الرحلات المغربية والأندلسية

عواطف محمّد يونس نواب

الرحلات المغربية والأندلسية

المؤلف:

عواطف محمّد يونس نواب


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-00-071-0
الصفحات: ٥٠٤

التجيبي السبتي

٦٧٠ ـ ٧٣٠ ه‍ / ١٢٧١ ـ ١٣٢٩ م

القاسم بن يوسف بن محمد على بن القاسم التجيبي البلنسي المحتد السبتي النشأة والمولد (١) النجار المحدث علم الدين (٢). رحالة أندلسي الأصل نشأ في المغرب وقد أشار إلى سنة مولده في ٦٧٠ ه‍ / ١٢٧١ م (٣) ، ونجد أن مضمون رحلته وفهرس مشيخته يظهران لنا مدى ما تمتع به من ثقافة واسعة حتى أنه وصف لغزارة علمه بالعالم البارع المحدث الحافظ ، المتقن العارف بالحديث ، القيم على أنواعه ، الضابط الثقة. توفي سنة ٧٣٠ ه‍ / ١٣٢٩ م (٤).

سبب الرحلة :

خرج قاصدا أداء فريضة الحج ، ولقاء العلماء ، والأخذ عنهم. وكان خروجه في بداية سنة ٦٩٥ ه‍ / ١٢٩٥ م (٥). وأخذ يتنقل بين مراكز العلم في شمال أفريقيا حتى وصل القاهرة في بداية سنة ٦٩٦ ه‍ / ١٢٩٦ م. وقام بتدوين رحلته أثناء سفره وأضاف إليها المزيد من الحوادث التي علمها عقب عودته إلى بلاده (٦).

وتقع رحلته التي سماها مستفاد الرحالة والاغتراب (٧) في ثلاثة مجلدات ضخمة (٨) ، فقد القسمان الأول والثالث منها ، وبقي القسم الثاني الذي تناول فيه

__________________

(١) التجيبي : البرنامج ، المقدمة ، ص ي.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٢٤٠.

(٣) التجيبي : البرنامج ، ص ٦٤ ؛ وقد ذكر التنبكتي إنه ولد سنة ٦٦٦ ه‍ / ١٢٦٧ م. انظر التنبكتي : نيل الابتهاج ، ج ١ ، ص ٢٢٢.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٠ ؛ التنبكتي : نيل الابتهاج ، ج ١ ، ص ٢٢٢.

(٥) التجيبي : البرنامج ، ص ٢٥٩. فقد كان موجودا في بجاية في ذلك الوقت.

(٦) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٠ ، ص ٣٠٦.

(٧) التجيبي : البرنامج ، ص ٤٠ ، ٥٦ ، ٩٨ ، ١٦٦.

(٨) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٢٤٠ ؛ التنبكتي : نيل الابتهاج ، ج ١ ، ص ٢٢٢.

١٢١

الحديث عن القاهرة وجدة ومكة المكرمة (١). واتبع خطوات ابن رشيد في تدوينه لرحلته إلا أنه زاد عليه بتراجم مستوفاة كاملة لمشايخه ومروياته عنهم بأسانيدها (٢).

مؤلفاته :

لم يعرف له غير :

١ ـ مستفاد الرحلة والاغتراب. ويتضمن وصف رحلته من حين خروجه إلى عودته.

٢ ـ برنامج التجيبي وهو مأخوذ من مستفاد الرحلة والاغتراب. حيث استخرج التراجم الموجودة فيه وجعلها في برنامج قائم بذاته مع إضافة ما أخذه أثناء لقائه بالمحدثين والفقهاء في تنقلاته بين المراكز العلمية.

مميزات رحلة التجيبي السبتي :

اعتنى التجيبي بالوصف التفصيلي لمشاهداته الجغرافية والعمرانية مع الإجادة في وصف أحاسيسه وشعوره أثناء اتجاهه لجدة. كما اهتم بتسجيل تراجم مشايخه ومكان لقائه بهم ومروياته عنهم بأسانيدها ، إضافة إلى تطرقه للنواحي التاريخية الدالة على سعة معرفته بهذا الجانب.

قام التجيبي بضبط أسماء البلدان لغويا مع إشاراته الدقيقة للنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية للمدن التي زارها. ولكنه وقع في بعض الأخطاء التاريخية التي لا تنقص من قيمة رحلته ، مثل قوله : عن كومين من الحجارة اشتهرا عند أهل مكة المكرمة بقبري أبي لهب وزوجته قرب ثنية كدي (٣). فقال" وأرى ذلك غير صحيح والذي يشبه عندي أن يكون أحد

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، المقدمة ص ح ـ خ ـ د ـ ذ.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٢٤٠.

(٣) كدي أعلى مكة يهبط منها إلى الأبطح والمقبرة فيها عن يسارك وتعرف اليوم باس الحجون : انظر الحربي : كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ، ص ٤٧٣ ؛ البكري : معجم ما استعجم ، ج ٤ ، ص ١١١٧ ـ ١١١٨ ؛ ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٣٩ ـ ٤٤١ ؛ البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ٧ ، ص ١٩٦ ـ ٢٠٢ ؛ البلادي : معالم مكة الأثرية ، ص ٢٧٧ ؛ حمد الجاسر : من آثار مكة المكرمة ، مجلة العرب ، ج ١٠ ، السنه ٢ ، ربيع الآخر ١٣٨٨ ه‍ / تموز ١٩٦٨ م ، ص ٨٦٥ ـ ٨٧٥.

١٢٢

الكومين قبر أبي رغال" (١) ، وهنا أخطأ التجيبي فأبورغال كان دليل أبرهة في حملته التي أراد بها هدم الكعبة فهلك فيمن هلك ، ودفن بين مكة المكرمة والطائف في مكان يسمى المغمس (٢). وقد مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبره فأمر برجمه فصار ذلك سنة (٣). والمغمس خارج مكة المكرمة فكيف يكون قبره بكدي.

امتاز التجيبي بوصفه الدقيق للمسجد الحرام وإشاراته عن الزيادات الملحقة به ، وقصة بناء الكعبة ، وحفر بئر زمزم ، ونسب بني شيبة سدنة البيت الحرام ، إضافة لوصف مكة المكرمة وما قيل في أسمائها وفضلها والأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن مع العناية بذكر الناحية الاجتماعية.

وقد أجاد التجيبي في وصف حالة مكة المكرمة الدينية والعلمية مع مراعاة التسلسل الزمني للأحداث ، وإضافة الجديد ووضعه في مكانه المناسب ، مثل ذكره لوفاة أبي نمي وبناء ميضأة حول الحرم وتولي أبناء أبي نمي الحكم بعده.

وعمل التجيبي على تحقيق الأحاديث النبوية والتنبيه على ذلك وإيراد كرامات الصالحين ، ولقاء العلماء والترجمة لهم.

وقد نبه التجيبي على خطأ ابن جبير في قوله إن مولد الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما بمكة المكرمة. كما نبه إلى وهم العامة من أهل مكة على الشجرة الموجودة فوق جبل أبي قبيس والتي قيل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بويع تحتها.

وتتبع أيضا أماكن وجود المساجد بمكة المكرمة ووصفها ، ووصف الأماكن والمشاعر المقدسة والجبال وما قيل في تاريخها (٤). وتميز أسلوبه بالسهولة والوضوح وعدم التكلف في صياغة الجمل الإنشائية وملئها بالسجع. وقد امتاز التجيبي بعنايته الفائقة في الوصف والتدقيق لكل ما يشاهده ؛ ولعله خص القسم الثالث المفقود من رحلته للحديث عن المدينة المنورة ، ولعله تناول فيه الكثير

__________________

(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٢٤ ، انظر تعريفه فيما بعد ، ص ٢١٨.

(٢) انظر تعريفه فيما بعد ، ص ، ٢١٨.

(٣) الأزرقي : تاريخ مكة ، ج ١ ، ص ١٤٢ ؛ ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٥٣ ، ج ٥ ، ص ١٦١.

(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٦ ، ٢٤٨ ، ٣٠٧ ، ٣٣٤ ، ٣٥١ ، ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

١٢٣

عنها فيكون بذلك إضافة جديدة إلى كتب الرحلات في تلك الفترة. حيث إن أغلب كتابات الرحالة المغاربة والأندلسيين كانت متركزة على مكة المكرمة.

ابن جابر الوادي آشي

٦٧٣ ـ ٧٤٩ ه‍ / ١٢٧٤ ـ ١٣٤٨ م

محمد بن جابر بن محمد بن محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم القيسي الوادي آشي (١) الأصل ، التونسي مولدا وقرارا (٢) ، المالكي مذهبا.

ولد في جمادى الآخرة سنة ٦٧٣ ه‍ / ١٢٧٤ م بتونس (٣) ويعرف بابن جابر وبالوادي آشي ، ويلقب بشمس الدين وهو من الألقاب المشرقية (٤). ويكنى بأبي عبد الله (٥). تلقى تعليمه على يد علماء تونس ، ومن ضمنهم والده الذي كان شيخا من شيوخ الإسلام في وقته ، وأحد مشايخ العبدري (٦). توفي ابن جابر الوادي آشي سنة ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٨ م في الطاعون العام بتونس في شهر ربيع الأول (٧).

__________________

(١) (وادي آشي) مدينة بالأندلس قريبة من غرناطة كبيرة خطيرة تطرد حولها المياه والأنهار ينحط نهرها من جبل شلير وهو في شرقها وهي على ضفته ولها عليه أرحاء لا صقه بورها كثيرة التوت والأعناب وأصناف الثمار والزيتون والقطن بها كثير ، كان بها حمامان ولها بابان شرقي على النهر وغربي على خندق وقصبتها مشرفة عليها وعليها سور حجارة وهو في ركنها الذي بين المغرب والقبلة وبقرب وآدي آشي قرية بها عين تجري سبعة أعوام وتغور سبعة أعوام تسكن بجريان عينها وتخلو بغورها. انظر الحميري : الروض المعطار ، ص ٦٠٤.

(٢) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، ط ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، ص ٥٤.

(٣) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤١٣ ؛ (تونس) مدينة كبيرة محدثة بإفريقية على ساحل بحر الروم عمرت على أنقاض قرطاجنة وهي قصبة بلاد أفريقية بينها وبين صفاقس ثلاثة أيام وبينها وبين القيروان مائة ميل ليس بها ماء جار إنما شرب أهلها من الآبار ومصانع خارجها وماؤها ملح ولها غلة فائضة وهي من أصح بلاد أفريقية هواء افتتحت أيام عبد الملك بن مروان على يد حسان ابن النعمان. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٦٠ ـ ٦١.

(٤) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٥) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٢٩٩.

(٦) الكتاني : فهرس الفهارس ، ج ٢ ، ص ١١١٦.

(٧) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤١٤ ؛ ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٣٠١ ؛ ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٣.

١٢٤

كانت تونس محط رحال الذاهبين والعائدين ما بين المشرق الإسلامي وبلاد المغرب والأندلس ، ومركزا يعج بالعلماء القادمين إليها للعلم والتدريس بها أو لتولي بعض المناصب ذات الأهمية والتي يشغلها كبار العلماء. ولذا شهدت نشاطا علميا واسعا. وفي هذا الجو العلمي نشأ ابن جابر ، والتقى بالرحالة العلماء فاستفاد منهم وتاقت نفسه للمزيد ، فقرر شد الرحال إلى المشرق الإسلامي.

ولابن جابر رحلتان. ولقب بصاحب الرحلتين (١). فرحلته الأولى سنة ٧٢٠ ه‍ / ١٣٢٠ م والثانية سنة ٧٣٤ ه‍ / ١٣٣٣ م. وفي كلا الرحلتين حرص على السماع والرواية ، حتى غدا ذا مكانة علمية كبيرة دفعت العديد لتلقي العلم عنه (٢).

وقد حدد ابن فرحون شيوخه بمائة وثمانين شيخا من أهل المشرق والمغرب (٣). ولم تكن رحلاته قاصرة على المشرق بل شملت المغرب والأندلس أيضا (٤).

سبب الرحلة :

خرج للحج وطلب العلم إذ التقى بعدد كبير من العلماء قيدهم في برنامجه (٥). وحظي بالسماع على كثير منهم حتى أصبح شيخ المغرب وراوية وقته (٦).

__________________

(١) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، ط ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ص ١٣.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤١٤.

(٣) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٤) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤١٤ ؛ ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٦٥.

(٥) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٦) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ١ ، ص ٢٩٩.

١٢٥

صفاته :

كان حسن المشاركة عارفا بالنحو واللغة والحديث والقراءة ذا فقه قليل (١).

جوالا في البلاد المشرقية والمغربية ، مكثرا في الرواية ، عظيم الوقار ، من المشتغلين بالتجارة (٢) مهنة أبيه (٣). فهو شيخ فاضل أديب عفيف ظريف مقبل على الأدب وربما قرض الشعر (٤). فهو طريف النزعة ، قويم السمت. لذا حظي بمكانة علمية كبيرة بفضل سعة علمه. وأشار ابن الخطيب إلى ذلك قائلا : " إنه أصبح بهم شيخ وحده ، انفساح رواية ، وعلو إسناد" (٥).

وكان ثقة ثبتا له تقييد عن مشايخه بخطه بالإضافة إلى تقييده لأجزاء كثيرة من تواليف المتأخرين وتقييداتهم (٦).

ويندرج ابن جابر الوادي آشي ضمن الرحالة الذين قيدوا رحلاتهم على هيئة برامج ينعدم فيها الوصف الجغرافي والإشارات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فبرنامجه بهذا يبدو سجلا حافلا لما كانت عليه المدن الإسلامية التي رحل إليها من مكانة علمية بفضل ما حواه من تراجم وأسماء كتب كانت غاية الطلب في ذلك الوقت.

مؤلفاته فهي :

١ ـ الأربعون حديثا البلدانية. وهي تدل على" سعة خاطر وانفساح رحلة".

٢ ـ أسانيد كتب المالكية يرويها إلى مؤلفيها (٧).

٣ ـ الإنشادات البلدانية.

__________________

(١) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ١ ، ص ٢٩٩.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤١٤.

(٣) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٦٥.

(٤) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٥) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ١٦٣.

(٦) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٧) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٣٠١.

١٢٦

٤ ـ زاد المسافر (١).

٥ ـ الترجمة العياضية (٢).

٦ ـ تقييده على القصيدة العروضية المسماة بالمقصد الجليل في علم خليل (٣).

٧ ـ تعاليق مفيدة (٤). غير مبين نوعها.

٨ ـ مسلسلات انتخبها من مرويات مشيخة قاضي مصر مع أناشيد (٥).

٩ ـ برنامج رحلته (٦).

ولم يذكر عمر رضا كحالة من مؤلفاته إلا (الأربعون) في الحديث وبرنامجه وديوان شعر في مجلد كبير (٧).

وسبب تقييده لبرنامجه يرجع إلى أن بعض من لقيه من المشايخ في تونس أثناء رحلته سأله ان يذكر له ما أخذه عن العلماء على حسب الوسع والإمكان. ومن أجازه ولقيه ، وأخذ عنه أو ممن كتب إليه بالإجازة من المشرق أو المغرب ، وأن يفصح له عن جملة ذلك ويعرب. فأجابه وجعله في جزءين :

أحدهما أسماء شيوخه وأنسابهم وكناهم وتواريخ ميلادهم ووفياتهم وأناشيدهم.

وفي الجزء الثاني ذكر المأخوذ عنهم مضافا لهم ما فيه من علو سند بالإجازة ، معتذرا عن التقصير ، وذلك من قوله" إذ فات حصول المأمول منهم في ذلك اللائق لتعرض الشواغل عن السنن المطابق راجيا في ذلك علو السند" (٨).

__________________

(١) الكتاني : فهرس الفهارس ، ج ٢ ، ص ١١١٦.

(٢) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٣) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٣.

(٤) ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٥) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، ط ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، ص ٢٩٤.

(٦) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٧) كحالة : معجم المؤلفين ، ج ٩ ، ص ١٤٦.

(٨) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، ط ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ص ٢٨ ـ ٣٧.

١٢٧

ويبدو أن ابن جابر الوادي آشي لم يدون برنامجه من الذاكرة ، إذ كانت لديه تقييدات بخطه تحوي ما أخذه عن مشايخه (١) ساعدته في إخراجه وترتيبه.

مميزات برنامج ابن جابر الوادي آشي :

تندرج رحلته ضمن البرامج وليست من الرحلات الوصفية فهي علمية بحتة لما اشتملت عليه من تراجم للشيوخ والكتب التي أخذها. فجعل برنامجه من جزءين ، الأول يحوي أسماء المشايخ وقسمه إلى قسمين : اشتمل القسم الأول على ترجمة العلماء الذين لقيهم وأخذ عنهم مباشرة. كما ضمنه أسماء العلماء الذين ارتبط معهم بصلات علمية وقد أورد أسماءهم تبعا لكثرة التلقي عنهم وبحسب المدن التى ينتسبون إليها. وسار في هذا القسم على نمط واحد فهو يورد في الترجمة الأوصاف ، ثم اللقب والكنية ، والاسم والبلد المنتمي إليه العالم ، وسنة الميلاد والشهر إن وجد ، مع ذكر المناصب التي شغلها.

ويلي ذلك ذكر قراءته عليه ، وبيان مقدار الأخذ ، مع ذكر مكانه والكتب التي سمعها. ويتخلل ذلك أبيات شعرية إن وجدت ثم يذكر سنة الوفاة مع ذكر اليوم والشهر ومكان الدفن.

أما القسم الثاني من الجزء الأول فقد أورد فيه شيوخه الذين أجازوه.

حيث رتبهم حسب الحروف الأبجدية مغايرا بذلك منهجه في القسم الأول. وقد أفرد قسما خاصا للنساء في آخر القسم الثاني دون ترتيب.

وفي هذا القسم كان ترتيبه البدء باسم العالم دون وصفه ، يتبعه ولادته وشيوخه الذين أخذ عليهم ، مع ذكر سنة الوفاة إن عرفها وأحيانا ذكر اسم العالم دون ترجمة.

أما الجزء الثاني فقد أفرده للكتب التي أخذها عن العلماء دون وصف لهذه الكتب. ورتب هذا الجزء حسب العلوم. فبدأ بالقرآن الكريم وعلومه ، ثم الحديث وعلومه ، ثم كتب التصوف واللغه والأدب. يتبع ذلك كله كتب الفهارس والمعاجم.

__________________

(١) ابن القاضي : درة الحجال ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

١٢٨

وقد ذكر اسم كل كتاب ومؤلفه وتحديد ما أخذه من الكتاب. كما أورد الكتب التي درسها واعتمد عليها بدون استقصاء لكل ما وقع تحت يديه واستفاد منه. إذ يقول في بداية حديثه عنها : " هذا ذكر ما حضرني ذكره" (١).

وقد ذكر محقق البرنامج الدكتور / محمد الحبيب الهيلة أن المؤلف عاد إلى نسخته وأضاف إليها إضافات جديدة في نهايات بعض ترجمات القسم الأول من الجزء الأول. حيث أكمل في بعض الترجمات تواريخ وفيات أصحابها وقال : إن هذه الإضافات لا توجد في نسخة المخطوطة الأندلسية مما يدل على أن المؤلف راجع برنامجه في سنة ٧٤٤ ه‍ / ١٣٤٣ م أو بعدها بقليل (٢).

ونلحظ ابن جابر الوادي آشي أراد من تقييده لبرنامجه الانتفاع والبيان ، لذا جاء أسلوبه سهلا واضحا خاليا من السجع المتكلف.

ابن بطوطة

٧٠٣ ـ ٧٧٠ ه‍ / ١٣٠٣ ـ ١٣٦٨ م

محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف (بن عبد الرحمن) (٣) ابن يوسف اللواتي الطنجي ، أبو عبد الله ابن بطوطة (٤) الملقب بشمس الدين (٥).

رحالة مغربي ، يرجع نسبه إلى لواتة (٦) إحدى القبائل البربرية. ولد سنة ٧٠٣ ه‍ / ١٣٠٣ م يوم الإثنين السابع عشر من رجب بمدينة طنجة (٧).

__________________

(١) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، ط ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، ص ١٧٨.

(٢) المصدر السابق والطبعة ، ص ٣٧.

(٣) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ٢٧٣ زيادة في نسبه.

(٤) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠.

(٥) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٥.

(٦) (لواته) بطن واسع من بطون البربر ينتسبون إلى لوا الأصغر بن لوا الأكبر ابن زهيك ، ولوا الأصغر هو نفرا ولو اسم أبيهم والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الألف والتاء فصارت لوات فلما عربته العرب حملوه على الإفراد وألحقوا به هاء الجمع ، وهم بطون كثيرة. أنظر ابن خلدون : العبر ، ج ٦ ، ص ١١٦.

(٧) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤ ؛ و (طنجة) بلد على ساحل بحر المغرب مقابل للجزيرة الخضراء وهي مدينة قديمة آثارها ظاهرة بناؤها بالحجارة قائمة على البحر وهي على ظهر جبل وماؤها من قناة يجرى إليهم من موضع لا يعرفون منبعه على الحقيقة وهي خصبة وبين طنجة وسبتة مسيرة يوم واحد هي آخر حدود أفريقيا. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٥ ، ص ٤٣.

١٢٩

ينسب ابن بطوطة لأسرة علم ، فمنها القضاة والعلماء ، وهو ما ذكره لملك الهند عند ما خيره بين الوظائف التي يرغبها ، فقال : " أما الوزارة والكتابة فليست شغلي. وأما القضاء والمشيخة فشغلي وشغل آبائي" (١).

وقد أشار إلى توليه قضاء الركب الحجازي عند خروجه من تونس قاصدا الحجاز. وممن تولى القضاء من عائلته ابن عم له يقال له أبو القاسم محمد ابن يحيى بن بطوطة قاضي إحدى المدن الأندلسية.

ولا نعرف من أخبار عائلة ابن بطوطة ومكانتها سوى ما أشار به في رحلته. وهو مالكي المذهب. تلقى علومه الأولى على مشايخ طنجة ، وأصبح ذا معرفة واسعه مكنته من تولي قضاء الركب الحجازي. واستمر ابن بطوطة في طلب العلم فهو لم يكن يخالط إلا العلماء والقضاة. ولعله كان يقرض الشعر ، وذلك من خلال إيراده أبياتا نسبها لنفسه ولم نعثر في المصادر إيضاحات عن ذلك. وقد ظهر قرضه الشعر عند مدحه لملك الهند رغبة منه في مساعدته لقضاء دينه (٢).

لم يشر ابن بطوطة إلى طلبه العلم في البلدان التي زارها ، واكتفى بالإشارة إلى سماعه على بعض كبار العلماء والوعاظ. كما أنه لم يصرح بأسماء مشايخه في طنجة. وقد ذكر ابن حجر أنه لقي العديد من العلماء (٣).

أخلاقه :

لقد كان سريع الاندماج والتأقلم مع أهل المدن والبلدان التي زارها وألف عاداتها نظرا لطول مدة سفره. وهو بهذا عكس العبدري.

فابن بطوطة شديد الحرص على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي (٤). فلا يكاد يسمع برجل صالح أو عالم إلا وسارع إلى لقائه والتبرك بدعائه وهو كثير

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٥١١.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٨ ، ٦٦٨ ، ٥١٣ ، ٥١٥.

(٣) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠.

(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤.

١٣٠

الزواج ففي كل بلد يحط رحاله بها يتزوج عازما على أن تكون معه ولكن نراه لا يلبث أن يفارقها لعدم قبول الزوجة مفارقة وطنها.

وعرف عن ابن بطوطة شدة الاعتزاز بوطنه والحنين لأهله طوال غيابه عنهم. وتميز بدقة الملاحظة وقوة الذاكرة ، وهو مادلت عليه رحلته.

ولا ريب أن ابن بطوطة حذق فنون الفروسية والقتال ففي رحلته ما يشهد على اشتراكه في بعض المعارك التي حدثت أثناء تنقلاته.

سبب رحلته :

لقد كان خروجه للحج وزيارة مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقضى في رحلته هذه وقتا طويلا متنقلا في البلدان ؛ إذ بدأها سنة ٧٢٥ ه‍ / ١٣٢٤ م ، ولم يصحبه أحد من أقاربه أو أصدقائه على عادة الرحالة المغاربة والأندلسيين.

وقد أدى ابن بطوطة فريضة الحج سبع مرات وهو ما لم يشر إليه كل من تناول دراسة رحلة ابن بطوطة وقد كانت الأولى منها سنة ٧٢٦ ه‍ / ١٣٢٥ م والثانية سنة ٧٢٧ ه‍ / ١٣٢٦ م والثالثة سنة ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م والرابعة سنة ٧٢٩ ه‍ / ١٣٢٨ م والخامسة سنة ٧٣٠ ه‍ / ١٣٢٩ م والسادسة سنة ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م والسابعة سنة ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٨ م (١).

واستمرت رحلة ابن بطوطة في المشرق حوالي خمس وعشرين سنة منذ خروجه عام ٧٢٥ ه‍ / ١٣٢٤ م إلى حين عودته إلى فاس عام ٧٥٠ ه‍ / ١٣٤٩ م ولكنه لم يلبث أن واصل رحلته إلى الأندلس وتنقل فيها وتركها في عام ٧٥٣ ه‍ / ١٣٥٢ م. ثم عاود التجوال متجها صوب بلاد السودان وعاد منها سنة ٧٥٤ ه‍ / ١٣٥٣ م (٢).

وهكذا استمرت رحلته ما يقرب من تسعة وعشرين عاما جاب فيها جميع الأقطار التي تسنى له الوصول إليها في ذلك الوقت.

__________________

(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤ ، ١٧٠ ، ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، ٢٨٠ ، ٦٥٤.

(٢) المصدر السابق ، ص ٦٧٣ ، ٦٩١.

١٣١

ويمكننا أن نقسم رحلته إلى ثلاث رحلات : الأولى وهي الأطول وشملت المشرق كله بالإضافة إلى جزء من شمال آسيا. أما الرحلة الثانية فكانت إلى بلاد الأندلس ، والثالثة إلى بلاد السودان. وعند ما عاد ابن بطوطة إلى فاس قيض الله له السلطان أبا عنان المريني (١) سلطان مراكش الذي اتصل به.

فكان نتيجة هذا الاتصال ظهور كتاب رحلة ابن بطوطة الذي أسماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (٢). والذي تصدر لكتابته ابن جزى (٣) حيث انتهى من كتابته في عام ٧٥٧ ه‍ / ١٣٥٦ م (٤).

ويدل عنوان رحلة ابن بطوطة على ما حوته من غرائب وعجائب هي مثار شك أدت إلى اتهامه بالكذب (٥). ومن ذلك موقف ابن خلدون وتشكيكه في تلك الروايات أمام وزير السلطان فارس الذي أشار إلى ما يتناقله الناس من حكايات ابن بطوطة ، ويبدو أن الوزير من المؤيدين لها لأنه ضرب مثلا لابن خلدون عبر فيه عن تصديقه لابن بطوطة ، حيث شبه ابن خلدون بابن الوزير الناشىء بالسجن والذي لا يعرف من أشكال الحيوانات غير الفأر لعدم رؤيته سواها (٦).

وعلى ضوء ما سبق فهناك من اتهمه بالكذب وهناك من نفاه عنه (٧).

والملاحظ أيضا أن المواضيع التي تضمنتها الرحلة مثار جدل بين مؤيد

__________________

(١) فارس بن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحميد المريني أبو عنان بن أبي الحسن ملك المغرب ولي السلطنة خمس سنوات ومات سنة ٧٥٩ ه‍ / ١٣٥٧ م. انظر ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٢١٩.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٧٠٠.

(٣) محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي من أهل غرناطة وأعيانها يكنى أبا عبد الله برز في الأدب واضطلع بمعاناة الشعر وإتقان الخط ، نشأ بغرناطة في كنف والده وبعد وفاته انتقل إلى المغرب فاستقر بباب ملكه توفي بفاس في أول سنة ٧٥٨ ه‍ / ١٣٥٦ م. انظر ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، ٢٦٥.

(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٧٠١.

(٥) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠ ؛ ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ٢٧٣.

(٦) ابن خلدون : العبر ، ج ١ ، ص ١٥١ ـ ١٥٢.

(٧) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠.

١٣٢

ومعارض. فمن المؤيدين لها كوز غارتن KOSEGERTEN أما من عارض حدوثها تمثل في موقف يول YULE ولكن لم تلبث أن عادت الثقة إليها في القرن العشرين مع الاعتراف بقيمتها العلمية.

أما موقف المعارضين فتمثل في مجيك MZIK وشيفيرSCHEFER وفيراFERRAND وياما موتوYAMMOTO وكان أكثر إنكاره في زيارته للصين والقسطنطينية (١).

وقد قطع ابن بطوطة في تجواله أكثر من مائة وخمسة وسبعين ألف ميل (٢). لذا لا يخفى على الإنسان إنه رحالة العصر (٣). وكما وفق ابن بطوطة في رحلاته وفق أيضا فيما أملاه على ابن جزى حيث يظهر بوضوح أحوال العالم الإسلامي وغيره في تلك الفترة.

واستطاع ابن بطوطة أن يحتفظ بكل مشاهداته في ذهنه دون تمحيص.

فهو لم يك من كبار الفقهاء أو العلماء ؛ بل كان رحالة متنقلا في أرجاء العالم يدفعه لذلك حب الاستطلاع والتعرف على غرائب وعجائب البلدان حتى أنه لقب" بشيخ الرحالين" (٤).

وأكثر ما يلفت انتباه ابن بطوطة وجعله مثار اهتمام الناس بمختلف طبقاتهم. وعلى الأخص العلماء والصالحين. فهو بذلك يعد مؤرخا من الناحية الاجتماعية للمسلمين في عصره (٥). فرحلة ابن بطوطة تحوي الكثير من الموضوعات وفي مختلف النواحي. ولا شك أن شهرة هذه الرحلة وأهمية ما حوته من هذه الدراسات كانت دافعا إلى ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية (٦).

__________________

(١) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩.

(٢) المرجع السابق والجزء ، ص ٤٢١.

(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٧٠١.

(٤) نقولا زيادة : الجغرافية والرحلات عند العرب ، ص ١٨٠.

(٥) نقولا زيادة : الجغرافية والرحلات عند العرب ، ص ١٨٢.

(٦) حسني محمود حسين : أدب الرحلة عند العرب ، ص ٤١ ؛ البستاني : دائرة المعارف ، ج ١ ، ص ٣٩٩.

١٣٣

وبالرغم من شهرة ابن بطوطة ورحلته إلا أننا لا نعرف أية تفاصيل عن حياته عقب انتهائه من تدوين الرحلة وحتى وفاته.

ولا شك أن ابن بطوطة كان يجيد أكثر من لغة مكنته من العيش فترة طويلة في مناطق لا ينطق أهلها بالعربية.

مناصبه التي تولاها :

أول منصب تقلده كان قاضي الركب الحجازي الخارج من تونس ثم تولى القضاء بالهند وبجزيرة المهل (١). وعقب عودته إلى وطنه ولي قضاء بعض المدن (٢).

مؤلفاته :

لا توجد له مؤلفات غير رحلته تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار التي صاغها له ابن جزي.

مميزات رحلته :

امتازت رحلة ابن بطوطة بطولها ، وحفلت بتنوع حوادثها فجمعت الكثير من الغرائب والعجائب التي آثارت الشك لدى الكثير من الكتاب ، وحوت الكثير من المعلومات عن أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

واستغرقت رحلته فترة تزيد على الثمانية والعشرين عاما سلك فيها طريق البر والبحر.

وكان ابن بطوطة حريصا على الاتصال بالملوك لينال أعطياتهم ويتمكن من موامصلة رحلته مما يدل على علو مكانته الاجتماعية. ويلاحظ أن ابن بطوطة

__________________

(١) جزيرة المهل : وهي ما تعرف اليوم بجزائر الملديف. انظر محمد محمود الصياد : رحلة ابن بطوطة ، ص ٤٩ ؛ شوقي عبد القوي عثمان : تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية ، عالم المعرفة ، الكويت ، العدد ١٥١ ، السنة ١٤١٠ ه‍ / ١٩٩٠ م ، ص ١٩٣.

(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٨ ، ٥١١ ، ٥٨٢ ـ ٥٨٨ ؛ ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠.

١٣٤

لم يدون في رحلته طلبه للعلم ، والتقاءه بالعلماء ، والكتب المتداولة ، وأماكن التدريس.

وقد وقع ابن بطوطة في بعض الأخطاء الجغرافية لا سيما فيما يتعلق بأسماء بعض البلدان والمدن ؛ ولعل السبب في ذلك مرده إلى عدم معرفته بلغات أهلها. أو لأنه لم يدونها في حينها بل أملاها من الذاكرة وكتبها له ابن جزي بعد سماعها منه.

والملاحظ فيها أيضا اهتمام ابن بطوطة بالجانب الاجتماعي من حيث حالة العلماء والملوك وعادات الناس في البلاد التي زارها. ويبدو أن ابن بطوطة قام بنقل الوصف الجغرافي من الرحالة السابقين وهذا مرده تدوين رحلته من الذاكرة فكان من الطبيعي أنه لا يستطيع وصف ما شاهده وأغلب الظن أن ابن جزي أكمل هذه الناحية من الرحلات السابقة ، إذ أن ابن بطوطة لم يعرها اهتمامه. فهو لم يدون رحلته في حينها فاعتمد على الذاكرة في إملائها بعد عودته فوقع في الكثير من الأخطاء.

والملاحظ أيضا عدم وجود الترتيب في تقييدها إذ تداخلت الأحداث والحكايات بعضها ببعض ، ولعلها قد تكون نتيجة خطأ الكاتب.

وتمتع ابن بطوطة بذاكرة قوية خاصة في سرد بعض المعلومات الخاصة بوصف المساجد وأبعادها.

وحفلت رحلة ابن بطوطة ببعض الحكايات والروايات الخرافية دون تمحيص منه ولا تدقيق ، وهذا بلاشك عائد إلى تكوين شخصية ابن بطوطة ، فهو رجل مسلم يمثل عامة المسلمين في معتقداتهم لتلك الفترة التي عمت فيها مثل هذه الظواهر الاجتماعية.

ويظهر من فحوى كلام ابن بطوطة أنه لم يكن يرغب في البداية في تدوين رحلته ومرجع ذلك كله إلى رغبة السلطان المريني أبي عنان للاستفادة منها.

وابن بطوطة في إيراده للمعلومات الخاصة بالجوانب الاجتماعية والسياسية والدينية يمثل شاهد عيان نقل لنا مشاهداته وما وصل إلى سمعه. وهذا

١٣٥

ما جعله ضمن الرحالة المشهورين الحريصين على إيصال المعلومات بدقة. ومن هنا تكمن أهمية رحلته من الناحية التاريخية.

لقد وصف ابن بطوطة مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسجدين المكي والمدني ، وعمد إلى الاختلاط بطبقات الناس. فهو أكثر الرحالة احتكاكا بهم في رحلاته ، فجاءت رحلته حافلة بأوصاف دقيقة مع اهتمامه بذكر القصص الغريبة والنادرة ، في رحلته.

وعلى العموم فرحلة ابن بطوطة في جملتها مثلت فترة من التاريخ الاجتماعي الإسلامي أكثر من أي ناحية أخرى ، بسبب ما وجد فيها من غرائب هي مثار فحص وتدقيق للتثبت منها.

البلوي

٧١٣ ـ ٧٨٠ ه‍ / ١٣١٣ ـ ١٣٨٧ م

خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي (١) من أهل قنتورية (٢) من حصون وادي المنصورة (٣). لقب بأبي البقاء (٤) ، رحالة من بلاد الأندلس وقد أجمع في الثناء عليه لفضله. كثير التواضع حسن الأخلاق جميل العشرة محب في الأدب (٥) " ذو خط رائق" (٦).

صفاته :

يبدو أنه قد تأثر كثيرا بأهل المشرق وعاداتهم حتى أن ابن الخطيب قال فيه «وقد شهرته النزعة الحجازية ... وتشبه بالمشارقه شكلا ولسانا» وكان

__________________

(١) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ١٨ ؛ ابن القاضي : درة الحجال ، ج ١ ، ص ٢٦٢ ؛ المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٢) (قنتورية) بلدة صغيرة من أعمال ولاية المرية تقع على نهر المنصورة على مقربة من بلدة المنصورة. ووادي المنصورة هو المنطقة الواقعة على نهر المنصورة الذي يخترق شمال ولاية المرية بين برشانة ومدينة المنصورة. انظر ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠٠ ، حاشية رقم ٢ ، ص ٤٨٧ حاشية رقم ٣.

(٣) المصدر السابق والجزء ، ص ٥٠٠.

(٤) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٥) المصدر السابق والجزء والصفحة.

(٦) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠٠ ؛ ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ١٨٦ ـ ١٨٧.

١٣٦

يصبغ لحيته بالحناء والكتم (١) ويلبس البياض (٢) وأثني عليه بأنه الشيخ الفقيه القاضي الأعدل (٣).

ومن غير المعروف بالضبط سنة ميلاده. وأما مكان مولده فهو (قنتورية).

وقد رجح محقق رحلته إنه قد يكون سنة ٧١٣ ه‍ / ١٣١٣ م لأنه كما قال رحل في مقتبل الشباب ، وقد جاوز سن الطلب إلى سن الاتصال بالعلماء والرواية عنهم ، وتوفي سنة ٧٨٠ ه‍ / ١٣٨٧ م.

وينتسب البلوي إلى أسرة علمية فنشأ في وسط علمي مع تربية دينية صالحة (٤). وعند ما وصل إلى سن تؤهله للالتقاء بالعلماء شد الرحال وجاب المدن للقاء علماء عصره بفاس وتلمسان وغرناطة وغيرها من بلاد المغرب والأندلس (٥). ثم رحل إلى المشرق للحج والاستزادة من العلم وهو في مقتبل العمر ، وألف رحلته التي سماها تاج المفرق في تحلية علماء المشرق (٦) " وهي مشحونة بالفوائد والفرائد وفيها من العلوم والآداب ما لا يتجاوزه الرائد" (٧).

سبب الرحلة :

كانت بقصد الحج وطلب العلم وكانت بداية خروجه ضحى يوم السبت الثامن عشر لصفر من عام ٧٣٦ ه‍ / ١٣٣٥ م (٨) من بلدة قتورية وعاد إليها يوم الإثنين عصرا في بداية ذي الحجة عام ٧٤٠ ه‍ / ١٣٣٩ م. فمدة رحلته أربعة أعوام وتسعة أشهر واثنا عشر يوما.

وقد ألف البلوي في هذه الرحلة مؤلفه تاج المفرق في تحلية علماء المشرق. وفي بداية تقييده لها بين منهجه الذي اتبعه ، فقال : إنه قصد

__________________

(١) الكتم نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود. أنظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٥٠٨.

(٢) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠١ ؛ المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٣.

(٣) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٤) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، المقدمة ، ص ٢٥ ـ ٢٦.

(٥) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٦) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ١٤٣.

(٧) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٨) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ١٤٤.

١٣٧

به ضبط موارد الرحلة الحجازية وذكر معاهد الوجهة المشرقية ابتغاء مرضاة الله. وبين أنه سيذكر بعض شيوخه من العلماء والفضلاء والبلغاء ، وأنه سيذكر نبذا من فوائدهم وطرفا من أناشيدهم (١).

وقد سار البلوي في رحلته وفق منهجه فظهرت بالصورة التي حددها وبذلك وصفها المقري. وإن كان لسان الدين ابن الخطيب قد انتقص من قدرها وقال عنها : «إنه جلب أكثر كلامه في رحلته من كلام العماد الأصبهاني (٢) وغيره». وقد أوضح المقري سبب تحامل ابن الخطيب على البلوي ، كونه منحرفا عنه ، ولكنه لم ينكر فضله وعلمه ، وهذا ما أثبته المقري (٣).

وأوضح محقق الرحلة أن البلوي كتب رحلته وتناقلها الناس ثم عنّ له أن يكتبها مرة ثانية وعرضها على أصدقائه من العلماء فقرظوها وهي التي احتفظ بها حفيده ونشرها من جديد.

لذا فهناك اختلافات في النسخ التي وجدت ، كما بين محقق الرحلة أن مصدر الرحلة نابع من تجربة البلوي الشخصية ، وأنه لم يعتمد على ما جاء في كتب الرحالة والمؤرخين السابقين. وهذا القول ربما ينطبق على النواحي الأدبية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية. أما فيما يتعلق بالنواحي الوصفية ، فالأمر يختلف ، خاصة وأن من يقرأ وصف البلوي لبعض المشاهد ، ووصف ابن جبير لها يرى مدى التطابق التام في الكلمات المستخدمة مما يؤيد أنه نقل منه ولعله استفاد أيضا من غيره من الرحالة الوصفيين ، خاصة وأن بعض الرحالة السابقين الذين اتبعوا منهج الرحلات الوصفية على

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٥٩ ـ ١٦١ ، ج ١ ، ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٢) محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن اله عماد الدين أبو عبد الله بن صفي الدين أبي الفرج بن نفيس الدين أبو الرجاء الكاتب الأصفهاني المعروف بابن أخي العزيز ولد بأصبهان سنة ٥١٩ ه‍ / ١١٢٥ م برع بالفقه وأتقن النحو والأدب وسمع الحديث ، اتصل بصلاح الدين وكانت مكانته تضاهي الوزراء توفي مستهل رمضان سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م بدمشق برع في الشعر والنثر وإن غلب على نثره كثرة الجناس. انظر الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج ١ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٣) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠٠ ، المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٣.

١٣٨

اطلاع بما سبق من كتب الرحلات الأخرى ، فجاءت كتاباتهم في مجملها تعالج المواضيع نفسها مع الإشارة إلى ما وقع فيه سلفهم من أخطاء.

مؤلفاته :

١ ـ رحلته التي سماها تاج المفرق في تحلية علماء المشرق.

٢ ـ برنامج روايته ولكن لم يعثر عليه وإنما ذكر عرضا أثناء حديثه في رحلته (١).

٣ ـ ديوان شعر ضمنه قصائده ومقطوعاته.

٤ ـ حديث الرحمة وكتاب عن أسانيد لثلاثيات البخاري.

٥ ـ له مجموعة منتقاة اختارها من أشعار معاصريه (٢). ولم يذكر عمر رضا كحالة من مؤلفاته غير رحلته (٣).

مناصبه التي تولاها :

لم يشغل البلوي مناصب مهمة قبل رحلته الحجازية ولكنه أثناء عودته إلى الأندلس أقام فترة بالإسكندرية ، تلقى فيها العلم وجلس للتدريس (٤) ، ثم تولى الكتابة لأمير تونس فترة من الوقت (٥). كما تولى القضاء ببلدة قتورية (٦) وعدد من مدن الأندلس (٧).

وقد بلغ البلوي مكانة عالية من العلم بفضل لقائه العلماء أثناء تجواله ورحلته إلى المشرق.

مميزات رحلة البلوي :

تعد رحلة البلوي من الرحلات الأدبية القائمة على النثر المليء بالسجع.

__________________

(١) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٦ ، ٤٧ ، ١٧٥ ، ٢٠٦ ، ج ٢ ، ص ٢٥ ، ٣٨ ، ٤٦ ، ٧٠ ، ٩٧.

(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١١٣ ، ج ١ ، ص ٣٦ ، ٢٠٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٢ ، ج ٢ ، ص ٥١ ، ٦٢ ، ٩٣ ، ٩٨.

(٣) كحالة : معجم المؤلفين ، ج ٤ ، ص ٩٧.

(٤) البلوي : تاج المفرق ، ج ٢ ، ص ٩٣.

(٥) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠٠ ؛ ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ١٨٧.

(٦) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٤٣ ؛ ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠١ ؛ المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٥٣٣.

(٧) ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ١ ، ص ٥٠٠.

١٣٩

وقد استوفى بها شروط الرحلات المغربية والأندلسية من الاهتمام بذكر القضايا الفكرية المثارة في وقته ، والترجمة لأعلام العلماء المأخوذ عنهم ، من الكتب العلمية المشهورة التي كانت غاية الطلب ، والدواوين الشعرية المتناقلة بين الناس. فعدت رحلته من نماذج الرحلات المغربية والأندلسية.

وتميزت بعبارات السجع المتكلف الذي يصعب على القارىء العادي فهمها لأول وهلة مع الإكثار من الشعر سواء له أو لغيره. كما اهتم بالترجمة للعلماء المشهورين وإسباغ الأوصاف والألقاب عليهم. ويبدو أن البلوي على درجة كبيرة من الثقافة ، ويظهر ذلك جليا واضحا من خلال ما أورده من كتب وفهارس ودواوين شعر وغيرها في رحلته.

وقد اهتم أيضا بالوصف الجغرافي للمدن والقرى التي مر عليها بدون تطويل ممل أو تقصير مخل ، وإن كان يؤخذ عليه نقل بعض العبارات من ابن جبير وخاصة في هذه الناحية.

كما أشار إلى الحالة الأمنية والسياسية والاجتماعية والدينية والعلمية في متن رحلته ، واعتنى بتسجيل النقوش التي شاهدها على الآثار المقدسة في المسجدين المكي والمدني مع وصفه لهما ، وسجل أسماء المدارس بمكة المكرمة والمدينة المنورة والمكتبات الموجودة بهما. وتتبع بالإضافة إلى ذلك المساجد الموجودة بهما ووصفها.

واهتم بذكر النواحي التاريخية القديمة عن المساجد والآثار المقدسة ووصف مكة المكرمة والمدينة المنورة وأسوارهما وذكر أسماء أحياء مكة المكرمة وجبالها.

وسجل الإجازات التي نالها من العلماء. وكعادة الرحالة المغاربة والأندلسيين انتثرت الأحاديث النبوية والآيات القرآنية في رحلته. وأشار أيضا إلى قضية تعدد الأئمة بالمسجد الحرام ، ووصف مناسك الحج ، واعتنى بتسجيل سبب خروجه وتاريخه وتاريخ وصوله إلى مكة المكرمة وتاريخ خروجه منها ، وتاريخ وصوله إلى بلده.

١٤٠