شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

الضمير وهو صدر الصلة بالمجرور وهو متعلق بالاستقرار على أنه حال من الضمير المستتر فى الخبر ويجى خبر مبتدأ ومكررا حال من الضمير المستتر فى يجى ثم قال :

ولا تعد لفظ ضمير متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذى به وصل

يعنى أنه إذا أكد الضمير المتصل وجب أن يؤتى معه باللفظ الذى اتصل به فشمل المتصل بالفعل المرفوع نحو قمت قمت والمنصوب نحو ضربك ضربك والمجرور المتصل بالاسم نحو غلامك غلامك والمتصل بالحرف نحو بك بك ، وفهم منه أن الضمير المنفصل لا يشترط فيه شىء نحو أنت أنت قائم وهو هو قاعد وإياك إياك ضربت. ثم قال :

كذا الحروف غير ما تحصّلا

به جواب

يعنى أن التوكيد اللفظى فى الحروف لا بد فيه من تكرار ما اتصل به فتقول فى توكيد «فى» من قولك فى الدار زيد فى الدار فى الدار زيد وإن من إن زيدا قائم إن زيدا إن زيدا قائم ولا يجوز توكيده بغير ما اتصل به إلا فى الضرورة كقوله :

١٤٥ ـ ولا للما بهم أبدا دواء

فلو كان الحرف جوابيا لم يشترط فيه ذلك وإلى ذلك أشار بقوله : (غير ما تحصلا به جواب) ومثله بقوله : (كنعم وكبلى) فتقول : نعم نعم وبلى وبلى أنه لم يتصل به شىء يتكرر معه. والحروف مبتدأ وخبره كذا وغير منصوب على الاستثناء والتقدير الحروف كالضمائر فى وجوب إعادة ما اتصل بها إلا المتحصل به الجواب. ثم قال :

ومضمر الرّفع الّذى قد انفصل

أكّد به كلّ ضمير اتّصل

__________________

(١٤٥) صدره :

فلا والله لا يلفى لما بى

والبيت من الوافر ، وهو لمسلم بن معبد الوالبى فى خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، ٥ / ١٥٧ ، ٩ / ٥٢٨ ، ٥٣٤ ، ١٠ / ١٩١ ، ١١ / ٢٦٧ ، ٢٨٧ ، ٣٣٠ ، والدرر ٥ / ١٤٧ ، ٦ / ٥٣ ، ٢٥٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٧٧٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٥٧١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٣ ، والجنى الدانى ص ٨٠ ، ٣٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٢ ، ورصف المبانى ص ٢٠٢ ، ٢٤٨ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٨٢ ، ٣٣٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، ٢٣٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ٥٦ ، والمحتسب ٢ / ٢٥٦ ، ومغنى اللبيب ص ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٢ ، والمقرب ١ / ٣٣٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٥ ، ١٥٨.

٢٢١

يعنى أن ضمير الرفع المنفصل يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل فشمل المرفوع نحو قمت أنت وقمت أنا والمنصوب نحو ضربتك أنت والمجرور نحو مررت بك أنت وهذا النحو من قبيل التوكيد اللفظى المرادف.

عطف البيان

إنما سمى عطف البيان لأنه يبين متبوعه كالنعت. قوله :

العطف إمّا ذو بيان أو نسق

قسم العطف إلى ذى بيان وذى نسق فالعطف مبتدأ وذو بيان خبره ونسق معطوف عليه وهو على حذف مضاف أى أو ذو نسق. ثم بين أن مراده فى هذا الباب عطف البيان بقوله :

والغرض الآن بيان ما سبق

أى الغرض فى هذا الباب عطف البيان ثم عرّفه فقال :

فذو البيان تابع شبه الصّفه

حقيقة القصد به منكشفه

فتابع جنس يشمل جميع التوابع وشبه الصفة مخرج للتوكيد والبدل وعطف النسق وحقيقة القصد به منكشفة مخرج للنعت فإن النعت يوضح متبوعه بوسمه أو وسم ما به اعتلق كما تقدم وعطف البيان يوضحه بنفسه فلذلك قال : (حقيقة القصد به منكشفة) ، وقال فى النعت بوسمه إلى آخره. وذو البيان مبتدأ وتابع خبره وشبه الصفة نعت لتابع لا خبر بعد خبر لأنه قيد فى التابع وحقيقة القصد إلخ جملة اسمية فى موضع الصفة لتابع ، ثم قال :

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولى

يعنى أن عطف البيان يوافق متبوعه فى أربعة من عشرة كالنعت ، واحد من الرفع والنصب والجر وواحد من التعريف والتنكير وواحد من التذكير والتأنيث وواحد من الإفراد والتثنية والجمع. ولما كان فى ورود عطف البيان نكرة تابعة لنكرة خلاف نبه عليه بقوله :

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين

٢٢٢

مذهب الكوفيين وبعض البصريين جواز تنكير عطف البيان مع متبوعه وهو اختيار الناظم ولذلك قال : فقد يكونان منكرين ، وفهم من قوله قد أن ذلك قليل بالنسبة إلى تعريفهما ، ومما استشهد به على ذلك قوله عزوجل : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً) [النبأ : ٣١ ـ ٣٢] وما فى قوله ما من وفاق مفعول ثان لأولينه وهى موصولة والنعت مبتدأ خبره ولى والجملة صلة ما ومن وفاق متعلق بولى والضمير العائد من الصلة إلى الموصول محذوف تقديره وليه والضمير المستتر فى ولى عائد على النعت ومن وفاق الأول متعلق بأولينه والتقدير فأولينه من وفاق الأول الذى النعت وليه من وفاق الأول ، ثم قال :

(وصالحا لبدليّة يرى) يعنى أن عطف البيان يصلح أن يجعل بدلا وذلك مطرد إلا فى موضعين نبه على الأول منهما بقوله : (فى غير نحو يا غلام يعمرا) يعنى أن هذا المثال وأشباهه يتعين أن يكون التابع فيها عطف بيان فيا غلام منادى مبنى على الضم ويعمرا عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل فيلزم ضمه إذا جعل بدلا ، ونبه على الثانى بقوله : (ونحو بشر تابع البكرىّ) يشير بذلك إلى قول الشاعر :

١٤٦ ـ أنا ابن التارك البكرىّ بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا

فبشر عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل والعامل التارك وهو مضاف إلى البكرى فلو كرر العامل مع بشر لما كان بشر نعتا للبكرى ولأدّى إلى إضافة ما فيه أل إلى المجرد منها وهو ممتنع وعلى ذلك نبه بقوله : (وليس أن يبدل بالمرضىّ) وصالحا مفعول ثان ليرى وفى يرى ضمير مستتر يعود على عطف البيان وهو المفعول الأول ولبدلية متعلق بصالح وفى غير متعلق بيرى ونحو بشر معطوف على نحو الأول وتابع منصوب على الحال من بشر ويجوز جره نعتا لبشر ويقصد حينئذ بالإضافة المحضة وهو أظهر وأن يبدل اسم ليس والباء زائدة فى خبرها.

__________________

(١٤٦) البيت من الوافر ، وهو للمرار الأسدى فى ديوانه ص ٤٦٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ١٨٣ ، ٢٢٥ ، والدرر ٦ / ٢٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٢ ، ٧٣ ، والكتاب ١ / ١٨٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٢١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٤١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٢٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٩١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٤ ، ٥٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٩٩ ، والمقرب ١ / ٢٤٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٢.

والشاهد فيه قوله : «التارك البكرى بشر» فإن قوله : «بشر» عطف بيان على قوله : «البكرىّ» ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن البدل على نية تكرار العامل ، فكان ينبغى لكىّ يصح أن يكون بدلا أن يحذف المبدل منه ويوضع البدل مكانه ، فنقول : «التارك بشر» ويلزم على هذا إضافة اسم مقترن ب «أل» إلى اسم خال منها ، وذلك غير جائز.

٢٢٣

عطف النسق

النسق فى اللغة النظم قال الزبيدى والنسق العطف على الأول. قوله :

تال بحرف متبع عطف النّسق

فتال جنس وقوله بحرف متبع مخرج لما عدا عطف النسق من التوابع. ثم مثل بقوله : (كاخصص بودّ وثناء من صدق) فتال خبر مقدم وعطف النسق مبتدأ وبحرف متعلق بتال ومتبع نعت لحرف ومن صدق مفعول باخصص. ثم شرع فى حروف العطف فقال : (فالعطف مطلقا بواو ثمّ فا* حتى أم او) ذكر فى هذا البيت من حروف العطف ستة وهى كلها تشرك ما بعدها مع ما قبلها فى اللفظ والمعنى وذلك مستفاد من قوله مطلقا ، أما الواو وثم والفاء وحتى فلا إشكال فى تشريكها فى اللفظ والمعنى ، وأما أم وأو فذكرهما أكثر النحويين فيما يشرك فى اللفظ لا فى المعنى وجعلهما الناظم مما يشرك فيهما باعتبار أن ما قبلهما وما بعدهما مستو فى المعنى الذى سيقتا له من شك وغيره. فالعطف مبتدأ وخبره بواو وما بعده ومطلقا حال من العطف وثم وما بعدها معطوف على واو بإسقاط العاطف والتقدير بواو وثم وفاء وحتى وأو وأم. ثم مثل بقوله :

(كفيك صدق ووفا) ثم قال : (وأتبعت لفظا فحسب بل ولا* لكن) ذكر فى هذا البيت ثلاثة أحرف كلها تشرك ما بعدها مع ما قبلها لفظا لا معنى فتقول قام زيد بل عمرو فالقائم عمرو لا زيد وقام زيد لا عمرو فالقائم زيد دون عمرو وما قام زيد لكن عمرو وقد مثل منها بلكن فقال : (كلم يبد امرؤ لكن طلا) والطلا : الولد من ذوات الظلف. والحاصل من البيتين أن حروف العطف تسعة ، وهى على قسمين : قسم يشرك فى اللفظ والمعنى وهى ستة ، وقسم يشرك فى اللفظ لا فى المعنى وهى ثلاثة. وبل فاعل بأتبعت ولفظا منصوب على إسقاط الخافض وحسب اسم فعل بمعنى قط ، ولا ولكن معطوفان على بل ، ثم شرع فى معانى حروف العطف وبدأ بالواو فقال :

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

فى الحكم أو مصاحبا موافقا

٢٢٤

يعنى أن الواو للجمع المطلق فلا تدل على ترتيب بل يعطف بها لاحق نحو قام زيد وعمرو بعده وسابق نحو جاء زيد وعمرو قبله ومصاحب نحو جاء زيد وعمرو معه فلو قلت جاء زيد وعمرو لاحتمل المعانى الثلاثة المذكورة. ولا حقا مفعول باعطف وأو سابقا وأو مصاحبا معطوفان عليه وفى الحكم متعلق بسابق وهو مطلوب للاحق ومصاحب فهو من باب التنازع ، ثم قال :

واخصص بها عطف الذى لا يغنى

متبوعه كاصطفّ هذا وابنى

يعنى أن الواو تنفرد من سائر حروف العطف بأن يعطف بها على ما لا يستغنى به عن متبوعه نحو تفاعل وافتعل تقول تخاصم زيد وعمرو واختصم زيد وعمرو واصطف هذا وابنى ولا يجوز العطف فى هذه المثل وشبهها بغير الواو ، وأصل اصطف اصتفف فأبدل من التاء طاء وأدغم الفاء فى الفاء يقال صففت القوم فاصطفوا إذا وقفتهم فى الحرب صفّا. ثم انتقل إلى الفاء وثم فقال :

والفاء للتّرتيب باتّصال

وثم للتّرتيب بانفصال

يعنى أن الفاء العاطفة تفيد الترتيب والتعقيب وهو المعبر عنه هنا بالاتصال فالمعطوف بها ثان عن المعطوف عليه من غير مهلة وأن ثم تفيد الترتيب والمهلة وهى المعبر عنها بالانفصال فإذا قلت قام زيد فعمرو ، فعمرو قام بعد زيد من غير تراخ ولا مهلة وإذا قلت قام زيد ثم عمرو فعمرو قام بعد زيد وبينهما مهلة. والفاء مبتدأ وخبره للترتيب وبانفصال متعلق بالترتيب ، ثم قال :

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الّذى استقرّ أنّه الصّله

يعنى أن الفاء تختص بأن يعطف بها ما لا يصلح أن يقع صلة لعدم الضمير الرابط على ما هو صلة نحو الذى يطير فيغضب زيد الذباب فيطير صلة للذى ويغضب زيد معطوف على الصلة بالفاء وليس فى المعطوف ضمير يعود على الموصول ، وفهم من ذلك أن المعطوف بالفاء فى هذا الفصل جملة فعلية لكونه معطوفا على الصلة ولا تكون الصلة إلا جملة. ثم انتقل إلى حتى فقال :

٢٢٥

بعضا بحتى اعطف على كلّ ولا

يكون إلّا غاية الّذى تلا

يعنى أن حتى لا يكون المعطوف بها إلا بعض المعطوف عليه نحو ضربت القوم حتى زيدا لأن زيد بعض القوم ولا يكون إلا غاية له إما فى زيادة نحو مات الناس حتى الأنبياء ، أو فى نقص نحو عليك الناس حتى النساء. وشمل قوله بعضا ما بعضه مصرح به كالمثال المذكور وما بعضيته مؤولة كقوله :

١٤٧ ـ ألقى الصحيفة كى يخفّف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

تقديره ألقى ما يثقله حتى نعله. وبعضا مفعول مقدم باعطف وبحتى متعلق باعطف وكذلك على كل واسم يكون ضمير مستتر عائد على لفظ بعض ، ويحتمل أن يكون عائدا على المعطوف المفهوم من قوله اعطف. ثم اعلم أن أم على قسمين : متصلة ، ومنقطعة ، وقد أشار إلى الأول فقال : (وأم بها اعطف إثر همز التّسويه) يعنى أنّ أم من حروف العطف ويعطف بها إثر همزة التسوية كقولك سواء على أقمت أم قعدت ومنه قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] أو إثر همزة يطلب بها ما يطلب بأى نحو أزيد عندك أم عمرو ، والتقدير أيهما عندك ، وهذا معنى قوله : (أو همزة عن لفظ أى مغنيه) وإنما سميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بواحد منهما عن الآخر وقد تحذف الهمزة قبلها للعلم بها ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وربّما أسقطت الهمزة إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن

فشمل قوله الهمزة التى للتسوية كقراءة ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم بهمزة واحدة والهمزة التى تقدر مع أم بأى كقول الشاعر :

__________________

(١٤٧) البيت من الكامل ، وهو للمتلمس فى ملحق ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٧٠ ، ولأبى (أو لابن) مروان النحوى فى خزانة الأدب ٣ / ٢١ ، ٢٤ ، والدرر ٤ / ١١٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤١ ، والكتاب ١ / ٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٣٤ ، ولمروان بن سعيد فى معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٦٩ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٦٥ ، والجنى الدانى ص ٥٤٧ ، ٥٥٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٧٢ ، والدرر ٦ / ١٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٤ ، ورصف المبانى ص ١٨٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٨٩ ، وشرح قطر الندى ص ٣٠٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٤ ، ٣٦.

والشاهد فيه قوله : «حتى نعله ألقاها» حيث يجوز فى «حتى» ثلاثة أوجه : الرفع على الابتداء ، و «ألقاها» خبره ، والجر على أن «حتى» حرف جر بمعنى «إلى» والنصب على العطف ب «حتى» ، وردّ الوجه الثالث بأن المعطوف ب «حتى» لا يكون إلا بعضا أو غاية للمعطوف عليه و «النعل» ليس بعض «الزاد» ولا غايته ، وأجيب بأن البيت مؤوّل والتقدير : ألقى ما ينقله حتى نعله ، فبين المعطوف والمعطوف عليه مناسبة.

٢٢٦

١٤٨ ـ فأصبحت فيهم آنسا لا كمعشر

أتونى فقالوا من ربيعة أم مضر

وفهم من قوله وربما أن ذلك قليل وظاهر كلامه فى شرح الشافية أنه مطرد. وإن كان شرط وخفا المعنى اسم كان وهو ممدود فقصره ضرورة وبحذفها متعلق بخفا وأمن فعل ماض فى موضع خبر كان والمراد بالمعنى معنى الهمز وفى بعض النسخ كان خفا الهمز والمعنى واحد. ثم أشار إلى القسم الثانى من قسمى أم ، وهى المنقطعة فقال :

وبانقطاع وبمعنى بل وفت

إن تك ممّا قيّدت به خلت

أم المنقطعة هى الخالية مما قيدت به أم المتصلة من كونها بعد همز التسوية أو مع همزة تقدر مع أم بأى وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين فما بعدها منقطع عما قبلها.

واختلف فى معناها فقيل الإضراب والاستفهام معا وقيل الإضراب فقط وهو ظاهر كلام الناظم ويمكن أن يكون استغنى بذكر الإضراب للزومها إياه على القولين. وبانقطاع متعلق بوفت وكذلك وبمعنى بل وخلت خبر تكن ومما متعلق بخلت وبه متعلق بقيدت والضمائر المستترة فى يكن وقيدت وخلت عائدة على أم المتقدمة. فإن قلت كيف يصح إعادتها عليها والمنقطعة غير المتصلة. قلت هى عائدة على لفظها دون معناها كقولهم : عندى درهم ونصفه. ثم انتقل إلى أو فقال :

خيّر أبح قسّم بأو وأبهم

واشكك وإضراب بها أيضا نمى

ذكر لأو فى هذا البيت ستة معان : الأول التخيير نحو خذ من مالى دينارا أو ثوبا. الثانى الإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين والفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين فى الإباحة ومنعه فى التخيير. الثالث التقسيم نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف. الرابع الإبهام كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) [سبأ : ٢٤] الخامس الشك نحو قام زيد أو عمرو والفرق بينه وبين الإبهام أن الإبهام يكون المتكلم عالما ويبهم على المخاطب والشك أن يكون المتكلم غير عالم. السادس الإضراب كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] وفى قوله : وإضراب بها أيضا نمى إشارة إلى أن الإضراب غير متفق عليه

__________________

(١٤٨) البيت من الطويل ، وهو لعمران بن حطان فى ديوانه ص ١١١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٥٩ ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٢٨١ ، والمحتسب ١ / ٥٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٦٩ ، ٦٧٠.

والشاهد فيه قوله : «من ربيعة أو مضر» حيث حذف همزة الاستفهام ، والأصل : أمن ربيعة أو مضر؟

٢٢٧

ولذلك فصله عما قبله. وبأو متعلق بقسّم لقربه منه وهو مطلوب فى المعنى لقوله خير واشكك وما بينهما وإضراب مبتدأ ونمى خبره وبها متعلق بنمى أى نسب والمسوغ للابتداء بإضراب التفصيل ويحتمل أن يكون بها متعلقا بإضراب فيكون المسوغ للابتداء به عمله فى المجرور وهو أظهر. وبقى من معانى أو أن تكون بمعنى الواو وإليه أشار بقوله : (وربما عاقبت الواو) يعنى أن أو تعاقب الواو أن تكون بمعناها وذلك إذا أمن اللبس وهو المنبه عليه بقوله : (إذا* لم يلف ذو النطق للبس منفذا) أى إذا كان المتكلم بها لا يجد فى استعمالها بمعنى الواو منفذا للبس أى طريقا ، ومنه :

١٤٩ ـ جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

أى جاء الخلافة وكانت له قدرا ، وفهم من قوله وربما عاقبت أن ذلك قليل. وإذا متعلق بعاقبت وفاعل عاقبت ضمير عائد على أو ، ثم قال :

ومثل أو فى القصد إمّا الثّانيه

فى نحو إمّا ذى وإمّا النّائيه

مذهب أكثر النحويين أن إما المسبوقة بمثلها عاطفة ، وذهب بعضهم إلى أنها غير عاطفة وإليه ذهب الناظم ولذلك قال فى القصد ولم يجعلها مثل أو مطلقا ، وفهم من قوله مثل أو أنها تكون لجميع المعانى المذكورة لأو ، وليس كذلك لأن إما لا تكون للإضراب ولا بمعنى الواو ، والعذر له فى ذلك أن كونها للإضراب أو بمعنى الواو قليل فلم يعتبره ، فمثالها للتخيير إما ثوبا وإما دينارا ومثالها للإباحة جالس إما الحسن وإما ابن سيرين ، ومثالها للتقسيم الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف ومثالها للإبهام قام إما زيد وإما عمرو وكذلك الشك والفرق بينهما كما تقدم فى أو وفهم من قوله إما الثانية فائدتان الأولى أن التى بمعنى أو إنما هى الثانية دون الأولى والأخرى أنها لا بد أن تكون مسبوقة بإما أخرى وفهم من المثال أنها لا بد أن تكون معها الواو. ومثل أو مبتدأ وفى القصد متعلق بمثل وإما خبر المبتدأ والثانية نعت لإما وفى نحو متعلق بفعل محذوف تقديره أعنى وذى مفعول بفعل محذوف والتقدير خذ إما ذى أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير لك إما ذى وهو على حذف القول والتقدير فى نحو قولك.

__________________

(١٤٩) البيت من البسيط ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٤١٦ ، والأزهية ص ١١٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦٩ ، والدرر ٦ / ١١٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٩٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٦٢ ، ٧٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٥ ، ٤ / ١٤٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٢٤ ، والجنى الدانى ص ٢٣٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٩٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٢٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٨٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٤.

٢٢٨

ثم انتقل إلى لكن فقال : (وأول لكن نفيا أو نهيا) يعنى أن لكن العاطفة تأتى تابعة للنفى نحو ما قام زيد لكن عمرو وللنهى نحو لا تضرب زيدا لكن عمرا وفهم منه أنها لا تجىء فى الإيجاب ولكن مفعول أول بأول ونفيا مفعول ثان. ثم انتقل إلى لا فقال : (ولا* نداء أو أمرا أو اثباتا تلا) يعنى أن لا العاطفة تجىء تابعة للمنادى نحو يا زيد لا عمرو ، وللأمر نحو اضرب زيدا لا عمرا وللإثبات نحو قام زيد لا عمرو. ولا مبتدأ وخبره تلا ونداء وما عطف عليه مفعول بتلا وفى تلا ضمير مستتر يعود على لا والتقدير : لا تلا نداء أو أمرا أو إثباتا وظاهر كلام المرادى فى شرحه لهذا الموضع أن لا معطوف على لكن وأنه معمول لأول وهو وهم منه. ثم انتقل إلى بل فقال : (وبل كلكن بعد مصحوبيها) يعنى أن بل إذا وقعت بعد مصحوبى لكن وهما النفى والنهى كانت بمنزلة لكن فى تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو فيكون القيام منفيا عن زيد مثبتا لعمرو وكذلك لا تضرب زيدا بل عمرا فزيد منهى عن ضربه وهو مثبت لعمرو فبل فى ذلك كلكن فى المعنى ثم مثل ذلك بقوله (كلم أكن فى مربع بل تيها) المربع موضع الربيع والتيها القفر وبل مبتدأ وخبره كلكن وبعد متعلق بالاستقرار فى موضع نصب على الحال وها فى مصحوبيها عائد على لكن ثم إن بل تقع بعد مصحوبى لكن كما تقدم وبعد الخبر الموجب وبعد الأمر وإلى ذلك أشار بقوله :

وانقل بها للثّان حكم الأوّل

فى الخبر المثبت والأمر الجّلى

يعنى أن بل إذا وقعت بعد الخبر المثبت أو بعد الأمر فانقل بها حكم ما قبلها لما بعدها مثال الخبر قام زيد بل عمرو فالحكم هو القيام المسند إلى زيد فقد أزلته عنه ونقلته لما بعد بل وهو عمرو ومثال الأمر اضرب زيدا بل عمرا فالأمر المتوجه على ضرب زيد نقلته عنه لما بعد بل. وحاصل بل : أنها يعطف بها فى أربعة مواضع : فى النفى والنهى والخبر المثبت والأمر وقوله الجلى تتميم لصحة الاستغناء عنه. ولما فرغ من ذكر حروف العطف ومعانيها ومواضعها شرع فى بيان أحكام تتعلق بالباب فقال :

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

يعنى أنك إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل فصلت بين المعطوف عليه وحرف العطف بضمير منفصل وفهم منه أنك إذا عطفت على الضمير المتصل المنصوب لم يلزم الفصل نحو رأيتك وزيدا وفهم منه أيضا أن ضمير الرفع إذا كان منفصلا لم يفصل بينهما نحو أنت وزيد

٢٢٩

قائمان وشمل ضمير الرفع المتصل ما اتصل بالفعل وكان بارزا نحو قمت أنت وزيد ، ومستترا نحو قم أنت وزيد وما اتصل بالوصف ولا يكون إلا مستترا نحو زيد قائم هو وعمرو. وقد يجوز الفصل بغير الضمير المنفصل وعلى ذلك نبه بقوله : (أو فاصل مّا) ومن الفصل بغير الضمير المنفصل (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) [الرعد : ٢٣] فالفصل هنا بضمير المفعول وإن شرط وعطفت فعل الشرط وعلى ضمير متعلق به وأو فاصل معطوف على الضمير المنفصل وما زائدة أو صفة. ثم نبه على أنه قد ورد العطف على ضمير الرفع المتصل من غير فصل بقوله :

وبلا فصل يرد

فى النّظم فاشيا

فمن ذلك قول الشاعر :

١٥٠ ـ قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الفلا تعسّفن رملا

فعطف قوله وزهر على الضمير المستتر فى أقبلت من غير فصل ولا توكيد وقول الشاعر :

١٥١ ـ ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا

فأب معطوف على الضمير المستتر فى يكن وليس بينهما توكيد ولا فصل وفهم من قوله فاشيا أنه كثير فى الشعر ، وفيه إشعار بأنه غير فاش فى النثر ومنه قولهم مررت برجل سواء والعدم فالعدم معطوف على الضمير المستتر فى سواء وليس فيه فصل. ثم نبه على أنه مع فشوّه ضعيف بقوله : (وضعفه اعتقد) ووجه ضعفه أن ضمير الرفع المتصل شديد الاتصال برافعه فصار كأنه حرف من حروف عامله فإذا لم يفصل بينهما فكأنه عطف اسم على فعل وفى يرد ضمير مستتر عائد على العطف وفى النظم متعلق بيرد وكذلك بلا فصل وفاشيا منصوب على الحال من الضمير فى يرد. ثم قال :

__________________

(١٥٠) البيت من الخفيف ، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص ٤٩٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٦ ، واللمع ص ١٨٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٧٩ ، والخصائص ٢ / ٣٨٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠١ ، والكتاب ٢ / ٣٧٩.

والشاهد فيه قوله : «أقبلت وزهر» حيث عطف قوله : «زهر» على الضمير المستتر فى «أقبلت» وذلك للضرورة الشعرية. والقياس القول : أقبلت هى وزهر ، بتأكيد المستتر ، ليقوى ثمّ يعطف عليه.

(١٥١) البيت من الكامل ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٥٧ ، والدرر ٦ / ١٤٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٤٧٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٩٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٢٩ ، والمقرب ١ / ٢٣٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٨.

والشاهد فيه قوله : «لم يكن وأب» حيث عطف الاسم الظاهر المرفوع ، وهو قوله : «أب» على الضمير المرفوع المستتر فى «يكن» الذى هو اسم «يكن» من غير أن يؤكّد ذلك الضمير بالضمير المنفصل أو يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهذا فاش فى الشعر.

٢٣٠

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

يعنى أنه إذا عطف اسم على الضمير المخفوض لزم إعادة الخافض وشمل المخفوض بالحرف نحو مررت بك وبزيد والمخفوض بالاسم نحو جلست بينك وبين زيد فإعادة الخافض فى نحو ذلك لازمة عند جمهور البصريين إلا فى الضرورة وذهب الكوفيون وبعض البصريين إلى أنه لا يلزم وهو اختيار الناظم ولذلك قال : (وليس عندى لازما) يعنى أن إعادة الخافض فى ذلك لا تلزم عندى ثم استدل على صحة اختياره بقوله : (إذ قد أتى* فى النظم والنثر الصحيح مثبتا) وقد استدل على ذلك فى مصنفاته بشواهد كثيرة منها قوله :

١٥٢ ـ فاذهب فما بك والأيام من عجب

والمراد بالنثر الصحيح القرآن كقراءة حمزة رضى الله تعالى عنه : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] بخفض الأرحام عطفا على الضمير فى به. ثم قال :

(والفاء قد تحذف مع ما عطفت) يعنى أن الفاء العاطفة قد تحذف هى ومعطوفها كقوله عزوجل : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] أى فضرب فانفلق ثم قال : (والواو) أى والواو قد تحذف أيضا مع ما عطفت ومنه قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أى والبرد وذلك فى الفاء والواو مشروط بأمن اللبس ، وإلى ذلك أشار بقوله : (إذ لا لبس) أى إن لم يكن لبس فى حذف الفاء والواو مع معطوفيهما وفهم من قوله قد تحذف أن ذلك قليل والفاء مبتدأ وخبره قد تحذف والواو مبتدأ وخبره محذوف أى والواو كذلك ويجوز أن يكون الواو معطوفا على الفاء. ثم قال :

وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقى

معموله دفعا لوهم اتقى

__________________

(١٥٢) صدره :

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

والبيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الإنصاف ص ٤٦٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٣ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٠ ، والدرر ٢ / ٨١ ، ٦ / ١٥١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٨ ، ٧٩ ، والكتاب ٢ / ٣٩٢ ، واللمع فى العربية ص ٢٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٣ ، والمقرب ١ / ٢٣٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٩.

والشاهد فيه قوله : «فما بك والأيام» حيث عطف «الأيام» على الضمير المجرور فى «بك» بغير إعادة حرف الجر ، وهذا عند البصريين ضرورة ، أما الكوفيون فيجيزون ذلك.

٢٣١

يعنى أن الواو انفردت من سائر حروف العطف بأنها يعطف بها عامل مزال أى محذوف بقى معموله وذلك كقوله :

١٥٣ ـ علفتها تبنا وماء باردا

حتى غدت همّالة عيناها

فتبنا مفعول ثان بعلفتها والواو التى بعدها عاطفة لعامل محذوف تقديره وسقيتها وهو عامل فيما باشرته الواو فى اللفظ وهو ماء فالعامل المزال هو سقيتها والمعمول الباقى هو ماء وقوله دفعا لوهم اتقى يعنى أن حمل مثل هذا على حذف العامل إنما هو لدفع ما يتقى من كون الماء معطوفا على تبن إذ لا يصلح لعدم اشتراكه معه فى العامل ومن كونه مفعولا معه لأن المعية متعذرة فيه. ثم قال :

(وحذف متبوع بدا هنا استبح)

يعنى أن حذف المتبوع وهو المعطوف عليه جائز إذا ظهر معناه وذلك كقولك لمن قال : ألم تضرب زيدا بل وعمرا أى بل ضربته وعمرا ومفهومه أن ذلك سائغ فى جميع حروف العطف وليس كذلك بل إنما ورد فى الفاء والواو وأو وهو فى أو قليل. ثم قال : (وعطفك الفعل على الفعل يصحّ) يعنى أن الأفعال يجوز عطف بعضها على بعض كما يكون ذلك فى الأسماء نحو زيد قام وقعد ويقوم ويقعد وعطفك مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل والفعل مفعول بالمصدر وعلى متعلق به ويصح فى موضع خبر المبتدأ. ثم قال :

(واعطف على اسم شبه فعل فعلا*)

يعنى أنه يجوز أن يعطف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل كقوله عزوجل : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨] فأقرضوا معطوف على المصدقين لشبهه بالفعل لكونه اسم فاعل والتقدير إن الذين تصدقوا وأقرضوا وكذلك قوله عزوجل : (أَوَلَمْ

__________________

(١٥٣) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٠٨ ، ٧ / ٢٣٣ ، وأمالى المرتضى ٢ / ٢٥٩ ، والإنصاف ٢ / ٦١٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٤٥ ، والخصائص ٢ / ٤٣١ ، والدرر ٦ / ٧٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٢٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٤٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٤٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٥٨ ، ٢ / ٩٢٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠٥ ، ولسان العرب ٢ / ٢٨٧ (زجج) ، ٣ / ٣٦٧ (قلد) ، ٩ / ٢٥٥ (علف) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٠.

والشاهد فيه قوله : «وماء» حيث لا يصح أن يكون مفعولا به ؛ لأنه لا يصح أن يشترك مع لفظة «التبن» بعامل واحد ، وهو قوله : «علفتها» لأن الماء لا يعلف ، وإنما يسقى ، فلا بدّ من تقدير عامل ، والتقدير : «سقيتها» ، وقيل : «الماء» مفعول معه. وقيل : إنه معطوف على تبنا لأن الشاعر ضمّن الفعل «علفتها» معنى الفعل «أنلتها» أو «قدّمت لها».

٢٣٢

 يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك : ١٩] أى قابضات. ثم قال : (وعكسا استعمل تجده سهلا) العكس هو أن تعطف الاسم المشابه الفعل على الفعل كقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) [الأنعام : ٩٥] فمخرج شبيه بالفعل لكونه اسم فاعل.

البدل

التّابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمّى بدلا

التابع جنس يشمل التوابع كلها ، والمقصود بالحكم مخرج للنعت وعطف البيان والتوكيد فإنها مكملات للمقصود بالحكم وقوله بلا واسطة قال الشارح أخرج به المعطوف ببل فحمل المقصود بالحكم على المستقل بالقصد فإن المعطوف بغير بل غير مستقل بالقصد وحمله المرادى على أنه المقصود بالحكم مطلقا فأخرج به المعطوف عطف النسق ببل وغيرها وهو أظهر والتابع مبتدأ والمقصود بالحكم نعت له وبلا متعلق بالمقصود وهو مبتدأ والمسمى خبره والجملة خبر التابع وبدلا مفعول ثان بالمسمى. ثم شرع فى ذكر أقسامه فقال :

مطابقا أو بعضا أو ما يشتمل

عليه يلفى أو كمعطوف ببل

ذكر له أربعة أقسام الأول المطابق وهو بدل الشىء من الشىء ويسمى أيضا بدل كل من كل نحو قام زيد أخوك الثانى بدل البعض من الكل نحو أكلت الرغيف ثلثه الثالث بدل الاشتمال وهو ما صح الاستغناء عنه بالأول وليس مطابقا ولا بعضا وأكثر ما يكون بالمصدر نحو أعجبتنى الجارية حسنها وقد يكون بالاسم نحو سرق زيد ثوبه الرابع بدل الإضراب وهو نوعان وسيأتى. ومطابقا وما عطف عليه مفعول ثان ليلفى وفى يلفى ضمير مرفوع مستتر وهو المفعول الأول ليلفى وهو عائد على البدل ، ثم قسم الرابع إلى قسمين وإليها أشار بقوله :

وذا للإضراب اعز إن قصدا صحب

ودون قصد غلط به سلب

يعنى أن القسم الرابع على قسمين أحدهما يسمى بدل الإضراب وهو ما يذكر متبوعه بقصد كقولك أكلت خبزا لحما ومعناه أن قولك أكلت خبزا قصدت به الإخبار بأكل الخبز وهو حقيقة ثم أضربت عن ذلك فى اللفظ وأخبرت أنك أكلت لحما دون أن تسلب الحكم عن الأول والثانى يسمى بدل الغلط وهو ما لا يقصد متبوعه بل يجرى لسان المتكلم عليه

٢٣٣

دون قصد كقولك رأيت زيدا حمارا أردت أن تقول رأيت حمارا فغلطت فقلت رأيت زيدا ثم سلبت الغلط عن زيد بذكر حمار وهذا معنى قوله غلط به سلب أى سلب الغلط عن الأول بالثانى وذا مفعول مقدم باعز ومعنى اعز انسب وللإضراب متعلق باعز وقصدا منصوب بصحب وفاعل صحب هو البدل المشار إليه بذا وقصدا بمعنى مقصودا وهو واقع على الأول ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أى إن صحب البدل ذا قصد وقوله دون قصد فى موضع نصب على الحال والعامل فيه محذوف لدلالة الأول عليه أى وإن صحب البدل المتبوع حالة كونه دون قصد وغلط خبر مبتدأ مضمر على حذف مضاف أى هو بدل غلط وبه سلب صفة ومفعول سلب ضمير عائد على الحكم المفهوم من الكلام وتقدير كلامه وإن صحب البدل المتبوع دون قصد فهو بدل غلط سلب به الحكم عن الأول وهو المتبوع. ثم مثل للأقسام الأربعة فقال :

كزره خالدا وقبّله اليدا

واعرفه حقّه وخذ نبلا مدى

فزره خالدا مثال البدل المطابق لأن خالدا والضمير المتصل بزره كشىء واحد وقبله اليدا مثال لبدل البعض من الكل واعرفه حقه لبدل الاشتمال ، وفى هذه المثل تنبيه على جواز بدل الظاهر من المضمر وسيأتى وخذ نبلا مدى مثال للبدل المباين وقد تقدم أنه على قسمين والمثال محتمل لهما لأنه يجوز أن يكون قصد الأول فيكون كقولك أكلت خبزا لحما وأن لا يقصده فيكون كقولك رأيت زيدا حمارا والمدى جمع المدية وهو السكين. ثم قال :

ومن ضمير الحاضر الظّاهر لا

تبدله إلّا ما إحاطة جلا

أو اقتضى بعضا أو اشتمالا

يعنى أن ضمير الحاضر لا يبدل منه الظاهر مطلقا بل إن كان بدل بعض جاز مطلقا وكذلك بدل الاشتمال. ومثال بدل البعض قول الشاعر :

١٥٤ ـ أو عدنى بالسجن والأداهم

رجلى فرجلى شثنة المناسم

__________________

(١٥٤) الرجز للعديل بن الفرخ فى خزانة الأدب ٥ / ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، والدرر ٦ / ٦٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٩٠ ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ٢٢٦ ، ٢٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٢١ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٧٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٠ ، ولسان العرب ٣ / ٤٦٣ (وعد) ، ١٢ / ٢١٠ (دهم) ، ومجالس ثعلب ص ٢٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٧.

والشاهد فيه قوله : «أو عدنى ... رجلى» حيث أبدل الاسم الظاهر «رجلى» من ضمير الحاضر ، وهو الياء فى «أوعدنى» بدل بعض من كلّ.

٢٣٤

ومثال بدل الاشتمال قوله :

١٥٥ ـ وما ألفيتنى حلمى مضاعا*

وإن كان مطابقا فيشترط فيه أن يدل على إحاطة نحو جئتم كبيركم وصغيركم. وشمل ضمير الحاضر المتكلم والمخاطب وفهم منه أن ضمير الغائب يجوز البدل منه مطلقا وقد تقدم فى المثل ومن ضمير متعلق بتبدله والظاهر مفعول بفعل مقدر يفسره تبدله ولا استثناء وما منصوب على الاستثناء وهى موصولة وصلتها جلا وإحاطة مفعول بجلا وأو اقتضى معطوف على جلا ثم مثل بدل الاشتمال فقال : (كأنّك ابتهاجك استمالا) فابتهاجك بدل من الضمير فى أنك واستمالا خبر أنّ ، ثم قال : (وبدل المضمّن الهمز يلى* همزا) يعنى أن المبدل منه إذا كان اسم استفهام لا بد أن يكون البدل مقترنا بهمزة الاستفهام وقد مثل ذلك بقوله : (كمن ذا أسعيد أم على) وبدل مبتدأ والهمز مفعول ثان بالمضمن ويلى فى موضع خبر المبتدأ وهمزا مفعول بيلى ومن اسم استفهام وهو مبتدأ وذا خبره وأسعيد أم على بدل من «من». ثم قال :

ويبدل الفعل من الفعل كمن

يصل إلينا يستعن بنا يعن

يعنى أنه يجوز أن يبدل الفعل من الفعل وظاهره أن ذلك جائز فى جميع أقسام البدل والمسموع من ذلك بدل الكل كقوله :

١٥٦ ـ متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا

__________________

(١٥٥) صدره :

ذرينى إنّ أمرك لن يطاعا

والبيت من الوافر ، وهو لعدى بن زيد فى ديوانه ص ٣٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ٢٠٤ ، والدرر ٦ / ٦٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٨٧ ، ولرجل من بجيلة أو خثعم فى الكتاب ١ / ١٥٦ ، ولعدى أو لرجل من بجيلة أو خثعم فى المقاصد النحوية ٤ / ١٩٢ ، وبلا نسبة فى شرح شذور الذهب ص ٥٧٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٥ ، ٧٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٧.

والشاهد فيه قوله : «ما ألفيتنى حلمى مضاعا» حيث أبدل الاسم الظاهر «حلمى» من الضمير وهو الياء فى «ألفيتنى» بدل اشتمال.

(١٥٦) عجزه :

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

والبيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن الحر فى خزانة الأدب ٩ / ٩٠ ، ٩٩ ، والدرر ٦ / ٦٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٧٨ ، وشرح المفصل ٧ / ٥٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٥٨٣ ، ورصف المبانى ص ٣٢ ، ٣٣٥ ، وشرح الأشمونى ص ٤٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٩٠ ، وشرح المفصل ١٠ / ٢٠ ، والكتاب ٣ / ٨٦ ، ولسان العرب ٥ / ٢٤٢ (نور) ، والمقتضب ٢ / ٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٨.

والشاهد فيه قوله : «تأتنا تلمم» وقد أبدل الفعل «تلمم» من الفعل «تأتنا».

٢٣٥

فتأتنا وتلمم متفقان فى المعنى وبدل الاشتمال كقوله تعالى : (يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩] ومنه قوله فى المثال : من يصل إلينا يستعن. فيستعن بدل من يصل بدل اشتمال ، وأما بدل الغلط فأجازه قوم ونقل جوازه عن سيبويه والقياس يقتضيه ومثاله قام قعد زيد أردت أن تقول قعد فغلطت فقلت قام ثم أبدلت قعد منه وأما بدل البعض فلم يسمع.

النداء

النداء فى اللغة الصوت ويضم أوله ويكسر ، وهو فى الاصطلاح الدعاء بحروف مخصوصة. والمنادى ثلاثة أقسام : بعيد وقريب ومندوب ، وقد أشار إلى الأول فقال :

وللمنادى الناء أو كالنّاء يا

وأى وآ كذا أيا ثمّ هيا

فذكر أن المنادى البعيد له خمسة أحرف والمراد بالنائى البعيد المسافة وبأو كالناء البعيد حكما كالساهى ، ثم أشار إلى المنادى القريب بقوله : (والهمز للدّانى) والدانى هو القريب وذكر له حرفا واحدا وهو الهمزة نحو أزيد أقبل ، ثم أشار إلى المندوب فقال : (ووا لمن ندب* أو يا) فذكر للمندوب حرفين «وا» و «يا» نحو : «وازيداه» و «يا زيداه» فعلم أن «يا» ينادى بها المندوب وغيره وأن «وا» لا ينادى بها إلا المندوب. ثم قال :

(وغير «وا» لدى اللّبس اجتنب) غير وا هو يا يعنى أن يا إذا لم تكن قرينة تبين الندبة اجتنب وتعينت وا لأنها لا لبس فيها. ثم إن المنادى على ثلاثة أقسام قسم يمتنع معه حذف حرف النداء وقسم يقل وقسم يجوز وقد أشار إلى الأول والثالث بقوله :

وغير مندوب ومضمر وما

جا مستغاثا قد يعرّى فاعلما

فيمتنع حذف حرف النداء مع هذه الثلاثة التى ذكرت أما المندوب والمستغاث فإن المقصود فيهما مدّ الصوت والحذف ينافى ذلك وأما المضمر فيمتنع معه الحذف لأنه يفوت معه الدلالة على النداء إذ هو دال بالوضع على الخطاب وغير هذه الثلاثة سائر المناديات ودخل فيها ما يقل فيه الحذف وذلك النكرة واسم الإشارة فأخرجه بقوله :

وذاك فى اسم الجنس والمشار له

قلّ ومن يمنعه فانصر عاذله

٢٣٦

الإشارة إلى حذف حرف النداء وفهم من البيت أن فى حذف حرف النداء مع اسم الجنس واسم الإشارة خلافا لقوله ومن يمنعه والمنع مذهب البصريين والجواز مذهب الكوفيين وهو اختيار الناظم ولذلك قال : (ومن يمنعه فانصر عاذله). فعاذل المانع يجيز وعاذله اسم فاعل من عذل إذا لام وذاله معجمة ومن حذف حرف النداء مع اسم الجنس قوله : ثوبى حجر ، أى يا حجر ، ومن حذفه مع اسم الإشارة قوله :

١٥٧ ـ بمثلك هذا لوعة وغرام

أراد يا هذا وفهم منه أن الحذف جائز مع غير الخمسة المذكورة وذلك العلم نحو (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف : ٢٩] والمضاف نحو (رَبِّ اغْفِرْ لِي) [الأعراف : ١٥١] والموصول نحو من لا يزال محسنا أحسن إلى والمطول نحو طالعا جبلا أقبل وأىّ نحو «أيها المؤمنون». وذاك مبتدأ وخبره قلّ ، وفى اسم متعلق بقلّ ومن يمنعه شرط والجواب فانصر عاذله ، ثم إن المنادى على قسمين مبنى على الضم ومنصوب ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

وابن المعرّف المنادى المفردا

على الّذى فى رفعه قد عهدا

يعنى أن حكم المنادى المعرف المفرد البناء على ما كان يرفع به قبل النداء وشمل قوله المعرف ما تعرف قبل النداء نحو يا زيد وما تعرف فى النداء نحو يا رجل والمفرد هنا ما ليس بمضاف ولا شبيه به فيقال فى نحو يا رجال مفرد لأنه ليس بمضاف ولا شبيه به ، وفهم من قوله : (على الذى فى رفعه قد عهدا) أنه إذا كان مثنى يبنى على الألف فتقول يا زيدان وإن كان جمع مذكر بنى على الواو نحو يا زيدون والمعرف مفعول بابن وكان حقه أن يقدم المنادى لأن المعرف نعت له والمفرد نعت للمنادى وعلى الذى متعلق بابن. ثم قال :

(وانو انضمام ما بنوا قبل النّدا)

__________________

(١٥٧) صدره :

إذا هملت عينى لها قال صاحبى

والبيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٥٩٢ ، والدرر ٣ / ٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٣ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤١.

والشاهد فيه قوله : «هذا» يريد : يا هذا ، فحذف حرف النداء قبل اسم الإشارة وهذا جائز عند الكوفيين وضرورة عند البصريين.

٢٣٧

يعنى أن الاسم إذا كان مبنيا قبل النداء ثم نودى نوى بناؤه على الضم نحو يا هذا ويا برق نحره ويظهر أثر تقديم الضم إذا أتبع فإنه يجوز فيه ما يجوز فى الظاهر الضم فتقول يا سيبويه الظريف والظريف وغير ذلك من أحكام التابع المضموم وإلى ذلك أشار بقوله : (وليجر مجرى ذى بناء جدّدا) أى ويجرى فى المنوى الضم مجرى الظاهر الضم وهو الذى جدد بناؤه أى حدث النداء ثم أشار إلى الثانى فقال : (والمفرد المنكور والمضافا* وشبهه انصب) المفرد المنكر هو النكرة غير المقصودة كقول الأعمى يا رجلا خذ بيدى لأنه لم يناد رجلا بعينه ومثال المضاف يا عبد الله ويا غلام زيد والمراد بشبه المضاف المطول وهو ما عمل فيما بعده رفعا نحو يا حسنا وجهه أو نصبا نحو يا طالعا جبلا أو فى المجرور نحو يا مارا بزيد أو كان معطوفا ومعطوفا عليه نحو يا ثلاثة وثلاثين فهذه كلها منصوبة ونصبها على الأصل لأن المنادى مفعول بفعل محذوف تقديره أنادى ولا خلاف فى وجوب نصبها وإليه أشار بقوله : (عادما خلافا) والمفرد مفعول مقدم بانصب وعادما حال من الضمير المستتر فى انصب. ثم قال :

ونحو زيد ضمّ وافتحنّ من

نحو أزيد بن سعيد لا تهن

يعنى أن ما كان من المنادى كالمثال المذكور جاز فيه الضم والفتح بخمسة شروط : الأول أن يكون علما كزيد من المثال. الثانى أن يكون موصوفا بابن. الثالث أن يكون ابن مضافا إلى علم كسعيد من المثال. الرابع أن لا يفصل بينهما فاصل أى بين المنادى وصفته. الخامس أن يكون المنادى ظاهر الضم وهذه الشروط كلها مفهومة من المثال المذكور ونحو مفعول بضم وهو أيضا مطلوب لافتحن ومن نحو متعلق بضم وتهن مضارع وهن بمعنى ضعف وفهم منه أنه إن لم يكن المنادى علما ولا مضافا إليه ابن وجب البناء على الضم على ما يقتضى أصل المنادى المفرد وقد صرح بهذا المفهوم فقال :

والضّمّ إن لم يل الابن علما

أو يل الابن علم قد حتما

فمثال كون المنادى غير علم يا رجل ابن سعيد ومثال كون المضاف إليه ابن غير علم يا زيد ابن أخينا. والضم مبتدأ وخبره قد حتما وإن لم يل شرط وجوابه محذوف والتقدير والضم قد حتما إن لم يل فهو متحتم ويجوز أن يكون قد حتما جواب الشرط والشرط وجوابه خبر الضم واستغنى بالضمير الذى فى حتم فى الربط لأن جملتى الضم والشرط يستغنى فيهما بضمير واحد لتنزيلهما منزلة الجملة الواحدة وعلى هذا فلا حذف. ثم قال :

٢٣٨

واضمم أو انصب ما اضطرارا نوّنا

ممّا له استحقاق ضمّ بيّنا

يعنى أنه يجوز الضم والنصب فى المنادى المستحق للبناء ، وهو العلم والنكرة المقصودة إذا اضطر شاعر لتنوينه ، فمثال الضم قوله :

١٥٨ ـ سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

ومثال النصب قوله :

١٥٩ ـ ضربت صدرها إلىّ وقالت

يا عديّا لقد وقتك الأواقى

والمختار عند الخليل وسيبويه الضم ، وفى تقديم الناظم له إشعار باختياره ، وينبغى أن يعتقد أنه عند من يرى الضم مع التنوين مبنى ، وعند من نصب معرب. وما مفعول بانصب وهو مطلوب أيضا لاضمم فهو من باب التنازع وهى موصولة وصلتها نوّنا واضطرارا هو تعليل لنوّنا ومما يتعلق بنوّن وما المجرورة بمن موصولة واستحقاق ضم مبتدأ وبيّنا خبره والجملة صلة لما وله متعلق ببينا. ثم قال :

__________________

(١٥٨) البيت من الوافر ، وهو للأحوص فى ديوانه ص ١٨٩ ، والأغانى ١٥ / ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥٠ ، ١٥٢ ، ٦ / ٥٠٧ ، والدرر ٣ / ٢١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٠٥ ، ٣ / ٢٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦٦ ، والكتاب ٢ / ٢٠٢ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٤ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، والإنصاف ١ / ٣١١ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٨ ، والجنى الدانى ص ١٤٩ ، والدرر ٥ / ١٨٢ ، ورصف المبانى ص ١٧٧ ، ٣٥٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٨ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٧ ، ومجالس ثعلب ص ٩٢ ، ٥٤٢ ، والمحتسب ٢ / ٩٣.

والشاهد فيه قوله : «يا مطر» والقياس : يا مطر بالبناء على الضم ، لأنه مفرد علم ، ولكن الشاعر نونه اضطرارا لإقامة الوزن.

(١٥٩) البيت من الخفيف ، وهو للمهلهل بن ربيعة فى خزانة الأدب ٢ / ١٦٥ ، والدرر ٣ / ٢٢ ، وسمط اللآلى ص ١١١ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٠١ (وقى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١١ ، والمقتضب ٤ / ٢١٤ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٧٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٨٠٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧٠ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠ ، والمنصف ١ / ٢١٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٣.

ويروى صدر البيت :

رفعت رأسها إلىّ وقالت

والشاهد فيه قوله : «يا عديا» حيث نصبه للضرورة الشعرية ، وحقه البناء على الضم لأنه علم.

٢٣٩

(وباضطرار خص جمع يا وأل) يعنى أنه لا يجوز الجمع بين حرف النداء وأل إلا فى الضرورة كقوله :

من أجلك يا التى تيمت قلبى

وقوله

١٦٠ ـ فيا الغلامان اللذان فرا

ثم استثنى من ذلك لفظة «الله» والجملة الاسمية المصدرة بأل فقال :

(إلّا مع الله ومحكىّ الجمل) فيجوز فى الاختيار يا ألله بقطع الهمزة ووصلها للزوم أل له حتى صارت كأنها من نفس الكلمة ويا ألرجل منطلق إذا سميت به رجلا لأن أل من جملة المسمى به. ثم قال : (والأكثر اللهمّ بالتعويض) يعنى أن الأكثر فى نداء لفظة الجلالة اللهم بميم مشددة مزيدة آخرا عوضا من حرف النداء وفهم منه أن قولهم يا ألله وإن كان جائزا فى الاختيار دون اللهم فى الكثرة وقد جاء فى الشعر الجمع بين النداء والميم وإليه أشار بقوله : (وشذّ يا اللهمّ فى قريض) وجه شذوذه أنه جمع بين العوض والمعوض منه ، ومنه قوله :

١٦١ ـ إنى إذا ما حدث ألمّا

أقول يا اللهم يا اللهمّا

والقريض : الشعر.

__________________

(١٦٠) الرجز بلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٣٠ ، والإنصاف ١ / ٣٣٦ ، والدرر ٣ / ٣٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٩ ، واللامات ص ٥٣ ، واللمع فى العربية ص ١٩٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٥ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

والشاهد فيه قوله : «فيا الغلامان» حيث جمع حرف النداء و «أل» فى غير لفظ الجلالة. وهذا لا يجوز إلّا فى الضرورة الشعرية.

(١٦١) الرجز لأبى خراش فى الدرر ٣ / ٤١ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٦ ، ولأمية ابن أبى الصلت فى خزانة الأدب ٢ / ٢٩٥ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٣٢ ، والإنصاف ص ٣٤١ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣١ ، وجواهر الأدب ص ٩٦ ، ورصف المبانى ص ٣٠٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٤٣٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٠٠ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٦٩ ، ٤٧٠ ، (أله) ، واللمع فى العربية ص ١٩٧ ، والمحتسب ٢ / ٢٣٨ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٨.

والشاهد فيه قوله : «يا اللهم» فجمع بين «يا» والميم المشددة فى «اللهم» وهذا ضرورة عند البصريين ، أما الكوفيون فتمسكوا بهذا وأمثاله ، ليذهبوا إلى أن الميم المشدّدة فى «اللهم» ليست عوضا من «يا» التى للتنبيه فى النداء ، إذ لو كانت كذلك لما جاز أن يجمع بينهما ، لأن العوض والمعوض لا يجتمعان.

٢٤٠