد والعبدري والذي وضح منه اختلال عمارة المسجد ، إضافة إلى ابتعاد الناس عن اتباع السنة.

__________________

(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٨٧ ، ٨٩ ، ٩٢ ، ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٤ ـ ١٨٥.

٣٧٤

المدينة المنورة :

المسجد النبوي :

أرّخ ابن جبير لحالة المسجد النبوي قبل حريقه سنة ٦٥٤ ه‍ / ١٢٥٦ م ، لذا يعد وصفه مهما في تلك الفترة ، وقد وصفه : بأنه مسجد مستطيل الشكل يحيط به من جوانبه الأربعة بلاطات. أما وسطه فصحن مفروش بالرمل والحصى ، وفي الجهة الشمالية منه قبة حديثة تعرف بقبة الزيت تستخدم كمخزن لاحتياجات المسجد وبجانبها خمس عشرة نخلة.

وفي جهة القبلة خمس بلاطات مستطيلة من الغرب إلى الشرق ، والجهة الشمالية بها خمس بلاطات والجهة الشرقية بها ثلاث بلاطات والجهة الغربية بها أربع بلاطات (١).

وتقع الروضة (٢) في آخر جهة القبلة ناحية الشرق بنيت حولها خمسة جدران بخمسة أركان منها أربعة جدر محرفة عن القبلة بحيث يستحيل استقبالها في الصلاة وذكر أن بناءها بهذه الطريقة من عمل عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي عند ما كان واليا على المدينة بأمر (٣) من الخليفة الوليد ابن عبد الملك مخافة أن تتخذ مصلى. أما أطوال جهاتها فقد حدد ابن جبير منها الجهة القبلية بأربعة وعشرين شبرا والجهة الشرقية بثلاثين شبرا وما بين الركن الشرقي إلى الركن الشمالي مسافة خمسة وثلاثين شبرا ، ومن الركن الشمالي إلى الركن الغربي مسافة تسعة وثلاثين شبرا ومن الركن الغربي إلى الركن القبلي مسافة أربعة وعشرين شبرا ، وفي هذه

__________________

(١) انظر الرسم رقم ١٩.

(٢) يطلق على مكان قبر الرسول صلى لفظ روضة. انظر السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٥٦٩ ؛ وورد على لسان النبي صلى قوله (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) انظر البخاري : صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٣) ذكر السمهودي أنه لا يعلم متى بدأ أمره. انظر السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٥٧٤.

٣٧٥

الجهة صندوق أبنوس (١) مختوم بالصندل ومطعّم بالفضة موضوع قبالة رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طوله خمسة أشبار وعرضه ثلاثة أشبار وارتفاعه أربعة أشبار.

وفي الجهة الواقعة بين الركنين الشمالي والغربي موضع عليه ستر يقال : إنه كان مهبط جبريل عليه‌السلام. وأضاف ابن جبير أن مجموع مسافات الروضة من جميع جهاتها مئتان واثنان وسبعون شبرا (٢).

وقد زينت الروضة بالرخام الجميل المنظر بارتفاع الثلث أو أقل قليلا أما الثلث الثاني فمنه مقدار شبر قد علاه المسك والطيب المتراكم على طول الأزمنة ويليه شبابيك من الخشب متصلة بسقف المسجد حيث أن الروضة لا سقف لها ولكنها متصلة بسقف المسجد ، ومن سقف المسجد إلى بداية الرخام الموجود بالروضة تنتهي الستائر الموضوعة عليها وهي لا زوردية اللون جميلة النقش محاكة على هيئة مثمنات ومربعات.

كما يوجد في الجهة القبلية أمام وجهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسمار من الفضة (٣) يقف الناس أمامه.

وحدد ابن جبير رأس أبي بكر بأنه عند قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأس عمر بعد كتفي أبي بكر (٤).

وأمام هذه الجهة نحو عشرين قنديلا من الفضة المعلقة اثنان منها من الذهب ، وفي شمال الروضة حوض صغير من الرخام في قبلته شكل محراب قيل إنه كان بيت فاطمة الزهراء وقيل هو قبرها (٥) ، وطوله أربع عشرة خطوة

__________________

(٣) تعددت الروايات في كيفية ترتيب القبور الثلاثة. انظر ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٣٥ ـ ١٣٨.

(١) انظر الرسم رقم ٢٠.

(٢) لا يعرف ابتداء امره. انظر السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٥٧٦.

(٣) تعددت الروايات في كيفية ترتيب القبور الثلاثة. انظر ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٣٥ ـ ١٣٨.

(٤) انظر فيما سبق ، ص ٢٢١ وما يأتي ص ٤٢٧.

٣٧٦

وعرضه ست خطى وارتفاعه شبر ونصف وبينه وبين الروضة الواقعة بين القبر الكريم والمنبر ثماني خطوات.

ويقع المنبر على يمين الروضة بينهما اثنان وأربعون خطوة ومن جهة القبلة عمود يقال إن به بقية الجذع الذي حنّ للنبي صلى وشاهد ابن جبير قطعة منه في وسط العمود ظاهرة (١) ، يقوم الناس بتقبيلها والتبرك بلمسها ومسح خدودهم بها (٢).

المنبر :

ارتفاعة قدر قامة أو أكثر وسعته خمسة أشبار وطوله خمس خطوات وعدد درجاته ثماني وله باب على شكل الشباك مقفل يفتح يوم الجمعة وطوله أربعة أشبار ونصف. والمنبر مغطى بخشب الأبنوس ومكان جلوس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظاهر في أعلاه ولكنه غطي بلوح من الأنبوس صيانة له من الجلوس عليه (٣) ، واعتاد الناس إدخال أيديهم إليه للتبرك به.

ويوجد في رأس قائم المنبر الأيمن حلقة من فضة مجوفة مكان وضع الخطيب يده وقت الخطبة قيل إنها لعبة الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما حين خطبة جدهما صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

__________________

(١) انظر فيما سبق ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٩ ـ ١٧٠ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١١٤ وهذه من الأمور التي لا يجوز فعلها وكانت منتشرة في تلك الفترة بشكل بدت وكأنها من القربات إلى الله.

(٣) وجدت اختلافات في وصف منبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يؤكد امتداد الأيدى إليه بالتعمير والتجديد. انظر السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٢٩٩ ـ ٣٠٧.

(٤) وهذا أمر غير صحيح وإنما كان من جملة ما انتشر بين الناس في ذلك الوقت. انظر : ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٠.

٣٧٧

أما طول المسجد النبوي فمائة وست وتسعون خطوة ، وعرضه مائة وست وعشرون خطوة ، وفيه من السواري مئتان وتسعون سارية. وهي أعمدة متصلة بسقف المسجد دون أقواس فكأنها دعائم له. وهي من حجر منحوت قطع بشكل مستدير مركبة بعضها فوق بعض وصب بين كل قطعة وأخرى الرصاص المذاب فأصبحت عامودا قائما مغطى بالجيار (١) اللين التي اتقنت دلكا وصقلا حتى بدت كأنها رخام أبيض (٢) أما البلاط المتصل بالقبلة ففيه المقصورة والمحراب ويقيم الإمام الصلاة في الروضة الصغيرة إلى جانب الصندوق وبينها وبين الروضة والقبر محمل كبير مدهون عليه مصحف كبير في غشاء مقفل يقال إنه أحد المصاحف الأربعة التي بعث بها عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه إلى البلدان. ويبدو أن هذا المصحف ليس أحد المصاحف التي أرسلها عثمان ابن عفان إلى الامصار وإنما هو مصحف بعث به الحجاج بن يوسف إلى المدينة ضمن المصاحف التي بعث بها إلى أمهات الأمصار (٣) وبجانب هذه المقصورة من جهة الشرق خزانتان كبيرتان تحتويان على الكتب والمصاحف الموقوفة على المسجد ، كما يوجد أمام الروضة شباك من الحديد مفتوح على الروضة وفي البلاط الثاني من جهة الشرق توجد فتحة مغطاة تؤدي إلى سرداب ينفذ إليها بواسطة درج تحت الأرض تفضي إلى خارج المسجد هي موضع الخوخة المفضية لدار أبي بكر التي أمر النبي صلى بإبقائها (٤).

ويوجد أمام الروضة صندوق كبير لوضع الشمع المستخدم للإنارة أمام الروضة كل ليلة ، وفي أعلى المحراب الموجود في جدار القبلة بداخل المقصورة

__________________

(١) الجيار : النورة. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٥٧.

(٢) إن وصف ابن جبير لحالة المسجد النبوي المعمارية يوضح لنا مدى مهارة البنائين وإتقانهم لعملهم في ذلك الوقت.

(٣) انظر ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٠٦ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٦٧٠.

(٤) انظر فيما سبق ، ص ٢٢١.

٣٧٨

حجر مربع أصفر سعته شبر في شبر ذو بريق قيل : إنه مرآة كسرى وفي أعلاه داخل المحراب مسمار مثبت في الجدار به شبه علبة صغيرة غير معروفة قيل : إنها كأس كسرى (١).

وغطي جدار القبلة السفلي برخام مجزع متعدد الألوان والنصف الأعلى منه مغطى بالفسيفساء اتخذت هيئة أشجار مختلفة الأشكال ذات أغصان مائلة محملة بالثمار وشمل ذلك جميع المسجد في حين حظي جدار القبلة والجدار المواجه للصحن من جهة القبلة والجهة الشمالية بالنصيب الأكبر. أما الجهتان الغربية والشرقية فهما بيضاوان مزينتان بأنواع كثيرة من الأصباغ.

وفي الجهة الشرقية من المسجد بيت مصنوع من أعواد خاص ببعض السدنة القائمين على حراسة المسجد وقد جعل مكانا لنومهم.

أبواب المسجد النبوي :

وللمسجد تسعة عشر بابا لم يبق منها مفتوحا سوى أربعة (٢) ، في الغرب اثنان يعرف أحدهما بباب الرحمة والآخر بباب الخشية ، وفي الشرق اثنان يسمى أحدهما باب جبريل والثاني باب الرجاء (٣) ، ويقابل باب جبريل دار عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه التي استشهد فيها ، كما يوجد باب صغير واحد من جهة القبلة مغلق وفي الجهة الشمالية أربعة أبواب مغلقة وفي الغرب خمسة

__________________

(١) انظر فيما سبق ، ص ٢٢١.

(٢) ربما سدت هذه الأبواب عقب المحاولات الرامية للتعدي على قبر الرسول ص والتي كانت إحداها زمن نور الدين زنكي والأخرى زمن صلاح الدين الأيوبي والأرجح أن تكون سدّت عقب المحاولة الأولى ، انظر أبو شامة : الروضتين ، ج ٢ ، ص ٣٥ ـ ٣٧ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٦٤٨ ـ ٦٥٤.

(٣) ربما وقع تصحيف في اسم هذا الباب فالأرجح أن يكون باب النساء وليس الرجاء خاصة وأن العبدري يذكره بباب النساء وجميع ما ذكره ابن جبير عن هذه الأبواب يوافق تماما ما ذكره السمهودي واختلف في بعضها وذكرها بأسمائها القديمة ابن النجار. انظر ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٠٩ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٤ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٦٨٦ ـ ٧٠٦.

٣٧٩

أخرى مغلقة وفي الشرق خمسة مغلقة أيضا (١) ، فكمل عددها بالأربعة المفتوحة تسعة عشر بابا (٢).

مآذن المسجد النبوي :

للمسجد النبوي ثلاث مآذن إحداها في الركن الشرقي المتصل بالقبلة والاثنتان الباقيتان في الجهة الشمالية وهما صغيرتان على هيئة برجين (٣).

كان هذا حال المسجد النبوي المعماري قبل الحريق. ويأتي وصف المسجد النبوي عقب التعمير والتجديد القائم بعد الحريق مباشرة فيمدنا العبدري بوصف للحال التي أصبح المسجد النبوي عليها بعد إجراء التجديدات والترميمات ويتبين لنا من خلال وصفه مدى التغييرات التي حدثت للمسجد وسد ما كان مغلقا من الأبواب وقت رحلة ابن جبير.

وما ذكره العبدري لا يختلف في هيئته العامة عن وصف ابن جبير وإن اختلف معه في بعض الأمور : منها ارتفاع سقف المسجد والذي صبغ باللون الأبيض وصحن المسجد محاط بسقائف جميلة المنظر كما حلّ الرمل الأحمر بدلا من الحصى والذي كان مفروشا بصحن المسجد على عهد ابن جبير ، وحلول الفضة بدلا من الجيار على الأساطين العالية الممسكة بسقف المسجد ، واستبدلت القبة الموجودة في صحن المسجد والخاصة بتخزين أدوات المسجد

__________________

(١) سدت الأبواب جميعها ما عدا الأربعة الرئيسية في عهد العبدري. انظر العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٣) اختلفت الحال بعد الحريق والأرجح أنها بنيت مرة أخرى لتماثل المئذنة الأولى. انظر ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٣ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢١٧ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

٣٨٠