الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

مداخلها الثلاثة حيث شاهد ابن جبير آثاره من جهة المعلاة والمسفلة والعمرة (١) وهي المداخل المستخدمة في دخولها. وأغلب الظن أن هذا السور يعود بناؤه إلى زمن المقتدر بالله (٢). ولعله أول سور أقيم عليها إذ لم تشر المصادر إلى وجود سور قبل ذلك. ويبدو أنه قد أصابه التلف أو السقوط إذ يلاحظ آثار تجديد له فيما بعد فقد رأى العبدري سورا جديدا من الصخور عبارة عن «حائطين من الصخور لا ملاط (٣) له قطعا الوادي عرضا في أعلى مكة وأسفلها» (٤).

ويبدو أن الشريف أبا عزيز قتادة هو القائم بتجديده من قبل المظفر (٥).

صاحب إربل سنة ٦٠٧ ه‍ / ١٢١٠ م (٦).

وجعل لهذا السور أبواب منها باب المعلاة في أعلى مكة للوصول إلى الحجون ، فالحجون فيما يبدو من أقوال الرحالة كانت خارج مكة لم يمتد إليها العمران بعد. ومنها باب المسفلة جهة الجنوب وباب يسمى الزاهر أو العمرة أو الشبيكة في الجهة الغربية (٧).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٩١.

(٢) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٢٦.

(٣) الملاط الطين الذي يجعل بين البناء ويملط به الحائط ، انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٤٠٦.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٣.

(٥) كوكبري بن أبي الحسن على بن بكتكين الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل له مآثر حسنة بمكة ولد بقلعة الموصل ليلة الثلاثاء سابع عشر المحرم سنة ٥٤٩ ه‍ / ١١٥٤ م وتوفي ليلة الجمعة رابع عشر رمضان سنة ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م بقلعة إربل ودفن بها ثم حمل ليدفن بمكة بوصية منه في سنة ٦٣١ ه‍ / ١٢٢٣ م فرجع الحاج ولم يصلوا مكة فردوه ودفنوه بالكوفة. انظر الفاسي : العقد الثمين ، ج ٧ ، ص ١٠٠ ـ ١٠٧.

(٦) ابن المجاور : تاريخ المستبصر ، ص ٩ ـ ١٠ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٢٦.

(٧) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٧ ـ ٨٩ ؛ العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٣ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣١ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ،

٤٠١

وما ذكره الرحالة في أسوار وأبواب مكة أيده مؤرخو مكة في ذلك الوقت (١).

أسوار المدينة المنورة :

أشار ابن جبير إلى وجود سورين متقابلين اشتملا على أربعة أبواب متقابلة مصنوعة من الحديد يسمى أحدها باب الحديد والآخر مغلق يسمى باب القبلة وأيضا باب الشريعة وباب البقيع المفضي إلى البقيع شرقي المدينة (٢).

وقام الوزير الجواد بتشييد هذا السور (٣).

ويبدو أن السور قد أصابه الإهمال في زمن رحلة العبدري. حيث إنه لم تمتد إليه يد العمران طوال الفترة بين ابن جبير والعبدري والتي تقّدر بأكثر من قرن ، كما وأن العبدري لم يشر إلى عدد أبواب المدينة مكتفيا بالقول باشتمالها على عدة أبواب (٤).

وقد ذكر السمهودي وجود أربعة أبواب للمدينة ولكن بأسماء غير الأسماء التي ذكرها الرحالة (٥). أما ابن بطوطة فلم يتطرق لوصفها العام

__________________

ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ؛ وذكر التجيبي أن باب العمرة يعرف الآن بالشبيكة وقديما بالذاهد ولعله أخطأ في اسمه فهو الزاهر وأرجع تسميته بالشبيكة إلى بئر بذلك الموضع معروف هناك. انظر ، التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٣٣ ؛ وسماه العبدري الشبيكة. انظر العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٧٣ ؛ اما ابن بطوطة فسماه بالشبيكة والعمرة. انظر ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣١ ؛ وسماه البلوي بالزاهر أو العمرة. انظر البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٩. وربما يكون اسم الشبيكة نسبة إلى آبار تعرف بالشبيكة هناك. انظر ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٩.

(١) ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٩ ـ ١٠ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٢٦.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٣ ، ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٣) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٢ ، ص ٢١٣ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٧٦٨. انظر الرسم رقم ٢٦ ، ٢٧.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٣.

(٥) وهى باب بالغرب يعرف بدرب المصلى أو سويقه والباب الثاني في الغرب أيضا يعرف بالدرب الصغير. والباب الثالث يعرف بالدرب الكبير أو الشامي والرابع يعرف بالبقيع في الشرق.

٤٠٢

بينما اتفقت معلومات البلوي وابن جبير بشأنها (١) ، ولعله اعتمد عليه في وصفه.

أسوار جدّة :

عليها سور محيط بها أشار إلى آثار ابن جبير ، وذكره ابن المجاور وقال :

إن أول القادمين إلى جدة من الفرس قاموا بتشييد سور حولها به أربعة أبواب (٢) ، وقد يكون اهتمام الفرس بجدة يرجع إلى رغبتهم في السيطرة على طريق التجارة بهذه المنطقة.

الحصون :

الحصون الموجودة بطرق الحجاز :

حصن بناه الشريف أبو نمي بالبرابر سماه بالجديد ذو بناء محكم شاهده التجيبي (٣). كما وجد بعسفان حصن قديم ذو أبراج ولكنه لقدمه وخرابه غير مأهول (٤). وبخليص حصنان أحدهما ذو عمارة جديدة مبني على ربوة والآخر متهدم يقع أسفل منه (٥).

وفي بدر حصن على ربوة مرتفعة على مدخل بدر أغفل وصفه ابن جبير (٦) ، وبالعلا حصن حوله دور كثيرة (٧).

__________________

انظر السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٧٧٠.

(١) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٩٠.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٤ ؛ ابن المجاور : تاريخ المستبصر ، ص ٤٣. انظر الرسم رقم ٢٨.

(٣) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٢٢.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٣ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٦) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٧) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٥.

٤٠٣

أما الصفراء فقد أشار الرحالة إلى وجود حصون كثيرة بها منها حصنان يسميان التوأمين وآخر يعرف بالحسنية ورابع يعرف بالجديد وغيرها حصون كثيرة (١).

الحصون بمكة المكرمة :

شيد الأمير مكثر بن عيسى حصنا فوق جبل أبي قبيس للتحصن فيه ولكن هدمه أمير الحاج العراقي إذ اعتبر بناء شيء كهذا خروجا عن أوامر الخليفة (٢). وقد أورد ابن الجوزي خبر هذه القلعة التي بناها أمير مكة كما فصل ابن فهد في خبر حادثة هدمها في حوادث سنة ٥٧١ ه‍ / ١١٧٥ م (٣).

الحصون بالمدينة المنورة :

ورد ذكر حصون بالمدينة في كتب الرحلات منها حصن متهدم على حافة الخندق سماه ابن جبير وابن بطوطة بحصن العزاب ونسبوا بناءه لعمر بن الخطاب الذي قام بإسكان عزاب المدينة فيه (٤) ، ولم نجد لهذا الحصن ذكرا في كتب المصادر التي تيسر لنا الاطلاع عليها وليس بمستبعد قيام عمر بن الخطاب ببنائه.

ومما سبق نجد أن أهل الحجاز قد عرفوا بناء القلاع والحصون وإن كنا لا نعرف الكثير عن تفاصيلها المعمارية أو أية تفاصيل أخرى عن المواد المستخدمة في بنائها.

ولا ننسى الخندق الموجودة آثاره بالمدينة بالجهة الغربية منها كما أشار إلى ذلك ابن جبير (٥).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٥ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٥٢.

(٣) ابن الجوزي : المنتظم ، ج ١٠ ، ص ٢٦٠ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٣٦ ـ ٥٣٨.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٦ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٦.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٥.

٤٠٤

القبور :

قبر السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها بمكة المكرمة :

جاء أول ذكر لقبرها لدى التجيبي الذي أشار إلى وجوده بالمعلاة دون تحديد لمكانه (١). ومما يلفت النظر هنا أنه خلال وجود التجيبي بمكة سنة ٦٩٦ ه‍ / ١٢٩٦ م لم يتوصل لتحديد مكانه خاصة وأن السابقين من الرحالة أغفلوا الإشارة إليه. بينما أشار ابن بطوطة إلى وجوده بجانب قبر الخليفة أبي جعفر المنصور (٢). وعلى ذلك فهي أول رواية تقوم بتحديده دون إثبات الطريقة المتبعة في ذلك من إرجاع أصل الخبر إلى أهل العلم ، إضافة إلى أن أبا جعفر المنصور لم يعرف على وجه الدقة القبر المدفون فيه (٣).

والسؤال الذى يطرح نفسه هو عن كيفية معرفة أهل مكة المكرمة لقبر السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها ثم قبر الخليفة أبي جعفر المنصور مع ملاحظة الفارق الزمني بين الاثنين وقد عقّب الفاسي بالقول في هذا الموضوع : «ليس في القبر الذي يقال له قبر خديجة بنت خويلد أثر يعتمد» (٤).

القبور بالمدينة المنورة :

قبر حمزة رضي‌الله‌عنه وقد بني عليه مسجد وتنتشر قبور الشهداء بجواره. بالإضافة إلى وجود تربة حمراء منسوبة لحمزة رضي‌الله‌عنه يتبرك الناس بها (٥) ، وهو من البدع الشائعة والتي أشار بعض الرحالة إليها والدالة على معتقداتهم وحالتهم الدينية في تلك الفترة.

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤١ ويعرف الآن جزء من قبور المعلاة والتي تقع على يمين الصاعد إلى الحجون بقبور السيدة. انظر الرسم رقم ٢٩ ، ٣٠.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٢.

(٣) ابن الأثير : الكامل ، ج ٥ ، ص ٤٤.

(٤) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٤٥٦.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٣.

٤٠٥

كما أشار ابن جبير إلى وجود مشهد صفية عمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يسار الخارج للبقيع أمام قبرها قبر مالك بن أنس وعليه قبة صغيرة وأمام قبره قبر إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه قبة بيضاء أيضا وعلى يمينه قبر عبد الرحمن ابن عمر بن الخطاب وبجواره قبر عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر الطيار رضي‌الله‌عنهم. وبجوارهم روضة فيها قبور أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبجانب الروضة روضة صغيرة فيها قبور ثلاثة من أولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) وتليها روضة العباس ابن عبد المطلب والحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما وعليها قبة عالية وموقع هذه الروضة على يمين الخارج من باب البقيع وموضع قبريهما متسع وقد دفن الحسن قرب قبر العباس رضي‌الله‌عنهما ، أما صفة القبرين فإنهما مرتفعان ويغطي كلا منهما ألواح من الصفر تمسكها بعض المسامير وينطبق الأمر كذلك على قبر إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي آخر البقيع قبر عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه وعلى قبره قبة صغيرة وعلى مقربة منه مشهد لفاطمة بنت أسد أم علي رضي‌الله‌عنهما ونقش على قبرها «ما ضم قبر أحد كفاطمة بنت أسد» (٢).

واتفق ابن جبير مع ابن النجار حول مواضع قبور الصحابة ، إلا أن ابن جبير زاد عليه بتعيين قبر عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وقبور أولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما اختلف ابن النجار مع ابن جبير في أن قبر العباس عليه طين ، كما أن قبر الحسن بن علي عليه قبة كبيرة مرتفعة قديمة البناء عليها بابان ودفن الحسن بجوار قبر أمه فاطمة الزهراء بناء على طلبه فتم له ذلك (٣).

__________________

(١) من المعروف أن النبي صلى توفي أولاده صغارا بمكة ولكن ربما المقصود هنا بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو تكون من جملة الأخطاء التي وقع فيها الناس في ذلك الوقت ولم يسلم من الوقوع فيها الرحالة أنفسهم بسبب اشتهارها.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٣) ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٥٣ ؛ حمد الجاسر : رسائل في تاريخ المدينة ، ص ١١.

٤٠٦

أما القول بأنها مدفونة بالمسجد النبوي في دارها فليست لدينا معلومات واضحة بصدده ، وخاصة أنها دفنت ليلا ولم يعلم أحد بمكان دفنها. وقد يكون القبر الموجود بالمسجد النبوي هو قبر لإحدى بنات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ، فالرحالة أشاروا بوجود قبر بالمسجد النبوي نسبوه لفاطمة الزهراء (٢).

كما ذكر ابن النجار أن على قبر إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبة ساج وعلى قبر عثمان بن عفان قبة مرتفعة (٣).

كما أشار ابن رشيد إلى قبر عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه وقبر فاطمة بنت أسد وقد قرأ النقش الموجود على قبرها «ما ضم قبر أم أحد كفاطمة بنت أسد» (٤) ، ثم زار قبر إمام الهجرة مالك بن أنس ولم يتعرض لوصف أحوال تلك القبور (٥).

ونجد أن العبدري لفت انتباهه المميزات التي اختصت بها تلك القبور فقال واصفا : إن القبور الموجودة بالبقيع والتي تخص الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين وجد على أكثرها قباب ومبان وأشهر القباب وأعلاها وأجملها وأكبرها قبة عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه (٦) ، ويلاحظ هنا اختلاف عما أورده ابن جبير. حيث يبدو أن القبة قد طرأ عليها التجديد حتى بدت بهذا المنظر الذي وصفه العبدري.

ثم تأتي قبة العباس في الجمال والعلو والاتساع بعد قبة عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنهما. وأكد العبدري أن على كل عدة قبور قبة أو مبنى إلا قبر

__________________

(١) السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٣ ، ص ٩٠٢.

(٢) انظر فيما سبق ، ص ٢٢١ ، ٣٩٣.

(٣) ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٥٣ ـ ١٥٦.

(٤) نلاحظ زيادة كلمة أم في النقش عما ذكره ابن جبير ولعل ذلك دلالة على تجديد النقش.

(٥) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٩.

(٦) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٣.

٤٠٧

الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه ، وفي موضع رأسه حجر كتب فيه «توفي الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ومولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين».

وقد قام العبدري بالتبرك بالقبور مثل عامة الناس في ذلك الوقت وحمل معه بضع حصيات من قبر الإمام مالك على سبيل البركة والذكرى (١). ونلاحظ هنا أن العبدرى بالرغم من نقده اللاذع لما يفعله المسلمون من أمور تخالف الشرع نجد أنه انزلق هو أيضا في هذا الأمر وكأنه تناسى ما كان يقوله لمن يفعل مثل هذه الامور عند ما قام بأخذ هذه الحصيات.

القبور بجدّة : شاهد ابن جبير خارج جدّة قبة مبنية قيل : إنها منزل حواء أم البشر في حين قال التجيبي في رحلته بأنه قبرها. ولكن التجيبي أشار إلى أن أهل العلم ينفون ذلك ويذكرون أنه مكان نزولها فبني ذلك البناء تشهيرا عليه لبركته وفضله وأضاف التجيبي أنه رأى بداخلها هيئة قبر (٢).

الآثار المعمارية القديمة بالحجاز :

تحدث الرحالة المغاربة والأندلسيون عن الآثار المعمارية في جدة المستحدث منها والقديم الخرب وسواء ما كان منها في العصور الإسلامية أو قبلها. ومن هذه الآثار القديمة ما ذكره ابن جبير والتجيبي وابن بطوطة والتي تدل على أن جدة كانت مدينة قديمة من مدن الفرس ذات الشأن الكبير (٣) ،

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٠٣.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٤ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٨ ـ ٢١٩. ولا يزال إلى الآن الاعتقاد بأن هذا المكان هو قبرها ولا يزال الموضع معروفا بجدة. انظر الرسم رقم ٣١ ، ٣٢.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٣ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٨ ـ ٢١٩ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٤٠٨

وهذا ليس بمستبعد إذ له دلائل تؤيده أفاض بذكرها عبد القدوس الأنصاري (١) ، إضافة إلى أن الفرس قد عرفوا الحجاز قديما وخاصة مكة وكان ملوكها يعظمون الكعبة المشرفة ويأتون للطواف حولها كما كانوا يهدون إليها الهدايا والتي منها الغزالان اللذان وجدهما عبد المطلب في البئر عند ما حفر زمزم (٢) ، وعليه فربما كانت الفرس منذ تلك الأيام تأتي لمكة إما عن طريق البر أو عن طريق البحر عبر جدّة التي ذكر ابن المجاور قدمها (٣).

ولنا أن نشير إلى أن سبب تعظيم الفرس للكعبة المشرفة لما قيل : إن أسلافهم يرجع نسبهم إلى إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما‌السلام فكانوا يحجون إلى الكعبة المشرفة وكان آخر من حج من ملوكهم ساسان بن بابك (٤).

وقد سبقت الإشارة إلى قدم سورها والجباب المحفورة في الحجر الصلد والتي أشير إلى كثرة عددها وفيها يقول ابن المجاور : إن الفرس بعد أن أتموا بناء جدّة وسورها خافوا من قلة الماء فبنوا هذه الصهاريج لتسد حاجتهم من الماء (٥). وأضاف أن الفرس هم الذين بنو ضريحا على قبر حواء أم البشر وبقي متماسكا إلى سنة ٦٢١ ه‍ / ١٢٢٤ م (٦).

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من غير المعروف قبر أحد من الأنبياء يقينا إلا قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يضعف كون هذا الموضع قبر أم البشر حواء.

__________________

(١) عبد القدوس الأنصاري : موسوعة تاريخ جدّة ، ص ٥٨ ـ ٧٣.

(٢) ابن هشام : السيرة النبوية ، ج ١ ، ص ١٤٦ ؛ المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٢٤٢.

(٣) ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٤٢ ـ ٤٣.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٢٤٢.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٣ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٢ ؛ ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٥٣.

(٦) ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٤٧ ـ ٤٨.

٤٠٩

خامسا : الزخارف والنقوش :

استعمل أهل الحجاز النقوش والزخارف وسجّل الرحالة المغاربة والأندلسيون عددا ليس بالقليل منها ، فمن هذه النقوش ما كتب على واجهات الأبنية سواء منها الدينية أو المدنية ، ومنها ما كتب على شواهد القبور ، ومنها ما كتب لتسجيل حادثة أثبت النقش فناء أصحابها والطريقة التي تم بها هلاكهم فمن هذه النقوش : نقش بداخل قبة الوحي بدار السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها : سجل البلوي نقشا وجد في داخل قبة الوحي يدل على أن الدار كانت محط عناية ملوك وأمراء المسلمين من حيث تجديدها وعمارتها والعناية بها.

كما يشير النقش إلى عناية واهتمام ملوك المسلمين بالتلقب بلقب خادم الحرمين الشريفين ونص النقش «بسم الله الرحمن الرحيم تقرب إلى الله تعالى بعمارة هذا الموضع الشريف المنسوب إلى خديجة رضي‌الله‌عنها ومسكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومهبط الوحي الكريم العبد المفتقر إلى رحمة الله تعالى مولانا السلطان ابن السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر بن على خادم الحرمين الشريفين بلّغه الله تعالى غاية آماله وتقبّل منه صالح أعماله وذلك بتاريخ شهر صفر سنة ست وثمانين وستمائة» (١).

ويبدو أن أول من حمل هذا اللقب السلطان صلاح الدين الأيوبي لأنه وجد نقش في بيت المقدس مؤرخ بسنة ٥٨٧ ه‍ / ١١٩١ م (٢) ، وممن تلقب به أيضا ، السلطان حسام الدين أبو الفتح لاجين المنصوري سلطان مصر فقد سمع التجيبي الدعاء له على قبة بئر زمزم بعد صلاة المغرب من كل يوم وتلقيبه

__________________

(١) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١١.

(٢) حسن الباشا : الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار ، ص ٢٦٨.

٤١٠

ب «ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين» (١). وذلك في سنة ٦٩٦ ه‍ / ١٢٩٦ م.

وتلقب به بعد ذلك السلطان الناصر محمد بن قلاوون. فقد شاهد البلوي نقشا في سقف الروضة الشريفة ، بدأ بقصيدة شعرية وانتهى بسبغ وابل الألقاب على الملك الناصر. وقد أثبت البلوي نص النقش في رحلته فقال «اللهم أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين لعبدك المسكين الذي أوليته أمور المسلمين واخترته على كثير من العالمين السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين وأبو المعالي محمد قسم أمير المؤمنين سلطان الإسلام والمسلمين قاتل الكفرة والمشركين قاهر الفجرة والمتمردين حامي حوزة الدين سلطان الديار المصرية والعراقية والبلاد الشامية ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين ولد السلطان المرحوم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي أدام الله أيامه ونشر في الخافقين رايته وأعلامه وجعل السعد والإقبال حيثما توجه أمامه وكان ابتداء العمل في شهر ربيع الأول وانتهاؤه في جمادى مستهل الأخير سنة إحدى وسبعمائة للهجرة النبوية» (٢).

وما سبق يدل على مدى أهمية هذا اللقب وتنافس الملوك في حمله من مصر واليمن. ويبدو أن هذا اللقب أصبح من ضمن الألقاب الرسمية لملوك مصر المماليك (٣).

نقش عمارة دار مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وكعادة البلوي في الحديث عن النقوش قام بتسجيل نقش يدل على عمارة مكان مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونصه «هذا ما أمر بعمله عبد الله وخليفته الإمام

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٤.

(٢) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٨٥.

(٣) القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٦ ، ص ١٢٠.

٤١١

الناصر لدين الله أبو العباس أحمد أمير المؤمنين أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره في سنة ست وسبعين وخمسمائة وصلى الله على سيدنا محمد وآله» (١).

نقش مسجد البيعة :

نقل التجيبي نقشا في مسجد البيعة يدل على مكانه وقد كتب النقش على حجر بواجهته «هنا كانت أول بيعة كانت في الإسلام» (٢).

نقش رباط الموفق :

أشار هذا النقش إلى تحديد تاريخ وقفه فقد شاهد الفاسي النقش على حجر به ونصه «رباط القاضي الموفق جمال الدين علي بن عبد الوهاب الاسكندري وقفه على فقراء العرب الغرباء ذوي الحاجات المتجردين ، ليس للمتأهلين فيه حظ ولا نصيب في سنة أربع وستمائة» (٣).

وفي هذا إشارة إلى احتواء الأربطة على نقوش تحدد سنة وقفها وواقفها.

نقش مسجد علي بن أبي طالب :

سجل ابن جبير نقشا نقله من واجهة مسجد يشير إلى أن هذا المسجد أصله دار أبي طالب ونصه «هذا المسجد هو مولد علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وفيه تربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان دارا لأبي طالب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكافله» (٤).

__________________

(١) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٢.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٤٨.

(٣) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٥٣٦ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ١ ، ص ١٢٢.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٤١.

٤١٢

نقش المصحف المنسوب لزيد بن ثابت رضي‌الله‌عنه :

أمدنا التجيبي بوصف مفصل للمصحف المنسوب لزيد بن ثابت وقال : إنه كتب على ظهره بخط حديث ما نصه «كتب عام ثمانية عشر لوفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» وذكر أن خط المصحف يشبه الخط الكوفي وكل ورقة من أوراقه عبارة عن جلد كبش كامل قطعت أطرافه. وأضاف أن المصحف أصابه البلل في معظم أجزائه بسبب السيول التي داهمت الحرم عقب التسعين وستمائة (١).

وقد محي كثير من الخط ، وفيه أوراق كتبت بخط حديث ، وإن جميع الخط خال من الضبط سوى أحرف يسيرة معجمة رأى منها الفاء منقوطة وعاين لفظ «الربوا» (٢) هكذا مكتوبة بالواو والألف كما رأى في أول السور عدد أي السور بالخط القديم (٣).

النقوش بالمسجد الحرام :

نقوش المسعى :

شاهد ابن جبير نقشا على الميل الأخضر يثبت عمارة المهدي له مكتوب على لوح وضع في أعلى السارية وقد نقش بالذهب فيه [«إن الصفا والمروة من شعائر الله» (٤) ثم أمر بعمارة هذا الميل عبد الله وخليفته أبو محمد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين أعز الله نصره في سنة ثلاث وسبعون وخمسمائة] (هكذا ورد النص سبعون) كما نقل نقشا آخر كتب على سارية

__________________

(١) لم يدخل المسجد الحرام سيل كبير في هذه الفترة وربما كان السيل الذي حدث سنة ٦٦٩ ه‍ / ١٢٧٠ م وحدث تصحيف للستين فأصبحت تسعين. أنظر الفاسي : شفاء الغرام ، ج ٢ ، ص ٤٢٤.

(٢) القرآن الكريم : سورة البقرة ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، ٢٧٨.

(٣) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٤) القرآن الكريم : سورة البقرة ٢ / ١٥٨.

٤١٣

خارج باب الصفا مسجل فيه أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام بحيث تكون الكعبة في وسطه ونصه «أمر عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين أصلحه الله تعالى بتوسعة المسجد الحرام مما يلي باب الصفا لتكون الكعبة في وسط المسجد في سنة سبع وستين ومئة» ، وكتب أسفل هذا النقش نقش آخر نصه «أمر عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين أصلحه الله بتوسعة الباب الأوسط الذي بين هاتين الاسطوانتين وهو طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الصفا».

وقد أشار ابن جبير إلى نقش ثالث في أعلى السارية التي تلي السارية السابقة منقوش عليها ما نصه «أمر عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين أصلحه الله بصرف الوادي إلى مجراه على عهد أبيه إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوسعته بالرحاب التي حول المسجد الحرام لحاج بيت الله وعمّاره» وتحته نقش يشير إلى أمر المهدي بتوسعة الباب الأوسط (١).

نقوش وزخارف الحجر :

وصف ابن جبير جدار الحجر بأنه من الرخام المركب بأشكال جميلة على هيئة مربعات ودوائر مثبتة بواسطة أسلاك من الصفر المذهب. أما أرض الحجر ففرشت بالرخام ووضعت رخامتان بجدار الحجر مقابل الميزاب وهي ذات شكل جميل نقش بها «أمر بصنعها إمام المشرق أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء بالله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف العباسي» وفي رخامة في وسط الحجر أمام الميزاب نقش فيها «مما أمر بعمله عبد الله وخليفته أبو العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وذلك في سنة ست وسبعين وخمسمائة».

كما حفظ ابن جبير لنا نقشا في جدار الحجر يشير إلى تجديده زمن الناصر ونصه «أمر بصنعهما على هذه الصفة إمام المشرق أبو العباس أحمد

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٤ ـ ٨٥.

٤١٤

الناصر بن المستضيء بالله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف العباسي رضي‌الله‌عنه» (١).

بينما أشار البلوي إلى نقش يدل على عمارة المطاف ونصه «بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة المطاف الشريف سيدنا مولانا الإمام الأعظم المفروض الطاعة على سائر الأمم أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين بلّغه الله آماله وزيّن بالصالحات أعماله وذلك في شهر وسنة إحدى وثلاثين وستمائة وصلى الله على سيدنا محمد وآله» (٢) كما أشار البلوي أيضا إلى الزخارف والنقوش الذهبية الجميلة الصنعة المطعّمة بالفضة التي كانت بمنبر المسجد الحرام (٣).

النقوش بالكعبة المشرفة :

حظيت الكعبة المشرفة بالكثير من النقوش الجميلة المكتوبة بالذهب والتي منها ما كتب على باب الكعبة المشرفة ويشير إلى القائم بتجديده ونصه «مما أمر بعمله عبد الله وخليفته الإمام أبو عبد الله محمد المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى الأئمة آبائه الطاهرين وخلّد ميراث النبوة لديه وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين في سنة خمسين وخمسمائة» (٤).

أما كسوة الكعبة المشرفة فقد نالت العناية الكافية من النقوش حيث أشار ابن جبير إلى نقش كتب بأعلى الكسوة برسم من الحرير الأحمر فيه «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة» (٥) واسم الإمام الناصر لدين الله. كتب هذا

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٤. انظر مناقشة النقش ما سبق ، ص ٣٧٠ ، هامش ٢.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٠٥.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٩ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٥٩ ، انظر مناقشة النقش فيما سبق ، ص ٣٧٣.

(٥) القرآن الكريم : سورة آل عمران ٣ / ٩٦.

٤١٥

النقش في مساحة سعتها ثلاثة أذرع كما وإن جميع كسوتها الخارجية ذات زخارف ونقوش بديعة متنوعة الأشكال من محاريب وكتابات مليئة بذكر الله تعالى والدعاء للناصر العباسي الآمر بإقامتها وجميع ما بها من رسوم وكتابات اتخذت لون الكسوة نفسها (١).

النقوش بالمسجد النبوي :

حظي المسجد النبوي بالكثير من النقوش والزخارف ذات الألوان المتعددة الجميلة. فقد أشار ابن جبير إليها وقال واصفا إن جدار القبلة منه قد غطي من أسفله برخام مجزع متعدد الألوان والنصف الأعلى منه مغطى بالفسيفساء موضوعة على شكل أشجار مختلفة الأشكال مائلات الأغصان ومحملة بالثمار.

وقد شملت هذه الزخارف جميع أرجاء المسجد إلا أن جدار القبلة منه كان له النصيب الأوفر ، ويليه الجدار المواجه للصحن من جهة القبلة والجهة الشمالية. أما الجهة الغربية والشرقية فقد غلب عليهما اللون الأبيض مع إضافة أنواع كثيرة من الألوان عليه لتزيينه (٢) وأورد البلوي نقشا ينص على أن الملك الظاهر قدم المدينة وخدم بالروضة ونصّه «بسم الله الرحمن الرحيم خدم بهذه الدار بزينة للحرم الشريف مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبي الفتح بيبر الصالحي قسيم أمير المؤمنين في سنة ثمان وستين وستمائة» (٣).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٩.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٣) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧.

٤١٦

النقوش ببعض مساجد المدينة المنورة :

نقش مسجد قباء :

سجل البلوي نقشا وجد بأعلى محراب مسجد قباء يشير إلى تاريخ تجديده ونصه بسم الله الرحمن الرحيم (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(١). هذا مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جدد هذا المسجد في تاريخ سنة إحدى وسبعين وستمائة» (٢) ولم يحدد النقش شخصية متولي التجديد.

نقوش شواهد القبور :

امتازت كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين بتقصي كل الأمور المتعلقة بالمدينتين المقدستين حتى أنهم سجلوا ما وجدوه من نقوش على شواهد القبور ومن ذلك ما سجله العبدري من نقش وجد على قبر الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه كتب فيه «توفي الإمام مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ومولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين» (٣).

كما سجل ابن جبير وابن رشيد نقش قبر فاطمة بنت أسد ونصه «ما ضم قبر أحد كفاطمة بنت أسد» (٤).

النقوش بطرق الحجاز :

تظهر أهمية النقوش التي كتبت على بعض الصخور في طرق الحجاز لإيضاح بعض الحوادث التي يتم فيها فناء قافلة من الحجيج ، فهذه النقوش

__________________

(١) القرآن الكريم : سورة التوبة ٩ / ١٠٨.

(٢) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٨٨.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠٣.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٣ ـ ١٧٤ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٩.

٤١٧

يكتب فيها سبب هلاك القوم ومن هذه النقوش ما نقله ابن بطوطة عن نقش وجد بوادي الأخيضر وفيه سجل سبب موت الحجيج في إحدى السنين ونصه «إنه أصاب الحجاج بعض السنين مشقة بسبب ريح السموم التي تهب فانتشفت المياه وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار ومات مشتريها وبائعها» (١).

سادسا : مشاريع المياه :

مشاريع المياه في المشاعر المقدسة :

المزدلفة وعرفات :

وجدت بعض مشاريع لتوفير المياه أيام الموسم ، منها صهاريج ومصانع لتجميع المياه قامت بعملها زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد ، ولكن بالرغم من ذلك فقد كانت الشكوى من ندرة المياه بها كما أشار لذلك بعض الرحالة (٢).

كما أنشئت جباب وصهاريج لحفظ الماء بعرفات أسفل جبل الرحمة لم يعرف القائم بعملها (٣).

مشاريع المياه بمكة المكرمة :

الآبار وأماكن الوضوء :

تحدث ابن جبير عن آبار عذبة تسمى الشبيكة على طريق التنعيم كما وجد بالزاهر آبار دلت عليها البساتين المنتشرة هناك. وأضاف إن بذي طوى آبارا تعرف بالشبيكة (٤) ولعله اختلط عليه أمرها فعدها اثنتين وهي في واقع

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢ ـ ١٣.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٥٠ ـ ١٥٢ ؛ ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٠٠ ـ ١٠٤ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦٩ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٥٢ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٩٦ ـ ١٧٠ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣١٦ ـ ٣١٧.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٨ ـ ٨٩. وتعرف الان بجرول.

٤١٨

الأمر منطقة واحدة تسمى الشبيكة ولا زالت تعرف بهذا الاسم حتى العصر الحاضر ، كما أكد ابن بطوطة والبلوي على وجود آبار بطريق التنعيم تعرف بالشبيكة وقد أكد ابن بطوطة على وجود بساتين غنّاء في منطقة الزاهر مما يوكد وجود آبار لسقيها (١).

أما التجيبي فقد خص بالذكر بئرا بجانب باب العمرة أحد أبواب مكة المكرمة والذي كان يعرف زمن رحلته بباب الشبيكة اتخذت منه اسما لها وذكر له أنه كانت هناك آبار أخرى مما يعني زوالها زمن وجوده بمكة إذ لم ينص إلا على بئر الشبيكة (٢).

وانفرد ابن جبير بذكر بستان بالمسفلة (٣) مما يعني توفر الماء هناك خاصة وأن الفاسي قد ذكر بئرا هناك (٤).

وأشار ابن بطوطة إلى وجود بئر عند باب إبراهيم أحد أبواب المسجد الحرام وبئر آخر بداخل رباط ربيع (٥). وأكد التجيبي وجود بئر إبراهيم وانفرد بذكر بئر عذبة بمكة المكرمة تسمى بئر عسيلة وقال «لقد وافق اسمها مسماها إذ ليس حول مكة بئرا أشد حلاوة منه» وتوجد هذه البئر قرب المتكأ بطريق التنعيم ضمن آبار تعرف بالزاهر (٦). وقد أكد ذلك الفاسي (٧).

ونجد أن استمرار وجود مثل هذه الآبار إنما يعبر عن توالي التعمير والصيانة لها من قبل أمراء وملوك المسلمين وهو ما أوضحه الفاسي عند إيراده لذكر الآبار (٨).

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٣ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٩.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٣٣.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٩٣.

(٤) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٥٤٦.

(٥) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٣ ، ١٥٤.

(٦) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٣٣ ، ٢٤٦ ، ٢٤٩.

(٧) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٥٤٦ ـ ٥٥٢.

(٨) المصدر السابق والجزء والصفحات.

٤١٩

أماكن الوضوء بمكة المكرمة :

أشار العبدري إلى عزم المنصور أبي الفتح لاجين سنة ٦٨٨ ه‍ / ١٢٨٩ م في إنشاء ميضأة عند باب إبراهيم ولكن حدوث فتنة في تلك السنة حال دون إنشائها ، وأضاف التجيبي إنها شيدت في عهد الناصر سنة ٦٩٩ ه‍ / ١٢٩٩ م (١).

ويذكر ابن بطوطة أن الملك الناصر بنى دارا للوضوء سنة ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م بجوار رباط العباس بالمسعى وجعل لها بابين الأول في سوق الصفا والآخر في سوق العطارين وفوقها سكن للقائمين على خدمتها وخدمة الرباط (٢) ، غير أن الفاسي ذكر عمارتها عند باب بني شيبة وأكد ابن فهد على عمارتها سنة ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م (٣).

عين بازان : أجراها دانيال العجمي سنة ٧٢٦ ه‍ / ١٣٢٥ م بدعم من جوبان نائب العراق (٤).

مشاريع المياه بالمدينة المنورة :

الآبار والعيون :

بئر في رحبة مسجد قباء :

حوضها متسع استعمل ماؤها للوضوء في زمن رحلة ابن جبير ، أما زمن البلوي فذكر أنها تقع أمام المسجد وقال إنها كبيرة ذات ماء عذب يحمل ماؤها إلى المدينة (٥).

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢١٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤١.

(٣) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٥٥٩ ، ٥٣٢ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ١ ، ص ١٢٠ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٣ ، ص ١٨٧.

(٤) انظر ما سبق ، ص ٢٨٥ ، هامش ٤.

(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٥ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٨٨.

٤٢٠