شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

المشتغل بالضمير فمثال المشتغل عن نصب لفظه زيدا ضربته ومثال المشتغل عن نصب محله عمرا مررت به ، وفهم من قوله موافق مطلق الموافقة فشمل الموافق فى اللفظ والمعنى كالمثال الأول والموافق فى المعنى دون اللفظ كالمثال الثانى والتقدير ضربت زيدا ضربته وجاوزت عمرا مررت به ، وهذا التقدير لا ينطق به لأن الفعل الثانى عوض منه فلا يجمع بينهما ويشترط فى المفسر أن لا يفصل بينه وبين الاسم السابق. وإن حرف شرط ومضمر فاعل بفعل محذوف يفسره شغل وسابق نعت لاسم وفعلا مفعول بشغل وعنه متعلق بشغل والضمير فيه عائد على الاسم السابق والباء فى بنصب بمعنى عن وهو بدل اشتمال من الضمير فى عنه وبنصب متعلق بشغل والضمير فى لفظه عائد على الاسم السابق والظاهر فى أل فى قوله أو المحل أنها معاقبة للضمير والتقدير بنصب لفظه أو محله ويحتمل هذا البيت وجها آخر من الإعراب وهو أن تكون الهاء فى لفظه عائدة على الضمير الذى اشتغل الفعل به وتكون الباء على بابها لا بمعنى عن وعلى الإعراب الأول حمل الناظم كلامه فى شرح الكافية فترجح الأخذ به والسبق مفعول بفعل مضمر يفسره انصبه وبفعل متعلق بانصبه وأضمرا فى موضع الصفة لفعل وحتما نعت لمصدر محذوف والتقدير إضمارا حتما ويحتمل أن يكون حالا من الضمير فى أضمرا وموافق نعت لفعل بعد نعته بالجملة ولما متعلق بموافق وما موصولة وصلتها الجملة بعدها. ثم إن الاسم السابق لفعل ناصب لضميره على خمسة أقسام : لازم النصب ، ولازم الرفع بالابتداء ، وراجح النصب على الرفع ، ومستو فيه الأمران ، وراجح الرفع على النصب ، وقد بين الاسم الأول بقوله :

والنّصب حتم إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل كإن وحيثما

يعنى أن الاسم السابق إذا تبع ما يختص بالفعل تحتم نصبه والمختص بالفعل أدوات الشرط وأدوات التحضيض وأدوات الاستفهام ما عدا الهمزة وذكر منها إن وحيثما فتقول إن زيدا لقيته فأجمل إكرامه وحيثما زيدا لقيته يكرمك ومثال التحضيض هلا زيدا كلمته ومثال الاستفهام متى زيدا تأتيه وجواب إن محذوف لدلالة ما تقدم عليه. ثم أشار إلى القسم الثانى بقوله :

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد

١٠١

فذكر لوجوب رفع الاسم السابق سببين : أحدهما ما اشتمل عليه البيت الأول وهو أن يتبع الاسم السابق شيئا يختص بالابتداء مثال ذلك إذا التى للمفاجأة وليتما الابتدائية نحو خرجت فإذا زيد يضربه عمرو وليتما زيد أكرمته. والثانى أن يفصل بين الاسم السابق والفعل ما لا يصح أن يعمل ما بعده فيما قبله كأدوات الصدر نحو زيد ما أكرمته وعمرو لأكرمنه وإعراب البيت الأول واضح وأما البيت الثانى ففيه تعقيد يتبين بالإعراب فالفعل فاعل بفعل يفسره تلا وما موصولة واقعة على الفاصل بين الاسم السابق والفعل وهو مفعول لتلا وصلتها الجملة إلى آخر البيت وما الثانية موصولة فاعلة بيرد واقعة على الاسم السابق وصلتها قبله والهاء فى قبله عائدة على الفاصل ومعمولا حال من ما الثانية وما الثالثة موصولة واقعة على الفعل المفسر وصلتها وجد وبعد متعلق بوجد وهو مقطوع عن الإضافة وتقدير المضاف بعده أى بعد الفاصل وتقدير الكلام كذلك أيضا يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل الشىء الذى لا يرد الذى قبله معمولا للفعل الذى بعده وهو المفسر. ثم أشار إلى القسم الثالث فقال :

واختير نصب قبل فعل ذى طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

فذكر لترجيح النصب على الرفع ثلاثة أسباب اشتمل البيت الأول على سببين : الأول أن يكون الاسم السابق قبل فعل يقتضى الطلب وذلك الأمر نحو زيدا اضربه والدعاء نحو اللهم زيدا ارحمه والنهى نحو زيدا لا تهنه. الثانى أن يقع الاسم السابق بعد شىء يغلب دخوله على الفعل نحو ما وإن النافيتين وهمزة الاستفهام نحو ما زيدا ضربته وإن عمرا أكرمته وأزيدا رأيته ، واشتمل البيت الثانى على سبب واحد وهو أن يكون الاسم السابق معطوفا على جملة مصدرة بالفعل نحو زيد قام وعمرا كلمته ومثله قوله عزوجل : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الإنسان : ٣١] واحترز بقوله بلا فصل من أن يقع بين حرف العطف والمعطوف فاصل نحو قام زيد وأما عمرو فكلمته لأن حكم المعطوف فى ذلك حكم المستأنف ، وإنما اختير النصب قبل الطلب لأن الطلب طالب للفعل وبعد الحروف المذكورة لأن الغالب فيها أن يليها الفعل ومع العطف على الجملة الفعلية لا تناسب المعطوف للمعطوف عليه. ونصب مفعول لم يسم فاعله باختير وذى طلب نعت لفعل وبعد معطوف على قبل فهو متعلق باختير وما موصولة واقعة على الأدوات المتقدمة على الاسم السابق وإيلاؤه مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى المفعول الثانى والفعل مفعول أول ويجوز أن يكون

١٠٢

المصدر مضافا إلى المفعول الأول والأول أظهر لأن الناظم يطلق ولى على تبع فى هذا النظم كثيرا وغلب فى موضع الخبر لإيلاؤه وبعد معطوف على بعد فى البيت الأول وبلا فصل متعلق بعاطف وعلى ذلك وأولا ظرف متعلق بمستقر واحترز به من الفعل الذى لم يقع أولا كالجملة ذات الوجهين. ثم أشار إلى القسم الرابع فقال :

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيّرا

فذكر لمساواة الرفع والنصب سببا واحدا وهو أن يكون الاسم السابق معطوفا على جملة ذات وجهين وهى التى صدرها مبتدأ وعجزها فعل كقولك زيد قام وعمرا كلمته فالنصب مراعاة لعجزها والرفع مراعاة لصدرها ولا ترجيح لواحد من الوجهين على الآخر وتجوّز فى تسمية الاسم السابق معطوفا والمعطوف فى الحقيقة إنما هى الجملة التى هو جزؤها والعذر له أنه لما ولى حرف العطف أطلق عليه معطوفا. فالمعطوف فاعل بتلا ومخبرا نعت لفعلا وبه فى موضع المفعول الذى لم يسم فاعله بمخبرا وعن اسم متعلق بمخبرا ويجوز أن يكون مفعولا لم يسم فاعله بمخبرا وبه متعلق بمخبرا وفاعطفن جواب الشرط. ثم أشار إلى القسم الخامس بقوله :

والرّفع فى غير الّذى مرّ رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

يعنى أن الرفع راجح فيما خلا من موجب النصب ومرجحه وموجب الرفع وتساوى الوجهين ومثال ذلك زيد ضربته وإنما كان الرفع راجحا لعدم الحذف بخلاف النصب فإنه على حذف الفعل والرفع مبتدأ وفى متعلق به ورجح خبر المبتدأ ثم تمم البيت بقوله : (فما أبيح افعل ودع ما لم يبح) لأنه مستغنى عنه. ثم قال :

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجرى

يعنى أن الفعل المشغول بالضمير المفصول بينه وبين الفعل بحرف الجر أو بالإضافة يجرى مجرى الفعل المشغول بالضمير المباشر فى جميع الأقسام المذكورة فنحو إن زيدا مررت به وإن زيدا رأيت أخاه يجرى مجرى إن زيدا ضربته فى وجوب النصب وكذلك سائر المسائل ، وفهم من قوله أو بإضافة أن نحو زيدا ضربت غلام أخيه وصاحب غلام أخيه وغيرهما مما يتعدد فيه المضاف يجرى مجرى زيدا ضربت غلامه لأن قوله بإضافة أعم من أن

١٠٣

يكون المضاف واحدا أو أكثر ، وفى ذلك أيضا إشعار بأن المفصول بحرف الجر نحو زيدا مررت به يجرى مجرى ما كان المجرور فيه مضافا متحدا كان أو متعددا نحو زيدا مررت بأخيه ومررت بغلام أخيه. وفصل مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى المفعول ويصح تقديره منصوبا إذا قدر حذف الفاعل فيكون تقديره وفصلك مشغولا ، ومرفوعا إذا كان التقدير أن يفصل المشغول والأول حسن لأن التقدير الثانى فيه خلاف وخبره يجرى وبحرف متعلق بفصل وكذلك بإضافة وكوصل متعلق بيجرى. ثم قال :

وسوّ فى ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

يعنى أن الوصف الذى يعمل عمل الفعل يساوى الفعل فى جواز تفسير العامل فى الاسم السابق والمراد بالوصف المذكور اسم الفاعل واسم المفعول دون الصفة المشبهة وأفعل التفضيل لأنها لا تعمل فيما قبلها فلا تفسر عاملا فنحو أزيدا أنت ضاربه كقولك أزيدا تضربه ، فإن قلت قد تقدم أنه لا يجوز الاشتغال فى نحو أزيدا أنت تضربه للفصل والفصل موجود فى هذا المثال قلت لا يمتنع الفصل إلا مع الفعل لاستقلال الفعل بخلاف الوصف فإنه لا يستقل بنفسه بل لا بد له من شىء يسند إليه فتنزل أنت ضاربه منزلة تضربه واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل والمصدر وبقوله ذا عمل من اسم الفاعل بمعنى المضى فإنه لا يعمل وبقوله إن لم يك مانع حصل من اسم الفاعل العامل المقترن بأل الموصولة نحو زيد أنا الضاربه غدا وفهم من قوله إن لم يك مانع حصل أن الصفة المشبهة لا تفسر لامتناع عملها فيما قبلها ووصفا مفعول بسوّ وفى متعلق بسوّ وكذلك بالفعل والظاهر أن يك تامة ومانع فاعل بها وحصل فى موضع الصفة لمانع والتقدير إن لم يوجد مانع حصل. ثم قال :

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

يعنى أن الشاغل للعامل إذا كان أجنبيا متبوعا بسببى جرى مجرى السببى والمراد بالعلقة الضمير العائد على الاسم السابق والمراد بالتابع هنا النعت كقولك زيدا ضربت رجلا يحبه أو عطف البيان كقوله زيدا ضربت رجلا أخاه أو عطف النسق كقولك زيدا ضربت عمرا أخاه وإطلاقه فى التابع يوهم أن ذلك جائز فى جميع التوابع وليس كذلك بل هو مخصوص بما ذكر والمراد بالواقع السببى المعمول للمفسر. وعلقة مبتدأ وحاصلة نعت له وبتابع متعلق بحاصلة وكعلقة خبر المبتدأ وبنفس صفة لعلقة.

١٠٤

تعدى الفعل ولزومه

الفعل على قسمين : متعدّ ، ولازم وبدأ بالمتعدى فقال :

علامة الفعل المعدّى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

يعنى أن علامة الفعل المتعدى جواز اتصال ضمير غير المصدر به نحو زيد ضربه عمرو والخير عمله زيد واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر فإنها تتصل بالمتعدى واللازم فليست علامة لواحد منهما. وعلامة مبتدأ وخبره أن تصل وها مفعول بتصل وبه متعلق بتصل. ثم قال :

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبّرت الكتب

ولازم غير المعدّى ...

يعنى أن الفعل المتعدى ينصب المفعول به إذا لم ينب عن الفاعل فإذا ناب عن الفاعل كان مرفوعا كما تقدم فى بابه وفهم من قوله فانصب به أن الناصب للمفعول به الفعل وهو أصح الأقوال وإعراب البيت واضح. ثم قال : (ولازم غير المعدى) يعنى أن ما لا يصلح أن يتصل به ضمير غير المصدر فهو لازم ويقال فيه غير متعدّ وقاصر ولازم خبر مقدم وغير المعدى مبتدأ مؤخر ثم إن من اللازم ما يستدل على لزومه بمعناه ومنه ما يستدل عليه بوزنه ، وقد شرع فى بيان ذلك فقال :

وحتم لزوم أفعال السّجايا كنهم

هذا مما يستدل على لزومه وهو أن يكون دالا على السجايا أى الطباع وهو ما دل على معنى قام بالفاعل لازم له ثم مثل ذلك بنهم ومعناه كثر أكله ومثله حمق بكسر الميم وضمها.

ثم قال :

كذا افعللّ والمضاهى اقعنسسا

هذا مما يستدل على لزومه بوزنه وهو افعلل كاقشعر واطمأن وافعنلل كاحرنجم واقعنسس والمضاهى المشابه واصطلاحه فى هذا النظم أنه إذا علق الحكم على شبه شىء فالمراد به

١٠٥

ذلك اللفظ وشبهه فكأنه قال واقعنسس ومضاهيه. وافعلل مبتدأ خبره كذا والمضاهى معطوف على افعلل واقعنسسا مفعول بالمضاهى ويجوز أن يكون فاعلا بالمضاهى أى والذى ضاهاه اقعنسسا ثم قال :

وما اقتضى نظافة أو دنسا

نحو وضوء وطهر فى النظافة ونجس وقذر فى الدنس وما موصولة معطوفة على المضاهى. ثم قال :

أو عرضا

وهو ما ليس حركة جسم من معنى قائم بالفاعل غير لازم له نحو مرض وكسل ونشط وعرضا معطوف على دنسا. ثم قال :

أو طاوع المعدّى* لواحد كمدّه فامتدّا

يعنى أن من علامة لزوم الفعل أن يكون مطاوعا لفعل متعد إلى واحد ومعنى المطاوعة قبول أثر الفعل المطاوع نحو دحرجته فتدحرج ومددت الثوب فامتد واحترز بقوله لواحد من مطاوع المتعدى لاثنين فإنه متعد إلى واحد كقولك علمت زيدا الحساب فتعلمه. ثم قال :

وعدّ لازما بحرف جرّ

يعنى أن الفعل إذا طلب مفعولا من جهة المعنى ولم يصل إليه بنفسه لضعفه عنه عدى إليه بحرف الجر نحو مررت بزيد وآليت على عمرو. ثم قال :

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

يعنى أن حرف الجر إذا حذف انتصب المجرور بالفعل وذلك على نوعين : موقوف على السماع ، ومطرد ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

نقلا

أى سماعا كقوله :

١٠٦

٦٧ ـ آليت حبّ العراق الدهر أطعمه

والحبّ يأكله فى القرية السّوس

أى آليت على حب العراق فحذف حرف الجر ونصب المجرور وظاهر قوله نقلا أن النقل راجع للنصب وليس كذلك بل هو راجع لحذف حرف الجر وأما النصب فليس بنقل ، وأشار إلى الثانى بقوله :

وفى أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

يعنى أن حذف حرف الجر مع أنّ وأن المصدريتين مطرد إذا أمن اللبس فتقول عجبت من أنك تقوم وعجبت أنك تقوم وعجبت من أن تقوم وعجبت أن تقوم وعجبت أن يدوا أى يعطوا الدية احترز بقوله مع أمن لبس من نحو رغبت من أن تقوم ورغبت عن أن تقوم فلا يجوز حذف حرف الجر هنا لئلا يلتبس وإنما اطرد حذف حرف الجر مع أنّ وأن لطولهما فى الصلة واختلف فى موضعهما بعد الحذف فقيل فى موضع جر وقيل فى موضع نصب وهو أقيس وقوله وإن حذف شرط وأدغم فاء حذف فى فاء الجواب بعد تسكينها ونقلا مصدر فى موضع الحال من الحذف المفهوم من حذف وفاعل يطرد ضمير عائد على الحذف المفهوم من حذف. ثم قال :

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من ألبسن من زاركم نسج اليمن

إذا كان الفعل متعديا إلى اثنين من غير باب ظن فلا بد أن يكون أحدهما فاعلا فى المعنى وأصله أن يتقدم على ما ليس فاعلا فى المعنى كقولك أعطيت زيدا درهما فزيد هو الفاعل فى المعنى لأنه هو الذى أخذ الدرهم وكقولك ألبسن من زاركم نسج اليمن. فمن زاركم مفعول أول لألبسن ونسج اليمن مفعول ثان والأول هو الفاعل فى المعنى لأنه هو الذى لبس نسج اليمن ونسج مصدر بمعنى اسم مفعول أى منسوج.

ويلزم الأصل لموجب عرا

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى

ثم إن المفعول الأول فى ذلك على ثلاثة أقسام قسم يجب فيه تقديم ما هو فاعل فى

__________________

(٦٧) البيت من البسيط ، وهو للمتلمس فى ديوانه ص ٩٥ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٧ ، والجنى الدانى ص ٤٧٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٥١ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٩٤ ، والكتاب ١ / ٣٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٨ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٨٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٩٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ٩٩.

والشاهد فيه قوله : «آليت حب العراق» حيث حذف حرف الجر (والأصل : على حب العراق) ونصب «حبّ».

١٠٧

المعنى وقسم يجب فيه تأخيره وقسم يجوز فيه الوجهان وقد أشار إلى القسم الأول بقوله : (ويلزم الأصل لموجب عرا) أى لشىء أوجب والموجب الذى يوجب تقديمه هو اللبس نحو أعطيت زيدا عمرا ، أو الحصر نحو ما أعطيت زيدا إلا درهما أو يكون الأول ضميرا متصلا بالفعل نحو أعطيتك درهما ثم أشار إلى القسم الثانى بقوله : (وترك ذاك الأصل حتما قد يرى) يعنى أنه قد يجب تأخير ما هو فاعل فى المعنى لموجب أيضا وذلك الموجب كونه محصورا نحو ما أعطيت درهما إلا زيدا أو يكون الثانى ضميرا متصلا نحو الدرهم أعطيته زيدا أو ملتبسا بضمير يعود على الأول نحو أسكنت الدار بانيها.

وأما القسم الثالث وهو ما يجوز فيه الوجهان فهو مستفاد من قوله : والأصل سبق فاعل معنى وترك مبتدأ خبره قد يرى وحتما مفعول ثان بيرى وقد فى قوله قد يرى للتحقيق لا للتقليل ، ثم قال :

وحذف فضلة أجز إن لم يضرّ

كحذف ما سيق جوابا أو حصر

يعني : أنه يجوز حذف الفضلة وفهم من إطلاق الحذف أنه يجوز حذفها اختصارا أو اقتصارا وشمل قوله فضلة مفعول المتعدى إلى واحد نحو ضربت والأول من المتعدى إلى اثنين كقوله عزوجل : (وَأَعْطى قَلِيلاً) [النجم : ٣٤] والثانى قوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] والأول والثانى معا نحو فأما من أعطى واتقى وقوله إن لم يضر أى إن لم يضر حذفه وذلك إذا كان جوابا نحو ضربت زيدا لمن قال من ضربت أو كان محصورا نحو ما ضربت إلا زيدا ففى هذين الموضعين لا يجوز حذفهما اختصارا ولا اقتصارا وحذف مفعول مقدم بأجز وإن لم يضر شرط ومعنى يضر يضرّ يقال ضار يضير ضيرا بمعنى ضر يضر ضرا وقوله كحذف هو على حذف مضاف والتقدير كضمير حذف وما موصولة وصلتها الجملة إلى آخر البيت وجوابا مفعول ثان بسيق وفى سيق ضمير عائد على الصلة.

ويحذف النّاصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما

ثم إن الفعل الناصب للفضلة يجوز حذفه وذلك على وجهين أحدهما على جهة الجواز والثانى على جهة الوجوب وقد أشار إلى الأول بقوله : (ويحذف الناصبها إن علما) يعنى أنه يحذف الفعل الناصب للفضلة إذا علم جوازا كقولك لمن قال ما ضربت أحدا بل زيدا ووجوبا فى باب الاشتغال والنداء والتحذير والإغراء ، وما كان مثلا أو جاريا مجرى المثل وهذا هو

١٠٨

الوجه الثانى وإليه أشار بقوله : (وقد يكون حذفه ملتزما) وفهم منه أن قوله ويحذف بمعنى يجوز حذفه لأنه فى مقابلة الحذف على جهة الوجوب. والناصبها مفعول لم يسم فاعله بيحذف وهو اسم فاعل والضمير المتصل به منصوب الموضع على أنه مفعول به وهو عائد على الفضلة وحذفه اسم يكون والضمير فيه عائد على الناصب.

التنازع فى العمل

التنازع هو أن يتقدم عاملان ويتأخر عنهما معمول واحد وكل واحد من العاملين يطلبه من جهة المعنى ، وقد بين ذلك بقوله :

إن عاملان اقتضيا فى اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

المراد بالعامل هنا الفعل أو ما جرى مجراه ولا مدخل للحرف فى هذا الباب وشمل قوله عاملان تنازع الفعلين كقوله عزوجل : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] والاسمين كقول الشاعر :

٦٨ ـ عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

فلم أتخذ إلا فناءك موئلا

والفعل والاسم مع تقدم الاسم كقوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] والفعل والاسم مع تقدم الفعل كقوله :

٦٩ ـ لقد علمت أولى المغيرة أنّنى

لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

ومعنى اقتضيا طلبا فخرج به نوعان أحدهما أن يكون أحد العاملين لا يقتضى عملا فى المتنازع فيه كقول امرئ القيس بن حجر :

__________________

(٦٨) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٨٩ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢.

والشاهد فيه قوله : «مغيثا مغنيا من أجرته» حيث تقدّم عاملان وكلاهما اسم فاعل صالح للعمل فى المعمول ، وهو قوله : «من أجرته» وفى كل منهما ضمير مستتر هو فاعله ، وقد أعمل الثانى لقربه فنصب به «من» على المفعولية ، وأعمل الأوّل فى ضميره ، وحذف هذا الضمير ، لأن فى ذكره إعادة على متأخر لفظا ورتبة من غير ضرورة ولو أمكنه إعمال العامل الأوّل لقال : عهدت مغيثا مغنيه من أجرته.

(٦٩) البيت من الطويل ، وهو للمرار الأسدى فى ديوانه ص ٤٦٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٠ ، والكتاب ١ / ١٩٣ ، وللمرار الأسدى أو لزغبة بن مالك فى شرح شواهد الإيضاح ص ١٣٦ ، وشرح المفصل ٦ / ٦٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٠ ، ٥٠١ ، ولمالك بن زغبة فى خزانة الأدب ٨ / ١٢٨ ، ١٢٩ ، والدرر ٥ / ٢٥٥ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٠٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٤١٢ ، واللمع ص ٢٧١ ، والمقتضب ١ / ١٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩٣.

١٠٩

٧٠ ـ ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة

كفانى ولم أطلب قليل من المال

فإن أطلب غير طالب لقليل. الثانى أن يؤتى بالعامل الثانى توكيدا للأول كقوله :

٧١ ـ أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس

فأتاك الثانى غير طالب للاحقون لأنه أتى به توكيدا لأتاك الأول وفهم من قوله فى اسم أن المتنازع فيه لا يكون أكثر من اسم واحد وفهم من قوله قبل أن المتنازع فيه لا يتقدم على العاملين ولا على أحدهما وفى ذلك خلاف ، وقوله فللواحد منهما العمل يعنى أن العمل لأحدهما. وعاملان فاعل بفعل محذوف يفسره اقتضيا وفى اسم متعلق باقتضيا وكذلك قبل وعمل مفعول به ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة والعمل مبتدأ وخبره للواحد ومنهما فى موضع الحال من الواحد وفهم منه جواز إعمال كل واحد منهما ولا خلاف فى ذلك وإنما الخلاف فى الاختيار وقد نبه عليه بقوله :

والثّان أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

اختار البصريون إعمال الثانى لقربه من المعمول واختار الكوفيون إعمال الأول لسبقه والصحيح مذهب البصريين لأن إعمال الثانى فى كلام العرب أكثر من إعمال الأول ذكر ذلك سيبويه وصرح الناظم بأهل البصرة وفهم من قوله غيرهم أنهم أهل الكوفة لكونه أتى بهم فى مقابلة أهل البصرة. والثان مبتدأ وهو على حذف المضاف والتقدير وإعمال الثانى وأولى خبره وعند متعلق بأولى وعكسا مفعول باختار وغيرهم فاعل وذا أسرة حال من الفاعل وأسرة الرجل رهطه وكنى بذلك عن كثرة القائلين باختيار إعمال الأول. ثم قال :

__________________

(٧٠) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٣٩ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ، والدرر ٥ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٩ ، والكتاب ١ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٨٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٥٦ ، والمقتضب ٤ / ٧٦ ، والمقرب ١ / ١٦١.

والشاهد فيه قوله : «كفانى ولم أطلب قليل» حيث جاء قوله : «قليل» فاعلا ل «كفانى» ، وليس البيت من باب التنازع ، لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحا ، والأمر ههنا ليس كذلك لأنه ليس مطلوبا.

(٧١) صدره :

فأين إلى أين النجاة ببغلتى

والبيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ٢٦٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٩٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٥٨ ، والخصائص ٣ / ١٠٣ ، ١٠٩ ، والدرر ٥ / ٣٢٣ ، ٦ / ٤٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩٠ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١١ ، ١٢٥.

١١٠

وأعمل المهمل فى ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

المهمل هو العامل الذى لم يعمل فى الاسم المتنازع فيه فيعمل فى ضميره. وقوله والتزم ما التزما يعنى من مطابقة الضمير للظاهر ومن حذف الفضلة وإثبات العمدة ومن وجوب حذف الضمير فى بعض الأحوال وتأخيره فى بعضها وما صلح لوقوعه على جميع ما ذكر وما الأولى واقعة على الاسم المتنازع فيه وصلتها تنازعاه والعائد على الموصول الهاء فى تنازعاه وفى متعلق بأعمل ثم أتى بمثلين فقال :

كيحسنان ويسىء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا

فالمثال الأول على اختيار البصريين وهو إعمال الثانى فابناكا فاعل يسىء ويحسنان هو المهمل ولذلك عمل فى ضميره وهو الألف والمثال الثانى على اختيار الكوفيين وهو إعمال الأول فعبداك فاعل بغى واعتديا هو المهمل ولذلك عمل فى ضميره وهو الألف من اعتديا وفهم من المثالين أنه يجب إضمار المرفوع قبل المفسر وبعده فأما على إعمال الأول فتشترك الفضلة مع العمدة فى الإضمار فى المهمل وهو الثانى وأما على إهمال الأول ففيه تفصيل بينه بقوله :

ولا تجئ مع أوّل قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخّرنه إن يكن هو الخبر

يعنى أن المهمل إذا كان أولا وكان يطلب ضمير الاسم المتنازع فيه بالنصب لم يضمر فيه نحو ضربت وضربنى زيد ولما كان المنصوب شاملا للفضلة ولما أصله العمدة أشار إلى أن حكم الفضلة لزوم الحذف بقوله : بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ، وغير الخبر هو الفضلة وهو تصريح بما فهم من قوله قبل (ولا تجئ مع أول قد أهملا) ثم أشار إلى أن حكم ما ليس بفضلة وهو ما أصله الخبر الإضمار والتأخير عن المفسر بقوله : (وأخرنه إن يكن هو الخبر) ، فمن كونه منصوبا ينبغى أن لا يضمر قبل الذكر كالمرفوع ، ومن كونه عمدة فى الأصل ينبغى أن لا يحذف فوجب عنده الإضمار والتأخير ومثال ذلك ظننى وظننت زيدا قائما إياه وتجوّز فى إطلاقه الخبر على ما هو عمدة فى الأصل إذ لا فرق بين أن يكون أصله الخبر أو المبتدأ لأن كل واحد منهما عمدة فى الأصل وإذا حمل على هذا لم يحتج إلى ما قاله الشارح

١١١

المرادى وقوله مع أول متعلق بتجئ وكذلك بمضمر وأوهلا فى موضع الصفة لمضمر ولغير متعلق بأوهلا ومعنى أوهلا جعل أهلا لغير الرفع وحذفه مفعول مقدم بالزم وإن يكن شرط حذف جوابه لدلالة ما تقدم عليه وكذلك إن يكن هو الخبر هو فصل بين اسم كان وخبرها أو توكيد لاسمها أو مبتدأ خبره الخبر والجملة خبر كان. ثم قال :

وأظهر إن يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسّرا

يعنى أن الضمير إذا كان خبرا عن شىء مخالف لمفسره فى الإفراد والتذكير وفروعهما وجب إظهاره لأنه إذا أضمره موافقا للمخبر عنه خالف المفسر. وإذا أضمر موافقا للمفسر خالف المخبر عنه وإن يكن شرط محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه ولغير فى موضع الصفة لخبر أو معمول له وما موصولة واقعة على المفعول الأول وصلتها الجملة التى بعدها.

ثم مثل ذلك بقوله :

نحو أظنّ ويظنّانى أخا

زيدا وعمرا أخوين فى الرّخا

فهذا المثال على إعمال الأول فالثانى الذى هو يظنانى هو المهمل ولذلك عمل فى الضمير المثنى فكان حق مفعوله الثانى الذى هو أخا أن يكون ضميرا لكنه لو أضمر مفردا موافقا للمخبر عنه وهو الياء من يظنانى لخالف المفسر وهو أخوين ولو أضمر مثنى موافقا للمفسر لخالف المخبر عنه فوجب إظهاره لذلك. وفى بعض نسخ المرادى فى هذا الفصل تخليط ، والصواب ما ذكرت لك.

المفعول المطلق

المفاعيل خمسة : مفعول به ومفعول مطلق وسمى مفعولا مطلقا لأن المفاعيل كلها مقيدة بأداة ومفعول فيه ومفعول له ويسمى أيضا مفعولا من أجله أو مفعولا معه ، أما المفعول به فقد تقدم فى باب الفاعل وشرع الآن فى بيان الأربعة المذكورة وبدأ بالمفعول المطلق فقال :

المصدر اسم ما سوى الزّمان من

مدلولى الفعل كأمن من أمن

بمثله أو فعل أو وصف نصب

وكونه أصلا لهذين انتخب

قال فى الترجمة المفعول المطلق ، ثم قال هنا المصدر وفى ذلك إشعار بأن المصدر

١١٢

والمفعول المطلق مترادفان وليس كذلك بل قد يكون المفعول المطلق غير مصدر نحو ضربته سوطا ويكون المصدر غير مفعول مطلق نحو أعجبنى ضربك وفهم من قوله من مدلولى الفعل أن للفعل مدلولين وبين أحدهما بقوله كأمن من أمن فأمن فعل يدل على الحدث والزمان وأمن اسم لذلك الحدث وهو أحد مدلولى الفعل ولم يبين المدلول الثانى وهو الزمان لأنه غير مقصود فى هذا الباب فالمصدر مبتدأ وخبره اسم وما موصولة واقعة على الحدث وصلتها سوى الزمان ومن فى موضع نصب حال من الضمير المستتر فى الصلة ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره أعنى. ثم قال : (بمثله أو فعل أو وصف نصب) مثال ما ينصب بمثله أعجبنى ضربك زيدا ضربا وشمل المماثل فى اللفظ والمعنى كالمثال المذكور والمماثل فى المعنى دون اللفظ كقولك أعجبنى قيامك وقوفا لأنه مماثل فى المعنى ومثال ما انتصب بالفعل قولك قمت قياما ومثال ما انتصب بالوصف أنا قائم قياما. ثم قال :

(وكونه أصلا لهذين انتخب) الإشارة بهذين إلى الفعل والوصف وهو مذهب البصريين وانتخب أى اختير وذلك لوجوه مذكورة فى كتبهم ومذهب الكوفيين العكس. وكونه مبتدأ وأصلا خبر كون ولهذين متعلق بأصلا وانتخب خبر المبتدأ. ثم قال :

توكيدا أو نوعا يبين أو عدد

كسرت سيرتين سير ذى رشد

يعنى أن المفعول المطلق يؤتى به لأحد ثلاث فوائد وأتى بمثالين الأول للعدد وهو قوله سيرتين ومثله عشرين ضربة والثانى للنوع وهو قوله : (سير ذى رشد) ومثله الموصوف كقولك سرت سيرا شديدا ومصاحب أل كقولك سرت السير أى الذى تعلم ومثال التوكيد سرت سيرا وسمى توكيدا لأنه لم يفد غير ما أفاده الفعل الناصب له. ثم قال :

وقد ينوب عنه ما عليه دلّ

كجدّ كلّ الجدّ وافرح الجذل

الأصل فى المفعول المطلق أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه نحو ضربت ضربا ، وقد ينوب عنه ما دل عليه من مغاير لفظ العامل فيه نحو جد كل الجد فكل منصوب على أنه مفعول مطلق وليس من لفظ جد لكنه دال عليه لإضافته إلى المصدر الذى هو من لفظ الفعل وكذلك افرح الجذل فالجذل منصوب على أنه مفعول مطلق وليس من لفظ افرح لكنه فى معناه فإن الجذل هو الفرح. وقد هنا للتحقيق لكثرة ورود النيابة فى ذلك وما موصولة واقعة على النائب عن المصدر فاعلة بينوب وصلتها دل وعليه متعلق بدل والرابط بين الصلة

١١٣

والموصول الضمير المستتر فى دل والضمير فى عليه عائد على المدلول عليه وهو المصدر والتقدير وقد ينوب عن المصدر اللفظ الذى دل عليه ويجوز أن يكون الضمير فى عليه هو الرابط وفاعل دل عائد على المصدر فيكون التقدير ما دل المصدر عليه لأن كل واحد منهما دال على الآخر إذ هو فى معناه. ثم قال :

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره وأفردا

يعنى أن المصدر المؤكد لا يجوز تثنيته ولا جمعه وذلك لأنه بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع ، وغيره أى غير المؤكد وشمل النوعى والعدد فكل واحد منهما يجوز تثنيته وجمعه أما المعدود فلا خلاف فى جواز تثنيته وجمعه نحو ضربته ضربتين وضربات وأما النوعى فقد سمع من العرب تثنيته وجمعه ، كقول الشاعر :

٧٢ ـ هل من حلوم لأقوام فأخبرهم

ما جرب القوم من عضّى وتضريسى

واختلف فى القياس عليه فمذهب سيبويه أنه لا يقاس عليه قال وليس كل جمع يجمع كما لا يجمع كل مصدر كالحلوم والأشغال وقاسه بعضهم وهو اختيار الناظم فتقول على هذا ضربت زيدا ضربتين وضروبا إذا أردت نوعين من الضرب أو أنواعا. وما موصولة مفعول مقدم بوحد وهى واقعة على المصدر المؤكد وصلتها لتوكيد وغيره مفعول باجمع فهو من باب التنازع ويطلبه ثنّ واجمع وأفرد والهاء فى غيره عائدة على ما. ثم إن عامل المصدر على ثلاثة أقسام ممتنع الحذف وجائزه وواجبه وقد أشار إلى الأول بقوله :

وحذف عامل المؤكّد امتنع

يعنى أن حذف العامل فى المؤكد ممتنع قال فى شرح الكافية لأن المصدر يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه وحذفه مناف لذلك واعترضه ولده بدر الدين بما هو مذكور فى شرحه واعتراضه عليه متجه وقد جاء حذف عامل المصدر المؤكد فى نحو زيد ضربا أى يضرب ضربا ولا إشكال فى أن هذا مصدر مؤكد لأنك لو أظهرت العامل فقلت زيد يضرب ضربا تعين كونه مؤكدا ، ثم أشار إلى الثانى بقوله :

__________________

(٧٢) البيت من البسيط ، وهو لجرير فى ديوانه ص ١٢٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٠٨ ، ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٦٨ ، ولسان العرب ١٢ / ١٤٦.

والشاهد فيه قوله : «حلوم» فى جمع المصدر «حلم».

١١٤

وفى سواه لدليل متّسع

يعنى أن سوى المؤكد وهو النوع والمعدود يجوز حذف عاملهما إذا دل عليه دليل ولا خلاف فى ذلك كقولك لمن قال ما ضربت زيدا بل ضربتين وبل ضربا شديدا ومتسع اسم مفعول بمعنى المصدر فهو اسم مصدر وتقديره اتساع ، وهو مبتدأ خبره فى سواه وهو على حذف مضاف تقديره وفى حذف سواه ولدليل متعلق بحذف المقدر ويجوز أن يكون متعلقا بالاستقرار العامل فى الخبر أى واقع لدليل ويجوز أن يكون متسع خبرا والمبتدأ محذوف أى والحذف متسع فيه فيكون على هذا متسع اسم مفعول إلا أنه حذف متعلقه وهو فيه ولدليل متعلق بمتسع. ثم أشار إلى القسم الثالث ، فذكر أنه يجب حذف عامل المصدر فى ستة مواضع. أشار إلى الأول منها بقوله :

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله كندلا اللّذ كاندلا

يعنى أنه يجب حذف عامل المصدر الآتى بدلا من فعله كقولك ضربا وأشار بقوله : كندلا إلى قول الشاعر :

٧٣ ـ على حين ألهى الناس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثعالب

فندلا مصدر ندل وهو بدل من اللفظ بالفعل والتقدير اندل ومعنى الندل الخطف وزريق اسم رجل وهو منادى على حذف حرف النداء والمال مفعول بندلا وقوله مع آت على حذف الموصوف تقديره مع مصدر آت وبدلا منصوب على الحال من الضمير المستتر فى آت ومن فعله متعلق بندلا وكندلا فى موضع الحال من فاعل آت واللذ لغة فى الذى وصلته كندلا وهو فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة ووقف عليها بالألف. ثم أشار إلى الموضع الثانى بقوله :

وما لتفصيل كإمّا منّا

عامله يحذف حيث عنّا

__________________

(٧٣) البيت من الطويل ، وهو لأعشى همدان فى الحماسة البصرية ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ولشاعر من همدان فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير فى المقاصد النحوية ٣ / ٤٦ ، وهو فى ملحق ديوان الأحوص ص ٢١٥ ، وملحق ديوان جرير ص ١٠٢١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٢٩٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٢ ، والخصائص ١ / ١٢٠ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٨٩ ، والكتاب ١ / ١١٥ ، ولسان العرب ٩ / ٧٠ (خشف) ، ١١ / ٦٥٣ (ندل).

والشاهد فيها مجىء «ندلا» مصدرا نائبا عن فعله ، والمعنى : اندل ندلا ، بمعنى اخطف خطفا.

١١٥

يعنى أن المصدر إذا أتى به فى تفصيل وجب حذف عامله وأشار بقوله : كإمّا منا إلى قوله عزوجل (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤] وهو تفصيل لعاقبة ما قبله وهو قوله عزوجل : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) [محمد : ٤] وما موصولة واقعة على المصدر ولتفصيل صلته وكإما فى موضع الحال وعامله مبتدأ وخبره يحذف والجملة فى موضع الخبر لما وحيث متعلق بيحذف ومعنى عنّ عرض. ثم أشار إلى الموضع الثالث فقال :

كذا مكرّر وذو حصر ورد

نائب فعل لاسم عين استند

أى يجب حذف عامل المصدر إذا ناب المصدر عن خبر اسم عين بتكرير نحو زيد سيرا سيرا أو بحصر نحو إنما أنت سيرا واحترز باسم العين من اسم المعنى نحو أمرك سير فإن المصدر فيه مرفوع. ومكرر مبتدأ وخبره كذا وذو حصر معطوف على المبتدأ وورد فى موضع الصفة لمكرر وذو حصر معا ونائب فعل حال من فاعل ورد واستند فى موضع الصفة لمكرر وذو حصر وكان حقه أن يقول وردا نائبى واستندا لأن كلا المصدرين مستندان نائب فعل ولكنه أفرد على معنى ما ذكر ونظيره قولهم : هو أحسن الفتيان وأجمله. ثم أشار إلى الرابع والخامس بقوله :

ومنه ما يدعونه مؤكّدا

لنفسه أو غيره

أى ومن المصدر الواجب حذف عامله ما يسميه النحويون مؤكدا لنفسه أو غيره ثم مثل للأول بقوله :

فالمبتدا

نحو له علىّ ألف عرفا

أى فالقسم الأول من المؤكد وهو المؤكد لنفسه مثاله له على ألف عرفا أى اعترافا وإنما سمى مؤكدا لنفسه لأنه واقع بعد جملة هى نص فى معناه فله على ألف هى نفس الاعتراف ومثل للثانى بقوله :

والثّان كابنى أنت حقا صرفا

أى والقسم الثانى من المؤكد مثاله ابنى أنت حقا صرفا وإنما سمى مؤكدا لغيره لأنه واقع بعد جملة صارت به نصا فى معناه ، وبيانه أن قولك أنت ابنى يحتمل الحقيقة والمجاز على

١١٦

أن المراد أنت مثل ابنى ، فلما ذكر المصدر ارتفع به المجاز المحتمل وتعينت الحقيقة والعامل فى هذين النوعين فعل واجب الحذف تقديره أحق إن كان المبتدأ غير متكلم وحقنى إن كان متكلما ، وفهم من قوله مؤكدا أنه واجب التأخير عن الجملة لأن المؤكد بعد المؤكد وما مبتدأ واقعة على المصدر وخبرها منه وصلتها يدعونه والهاء مفعول أول بيدعونه وهى الرابطة بين الصلة والموصول ومؤكدا مفعول ثان والواو عائدة على النحويين ولنفسه متعلق بمؤكدا وغيره معطوف عليه وباقى إعراب البيت واضح. ثم أشار إلى الموضع السادس فقال :

كذاك ذو التّشبيه بعد جمله

كلى بكا بكاء ذات عضله

يعنى أنه يجب حذف عامل المصدر أيضا إذا أتى به بعد الجملة على وجه التشبيه وذلك بخمسة شروط : الأول أن يكون بعد جملة وقد صرح بهذا الشرط فى قوله : (بعد جملة) ، واحترز به من الواقع بعد مفرد نحو صوته صوت حمار فلا يجوز نصبه. الثانى أن تكون حاوية معناه. الثالث أن تكون مشتملة على فاعله. الرابع أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل. الخامس أن يكون المصدر مشعرا بالحدوث وإنما لم يصرح بباقى الشروط لأنها مستفادة من المثال وهو قوله : (كلى بكا بكاء ذات عضلة). فالجملة مشتملة على معنى المصدر وهو بكاء وعلى فاعله وهو الياء من لى وليس فى المصدر الذى اشتملت عليه وهو بكا صلاحية للعمل لأنه ليس نائبا عن الفعل ولا مقدرا بأن والفعل وبكا مشعر بالحدوث فعلى هذا يكون المثال متمما للحكم والشروط وذو التشبيه مبتدأ خبره كذاك وبعد فى موضع الحال من ذو. والبكاء يمد ويقصر وقد استعمله فى المثال بالوجهين. وذات عضلة هى التى تمنع من النكاح والعامل فى المصدر فى هذا النوع واجب الحذف والتقدير أبكى.

المفعول له

وهو المصدر المذكور علة للفعل ويشترط فى نصبه أربعة شروط : أن يكون مصدرا ، وأن يظهر التعليل وأن يتحد مع الفعل المعلل فى الزمان وأن يتحد معه فى الفاعل وقد نبه على اثنين منها بقوله :

ينصب مفعولا له المصدر إن

أبان تعليلا كجد شكرا ودن

فقوله ينصب مفعولا له هذا هو الحكم وقوله المصدر هذا هو الشرط الأول فلو كان غير

١١٧

مصدر لم ينصب كقولك أكرمتك لزيد وقوله إن أبان تعليلا هذا هو الشرط الثانى يعنى إن أظهر تعليلا فلو لم يظهر التعليل لم يكن مفعولا له كقولك جلست قعودا ثم مثل بقوله جد شكرا فإن شكرا مصدر وقد أبان التعليل لأن معناه جد لأجل الشكر. ثم نبه على الشرطين الأخيرين بقوله :

وهو بما يعمل فيه متّحد* وقتا وفاعلا

يعنى أن من شرط نصب المفعول له أن يتحد زمانه وزمان الفعل المعلل وأن يتحد فاعلهما فلو اختلف زمانهما لم ينصب كقولك أتيتك أمس لإكرامك لى غدا وكذلك لو اختلف فاعلهما كقولك أكرمتك لإكرامك لى فمثال ما استوفى الشروط قولك قمت إجلالا لك ومثله قوله جد شكرا والمصدر مفعول لم يسم فاعله بينصب ومفعولا حال من المصدر وله متعلق بمفعولا وهو مبتدأ ومتحد خبره ووقتا وفاعلا منصوبان على حذف الجار أى فى وقت وفاعل ويجوز أن يكونا تمييزين منقولين من الفاعل والتقدير متحد زمانهما وفاعلهما وفى هذا الوجه تقديم التمييز على عامله المنصرف ومذهب الناظم جوازه. ثم قال :

وإن شرط فقد

فاجرره باللّام

يعنى أنه إذا فقدت الشروط المذكورة أو بعضها وجب جره باللام وإنما اقتصر على اللام وإن كان جره بالباء ومن وإلى جائزا لكثرة اللام وقلة غيرها مما ذكر. وإن شرط وجوابه فاجرره وشرط مرفوع بفعل مضمر يفسره فقد. ثم قال :

وليس يمتنع*

مع الشّروط كلزهد ذا قنع

يعنى أن الشروط المذكورة لا توجب النصب بل تسوغه فيجوز جره باللام مع وجودها فتقول قمت لإجلال لك وهذا قنع لزهد. واسم ليس ضمير مستتر يعود على المفعول له وفى يمتنع ضمير يفسره الجر المفهوم من قوله فاجرره ويمتنع خبرها ومع الشروط متعلق بيمتنع وهو على حذف مضاف والتقدير وليس الجر ممتنعا مع وجود الشروط وفهم من المثال أنه يجوز تقديم المفعول له على عامله ولا يختص ذلك بالمجرور بل هو جائز فى المجرور والمنصوب. ثم قال :

وقلّ أن يصحبها المجرّد

والعكس فى مصحوب أل

١١٨

يعنى أن المفعول له إذا كان مجردا من الألف واللام والإضافة يقلّ أن تصحبه لام الجر وإن كان مقرونا بأل يقلّ أن لا تصحبه اللام فنحو قمت لإكرام لك قليل وإكراما لك كثير ونحو قمت الإكرام قليل وللإكرام كثير وفهم من سكوته عن المضاف أنه يستوى فيه الوجهان والهاء فى يصحبها عائدة على لام الجر ، ثم أتى بشاهد على نصب مصحوب أل فقال :

وأنشدوا

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

الجبن الخوف يقال رجل جبان وامرأة جبان وعن متعلقة بالجبن والهيجاء الحرب والزمر الجماعات. وقد جمع العجاج بين نصب الأقسام الثلاثة فقال :

٧٤ ـ يركب كل عاقر جمهور* مخافة وزعل الحبور*الهول من تهوّل القبور

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

المفعول خبر مبتدأ مضمر وأل فيه موصولة وفيه متعلق بالمفعول واستفيد من هذه الترجمة أن لهذا النوع من المفاعيل اسمين : مفعول فيه ، وظرف وقوله :

الظّرف وقت أو مكان ضمّنا

فى باطّراد كهنا امكث أزمنا

قسم الظرف إلى مكان وزمان وشمل قوله وقت أو مكان الظرف وغير الظرف وأخرج بقوله ضمنا فى ما ليس بظرف من الزمان والمكان نحو يوم الجمعة مبارك وأعجبنى موضع جلوسك واحترز بقوله : باطراد من المكان المختص المنصوب بدخل نحو دخلت الدار والمسجد ونحوه فإنه غير ظرف لأنه لا يطرد نصبه مع سائر الأفعال فلا يقال صليت المسجد ولا جلست الدار وفهم من ذلك أن الدار من نحو دخلت الدار ليس بظرف ، وفى نصب الدار ونحوها من اسم المكان المختص ثلاثة مذاهب : الأول أنه انتصب نصب المفعول به بعد

__________________

(٧٤) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٤ ، ١١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٦٩ ، ولعبد الله بن رؤبة أو للعجاج فى شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٤ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٨٧ ، ١٨٩.

والشاهد فيه نصب «مخافة» و «زعل» و «الهول» على المفعول له.

١١٩

إسقاط الخافض على وجه التوسع والمجاز وإليه ذهب الناظم. الثانى أنه انتصب نصب المفعول به حقيقة وإن دخل معه متعدّ بنفسه. الثالث أنه انتصب نصب الظرف وأجرى مجرى المبهم من ظروف المكان.

فأما على الثانى والثالث فلا يحتاج إلى قيد الاطراد لأنه إن كان ظرفا فهو قد دخل فى الظروف وإن كان مفعولا به حقيقة فلا يحتاج إلى قيد الاطراد لأنه ليس على معنى فى وأما على الأول فيحتاج إلى قيد الاطراد خلافا للشارح فإن نصبه على التوسع والمجاز حكم لفظى فلا يخرجه ذلك عن معنى فى وهذا هو الذى اعتبر الناظم فاحتاج إلى قيد الاطراد ثم مثل بظرفين أحدهما مكان وهو هنا والآخر زمان وهو أزمنا جمع زمان على إسقاط حرف الجر.

والظرف مبتدأ وخبره وقت أو مكان وأو للتفصيل وضمنا فى موضع الصفة لوقت ومكان وألفه للتثنية وفى مفعول ثان لضمن وهو على حذف مضاف أى ضمن معنى فى وباطراد متعلق بضمن. ثم قال :

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلّا فانوه مقدّرا

بين فى هذا البيت أن حكم الظرف النصب وأن الناصب له الواقع فيه من فعل أو ما فى معناه نحو قعدت أمامك وسرنى قدومك يوم الجمعة وأنت سائر غدا ، وأن العامل فيه يكون ظاهرا كما تقدم ويكون مقدرا وأطلق فى المقدر فشمل المقدر جوازا نحو يوم الجمعة لمن قال متى قدمت ووجوبا إذا وقع خبرا لذى خبر أو صلة أو صفة أو حالا ومظهرا خبر كان مقدم وإلا حرف شرط ولا نافية وفعل الشرط محذوف تقديره وإن لم يكن مظهرا والفاء جواب الشرط. ثم قال :

وكلّ وقت قابل ذاك

يعنى أن أسماء الزمان كلها قابلة للظرفية مبهمها ومختصها فالمبهم منها ما دل على زمان غير معين نحو وقت وحين ويوم. والمختص ما ليس بمبهم كأسماء الشهور والأيام وما عرف بأل والمعدود وإنما استؤثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية على أسماء المكان لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان لأنه يدل على الزمان بصيغته وبالالتزام وعلى المكان بالالتزام فقط. فإن قلت ومن أين يفهم أن مراده بكل وقت المبهم والمختص. قلت من قوله بعد : وما يقبله المكان إلا مبهما ففهم منه

١٢٠