شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

فما فى المثالين مبتدأ بمعنى شىء وأوفى فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على ما وخليلينا مفعول بأوفى والهمزة فى أوفى للنقل والتقدير شىء أو فى خليلينا أى صيرهما وافيين ، ثم مثل أفعل بقوله :

وأصدق بهما

فأصدق لفظه لفظ أمر ومعناه الخبر والباء زائدة فى الفاعل والهمزة فى أفعل للصيرورة والتقدير أحسن زيد أى صار حسنا ، ثم قال :

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح

فشمل ما التعجب منه بعد ما أفعل وبعد أفعل فمثال حذفه بعد ما أفعل قول على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه :

١٣٣ ـ جزى الله عنّى والجزاء بفضله

ربيعة خيرا ما أعفّ وأكرما

أى ما أعفهم وأكرمهم ومثال حذفه بعد أفعل قوله عزوجل : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] أى وأبصر بهم وفهم من قوله إن كان عند الحذف معناه يضح أن الحذف لا يجوز إلا إن كان معناه واضحا وحذف مفعول باستبح وهو مصدر مضاف إلى المفعول وما موصولة وصلتها تعجبت ومنه متعلق بتعجبت ومعناه اسم كان ويضح فى موضع خبرها وهو مضارع وضح يضح بمعنى اتضح وعند متعلق بيضح. ثم قال :

وفى كلا الفعلين قدما لزما

منع تصرّف بحكم حتما

يعنى أن فعلى التعجب وهما ما أفعله وأفعل به غير متصرفين فلا يستعمل منهما مضارع ولا غيره مما يصاغ من الأفعال بل يلزم أفعل لفظ الماضى ويلزم أفعل لفظ الأمر ومنع فاعل بلزم وهو مصدر مضاف إلى المفعول وقدما منصوب على الظرف وفى كلا متعلق بلزم وكذلك قدما. ثم قال :

__________________

(١٣٣) البيت من الطويل ، وهو للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص ١٧١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩١ ، والدرر ٥ / ٢٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٩ ، والعقد الفريد ٥ / ٢٨٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٤٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٢٥٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٦٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩١.

والشاهد فيه قوله : «ما أعف وأكرما» حيث حذف مفعول فعل التعجب لأنه ضمير يدلّ عليه سياق الكلام ، والتقدير : ما أعفها وأكرمها.

٢٠١

وصغهما من ذى ثلاث صرّفا

قابل فضل تمّ غير ذى انتفا

وغير ذى وصف يضاهى أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا

اشتمل هذان البيتان على شروط الفعل الذى يجوز أن يصاغ منه فعلا التعجب ، وهى ثمانية : الأولى أن يكون فعلا وفهم ذلك من قوله من ذى ثلاث لأن ذى صفة لموصوف محذوف تقديره من فعل ذى ثلاث. الثانى أن يكون ثلاثيا وفهم ذلك من قوله من ذى ثلاث فلا يصاغان مما زاد على الثلاث. الثالث أن يكون متصرفا وفهم ذلك من قوله صرّفا فلا يصاغان من فعل غير متصرف كنعم وبئس ونحوهما. الرابع أن يكون قابلا للفضلية فلا يصاغان من فعل لا يقبل الفضلية نحو مات وفنى. الخامس أن يكون تاما فلا يصاغان من كان وأخواتها وفهم ذلك من قوله تمّ. السادس أن يكون غير لازم للنفى كعاج يقال ما عاج زيد بالدواء أى ما انتفع به ولا تستعمل فى غير النفى وذلك مفهوم من قوله غير ذى انتفا. السابع أن لا يكون اسم فاعله على وزن أفعل نحو شهل وحمر وفهم ذلك من قوله وغير ذى وصف يضاهى أشهلا. الثامن أن يكون مبنيا للفاعل فلا يصاغان من فعل مبنى للمفعول نحو ضرب زيد وذلك مفهوم من قوله : وغير سالك سبيل فعلا وهذه الشروط كلها صفات للفعل المحذوف وهى كلها مفردة إلا قوله صرفا وتمّ فإنهما جملتان فعليتان. ثم قال :

وأشدد أو أشدّ أو شبههما

يخلف ما بعض الشّروط عدما

ومصدر العادم بعد ينتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا يجب

يعنى أنه إذا أريد التعجب من فعل عدم بعض الشروط المتقدمة توصل إلى ذلك بأن يصاغ الوزنان المذكوران مما توفرت فيه الشروط المذكورة ويؤتى بمصدر الفعل العادم لبعض الشروط منصوبا بعد ما أفعل ومجرورا بالباء بعد أفعل مضافين إلى فاعل الفعل فتقول إذا تعجبت من البياض من نحو ابيضّ زيد ما أشدّ بياض زيد وأشدد ببياضه ومن استخرج زيد ما أكثر استخراجه وما أشبه ذلك وفهم من قوله ومصدر العادم أن ما لا مصدر له من الأفعال العادمة لبعض الشروط لا يتعجب منه البتة كالأفعال التى لا تتصرف وقوله وأشدد وأشد مبتدأ وخبره يخلف وما مفعول بيخلف وهى موصولة وصلتها عدم وبعض مفعول بعدم ولابد من حذف بين يخلف وما ليتضح المعنى والتقدير يخلف صيغتى التعجب المصوغتين مما عدم. ثم قال :

٢٠٢

وبالنّدور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الّذى منه أثر

فهم من قوله وبالندور احكم أنه قد جاء بناء صيغتى التعجب من الفعل العادم لبعض الشروط وأن ذلك نادر أى غير مقيس ومما أتى من غير الفعل قولهم أقمن بزيد لأنه من وصف لا فعل له ومما أتى من غير الثلاثى قولهم ما أعطاه من أعطى وما أفقره من افتقر ومما أتى من الفعل الذى أتى اسم فاعله على أفعل قولهم ما أجمعه وما أرعنه ومما أتى من غير المتصرف قولهم ما أعساه وأعس به من عسى ومما أتى من الفعل المبنى للمفعول ما أجنه من جن وما أولعه من ولع. ثم قال :

وفعل هذا الباب لن يقدّما

معموله ووصله به الزما

شمل قوله وفعل هذا الباب الصيغتين المذكورتين وهى ما أفعله وأفعل به فلا يتقدم المنصوب على أفعل ولا المجرور بالباء على أفعل ، وفهم منه أن المنصوب بما أفعل لا يتقدم على ما ولا يتوسط بين ما وأفعل وسبب ذلك عدم تصرفهما وفهم من قوله : ووصله به الزما أنه لا يفصل بين الفعل ومعموله بشىء. ولما كان فى الفصل بينهما بالظرف والمجرور خلاف نبه على ذلك بقوله :

وفصله بظرف أو بحرف جرّ

مستعمل والخلف فى ذاك استقرّ

يعنى أن الفصل بالظرف والمجرور بين فعل التعجب ومعموله مستعمل فى كلام العرب وفى ذلك خلاف مشهور ، وفهم من قوله مستعمل أن مذهبه موافق لمن أجاز ذلك ومن شواهده مع أفعل قول عمرو بن معد يكرب : لله درّ بنى سليم ، ما أحسن فى الهيجاء لقاءها وأكثر فى اللزبات عطاءها وأثبت فى المكروهات بقاءها ، ومن شواهده مع أفعل به قول بعض الأنصار :

١٣٤ ـ وقال نبى المسلمين تقدّموا

وأحبب إلينا أن يكون المقدّما

__________________

(١٣٤) البيت من الطويل ، وهو للعباس بن مرداس فى ديوانه ص ١٠٢ ، والدرر ٥ / ٢٣٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٥٦ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٤٩ ، والدرر ٥ / ٢٤٢ ، ٦ / ٣٢١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٦٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥١ ، ولسان العرب ١ / ٢٩٢ ، (حبب) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩٠ ، ٩١ ، ٢٢٧.

والشاهد فيه قوله : «وأحبب إلينا أن يكون المقدّما» حيث فصل بين فعل التعجب «أحبب» وفاعله الذى هو المصدر المؤوّل من «أن» وما بعدها بالجار والمجرور «إلينا» الذى هو معمول لفعل التعجب ، وهذا جائز.

٢٠٣

وقول الآخر :

١٣٥ ـ أقيم بدار الحزم ما دام حزمها

وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا

وقوله وفعل هذا الباب مبتدأ وخبره لن يقدم معموله ووصله مفعول مقدم بالزما وهو مصدر مضاف إلى المفعول وبه متعلق بوصله وفصله مبتدأ وهو أيضا مصدر مضاف إلى المفعول وبظرف متعلق بفصل ومستعمل خبر المبتدأ والخلف مبتدأ وفى ذاك متعلق به واستقر فى موضع خبره.

نعم وبئس وما جرى مجراهما

هذا الباب مشتمل على قسمين الأول نعم وبئس والثانى ما جرى مجراهما من الأفعال وبدأ بنعم وبئس فقال :

فعلان غير متصرّفين

نعم وبئس رافعان اسمين

صرح بفعلية نعم وبئس وفى ذلك خلاف ومذهب البصريين أنهما فعلان ثم بين أنهما يرفعان اسمين بقوله رافعان اسمين ، يعنى أن كل واحد منهما يرفع اسما ومجموعهما يرفع اسمين لا أن كل واحد منهما يرفع اسمين وفعلان خبر مقدم وغير متصرفين نعت لفعلين ونعم وبئس مبتدأ ورافعان نعت لفعلين أيضا ولا يجوز أن يكون غير متصرفين ورافعان أخبارا لأنهما قيد فى فعلين وليس المراد أن يخبر بهما عن نعم وبئس واسمين مفعول برافعان ، وفهم منه أن رفع الاسمين بعدهما على الفاعلية لتصريحه بفعليتهما ، ثم اعلم أن مرفوعهما يكون ظاهرا ومضمرا ، وقد أشار إلى الأول بقوله : (مقارنى أل أو مضافين لما* قارنها) ثم مثل للثانى بقوله : (كنعم عقبى الكرما) ومثله قوله عزوجل : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل : ٣٠] ومثال الأول نحو قوله تعالى : (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج : ٧٨] ثم أشار إلى الثانى بقوله : (ويرفعان مضمرا يفسّره* مميّز).

__________________

(١٣٥) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٨٣ ، وتذكرة النحاة ص ٢٩٢ ، وحماسة البحترى ص ١٢٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٤٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٥٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٢٦٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٦٩.

والشاهد فيه قوله : «وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا» حيث فصل بالظرف ، وهو قوله : «إذا حالت» بين فعل التعجب ، وهو قوله «وأحر» وبين معموله ، وهو قوله : «بأن أتحوّلا».

٢٠٤

وفهم من قوله يفسره مميز أن الضمير فيهما لا يفسره متقدم بل التمييز المتأخر عنه وقد مثل ذلك بقوله : (كنعم قوما معشره) فنعم فعل ماض والفاعل به ضمير مستتر فيه تقديره هو وهو مفسر بقوله قوما وفهم من المثال أن نعم وبئس لا يكتفيان بفاعلهما بل لا بد من اسم آخر بعدهما وهو معشره ويسمى مخصوصا وسيأتى. ثم قال :

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

يعنى أن فى الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر خلافا مشهورا. واستدل من أجاز ذلك بقوله :

١٣٦ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

وبأبيات أخر ، وتأوّل المانعون ذلك بما لا يليق ذكره بهذا المختصر. ثم قال :

وما مميّز وقيل فاعل

فى نحو نعم ما يقول الفاضل

إذا لحقت ما نعم وبئس فتارة يليها الفعل كالمثال المذكور ، وتارة يليها الاسم كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] فإن وليها الفعل ففيها عشرة أقوال ، وإن وليها الاسم ففيها ثلاثة أقوال وكلامه صالح لجميع الأقوال وجميعها راجع إلى كونه تمييزا أو فاعلا واقتصر فى شرح الكافية على أنه إذا وليها الفعل على قولين : الأول أنها نكرة فى موضع نصب على التمييز والفعل بعدها صفة لها والمخصوص محذوف. والآخر أنها فاعل وأنها اسم تام معرفة والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف والتقدير نعم الشىء شىء يقوله الفاضل وإذا وليها الاسم على قول واحد وهو أنها فاعل والاسم بعدها هو المخصوص وينبغى أن يحمل تمثيله على أن المراد فى نحو نعم ما يقول الفاضل وشبهه مما لحقت فيه ما نعم وبئس ليدخل فيه ما وليه الاسم وفى تقديمه أنها تمييز تنبيه على أنه أشهر القولين. ثم قال :

__________________

(١٣٦) البيت من الوافر ، وهو لجرير فى خزانة الأدب ٩ / ٣٩٤ ، ٣٩٩ ، والخصائص ١ / ٨٣ ، ٣٩٦ ، والدرر ٥ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٢ ، ولسان العرب ٣ / ١٩٨ (زود) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٦٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٦ ، ومغنى اللبيب ص ٤٦٢ ، والمقتضب ٢ / ١٥٠.

والشاهد فيه قوله : «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» حيث جمع بين الفاعل الظاهر ، وهو قوله : «الزاد» والتمييز ، وهو قوله : «زادا» وهذا غير جائز عند بعض النحاة.

٢٠٥

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

المخصوص فى الاصطلاح هو الاسم المقصود بالمدح بعد نعم وبالذم بعد بئس ، وفى إعرابه ثلاثة أوجه أحدها أنه مبتدأ والجملة قبله خبره والرابط بين المبتدأ والخبر العموم الذى فى الفاعل وهذا قول متفق عليه. الثانى أنه مبتدأ والخبر محذوف وهو قول مرغوب عنه وقد أجازه قوم منهم ابن عصفور. الثالث أنه خبر مبتدأ مضمر وهذا أيضا مختلف فيه ونسب المصنف إجازته إلى سيبويه وفهم من كلام الناظم الأقوال الثلاثة لأن قوله مبتدأ يحتمل الوجهين إذا لم يذكر الخبر وقوله ليس يبدو أبدا يعنى أنه إذا جعل المخصوص خبرا كان حذف المبتدأ واجبا وفهم من قوله بعد أن محل المخصوص يكون متأخرا عن فاعل نعم وبئس وبعد متعلق بيذكر ومبتدأ حال من المخصوص. ثم قال :

وإن بقدّم مشعر به كفى

كالعلم نعم المقتنى المقتفى

يعنى أن المخصوص قد لا يذكر بعد الفاعل لذكر ما يشعر به قبل نعم وبئس وشمل ذلك صورتين الأولى أن يذكر فى الكلام الذى قبل نعم متصلا بها كالمثال الذى ذكر الثانية. أن يذكر فى الكلام الذى قبل نعم غير متصل بها كقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : ٤٤] أى نعم العبد أيوب وقد يكون المشعر بالمخصوص فى كلام غير المتكلم بنعم وذلك أن يتكلم متكلم فيقول مثلا زيد حسن الأفعال فيقول المجيب نعم الرجل. ومشعر صفة لمحذوف والتقدير اسم مشعر ومعمول كفى محذوف والتقدير كفى عن ذكر المخصوص بعد والمقتنى المكتسب والمقتفى المتبع.

ولما فرغ من أحكام نعم وبئس شرع فى حكم ما جرى مجراهما فقال : (واجعل كبئس ساء) يعنى أن ساء مساو لبئس فى المعنى والحكم فتقول ساء الرجل أبو جهل وساء رجلا أبو لهب. وألف ساء منقلبة عن واو ووزنه فعل بضم العين وساء مفعول أول باجعل وكبئس مفعول ثان. ثم قال :

واجعل فعلا

من ذى ثلاثة كنعم مسجلا

يجوز أن يبنى من كل فعل ثلاثى وزن فعل بضم العين ويقصد به ما يقصد بنعم من المدح وبئس من الذم ولا يتصرف ويكون فاعله كفاعل نعم وبئس ويستوى فى ذلك ما كان وضعه

٢٠٦

على وزن فعل نحو (كَبُرَتْ كَلِمَةً) [الكهف : ٥] وما كان وضعه على وزن فعل وفعل نحو وضوء الرجل زيد وعلم الرجل عمرو يعنى بقوله كنعم فى الحكم لا فى المعنى لأن فعل كما يقصد به المدح يقصد به الذم نحو جهل الرجل زيد وقوله مسجلا منصوب على الحال من فعل والمسجل المبذول المباح الذى لا يمنع من أحد فهو بمعنى مطلقا فيكون التقدير واجعل فعلا فى حال كونه على فعل أو على فعل أو على فعل ويجوز أن يكون حالا من نعم فيكون التقدير واجعل فعل كنعم مطلقا فى جميع أحكامها. ثم قال :

(ومثل نعم حبّذا) يعنى أن حبذا مثل نعم مع فاعلها فى المعنى لا فى الحكم لاختلاف بعض أحكامها إلا أن فى حبذا زيادة على نعم وهى الحب والتقريب من القلب وهى مستفادة من لفظ حب ثم قال : (الفاعل ذا) يعنى أن ذا فاعل بحب وفهم منه أن حب فعل وفاعل. ثم قال : (وإن ترد ذما فقل لا حبّذا) يعنى أنك إذا أردت بحبذا الذم أدخلت عليه لا فتقول لا حبذا زيد فتساوى معنى بئس لأن نفى المدح ذم ، وقد جمع الشاعر بينهما فقال :

١٣٧ ـ ألا حبّذا أهل الملا غير أنه

إذا ذكرت مى فلا حبّذا هيا

ثم قال :

وأول ذا المخصوص أيا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهى المثلا

اعلم أن حبذا يحتاج إلى مخصوص كما يحتاج إليه نعم فتقول حبذا زيد كما تقول نعم الرجل زيد وفهم من قوله وأول ذا أن مخصوص حبذا لا يكون إلا متأخرا عن ذا بخلاف المخصوص بعد نعم فإنه يتقدم وفهم من سكوته عن إعرابه أنه مبتدأ وخبره فى الجملة قبله كما سبق فى مخصوص نعم وقوله أيا كان يعنى مذكرا كان أو مؤنثا مفردا أو مثنى أو مجموعا وقوله لا تعدل بذا يعنى أن ذا لا يكون إلا مفردا مذكرا وإن كان المخصوص على خلاف ذلك فتقول حبذا زيد وحبذا هند وحبذا الزيدان وحبذا العمرون وكان القياس أن يكون اسم الإشارة مطابقا للمخصوص فى التأنيث والتثنية والجمع لكنه أفرد فى الأحوال كلها لشبهه بالمثل وعلى ذلك نبه بقوله فهو يضاهى المثلا أى يشابه المثل والأمثال لا تغير ، ثم قال : (وما

__________________

(١٣٧) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ملحق ديوانه ص ١٩٢٠ ، والدرر ٥ / ٢٢٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٥٤٢ ، وله أو لكنزة أم شملة فى المقاصد النحوية ٤ / ١٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٣٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٩.

والشاهد فيه أن «حبّذا» تدخل عليها «لا» فتساوى بئس ، وتصير «حبذا» للذّمّ.

٢٠٧

سوى ذا ارفع بحبّ أو فجرّ* بالبا) يعنى أن حب قد يكون فاعلها غير ذا من الأسماء مع إرادة المدح وفى فاعلها حينئذ وجهان أحدهما الرفع والآخر الجر بالباء الزائدة وفى حائها إذ ذاك لغتان الضم وهو الأكثر والفتح وإلى ذلك أشار بقوله :

(ودون ذا انضمام الحا كثر) ووجه الفتح البقاء مع الأصل ووجه الضم أن الأصل حبب بضم الباء فنقلت الضمة إلى الحاء فتقول على هذا حب زيد وحب بزيد وحب بزيد. ومن شواهد ضم الحاء وزيادة الباء فى الفاعل قوله :

١٣٨ ـ فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

وما مفعول مقدم بارفع أو بجرّ فهو من باب التنازع وصلتها سوى.

أفعل التفضيل

أفعل التفضيل مضاف ومضاف إليه وإنما أضيف إلى التفضيل لأنه دال عليه واحترز به من أفعل الذى ليس للتفضيل كأحمر وأشهر.

صغ من مصوغ منه للتّعجّب

أفعل للتّفضيل وأب اللّذ أبى

يعنى أن أفعل التفضيل يجوز صوغه من كل فعل صيغ منه فعل التعجب ويمتنع صوغه من كل فعل عدم بعض الشروط المذكورة فى باب التعجب فأفعل مفعول صغ ومن مصوغ متعلق بصغ ومنه متعلق بمصوغ وكذلك للتعجب وأب فعل أمر من أبى يأبى أى امتنع واللذ مفعول بأب وهى لغة فى الذى وأبى فعل ماض مبنى للمفعول وفيه ضمير عائد على اللذ. ثم قال :

وما به إلى تعجّب وصل

لمانع به إلى التّفضيل صل

__________________

(١٣٨) البيت من الطويل ، وهو للأخطل فى ديوانه ص ٢٦٣ ، وإصلاح المنطق ص ٣٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٢٧ ، ٤٣٠ ، ٤٣١ ، والدرر ٥ / ٢٢٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٤ ، ولسان العرب ١١ / ٥٥١ (قتل) ، ١٥ / ٢٢٧ (كفى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٦ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٠٨ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٤٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٨٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٤٣ ، ٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٠٦ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٩ ، ١٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٩.

والشاهد فيه قوله : «حبّ» أو «حبّ» «بها» حيث جاء فاعل «حبّ» أو «حبّ» غير «ذا» وكلا الوجهين جائز ، ولكن إذا كان الفاعل «ذا» تعيّن فتح الحاء فى «حبّ».

٢٠٨

قد تقدم فى باب التعجب أن الفعل إذا عدم بعض الشروط المصوغة لبناء فعل التعجب يتوصل إلى صوغ أفعل منه بأشد وشبهه وكذلك أيضا يتوصل إلى صوغ أفعل التفضيل من الفعل العادم لبعض الشروط بما يتوصل به إلى صوغ فعل التعجب إلا أنه نبه على تمام الكيفية فى التعجب بقوله ومصدر العادم إلى آخر البيت ولم ينبه هنا على تمامها ، وتمامها أن يؤتى بمصدر العادم بعد أفعل منصوبا على التمييز فتقول أنت أشد بياضا من زيد وأكثر استخراجا من عمرو. وما مبتدأ أو مفعول بفعل محذوف يفسره صل وهى موصولة وصلتها وصل به ، وبه الأول متعلق بوصل وكذلك إلى تعجب ولمانع وبه الثانى متعلقان بصل وهو على حذف مضاف تقديره مثل وإلى التفضيل متعلق بصل والتقدير وما وصل به إلى التعجب لأجل المانع صل بمثله إلى أفعل التفضيل. ثم قال :

وأفعل التفضيل صله أبدا

تقديرا أو لفظا بمن إن جرّدا

أفعل التفضيل على ثلاثة أقسام : مجرد من أل والإضافة ومعرّف بأل ومضاف وأشار بهذا البيت إلى القسم الأول يعنى أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا من أل والإضافة فلا بد من اقترانه بمن لفظا كقوله عزوجل : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [الضحى : ٤] أو تقديرا كقوله تعالى : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى : ١٧] أى من الدنيا ، وفهم منه أن ما سوى المفرد وهو المعرف بأل والمضاف لا يقترن بمن ثم إن أفعل التفضيل بالنظر إلى مطابقة الموصوف على ثلاثة أقسام : لزوم عدم المطابقة ووجوب المطابقة وجواز الوجهين وقد أشار إلى الأول بقوله :

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا

يعنى أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا من أل والإضافة أو مضافا إلى نكرة يلزم الإفراد والتذكير فتقول زيد أفضل من عمرو والزيدان أفضل من عمرو والزيدون أفضل من عمرو وهند أفضل من عمرو والهندان أفضل من عمرو وزيد أفضل رجل والزيدان أفضل رجلين والزيدون أفضل رجال. ويضف مجزوم بإن وأو جردا معطوف عليه وألزم جواب الشرط وتذكيرا مفعول ثان بألزم وأن يوحدا معطوف على تذكيرا أى ألزم تذكيرا وتوحيدا وعبر بذلك عن عدم المطابقة. ثم أشار إلى الثانى بقوله : (وتلو أل طبق) يعنى أن أفعل التفضيل إذا دخلت

٢٠٩

عليه أل لزمت مطابقته لموصوفه فتقول زيد الأفضل وهند الفضلى والزيدان الأفضلان والهندان الفضليان والزيدون الأفضلون والهندات الفضليات. وتلو أل طبق مبتدأ وخبر والطبق المطابق. ثم أشار إلى الثالث فقال :

وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذى معرفه

يعنى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى ذى معرفة جاز أن يطابق موصوفه وأن لا يطابق وقد جمع الوجهين قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأحبكم إلىّ وأقربكم منى مجالس يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» فأفرد أحب وأقرب وجمع أحاسن. وما مبتدأ وخبره ذو وجهين وهى موصولة وصلتها أضيف ولمعرفة متعلق بأضيف. ثم قال :

هذا إذا نويت معنى من وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

يعنى أن جواز المطابقة وعدمها فى المضاف إلى المعرفة مشروط بأن تكون الإضافة فيه بمعنى من وذلك إذا كان أفعل مقصودا به التفضيل ، وأما إذا لم يقصد به التفضيل فلا بد فيه من المطابقة لما هو له كقولهم : الأشج والناقص أعد لا بنى مروان أى عادلاهم فهذا إشارة لجواز الوجهين فى المضاف إلى المعرفة وهو مبتدأ والخبر محذوف أى هذا الحكم ويجوز أن يكون خبرا مقدما والمبتدأ محذوف لدلالة ما تقدم عليه وإن لم تنو شرط وحذف معمول تنو والتقدير وإن لم تنو معنى من ، والمراد بما به قرن ما هو أفعل التفضيل له ، ثم اعلم أن من المصاحبة لأفعل التفضيل تارة تدخل على اسم الاستفهام وتارة تدخل على غيره ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

وإن تكن بتلو من مستفهما

فلهما كن أبدا مقدّما

يعنى أن المجرور بمن المصاحبة لأفعل التفضيل إذا كان اسم استفهام وجب تقديم من ومجرورها على أفعل لأن الاستفهام له صدر الكلام ، وشمل صورتين : الأولى أن يكون المجرور اسم استفهام ، والأخرى أن يكون مضافا إلى اسم استفهام وقد مثل للأولى بقوله : (كمثل ممّن أنت خير) ومثال الثانية من غلام من أنت أجمل ثم أشار إلى الثانى بقوله : (ولدى* إخبار التقديم نزرا وجدا) يعنى أن المجرور بمن المذكورة إذا كان خبرا أى غير استفهام لزم

٢١٠

تأخيره عن أفعل لأنه بمنزلة الفاعل فمحله التأخير ، وقد يتقدم عليه بقلة. وقد استشهد المصنف على ذلك بأبيات منها قوله :

١٣٩ ـ فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النحل بل ما زودت منه أطيب

أى أطيب منه. قلت وليس فى هذا البيت دليل لاحتمال أن يكون منه متعلقا بزودت وبتلو متعلق بمستفهم ولهما متعلق بمقدما والضمير فى لهما عائد على من ومجرورها أما من فقد لفظ بها قبل وأما مجرورها فمفهوم من قوله مستفهما والباء للاستعانة أو السببية وتلو الشىء الذى يتلوه. ثم اعلم أن أفعل التفضيل يرفع المضمر فى لغات العرب كقولك زيد أفضل من عمرو ففى أفعل ضمير يعود على زيد ، وأما رفعه الظاهر ففيه لغتان أشار إلى الأولى منهما بقوله : (ورفعه الظاهر نزر) يعنى أن أفعل المذكور يرفع الظاهر وهى لغة حكاها سيبويه فتقول مررت برجل أفضل من أبوه ورفعه مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل والظاهر مفعول به وخبره نزر. ثم أشار إلى اللغة الثانية بقوله :

(ومتى* عاقب فعلا فكثيرا ثبتا)

هذه اللغة لجميع العرب وهى أن أفعل يرفع الظاهر لكن ذلك مشروط بأن يكون معاقبا للفعل وذلك إذا ولى نفيا وكان فاعله أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبار محلين كقولهم ما رأيت رجلا أحسن فى عينه الكحل منه فى عين زيد والتقدير ما رأيت رجلا يحسن فى عينه الكحل كحسنه فى عين زيد وهذا هو المراد بقوله عاقب فعلا ، ثم مثل ذلك بقوله :

كلن ترى فى النّاس من رفيق

أولى به الفضل من الصّدّيق

والأصل أولى به الفضل منه بالصديق ثم اختصر ، والمراد بالصديق أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه فالشروط قد توفرت وهو تقدم النفى وهو لن والفاعل أجنبى من الموصوف وهو مفضل على نفسه باعتبار محلين.

__________________

(١٣٩) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى خزانة الأدب ٨ / ٢٦٩ ، والدرر ٥ / ٢٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، وتذكرة النحاة ص ٤٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٨٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٦٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٤.

والشاهد فيه قوله : «منه أطيب» حيث قدم «من» التى فى الخبر على أفعل التفضيل للضرورة الشعرية.

٢١١

النعت

هو التابع لما قبله فى إعرابه الحاصل والمتجدد ، ثم قال :

يتبع فى الإعراب الأسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل

ذكر فى هذا البيت التوابع وهى خمسة النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل وشمل قوله وعطف نوعى العطف ، وفهم من قوله الأول أن التابع لا يكون إلا متأخرا عن المتبوع. ثم قال :

فالنّعت تابع متمّ ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق

فتابع جنس دخل فيه جميع التوابع ومتم ما سبق أخرج به البدل وعطف النسق لأنهما لا يتممان متبوعهما وبوسمه أو وسم ما به اعتلق أخرج به التوكيد وعطف البيان لأنهما متممان لما سبق كالنعت إلا أن النعت يتممه بدلالته على معنى فى المتبوع أو فيما كان متعلقا به ، وفهم من قوله بوسمه أو وسم ما به اعتلق ، أن النعت على قسمين متم ما سبق بوسمه وهو النعت الحقيقى ومتم ما سبق بوسم ما اعتلق به وهو النعت السببى ، ثم إن نوعى النعت يشتركان فى أنهما يتبعان المنعوت فى اثنين من خمسة وهى واحد من الرفع والنصب والجر وهذا مستفاد من قوله تابع وواحد من التعريف والتنكير وهو المنبه عليه بقوله :

(وليعط فى التّعريف والتّنكير ما* لما تلا)

يعنى أن النعت يعطى من التعريف والتنكير ما استقر للمنعوت ، ثم مثل بالنكرة فقال :(كامرر بقوم كرما) فكرما نعت لقوم وكلاهما نكرة ومثال المعرفة امرر بالقوم الكرماء وبزيد العاقل ، ثم إن النعت الحقيقى ينفرد عن السببى بلزوم تبعيته للمنعوت فى اثنين من خمسة وهى واحد من التذكير والتأنيث وواحد من الإفراد والتثنية والجمع وقد أشار إلى ذلك بقوله :

وهو لدى التّوحيد والتّذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ما قفوا

فسوى التذكير التأنيث وسوى التوحيد التثنية والجمع وأحال فى ذلك على الفعل فعلم أن النعت الحقيقى وهو ما رفع ضمير الموصوف يجب مطابقته للموصوف فى التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع وأن السببى وهو ما رفع ظاهرا متلبسا بضمير الموصوف لا يجب

٢١٢

مطابقته فى ذلك فتقول مررت برجلين قائمين وبرجال قائمين وبامرأة قائمة فيطابق الموصوف لأنك تقول مررت برجلين قاما وبرجال قاموا وبامرأة قامت وتقول مررت برجل قائمة أمه وبرجلين قائم أبواهما وبرجال قائم آباؤهم فلا يطابق لأنك تقول مررت برجل قامت أمه وبرجلين قام أبوهما وبرجال قام آباؤهم. ثم قال :

(وانعت بمشتقّ كصعب وذرب* وشبهه)

المراد بالمشتق اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل التفضيل وقد تقدم بيان ذلك كله وصعب وذرب من الصفة المشبهة والذرب بالذال المعجمة هو الحادّ من كل شىء والمراد بشبه المشتق اسم الإشارة وهو المشار إليه بقوله : (كذا) وذى بمعنى صاحب وهو المشار إليه بقوله : (وذى) والمنسوب وهو المشار إليه بقوله : (والمنتسب) فتقول قام زيد هذا فهذا نعت لزيد وهو جامد إلا أنه شبيه بالمشتق كأنك قلت قام زيد المشار إليه وكذلك مررت برجل ذى مال أى صاحب مال وكذلك مررت برجل قرشى بمعنى منتسب لقريش والوصف به أكثر مما قبله ولذلك يرفع الظاهر فتقول مررت برجل تميمى أبوه. ثم قال :

ونعتوا بجملة منكّرا

فأعطيت ما أعطيته خبرا

شمل قوله بجملة الجملة الاسمية والجملة الفعلية وفهم من قوله منكرا أن الجملة لا تكون نعتا للمعرفة وذلك لأنها مقدرة بالنكرة فتقول مررت برجل قام أبوه وبامرأة أبوها قائم فلو وقعت الجملة بعد معرفة لكانت فى موضع نصب على الحال وفهم من قوله فأعطيت ما أعطيته خبرا أنها لا بد فيها من رابط يربطها بالمنعوت وأوهم إطلاقه فى الجملة أنها تكون طلبية لأن الجملة الطلبية يخبر بها عن المبتدأ فلذلك أزال هذا الإيهام بقوله : (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب) يعنى أن الجملة الطلبية يمتنع وقوعها صفة وذلك كجملة الأمر والنهى والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض فلا يقع شىء من ذلك نعتا لأنها لا تدل على شىء محصل يحصل به تخصيص المنعوت. ثم قال :

(وإن أتت فالقول أضمر تصب)

يعنى إذا جاء من كلام العرب ما يوهم وقوع الجملة الطلبية نعتا فأوله على إضمار القول ومما جاء مما يوهم ذلك قول الراجز :

٢١٣

١٤٠ ـ حتى إذا جنّ الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

فظاهره أن الجملة المصدرة بهل نعت لمذق والتأويل فى ذلك أن يكون هل رأيت الذئب قط محكيا بمقول والتقدير جاءوا بمذق مقول فيه عند رؤيته هل رأيت الذئب والضمير فى قوله ونعتوا عائد على العرب وما فى قوله ما أعطيته مفعول ثان لأعطيت وفى أعطيت ضمير مستتر عائد على الجملة وهو المفعول الأول وصلة ما أعطيته وهو مفعول ثان وخبرا منصوب على الحال من الضمير المستتر فى أعطيته وإيقاع مفعول بامنع وهو مصدر مضاف إلى المفعول وذات الطلب نعت لمحذوف والتقدير إيقاع الجملة ذات الطلب وإن أتت يعنى الجملة الطلبية نعتا فأضمر القول ، ثم قال : (ونعتوا بمصدر كثيرا) يعنى أن النعت بالمصدر جاء فى كلام العرب كثيرا وهو على خلاف الأصل لأن المصدر جامد لكنه شبيه بالمشتق ولا يفهم من قوله كثيرا اطراد الوصف كما تقدم فى قوله : (ومصدر منكر حالا يقع* بكثرة). ثم قال : (فالتزموا الإفراد والتذكيرا) يعنى أن المصدر إذا وقع نعتا التزم إفراده وتذكيره فتقول مررت برجل عدل وبرجلين عدل وبرجال عدل وبامرأة عدل وبامرأتين عدل وبنساء عدل وسبب ذلك أن النعت فى الحقيقة محذوف والأصل مررت برجلين ذوى عدل فحذف المضاف وبقى المضاف إليه على ما كان عليه من الإفراد. ثم قال :

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا فرّقه لا إذا ائتلف

غير واحد هو المثنى والمجموع وله صورتان إحداهما اختلاف معنى النعتين أو النعوت فهذه يعطف فيها النعوت بعضها على بعض بالواو نحو مررت برجلين كريم وبخيل أو برجال كريم وبخيل وعاقل ، والأخرى ائتلافهما فهذه يستغنى فيها بالتثنية والجمع عن العطف نحو مررت برجلين كريمين أو برجال كرام ويجوز فى نعت الرفع على الابتداء وخبره فرقه والنصب بإضمار فعل يفسره فرقه وهو المختار وواحد نعت لمحذوف تقديره ونعت غير منعوت واحد وعاطفا حال من الفاعل المستتر فى فرقه ولا عاطفة إذا ائتلف على إذا اختلف. ثم قال :

__________________

(١٤٠) الرجز للعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٣٠٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٠٩ ، والدرر ٦ / ١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١١٥ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٠ ، ٥ / ٢٤ ، ٤٦٨ ، ٦ / ١٣٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٧٧ ، وشرح عمدة الحفاظ ص ٥٤١ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٢ ، ٥٣ ، ولسان العرب ٤ / ٢٤٨ (خضر) ، ١٠ / ٣٤٠ (مذق) ، والمحتسب ٢ / ١٦٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤٦ ، ٢ / ٥٨٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٧.

والشاهد فيه قوله : «بمذق هل رأيت الذئب» فالظاهر أن الجملة الاستفهامية قد وقعت نعتا للنكرة «مذق» والحقيقة أنها مقول قول محذوف ، والتقدير : جاءوا بمذق مقول فيه : هل رأيت الذئب قط؟

٢١٤

ونعت معمولى وحيدى معنى

وعمل أتبع بغير استثنا

يعنى أنك إذا ذكرت منعوتين معمولين لعاملين متحدين فى المعنى والعمل أتبعت النعت للمنعوت فى إعرابه فتقول ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان فإن العاملين متحدان فى المعنى وشمل المتحدين فى المعنى واللفظ كالمثال المذكور والمتحدين فى المعنى دون اللفظ نحو ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان ومعنى قوله أتبع أجز الإتباع لا أن الإتباع واجب لأنه يجوز فيه القطع وفهم منه جواز الإتباع إذا كان العامل فيهما واحدا نحو ذهب زيد وعمرو العاقلان وهو من باب أحرى وفهم منه أيضا أن العاملين إذا اختلفا معنى لم يجز الإتباع وفيه ثلاث صور إحداها أن يختلفا فى المعنى واللفظ نحو ذهب زيد وهذا عمرو العاقلان. الثانية أن يختلفا فى اللفظ والمعنى ويتفقا فى الجنس نحو قام زيد وخرج عمرو الكريمان. الثالثة أن يتفقا فى الجنس وفى اللفظ ويختلفا فى المعنى نحو وجد زيد ووجد عمرو إذا أريد بوجد الأول حزن وبالثانى أصاب ، وفهم من قوله وعمل أنهما إذا اختلفا فى العمل لم يجز فيهما الإتباع نحو ضربت زيدا وقام عمرو العاقلان وخاصم زيد عمرا العاقلان ويحتمل قوله بغير استثناء أن الإتباع سائغ فيما ذكر بغير استثناء يشير به إلى قول من يمنع الإتباع وإن اتفقا فى المعنى وهو ابن السراج ويحتمل أن يريد بغير استثناء فى الرفع والنصب والجر وبه جزم الشارح. ونعت مفعول مقدم بأتبع وهو مصدر مضاف إلى المفعول وهو على حذف مضاف بين معمولى ووحيدى والتقدير ونعت مفعولى عاملين ووحيدى فوحيدى نعت لعاملين ومعنى مجرور بإضافة وحيدى إليه وعمل معطوف على معنى وبغير متعلق بأتبع. ثم قال :

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقرا لذكرهنّ أتبعت

قد يكون للمنعوت الواحد نعتان فصاعدا بعطف كقوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى : ١ ـ ٣] الآية وبغير عطف كقوله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم : ١١] الآية فإن كان المنعوت مفتقرا لذكرها وجب إتباعها وعلى هذا نبه بقوله أتبعت أى وجب إتباعها للمنعوت فى إعرابه وفهم من قوله كثرت أنها زادت على نعت واحد فشمل النعتين فصاعدا فتقول مررت بزيد الخياط الطويل بالإتباع إذا افتقر المنعوت للنعتين المذكورين ومررت برجل تميمى خياط طويل إذا افتقر المنعوت للنعوت المذكورة وقد يكون المنعوت معينا غير محتاج إلى تخصيص بالنعت وإلى ذلك أشار بقوله :

٢١٥

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا* بدونها

يعنى أن المنعوت إذا علم بدون نعت ثم أتيت بنعوت جاز فيها الإتباع والقطع والإتباع فى بعضها والقطع فى بعضها ، وإلى جواز إتباع بعضها وقطع بعضها أشار بقوله :

أو بعضها اقطع معلنا

وفهم من قوله أو بعضها اقطع ؛ قطع بعضها وإتباع بعضها ويلزم على هذا أن يكون بعضها منصوبا على أنه مفعول باقطع وبهذا جزم المرادى ، وقال الشارح أى وإن يكن المنعوت معينا ببعضها اقطع ما سواه انتهى فجعل مفعول اقطع محذوفا وفهم من كلامه أن بعضها مجرور بالعطف على بدونها وأو فى قوله أو اتبع للتخيير بين إتباع النعوت للمنعوت فى الإعراب وبين قطعها عن التبعية وفى القطع حينئذ وجهان الرفع والنصب ، إلى ذلك أشار بقوله :

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

يعنى أن المقطوع عن التبعية يجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والنصب على أنه مفعول بفعل محذوف وكلاهما لازم الحذف وعلى ذلك نبه بقوله لن يظهرا وأو للتخيير أيضا وإن قطعت شرط فى جواز الوجهين ومفعول قطعت محذوف تقديره إن قطعت النعوت أو بعضها ومضمرا حال من التاء فى قطعت ومبتدأ مفعول بمضمرا والألف فى لن يظهرا ضمير عائد على مبتدأ وناصبا ، ثم قال :

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه وفى النّعت يقلّ

يعنى أنه يجوز حذف كل واحد من النعت والمنعوت إذا علم إلا أن ذلك فى النعت قليل ، وفهم من قوله وفى النعت يقلّ أن حذف المنعوت يكثر ، ومن حذف المنعوت قوله عزوجل : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ) [ص : ٥٢] أى حور قاصرات الطرف ، ومن حذف النعت قول الشاعر :

٢١٦

 ١٤١ ـ فلم أعط شيئا ولم أمنع

أى فلم أعط شيئا طائلا. وما مبتدأ موصولة وصلتها عقل ومن المنعوت متعلق بعقل ويجوز حذفه فى موضع خبر ما وفاعل يقل ضمير يعود على الحذف.

التوكيد

التوكيد على قسمين : لفظى ، ومعنوى ؛ فالمعنوى على قسمين قسم يدل على إثبات الحقيقة ورفع المجاز وقسم يدل على الإحاطة والشمول وقد أشار إلى الأول فقال :

بالنّفس أو بالعين الاسم أكّدا

مع ضمير طابق المؤكّدا

يعنى أن الاسم يؤكد بلفظ النفس أو العين مضافين إلى ضمير مطابق للمؤكد فى الإفراد والتذكير وفروعهما فتقول قام زيد نفسه وعينه وقامت هند نفسها وعينها هذا فى حالة الإفراد فإن كان المؤكد مثنى أو مجموعا فقد نبه على ذلك بقوله :

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا

يعنى أن النفس والعين إذا أكد بهما غير الواحد جمعا على أفعل ، وشمل قوله ما ليس واحدا المثنى والمجموع مذكرين ومؤنثين فتقول قام الزيدان أنفسهما وقام الزيدون أنفسهم والهندان أنفسهما والهندات أنفسهن. ثم أشار إلى الثانى وهو الدال على الإحاطة والشمول بقوله :

وكلّا اذكر فى الشمول وكلا

كلتا جميعا بالضّمير موصلا

__________________

(١٤١) صدره :

وقد كنت فى الحرب ذا تدرإ

والبيت من المتقارب ، وهو للعباس بن مرداس فى ديوانه ص ٨٤ ، والدرر ٦ / ٢٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٢٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥١ ، والشعر والشعراء ٢ / ٧٥٢ ، ولسان العرب ١ / ٧٢ (درأ) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٣٢٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٠١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٢٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠.

والشاهد فيه قوله : «فلم أعط شيئا» ، يريد : «فلم أعط شيئا طائلا» ، فحذف النعت.

٢١٧

ذكر فى هذا البيت من ألفاظ التوكيد أربعة كل ولا يؤكد بها إلا ذو أجزاء وكلا ويؤكد بها المثنى المذكر وكلتا ويؤكد بها المثنى المؤنث وجميع وهو مثل كل ولا يؤكد بهذه الألفاظ إلا مضافة إلى ضمير المؤكد وهو المنبه عليه بقوله بالضمير موصلا وأل فى الضمير للعهد ففهم منه أن الضمير يكون مطابقا للمؤكد كما فى النفس والعين فتقول جاء الجيش كله والقبيلة كلها والرجال كلهم والنساء كلهن والزيدان كلاهما والهندان كلتاهما والركب جميعه والجماعة جميعها والزيدون جميعهم والهندات جميعهن ، ثم قال :

واستعملوا أيضا ككلّ فاعله

من عمّ فى التّوكيد مثل النّافله

من ألفاظ التوكيد عامة بمعنى كل تقول جاء الجيش عامته أى كله والقبيلة عامتها والزيدون عامتهم ولما لم يتزن له لفظ عامة لما فيه من الجمع بين ساكنين وذلك لا يتأتى فى الشعر عبر عنها بفاعلة من عم فإذا بنيت من عم فاعلة قلت عاممة فاجتمع مثلان فأدغم الأول فى الثانى وإنما قال مثل النافلة لإغفال كثير من النحويين عن ذكر عامة فى ألفاظ التوكيد فصار كأنه نافلة على ما ذكره النحويون من ألفاظ التوكيد فى هذا الباب ، والنافلة الزيادة ، ثم ذكر توابع كل فقال :

وبعد كلّ أكدوا بأجمعا

جمعاء أجمعين ثمّ جمعا

يعنى أن أجمع وما بعده يؤكد به بعد كل ، وفهم من ترتيب هذه الألفاظ أن أجمع للمفرد المذكر وجمعاء للمفرد المؤنث وأجمعين للجمع المذكر وجمع للجمع المؤنث فتقول جاء الجيش كله أجمع والقبيلة كلها جمعاء والزيدون كلهم أجمعون والهندات كلهن جمع ، وفهم من قوله وبعد كل أمران أحدهما واجب وهو أن أجمع إذا ذكر مع كل لا يكون إلا متأخرا عنها والآخر غالب وهو أنه لا يؤكد به دون كل وقد نبه على أنه يؤكد به دون كل بقوله :

ودون كل قد يجىء أجمع

جمعاء أجمعون ثمّ جمع

يعنى أن أجمع وما بعده يؤكد به دون كل فتقول جاء الجيش أجمع والقبيلة جمعاء والزيدون أجمعون والهندات جمع وفهم من قوله قد يجىء أن ذلك قليل بالنسبة لذكرها بعد كل وصرح الشارح بقلته وفيه نظر لأنه جاء فى القرآن التوكيد به دون كل كثيرا كقوله تعالى : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٢] وجمعاء أجمعون معطوفان على أجمع بحذف العاطف ، ثم قال :

٢١٨

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

فى توكيد النكرة ثلاثة مذاهب : المنع مطلقا وهو مذهب البصريين ، والجواز مطلقا وهو مذهب بعض الكوفيين ، والجواز إذا كانت النكرة مؤقتة نحو شهر ويوم وشبههما وهو اختيار المصنف وظاهر النظم لاشتراطه الفائدة ولا تحصل الفائدة إلا فى النكرة المؤقتة نحو صمت شهرا كله ، ومنه قوله :

١٤٢ ـ يا ليتنى كنت صبيا مرضعا

تحملنى الذلفاء حولا أكتعا

وقوله أيضا :

١٤٣ ـ لكنه شاقه أن قيل ذا رجب

يا ليت عدّة شهر كله رجب

ويؤيده قوله فى التسهيل إن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين ، والمنقول عن الأخفش والكوفيين أن النكرة لا تؤكد إلا إذا كانت مؤقتة وفهم من كلامه أن المجيز لتوكيد النكرة الكوفيون لذكره البصريين فى المنع وفهم من قوله شمل أن البصريين يمنعون توكيدها مطلقا سواء كانت مؤقتة أو غير مؤقتة ، وعن متعلق بشمل. ثم قال :

واغن بكلتا فى مثنى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

يعنى أن العرب استغنت بكلتا فى المثنى المؤنث عن وزن فعلاء وبكلا فى المذكر عن وزن أفعل فتقول قامت المرأتان كلتاهما والرجلان كلاهما ولا يقال قامت المرأتان جمعاوان ولا قام الزيدان أجمعان كما قالوا فى المفرد أجمع وفى الجمع أجمعون ، ولا بد من إضافة

__________________

(١٤٢) الرجز بلا نسبة فى الدرر ٦ / ٣٥ ، ٤١ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٦٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٢ ، ٥٦٥ ، ولسان العرب ٨ / ٣٠٥ (كتع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٣ ، والمقرب ١ / ٢٤٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣ ، ١٢٤.

والشاهد فيه قوله : «حولا أكتعا» حيث أكد النكرة المحدودة ، وهو مذهب الكوفيين.

(١٤٣) البيت من البسيط ، وهو لعبد الله بن مسلم الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩١٠ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٠٧ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٩٠ ، والإنصاف ص ٤٥٠ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٣٢ ، وتذكرة النحاة ص ٦٤٠ ، وجمهرة اللغة ص ٥٢٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٧٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٢٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٥١ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٦.

والشاهد فيه قوله : «حول كله» حيث أكّد النكرة التى هى قوله : «حول» لما كانت النكرة محدودة ، لأن «العام» معلوم الأول والآخر وكان لفظ التوكيد من الألفاظ الدالة على الإحاطة ، وهو قوله : «كله» وتجويز ذلك هو مذهب الكوفيين.

٢١٩

كلا وكلتا لضمير المؤكد وقد تقدم فى قوله : وكلا اذكر فى الشمول ... البيت ، واغن فعل أمر من غنى بمعنى استغنى وبكلتا وعن وزن متعلقان باغن. ثم قال :

وإن تؤكد الضّمير المتّصل

بالنّفس والعين فبعد المنفصل

عنيت ذا الرّفع ...

يعنى أن ضمير الرفع المتصل إذا أكد بالنفس أو بالعين لا بد من توكيده بالضمير المنفصل تقول قمت أنت نفسك وزيد قام هو عينه وفهم أن الضمير المؤكد بالنفس والعين إذا كان منفصلا لا يلزم توكيده بالضمير نحو أنت نفسك قائم وفهم أيضا أن التأكيد إذا كان بغير النفس والعين لا يلزم توكيده بالضمير نحو قمتم كلكم أجمعون وفهم من قوله عنيت ذا الرفع أن الضمير المتصل إذا كان منصوبا أو مجرورا لا يؤكد أيضا نحو ضربتك نفسك ومررت بك نفسك ثم صرح بالمفهوم فى التوكيد بغير النفس والعين فقال :

وأكّدوا بما

سواهما والقيد لن يلتزما

يعنى أن ضمير الرفع المتصل إذا أكد بغير النفس والعين من ألفاظ التوكيد لا يلزم التوكيد بالضمير المنفصل فتقول الزيدون قاموا كلهم ، وفهم من قوله لن يلتزما أن توكيده بالضمير جائز فتقول قاموا هم كلهم وقمتم أنتم أجمعون وإن تؤكد شرط والفاء جواب الشرط وبعد خبر مبتدأ مضمر والمنفصل نعت لمحذوف والتقدير فتوكيده بعد الضمير المنفصل.

ولما فرغ من التوكيد المعنوى شرع فى التوكيد اللفظى فقال :

وما من التّوكيد لفظىّ يجى

مكرّرا كقولك ادرجى ادرجى

التوكيد اللفظى إعادة اللفظ بموافقة ، وفهم من قوله له مكررا أنه يكون المساوى لفظا ومعنى نحو ادرج ادرج ، وبالمساوى معنى دون لفظ نحو :

١٤٤ ـ أنت بالحقّ جدير قمن

لأن جديرا وقمنا متفقان معنى وفهم منه أيضا أنه يكون فى الاسم والفعل والحرف والجملة وسيذكر ذلك. وما مبتدأ وهى موصولة ولفظى خبر مبتدأ محذوف تقديره وما هو من التوكيد لفظى وهو العائد على الموصول والمبتدأ مع خبره صلة ما وإنما جاز حذف

٢٢٠