الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

الطريق الأول :

عدد العبدري منازل الحجيج منزلا منزلا ومسافاته على هذا الطريق فبدأ بمكان سماه المنهلة (١) :

المنهلة :

على نصف يوم من عقبة أيلة (٢) تقع على ساحل البحر وبوابة وادي القر (٣) مياهها أحساء (٤) تميزت بعذوبتها وغزارتها (٥) ، وقد ذكرها الورثيلاني ولكنه لم يسمها وحدد المسافة بينها وبين العقبة باثنتي عشرة ساعة ووصفها بأنها واد على شاطىء البحر وبجانبه مغائر عذبة المياه وآبار يتزود منها الناس بالماء (٦).

وادي القر :

آخذ بالاستطاله نادر المياه متصل بمغارة شعيب (٧). تميز بشدة برده ، وبه قبر رجل من العرب امتهن قطع الطريق على الحجاج لا يكاد يسلم منه أحد

__________________

(١) أغلب الظن أنها حقل الآن فقد ذكر القثامي أن حقل تبعد عن العقبة ٢٧ كم وتقع على الساحل وهو ما ينطبق على ما ذكره العبدري. انظر القثامي : معجم المواضع والقبائل والحكومات ، ج ٢ ، ص ٥٧ ـ ٥٩.

(٢) (ايلة) مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام هى آخر الحجاز وأول الشام وهى مدينة صغيرة بها زرع قليل. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٢٩٢. (وهى الآن ميتاء بحرى واسمها إيلات).

(٣) (وادى القرى) وليس القر وتدعى العلا الآن وهى أودية وليست واديا واحدا. انظر الحربي : المناسك وطرق وأماكن الحج ، ص ٤١٣ وربما يكون العبدري قد اطلق هذا الاسم عليه نسبة إلى برودته الشديدة. وهذا يقودنا إلى القول أن الرحالة ربما يقومون باطلاق أسماء على بعض الأماكن نسبة إلى ما أحسوه أو شاهدوه بها.

(٤) (الاحساء) نبث التراب لخروج الماء. هي المياه المتجمعة بعد هطول الأمطار تحت طبقات الرمل واحتباسها على طبقة الحجر الصلد ويمنع الرمل جفاف الماء ويحفر في هذه الأماكن لإستخراجه. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ١٧٧.

(٥) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٠.

(٦) الورثيلاني : الرحلة الورثيلانية ، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٧) (مغارة شعيب) وهو ما يعرف اليوم بالبدع وهو من أشد المناطق برودة حتى يقال أن الثلج يشاهد على قمم الجبال لارتفاعها ؛ شديد الهواء. انظر القثامي : معجم المواضع ، ج ٢ ، ص ٢١ ؛ حمد الجاسر : في شمال غرب الجزيرة ، ص ٤٥٣. وهو موافق لما ذكره العبدري.

٣٢١

لترصده إياهم ، واستمر على طريقته إلى أن مرض مرضه الذي توفي به. وفي أثناء مرضه وصل إلى مسامعه مجيء بعض الحجاج فاستدعى أولاده الذين ظنوا أنه سيأمرهم بعدم التعرض للحجاج والسماح لهم بالمرور وإكرامهم ، فأشار إليهم بالنفي فما زالوا يماطلونه ويذكرونه بما حل به حتى ضجر منهم ورفع يده بإشارة إليهم أن سفوهم سفا فسمي الرجل بالسفاف وقبره بقبر السفاف. ولما توفي رجم قبره من ذلك الحين إلى وقت قدوم العبدري حيث شاهد كوما عظيما من الحجارة عليه (١).

وأوضح الورثيلاني أن هذا الموضع يسمى أم العظام أو شرفات بني عطية أو عش الغراب وجاء على ذكر السفاف ونسب حكايته للعبدري ولكنه سماه بقبر الشفاف (٢) ، ويعرف هذا المكان اليوم بلفظ قبور شفاف (٣).

مغارة شعيب :

حدد العبدري المسافة بينها وبين المنهلة بيومين وبعض يوم. وصفها بالكبر والارتفاع. متسع مدخلها مع ارتفاع بسيط مضيء داخلها بسبب اتساعها واتساع مدخلها. تكونت هذه المغارة من الحجر الصلد وتميزت بغزارة الماء بها الذي يظهر من بابها ولكنه ماء راكد متميز بعذوبته ينبع من أصل المغارة وقدر العبدري المسافة بين باب المغارة وقعرها بستين أو سبعين ذراعا وأضاف أنها آخر وادي القرى. كما ذكر أن الماء بها يشوبه عفن بسبب الماء المتبقي من أحواض السقي والذي يعود إلى المغارة مرة أخرى (٤).

وقد وصفها ابن رشيد الذى سلك هذا الطريق ومر بمغارة شعيب قبل العبدري بأربع سنوات واتفق في وصفه لها مع العبدري وزاد عليه بإشارته لوجود درج بها وتشبيهه لها بالصهاريج (٥).

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٠.

(٢) الورثيلاني : الرحلة الورثيلانية ، ص ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٣) حمد الجاسر : في شمال غرب الجزيرة ، ص ١٨٥.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٠ ؛ وهذه المغارة قريبة من عينونا ووادي القرى ويطلق عليه اليوم العلا. انظر حمد الجاسر : في شمال غرب الجزيرة ، ص ٦٠٣ ؛ محمد عبد الحميد مرداد : مدائن صالح تلك الأعجوبة ، ص ٦١.

(٥) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٧٧ ـ ٢٨٠.

٣٢٢

عيون القصب (١) :

حدد العبدري المسافة بينها وبين مغارة شعيب بيومين. وأشار إلى وجود الماء العذب الجاري فيها رغم قلته وهو ينبع من شعب بين جبلين يقع على يسار الذاهب إلى الشرق تميزت مياهه بسهولة استخراجه دون مشقة (٢). وقد مر ابن رشيد بها أيضا وأشار إلى طيب مياهها ووجود نبات القصب بها (٣) ، وربما أخذت اسمها مما ينبت بها من قصب.

الكفافة (٤) :

وحدد العبدري المسافة بينها وبين عيون القصب بيومين وبعض يوم.

وأشار أن الكفافة اسم جبل على يسار الطريق برز منه نتوءات شبهها بالأضراس لقربها من بعضها ، وذكر أن أسفل الجبل مياه متجمعة أسفل الرمال يحفرون لاستخراجها. ويسمى هذا الموضع وادي سلمي. ووصف الماء المستخرج بعذوبته وغزارته وصفائه حتى أنه قطع بعدم وجود ما يماثله عذوبة في الطريق ويقال : إن الكفافة منتصف الطريق من مصر إلى مكة (٥).

أما ابن رشيد فقد سمى الموضع سلمى ولم يتحدث عنه (٦) ، ويجدر التنبيه إلى أن هذا الموضع غير جبل سلمى الموجود في بلاد طيء فهذا واد من منازل الحجاج القادمين من مصر وذلك جبل وربما يعود امتزاج التسميتين إلى أن الكفافة مورد لتزويد أهل الركب وسلمي داخل الوادي بها آبار عذبة

__________________

(١) (عيون القصب) يطلق عليها الآن اسم عينونا بالقرب من مغاير شعيب [البدع الآن] فيها عين ونخل على مرحلتين من البدع كان في السابق ينبت بها القصب الفارسى وغيره ويرتفع فيها الماء حتى يتجاوز قامة الرجل. انظر الحربي : المناسك ، هامش ص ٦٥١ ؛ الجزيرى : الدرر الفرائد ، ج ٢ ، ص ١٣٧٠ ، البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٦ ، ص ٢٠٩.

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦١.

(٣) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٧٩.

(٤) جبل على يسار الطريق يقصد بعد المويلح إلى المدينة يقال أنها منتصف الطريق من مصر إلى مكة. انظر البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٧ ، ص ٢٢٢.

(٥) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦١.

(٦) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٧٩.

٣٢٣

وهى أبعد من الكفافة بنصف مرحلة تقريبا (١) ، ولعل الركب ينزل بها سنة هنا وسنة هناك بحسب وفرة المياه في أحد المكانين.

الوجه :

تبعد عن الكفافة مدة ثلاثة أيام ؛ يوجد ماؤها أسفل جبل هناك. وامتاز بعذوبته وعدم غزارته. وعلى جهة اليسار من طريق الحجاج يوجد موضع ماء كثير يعرف بالشعبين ويوجد قبل الوجه وتميز أيضا بوجوده تحت الرمال.

صعب الاستخراج وربما جف في بعض الأوقات.

اكرا (٢) :

بعد الوجه بمدة ثلاثة أيام وصفها العبدري بأنها واد كبير وماؤها أحساء ولكنه غزير وعذب لا ينال إلا بعد الحفر في الرمال قدر قامة (٣) ، وقد أبدى ابن عبد السلام استغرابه من مدح العبدري لماء أكرا وقال ربما يكون نزل بها بعد هطول المطر (٤).

وأضاف العبدري أن على يمين ماء أكرا من جهة البحر على مسافة ليست بالكبيرة أحساء غزير في واد يسمى اليعبوب. وقيل له : أن اليعبوب يطلق على وادى أكرا من أسفله (٥).

__________________

(١) الجزيري : الدرر الفرائد ، ج ٢ ، ص ١٣٨٥ ؛ المرحلة المنزلة يرتحل منها وما بين المنزلين مرحلة. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٢٨٠.

(٢) فضاء واسع ومرعى ماؤها حفائر غير سائغة منها ما هو مالح جدا ومنها ما دونه وإذا لم تمطر تزداد الملوحة والعكس واكرا أرض مدورة الشكل فلعل اسمها مشتق من شكلها وأرضها سبخة وهى محطة قديمة ذكرها العديد من الرحالة شمال الحنك وقد أوشك اسمها أن ينسى وأطلق على موضعها بئر القصير وهي في مفيض وادي الحمص. انظر الجزيري : الدرر الفرائد ، ج ٢ ، ص ١٤٠٠ ـ ١٤٠١ ؛ سيد بكر : الملامح الجغرافية ، ص ١٣٧.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦١.

(٤) الدرعي : ملخص رحلتي ابن عبد السلام ، ص ٨١.

(٥) الدرعي : ملخص رحلتي ابن عبد السلام ، ص ٨١.

٣٢٤

ونرجح قول ابن عبد السلام في أن العبدري كان قدومه إثر هطول المطر مما يعلل كثرة المياه العذبة في طريقه وفي أماكن أخرى اشتهرت بملوحة مياهها.

الحوراء :

بينها وبين أكرا ثلاثة أيام. تقع على ساحل البحر مياهها عبارة عن أحساء غزيرة مالحة ذات رائحة منكرة (١). واكد ابن رشيد رداءة مائها أيضا (٢).

وأشار العبدري إلى وجود جزيرة أمام الحوراء يقطنها بعض العرب يعتمدون على السمك في غذائهم. وبمجرد مرور الركب بمحاذاتهم يبادرون بإحضاره لبيعه لهم. كما أشار العبدري إلى أن أهل ينبع يتقدمون إلى الحوراء حاملين التمر لبيعه هناك.

المغيرة (٣) :

تأتي بعد الحوراء على مسافة يومين والمغيرة تصغير لفظ المغارة أخذت شكل واد لوقوعها بين جبلين. تميز مدخلها بضيقه ولوجود المغيرة في بطن الوادي استعمل الدرج للوصول إليها والأخذ من مائها الذي أشار العبدري إلى قلته ، كما أوضح أن الحجاج يتزاحمون عليه لري عطشهم حتى هداهم الله للحفر في الوادي نحو القامتين وبذلك تمكنوا من الوصول إلى الماء فأحدث هذا العمل القضاء على التزاحم والمشقة التي كان الحجاج يلاقونها في سبيل الحصول عليه (٤).

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٢.

(٢) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٧٩.

(٣) (المغيرة) : هى نبط منهل مشهور قديما فيها مغارة تسمى نبط وهى حد جهينة من بنى الحسن يصل إليها عبر مضايق وإنحدارات بها شجر كثير من الاثل. والنبط واد بين الحمض وينبع على ٩٠ كم شمال ينبع. انظر الدرعي : ملخص رحلتي ابن عبد السلام ، ص ٨٥ ؛ البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٩ ، ص ٢٠ ؛ سيد عبد المجيد بكر : المشاهدات الجغرافية ، ص ١٣٨ ـ ١٤٠.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٢.

٣٢٥

ينبع :

بلدة صغيرة على بعد يومين من المغيرة تميزت بقلة سكانها. وهي محطة مهمة لنزول الحجاج بها. ويوجد في الغرب منها أرض واسعة عبارة عن سبخة لا نبات فيها ، فاستخدم هذا الموضع لنزول الركب. واشتهرت ينبع بسوقها الكبير ، وبه يتم بيع التمر الذي اشتهرت به المنطقة للركب ، وبها يتم تزويد الركب بجميع ما ينقصه لإكمال مسيرتهم إلى مكة المكرمة. كما اشتهرت بعذوبة وطيب مائها (١).

وقد أكد ابن رشيد والبلوي قول العبدري بوجود السوق بها واعتبارها محطة مهمة يترك بها الحجاج فائض أزوادهم أمانة لحين عودتهم كما أشار إلى جمالها ، وكثرة الماء والبساتين والخضرة فيها (٢).

الدهناء :

يصل إليها الركب بعد مسير نصف يوم من ينبع ويبدو أنها تتبعها ، فالعبدري أشار إلى ذلك. وقد لفت انتباهه فيها ماؤها العذب ونخلها الكثير وسبخة أرضها (٣).

بدر :

تبعد عن الدهناء مسافة يومين ؛ ولشهرة بدر التاريخية دقق الرحالة في وصفها. وأوسع من أمدنا بوصف دقيق مسهب لها ابن جبير ثم العبدري فهي عبارة عن واد مقامة به قرية عامرة محوّطة بحدائق وبساتين النخيل الكثيرة والماء الفياض. وعبر ابن جبير عن كثرة مياهها بقوله : عين فوارة ، كما أشار ابن جبير إلى أن موضع القليب الذي طرح فيه المشركون بعد المعركة مليء بالنخيل وحدد موضع الشهداء خلفه. أما العبدري فذكر أن قبور الشهداء تقع غربي مسجد ببدر. وخالف ابن جبير في موضع عريش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما حدد مكانه في سفح جبل يسمى الطبول الذي يشرف على موضع المعركة (٤). فقد

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٦٣.

(٢) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٧٨ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ٢ ، ص ١٢ ـ ١٣.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣.

(٤) ابن جبير : الرحلة. ص ١٦٥ ـ ١٦٦ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

٣٢٦

انفرد ابن جبير وابن بطوطة بذكر هذا الجبل وشبهه كل منهما بكثيب رمل ممتد. كما انفردا بذكر جبل يسمى الرحمة يقال : إن الملائكة نزلت عليه يوم بدر ويقع على يسار مدخل بدر (١).

ووجد ببدر سوق كبير يتحين أهلها وأهل المناطق المجاورة وصول الركب مستعدين لبيعهم التمر والعلف للجمال كما ذكر العبدري. وقد عاب العبدري على أهل بدر انتشار بدع وخرافات لا يوجد ما يدعمها : مثل وجود هضبة غربي المقبرة قيل حولها أشياء لا أصل لها. وبالقرب من هذه الهضبة يوجد غار قيل أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوى إليه مع صاحبه أبي بكر رضي‌الله‌عنه حينما هاجرا من مكة (٢).

الطريق الثاني :

تبوك :

طريق الحاج الشامي يبدأ من تبوك. ووصفها ابن رشيد بأرض خصبة تزخر جنانا ، ويكثر بها النخيل ؛ وذلك لتوفر الماء فيها. حيث توجد فيها عين غزيرة بنيت على هيئة صهريج كبير طويت جوانبها بالحجارة ليجتمع بها الماء الذي يخرج إلى جفر (٣) كبيرة. وقد وصف ابن رشيد ماء هذه العين بالعذوبة (٤).

وما ذكر عن تبوك يدل على استقرارها الذي انعكس على انتشار جنان النخيل واستيطان بعض العرب وامتهانهم للزراعة خاصة لتوفر الماء.

ثم وافاها ابن بطوطة بعد ما يربوا على الأربعين عاما فزاد في وصفها وجود سقائين حول العين أقيمت لهم حولها أحواض كبيرة مصنوعة من جلود الجواميس يسقون منها الجمال ويملأون القرب. حيث اختص كل منهم بسد حاجة أمراء الركب بمن يتبعهم ، واختص غيرهم بسقي الحجيج لقاء أجر

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة. ص ١٦٥ ـ ١٦٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٣) (الجفر) : الحفرة الواسعة المستديرة. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٤٣.

(٤) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٧.

٣٢٧

معلوم (١) ولا نتبين حالة تبوك من وصف ابن بطوطة. وإن كنا نميل إلى استقرار أوضاعها ؛ غير أن البلوى أشار إلى خرابها وعبر عن ذلك بقوله «هي اليوم خراب» بالرغم من وجود الماء وبعض النخيل (٢) ، ولا نعلم سبب خرابها لا سيما وأن ما بين ابن بطوطة والبلوي فترة قصيرة.

العلا :

بينها وبين تبوك ثمانية أيام ، والطريق إليها شاق موحش عديم الماء إلا من بئر بوادي الأخيضر لا يسد رمق الركب المار بها. حتى إن ابن بطوطة وصف وادي الأخيضر بوادي جهنم ونقل نقشا على أحد صخور الوادى يفيد «أنه أصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السموم التي تهب فانتشفت المياه وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار ومات مشتريها وبائعها» ، وأشار أيضا إلى وجود بركة المعظم. ووصفها بالضخامة ونسب بناءها للملك المعظم (٣) أحد أولاد أيوب وبها يتجمع ماء المطر ولكنه يجف عند اشتداد الحر.

كما شاهد ابن رشيد بعض أراض منبسطة مليئة بالحصى الأبيض الشبيه بالبلور وحصى أحمر وأسود.

وبالعلا ماء أحساء كثير يجري بين الرمال فأتاح لأهلها زراعة النخيل وبعض المزروعات الأخرى فأصبحت قرية كبيرة جميلة المنظر انتشرت فيها العديد من الدور. وقد أقيم بها حصن واشتهر أهلها بفضلهم وأمانتهم مما دفع الكثير من الحجاج إلى ترك الفائض عن حاجتهم من الأزواد بها إلى حين قفولهم من الحج. وهي أيضا سوق كبير حيث يقصده تجار الشام النصارى للبيع والشراء مع الحجاج (٤).

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١١٢.

(٢) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

(٣) أمر ببنائها الملك المعظم عيسى بن العادل الذى ولد بالقاهرة سنة ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م وتوفي سنة ٦٢٤ ه‍ / ١٢٢٦ م وله مآثر عظيمة. انظر الحنبلي : شفاء القلوب ، ص ٢٧٦ ـ ٢٨٤ ؛ الجزيري : الدرر الفرائد ، ج ٢ ، ص ١٢٦٢.

(٤) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١١ ـ ١٢ ، ١٥ ـ ١٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢ ـ ١٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

٣٢٨

حجر ثمود (١) :

تعرف اليوم بمدائن صالح. تبعد عن العلا مسافة نصف يوم تقريبا ، وبينها وبين تبوك خمسة أيام. تحدث عنها ابن رشيد وابن بطوطة والبلوي وكل منهم تناول جانبا أسهب في وصفه ؛ فمما عجب له ابن رشيد والبلوي دورها المنحوتة في الجبال بإتقان شديد (٢) ، يبدو أغلبها وكأنه نحت حديثا وبعضها أصابه الضرر بسبب نفوذ ماء المطر إليه.

أما أرض الحجر فهي رملية واسعة تحيط بها الجبال ، ينفذ إليها بواسطة مدخل ضيق يشكل جانباه مصرعا وبابا عاليا لها وفي وسط أرض الحجر جبال صغيرة يميل لونها إلى الإحمرار وهي التي قاموا بنحتها ونقشها وحفر الغرف بداخلها وعمل أبوابها. وقد شاهد ابن رشيد في بعض دورها عظاما قال عنها «إن ظاهر أحوالهم أن خلقهم كانت كخلقنا إذ أبواب بيوتهم وزواياها على مقادير أبوابنا المعتادة في الارتفاع» ، فنرى ابن رشيد هنا ينقل الوصف ويدلي برأيه خارجا من تفحصه وتحليله بنتيجة أحوالهم.

وقد سمى ابن بطوطة ديار ثمود ببئر الحجر أو حجر ثمود ، وأشار إلى كثرة الماء بها ولكن يمتنع أفراد الركب عن تناوله مع شدة عطشهم اقتداء بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣). وحدد مكان مبرك ناقة صالح عليه‌السلام بأنه بين جبلين بجانبه أثر مسجد يصلي الناس فيه. بينما شاهد البلوي بئر الناقة وسمى موضعه مبرك الناقة (٤).

__________________

(١) وقد امتد نفوذ قوم ثمود وسلطانهم الأول على معظم البلاد العربية وبالنسبة لحدودهم الجغرافية قبل نزول العذاب وهلاكهم كانت تمتد من ساحل ايلات بفلسطين حتى ساحل البحر الأحمر المقابل لموانىء الحبشة وتربوا مدنهم على الثلاثين مدينة منها مدينة الحجر. انظر محمد عبد الحميد مرداد : مدائن صالح ، ص ٤٠ ـ ١٠٠ ؛ القثامي : الآثار في شمال الحجاز ، ج ١ ، ص ١٤٥ ـ ١٥٠.

(٢) انظر الرسم رقم ٥.

(٣) أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم الشرب والوضوء من مائها وإطعام الإبل العجين الذي استخدم ماؤه في عجنه. انظر ابن هشام : السيرة النبوية ، ج ٤ ، ص ٥٢١.

(٤) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٤ ـ ١٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١١٢ ـ ١١٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

٣٢٩

وادي العطاس (١) :

شديد الحر تهب عليه رياح السموم.

هدية :

آخر وادي العطاس ماؤها أحساء. وصف بمرارته يستخرج بواسطة الحفر ، وينتشر قطاع الطرق حولها مما يضطر الحجيج لقتالهم هناك وبعدها تظهر أعلام المدينة المنورة (٢).

الطريق من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :

ذو الحليفة :

تبعد عن المدينة مسافة ستة أميال أو سبعة. فيها مسجد لم يتطرق الرحالة لوصفه. وأضاف ابن رشيد أن ذا الحليفة تعرف ببئر علي وأرض ذي الحليفة بطحاء سهلة تشرف على وادي العقيق (٣).

الروحاء (٤) :

بها بئر تعرف بذات العلم قيل : أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قاتل الجن عندها. ولعل الرحالة عند نقلهم لهذا الخبر لم يتحققوا منه ، فالذي قاتل الجن عند البئر هو عمار بن ياسر فقد روي عن «الأحنف بن قيس قال : قال علي بن أبي طالب والله لقد قاتل عمار بن ياسر الجن والإنس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا هذا الإنس قد قاتل فكيف الجن فقال كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في

__________________

(١) لم نجد له ذكر في المصادر التي تناولناها وربما يكون وادي القرى خاصة وأن ابن رشيد ذكره ضمن الطريق وقال أكثره خراب. انظر ابن رشيد. ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٦.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١١٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٧ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠١ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٧١ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٩٥.

(٤) (الروحاء) قرية صغيرة على بعد ٧٣ كم من المدينة على طريق مكة سميت الروحاء لانفتاحها ورواحها. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٧٦ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٤ ، ص ١٢٢٢ ؛ البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٤ ، ص ٨٥.

٣٣٠

سفر فقال لعمار انطلق فاستق لنا من الماء فانطلق فعرض له الشيطان في صورة عبد أسود فحال بينه وبين الماء فأخذه فصرعه عمار فقال له دعني وأخلي بينك وبين الماء ففعل ثم أتى فأخذه عمار الثانية فصرعه فقال دعني وأخلي بينك وبين الماء فتركه فأتى فصرعه فقال له مثل ذلك فوفى له فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الشيطان قد حال بين عمار وبين الماء في صورة عبد أسود وإن الله أظفر عمارا به قال علي فلقينا عمارا فقلت ظفرت يداك يا أبا اليقظان فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال كذا وكذا [فقال عمار](١) أما والله لو شعرت أنه شيطان لقتلته ولكن هممت أن أعض بأنفه لو لا نتن ريحه» (٢).

وأخبر السمهودي عن بئر ذات العلم بأنه تجاه الروحاء يقال أن علي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قاتل الجن بها وهى بئر عميقة. وأضاف في موضع آخر أن البئر المذكورة تقع بذي الحليفة يسميها العوام بئر علي ونسبتها إليه غير معروفة عند أهل العلم (٣).

وادي الصفراء :

على بعد ثلاثة أيام من المدينة. وهو عبارة عن قرى كثيرة متصل بعضها ببعض لمسافة يوم نحو المدينة ، وبه العيون الكثيرة وحدائق النخيل والبساتين التي يزرع بها البطيخ والدباء والقطاني (٤) وغيرها.

__________________

(١) إضافة لاستقامة المعنى.

(٢) بدر الدين الحنفي : غرائب وعجائب الجن كما يصورها القرآن والسنة ، ص ١٤٧.

(٣) السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٤ ، ص ١١٣٩ ؛ ١١٩٥.

(٤) (القطاني) هي الحبوب التي تدخر كالحمص والعدس والباقلي والترمس والدخن والأرز والجلبان والقطنية الحبوب التي تخرج من الأرض والقطاني الخلف وخضر الصيف والقطنية اسم جامع لهذه الحبوب التي تطبخ وسميت الحبوب قطنية لأن مخارجها من الأرض مثل مخارج الثياب القطنية ويقال لأنها تزرع كلها في الصيف وتدرك في آخر وقت الحر. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

٣٣١

بدر :

تبعد عن وادي الصفراء قدر بريد (١). والطريق إليها يمتد في واد تشرف عليه الجبال. فبدر قرية تناثرت بها حدائق النخيل بشكل متصل (٢).

صحراء البزواء :

صحراء واسعة مسيرتها ثلاثة أيام. مجهولة المسالك عديمة المعالم (٣).

وهذا ولا شك يدل على عدم اهتمام أمراء الحجاز بتحسين الطرق وإنصرافهم لأمور أخرى لا تمت بصلة لراحة الحجيج وخدمتهم.

وادي رابغ :

آخر البزواء بداخله واد آخر يسمى وادي السمك (٤) وهو اسم على غير مسمى كما ذكر ابن جبير ، كما يوجد الكثير من مستنقعات الماء الجارية تحت الرمال يحفر الحجاج لاستخراج الماء النقي منها وفي بعض الطريق عقبة محجرة وتتكون غدران الماء فيها فترة طويلة خاصة بعد هطول المطر (٥).

عقبة السويق (٦) :

على مسافة نصف يوم من خليص كثيرة الرمل. يقصدها الحجاج لشرب

__________________

(١) (البريد) يساوي ٤ فراسخ ويساوي ٧٣٧٥ م والفرسخ يساوى ٣ أميال والميل يساوي ١٨٤٠ م. انظر أحمد رمضان أحمد : الرحلة والرحالة المسلمون ، ص ٦١.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٧٤ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠١.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣ ـ ١٦٤ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٤) (وادي السمك) من ناحية وادي الصفراء يسلكه الحاج أحيانا. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٢٥١.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٥ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ١٦٤ ـ ١٦٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩.

(٦) لم نجد لها ذكرا في أي من المصادر التي تناولناها. أما ما أورده العبدرى وابن بطوطة من مرور الرسول صلى بها فلم نعثر له على خبر ضمن المصادر التي تناولناها إلا ما ذكره ابن عبد السلام. والثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيامه بغزوة سميت غزوة السويق وهي تخالف ما ذكره العبدري وابن بطوطة وابن عبد السلام حيث أن سبب التسمية أن قريشا بعد هزيمتهم ببدر أعادوا الكرة على المدينة فحرقوا بعضا من نخيلها وأسرعوا بالعودة فلحق بهم رسول الله صلى وأصحابه فطرح القوم أزوادهم وكان أغلبها سويقا فأخذه المسلمون ولذا سميت غزوة السويق وهناك سويقه مشهورة

٣٣٢

السويق بها. ويذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بها ولم يكن مع أصحابه طعام فأخذ من رملها فأعطاهم إياه فشربوه سويقا (١). ونحن لا ننكر أن للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم معجزات تفوق الحصر ، ولكننا لم نقع على هذا الخبر ضمن المصادر التي تناولناها. وربما تكون هذه ضمن معجزاته عليه الصلاة والسلام.

عسفان :

منزل آخر في أرض منبسطة تحف بها الجبال متوفر بها أبار عذبة.

تنسب إلى عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، وبها الكثير من أشجار المقل وحصن خرب (٢).

خليص :

تقع بين جبلين يكثر بها النخل ، وبها عين دائمة الجريان أحدثت في الأرض أخاديد تبدو على هيئة الآبار يتناول منها أفراد الركب الماء بسبب قلته إلى المدينة بفعل القحط. وأضاف ابن بطوطة إنه يوجد بها بئر تنسب لعلي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه (٣).

بطن مر أو مر الظهران :

آخر منزل قبل الوصول إلى مكة المكرمة. وهى عبارة عن واد خصب يضم قرى كثيرة يزرع بها النخيل والفواكه التي تجلب إلى مكة المكرمة ، وبها عين ماء كبيرة تكفي احتياج تلك المنطقة من الماء وعيون أخرى صغيرة (٤).

__________________

هى منازل الطالبيين وتعرضت للتخريب مرات عديدة بسبب ثورات أهلها. انظر ابن هشام : السيرة النبوية ، ج ٣ ، ص ٤٤ ـ ٤٥ ؛ الدرعي : ملخص رحلتي ابن عبد السلام ، ص ١١٣ ؛ حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص ١٥ ـ ١٦.

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٣ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦١ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٠.

٣٣٣

الطريق من جدة إلى مكة المكرمة :

القرين :

به نزول الحجيج وإحرامهم وجد به بئر واحدة عذبة (١).

البرابر :

يسبقه منزل لا ماء فيه وبالبرابر حصن بناه الشريف أبو نمي وسماه الجديد وبنى حوله دورا جميلة محفوفة بالنخيل والماء الجاري مزروع فيها كثير من الخضر. والبرابر أرض واسعة كثيرة النخل بها ماء جار على هيئة نهر تأتيه الإبل والأنعام ، وبجانب الماء بستان كبير يدعى حائط قريش يجري في وسطه الماء مزروع به النخيل (٢).

حدة (٣) :

نصف الطريق بين مكة وجدّة (٤) :

ونلاحظ مما سبق أن الرحالة اعتنوا عناية فائقة بوصف ما يصادفهم.

ومنهم من كان وصفه مختصرا ، ومنهم من أسهب ومنهم من ذكر قرى أغفلها غيره من الرحالة. وهذا لا شك عائد إلى تقصي الرحالة نفسه عن كل موضع يحط رحاله فيه محاولا معرفة اسم الموضع مجتهدا في وصفه. ومنهم من لم يعن بمعرفة الأسماء لذلك جاء وصفه مجملا.

كما نلحظ الاختلاف بين الرحالة في أماكن وجود الماء وصفتها ؛ ولعل ذلك يرجع إلى توقيت الرحلة نفسها ، فمنها ما صادف موسم الأمطار وفصل

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة : ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٣) حداء عين جارية بمر الظهران عندها طريق مكة إلى جدة على ٢٩ كم بين الحديبية وبحرة وهي حداء وليست حدة. انظر البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٢ ، ص ٢٤١.

(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٢.

٣٣٤

الشتاء أو فصل الصيف وقلة المطر ، وبالتالى تتغير أوصاف أماكن الماء.

فالرحالة الذي يصادف قدومه عقب سقوط الأمطار لا شك أنه يرى كثرة المياه وعذوبتها ومن يأتي في موسم قلة الأمطار وفصل الصيف يشير إلى ندرة الماء ومرارته.

ثانيا : العمارة الدينية :

المساجد :

لا بد لنا قبل أن نتطرق للحديث عن المساجد التي تناولها الرحالة المغاربة والأندلسيون في مكة المكرمة أن نبدأ الحديث عن المسجد الحرام. فالملاحظ في كتب الرحلات : أن وصف المسجد الحرام أخذ حيزا كبيرا يناسب مكانته ومنزلته في نفوس المسلمين. فقد اعتنوا بوصفه عناية فائقة تجعل كتبهم من المصادر المهمة في تاريخه خلال القرنين السابع والثامن الهجريين. فمن الرحالة المقل في وصفة ، ومنهم المفصل الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولها بالوصف مثل ابن جبير ، ومنهم الناقل عن الأزرقي لقصر الوقت الذي أمضاه في مكة المكرمة كالعبدري ومنهم من لم يتطرق لوصفه أمثال أصحاب البرامج كالوادي آشي والرعيني.

المسجد الحرام :

وهو عبارة عن ساحة كبيرة تحيط بكل جانب منه ثلاث بلاطات مسقوفة ، وتحملها ثلاث سوار عالية من الرخام بدت كأنها بلاط واحد (١). أما طوله فقد ذكر ابن جبير أنه أربعمائة ذراع وعرضه ثلاثمائة ذراع (٢) ، ونجد أن التجيبي قد أورد إيضاحا أكثر عن ساحة المسجد الحرام معتمدا في ذلك على شيخه عماد الدين المكي نقلا عن الأزرقي مشيرا إلى أن طوله من باب بني شيبة إلى

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٧ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٦٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٢ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٦.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٧. انظر الرسم للمسجد الحرام رقم ٦.

٣٣٥

باب بني هاشم عند العلم الأخضر مقابل دار العباس بن عبد المطلب أربعمائة وأربعة أذرع. وعرضه من باب دار الندوة إلى باب الصفا ثلاثمائة وأربعة أذرع وعرضه من منارة المسعى إلى منارة باب بني شيبة مائتان وثمان وسبعون ذراعا ، وعرضه من منارة باب أجياد إلى منارة باب بني سهم مائتان وثمان وسبعون ذراعا (١). وهذا الذرع مشابه لما ورد لدى الأزرقي وابن رستة والفاسي (٢) بينما نجد صاحب الاستبصار يتفق في ذرع طوله معهم ويختلف عنهم في عرضه الذى حدده بمائتين وثمانين ذراعا (٣). ويبلغ طول جدار المسجد الحرام عشرين ذراعا (٤).

أما سواري المسجد الحرام فمن الرحالة من لم يشغل نفسه بعدّها واكتفى بنقل عددها من الأزرقي أو غيره من الرحالة السابقين له كالتجيبي ، ومنهم من تفرغ لعدها وأيد ما وصل إليه في عددها بما ذكره الأزرقي وغيره من العلماء الذين ألفوا في تاريخ المسجد الحرام مثل ابن جبير ، ومنهم من أغفل ذكرها كابن رشيد والعبدري. وأحصى الأزرقي وابن رسته عدد السواري بأنه أربعمائة وأربع وثمانون (٥) بينما ذكر ابن جبير أن للمسجد الحرام سواري رخامية عددها أربعمائة وإحدى وسبعون سارية وأخرى جصية عددها أربعمائه وثمانون سارية نقل عددها من أبي جعفر الفنكى لأنه

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٢.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ١ ، ص ٨١ ـ ٨٢ ؛ ابن رستة. الأعلاق النفيسة ، ص ٤٤ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٦٨ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٢ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٦ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٦٩.

(٣) مؤلف مجهول : الاستبصار ، ص ٢٤.

(٤) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ١ ، ص ٩٤ ـ ٩٥ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٢.

(٥) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٨٢ ؛ ابن رستة : الأعلاق النفيسة ، ص ٤٤.

٣٣٦

لم يحصها (١). بينما التجيبي لم يقم بإحصائها وأثبت عددها من الأزرقي وابن جبير (٢).

ولم يكتف التجيبي بما نقله عن الأزرقي وابن جبير بل أضاف قائلا : إن ابن جبير لم يقم بإحصائها جميعا ونقل عددها بالكامل من شخص نعته بالشيخ الأديب الفاضل أبي العباس بن عبد الرؤوف (٣).

فأحصى عدد سواريه الجصية وغير الجصية قائلا : وجميع ما في المسجد الحرام أربعمائة وسبعون سارية في البلاط. وفي أبواب المسجد ست وعشرون. وفي دار الندوة ودار الحنطة مائة وتسع وعشرون فكمل عددها ستمائة وخمسا وعشرين سارية.

وأضاف التجيبي أن أمام البلاط الثالث جهة دار الندوة سارية حمراء رآها بنفسه. وذكر أنها كانت ليهودية فسأل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتياعها فأبت واشترطت بيعها بوزنها ذهبا فأشتراها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الشرط ووضعت السارية في كفة ميزان ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثقالا من الذهب في الكفة الأخرى فرجح المثقال. وعزا هذه القصة إلى الأديب الفاضل أبي العباس بن عبد الرؤوف والذي لم نجد لها ذكرا في المصادر التي تناولناها سوى في كتاب الاستبصار (٤). مما يشير إلى

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٧ ـ ٦٨.

(٢) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٨٢ ؛ ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٧ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٣.

(٣) لم نجد فيما بين أيدينا من مصادر تعريفا لهذه الشخصية والتي يرجح أن تكون لأحد الكتاب في المغرب أو الأندلس الذين قاموا برحلة إلى المشرق وألف كتابا عن رحلته ولكن من الملفت للنظر أن ما أورده التجيبي من وصف لهذه الناحية في المسجد الحرام وغيرها من الأماكن التي أشار إليها أو لم يشر نجده مطابقا لفظا ومعنى مع ما جاء في كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار لمؤلف مجهول من القرن السادس فلعل صاحب الاستبصار كان يكنى بأبي العباس بن عبد الرؤوف.

(٤) مؤلف مجهول : الاستبصار ، ص ٢٧ ـ ٢٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٣.

٣٣٧

نقل التجيبي عنه وهذا يشير أيضا إلى ضعف الرواية وبطلانها إذ لم نجد أي رواية تؤيدها.

وذكر الرحالة المغاربة والأندلسيون أن أرض المسجد الحرام مفروشة برمل أبيض (١) ، ما عدا موضع الطواف والذي كان مفروشا في زمن ابن جبير بحجارة تشبه الرخام بيضاء وسوداء وسمراء ملتصق بعضها ببعض ممتدة ناحية المقام بمقدار تسع خطوات حتى أحاطت به (٢). وفي عهد ابن بطوطة كانت أرض الطواف مفروشة بحجارة سوداء (٣).

ولعل الإشارة هنا إلى تغير لون حجارة أرض المطاف دلالة على الإصلاحات والتجديدات بالرغم من أن البلوي أهمل الإشارة إلى ذلك.

مآذن المسجد الحرام :

اتفق ابن جبير والتجيبي في عدد المآذن بالمسجد الحرام والتي بلغ عددها سبع مآذن منها أربع في جوانب المسجد الأربعة والخامسة في دار الندوة والسادسة على باب الصفا لكنها صغيرة. ويبدو أنها علم له وتميزت بالضيق وبصعوبة الصعود عليها والسابعة على باب إبراهيم (٤).

أما العبدري وابن بطوطة فأشارا إلى وجود خمسة مآذن : منها واحدة على باب الصفا والثانية على ركن باب بني شيبة والثالثة على باب دار الندوة والرابعة على ركن باب السدة وهو باب بني جمح والخامسة على ركن أجياد (٥) ،

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة. ص ٦٣ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٧ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٤.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٣.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٧.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٣.

(٥) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٩.

٣٣٨

ولعل تجاهلهما للاثنتين الباقيتين والموجودتين على باب إبراهيم وعلى باب الصفا عائد لصغرهما ولكون الأخيرة علما على الباب.

وما ذكره الرحالة حول مآذن المسجد الحرام مختلف في العدد عما أورده الأزرقي ، والذي أشار إلى أربعة فقط (١) ، بينما اتفق صاحب الاستبصار مع العبدري وابن بطوطة في عدد المآذن وأماكنها (٢).

أما الفاسي فذكر أنها خمس : أربع على كل ركن من أركان المسجد الحرام والخامسة على دار الندوة. وأضاف أن أول مئذنة يعود تاريخها إلى عهد أبي جعفر المنصور على باب العمرة. وشيد ابنه المهدي الثلاث الأخرى.

وهى الموجودة على باب بني شيبة وباب على وباب الحزورة ، كما أشار إلى مآذن أقيمت على رؤوس الجبال ضمانا لسماع الأذان في كافة أنحاء مكة (٣) الأمر الذي أغفل ذكره الرحالة.

أبواب المسجد الحرام :

ذكر ابن جبير وابن بطوطة أن للمسجد الحرام تسعة عشر بابا أكثرها يفتح على أبواب كثيرة (٤).

بينما يذكر العبدري أن للمسجد الحرام تسعة وثلاثين بابا (٥). أما البلوي فيذكر أنها تزيد على الأربعين بابا (٦). ولعل سبب الاختلاف في عدد الأبواب بين الرحالة عائد إلى احتمال وجود دور حول المسجد لها أبواب مفتوحة عليه ، فلما هدمت تلك الدور نقص العدد تبعا لذلك. فقد أشار ابن جبير وابن بطوطة إلى

__________________

(١) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٩٧.

(٢) مؤلف مجهول : الاستبصار ، ص ٢٤.

(٣) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٨٥ ـ ٣٨٧.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٨ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٨١ ؛ ابن ظهيرة : الجامع اللطيف ، ص ١٣٥. انظر : الرسم رقم ٦ ، ١٣.

(٥) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٦.

(٦) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٦.

٣٣٩

وجود مثل تلك الدور التي كانت أبوابها مفتوحة على المسجد الحرام (١) ، ويضيف الفاسي مؤكدا هذا الأمر بقوله أنه وجد اختلافا حول أسماء الأبواب وأعدادها منذ عهد الأزرقي إلى عهده (٢).

ولعل الاختلاف في عدد الأبواب بين الرحالة عائد إلى اكتفاء بعضهم بعدد الأبواب الرئسية بينما أهملوا الأبواب الصغيرة الأخرى التي تشرع إليها.

ونجد أن صاحب الاستبصار يختلف مع الرحالة وبعض المصادر الأخرى في عدد الأبواب. حيث حدد عددها بسبعة عشر بابا (٣) ، بينما حدد الأزرقي عددها بثلاثة وعشرين بابا. بها ثلاث وأربعون نافذة (٤).

ويشير التجيبي إلى وجود عشرين بابا للمسجد الحرام محتوية على نوافذ كثيرة (٥).

أبواب المسجد الحرام الموجودة بالجهة الجنوبية :

١ ـ باب الصفا : أكبر أبواب المسجد الحرام مبنيّ بأربعة أعمدة تعلوها خمسة عقود وهذا الباب ينفذ منه إلى خمسة أبواب ، ومنه كان خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمسعى (٦).

٢ ـ باب الخلقتين : ويسمى باب جياد الأصغر وهو حديث ويفتح على بابين.

٣ ـ باب أجياد الأكبر : ويفتح على بابين يقال لأحدهما باب بني حكيم والثاني الحناطين.

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨١ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٠.

(٢) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٨٤.

(٣) مؤلف مجهول : الاستبصار ، ص ٢٤ ـ ٢٧.

(٤) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ٢ ، ص ٨٦ ، وهذا أمر طبيعي إذا أخذنا في الحسبان الفارق الزمني بين هؤلاء الرحالة ومؤرخي مكة.

(٥) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٤.

(٦) انظر : الرسم رقم ٧.

٣٤٠