الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

واستعظمه وأراد قتله ثم عدل عنه ونفاه من المدينة ، وقيل بل بعث إليه من قام بقتله واختفى أثره (١).

إن ما ذكره ابن بطوطة عن أحوال المدينة المنورة السياسية قليل جدا ولكنه أبرز لنا مدى الصراع على الإمرة والسلطة فيها ووسائل الوصول إليها. كما نجد أن ما ينطبق على مكة المكرمة ينطبق أيضا على المدينة المنورة من حيث علاقاتها بمصر في بعض الأحيان وانقطاعها أحيانا أخرى.

فالعلاقة والارتباط بمصر قائم على أساس الوضع الاقتصادي والاستقرار الداخلي ، فمتى توفّر الاستقرار وعمّ الرخاء الاقتصادي أصبحت إمارة مستقلة ، ومتى تزعزع الوضع الداخلي نجد الأشراف الحسنيين يسارعون إلى الاستنجاد بملوك مصر ضد بعضهم بعضا فتعود العلاقة مرة أخرى. ومن هنا فعلاقات الحجاز السياسية بمن حوله من المماليك والدول الإسلامية قائمة أولا وأخيرا على وضعه الاقتصادي وما يصله من مساعدات مالية ، فهي التي تحكّمت في مدى وقوّة علاقة الحجاز السياسية بهذه الدول.

وبالمقابل حرصت تلك الدول على إقامة علاقة ودّية مع أشراف الحجاز وإرضائهم في سبيل الدعاء لهم على منابر الحرمين الشريفيين ، إضافة إلى أنّ أشراف الحجاز بسبب نسبهم المتّصل بفاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنها ، كان الأمراء والملوك يتحّرزون كثيرا في عقابهم ضمانا لعدم وصفهم بأنهّم قتلة أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). ولذلك فملوك مصر تكتفي من نوّاب الحجاز بإظهار الطاعة (٣) ، وأقصى عقاب ينزل بأشراف الحجاز في حالة خروجهم عن الطاعة أو

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) عز الدين ابن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ٤١.

(٣) عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ١٨.

١٨١

مخالفة ما يصدر إليهم من أوامر هو الاعتقال مدة من الزمن في القاهرة ، وإسناد الأمر لمن عليه الدور في تولّي السلطة (١).

وكان الصراع القائم على السلطة بين أفراد بني الحسن في مكة المكرمة أو بني الحسين في المدينة المنورة واستنجادهم بالأعراب في سبيل استرداد نفوذهم السياسي وفرضهم للمكوس على الحجاج في بعض الأحيان بسبب قلّة موارد الحجاز الاقتصادية في سبيل الإيفاء بالتزاماتهم نحو البلاد. وقيام عبيد الأشراف بنهب أموال الحجيج. واعتداءات بني شعبة على الحجيج بمنى ، وعدم قدرة أشراف مكة المكرمة على ضبط الأمور ، مما كان له انعكاس سيء على الأوضاع السياسية في الحجاز. في حين أن توفّر المساعدات المالية لبلاد الحجاز بشكل منتظم مع الحزم وحسن الإدارة له مردوده الطيب في استقرار أوضاعها السياسية.

وعلى الرغم مما سبق ففي بعض الأحيان نلاحظ وجود تعاون بين أمراء المدينة المنورة وأمراء مكة المكرمة إزاء بعض المواقف المطلوب فيها مثل هذا التعاون ، ومثالا لذلك ما حدث من تعاون الشريف أبي نمي وجماز بن شيحة في استرداد مكة المكرمة من الأمير مبارز الدين بن برطاس.

وأما فيما يتعلق بموقف علماء الأندلس من أوضاع الحجاز السياسية فقد أجازوا إسقاط فريضة الحج حفاظا على أرواح الحجاج ، وما يمكن أن يلاقوه من عنت ومشقة في سبيل ذلك (٢). وذكر الناصري بعد ذلك خبر هذه الفتوى من قبل علماء الأندلس مؤكدا ما ذكره ابن جبير (٣).

__________________

(١) الخزرجي : العقود اللؤلؤية ، ج ١ ، ص ٢٨٠ ؛ القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٢٧٨ ؛ عز الدين ابن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ٨٠.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٥.

(٣) الناصري : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، ج ٧ ، ص ٨.

١٨٢

ج ـ بعض المدن والقرى التابعة للحجاز التي ذكرها الرحالة المغاربة والاندلسيون :

ينبع :

أشار العبدري إلى أمير ينبع واصفا حكمه بالاستبداد وسخط الناس عليه ، إلّا أنّه أغفل ذكر اسمه ولكنه أظهر علاقته بمصر بقوله : " صاحب ينبع وأهلها في خدمة صاحب مصر حيث يمدهم بالزرع" (١).

ويستنتج من ذلك مدى الصلة الاقتصادية بين ينبع ومصر. والذي كان سلطانها في تلك الفترة هو الملك المنصور (٢) ، وقد أشار العبدري وقت خروجه من مصر إلى عزم الملك المنصور للجهاد بعكّا ، إلّا أن المنيّة قد أدركته قبل تحقيق ذلك فجاءت أخبار وفاته أثناء توجّه العبدري إلى مكة المكرمة ، وعلى بعد مرحلة من رابغ (٣).

وما جاء في رحلة العبدري موافق لما حدث تلك السنة حيث وصل إلى المنصور خبر غدر الفرنج بعكّا ، وقتلهم المسلمين ، ونهب أموالهم ، فعزم على الخروج لجهادهم ولكنّه مرض وتوفي يوم السبت سادس ذي القعدة عام ٦٨٩ ه‍ / ١٢٩٠ م (٤).

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣.

(٢) الملك المنصور قلاوون الصالحي تولّى المملكة وجلس يوم الأحد ثاني عشر رجب سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٧٩ م وتلقب بالمنصور وكانت وفاته يوم السبت سادس ذي القعدة سنة ٦٨٩ ه‍ / ١٢٩٠ م. والمنصور حسن الشكل معتدل القامة ، درّيّ اللون ، قليل الكلام بالعربي ، فصيح اللسان بالتركي ، شجاع مقدام محبّ لجمع الأموال مغرم بشراء المماليك ، اقتنى منهم ما لم يقتنه أحد قبله. انظر ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ٢ ، ص ٩٢ ـ ١٠٤.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٦ ؛ (رابغ) واد يقطعه الحاج بين البزواء والجحفة. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ١١.

(٤) ابن عبد الظاهر : تشريف الأيام والعصور ، ص ١٧٧ ـ ١٧٨ ؛ الذهبي : دول الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٨٨ ؛ ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ٢ ، ص ٩٩ ـ ١٠٠.

١٨٣

مرّ الظهران :

أمّا مرّ الظهران فذكرها العبدري ضمن أعمال مكة المكرمة (١) ، وداخل نطاق الأشراف من بني الحسن أمراء مكة المكرمة.

جدّة :

كانت جدّة تتبع شريف مكة المكرمة ، وعليها عامل من قبله مهمّته تحصيل المكوس والضرائب (٢).

وادي الصفراء (٣) :

وشمل نفوذ أشراف مكة المكرمة وادي الصفراء إذ ذكر ابن بطوطة أن فيها حصنا يسكنه الحسنيّون (٤).

خليص :

حكم خليص أحد الأشراف الحسنيين (٥).

ثانيا : التنظيمات الإدارية في بلاد الحجاز

لم يرد الشيء الكثير عن النظم السياسية لمدن وقرى الحجاز في كتب الرحلات بسبب أن الرحّالة المغاربة والأندلسيين كانوا طلبة علم فكان طبيعيا أن يكون احتكاكهم بما يتّصل بالعلم والعلماء أكثر ، ويندر بالتالي احتكاكهم بأصحاب الوظائف السياسية.

__________________

(١) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٧.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٧ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٣.

(٣) وادي الصفراء) من ناحية المدينة كثير النخل والزرع والخير بينه وبين بدر مرحلة ، وماؤها عيون كلها ، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة ، وماؤها يجري إلى ينبع. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٤١٢.

(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٢٩.

١٨٤

أ ـ الأمراء ببلاد الحجاز :

تولّى حكم بلاد الحجاز أسر من الأشراف من ذريّة الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم. فهي إمارة عربية في تقاليدها (١). ففي مكة المكرمة تعاقب على حكمها ثلاث أسر من ذرّية الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما وهم السليمانيون وحكموا من سنة ٣٦٦ ـ ٤٥٣ ه‍ / ٩٧٦ م ـ ١٠٦١ م.

والهواشم وحكموا من سنة ٤٥٦ ـ ٥٩٧ ه‍ / ١٠٦٣ م ـ ١٢٠٠ م وبنو قتادة الذين بدأ حكمهم سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٠٦٣ م (٢).

وعاصر ابن جبير في رحلته إلى مكة المكرمة أحد أفراد أسرة الهواشم ، وهو مكثر بن عيسى (٣) فهو آخر حكّام هذه الأسرة ، والتي انتهت سنة ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م. ثم أعقبتها إمارة بني قتادة في حكم البلاد لمّدة طويلة.

وقد أشار الرحّالة المغاربة والأندلسيون إلى بعض من حكّامها ، فعلى سبيل المثال : أبو عزيز قتادة بن إدريس ، وحسن بن قتادة (٤) ، وأبو سعد الحسن ، ثم خلفه ابنه أبو نمي ، ثم رميثة وحميضة وأبو الغيث وعطيفة (٥).

أما المدينة المنورة فخضعت لأسرة من الأشراف من ذرّية الحسين ابن علي رضي‌الله‌عنهما وأشار ابن بطوطة إلى بعض حكّامها منهم : طفيل ابن منصور بن جماز ، وكبيش بن منصور (٦).

وأشار العبدريّ في زيارته لبلاد الحجاز إلى أمير ينبع واستبداده ببلاده ، دلالة على استقلال بعض أمراء بلاد الحجاز بمدنهم عن سلطة الأشراف بمكة المكرمة والمدينة المنورة (٧).

__________________

(١) القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٢٨١.

(٢) انظر شجرة الأمراء الأشراف في الملاحق.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٥ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٥٢.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٥ ؛ القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٢٧٧.

(٥) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٦) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٧) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣.

١٨٥

ومن ضمن سلطات الشريف بمكة المكرمة تعيين وعزل سدنة بيت الله الحرام ، وأشار ابن جبير إلى قيام الشريف مكثر بالقبض على زعيم آل الشيبي محمد بن إسماعيل ، وذلك راجع إلى قيامه ببعض أعمال أوجبت عزله.

ولم يلبث الشريف أن أعاد محمد بن إسماعيل إلى سدانة البيت الحرام ، عقب افتدائه لنفسه ، بمبلغ خمسمائة دينار ، ولكن وصل أمر عزل هذا السادن نهائيا من قبل الخليفة العباسي ببغداد ، وتعيين ابن عمه مكانه (١).

والواقع أن هذه الحادثة تدلّ على يقظة الشريف فيما يتعلق بالأمور الدينية والقائمين عليها إلى جانب تغاضيه عن الأخطاء مقابل مبلغ من المال.

كما تظهر مدى تبعيّة مكة المكرمة للدولة العباسية بل وتدخّلها حتى في عزل وتولية سدنة بيت الله الحرام ، وعدم قدرة الأشراف الخروج على ذلك.

كما لم تغفل كتب الرحّالة الإشارة إلى الصراع القائم بين الأمراء الأشراف في بلاد الحجاز على السلطة ومحاولتهم الوصول إليها بمختلف الوسائل إلى جانب اشتراك اثنين في إدارة شؤون البلاد : ومثال ذلك الصراع على السلطة ، ودور الشريف أبي نمي فيها ، وما حدث بين رميثة وحميضة (٢).

والملاحظ أن الأمر لم يكن مقصورا على مكة المكرمة ، بل نجده واضحا في المدينة المنورة في عهد طفيل بن منصور وكبيش ، واشتراك مقبل في الإمارة مع أخيه منصور عقب مقتل كبيش (٣).

كما لقب الشريف أبو نمي أثناء الدعوة له على منابر الحرم الشريف «بذي الرئاستين مالك الحرمين الشريفين" (٤). ولعلّه دلالة على امتداد سلطته إلى المدينة المنورة.

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٤٢ ، ١٤٥ ، ١٥٧ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ١ ، ص ٤١٤ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٤٨ ـ ٥٥١.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٥ ـ ٣٠٧ ـ راجع ما سبق ص ١٦٢ ـ ١٦٥.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٤. انظر ما سبق ص ١٨٠.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٤.

١٨٦

وانحصر منصب حاكم بلاد الحجاز في الأشراف بطريق الوراثة. كما خضع أمير مكة المكرمة في تعيينه وعزله للدولة العباسية ببغداد (١). التي تسارع إلى تأديبه إذا انحرف عن السياسة المرسومة له : مثلما حدث مع الأمير مكثر (٢).

وأحيانا كان أهل مكة المكرمة يقومون بترشيح أحد الأشراف ليكون الحاكم بدلا من شريف آخر بسبب سوء سيرته أو إساءته لأهل البلاد ، وخاصة للمجاورين والتجار ، وتمت الموافقة على ذلك من قبل سلطان مصر (٣). وعقب انتقال الخلافة العبّاسية لمصر لم يعد الترشيح قائما على اختيار الأصلح للولاية.

ب ـ نظام ولاية العهد :

أشار الرحالة التجيبيّ إلى منصب ولاية العهد ؛ الأمر الذي لم يشر إليه المؤرخون ، إذ أن ولاية العهد لم تكن موجودة في تقاليد الأشراف. ولكن يعدّ ولي العهد للحكم عن طريق المشاركة أثناء عهد والده أو أخيه فتتاح له الفرصة لإثبات مدى أهليته لهذا المنصب ، وتكوين الأنصار والمؤيّدين. حيث إن المتولّي لمنصب الحاكم في نظر الأشراف وفق إجماع أهل الحل والعقد ، ولهذا حرص الأشراف على إشراك أبنائهم معهم في إدارة شؤون البلاد (٤).

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٥ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٥٢ ؛ السباعي : تاريخ مكة ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ؛ عائشة باقاسي : بلاد الحجاز ، ص ٣٩.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٥ ؛ ابن الاثير : الكامل ، ج ٩ ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٥٢ ؛ ابو الفدا : تاريخ أبي الفدا ، ج ٣ ، ص ٥٨ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ٢ ، ص ٥٣٦ ـ ٥٣٨ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٣٦ ـ ٥٣٨. انظر ما سبق ص ١٤٨.

(٣) ابن خلدون : العبر ، ج ٥ ، ص ٥٠٥.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٧ ؛ أحمد بن عمر الزيلعي : نظام المشاركة في الحكم لدى أشراف مكة ، مجلة الدارة ، العدد الثالث ، الرياض ، ١٤٠٩ ه‍ ، ص ٧٤ ـ ٧٥.

١٨٧

وأحيانا قد يعهد الأمير إلى أحد أبنائه صراحة ، وذلك بإشراكه معه في الإمرة مثلما حدث من إشراك الأمير أبي سعد الحسن لابنه أبي نمي معه (١).

أو شراء أبناء الأمير للإمارة من أبيهم كما حدث من محاولة شراء أبناء الأمير رميثة الإمارة منه بسبب مرضه وكبر سنه (٢).

وبسبب كبر السن والمرض أيضا قد يبادر أحد أبناء الأمير لجمع كبار الأشراف والعلماء لمبايعته كما فعل الأمير حسن بن قتادة (٣).

ولا شك أنّ منصب وليّ العهد محكوم بقّوة شخصيته وكثرة أتباعه. فتقع الصراعات بين أفراد الأسرة بسبب ذلك (٤) حتى ينتهي الأمر إما بإشراكه في الإمرة أو إزاحته وتولّي الأقوى مكانة ، ومثال ذلك موقف رميثة وحميضة في حياة والدهما وبعد وفاته (٥).

وغالبا ما يكون الفصل في هذا الأمر إما للخليفة ببغداد أو لسلاطين المماليك بمصر. فقد فصل السلطان الناصر في أمر رميثة وحميضة عند ما اشتدّ الخلاف بينهما وبين إخوانهم (٦).

حيث كانت كلمة المماليك مسموعة بمكة المكرمة وأوامرهم منفّذة ورغباتهم مجابة ومطاعة من الأشراف لمعرفتهم مسبقا بمدى قوتهم على تولية وعزل الأشراف ، لذا كان التعيين النهائي لأمير مكة المكرمة من قبلهم (٧).

__________________

(١) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٥.

(٢) المصدر السابق والجزء ، ص ٢٣٥.

(٣) المصدر السابق والجزء ، ص ٤٦٣.

(٤) المصدر السابق والجزء ، ص ٤١٥.

(٥) المصدر السابق والجزء ، ص ٢٢٧.

(٦) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.

(٧) المصدر السابق والجزء والصفحة.

١٨٨

فالملاحظ ازدياد تدخّل سلاطين مصر بشؤون مكة المكرمة وخضوع أشرافها لهم. حيث أصبحت إمارة مكة المكرمة" ولاية تابعة لمصر كسائر الولايات. وأصبح تعيين الأشراف وعزلهم بل وحتى اعتقالهم بيد سلاطين المماليك" (١). وهذه نتيجة حتميّة لنظام المشاركة وعدم انتظام ولاية العهد في إمارة مكة المكرمة. حيث كان الأشراف قبل نظام المشاركة يتمتّعون إلى حدّ ما باستقلال داخليّ (٢) ، وفقد ذلك نتيجة نظام المشاركة (٣).

وقد أورد التجيبي طرفا من أحداث مكة المكرمة فذكر أن رميثة كان وليا لعهد أبي نمي ولكن وجود أخيه حميضة وأتباعه أدّى إلى عدم استقرار رميثة ، وانتهى الأمر بإشراكهما في الإمرة (٤).

وقد أيّد الفاسي والعصاميّ (٥) ما ذكره التجيبيّ.

ولكن لم يلبث التعيين النهائيّ لأمير مكة المكرمة أن صدر من قبل مصر بتولية الأخوين أبي الغيث وعطيفة معا ، ثم تلاه بعد ذلك بسنة عودة رميثة وحميضة إلى الإمرة وكان الأمر من قبل سلطان مصر المملوكي (٦) أيضا. وقد اتفق الفاسي وابن فهد والعصامي (٧) مع ما أشار إليه التجيبيّ.

__________________

(١) احمد الزيلعي : نظام المشاركة في الحكم لدى أشراف مكة ، مجلة الدارة ، الرياض ، العدد الثالث ، ١٤٠٩ ه‍ ، ص ٨٠.

(٢) المقال السابق ، ص ٨١.

(٣) المقال السابق ، ص ٨٠ ـ ٨١.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٧.

(٥) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٤ ، ص ٢٣٢ ؛ العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.

(٦) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٧.

(٧) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٤ ، ص ٢٣٢ ـ ٢٣٤ ؛ ج ٦ ، ص ٩٦ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٣ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥ ؛ العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.

١٨٩

ويلعب رضى الخليفة العباسي وعدمه دورا كبيرا في الموضوع ، من حيث التعيين وعدمه ، أو الاشتراك في الحكم ، أو الانفراد. كما حدث أيام الأمير مكثر وأخيه داود (١).

وأدّى ظهور الدولة الرسولية وتدخّلها في أحداث مكة المكرمة ، ومناصرة الأشراف ضد بعضهم بعضا مقابل الدعاء لها في الحرم الشريف إلى تأثير واضح في أوضاعها السياسية. ولكن سرعان ما يعود ذلك التأثير إلى الانحسار بعودة المماليك في مصر إلى متابعة الأحوال السياسية في بلاد الحجاز. وهو ما حدث في عهد الشريف راجح بن قتادة (٢).

ج ـ نظام الوزارة :

أظهرت كتب الرحّالة وجود الوزراء في بلاد الحجاز. حيث أظهرتهم رحلة ابن جبير والتجيبي ، ولكن لم تحدد المصادر حدود مهامّهم وأعمالهم. وربما كان الوزير ينوب عن أمير مكة المكرمة في حضور بعض المناسبات التي قد لا يستطيع شريف مكة المكرمة حضورها بسبب التزاماته نحو البلاد ومثالا على ذلك إنابة الوزير عن الشريف أبي نمي في حضور ختم القرآن في المسجد الحرام ليلة السابع والعشرين من رمضان (٣).

واما فيما يتعلق بالوزارة وكيفية اختيار الوزير ونوع وزارته ومهامّه السياسية فليست لدينا معلومات واضحة في ذلك.

__________________

(١) داود بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر المعروف بابن أبي هاشم الحسني أمير مكة ، ولي إمرتها بعهد من أبيه في شعبان سنة ٥٧٠ ه‍ / ١١٧٤ م فأحسن السيرة ، ونازعه أخوه مكثر ، ومات يوم الإثنين رابع عشر شعبان سنة ٥٨٩ ه‍ / ١١٩٣ م. انظر عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ١ ، ص ٥٣٤ ـ ٥٣٧.

(٢) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ٢ ، ص ٣١٨ ـ ٣٢١ ؛ عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ١ ، ص ٦١٧ ـ ٦٢٣ ؛ ريتشارد مورتيل : الأحوال السياسية والاقتصادية بمكة ، ص ٤٦ ـ ٥٠.

(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٤ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤٦٣.

١٩٠

واعتمد الأشراف في مكة المكرمة على حرس يسمّى الحرابة من العبيد والسودان ، وقد شكّلت هذه الفئة في بعض الأوقات مصدر خطر على الحجّاج ، إذ قامت بنهب أموالهم وأمتعتهم. مما اضطر الحكومة المصرية إلى تسيير حملة لتأديبهم ، كما حدث في عهد صلاح الدين (١).

د ـ الوحدات الإدارية :

أشارت كتب الرحالة إلى مدن بلاد الحجاز منها :

ينبع :

وتتبعها الدهناء فهي من أعمالها وأحيانا قام حكامها بالاستقلال بأمورها عن مكة وأشرافها.

ومنها الوجه (٢) ، والمدينة المنورة ، ومكة المكرمة ، وجدّة (٣) ، ورابغ (٤) ، وادى الصفراء ، وخليص (٥) ، وتبوك ، الحوراء ، البرابر ، مّر الظهران.

وكما هو معروف تمتعت مكة المكرمة والمدينة المنورة بأهمية دينية كبيرة دون سائر مدن بلاد الحجاز وخضعت لحكم الأشراف. وقام شريف مكة المكرمة بتعيين أمير لمدينة جدّة ، حمل لقب القائد في عهد الشريف مكثر بن عيسى وهو علي بن موفق (٦).

أما ابن بطوطة الذي وصل جدّة أيضا أشار إلى متولّي أمرها من قبل أمير مكة المكرمة ولقّبه بالأمير وهو أبو يعقوب بن عبد الرزاق (٧). مما يعني عدم استمرار حمل لقب قائد في تلك الفترة.

__________________

(١) ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٥٣. انظر ما سبق ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٢) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣ ، ١٦١.

(٣) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩.

(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٦.

(٥) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٦) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٤ ـ ٥٧ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩.

(٧) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٣.

١٩١

إنّ صمت المصادر عن أمور جدّة في ذلك العهد يجعلنا نفترض أنه طالما وجد متول لأمرها سواء كان لقبه القائد أو الأمير من قبل أمير مكة المكرمة. ، فهي إذا إمارة صغيرة ملحقة بإمارة مكة المكرمة وأميرها لقّب بالقائد في البداية ، ثم بالأمير فيما بعد. وقد أصبحت جدّة ضمن توابع إمارة مكة المكرمة في عهد شكر ابن أبي الفتوح (١) ، ومن عهده خربت واندرست وبقيت آثارها (٢).

أما بقيّة مدن وقرى الحجاز فكان يعهد بها للأشراف من الأسرة الحسنية (٣) يرتبطون في ولائهم ومساعدتهم لشريف مكة (٤) أبي نمي وقتادة (٥).

وقد يمتنعون عن ذلك خوفا من سلطان مصر (٦).

وفي ينبع حمل حاكمها لقب أمير وأحيانا يلجأ إلى الاستبداد بها وارتباطه بمصر ، كما أشار العبدري وتبعت مّر الظهران والصفراء مدينة مكة المكرمة (٧).

هذا فيما يختص بالنظام في المدن التابعة لبلاد الحجاز. أمّا ما يتعلق بالدواوين التابعة لهذا الجانب فليست لدينا معلومات مفصّلة عنها ولا يعني هذا بالضرورة عدم وجودها ، بل من الطبيعي أنها معروفة لما تقّدمه من خدمات وأعمال خاصة بالبلاد.

__________________

(١) شكر بن أبي الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب الحسني أمير مكة ولي مكة بعد أبيه وجرت له مع أهل المدينة حروب ملك في بعضها المدينة المنورة وجمع بين الحرمين وملك الحجاز ثلاثا وعشرين سنة وكانت وفاته سنة ٤٥٣ ه‍ / ١٠٦١ م وانقرضت به دولة السليمانيين من مكة وجاءت دولة الهواشم. أنظر الفاسي : العقد الثمين ، ج ٥ ، ص ١٤.

(٢) ابن المجاور : تاريخ المستبصر ، ص ٤٦.

(٣) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢١٢.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٤.

(٥) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢١٢ ، ٢٢٣.

(٦) ابن خلدون : العبر ، ج ٥ ، ص ٤٨١.

(٧) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٦٣ ، ١٦٧ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

١٩٢

ه ـ التنظيمات المالية :

الواقع إن المعلومات المتعلّقة بهذا الجانب قليلة ، فكل ما أشارت إليه كتب الرحالة فيما يتعلق بالموارد المالية لبلاد الحجاز بشكل عام نلاحظها في الآتي :

المكوس (١) ، الأعطيات (٢) ، الأوقاف (٣).

* المكوس والضرائب :

تؤخذ من الحجاج وخاصة عند وصولهم لجدّة كما ذكر الرحالة ابن جبير. ويبدو أن الأمر لم يستمر إذ قام صلاح الدين بإرسال خطاب إلى أمير مكة المكرمة برفع تلك الضرائب والمكوس عن الحجاج وتعويض عامل جدّة عنها (٤). ويبدو أن الحجاج عانوا مّرة أخرى من دفع المكوس للأشراف ، إذ نلاحظ القيام بإسقاطها سنة ٦٧٤ ه‍ / ١٢٧٥ م (٥) عقب إشارة إليها في زمن رحلة التجيبي (٦).

* الأعطيات والهدايا والهيات :

تصل إلى أشراف مكة المكرمة الكثير من تلك الأعطيات والهدايا والهبات مثل تلك التي أهداها سيف الإسلام طغتكين للأمير مكثر (٧) ، وتلك التي أهداها وزير الشريف أبي نمي للخطيب في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان (٨) والخلع الواصلة للخطباء والمؤذنين من قبل العباسيين (٩) ومنها التي وصلت من

__________________

(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٢ ، ٥٧ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٢٠.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٩ ، ١٦١.

(٣) أبو شامة : الروضتين ، ج ٢ ، ص ٣.

(٤) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ٢ ، ص ٣١٤.

(٥) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.

(٦) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٧) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٢٦ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٤٦.

(٨) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤٦٣.

(٩) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٧ ، ٧٣.

١٩٣

مصر إلى قاضي مكة المكرمة نجم الدين محمد بن الإمام محيى الدين الطبري وكيل السلطان الناصر في مصر ، حيث تولّى توزيعها على كافّة أهل مكة المكرمة (١) ، وكذلك الأعطيات التي تصل من الدولة الرسولية في اليمن في بعض الأحيان (٢). وهناك الصدقات والأعطيات الواصلة من العراق لأهل مكة (٣).

ومنها أيضا التي يأخذها الأشراف من سلطان كلوة (٤).

ومن هنا نلاحظ ما كانت تحظى به بلاد الحجاز من اهتمام الدول المجاورة ، والمتمّثلة في الخلافة العباسية والخلع التي تبعثها سواء لأهل البلاد أو للأشراف وكبار أهل مكة المكرمة ، ومن مصر أيضا سواء من الدولة الأيوبية أو من دولة المماليك فيما بعد ، ثم الصدقات المبعوثة من قبل حكّام اليمن. وما كان يختص به أشراف بلاد الحجاز من أعطيات سلطان كلوة.

* الأوقاف :

تمثّلت في المساكن التي أسهم الأغنياء في إنشائها من أموالهم الخاصة.

سواء من أهل البلاد أو من القادمين عليها ، وأوقفت على المجاورين. إلى جانب الأموال المبذولة لهم (٥).

أما عن كيفية مصارف الأموال من قبل حكّام الحجاز فليست لدينا أيّة تفاصيل عن ذلك سوى ما أوردناه من إشارات موجزة ؛ وأغلب الظن أنها إنما كانت تصرف لتثبيت حكمهم وبناء الاستحكامات الحربية. ولم تكن تصرف على

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٩ ، ١٦١.

(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤٦٢.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٧٢ ، ٢٤١.

(٤) المصدر السابق ، ص ٢٥٨.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٤٩ ـ ١٧١.

١٩٤

تحسين أوضاع البلاد وخدمة الحجاج. حيث لم نجد أي إشارة لا في كتب الرحلات ولا في المصادر التاريخية التي تناولناها ما يشير إلي ذلك.

و ـ التنظيمات القضائية :

أدى القضاء دورا مهما في الحياة العامة لبلاد الحجاز. فهو من أجلّ المناصب (١). إذ تقوم مهامه على الفصل في الخصومات ومشاكلات الأفراد والجماعات ، فالقاضي صاحب السلطة وخاصة في الأمور المتعلقة بالنواحي الشرعية. وفي البداية نلاحظ ارتباط القضاة بالخلافة العباسية. فعند ما شك القاضي في شهادة الشهود في هلال شهر ذي الحجّة آثر انتظار قدوم الركب العباسيّ من بغداد ضمانا للدقّة (٢). بينما نلاحظ في سنة ٦٨٠ ه‍ / ١٢٨١ م عدم التزام الناس بقرار القاضي وخاصة في حادثة موعد وقفة عرفات فانقسم الناس فيها إلى فريقين حيث وقفت الفرقة الأولى في يوم الجمعة بينما وقفت الأخرى في يوم السبت (٣).

ومن هنا ففي البداية مثّلت سلطة القاضي القول الفصل مع التزام العامّة بها. ولكن بمرور الوقت لم يعد لها ذلك التأثير القويّ ، وضعفت أمام قوّة عامّة الناس والحجيج.

ويتم تعيين القاضي في مكة المكرمة من قبل الخلافة العباسية قبل سقوط بغداد (٤). وعقب انتقالها إلى مصر أصبح مرسوم تعيين القاضي يصدر منها (٥).

كما يوجد لهؤلاء القضاة نّواب يلتزمون بأداء أعمالهم في حالة غيابهم (٦).

__________________

(١) القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ١٢ ، ص ٢٣٦.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٤٦ ـ ١٤٩.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ١٨٦ ؛ الفاسي : شفاء الغرام ، ج ٢ ، ص ٣٨٣ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٣ ، ص ١١٣.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧٢ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤١٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٩.

(٥) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦١ ؛ القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ١٢ ، ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٦) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٥١.

١٩٥

وكذلك الأمر في المدينة المنورة فهناك القاضي ونائبه (١).

ومن اختصاصات القاضي إمامة الناس في صلاة الاستسقاء ، ويقوم بدعوة الناس لأدائها عقب صيام ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع يتجه إلى المسجد الحرام ويؤمّ المصلّين خلف المقام ، فيصّلي بهم ركعتين يقرأ في الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية ، وبعد انتهاء الصلاة يصعد إلى المنبر ويلقي على الناس خطبة بليغة يدعوهم فيها إلى صالح الأعمال والعودة إلى الله عزوجل وترك المنكرات (٢).

وعند ثبوت هلال شهر ذي الحجّة يقوم القاضي بإلقاء خطبة شاملة وخاصة بأحكام الحج لكافة الحجاج ، موضحا لهم الطرق السليمة لأداء الفريضة (٣).

ومن مهام القاضي إلقاء خطبة الجمعة المشتملة على الوعظ والتذكير والصلاة على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله والصحابة الأربعة ، والدعاء لعمّي النبّي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمزة والعباس ، وللحسن والحسين وزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفاطمة الزهراء ثم الدعاء للخليفة العباسي وأمير مكة المكرمة ، ثم لحاكم مصر وولي عهده (٤).

الحسبة :

أدت الحسبة دورا مهما في الحياة العامة في بلاد الحجاز. والحسبة من الوظائف الدينية. وتعتمد على الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا فشا فعله (٥). وهي بذلك تسهم مع القاضي في تنفيذ القوانين المتصلة بالمصالح والآداب العامة ، وتقوم بحماية العامة من الغش والاحتيال. والقائم بها

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٢٠ ـ ١٢١.

(٢) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٣) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤٦٥ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦٩.

(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧٣ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٦٠.

(٥) الماوردي : الأحكام السلطانية ، ص ٢٩٩ ؛ ابن الأخوة : معالم القربة ، ص ٥١ ؛ السنامي : نصاب الاحتساب ، ص ١٢ ـ ١٣.

١٩٦

لا بد من أن تتوفر به شروط مهمة منها : العلم بأحكام الشريعة ، والحرية والعدل ، والشدّة والصرامة في تنفيذ الأحكام مع النزاهة والفقه. وفي بلاد الحجاز وردت في كتب الرحالة إشارات إلى هذه الوظيفة لدى ابن رشيد ، حيث ذكر أن شيخه رضّي الدين من القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن يرضي الشريف أبا نمي فقام بسجنه ولكنه لم يلبث أن أطلقه (١).

وقام ابن بطوطة بإيراد اسم أحد الأشخاص الذين تولوا منصب المحتسب. وهو إمام الحنابلة محمد بن عثمان (٢) ، فإلى جانب قيامه بالحسبة ناب في القضاء أيضا. ويبدو أن أمير مكة المكرمة يقوم بحماية المحتسب فمتولّي هذا المنصب يتم تعيينه وفق أمر الأمير ، ويعطى عمامة في حضور عدد كبير من الناس ضمانا لعدم التعّرض له بسوء (٣).

ويمكننا القول إن المحتسب لم يكن يتمتع بالحماية في زمن رحلة ابن رشيد ، ولكن لم يلبث أن أصبح من المتمتعين بحماية أمير مكة المكرمة في زمن رحلة ابن بطوطة.

ز ـ التنظيمات الحربية :

يشمل النظام الحربيّ الحديث الجيش والأسطول وكافة ما يتعلق بذلك ، ولكن نقتصر هنا على مادوّنه الرحالة في كتب رحلاتهم. والواقع إنها معلومات قليلة وضئيلة وبالرغم من ذلك فهي تلقي بعض الضوء على ما كانت عليه الأوضاع في تلك الفترة.

__________________

(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٣١.

(٢) انظر ترجمته فيما بعد ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ٢ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

١٩٧

حملت إشارات الرحالة الحديث عن قادة جيش أمير مكة المكرمة ، ويتولّى هذا المنصب من حاز صفات القوة والشجاعة ، وقد يكون أحد أبناء الأمير ، كما حدث في عهد أبي سعد الحسن والذي أشرك ابنه أبا نمي في قيادة بعض الحملات ، ويمكن أن يتولّاه أحد إخوة الأمير ، كما فعل الأمير قتادة في إسناد قيادة جيشه السائر إلى المدينة لأخيه في سنة ٦١٧ ه‍ أو ٦١٨ ه‍ / ١٢٢٠ م أو ١٢٢١ م (١).

ولكن الملاحظ أن الأمر لم يقتصر على أبناء الأسرة الحاكمة ؛ بل تعّداه إلى الموالي (٢) ، حيث برز منهم أحد القادة من ذوي الكفاءة والشجاعة في عهد الشريف أبي نمي ، وأشار التجيبي إليه إذ نزل في داره ، ويدعى محمد ابن الحسن (٣). كما أشار ابن بطوطة إلى أسماء بعضهم فمنهم : محمد ابن إبراهيم وعلي وأحمد أبناء صبيح ، وعلي بن يوسف ، وشداد بن عمر ، وعامر الشرق ، ومنصور بن عمر ، وموسى المرزق (٤).

ويظهر مما سبق وجود جيش كبير اعتمد عليه أشراف مكة المكرمة في تثبيت دعائم سلطانهم والقضاء على معارضيهم.

أما نظام المعارك وحروبهم وطريقة تسيير الجيش لها وتنظيماته وعدد أفراده فليست لدينا أيّة تفاصيل عنها.

__________________

(١) العصامي : سمط النجوم ، ج ٤ ، ص ٢٢٥ ، ٢١٣.

(٢) القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٢٨١.

(٣) لم نجد له ترجمة في المصادر التي تناولناها.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٢٩ ؛ ابن بطوطة. الرحلة ، ص ١٦٢.

١٩٨

الفصل الرابع

الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لبلاد الحجاز

من خلال كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين

أولا ـ الأحوال الاجتماعية :

١ ـ عناصر المجتمع.

٢ ـ طبقات المجتمع.

٣ ـ العادات والتقاليد.

٤ ـ الاحتفالات.

٥ ـ المواكب.

٦ ـ الملابس.

٧ ـ الأطعمة والأشربة.

ثانيا ـ الأحوال الاقتصادية :

١ ـ الزراعة ومصادر المياه.

٢ ـ الثروة الحيوانية.

٣ ـ الصناعة.

٤ ـ التجارة.

١٩٩
٢٠٠