شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

يعنى أن ما خوطب به ما لا يعقل من الحيوان من مشبه اسم الفعل فى صحة الاكتفاء به يجعل صوتا وشمل قوله ما خوطب ما كان للزجر كعدس وما كان للدعاء كأو فإن كليهما يخاطب به ما لا يعقل. وما مبتدأ وهى موصولة وصلتها خوطب وبه متعلق بخوطب والضمير فى به عائد على الموصول وما بعد خوطب مفعول لم يسمّ فاعله وهى موصولة أيضا وصلتها لا يعقل والضمير العائد عليها الفاعل بيعقل ويجعل خبر المبتدأ وصوتا مفعول ثان بيجعل وهو على حذف مضاف أى اسم صوت. ثم أشار إلى النوعين الآخرين بقوله :

(كذا الذى أجدى حكاية كقب)

يعنى من أسماء الأصوات ما أجدى حكاية أى أفاد حكاية وشمل قوله حكاية ما كان حكاية لصوت الحيوان كغاق ولصوت غير الحيوان كقب. ثم قال : (والزم بنا النّوعين فهو قد وجب) يعنى أن البناء لازم فى النوعين ويحتمل أن يريد بالنوعين نوعى أسماء الأصوات وأن يريد بهما أسماء الأفعال وأسماء الأصوات وهو أجود لشموله جميع الباب إذ البناء فى جميع ذلك لازم وقوله : (فهو قد وجب) تتميم للبيت لصحة الاستغناء عنه بقوله : والزم.

نونا التوكيد

قوله :

للفعل توكيد بنونين هما

كنونى اذهبنّ واقصدنهما

يعنى أن الفعل يؤكد بنونين إحداهما ثقيلة كالنون فى اذهبن والأخرى خفيفة كالنون فى اقصدنهما ومعنى توكيد الفعل بهما أنهما يفيدان تحقيق معنى الفعل فإذا قلت اضربن ففيه توكيد لاضرب المجرد منها فهو أبلغ من المجرد وأوهم قوله للفعل شمول جميع الأفعال فأزال الإبهام بقوله :

يؤكدان افعل ويفعل آتيا

ذا طلب أو شرطا إمّا تاليا

أو مثبتا فى قسم مستقبلا

٢٦١

يعنى أن هذين النونين لا يؤكدان جميع الأفعال بل يؤكدان ما ذكر ، وذلك الأمر بصيغة افعل وشمل قوله افعل الأمر والدعاء لأنه أمر فى المعنى ، وشمل أيضا الأمر للواحد والواحدة والاثنين والجمع مذكرين أو مؤنثين فتقول اضربن يا زيد واضربن يا هند واضربان واضربن واضربنان ويؤكدان أيضا المضارع بشروط : أولها أن يكون مستقبلا وهو المراد بقوله آتيا وفهم منه أن المضارع إذا أريد به الحال لا يؤكد بهما. الثانى أن يكون ذا طلب فشمل المقرون بلام الأمر نحو ليقومن ولا الناهية نحو لا تقومن وأداة التحضيض أو العرض نحو هلا تقومن أو التمنى نحو ليتك تقومن أو الاستفهام نحو هل تقومن. الثالث أن يقع بعد إن الشرطية المقرونة بإما نحو فإما ترين وهو المراد بقوله أو شرطا إما تاليا أى أو شرطا تاليا إما. الرابع أن يقع جوابا لقسم وهو مستقبل مثبت وهو المراد بقوله أو مثبتا فى قسم مستقبلا وقوله توكيد مبتدأ وخبره فى المجرور قبله وبنونين متعلق بتوكيد لأنه مصدر وهما كنونى اذهبن إلى آخر البيت مبتدأ وخبر والجملة صفة لنونى وافعل مفعول بيؤكدان ويفعل معطوف عليه وآتيا حال من يفعل وذا طلب حال بعد حال وشرطا معطوف على ذا طلب وتاليا نعت لشرط وما مفعول مقدم بتاليا ومثبتا معطوف على شرط وفى قسم متعلق بمثبت ومستقبلا نعت لمثبت ويجوز أن يكون آتيا حال من يفعل ولا يراد به قيد الاستقبال ويكون ذا طلب حالا من الضمير المستتر فى آتيا ويكون حينئذ شرط الاستقبال مستفادا من قوله ذا طلب أو شرطا لما علم من أن الطلب والشرط لا يكونان إلا مستقبلين ويؤيده قوله فى القسم مثبتا مستقبلا.

ثم اعلم أن نونى التوكيد يكونان مع غير ما ذكر على وجه القلة وإلى ذلك أشار بقوله:

وقلّ بعد ما ولم وبعد لا

وغير إمّا من طوالب الجزا

فذكر أربعة مواضع تلحق فيها النونان الفعل المضارع على وجه القلة وذلك بعد ما والمراد بها ما الزائدة وبعد لم ولا النافيتين وبعد أداة الشرط غير إما ، فمثاله بعد ما الزائدة قولهم بعين ما أرينك ، ومثاله بعد لم قوله :

١٧٥ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما

__________________

(١٧٥) الرجز للعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٣٣١ ، وله أو لأبى حيان الفقعسى أو لمساور العبسى أو للدبيرى أو لعبد بنى عبس فى خزانة الأدب ١١ / ٤٠٩ ، ٤١١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨٠ ، ولمساور العبسى أو للعجاج فى الدرر ٥ / ١٥٨ ، ولأبى حيان الفقعسى فى شرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٩ ، وللدبيرى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٦ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٤٠٩ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٠٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٨٨ ، ٤٥١ ، ورصف المبانى ص ٣٣ ، ٣٣٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٤٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٢ ، والكتاب ٣ / ٥١٦ ، ولسان ـ ـ

٢٦٢

ومثاله بعد لا قوله عزوجل : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] ومثاله بعد الشرط بغير إما قوله :

١٧٦ ـ فمهما تشأ منه فزارة تعطكم

ومهما تشأ منه فزارة تمنعا

أراد تمنعن فأبدل من النون الخفيفة ألفا فى الوقف ، وغير مخفوض عطفا على لا.

ولما فرغ من ذكر ما يدخله نونا التوكيد على اختلاف أنواعه أخذ فى بيان ما ينشأ عن دخولها فى التغيير فقال : (وآخر المؤكّد افتح كابرزا) علم أن حق آخر المؤكد بهما الفتح لأنهم جعلوا الفعل معهما بمنزلة خمسة عشر فتقول اضربن ولا تقومن وابرزن ولا تبرزن. وآخر مفعول مقدم بافتح والمؤكد نعت لمحذوف تقديره وآخر الفعل المؤكد افتح. ثم إنه قد يعرض فى الأفعال المؤكدة بالنون عوارض توجب لها غير الفتح أشار إليها بقوله :

واشكله قبل مضمر لين بما

جانس من تحرّك قد علما

يعنى أن الفعل المؤكد بإحدى النونين إذا كان فاعله ضميرا لينا فإنك تجعل فى آخر الفعل شكلا مجانسا لذلك الضمير وشمل قوله لين ألف التثنية وواو الجمع وياء المخاطبة فتقول هل تقومان يا زيدان وهل تقومن يا زيدون وهل تقومن يا هند وشمل أيضا الصحيح الآخر كالمثل والمعتل الآخر نحو هل تغزوان يا زيدان وهل تغزن يا زيدون وهل تغزن يا هند. ثم إن الضمير اللين إذا كان غير الألف حذف لالتقاء الساكنين وإليه أشار بقوله : (والمضمر احذفنّه) وأل فى المضمر للعهد أى المضمر المتقدم وهو اللين فتقول هل تقومن يا زيدون وأصله تقومون فاجتمعت الواو الساكنة والنون ساكنة فحذفت الواو لالتقائهما ثم استثنى من الضمائر المذكورة الألف فقال : (إلّا الألف) وإنما لم تحذف الألف لخفتها فتقول هل تقومان والهاء فى اشكله عائدة على آخر الفعل فهو على حذف مضاف أى اشكل آخره وقبل متعلق باشكله ولين نعت

__________________

ـ العرب ٣ / ٣٢ (شيخ) ، ١٤ / ٢٢٩ (خشى) ، ١٥ / ٩٩ (عمى) ، ٤٢٨ (الألف اللينة) ، ومجالس ثعلب ص ٦٢٠ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

والشاهد فيه قوله : «ما لم يعلما» يريد : «ما لم يعلمن» بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة ألفا ، فيكون الشاعر قد أكّد المضارع المنفى ب «لم» وهذا قليل.

(١٧٦) البيت من الطويل ، وهو للكميت بن معروف فى حماسة البحترى ص ١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧٢ ، وللكميت بن ثعلبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٩٠ ، ولسان العرب ٨ / ٢٧٣ (قزع) ، وللكميت بن معروف أو للكميت بن ثعلبة الفقعسى فى المقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، ولعوف بن عطية بن الخرع فى الدرر ٥ / ١٦٥ ، والكتاب ٣ / ٥١٥ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٧ / ٥٠٩ ، ٥١٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

والشاهد فيه قوله : «تمنعا» بنون التوكيد ، وهو جواب الشرط وليس من مواضع النون ، لأنه خبر يجوز فيه الصدق والكذب ولكنه أكّد تشبيها بالنهى حين كان مجزوما غير واجب.

٢٦٣

لمضمر وأصله لين بالتشديد فخففه كما يخفف هين ولا يصح ضبطه بكسر اللام لأن اللين مصدر ولين صفة إلا أن يكون من باب النعت بالمصدر فيصح وليس بقياس وبما متعلق باشكله وما موصولة وهى واقعة على الحركات المجانسة وجانس صلة الموصول ومفعوله محذوف اختصارا تقديره بما جانس المضمر وقد علما فى موضع الصفة لتحرك وظاهره أنه تتميم والمضمر مفعول بفعل مضمر يفسره احذفنه والألف منصوب بالاستثناء. ثم إن الفعل إن كان آخره ألفا فإن له حكما غير ما تقدم وله حالتان : إحداهما أن يكون مرفوعه غير الياء والواو ، والأخرى أن يكون مرفوعه الياء والواو وقد أشار إلى الأول بقوله :

وإن يكن فى آخر الفعل ألف

فاجعله منه رافعا غير اليا

والواو ياء

أى اجعل الألف الذى فى آخر الفعل ياء إذا كان الفعل رافعا غير الياء والواو ويعنى بالياء ضمير المخاطبة وبالواو ضمير الجمع وشمل غيرهما ألف التثنية نحو هل تخشيان يا زيدان والظاهر مطلقا نحو هل يخشين زيد وهل تخشين هند وهل تخشين الهندان وهل يخشين الزيدون والضمير المستتر نحو هل تخشين فتقلب الألف فى جميع ذلك ياء ثم مثل ذلك فقال : (كاسعينّ سعيا) وفاعل هذا المثال ضمير مستتر والألف اسم يكن والخبر فى المجرور ويحتمل أن يكن تاما بمعنى وجد وهو أظهر والهاء فى قوله فاجعله عائدة على الألف وفى منه عائدة على الفعل ورافعا حال من الهاء فى منه وغير مفعول برافع وياء مفعول ثان لاجعله والتقدير اجعل الألف من الفعل ياء فى حال كون الفعل رافعا غير الياء والواو. ثم أشار إلى الحالة الثانية فقال :

واحذفه من رافع هاتين وفى

واو ويا شكل مجانس قفى

يعنى أن الألف الذى فى آخر الفعل الذى كان حكمه مع رافع غير الياء والواو قلبه ياء احذفه إذا رفع الفعل الياء والواو واجعل الضمير الذى هو واو أو ياء محركا بحركة تجانسه فتحرك الواو بمجانسها وهو الضم وتحرك الياء بمجانسها وهو الكسر فتقول فى نحو يخشى رافعا للواو هل يخشون وأصله يخشيون فلما لحقت الواو ساكنة حذفت الألف لالتقاء الساكنين فلما لحقت النون حركت الواو لالتقاء الساكنين وكانت الحركة ضمة لمجانستها مع الواو ومثل ذلك فيما إذا كان فاعله الياء ثم مثل بقوله :

٢٦٤

نحو اخشين يا هند بالكسر ويا

قوم اخشون واضمم وقس مسوّيا

فالمثال الأول لما كان مرفوعه ياء والثانى لما كان مرفوعه واوا فالعمل فى ذلك مثل ما ذكرت لك فى المثال السابق والضمير فى قوله واحذفه عائد على الألف وهاتين إشارة إلى الياء والواو وشكل مبتدأ ومجانسا فى موضع الصفة لشكل وقفى خبر لشكل وفى واو متعلق بقفى. ثم قال :

ولم تقع خفيفة بعد الألف

لكن شديدة وكسرها ألف

يعنى أن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بعد الألف وإنما تقع بعد الألف نون التوكيد الشديدة ويجب حينئذ كسرها لشبهها بنون المثنى وإنما لم تقع بعد الألف النون الخفيفة لأنه لا يجمع فى غير الوقف بين ساكنين الأول حرف لين والثانى مدغم وشمل قوله الألف ألف التثنية كقوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِ) [يونس : ٨٩] والألف الفاصلة بين نون التوكيد ونون الإناث نحو لا تضربنان يا هندان ، وهو المنبه عليه بقوله :

وألفا زد قبلها مؤكّدا

فعلا إلى نون الإناث أسندا

وإنما شمل قوله الألف الألفين لوجود علة المنع فيهما وإنما لحقت الألف قبلها ليفصل بين الأمثال وهى نون الضمير ونون التوكيد وخفيفة فاعل بتقع وشديدة معطوف بلكن على خفيفة وكسرها ألف جملة اسمية مستأنفة ويمكن أن تكون فى موضع نصب على الحال من شديدة وألفا مفعول مقدم بزد ومؤكدا حال من الفاعل المستتر فى زد وفعلا مفعول بمؤكدا وأسندا فى موضع الصفة لفعل وإلى متعلق بأسندا ثم إن النون الخفيفة تحذف فى موضعين أشار إلى الأول منهما بقوله : (واحذف خفيفة لساكن ردف) يعنى أن نون التوكيد الخفيفة تحذف إذا لقيها ساكن كقولك اضرب الرجل ، ومثله قوله :

١٧٧ ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه

__________________

(١٧٧) البيت من المنسرح ، وهو للأضبط بن قريع فى الأغانى ٨ / ٦٨ ، والحماسة الشجرية ١ / ٣٧٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، ٤٥٢ ، والدرر ٢ / ١٦٢ ، ٥ / ١٧٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٦٠ ، وشرح شواهد المغنى ص ٤٥٣ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٩٠ ، ـ ـ

٢٦٥

وفهم من قوله لساكن أنها مرادة معنى لأن حذفها معارض لفظى وهو التقاء الساكنين وفهم أيضا من قوله ردف أن الساكن الموجب لحذفها متأخر عنها. ثم أشار إلى الثانى بقوله :(وبعد غير فتحة إذا تقف) يعنى أن النون الخفيفة تحذف أيضا إذا وقف عليها وكانت بعد ضمة أو كسرة نحو اخرجن يا زيدون واخرجن يا هند بعد أن تحذف من اخرجن واو الضمير ومن اخرجن ياء الضمير لالتقاء الساكنين فإذا وقف عليها ذهبت نون التوكيد لأنها لا تثبت فى الوقف فيرجع حينئذ ما حذف لأجلها وقد أشار إلى ذلك بقوله :

واردد إذا حذفتها فى الوقف ما

من أجلها فى الوصل كان عدما

يعنى أنك إذا وقفت على النون الخفيفة حذفتها ورددت ما كان حذف لأجلها فى الوصل وهو الواو من اخرجن والياء من اخرجن فتقول يا زيدون اخرجوا ويا هند اخرجى ، وفهم منه أيضا أن حذفها لعروض الوقف وأنها مرادة معنى وردف فى موضع الصفة لساكن وبعد متعلق باحذف وكذلك إذا وإذا حذفتها متعلق باردد وها عائدة على النون وما مفعول باردد وهى موصولة واقعة على الواو والياء المحذوفتين لأجل النون وصلتها عدما ومن أجلها وفى الوصل متعلقان بعدم والتقدير أردد فى الوقف إذا حذفت النون الشىء الذى عدم من أجلها فى الوصل. ثم قال :

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا كما تقول فى قفن قفا

الضمير فى وأبدلنها عائد على النون الخفيفة يعنى أنها إذا وقعت بعد فتحة ووقفت عليها أبدلتها ألفا فتقول فى اضربن فى الوقف اضربا وفى قفن قفا وكذلك إذا وقفت على قوله عزوجل : «لنسفعن» لنسفعا ووقفا مصدر فى موضع الحال من فاعل أبدلنها أى فى حال كونك واقفا ويحتمل أن يكون مفعولا له أى لأجل الوقف.

__________________

ـ والمعانى الكبير ص ٤٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٤ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٢٢١ ، وأوضح المسالك ٤ / ١١١ ، وجواهر الأدب ص ٥٧ ، ١٤٦ ، ورصف المبانى ص ٢٤٩ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٤ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٣ ، ٤٤ ، ولسان العرب ٦ / ١٨٤ (قنس) ، ٨ / ١٣٣ (ركع) ، ١٣ / ٤٣٨ (هون) ، واللمع ص ٢٧٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥٥ ، والمقرب ٢ / ١٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٤ ، ٢ / ٧٩.

والشاهد فيه قوله : «لا تهين الفقير» حيث حذف نون التوكيد الخفيفة ، (الأصل : لا تهنين الفقير) لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة دليلا عليها.

٢٦٦

ما لا ينصرف

الصّرف تنوين أتى مبيّنا

معنى به يكون الاسم أمكنا

يعنى أن الصرف هو التنوين الذى به يتبين أن الاسم الذى يتصل به يسمى أمكن وما صرح به من أن الصرف هو التنوين هو مذهب المحققين ، ويمنع الاسم من الصرف لوجود علتين فيه أو علة تقوم مقام علتين وقصده فى هذا الباب أن يبين الأسماء التى لا تنصرف وإنما ذكر الصرف وعرفه لأن بمعرفته يعرف الاسم الذى لا ينصرف فما وجد فيه التنوين المذكور فهو منصرف وما لم يوجد فيه فهو غير منصرف. ثم اعلم أن جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا خمسة فى النكرة وسبعة فى المعرفة وقد شرع فى القسم الأول وبدأ منه بألف التأنيث فقال :

فألف التّأنيث مطلقا منع

صرف الّذى حواه كيفما وقع

يعنى أن ألف التأنيث تمنع من الصرف مطلقا أى مقصورة كانت أو ممدودة كيفما كان الاسم الذى هى فيه من كونه نكرة أو معرفة مفردا أو جمعا نحو ذكرى وسلمى وحبلى وسكارى وخمراء وأسماء وزكرياء وإنما منعت ألف التأنيث وحدها لأنها قامت مقام علتين وهما التأنيث ولزوم التأنيث فألف التأنيث مبتدأ خبره منع ومطلقا حال من الضمير المستتر فى منع العائد على المبتدأ وحواه صلة الذى والضمير العائد من الصلة إلى الموصول الضمير المستتر فى حواه والهاء فى حواه عائدة على ألف التأنيث وكيفما وقع شرط حذف جوابه لدلالة ما تقدم عليه والتقدير كيفما وقع منع الصرف ثم أشار إلى النوع الثانى مما يمنع فى النكرة فقال :

وزائدا فعلان فى وصف سلم

من أن يرى بتاء تأنيث ختم

يعنى أن زائدى فعلان وهما الألف والنون الزائدتان يمنعان الصرف إذا كانتا فى وصف سلم من أن يختم بتاء التأنيث ، والمانع له من الصرف الألف والنون والصفة وفهم منه أن ذلك مخصوص بهذا الوزن الذى هو فعلان وفهم من قوله فى وصف أن هاتين الزيادتين لو كانتا فى غير الوصف لم يمنعا نحو سرحان وفهم منه أن الوصف المحتوى على هاتين

٢٦٧

الزيادتين إذا أنث بالهاء لم يمنع نحو ندمان فإنك تقول فى مؤنثه ندمانة فمثال ما توفرت فيه شروط المنع غضبان وسكران فإنك تقول فى مؤنثهما غضبى وسكرى ولا يجوز فيهما غضبانة وسكرانة. وزائدا معطوف على الضمير المستتر فى منع العائد على ألف التأنيث وجاز العطف عليه للفصل بالمفعول والتقدير منع الصرف ألف التأنيث وزائدا فعلان ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف لدلالة ما تقدم عليه أى وزائدا فعلان كذلك وفى وصف متعلق بزائدا وسلم إلى آخر البيت فى موضع الصفة لوصف وختم فى موضع المفعول الثانى ليرى وبتاء متعلق بختم ثم أشار إلى النوع الثالث فقال :

ووصف اصلى ووزن أفعلا

ممنوع تأنيث بتا كأشهلا

يعنى أن الوصف إذا كان على وزن أفعل وكان مؤنثه ممنوعا من التاء لا ينصرف وفهم منه أن أفعل إذا لم يكن وصفا انصرف كأفكل اسم للرعدة وفهم منه أن أفعل إذا كان الوصف به على خلاف الأصل لم يمتنع من الصرف كأربع من أسماء العدد وفهم أيضا أن الوصف إذا لم يكن على وزن أفعل لم يؤثر فى المنع كضارب وفهم منه أن أفعل الصفة إذا أنث بالتاء منصرف كقولهم أرمل للفقير فإن مؤنثه أرملة وشمل أفعل ما مؤنثه فعلاء كأحمر وحمراء وما مؤنثه فعلى كأكبر وكبرى وما لا مؤنث له كأكمر لعظيم الكمرة لأن قوله ممنوع تأنيث بتا شامل له وشمل أيضا ما اسميته عارضة كأدهم ووصف معطوف على زائدا ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر كما تقدم فى زائدى فعلان وأصلى نعت له وهو الذى سوغ الابتداء به إذا جعل مبتدأ ووزن معطوف على وصف وممنوع حال من أفعل وبتا متعلق بتأنيث ثم صرح بمفهوم قوله أصلى فقال :

(وألغينّ عارض الوصفيه* كأربع) يعنى أن وزن أفعل إذا كان اسما ووصف به فوصفيته غير معتد بها فى المنع لعروضها وذلك كأربع فإنه اسم من أسماء العدد لكن العرب وصفت به فقالوا مررت بنساء أربع فهو منصرف ولا أثر لوصفيته وكذلك رجل أرنب أى ذليل وأصله الأرنب وكما يلغى عارض الوصفية فكذلك يلغى أيضا عارض الاسمية وإليه أشار بقوله : (وعارض الاسميّه) وهو عكس أربع ومعناه أن أفعل يكون فى الأصل وصفا فيجرى مجرى الأسماء فتلغى اسميته ويمنع من الصرف على مقتضى الأصل وقد مثل ذلك بقوله :

فالأدهم القيد لكونه وضع

فى الأصل وصفا انصرافه منع

٢٦٨

من أسماء القيد أدهم وهو فى الأصل وصف لكنه استعمل استعمال الأسماء فألغيت فيه الاسمية وبقى غير منصرف على مقتضى الأصل فتقول مررت بأدهم أى بقيد ومثل أدهم فى ذلك أرقم لنوع من الحيات وأسود للحية أيضا. فالأدهم مبتدأ والقيد بدل منه بدل الشىء من الشىء وانصرافه منع خبر المبتدأ ولكونه متعلق بمنع وفى الأصل متعلق بوضع ثم إن من الأسماء التى على وزن أفعل ما جاء فيه الصرف ومنع الصرف وإلى ذلك أشار بقوله :

وأجدل وأخيل وأفعى

مصروفة وقد ينلن المنعا

أجدل اسم للصقر وأخيل اسم لطائر ذى خيلان وأفعى اسم لضرب من الحيات وليست هذه الأسماء صفات لا فى الأصل ولا فى الاستعمال فحقها الصرف ولذلك صرفها أكثر العرب وبعض العرب يمنعها من الصرف ووجهه أنه لاحظ فيها معنى الصفة وهو ظاهر فى أجدل لأنه من الجدل وهو القوة وأخيل لأنه من الخيول وهو الكثير الخيلان وفهم من قوله مصروفة وقد ينلن أن الصرف هو الكثير. ثم أشار إلى النوع الرابع مما لا ينصرف فى النكرة فقال :

ومنع عدل مع وصف معتبر

فى لفظ مثنى وثلاث وأخر

يعنى أن هذه الأسماء الثلاثة التى ذكرها فى هذا البيت يمتنع صرفها للعدل والوصف ، أما مثنى فهو وصف وهو معدول عن اثنين اثنين فإذا قلت جاء القوم مثنى فمعناه جاء القوم اثنين اثنين فعدل عن اثنين إلى مثنى. وأما ثلاث فهو أيضا وصف وهو معدول عن ثلاثة ثلاثة فإذا قلت مررت بقوم ثلاث فمعناه مررت بقوم ثلاثة ثلاثة. وأما أخر فهو أيضا وصف وهو معدول عن الألف واللام وذلك لأنه جمع أخرى أنثى الآخر وحق ما كان كذلك أن يستعمل بأل أو بالإضافة فعدل عما يستحق من ذلك وقيل غير ذلك والمشهور ما ذكرته. ثم قال :

ووزن مثنى وثلاث كهما

من واحد لأربع فليعلما

يعنى أن موازن مثنى وثلاث من ألفاظ العدد المعدول مثل هذين الوزنين فى امتناع الصرف للعدول والوصف فتقول مررت بقوم موحد وأحاد ومثنى وثناء ومثلث وثلاث ومربع ورباع ووزن مبتدأ والخبر فى قوله كهما أى مثلهما وأدخل كاف التشبيه على المضمر لضرورة

٢٦٩

الوزن ومن واحد وما بعده فى موضع الحال من الضمير المستتر فى الخبر. ثم أشار إلى النوع الخامس فقال :

وكن لجمع مشبه مفاعلا

أو المفاعيل بمنع كافلا

يعنى أن الجمع المشبه مفاعل أو المفاعيل فى كونه مفتوح الفاء وثالثه ألف بعدها حرفان كمفاعل أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كمفاعيل يمتنع صرفه لقيام الجمع فيه مقام علتين وهى الجمع وعدم النظير فى الواحد وشمل قوله مفاعيل ما أوله الميم كمساجد وما أوله غيرها كدراهم وشمل قوله المفاعيل ما أوله ميم كمصابيح وما ليس أوله ميما كدنانير. وكافلا خبر كن وبمنع متعلق بكافلا ومفاعل مفعول بمشبه. ثم إن من هذا الجمع ما يجىء معتل اللام وهو قسمان أحدهما ما قلبت فيه الكسرة التى بعد الألف فتحة فانقلبت الياء ألفا نحو عذارى ولا إشكال فى منع التنوين منه والآخر ما استثقلت فى بابه بالضمة فحذفت ولحقها التنوين وإلى ذلك أشار بقوله :

وذا اعتلال منه كالجوارى

رفعا وجرّا أجره كسارى

يعنى أن ما كان من الجمع المعتل اللام مثل جوار فى كونه على ما ذكر من حذف الحركة يجرى مجرى سار فى لحاق التنوين بآخره فى حالة الرفع والجر فتقول هذه جوار ومررت بجوار وسكت عن حالة النصب ففهم أنه على الأصل كالصحيح فتقول رأيت جوارى وفهم من قوله كالجوارى أن نحو عذارى ليس كذلك وإن كان معتلا وظاهر النظم أن التنوين فى جوار وبابه تنوين الصرف لتشبيهه له بسار وليس كذلك على المشهور بل التنوين فيه عوض عن الياء المحذوفة والتنوين فى سار للصرف ويخالفه أيضا أن المقدر فى ياء جوار الفتحة والمقدر فى ياء سار الكسرة. وذا اعتلال مفعول بفعل مضمر يفسره أجره وكسار متعلق بأجره ومنه متعلق باعتلال وكالجوارى فى موضع نصب على الحال من ذا اعتلال ثم قال :

ولسراويل بهذا الجمع

شبه اقتضى عموم المنع

يعنى أن سراويل ممنوع من الصرف لشبهه بالجمع الذى على وزن مفاعيل وفهم من قوله شبه أن سراويل ليس بجمع وهو الصحيح خلافا لمن قال إنه جمع سروال أو سروالة. ثم قال :

٢٧٠

وإن به سمّى أو بما لحق

به فالانصراف منعه يحقّ

يعنى أن ما سمى به من الجمع المذكور أو بما لحق به كسراويل امتنع من الصرف فتقول فى رجل سميته مساجد أو سراويل مررت بمساجد وسراويل والمانع له من الصرف الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها هذا معنى ما شرح به المرادى البيت وعندى أن قوله وإن به أى إن سمى بسراويل أو بما لحق به يعنى جميع ما تقدمه من الأنواع الخمسة الممنوعة الصرف لمساواتها للجمع فى منع الصرف فى التسمية ولا وجه لتخصيص الجمع وما ألحق بالجمع فى منع الصرف حال التسمية والضمير فى به الأول على الشرح الأول عائد على الجمع وكذلك به الثانى وما واقعة على سراويل والضمير العائد على الموصول الفاعل بلحق وهو عائد على سراويل وأما على التفسير الثانى فالضمير فى به الأول عائد على سراويل وفى به الثانى عائد على أنواع ما لا ينصرف فى النكرة وما واقع على تلك الأنواع والضمير العائد عليها الهاء فى به والتقدير وإن سمى بسراويل أو بالأنواع التى لحق بها سراويل أى تبعها فالانصراف منعه يحق فالانصراف مبتدأ ومنعه مبتدأ ثان ويحق خبر المبتدأ الثانى والجملة خبر المبتدأ الأول والأول مع ما بعده جواب الشرط. ولما فرغ من الأنواع الخمسة التى لا تنصرف فى النكرة ولا فى المعرفة شرع فى ذكر ما لا ينصرف فى المعرفة وهو سبعة أنواع أشار إلى الأول بقوله :

والعلم امنع صرفه مركّبا

تركيب مزج نحو معديكربا

يعنى أن الاسم إذا اجتمع فيه العلمية والتركيب امتنع عن الصرف ويطلق التركيب فى اصطلاح النحويين على تركيب الإسناد وهى الجمل نحو برق نحره وعلى تركيب الإضافة نحو عبد شمس وعلى تركيب المزج وهو المراد هنا والمزج فى اللغة الخلط فيختلط الاسم مع الاسم ويجعل الإعراب فى آخر الثانى ويبنى آخر الأول على الفتح نحو بعلبك ما لم يكن آخره ياء فيسكن نحو معد يكرب وخرج بقوله تركيب مزج تركيب الإسناد وتركيب الإضافة وخرج بذكر المثال ما ختم بويه من المركب تركيب مزج فإنه يبنى على الكسر فى اللغة الفصحى والعلم مفعول يفسره امنع ومركبا حال من العلم وتركيب مفعول مطلق والعامل فيه مركب. ثم أشار إلى الثانى بقوله :

٢٧١

كذاك حاوى زائدى فعلانا

كغطفان وكأصبهانا

يعنى أن العلمية أيضا تمنع الصرف مع زيادتى فعلان. ولما كان قوله فعلان يوهم إرادة هذا الوزن كما تقدم فى قوله وزائدا فعلان فى وصف أزال ذلك الإبهام بقوله : (كغطفان وكأصبهانا) فعلم أن الوزن غير مخصوص بفعلان لأن وزن أصبهان أفعلان ووزن غطفان فعلان وقد يكون على غير ذلك من الأوزان نحو سلمان وعمران وعثمان وخراسان وقوله حاوى مبتدأ وخبره فى المجرور قبله وهو على حذف الموصوف والتقدير كذا علم حاوى زائدى فعلانا. ثم انتقل إلى الثالث وهو التأنيث مع العلمية وهو ضربان لفظى ومعنوى وقد أشار إلى الأول منهما فقال : (كذا مؤنث بهاء مطلقا) يعنى أن العلم المؤنث بالهاء يمتنع صرفه مطلقا سواء كان ثنائيا كهبة أو زائدا كخولة وعائشة وسواء كان مدلول الاسم مؤنثا كفاطمة أو مذكرا كطلحة ثم إن المعنوى متحتم المنع وجائزه ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

وشرط منع العار كونه ارتقى

فوق الثّلاث أو كجور أو سقر

أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر

فذكر من المؤنث الذى لا علامة فيه وهو متحتم المنع أربعة أنواع : الأول الزائد على الثلاثة كزينب وسعاد فإن الحرف الرابع قام مقام التاء. الثانى الثلاثى الساكن الوسط إذا انضمت إليه العجمة كجور اسم بلد وهو أعجمى ، فقامت العجمة مقام الحركة. الثالث المتحرك الوسط كسقر لأن الحركة قامت مقام الحرف الزائد. الرابع أن يكون منقولا من المذكر إلى المؤنث كما إذا سميت امرأة بزيد فإنه نقل من الخفة إلى الثقل وشرط مبتدأ ومنع مضاف إليه وهو أيضا مضاف إلى العار وهو مصدر مضاف إلى المفعول والعار أصله العارى بالياء فحذفت الياء واستغنى عنها بالكسرة وكونه خبر المبتدأ وارتقى فى موضع الخبر لكون وفوق متعلق بارتقى والثلاث مضاف فى التقدير أى فوق الثلاث الأحرف وحذف منه التاء لأن الحرف يذكر ويؤنث ، وأو زيد مخفوض بالعطف على كجور أو سقر واسم امرأة حال من زيد ولا اسم معطوف عليه وهو تتميم لصحة الاستغناء عنه بقوله اسم امرأة. ثم أشار إلى الثانى من المؤنث الذى لا علامة فيه بقوله :

وجهان فى العادم تذكيرا سبق

وعجمة كهند والمنع أحقّ

٢٧٢

يعنى أن الثلاثى الذى عدم التذكير السابق وعدم العجمة يجوز فيه وجهان الصرف والمنع. والمنع أفصح وفهم ذلك من قوله والمنع أحق ، وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال :

١٧٨ ـ لم تتلفّع بفضل مئزرها

دعد ولم تسق دعد فى العلب

فصرف الأول ومنع الثانى. ووجهان مبتدأ وسوغ الابتداء به التفصيل وخبره فى العادم وتذكيرا مفعول بالعادم وسبق فى موضع الصفة لتذكيرا وعجمة معطوف على تذكيرا. ثم انتقل إلى الرابع فقال :

والعجمىّ الوضع والتّعريف مع

زيد على الثّلاث صرفه امتنع

يعنى إذا اجتمع فى الاسم العجمة الوضعية والعلمية وكان زائدا على ثلاثة أحرف امتنع من الصرف وفهم من قوله العجمى الوضع والتعريف أن الاسم إذا كان أعجميا وكان فى كلام العجم غير علم ونقل لكلام العرب علما انصرف أيضا نحو بندار ، والمراد بالعجمى ما ليس من كلام العرب فشمل كلام الفرس وغيرهم من سائر الأعاجم ، وفهم أيضا أنه إذا كان ثلاثيا انصرف وشمل الساكن الوسط كنوح ولوط والمتحرك الوسط نحو ملك. والذى توفرت فيه الشروط نحو إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والعجمى مبتدأ والوضع مضاف إليه والتعريف معطوف على الوضع ومع فى موضع الحال من العجمى وزيد مصدر زاد يقال زيد زيدا وزيادة وحذف التاء من الثلاث لأنه مضاف فى التقدير إلى الأحرف وفيها لغتان التذكير والتأنيث وصرفه امتنع مبتدأ وخبره فى موضع خبر المبتدأ الأول. ثم انتقل إلى الخامس فقال :

كذاك ذو وزن يخصّ الفعلا

أو غالب كأحمد ويعلى

يعنى أن العلم إذا كان على وزن الفعل الخاص به أو الغالب فيه امتنع من الصرف فالخاص به نحو ضرب المبنى للمفعول إذا سمى به وشمل الغالب ما وجوده فى الأفعال أكثر من وجوده فى الأسماء نحو افعل بكسر الهمزة وفتح العين فإنه يوجد فى الأسماء نحو إصبع

__________________

(١٧٨) البيت من المنسرح ، وهو لجرير فى ملحق ديوانه ص ١٠٢١ ، ولسان العرب ٣ / ١٦٦ (دعد) ، ٩ / ٣٢١ (لفع) ، ولعبيد الله بن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص ١٧٨ ، وبلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٢٨٢ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٣٩٥ ، والخصائص ٣ / ٦١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٢٧ ، وشرح قطر الندى ص ٣١٨ ، وشرح المفصل ١ / ٧٠ ، والكتاب ٣ / ٢٤١ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٥٠ ، والمنصف ٢ / ٧٧.

والشاهد فيه صرف «دعد» ومنعها من الصرف ، وكلا الأمرين جائز.

٢٧٣

لكن وجوده فى الأفعال أكثر وهو فعل أمر من فعل ونحو ذلك وما كثر فى الأسماء والأفعال معا نحو أفعل فإنه يوجد فى الأفعال كثيرا نحو أركب وأشرب وكذاك فى الأسماء نحو أفكل وأبدع لكن الهمزة فى الفعل تدل على معنى وليست كذلك فى الأسماء فكان غالبا من هذا الوجه وكذلك يعلى وهو على وزن يفعل وهو أيضا موجود فى الأفعال والأسماء نحو نذهب فى الأفعال وندمع فى الأسماء ومثل للغالب بأحمد ويعلى ولم يمثل للخاصّ ، وفهم منه أن وزن الفعل إذا لم يكن خاصا ولا غالبا لم يؤثر فى منع الصرف نحو لعسب اسم رجل فإنه منقول من لعسب إذا أسرع وذو وزن نعت لمحذوف تقديره علم ذو وزن ويخص الفعل فى موضع الصفة لوزن وغالب مخفوض بالعطف على يخص وهو من باب عطف الاسم على الفعل لكون أحدهما بمعنى الآخر والتقدير ذو وزن خاص بالفعل أو غالب يخص الفعل أو يغلب. ثم انتقل إلى السادس فقال :

وما يصير علما من ذى ألف

زيدت لإلحاق فليس ينصرف

يعنى أنه إذا سمى بما فيه ألف إلحاق امتنع من الصرف للعلمية وشبه ألف التأنيث نحو علقى وذفرى مسمى بهما لأن علقى ملحق بجعفر وذفرى ملحق بدرهم ، وفهم منه أن الإلحاق إذا كان بالهمزة وسمى به انصرف وذلك نحو علباء فإنه ملحق بقرطاس وإنما أثرت ألف الإلحاق المقصورة لأنها زائدة غير مبدلة من شىء بخلاف الممدودة فإن همزتها مبدلة من ياء. وما مبتدأ وهى موصولة وصلتها يصير وعلما خبر يصير وفى يصير ضمير هو اسمها وهو العائد على الموصول وزيدت لإلحاق فى موضع الصفة لألف وليس ينصرف فى موضع خبر المبتدأ. ثم انتقل إلى السابع وهو أربعة أنواع أشار إلى الأول والثانى منها بقوله :

والعلم امنع صرفه إن عدلا

كفعل التّوكيد أو كثعلا

فالأول هو قوله كفعل التوكيد يعنى أن فعل المؤكد به نحو جمع يمتنع صرفه للعلمية والعدل أما العلمية فعلم الجنس وقيل إنه معرف بنية الإضافة فأشبه العلم لكونه معرفة بغير أداة لفظية والظاهر من النظم الأول. وأما العدل فهو معدول عن جمعيته الأصلية فإن حق جمعاء أن يجمع على جمعاوات. والثانى هو قوله كثعلا اسم رجل ومثله عمر وزفر فالمانع له العلمية والعدل أما العلمية فعلمية الأشخاص وأما العدل فهو معدول عن فاعل فعمر معدول عن عامر وزفر عن زافر وثعل عن ثاعل وإنما حكم على عمر ونحوه أنه معدول عن

٢٧٤

عامر لأن الأكثر فى الأعلام أن تكون منقولة فعمر منقول عن عامر اسم فاعل من عمر يعمر فلما أرادوا التسمية بعامر عدلوا عنه لعمر اختصارا وجرّ التوكيد فى قوله كفعل التوكيد لإضافته إليه وثعل معطوف على فعل التوكيد. ثم أشار إلى الثالث فقال :

والعدل والتّعريف مانعا سحر

إذا به التّعيين قصدا يعتبر

يعنى أن سحر إذا أريد به سحر يوم بعينه منع من الصرف للعدل والتعريف أما العدل فهو معدول عن الألف واللام وأما التعريف فالمراد به تعريف العلمية وهو علم على هذا الوقت نفسه فكل ما جاء فى هذا الباب من لفظ التعريف فالمراد به تعريف العلمية فسحر ظرف زمان غير متصرف ولا منصرف والعدل مبتدأ والتعريف معطوف عليه ومانعا خبر مضاف إلى سحر وهو على حذف مضاف أى مانعا صرف سحر وإذا متعلقا بمانع والتعيين مفعول لم يسم فاعله بفعل مضمر يفسره يعتبر وقصدا بمعنى مقصود وهو منصوب على الحال من فاعل يعتبر المستتر ثم أشار إلى الرابع بقوله :

وابن على الكسر فعال علما

مؤنّثا وهو نظير جشما* عند تميم

فذكر فى فعال إذا كان علما لمؤنث لغتين إحداهما البناء على الكسر لشبهها بنزال فى الوزن والعدل والتأنيث والعلمية وهو قوله وابن على الكسر فعال علما مؤنثا. والأخرى إعرابه إعراب ما لا ينصرف للعلمية والعدل أما العلمية فعلمية الأشخاص كحذام وقد يكون فى علمية الأجناس كفجار والعدل عن فاعلة فحذام معدول عن حازمة وهو قوله وهو نظير جشما عند تميم ، يعنى أنه عند تميم غير منصرف كجشم اسم رجل وهو ممنوع من الصرف وفهم من تنظيره ذلك بجشم أن المانع له من الصرف العدل والعلمية ، وفهم من نسبة هذه اللغة إلى تميم أن اللغة السابقة وهى البناء على الكسر لغة أهل الحجاز وفعال مفعول بابن وعلى الكسر متعلق بابن وعلما ومؤنثا حالان من فعال وعند تميم متعلق بنظير.

ولما فرغ من ذكر أنواع الأسماء التى لا تنصرف شرع فى ذكر أحكام تتعلق بالباب فقال :

واصرفن ما نكّرا

من كلّ ما التعريف فيه أثّرا

يعنى أن ما كان إحدى علتيه فى منع الصرف التعريف أى العلمية إذا نكر انصرف وذلك لزوال إحدى العلتين فتبقى العلة الأخرى ولا يؤثر فى منع الصرف إلا علتان والمراد بذلك

٢٧٥

الأنواع السبعة المذكورة فتقول معد يكرب وعثمان وفاطمة وزينب وعمر لقيتهم وفهم منه أن الأنواع الخمسة المذكورة فى أول الباب غير داخلة فى هذا الحكم ولو سمى بها ونكرت لقصر الحكم على السبعة فإنه إذا سمى بواحد من الخمسة المذكورة ثم نكر لم ينصرف بعد التنكير فهى غير داخلة فى الحكم ولا يريد من كل ما التعريف فيه أثرا كائنا ما كان وكل مضاف لما وهى موصولة والتعريف مبتدأ وخبره أثرا وفيه متعلق بأثرا والجملة صلة ما والضمير فى فيه عائد على الموصول. ثم قال :

وما يكون منه منقوصا ففى

إعرابه نهج جوار يقتفى

يعنى أن ما كان منقوصا من الأسماء التى لا تنصرف سواء كان من هذه الأنواع السبعة التى إحدى علتيها العلمية أو من الأنواع الخمسة التى تقدمتها فإنه يجرى مجرى جوار وقد تقدم أن جوار يلحقه التنوين رفعا وجرا ولا وجه لما حمل عليه المرادى كلام الناظم من أنه أشار فى البيت إلى الأنواع السبعة دون الخمسة لأن حكم المنقوص فيها واحد فمثاله فى غير التعريف أعيم فى تصغير أعمى فإنه غير منصرف للوصف ووزن الفعل ويلحقه التنوين رفعا وجرا فتقول هذا أعيم ومررت بأعيم والتنوين فيه عوض عن الياء المحذوفة كما فى نحو جوار ومثاله فى التعريف يعيل تصغير يعلى فهو غير منصرف للوزن والعلمية والتنوين فيه أيضا فى الرفع والجر عوض من المحذوف وما مبتدأ وهو موصول ومنقوصا خبر يكون ومنه متعلق بيكون والضمير فيه عائد على الاسم الذى لا ينصرف وفى إعرابه متعلق بيقتفى ونهج مفعول بيقتفى والنهج الطريق والجملة من يقتفى ومعمولاته خبر ما. ثم قال :

(ولاضطرار أو تناسب صرف* ذو المنع)

يعنى أن الاسم الذى لا ينصرف ينصرف فى موضعين أحدهما فى الضرورة كقوله :

١٧٩ ـ عصائب طير تهتدى بعصائب

__________________

(١٧٩) صدره

إذا ما غزا فى الجيش حلّق فوقهم

والبيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ٤٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٩ ، والشعر والشعراء ص ١٧٥ ، ولسان العرب ١ / ٦٠٥ (عصب) ، ١٠ / ٦٣ (حلق) ، وبلا نسبة فى شرح التصريح ٢ / ٢٢٧ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨.

والشاهد فيه قوله : «بعصائب» حيث جرّ «عصائب» بالكسرة وهو ممنوع من الصرف للضرورة الشعرية.

٢٧٦

وهو فى الشعر كثير. الثانى التناسب كقوله عزوجل (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) [الإنسان : ٤] فصرف سلاسل لتناسب ما بعده وصرف ما لا ينصرف فى الموضعين المذكورين متفق على جوازه وفهم ذلك من إطلاقه ، وأما منع المنصرف من الصرف فقد أشار إليه بقوله : (والمصروف قد لا ينصرف) يعنى أن الاسم المنصرف قد يمنع من الصرف وهو مذهب الكوفيين وأما البصريون فلا يجيزون ذلك البتة وفهم الخلاف من قوله قد لا ينصرف فأتى معه بقد التى تقتضى التقليل ، ومن أدلة الكوفيين على منع صرفه قوله :

١٨٠ ـ فما كان قيس ولا حابس

يفوقان مرداس فى مجمع

إعراب الفعل

قوله :

ارفع مضارعا إذا يجرّد

من ناصب وجازم كيسعد

إنما أطلق فى إعراب الفعل المضارع وهو مقيد بأن لا تباشره نون الإناث ولا نون التوكيد لنصه على ذلك فى باب المعرب والمبنى فاكتفى بذلك وإعرابه رفع ونصب وجزم فبدأ بالرفع لأنه السابق إلا أنه لم ينص على رافعه وفيه خلاف ، ومذهب البصريين أن رافعه وقوعه موقع الاسم ، ومذهب الكوفيين أن رافعه تجرده من الناصب والجازم وهو اختيار المصنف وفى قوله إذا يجرد من ناصب وجازم إشعار ما بمذهبه ويجوز ضبط يسعد بضم الياء مبنيا للمفعول من أسعد يسعد وبفتحها مبنيا للفاعل من سعد يسعد ومضارعا مفعول بارفع وهو نعت لمحذوف والتقدير ارفع فعلا مضارعا ، ثم شرع فى النواصب للفعل المضارع فقال : (وبلن انصبه وكى كذا بأن) فذكر منها فى البيت ثلاثة لن وهى حرف نفى

__________________

(١٨٠) البيت من المتقارب ، وهو لعباس بن مرداس فى ديوانه ص ٨٤ ، والأغانى ١٤ / ٢٩١ ، والإنصاف ٢ / ٤٩٩ ، وخزانة الأدب ١ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، ٢٥٣ ، والدرر ١ / ١٠٤ ، وسمط اللآلى ص ٣٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح المفصل ١ / ٦٨ ، والشعر والشعراء ١ / ١٠٧ ، ٣٠٦ ، ٢ / ٧٥٢ ، ولسان العرب ٦ / ٩٧ (ردس) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٦٥ ، وبلا نسبة فى صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٦ ، ٥٤٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٤٣ ، ولسان العرب ١٠ / ٣١٦ (فوق).

والشاهد فيه قوله : «مرداس» حيث منعه من الصرف ، وهو مصروف وذلك للضرورة الشعرية.

٢٧٧

تنصب المضارع وتخلصه للاستقبال نحو زيد لن يذهب وكى وهى حرف مصدرى نحو جئتك لكى تكرمنى أى لأن تكرمنى وأن وهى أيضا حرف مصدرى وهى أصل النواصب لأنها تعمل ظاهرة ومضمرة وإنما قدم عليها لن وكى وكان حقه أن يقدمها عليهما لأصالتها للتفصيل الذى فيها ولذلك قال : (لا بعد علم) يعنى أن أن الناصبة هى التى تقع بعد غير العلم نحو أعجبنى أن تقوم وأحببت أن تذهب ودخل فى العلم الظن فلذلك استدرك الكلام فيه فقال:

والتى من بعد ظنّ

فانصب بها والرّفع صحّح

يعنى أن أن إذا وقعت بعد الظن جاز أن تكون ناصبة فتنصب ما بعدها وجاز أن تكون مخففة من الثقيلة فترفع ما بعدها وقد قرئ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ) [المائدة : ٧١] بالنصب والرفع أما النصب فعلى أنها ناصبة وأما الرفع فقد نبه عليه بقوله : (واعتقد* تخفيفها من أنّ فهو مطّرد) يعنى أنّ أن الواقعة بعد الظن إذا ارتفع المضارع بعدها مخففة من الثقيلة ولا فى قوله بعد علم عاطفة والمعطوف عليه محذوف والتقدير بأن بعد غير العلم والتى مبتدأ أو منصوب بفعل مضمر يفسره فانصب لها والرفع مفعول بصحح ومن أن متعلق بتخفيف وهو عائد على الرفع ويحتمل أن يكون عائدا على الحكم وهو جواز الرفع والنصب إذ كل واحد منهما أعنى من النصب والرفع مطرد. والحاصل أنّ أن تكون ناصبة وهى التى تقع بعد غير العلم والظن ومخففة من الثقيلة وهى التى تقع بعد العلم وجائزا فيها الأمران وهى التى تقع بعد الظن ، ثم إن الواقعة بعد غير العلم والظن وهى الناصبة قد تهمل وإلى ذلك أشار بقوله :

وبعضهم أهمل أن حملا على

ما أختها حيث استحقّت عملا

يعنى أن من العرب من يجيز إهمال أن غير المخففة حملا على ما المصدرية فيرتفع الفعل المضارع بعدها كقراءة بعضهم (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] بالرفع وقول الشاعر :

١٨١ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما

منى السّلام وأن لا تشعرا أحدا

__________________

(١٨١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٥٦٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٥٦ ، والجنى الدانى ص ٢٢٠ ، وجواهر الأدب ص ١٩٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ، والخصائص ١ / ٣٩٠ ، ورصف المبانى ص ١١٣ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٤٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٥٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٠٠ ، وشرح المفصل ٧ / ١٥ ، ٨ / ١٤٣ ، ٩ / ١٩ ، ولسان العرب ١٣ / ١٣٣ (أنن) ، ومجالس ثعلب ٢٩٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٠ ، والمنصف ١ / ٢٧٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٠.

والشاهد فيه قوله : «أن تقرآن» حيث لم يعمل «أن» تشبيها لها ب «ما» المصدرية.

٢٧٨

فرفع ما بعد الأولى ونصب ما بعد الثانية وكلاهما غير مخففة وإنما حملت فى ذلك على ما المصدرية لاشتراكهما فى المعنى وما المصدرية لا عمل لها كقوله عزوجل : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [الكافرون : ٢] أى لا أعبد عبادتكم وبعضهم مبتدأ أى بعض العرب وأن مفعول بأهمل وحملا مصدر منصوب على الحال من الفاعل المستتر فى أهمل وأختها بدل من ما وحيث متعلق بأهمل. ثم انتقل إلى الناصب الرابع وهو إذن وهى ثلاثة أنواع : واجبة الإعمال وجائزته وواجبة الإهمال ؛ وقد أشار إلى الأول بقوله :

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت والفعل بعد موصلا

فذكر لإعمالها ثلاثة شروط : الأول أن يكون المضارع بعدها بمعنى الاستقبال وهو مستفاد من قوله المستقبلا وفهم منه أنه إذا كان حالا ارتفع نحو أن يقول القائل أحبك فتقول له إذن أصدقك. الثانى أن تكون إذن مصدرة أى فى أول الكلام وذلك أن يقول قائل آتيك غدا فتقول له إذن أكرمك وهو مستفاد من قوله إن صدّرت ، وفهم منه أنه إذا لم تكن مصدرة لا تعمل وذلك إذا توسطت بين شيئين كقولك زيد إذن يكرمك. الثالث أن لا يفصل بينها وبين الفاعل فاصل كقولك إذن أكرمك وهو مستفاد من قوله موصلا ، وفهم منه أنه إذا فصل بينهما فاصل لم تعمل نحو إذن أنا أكرمك ثم إن الفصل بينها وبين الفعل بالقسم مغتفر وقد نبه على ذلك بقوله : (أو قبله اليمين) فتقول إذن والله أكرمك لأن القسم لا يعتد به فاصلا لكثرة الفصل به بين الشيئين المتلازمين كالمضاف والمضاف إليه. ثم أشار إلى جواز عمله بقوله :

وانصب وارفعا

إذا إذن من بعد عطف وقعا

يعنى أن إذن إذا وقع بعد عاطف جاز فى الفعل بعدها النصب والرفع نحو وإذن أكرمك ، وقد قرئ (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٦] ثم اعلم أنّ أن هى أصل النواصب كما تقدم فلا إشكال فى النصب بها نحو أعجبنى أن تقوم وقد تقترن بغيرها من حرف جر أو حرف عطف وهى فى ذلك على ثلاثة أقسام : وجوب إظهار وجوازه ووجوب إضمار وقد أشار إلى الأول بقوله :

وبين لا ولام جرّ التزم

إظهار أن ناصبة

يعنى أنّ أن إذا توسطت بين لام الجر وتسمى لام كى لأنها مثل كى فى إفادة التعليل

٢٧٩

وبين لا وجب إظهارها وشمل لا النافية نحو زرتك لئلا تمقتنى والزائدة كقوله عزوجل : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] وإنما وجب إظهارها فى ذلك كراهة اجتماع لامين وبين متعلق بالتزم وناصبة حال من أن والظاهر أنها مؤكدة لأنه قد علم أن كلامه فى الناصبة.

ثم أشار إلى الثانى بقوله :

(وإن عدم* لا فأن اعمل مظهرا أو مضمرا) يعنى أنه إذا عدم لا التى بعد أن جاز إضمار أن وإظهارها وقد جاء فى القرآن بالوجهين فمثال إضمارها قوله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام : ٧١] ومثال إظهارها قوله عزوجل : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١٢] وتضمر أيضا جوازا بعد عاطف على اسم خالص وسيأتى ولا مفعول لم يسم فاعله بعدم وأن مفعول مقدم باعمل ومضمرا أو مظهرا حالان من الضمير المستتر فى اعمل.

وأما إضمارها وجوبا ففى خمسة مواضع : أشار إلى الأول منها بقوله : (وبعد نفى كان حتما أضمرا) يعنى أنه يجب إضمار أن بعد اللام الواقعة بعد كان المنفية وهى المسماة عند النحويين لام الجحود ، وفهم منه أن الإضمار المذكور بعد اللام لعطفه الكلام على الذى قبله وقد صرح فيما قبل باللام فكأنه قال وبعد اللام الواقعة بعد نفى كان ، وفهم من قوله نفى كان أن النافى لا يكون إلا لم أو ما ولا يكون لن ولا لا ولا أن لأنهن لا ينفين إلا المستقبل أو الحال وشمل كان التى بلفظ الماضى كقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] ويكن المنفى بلم كقوله عزوجل : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ) [النساء : ١٣٧] لأنها ماضية فى الوجهين وبعد متعلق بأضمرا وفى أضمر ضمير يعود على أن المذكورة قبل وحتما حال من الضمير فى أضمرا أو نعت لمصدر محذوف أى إضمارا حتما.

ثم أشار إلى الثانى فقال :

كذاك بعد أو إذا يصلح فى

موضعها حتى أو الّا أن خفى

يعنى أنه يجب إضمار أن بعد أو التى بمعنى حتى أو إلا ، وشمل قوله حتى التى بمعنى إلى والتى بمعنى كى وفى الثانية خلاف مثاله بمعنى حتى التى بمعنى كى لأدعون الله أن يغفر لى ومثاله بعد التى بمعنى إلى لأنتظرنه أو يجىء ومثاله بمعنى إلا لأقتلن الكافر أو يسلم ومثال ما يحتمل المعانى الثلاثة لألزمنك أو تقضينى حقى وأن مبتدأ وخبره خفى وكذا وبعد وإذا متعلقات بخفى وحتى فاعل بيصلح وأو إلا معطوف على حتى وفى متعلق بيصلح والتقدير أن خفى كخفائه بعد كان المنفية أى وجوبا إذا يصلح فى موضعها إلا أو حتى التى بمعنى إلى أو كى. ثم أشار إلى الثالث فقال :

٢٨٠