الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

رحلة خشخاش في البحر المحيط :

ذكر المسعودي" أن رجلا من أهل الأندلس يدعى خشخاش من فتيان قرطبة وأحداثها جمع جماعة من أحداثها وركب بهم مراكب استعدها في هذا البحر فغاب فيه مدة ثم انثنى بغنائم واسعة وقال إن خبره مشهور عند أهل الأندلس" (١).

ولم يتم تدوين هذه الرحلة وإنما انتشرت شفويا بين أهل الأندلس ، ودونت فيما بعد في كتب الجغرافيين المسلمين ؛ لذا لا نعرف عنها الشيء الكثير سوى ما أورده هؤلاء الجغرافيون. وممن ذهب في البحر المحيط وعاد ليقص علينا مشاهداته الفتية المغرورون أو المغررون وأغلب الظن تسميتهم بالمغرورين أو المغررين نسبة للاعتقاد السائد في ذلك الوقت فيمن يبحر في البحر المحيط بأنه يغرر بنفسه إذ لا توجد أرض بعد البحر المحيط فسموا المغررين أو المغرورين لتغريرهم بأنفسهم.

وقد ذكر كراتشكوفسكي رأي METZ متز في أنه يجب قراءة اسمهم بالمغربين أي الضاربين غربا وقد رفض كراتشكوفسكى هذا الرأى لوروده في الكتب السابقة بلفظ المغررين أو المغرورين (٢).

وهذا مما يدعم القول في أن الاسم إنما أطلق عليهم بسبب اعتقادهم بوجود الأرض عقب البحر المحيط وقد لاقت هذه القصة انتشارا واسعا وحمل أحد طرق لشبونة (٣) اسم درب المغررين (٤). تأكيدا لشهرتها.

وتقودنا الرحلة إلى القول : بأنه على الرغم من الاعتقاد السائد من أن البحر المحيط لا أرض بعده وبالرغم من تسميته ببحر الظلمات تحذيرا من

__________________

(١) المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١١٩ ؛ الحميري : الروض المعطار ، ص ٥٠٩.

(٢) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ١٣٧.

(٣) (اشبونه أو لشبونه) بالأندلس مدينة قديمة بغربي باجه على ساحل المحيط الأطلسي وهي عاصمة البرتغال الآن وكان اسمها قديما قوديه. أنظر الحميري : الروض المعطار ، ص ٦١.

(٤) المصدر السابق والصفحة ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطي ، ص ٤٧.

٦١

الإبحار فيه ، إلا أن الرغبة في الكشف عن المجهول كانت أقوى لدى بعض لأفراد فقامت بعض المحاولات في سبيل ذلك. فمن هذه الرحلات ما وصلنا معلومات عنها ومنها ما لم يصلنا (١). مما يقودنا إلى الافتراض ، أنه ربما عن طريقه وصل المسلمون إلى أمريكا وعرفوها قبل كولومبس. ولكن نظرا لعدم وجود إثباتات تدعم هذا الافتراض اللهم إلا أخبارا شفوية متواترة بين الناس (٢) تناقلها الجغرافيون المسلمون وربما خالطها الكثير من الأساطير.

وما يهمنا هنا رحلة الفتية المغررين وإبحارهم في البحر المحيط وعودتهم ومع عدم تدوينهم للرحلة إلا أنه وصلتنا أخبارها.

رحلة الفتية المغررين أو المغرورين :

ومجمل رحلتهم إنهم ثمانية رجال كلهم أبناء عم خرجوا من مدينة لشبونة وأبحروا في بحر الظلمات ، غايتهم التعرف على ما فيه وإلى اين منتهاه ، فانتظروا موسم هبوب الريح وتزودوا بمؤن تكفيهم أشهرا وساروا غربا في خط مستقيم نحو أحد عشر يوما ، لم يكن في مقدورهم السير في هذا الطريق لكثرة الصخور وارتفاع الأمواج وعدم نقاء الهواء ، فاتجهوا جنوبا خوفا على أنفسهم. وقد ذكر شكيب أرسلان أنهم لو استطاعوا مواصلة ذلك الطريق لأصبح في إمكانهم الوصول إلى ساحل أمريكا الشمالية (٣).

واستمروا في الإبحار جنوبا اثني عشر يوما فوصلوا إلى ساحل جزيرة أطلقوا عليها اسم جزيرة الغنم لكثرتها هناك والتي تميزت بمرارة لحومها.

وقد ذهب بعض العلماء الأوربيين إلى أنها إحدى جزر أزور والتي ينبت بها نوع من الأعشاب تقتاب به الماعز أدى إلى مرارة لحومها (٤). بينما ذكر كراتشكوفسكي إنها إحدى جزر الأنطيل أو ما ديره. (٥)

__________________

(١) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ١٣٦.

(٢) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ١ ، ص ٩٣.

(٣) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٩٤.

(٤) زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ، ص ٥٠.

(٥) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ١ ، ص ٩٤ ؛ كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ١٣٧.

٦٢

وتزود الرحالة بجلود الأغنام من هذه الجزيرة وغادروها متجهين ناحية الجنوب مع الإنحراف قليلا جهة الشرق واستمروا في الإبحار اثني عشر يوما فلاحت لهم جزيرة آهلة فاتجهوا إليها وعند اقترابهم منها أحاطت بهم زوارق سكانها وحملوهم في مراكبهم أسرى إلى المدينة. وظلوا كذلك لمدة ثلاثة أيام.

وفي اليوم الرابع قدم عليهم ترجمان الملك فسألهم عن سبب قدومهم الجزيرة ووجهتهم. وعقب سماعه إجاباتهم وعدهم خيرا. وفي اليوم التالي ساروا للقاء حاكم الجزيرة فأعاد عليهم السؤال فأجابوه بمثل ما أجابوا الترجمان ، فضحك وأخبرهم أن أباه قد بعث برجال لمعرفة نهاية المحيط فلم يصلوا إلى نتيجة حاسمة ؛ حيث استمروا مبحرين لمدة شهر حتى انقطع الضوء عنهم فعادوا من غير فائدة.

ظل الفتية في حجزهم إلى أن هبت الريح الغربية وعند ذلك أمر الملك بوضعهم في قارب بعد أن عصبت أعينهم. وأبحروا بهم مدة ثلاثة أيام إلى أن وصلوا البر فأخرجوهم وأوثقوهم وتركوهم وعادوا إلى جزيرتهم. وبينما هم على ذلك الحال سمعوا أصواتا وضوضاء فقاموا بالاستغاثة لإطلاق سراحهم. وكان مصدر ذلك الصوت بعض البربر الذين سارعوا بحل وثاقهم وسألوهم عن خبرهم فلما أخبروهم بقصتهم قالوا لهم" أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين" فقال زعيم الفتية وا أسفى فسمي المكان إلى اليوم أسفى وهو أحد مراسي المغرب الأقصى (١).

وقد قيل إن الجزيرة التي بلغها الفتية : هي إحدى الجزر الخالدات أو أزور (٢) أو إحدى جزر كناري (٣). والواقع إن المعلومات الواردة عن هذه الرحلة

__________________

(١) الحميري : الروض المعطار ، ص ٦١ ؛ شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ١ ، ص ٩٢ ـ ٩٨ ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون ، ص ٤٩.

(٢) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ١ ، ص ٩٤ ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون ، ص. ٥.

(٣) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب ، ج ١ ، ص ١٣٧.

٦٣

لا نستطيع القطع بصحتها حيث إنها لم تدون بل تناقلتها الألسن ، وستظل احتمالا حتى نعثر على ما يؤكدها. وأغلب الظن أنها حدثت في القرن الرابع الهجري (١).

ومن الملاحظ أن أهل الجزيرة التي وصلها الفتية على علم بالطريق إلى بلاد المغرب. بدليل إعادتهم إليه ، بالإضافة إلى إلمامهم باللغة العربية. وبالرغم أن رحلات المسلمين في المغرب والأندلس اتجهت إلى البحر المحيط لاكتشافه إلا أنه لم تتوفر لدينا المعلومات الكافية عن تلك الرحلات وربما لو وصلنا كتاب المسعودي أخبار الزمان ؛ لأصبح من السهل علينا معرفة بعض تلك الرحلات.

وعلى العكس من ذلك ، نجد الرحالة المشارقة على علم بالبلدان الواقعة إلى الشرق منذ وقت مبكر (٢). بالإضافة إلى أن هذه الرحلات كانت للتجارة أو السياحة أو لمبعوثين من قبل الدولة الإسلامية إلى حكامها.

لقد كانت لأهل المغرب والأندلس رحلات مهمة إلى جانب ما سبق أسهمت في إضافة معلومات جغرافية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية عن الأماكن التي ساروا إليها. ومثال ذلك رحلة يحيى بن الحكم إلى القسطنطينية.

رحلة يحيى بن الحكم البكري :

يحيى بن الحكم البكري الجياني الملقب بالغزال لجماله. من بني بكر ابن وائل (٣) كان شاعرا مطبوع النظم في الحكم والجد والهزل جليلا في نفسه وعلمه وله منزلة كبيرة عند أمراء الأندلس (٤).

__________________

(١) زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون ، ص ٤٩.

(٢) الطبري : تاريخ الأمم والملوك ، ج ٨ ، ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(٣) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٤) الضبي : بغية الملتمس ، ص ٥٠٠.

٦٤

وقد عمر الغزال طويلا حيث إنه عاصر خمسة من أمراء الأندلس.

وكانت ولادته في سنة ١٥٦ ه‍ / ٧٧٢ م في إمارة عبد الرحمن بن معاوية (١).

وتوفي في إمارة محمد بن عبد الرحمن (٢) وهو ابن أربع وتسعين سنه (٣).

خرج الغزال إلى المشرق قاصدا القسطنطينية على رأس بعثة من قبل الأمير عبد الرحمن بن الحكم (٤) وقد أورد المقري سبب الرحلة. أن ملك القسطنطينية توفلس بعث إلى الأمير عبد الرحمن سنة ٢٢٥ ه‍ / ٨٤٠ م بهدية طالبا مودته ويرغبه في ملك سلفه بالمشرق حفاظا عليه من تحركات المأمون والمعتصم فكافأه الأمير عبد الرحمن على الهدية بهدية مماثلة وبعث إليه يحيى

__________________

(١) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الملقب بصقر قريش ويعرف بالداخل مؤسس الدولة الأموية بالأندلس ولد سنة ١١٣ ه‍ / ٧٣١ م وتوفي سنة ١٧٢ ه‍ / ٧٨٨ م بقرطبة كان حازما سريع النهضة في طلب الخارجين عليه لا يخلد إلى راحة ولا يكل الأمور لغيره ولا ينفرد برأيه ، شجاعا مقداما شديد الحذر سخيا لسنا شاعرا عالما بنى الرصافة بقرطبة تشبها بجده هشام باني رصافة الشام. انظر الضبي : بغية الملتمس ، ص ١٢ ـ ١٣ ؛ الزركلي : الأعلام ، ج ٣ ، ص ٣٣٨.

(٢) محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموى أبو عبد الله من ملوك الدولة الأمويد في الأندلس مولده بقرطبة سنة ٢٠٧ ه‍ / ٨٢٢ م توفي بقرطبة سنة ٢٧٣ ه‍ / ٨٨٦ م تولى بعد وفاة أبيه سنة ٢٣٨ ه‍ / ٨٥٢ م كان كثير الإحسان للرعية عاقلا عادلا أحبه أهل البلدان المستقلة في عصره حتى كانوا لا يقطعون أمرا دون الأخذ برأيه مثل بني مدرار بسجلماسه كان كثير المغازى والغزوات على الفرنج كان أيمن الخلفاء بالأندلس ملكا وأسراهم نفسا وأكرمهم تثبتا وأناة يجمع إلى هذه الخلال الشريفة البلاغة والأدب خلف اثنين وخمسين ولدا كان له وزير اسمه هاشم بن عبد العزيز أساء السيرة فضاعت هيبة الدولة في أواخر أيامه. انظر الضبي : بغية الملتمس ، ص ١٥ ؛ الزركلي : الأعلام ، ج ٦ ، ص ١٨٩.

(٣) الضبي : بغية الملتمس ، ص ٥٠١.

(٤) عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الأموي أبو المطرف رابع ملوك بني أمية في الأندلس ولد بطليطلة سنة ١٧٦ ه‍ / ٧٩٢ م بويع بقرطبة بعد وفاة أبيه بيوم واحد سنة ٢٠٦ ه‍ / ٨٢١ م شيد القصور وبنى المساجد في الأندلس وأقام سور أشبيلة وجلب الماء العذب إلى قرطبة اتخذ السكة بقرطبة وضرب الدراهم باسمه ونظم الجيش وأكثر من الأسلحة والعدد احتجب قبل وفاته مدة ثلاث سنوات لعله أضعف قواه وكانت أيامه أيام سكون وعافية كثرت عنده الأموال كان عالي الهمة له غزوات كثيرة كان أديبا ناظما للشعر مطلعا على علوم الشريعة وبعض فنون الفلسفة مدة ولايته ٣١ سنه و ٣ أشهر ووفاته بقرطبة سنة ٢٣٨ ه‍ / ٨٥٢ م. انظر الضبي : بغية الملتمس ، ص ١٤ ؛ الزركلي : الأعلام ، ج ٣ ، ص ٣٠٥.

٦٥

الغزال من كبار أهل دولته. وكان مشهورا بالشعر والحكمة ، فأحسن أداء سفارته فأصبح لعبد الرحمن مكانة كبيرة لدى منازعيه من بني العباس ؛ دلالة على نجاح سفارة الغزال.

وكان عمر الغزال وقت رحلته إلى القسطنطينية قد شارف الخمسين من العمر (١). واختلفت المصادر القديمة فيما يتعلق بسفارة الغزال أكانت للقسطنطينية في المشرق أم إلى بلاد المجوس (ما يعرف بالدنمارك الآن) في الشمال (٢).

فمن المؤرخين من يرى أن رحلة الغزال موجهة إلى القسطنطينية برسالة لملك الروم (٣) ومنهم من أوردها إلى القسطنطينية وبلاد المجوس (٤) ، ومنهم من نظر إليها بشك كبير (٥) ، في حين أيدها فريق آخر (٦). وسواء كانت إلى القسطنطينية بالمشرق أو إلى بلاد المجوس في الشمال فقد قام الغزال فيها بتسجيل مشاهداته لكل ما يمر به. وربما تكون له سفارتان بسبب اختلاف المصادر حولها. ولكن أخبار سفارته إلى القسطنطينية واضحة المعالم.

أما الثانية فرواياتها مضطربة ومختلطة بأخبار سفارته الأولى. ولعل السبب في ذلك ناتج من أن سفارته الثانية لبلاد المجوس ، هي جزء من

__________________

(١) المقري : نفح الطيب ، ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.

(٢) عبد الرحمن حميدة : أعلام الجغرافيين العرب ، ص ١٣٨ ؛ حكمه على الأوسي : يحيى بن الحكم الغزال ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج ٢١ ، سنة ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م ، العراق.

(٣) الحميدي : جنوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس ، ج ٢ ، ص ٥٩٧ ؛ الضبي : بغية الملتمس ، ص ٥٠٠.

(٤) المقري : نفح الطيب ، ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ج ٢ ، ص ٢٥٧ ؛ الحجي : التاريخ الأندلسي ، ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ؛ محمد زيتون : المسلمون في المغرب والأندلس ، ص ٣٠٢.

(٥) أحمد مختار العبادي : تاريخ المغرب والأندلس ، ص ١٥٢ ـ ١٥٤ ؛ أحمد مختار العبادي : في التاريخ العباسي والأندلس ، ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

(٦) حسين مؤنس : معالم تاريخ المغرب والأندلس ، ص ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٦٦

السفارة الأولى. إذا أخذنا في الحسبان مروره ببلاد المجوس في طريقه إلى القسطنطينية (١).

وما يهمنا هنا : أن المسلمين على اختلاف أجناسهم ومراتبهم ، شغفهم حب الترحال ، وليست كل رحلات الرحالة المسلمين معروفة أخبارها لدينا. فما نعرفه أقل القليل. وحتى هذا القليل داخله الكثير من الأساطير ، بالإضافة إلى أن هناك رحالة لا نعلم من أمرهم شيئا : إما لانهم لم يدونوا رحلاتهم أو لأنهم لم يوفقوا فيها سواء في الذهاب أو العودة ولم يعرف مصيرهم. ومثال ذلك سلطان مالي محمد بن قو.

وهكذا نجد أنه كانت لمسلمي المشرق أو ، المغرب والأندلس رحلات إلى خارج أقطارهم منذ وقت مبكر وإن تنوعت أقطارها وجهاتها وبهذا تكون الرحلة ليست جديدة على المسلمين في مختلف أقطارهم. وإن كانت بدايتها في كلا الجهتين للعلم.

__________________

(١) احمد مختار العبادي : تاريخ المغرب والأندلس ، ص ١٥٢ ـ ١٥٤ ؛ أحمد مختار العبادي : في التاريخ العباسي والأندلسي ، ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

٦٧
٦٨

الفصل الأول

فن الرحلة عند المغاربة والأندلسيين

١ ـ أنواع الرحلات والبرامج.

٢ ـ خصائص الرحلات المغربية والأندلسية :

أ ـ خصائص عامة.

ب ـ خصائص خاصة.

٣ ـ أهمية الرحلات المغربية والأندلسية.

٦٩
٧٠

فن الرحلة عند المغاربة والأندلسيين

الرحلة فن من فنون الأدب العربي. تخصص وبرع فيه الرحالة المسلمون وخاصة المغاربة والأندلسيين لكثرة دوافعهم في القيام بمثل هذه الرحلات.

ومن أهمها :

١ ـ أداء فريضة الحج وزيارة المدينة المنورة.

٢ ـ طلب العلم من منابعه الأصلية مكة المكرمة والمدينة المنورة ، ومن المراكز الأخرى في الدولة الإسلامية كبغداد ودمشق والقاهرة وغيرها والتى أصبحت محط أنظار طلبة العلم. فسعوا للقاء العلماء فيها والاستفادة منهم (١).

وعلى ضوء ما سبق نستطيع القول : بأن السببين السابقين كانا نقطة انطلاق للرحلات المغربية والأندلسية ، والتي لم تحظ بعناية المؤرخين بالمعلومات عنها إلا أسماء بعض ممن رحلوا إلى المشرق ، ومن أبرز هذه المؤلفات التي عنيت بذلك نفح الطيب ، إذ حفل بالعديد من التراجم والتي بلغت ثلاثمائة ترجمة في هذا الصدد (٢).

وهذا النوع من الرحلات شاع في المغرب والمشرق على السواء ، ولم تلبث الرحلات أن تأصلت في المغاربة والأندلسيين وأصبحت فنا قائما بذاته. من حيث تدوينه بأسلوب مميز في سفر يشمل تاريخ الخروج والوصول إلى كل مدينة ، مع إعطاء لمحة وافية عنها وقائمة بأسماء مراحل السفر ومراكز الماء إلى الحجاز. كما يشمل وصفا مفصلا لمكة المكرمة والمدينة المنورة في جميع النواحي ، ومناسك الحج والعلماء المأخوذ عنهم. وعقب أداء الفريضة يتابعون طريقهم إلى المراكز العلمية المعروفة لتلقي المزيد من العلم فيها مع إعطاء وصف شامل لها.

__________________

(١) صالح محمد فياض أبو دياك : التبادل الفكري بين المغرب والأندلس وشبه الجزيرة العربية ، مجلة الدارة ، العدد الثاني ، السنه ١٣ ، محرم ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٧ م ، ص ٩٨ ـ ١٢٥.

(٢) المقري : نفح الطيب ، ج ٢.

٧١

ومن خلال تتبع هذه الرحلات نجدها تسجيلا حيا للمجتمع الإسلامي في تلك الفترة من كافة جوانبه.

أولا : أنواع الرحلات والبرامج

كان الرحالة المغاربة والأندلسيون ينتهزون فرصة أدائهم فريضة الحج في التجول بين المراكز العلمية ، مثل الاسكندرية والقاهرة ؛ للقاء العلماء والأخذ عنهم ، وتسجيل أسماء مشايخهم وأسانيدهم ومروياتهم وما أخذوه عنهم من كتب وإجازات. فمن هؤلاء الرحالة على سبيل المثال ابن رشيد.

فقد حرص ابن رشيد على لقاء العلماء والأخذ عنهم. وقد سجل ذلك بأوضح صورة تكاد تنطق بما كانت عليه هاتان المدينتان من نشاط علمي ؛ خاصة في ميدان رواية الحديث وما يتعلق به.

زار ابن رشيد الإسكندرية والقاهرة في طريقه إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج سنة ٦٨٤ ه‍ / ١٢٨٥ م. وتردد على المجالس العلمية لتلقي العلم إما قراءة أو سماعا. وأجاز له عدد من العلماء وحرص ابن رشيد على الإشارة إلى أسماء المؤلفات المعول عليها في التعليم لتلك الفترة.

بالإضافة إلى ترجمته لعدد كبير من أهم العلماء المعروفين في البلدان التي زارها (١). كانت هذه التراجم ذات أثر كبير في إضفاء الصبغة العلمية على رحلته. ونتج عن تدوينه لرحلته ظهور سفر شامل للعديد من الجوانب التي تعكس الطابع الحضاري ونتائجه العلمية والفكرية التي كانت عليها الديار المصرية في أواخر القرن السابع الهجري.

بالإضافة إلى أنها من أوسع البرامج (٢) أو الفهارس العلمية لما اشتملت

__________________

(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٢ ، ٣ ، ٥.

(٢) البرنامج يقابل معنى الفهرسة فهو كتاب يجمع فيه الشيخ أسماء شيوخه وأسانيده من مروياته وقراءته على أشياخه والمصنفات ونحو ذلك فلفظ برنامج يستعمله أهل الأندلس كثيرا والبرنامج يرادف الفهرسة والمعجم والثبت والمشيخة. انظر الكتاني : فهرس الفهارس ، ج ١ ، ص ٦٧ ـ ٧١.

٧٢

عليه من تراجم وافية وأسانيد مضبوطة وأسماء مؤلفات وكتب. ويمكننا أن نطلق على هذا النوع من الرحلات الرحلات العلمية. وهي أحد نوعي الرحلات المغربية والأندلسية والتي اتخذت أساسا للخروج للحج وأطلق عليه لفظ البرنامج والغالب فيه الجانب الثقافي ؛ إذ يكاد يخلو من الوصف الجغرافي والتطرق للأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اختصت بها الرحلات المغربية والأندلسية الأخرى.

ومن هنا فالبرنامج نوع من الرحلات قائم بذاته. انصب اهتمام مؤلفه على الجانب العلمي فقط.

وهناك رحالة مغاربة وأندلسيون اعتنوا بالجانب العلمي ، وكتبوا برامجهم التى دلت على مكانتهم العلمية في الدين وعلومه ، مثل ابن جابر الوادي آشي.

إذ أن برنامجه يغلب عليه الإكثار من جمع الأحاديث والرواية ولقاء العلماء. فهو سجل علمي جمع فيه الأدبيات وتراجم العلماء وأسماء كتب مشهورة في ذلك الوقت بعضها لم يعرف إلا من خلال رحلته بسبب فقدها وضياعها (١). أو لعلها فقدت في المشرق ووجدت بعد عدة قرون في طيات كتب هؤلاء الرحالة. بالإضافة إلى عدم معرفة المشارقة أصلا بأسماء مؤلفيها مثل الفاكهي وأبي على الهجري والهمداني فمثل هؤلاء الرحالة كان إسهامهم عظيما في نشر الثقافة ... حيث إنهم حلقة الوصل بين المشرق والمغرب الإسلامي (٢).

تجول ابن جابر الوادي آشي في معظم المراكز الإسلامية المعروفة في ذلك الوقت والتي كانت منار إشعاع للعلم والعلماء. فأخذ الوادي آشي عن علماء في الإسكندرية والقاهرة وبيت المقدس والخليل ودمشق ومكة المكرمة والمدينة المنورة ، وعاد للتدريس بتونس. وقد علا شأنه بفضل ما أخذه وجمعه في رحلته ، ولم

__________________

(١) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، طبعة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، ص ٦.

(٢) أبو علي الهجرى : أبو علي الهجري وأبحاثه في تحديد المواضع ، ص ١١ ـ ١٢ ؛ الدرعي : ملخص رحلتي ابن عبد السلام المغربي ، ص ١٧.

٧٣

يكتف بذلك ؛ بل رحل أيضا إلى المغرب والأندلس حيث بلغ عدد شيوخه الذين أخذ عنهم تسعة وسبعين ومائتي شيخ وشيخة (١). فتمتع بمكانة عظيمة وتمكن في سنة ٧٤٨ ه‍ / ١٣٤٧ م من عقد المجالس العلمية ، فجمع فيها بين علماء تونس والمغرب والتي حفلت بالمناقشات والمناظرات العلمية (٢).

ومن ضمن الرحالة المغاربة والأندلسيين الذين ألفوا البرامج ؛ الرعيني : فبرنامجه يخلو تماما من الوصف الجغرافي ، إذ أورد فيه أسماء شيوخه.

وعدد من ذكرهم من المشارقه سبعة علماء ذكرهم باقتضاب ، أما الباقون فلم يورد عنهم شيئا وسبب ذلك كما قال" لا يعرف طرقهم ولا عمن أخذوا" (٣) لسهوه ؛ لذا فرحلته علمية وهدفه أداء مناسك الحج وإن لم يعن بذكر ذلك.

نلاحظ أن رحلة البلوي والتي قام بها في سبيل العلم وأداء الفريضة قد شملت إلى جانب ذلك الوصف الجغرافي وكتبت بأسلوب أدبي جميل ، فاعتنى البلوي بوصف المدن التي مر بها وحلقات العلم الموجودة بالمساجد ، بالإضافة إلى وصف المساجد مع ذكر الدواوين الشعرية الذائعة في عصره وتراجم الأعلام الذين لقيهم في رحلته والقضايا الفكرية السائدة لتلك الفترة وإجازات لكتب حصل عليها.

ولكل ما سبق اشتملت رحلته على أسس ومقومات الرحلة المغربية والأندلسية. ولا يمكننا القول : إنها برنامج وتراجم لشيوخه فقط. فهي مزيج من رحلة علمية ورحلة وصفية. فكان الناتج نوع جديد من الرحلات يعد خليطا من النوعين السابقين.

أما الرحالة ابن بطوطة فلم تكن رحلته رحلة علمية. وإنما كان ابن بطوطة رحالة بالدرجة الأولى. فسبب رحلته الأساسي ، الحج ومن ثم قام بالسفر والتجوال في أرجاء العالم مع إيراده لأسماء العلماء الذين لقيهم إجلالا لقدرهم.

__________________

(١) ابن جابر الوادي آشي : برنامج ابن جابر الوادي آشي ، طبعة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ص ١٥.

(٢) ابن جابر الوادي آشي : برنامج ابن جابر الوادي آشي ، طبعة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ص ١٥.

(٣) الرعيني : برنامج شيوخ الرعيني ، ص ١٧٩.

٧٤

بينما نجد أن سبب خروج الرحالة ابن جبير الأساسي هو الحج ، مع حرصه الدائم على حضور المجالس العلمية المعقودة في المدن التي مر بها ، إلا أنه أغفل الحديث عن هذا الجانب وما كان يجري فيها من مناظرات أو دروس مثلما حدث معه عند ما كان في مدينة بغداد (١).

لذا لا يمكننا أن نطلق على رحلة ابن جبير لفظ رحلة علمية على الرغم من أن ابن جبير كان واضع الأسس والمقومات للرحلة وتأليفها. وقد اقتفى نهجه الرحالة المغاربة الذين جاءوا من بعده. أما الرحالة العبدري فسبب رحلته الرئيس الحج ولكنه سعى إلى لقاء العلماء والحصول على الإجازات منهم.

واحتوت رحلة العبدري على شيء من التفصيل والتوسع بخلاف الرحلات السابقة لإيراده بعض القضايا وما قيل في مناقشاتها من آراء ثم أتبع ذلك برأيه استنادا على ما قيل في الكتب السابقة.

أما الرحالة التجيبي السبتي فبالرغم من نقصان رحلته إلا أنها مليئة بتراجم للعلماء الذين لقيهم وأجازوه والكتب التي حصل عليها مع ملاحظة أن رحلته هدفها أداء الفريضة وطلب العلم.

ومن هنا لا نستطيع الفصل بين أسباب رحلات الرحالة المغاربة والأندلسيين ، وهي أداء الفريضة والسعي لطلب العلم.

أما النوع الآخر من الرحلات فهو عن الرحلات الوصفية :

فممن عني بالجانب الوصفي ابن جبير ، حيث إنه يأتي في المقام الأول بين الرحالة ، ويأتي بعده البلوي والتجيبي السبتي وابن بطوطة والعبدري وابن رشيد وإن انصب اهتمام ابن رشيد على الجانب الثقافي ؛ وبهذا يأتي وصفه مكملا لمضمون رحلته ولكنه ليس الأساس.

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٩٥ ـ ٢٠٠.

٧٥

وتشمل الرحلات الوصفية على الجوانب التاريخية القديمة والمعاصرة للرحلة ، والنواحي الاقتصادية والاجتماعية السياسية. وقد اشترك في هذه النواحي والتطرق لها جميع الرحالة ما عدا الرعيني وابن جابر الوادي آشي (١) لاختصاصهما بكتابة البرامج. وعلى الرغم من أن هذه الرحلات قد غلب عليها الجانب الوصفي إلا أنها اشتملت على الجانب الثقافي ، وهو ما اشترك فيه جميع الرحالة بدون استثناء.

فنجدهم يخرجون أساسا للحج وطلب العلم ، ومن ثم يأتي الوصف بجميع جوانبه وإن طغى جانب على جانب آخر أحيانا. وهو ما نستطيع القول عنه : إنه السمة المميزة لأحدهم دون الآخر في كتاباته.

ثانيا : خصائص الرحلات المغربية والأندلسية

انفرد الرحالة المغاربة والأندلسيون في كتابة رحلاتهم بخصائص ميزتهم عن غيرهم من الرحالة المشارقة ، والتي أصبحت سمة بارزة من سمات أدب الرحلات المغربية والأندلسية. كما انفرد كل رحالة ببعض الخصائص في رحلته.

ويمكننا أن نقسم هذه الخصائص إلى خصائص عامة وخاصة.

* الخصائص العامة :

أ ـ التجربة والاختبار :

اعتمدت معلومات الرحالة المغاربة والأندلسيين والمدونة في رحلاتهم على التجربة والاختبار في أغلب الأحيان ، لا على الرواية والنقل ؛ فمثلا ابن جبير قام بقياس طول وعرض المسجد الحرام (٢). أما العبدري والتجيبي السبتي فأثبتا نفس القياس وأرجعا نسبته إلى الأزرقي (٣). وكذلك ابن بطوطة (٤) وعلى الرغم من بقائه مدة طويلة بمكة المكرمة إلا أنه لم يشر إلى قياسه بنفسه. ولعل الأمر يعود إلى طول غيابه عن وطنه وفقدان أوراقه التي دون فيها ملاحظاته.

__________________

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٥ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٢.

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٧.

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٥ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٢.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٢.

٧٦

ب ـ الرحلة للحج وطلب العلم :

تنوعت أسباب رحلات الرحالة إلى المشرق ما بين أداء الفريضة وطلب العلم وربما التجارة (١) ، فابن جبير كان أساس خروجه ورحلته إلى المشرق لأداء فريضة الحج (٢) ، وكذلك ابن بطوطة والرعيني وابن جابر الوادي آشي. وإن كان الأخيران لم يتطرقا لكيفية أدائهما الفريضة كما فعل غيرهما من الرحالة.

وأيضا التجيبي السبتي والبلوي وابن رشيد رحلوا لأداء الفريضة والعلم ، ولكنهم ساروا على أسس وخصائص الرحلة المغربية والأندلسية في تسجيل رحلاتهم.

ج ـ الوصف الجغرافي والعمراني :

إن الوصف الجغرافي هو القاسم المشترك لأغلب الرحالة المغاربة والأندلسيين. فقد اختصت معظم كتاباتهم بالوصف الجغرافي لكل مكان وصلوا إليه وعاينوه بالمشاهدة. فمنهم من أسهب في الوصف كابن جبير ، ومنهم المقل كابن رشيد ، ومنهم من لم يتطرق للوصف الجغرافي كالرعيني وإبن جابر الوادي آشي اللذين اتسمت كتاباتهما بطابع البرامج. ووصل اهتمام الرحالة المغاربة والأندلسيين بالوصف الجغرافي إلى درجة كبيرة. فنجد أن من لم يتسن له التدقيق في الوصف أو من لم تسعفه الذاكرة عند كتابته لرحلته يعتمد إلى النقل عن سابقيه للشيء الذي اشتركا في رؤيته وشمل الوصف الجغرافي والعمراني لديهم.

١ ـ وصف الأحوال الجوية.

٢ ـ وصف المدن.

٣ ـ وصف المساجد.

٤ ـ وصف المباني.

٥ ـ وصف أماكن وجود الماء والبساتين.

٦ ـ وصف القلاع والحصون.

٧ ـ وصف البحر.

__________________

(١) مثل العبدري فقد انتهز فرصة خروجه للمشرق للتجارة. انظر العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٨.

(٢) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٥.

٧٧

٨ ـ وصف الجبال والصحراء.

٩ ـ وصف الطرق والقرى.

١٠ ـ وصف الآثار التاريخية القديمة.

١١ ـ وصف المجتمعات وأخلاقها وطباعها.

١ ـ وصف الأحوال الجوية :

إن اهتمامهم بكل ما يشاهدونه امتد ليشمل الأحوال الجوية التي عانوا منها. فمن ضمن الرحالة الذين تطرقوا لذلك في كتاباتهم الرحالة ابن جبير والبلوى (١).

٢ ـ وصف المدن :

من أهم ما عرف عن الرحالة المغاربة والأندلسيين وصف المدن. وهم لم يكتفوا بذلك ؛ بل اتبعوا ذلك بآرائهم الخاصة مثل ابن جبير والتجيبي السبتي (٢).

٣ ـ وصف المساجد :

أبرز خصائص كتابات الرحالة المغاربة والأندلسيين اعتناؤهم الفائق بوصف المساجد ، وخاصة المسجد الحرام والمسجد النبوي وقد اشترك جميعهم في وصفهما ما عدا أصحاب البرامج.

ولم يقتصر وصفهم للمسجدين على حالتهما أثناء المشاهدة ، ولكن امتد ليشمل الناحية التاريخية لهما ، والإصلاحات التي حدثت بهما والقائمين بها وأماكن حلقات العلم والأئمة فيهما وغيرها من الأمور المتعلقة بالمسجدين. فممن أولى عنايته لتاريخ عمارة المسجد الحرام (٣) والمسجد النبوي إبن جبير والعبدري

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٠٠ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ١ ، ص ٢٩٥.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٣ ـ ٥٤ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٩ ، ٨٦ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٠ ـ ١٨٣ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٠ ، ٢٣٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٢ ، ١٤١ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٢٩ ، ٣٠٧.

٧٨

وابن بطوطة والبلوي (١). أما التجيبي السبتي فكان ممن أسهب في هذه الناحية بالإضافة إلى ذكر الزيادات التي تمت بهما والقائمين بها (٢). إلى جانب ذكر المساجد الموجودة بالأماكن التي زاروها مثل التجيبي السبتي (٣).

٤ ـ وصف المباني :

أبرز من توسع في وصف المباني ابن جبير والتجيبي في وصفهما لمباني مدينة جدة ومكة المكرمة (٤).

٥ ـ وصف أماكن وجود الماء والبساتين :

تكاد لا تخلو رحلة من الرحلات الوصفية من وصف لأماكن وجود الماء سواء التي كانت في الطريق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة أو في داخل المدن.

وسواء كانت آبارا أو عيونا مع ذكر أسمائها ومواقعها داخل المدن والقرى وكيفية أخذ الماء منها. وهذا لا يتعلق بالمدن والقرى الموجودة في الحجاز فقط ؛ بل تعداه إلى جميع الأماكن في المناطق التي زاروها مثل ابن جبير (٥).

إن أكثر البساتين التي لفتت انتباه الرحالة المغاربة والأندلسيين في رحلاتهم ما شاهدوه في مر الظهران (٦) وبدر والمدينة والزاهر (٧) بمكة المكرمة.

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٩ ـ ٨٦ ، ١٦٨ ـ ١٧٣ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٠ ، ١٨٤ ، ٢٠٤ ، ٢٠٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ١٣٢ ، ١٤١ ، ١١٥ ، ١٢٠ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٩٨ ـ ٣٠٧.

(٢) التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٠ ـ ٢٣٢.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٣ ، ١٢٣ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٨.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٨٦.

(٦) (مر الظهران أو بطن مر) ويعرف الآن بوادي فاطمة وهو واد به عيون كثيرة وهو يعد من ضواحي مكة المكرمة وبين البيت المشرف ومر ستة عشر ميلا وسميت مر لمرارتها أو لأن في بطن الوادى بين مر ونخله عرق من الأرض أبيض وعند مر الظهران يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا. ومر هي القرية والظهران الوادي وفيه عيون ونخيل وجميز. انظر عرام بن الأصبغ : أسماء جبال تهامة ، ص ٤١٥ ؛ الأصفهاني : بلاد العرب ، ص ٢٤ ـ ٣٢ ؛ البكرى : معجم ما استعجم ، ج ٤ ، ص ١٢١٢ ؛ ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٤٤٩.

(٧) (الزاهر) هي الآن داخل مكة المكرمة وتعرف بالشهداء والزاهر كانت تعرف سابقا بفخ. أنظر الحربي : المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة ، ص ٤٦٧.

٧٩

ويمكننا القول : إن سبب ذكرهم لها عائد إلى أن الأماكن التي مروا بها مناطق جرداء ؛ لذلك لفتت انتباههم تلك المزروعات.

٦ ـ وصف القلاع والحصون :

كان لوصف الاستحكامات الحربية من حصون وقلاع نصيب من وصف الرحالة المغاربة والأندلسيين ، سواء كانت بحالة جيدة أو خربة ، مثل ما ذكره ابن جبير والعبدري وابن بطوطة (١).

٧ ـ وصف البحر :

كان لوصف البحر ومخاطره وأهواله وغدره بالإنسان نصيب في كتابات الرحالة. ولا شك أن المبدع في وصفه لا بد أن يكون أديبا بارعا. ونلمس تلك البراعة والإتقان لدى ابن جبير والتجيبي السبتي أثناء عبورهما للبحر الأحمر في طريقهما إلى جدة حيث أبدع كلاهما في وصف معاناتهما فيه إلى أن وطئت أقدامهما الأرض (٢). ولا ريب أنه لو قدر لباقي الرحالة المغاربة والأندلسيين ركوب البحر لما ترددوا في وصفه لأن معظمهم أدباء مبدعون متقنون للشيء الذي يصفونه ، فيحس المرء بإحساسهم ؛ وكأنه معهم ناظر لما يصفونه.

٨ ـ وصف الجبال والصحراء :

إن مما اشتمل عليه وصف الرحالة المغاربة والأندلسيين الجبال ، وقاموا بوصفها بجميع أبعادها مع التطرق لتاريخها إن وجد. ومثال ذلك وصف ابن جبير (٣) لجبال في الزاهر. وقد أورد ابن بطوطة أيضا وصفها ولكن باختصار.

وكذلك البلوي ذكرها ولكنه لم يفصل (٤).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٢ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٤٩ ـ ٥٠ ؛ التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٢ ـ ٢١٤.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٨ ـ ٨٩.

(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٤ ـ ١٤٥ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٤٧ ـ ٤٨.

٨٠