شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

أن اسم الزمان يقبل الظرفية مبهما وغير مبهم وليس فى مقابلة المبهم إلا المختص وكل مبتدأ وقابل خبره وذاك إشارة إلى النصب على الظرفية. ثم قال :

وما

يقبله المكان إلّا مبهما

يعنى أن أسماء المكان لا يقبل الظرفية منها إلا المبهم وفهم منه أن المختص لا يقبلها.

والمختص من أسماء المكان ما له صورة وحدود محصورة نحو الدار والمسجد والجبل والمبهم ما ليس كذلك. ثم شرع فى بيان المبهم منها فقال :

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى

فذكر للمبهم ثلاثة أنواع : الأول الجهات ويعنى به الجهات الست نحو أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال. الثانى المقادير نحو فرسخ وميل وبريد. الثالث ما صيغ من الفعل كمرمى ومذهب وظاهر قوله كمرمى من رمى أن مرمى صيغ من لفظ رمى وليس كذلك ولا يبعد أن يحمل الفعل هنا على الفعل اللغوى وهو المصدر فيكون قوله من رمى على حذف مضاف أى من مصدر رمى فتقول جلس أمامك وخلفك وسرت ميلا وفرسخا. وأما ما صيغ من الفعل فلا ينصبه إلا ما اجتمع معه فى الأصل ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما فى أصله معه اجتمع

يعنى أن شرط القياس فى نصب هذا النوع وهو المشتق أن ينصبه عامل اجتمع معه فى الأصل المشتق منه نحو رميت مرمى وذهبت مذهبا وجلست مجلسا وشمل قوله لما فى أصله الفعل وغيره مما اشتق من المصدر نحو أنا رام مرمى وأعجبنى جلوسك مجلسا وفهم من قوله وشرط كون ذا مقيسا أن العامل فيه قد يكون غير مجتمع معه فى الأصل المشتق منه وأن ما نصبه عامل من غير ما ذكر غير مقيس وذلك كقولهم زيد منى مزجر الكلب ومقعد القابلة ومناط الثريا فالعامل فى هذا الاستقرار وليس مما اجتمع معه فى أصله ولو عمل فى مزجر زجر وفى مقعد قعد وفى مناط ناط لكان مقيسا. وشرط مبتدأ وذا إشارة إلى المصدر المشتق ومقيسا خبر كون وأن وما بعدها خبر المبتدأ وظرفا منصوب على الحال من فاعل يقع ولما متعلق بظرفا أو فى موضع الصفة لظرفا وما موصولة واقعة على العامل واجتمع صلة ما وفى ومع متعلقان باجتمع. ثم قال :

١٢١

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرّف فى العرف

وغير ذى التّصرّف الّذى لزم

ظرفيّة أو شبهها من الكلم

يعنى أن ما يستعمل من أسماء الزمان والمكان ظرفا تارة وغير ظرف أخرى فإنه يسمى فى عرف النحويين واصطلاحهم متصرفا نحو يوم ومكان فيستعمل ظرفا نحو خرجت يوم الجمعة وجلست مكانك وغير ظرف نحو أعجبنى يوم الجمعة ونظرت إلى مكانك وأن ما يلزم الظرفية ولا يخرج عنها البتة نحو سحر من يوم بعينه وقط وعوض أو لا يخرج عنها إلا إلى شبهها والمراد بشبهها الجر بمن نحو عند فإنه لا يستعمل إلا ظرفا نحو جلست عندك أو مجرورا بمن نحو خرجت من عندك فإنه يسمى فى الاصطلاح غير متصرف. وما موصولة ويرى صلتها والظاهر أنها قلبية والمفعول الأول مستتر فى يرى وظرفا مفعول ثان ، ويجوز أن تكون ما شرطية والفاء جواب الشرط وغير مبتدأ وخبره الذى وظرفية مفعول بلزم وأو شبهها معطوف على محذوف تقديره أو لزم ظرفية أو شبهها وهو عند فإنه يلزم أحد هذين ولا يجوز أن يكون معطوفا على ظرفية المنطوق به لما يلزم من كونه يلزم شبه الظرفية فقط وليس كذلك بل هو لازم للظرفية أو لشبهها وأو على هذا للتقسيم ومن الكلم متعلق بشبهها ويكون الكلم على هذا واقعا على من ويجوز أن يكون متعلقا بلزم ويكون الكلم واقعا على الظرف التى تستعمل ظرفا أو شبهها. ثم قال :

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك فى ظرف الزّمان يكثر

يعنى أن المصدر ينوب عن ظرف المكان وظرف الزمان إلا أن نيابته عن ظرف المكان قليلة وفهم ذلك من قوله وقد ينوب ونيابته عن ظرف الزمان كثيرة وصرح بذلك فى قوله يكثر ونيابته عنهما هو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فمن نيابته عن ظرف المكان قولهم جلست قرب زيد أى مكان قريب زيد ومن نيابته عن ظرف الزمان قولهم آتيك طلوع الشمس أى وقت طلوع الشمس والإشارة بقوله ذاك إلى نيابة المصدر عن الظرف.

١٢٢

المفعول معه

المفعول معه : هو الاسم المنتصب المذكور بعد الواو التى بمعنى مع أى الدالة على المصاحبة من غير تشريك فى الحكم ومعه متعلق بالمفعول والهاء عائدة على أل لأنها موصولة وقد استغنى الناظم عن الحد بالمثال فقال :

ينصب تالى الواو مفعولا معه

فى نحو سيرى والطّريق مسرعه

يعنى أن حكم المفعول معه النصب وهو الاسم التالى لواو المصاحبة نحو سيرى والطريق أى مع الطريق. وتالى الواو مفعول لم يسم فاعله بينصب ومفعولا حال منها ومسرعة حال من الياء فى سيرى. ثم قال :

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النّصب لا بالواو فى القول الأحقّ

لما ذكر فى البيت الذى قبله أن المفعول معه ينصب بين فى هذا البيت الناصب له وفهم من قوله بما من الفعل وشبهه أنه لا يعمل فيه العامل المعنوى كاسم الإشارة وهو مذهب سيبويه والجمهور والمراد بشبه الفعل اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر فمثال الفعل استوى الماء والخشبة ومثال شبهه أعجبنى استواء الماء والخشبة وفهم من قوله سبق أن المفعول معه لا يتقدم على عامله وقوله لا بالواو إشارة إلى مذهب عبد القاهر الجرجانى أن الناصب للمفعول معه الواو وردّ بأنها لو كانت الناصبة لا تصل الضمير بها فى نحو قول الشاعر :

٧٥ ـ تكون وإياها بها مثلا بعدى

وذا مبتدأ والنصب نعت له وخبره بما وما موصولة وصلتها سبق ومن الفعل متعلق بسبق ولا عاطفة وما بعدها معطوف على بما والأحق أفعل تفضيل والتقدير هذا النصب بالسابق من فعل أو شبهه لا بالواو فى القول المختار. ثم قال :

__________________

(٧٥) صدره :

فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة

والبيت من الطويل ، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى الأغانى ٦ / ٢٥٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٥ ، ٥١٩ ، والدرر ١ / ٢٠١ ، ٣ / ١٥٤ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٢١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٨٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٩٥ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٤٤ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٣ ، ٢٢٠.

والشاهد فيه قوله : «وإيّاها» حيث نصبه على المفعول معه.

١٢٣

وبعد ما استفهام أو كيف نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب

يعنى أنه يجوز نصب ما بعد الواو إذا تقدمها كيف أو ما الاستفهامية على تقدير تكون نحو كيف أنت وقصعة من ثريد وما أنت وزيدا التقدير كيف تكون وقصعة وما تكون وزيدا وكان المقدرة ناقصة وكيف وما خبر مقدم وفهم من قوله بعض العرب أن بعضهم لا ينصب بعد هذه الواو بل يرفع عطفا على ما قبلها وهو أفصح اللغتين لعدم الحذف وبعض العرب فاعل بنصب وبعد متعلق بنصب وكذلك بفعل ومضمر نعت لفعل لا لكون لأن المضمر هو الفعل.

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق

والنّصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل تصب

ثم إن الاسم الصالح لكونه مفعولا معه على ثلاثة أقسام : قسم يترجح عطفه على النصب على المعية ، وقسم يترجح نصبه على المعية على العطف ، وقسم يمتنع فيه العطف ، وقد أشار إلى القسم الأول بقوله : (والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق) يعنى إذا أمكن العطف بلا ضعف كان راجحا على النصب على المعية نحو قام زيد وعمرو ويجوز النصب وإنما رجح العطف لأنه لا ضعف فيه والعطف مبتدأ وخبره أحق وإن يمكن شرط والجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه لأن الخبر متقدم فى التقدير. ثم أشار إلى القسم الثانى بقوله : (والنصب مختار لدى ضعف النسق) يعنى أن النصب على المعية أرجح من العطف عند ضعف عطف النسق نحو قمت وزيدا لأن العطف على ضمير الرفع المتصل بغير توكيد ولا فصل ضعيف فلو قلت قمت أنا وزيد كان العطف أحق لعدم الضعف. والنصب مختار مبتدأ وخبر ولدى متعلق بمختار وضعف مضاف لمحذوف تقديره لدى ضعف عطف النسق ، ثم أشار إلى القسم الثالث بقوله : (والنصب إن لم يجز العطف يجب) يعنى أن نصب ما بعد الواو حيث لا يجوز العطف واجب وشمل صورتين إحداهما لا يجوز فيها العطف لمانع لفظى نحو ما لك وزيدا لأن العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور وفى جعل هذا المثال مما يمتنع فيه العطف كما مثل به الشارح نظر لأن مذهب الناظم جواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار وسيأتى فى باب العطف إن شاء الله تعالى. والأخرى لا يجوز فيها العطف لمانع معنوى نحو جلست والحائط وسيرى والطريق لأنه لا يصلح للمشاركة. ثم إن ما لا يجوز فيه العطف على قسمين قسم يتعين أن يكون مفعولا معه كما تقدم وقسم يمتنع أن يكون مفعولا معه فيجب اعتقاد عامل مضمر وإلى ذلك أشار بقوله :

١٢٤

(أو اعتقد إضمار عامل تصب) يعنى إذا لم يصح عطفه ولا نصبه على المعية فيعتقد أن ناصبه مضمر وذلك كقول الشاعر :

٧٦ ـ علفتها تبنا وماء باردا

حتّى شتت همّالة عيناها

فهذا ونحوه لا يجوز فيه العطف ولا النصب على المعية فيكون ماء مفعولا بفعل مضمر تقديره وسقيتها ويحتمل أن يكون قوله أو اعتقد إضمار عامل تصب فيما يمتنع عطفه وينتصب على المعية كقوله عزوجل (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] فيمتنع العطف فى «شركاءكم» لأن أجمع بمعنى عزم لا ينصب إلا الأمر ونحوه ويجوز نصبه على المعية أى من شركائكم أو يكون مفعولا بفعل مضمر تقديره وأجمعوا شركاءكم من جمع. والنصب مبتدأ ويجب خبره وأو اعتقد معطوف على يجب وأو للتخيير وجاز عطف اعتقد وهو طلب على يجب وهو خبر لأن يجب فى معنى أوجب وتصب مجزوم على جواب الأمر.

الاستثناء

الاستثناء : الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها ، وأدوات الاستثناء أربعة أقسام : حرف واسم وفعل ومشترك بين الفعل والحرف فالحرف إلا وهى الأصل فى أدوات الاستثناء لأن غيرها يقدر بها ولذا بدأ بها فقال :

ما استثنت الّا مع تمام ينتصب

يعنى أن المستثنى بإلا ينتصب إذا كان الكلام تاما واحترز بالمستثنى بإلا من المستثنى بغيرها من أدوات الاستثناء واحترز بالتام من المفرّغ. والتام هو ما ذكر فيه المستثنى منه وشمل الموجب نحو قولك قام القوم إلا زيدا والمنفى نحو ما قام أحد إلا زيدا إلا أن الأول واجب النصب والثانى فيه تفصيل وإليه أشار بقوله :

وبعد نفى أو كنفى انتخب

إتباع ما اتّصل وانصب ما انقطع

__________________

(٧٦) انظر التخريج رقم ١٥٣.

والشاهد فيه قوله : «وماء» حيث لا يصح أن يكون مفعولا به لأنه لا يصح أن يشترك مع لفظة «التبن» بعامل واحد وهو قوله «علفتها» لأن الماء لا يعلف ، وإنما يسقى ، فلا بد من تقدير عامل ، والتقدير : «سقيتها». وقيل : «الماء» مفعول معه. وقيل إنه معطوف على «تبنا» لأن الشاعر ضمّن الفعل «علفتها» معنى الفعل «أنلتها» أو «قدمت لها».

١٢٥

يعنى أن المستثنى بعد النفى أو ما أشبهه وهو الاستفهام والنهى إذا كان متصلا اختير إتباعه على نصبه على الاستثناء فنحو ما قام أحد إلا زيد بالرفع وما مررت بأحد إلا زيد بالجر أحسن من ما قام أحد إلا زيدا وما مررت بأحد إلا زيدا بالنصب فيهما. والمتصل ما كان المستثنى بعض الأول. وإذا كان منقطعا فلغة أهل الحجاز وجوب النصب على الاستثناء وهذه اللغة مفهومة من قوله وانصب ما انقطع. والمنقطع ما كان المستثنى فيه من غير جنس المستثنى منه نحو ما فى الدار أحد إلا وتدا وأما بنو تميم فيجوز فيه عندهم النصب وهو الراجح والإتباع وإلى ذلك أشار بقوله :

وعن تميم فيه إبدال وقع

يعنى أن بنى تميم يجيزون فى المنقطع الإبدال فيقولون ما فيها أحد إلا وتد. ومنه قوله :

٧٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

وما فى قوله : ما استثنت إلا مبتدأ موصول وصلته استثنت والضمير العائد إلى الموصول محذوف تقديره استثنته ومع متعلق باستثنت وينتصب خبر ما وهو على هذا الوجه مرفوع وقف عليه بالسكون ويجوز أن تكون ما شرطية منصوبة باستثنت وينتصب جواب الشرط ويصح تقديره مجزوما ومرفوعا ووقف عليه بالسكون وانتخب فعل أمر وإتباع مفعول بانتخب وبعد نفى متعلق بانتخب ويجوز ضم التاء من انتخب فيكون مبنيا للمفعول فيرتفع به إتباع على أنه نائب عن الفاعل والأول أجود لمناسبته لقوله بعد (وانصب ما انقطع) وما موصولة وصلتها انقطع وإبدال مبتدأ ووقع صفته وفيه متعلق بوقع وعن تميم خبره ويحتمل أن يكون فيه متعلقا بالاستقرار الذى فى الخبر وفى تنكير إبدال إشعار بقلة إتباعه عند تميم. ثم قال :

__________________

(٧٧) الرجز لجران العود فى ديوانه ص ٩٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٥ ، ١٨ ، والدرر ٣ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٤٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٧ ، ٣ / ٢٧ ، ٧ / ٢١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٩١ ، والإنصاف ١ / ٢٧١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٦١ ، والجنى الدانى ص ١٦٤ ، وجواهر الأدب ص ١٦٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ٧ / ٣٦٣ ، ٩ / ٢٥٨ ، ٣١٤ ، ورصف المبانى ص ٤١٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٢٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٤٤ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٣٦ ، والكتاب ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ٣٢٢ ، ولسان العرب ٦ / ١٩٨ (كنس) ، ١٥ / ٤٣٣ (ألا) ، ومجالس ثعلب ص ٤٥٢ ، والمقتضب ٢ / ٣١٩ ، ٣٤٧ ، ٤١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٥.

والشاهد فيه قوله : «إلا اليعافير» فإن ظاهره أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه ، فكان ينبغى انتصابه على المشهور من لغات العرب وهى لغة أهل الحجاز ، وقد وجّه سيبويه رفعه بوجهين : الأول أنه جعل كالاستثناء المفرّغ ، وجعل ذكر المستثنى منه مساويا فى هذه الحالة لعدم ذكره ، من جهة أنّ المعنى على ذلك ، فكأنه قال : ليس لها إلا اليعافير. والوجه الثانى أنه توسّع فى معنى الاستثناء حتى جعله نوعا من المستثنى منه.

١٢٦

وغير نصب سابق فى النّفى قد* يأتى

يعنى أن المستثنى إذا كان مقدما على المستثنى منه بعد نفى قد يأتى غير منصوب فيكون مفرغا له العامل الذى قبل إلا ويعرب هو بدلا منه قال سيبويه حدثنى يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون ما لى إلا أخوك ناصر فيجعلون ناصر بدلا وفهم من قوله قد يأتى أن غير النصب قليل وقد صرح بهذا المفهوم فقال :

ولكن نصبه اختر إن ورد

وثبت هذا البيت فى بعض النسخ وغير نصب سابق برفع غير وجر نصب وسابق وإعرابه على هذا الوجه مبتدأ ونصب وسابق مضافان إليه وقد يأتى خبر المبتدأ وفى النفى متعلق بيأتى وثبت أيضا فى بعض النسخ وغير نصب سابق بنصب غير وجر نصب منونا ورفع سابق وإعرابه على هذا الوجه سابق مبتدأ وفى النفى متعلق به هو الذى سوّغ الابتداء بالنكرة وخبره قد يأتى وغير نصب حال من فاعل يأتى ونصب مضاف إليه وهو مصدر بمعنى اسم المفعول والتقدير قد يأتى سابق فى النفى غير منصوب. ثم قال :

وإن يفرّغ سابق إلّا لما

بعد يكن كما لو الّا عدما

يعنى ما قبل إلا إذا كان مفرّغا لما بعدها فلا حكم لإلا فتكون كأنها لم تذكر ولا يكون ذلك إلا فى نفى أو شبهه وكان حقه أن ينبه على ذلك وإنما ترك التنبيه عليه لوضوحه وشمل قوله سابق ما كان السابق فيه عاملا نحو ما قام إلا زيد وما كان غير عامل نحو ما فى الدار إلا زيد ويكون التفريغ فى جميع المعمولات إلا مع المصدر المؤكد فلا يجوز ما ضربت إلا ضربا.

وسابق مفعول لم يسم فاعله بيفرغ وإلا مفعول بسابق ولما متعلق بيفرغ وبعد صلة لما وهو مقطوع عن الإضافة وتقدير المضاف إليه بعده أى بعد إلا أو بعد السابق واسم يكن ضمير عائد على السابق أو على ما وهذان الوجهان ذكرهما المرادى ويحتمل أن يكون عائدا على الحكم المفهوم من الكلام أى يكن الحكم ويحتمل أن يكون عائدا على الكلام المشتمل على السابق وعلى التالى لإلا أى يكن الكلام والظاهر أن ما فى قوله كما زائدة ولو فى موضع جر بالكاف وهى مصدرية والتقدير يكن كعدم إلا. ثم اعلم أن إلا تتكرر للتوكيد ولغير التوكيد ، وقد أشار إلى تكرارها للتوكيد فقال :

١٢٧

وألغ إلّا ذات توكيد كلا

تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا

يعنى أن إلا إذا تكررت للتوكيد ألغيت وإلغاؤها هو أن لا تنصب وتلغى مع البدل نحو ما قام إلا أخوك إلا زيد فلو أسقطت إلا لصح الكلام فتقول ما قام إلا أخوك زيد وكررت لتوكيد إلا الأولى ومثله بقوله إلا الفتى إلا العلا فالعلا بدل من الفتى والتقدير لا تمرر بهم إلا الفتى العلا فالعلا هو الفتى ومع عطف النسق نحو ما قام إلا أخوك وإلا زيد فلو قلت ما قام إلا أخوك وزيد لصح الكلام وقد جمع الشاعر بينهما فقال :

٧٨ ـ ما لك من شيخك إلا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله

وذات توكيد حال من إلا. ثم إن تكرارها لغير التوكيد يكون مع التفريغ ومع غيره وقد أشار إلى الأول بقوله :

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع

فى واحد ممّا بإلّا استثنى

وليس عن نصب سواه مغنى

قد قدم أن التفريغ هو أن يكون ما قبل إلا طالبا لما بعدها فإذا كررت إلا فى التفريغ فإنه يترك تأثير العامل الذى هو إلا فى واحد من المستثنيين أو المستثنيات ويكون بحسب ما يطلب ما قبل إلا وما عدا الواحد منصوبا ، وفهم من قوله فى واحد أن ترك العمل بإلا ليس مخصوصا بواحد دون واحد بل يجوز إلغاء إلا فى الأول دون الثانى والثالث وفى الثانى دون الأول والثالث وفى الثالث دون الأول والثانى فتقول ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا خالدا وما قام إلا زيدا إلا عمرو إلا خالدا وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالد. وقوله : (وليس عن نصب سواه مغنى) يعنى أن ما سوى المستثنى الذى تلغى إلا معه ينصب ونصبه بالعامل الذى هو إلا وعلى هذا الوجه حمل المرادى العامل وحمله ابن عقيل على أنه العامل الذى قبل إلا وجعل دع بمعنى اجعل ، وما ذكره المرادى أصوب لثلاثة أوجه : الأول أن فيه التنبيه على أن إلا هى العامل فى المستثنى وهو موافق لتصريح الناظم به فى غير هذا النظم. الثانى أن دع بمعنى

__________________

(٧٨) الرجز بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٢٧٢ ، والدرر ٣ / ١٦٧ ، ورصف المبانى ص ٨٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٣٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣٥٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١١ ، والكتاب ٢ / ٣٤١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١١٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٧.

والشاهد فيه قوله : «إلا عمله ، إلا رسيمه وإلا رمله» ، ف «رسيمه» بدل ، و «رمله» معطوف ، و «إلا» المقترنة بكل منهما مؤكدة.

١٢٨

اجعل غير معهود فى اللغة وإنما يكون دع بمعنى اترك. الثالث أن ما قبل إلا فى التفريغ قد يكون غير عامل نحو ما فى الدار إلا زيد. وقوله وإن تكرر شرط وفى تكرر ضمير يعود على إلا ولا عاطفة على معطوف مقدر تقديره لغير التوكيد لا للتوكيد والتأثير مفعول مقدم بدع ومع متعلق بدع وكذلك فى واحد وما موصولة واقعة على المستثنيات واستثنى صلتها وبإلا متعلق باستثنى والضمير المستكن فى استثنى هو الرابط بين الصلة والموصول ومغنى اسم ليس وعن نصب متعلق به وخبر ليس محذوف تقديره وليس فى ذلك أو ليس مغن عن نصب سواه موجودا ويحتمل أن يكون اسم ليس مضمرا تقديره ذلك ومغن خبرها ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة والأول أظهر ثم إن تكرار إلا لغير التوكيد فى غير التفريغ على قسمين الأول أن يكون المستثنى مقدما على المستثنى منه والآخر أن يكون متأخرا عنه ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

ودون تفريغ مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

يعنى أن الاستثناء التام إذا تكررت فيه إلا لغير توكيد وكان المستثنى مقدما على المستثنى منه نصب جميع المستثنيات نحو ما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا القوم. ودون ومع وبه متعلقات باحكم ونصب مفعول بفعل محذوف يفسره احكم وفى قوله والتزم زيادة فائدة وهى أن قوله احكم به قد يحمل على الوجوب وقد يحمل على الجواز لأن الحكم بالشىء قد يكون واجبا وقد يكون جائزا وقوله والتزم نص فى الوجوب. ثم أشار إلى الثانى بقوله :

وانصب لتأخير وجئ بواحد

منها كما لو كان دون زائد

يعنى أن المستثنيات إذا كانت متأخرة عن المستثنى منه نصب جميعها إلا واحدا منها فإنه يحكم له بحكم ما لم يتكرر فيه إلا وينصب وجوبا إذا كان الاستثناء موجبا نحو قام إلا زيدا إلا عمرا ويترجح إتباعه على نصبه إن كان منفيا ، وفهم من قوله وجئ بواحد منها أن الواحد الذى يجاء به يجوز أن يكون الأول أو الثانى أو الثالث فتقول ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا خالدا وما قام أحد إلا زيدا إلا عمرو إلا خالدا وما قام أحد إلا زيدا إلا عمرا إلا خالد إلا أن الأولى أن ذلك الواحد هو الأول. ثم مثل بقوله :

كلم يفوا إلّا امرؤ إلّا على

وحكمها فى القصد حكم الأوّل

يجوز فى هذا المثال رفع الأول بدلا من الواو فى يفوا ونصبه على الاستثناء وهو الأجود

١٢٩

ويجوز نصب امرؤ ورفع على ثم نبه على أن ما زاد على المستثنى الأول من المستثنيات حكمه فى المعنى حكم الأول فإن كان مخرجا كان ما زاد عليه كذلك وإن كان مدخلا كان ما زاد عليه كذلك وبيان ذلك أنك إذا قلت قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا فهى كلها مخرجة من القوم. وإن قلت ما قام أحد إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا فهى مدخلة والمراد بها إخراج الأول من المستثنى منه ثم إخراج الثانى مما بقى بعد إخراج الأول ثم إخراج الثالث مما بقى بعد إخراج الأول والثانى. ولتأخير متعلق بانصب والظاهر أن اللام بمعنى مع ومنها فى موضع الصفة لواحد وكما فى موضع الحال من واحد لاختصاصه بالصفة أو صفة بعد صفة وما كافة ولو مصدرية وهى على حذف مضاف أى كحال. وكان هنا تامة بمعنى وجد ودون فى موضع الحال والتقدير وجئ بواحد منها كحال وجوده دون زائد عليه. ثم أشار إلى القسم الثانى من أدوات الاستثناء ، وهو الاسم فقال :

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلّا نسبا

يعنى أن غيرا يستثنى بها مجرور بإضافتها إليه وتكون هى معربة بما يستحقه الاسم الواقع بعد إلا من وجوب النصب أو رجحانه أو رجحان التبعية فتقول قام القوم غير زيد بوجوب النصب لأنك تقول قام القوم إلا زيدا وما فيها أحد غير فرس برجحان النصب وما قام أحد غير زيد برجحان التبعية وأصل غير أن تكون صفة واجبة الإضافة لمخالف موصوفها وقد تقطع عن الإضافة لفظا لا معنى فتبنى على الضم وتستعمل بمعنى إلا كما ذكر فى هذا الباب ومجرورا مفعول باستثن وبغير متعلق باستثن ومعربا حال من غير وبما متعلق بمعرب وما موصولة وصلتها نسب والمستثنى متعلق بنسب وبإلا متعلق بمستثنى. ثم قال :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا

ذكر أن فى سوى ثلاث لغات القصر مع كسر السين وضمه والمد مع فتح السين وأنها كلها يستثنى بها كما يستثنى بغير وتعرب بما يعرب به غير إلا أنه يقدر فى المقصورة الإعراب وأشار بقوله على الأصح إلى مخالفة سيبويه والخليل فيها فإنها عندهما ظرف غير متصرف ولا تخرج عن الظرفية إلا فى الشعر. قال سيبويه رحمه‌الله فى باب ما يحتمل فى الشعر وجعلوا ما لا يجىء فى الكلام إلا ظرفا بمنزلة غيره من الأسماء وذلك قول المرار بن سلامة العجلى :

١٣٠

٧٩ ـ ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا

وقال الأعشى :

وما قصدت من أهلها لسوائنا ا ه

واستدل المصنف على مذهبه بأدلة واستشهد بشواهد هى مذكورة فى كتبه فلا نطيل بها وفهم من قوله على الأصح أن مذهب سيبويه صحيح إلا أن مذهبه أصح منه ووقف على اجعلا بالألف لأنها مبدلة من نون التوكيد الخفيفة. ثم أشار إلى القسم الثالث والرابع فقال :

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا وبيكون بعد لا

ذكر فى هذا البيت من أدوات الاستثناء أربعة : منها ما لا يستعمل إلا فعلا وهو ليس ولا يكون والمستثنى بهما واجب النصب نحو قام القوم ليس زيدا ولا يكون عمرا وما قام أحد ليس زيدا ولا يكون عمرا وهو خبر لهما واسمهما ضمير مستتر عائد على البعض المفهوم من الكلام والتقدير ليس بعضهم زيدا ولا يكون بعضهم عمرا. ومنها ما يستعمل فعلا فينصب ما بعده ، وحرف جر فيجر ما بعده وهو خلا وعدا ، ولهما حالتان : الأولى تجردهما من ما ، والثانية اقترانهما بها فإذا كانا مجردين من ما جاز فيهما وجهان النصب والجر والأرجح النصب وفهم ذلك من ذكره لهما مع ليس ولا يكون وإلى ذلك أشار بقوله :

واجرر بسابقى يكون إن ترد

وبعد ما انصب وانجرار قد يرد

يعنى أن سابقى يكون فى البيت الذى قبل هذا وهما خلا وعدا يجوز جر المستثنى بهما وفهم منه شرط التجريد فإنه أحال على لفظهما وهما خاليان من ما وفهم من قوله إن ترد أن الجر بهما مرجوح ثم أشار إلى الحالة الثانية وهى اقترانهما بما بقوله : (وبعد ما انصب) ، أى إذا اقترن عدا وخلا بما فالوجه نصب المستثنى بهما وإنما انتصب لأن ما مصدرية فلا يليها حرف جر هذا مذهب الجمهور وحكى بعضهم الجر بهما مقترنتين بما وإلى ذلك أشار بقوله : (وانجرار قد يرد) وفهم من تنكير انجرار ومن قوله قد يرد أن الجر بهما مع ما قليل. وناصبا حال من فاعل

__________________

(٧٩) البيت من الطويل ، وهو للمرار بن سلامة العجلى فى خزانة الأدب ٣ / ٤٣٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٤ ، والكتاب ١ / ٣١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٦ ، ولرجل من الأنصار فى الكتاب ١ / ٤٠٨ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٢٩٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣١٥ ، والمقتضب ٤ / ٣٥٠.

والشاهد فيه وضع «سواء» موضع «غير» وإدخال «من» عليها لأنها لا تستعمل فى الكلام إلا ظرفا.

١٣١

استثن وبليس متعلق باستثن ومفعول ناصبا محذوف أى ناصبا المستثنى وبعد لا فى موضع الحال من يكون وإن ترد شرط محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه وانجرار مبتدأ خبره قد يرد وسوغ الابتداء به معنى التقسيم ثم بين وجه الجر والنصب بهما فقال :

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

يعنى أن خلا وعدا إذا جرّا ما بعدهما كانا حرفى جر وإذا نصباه كانا فعلين والمستثنى حينئذ مفعول بهما وفهم منه أنهما إذا جرا كانا حرفين سواء اقترنا بما أو تجردا منها وكذلك إن نصبا كانا فعلين مطلقا وفهم منه أن ما قبلهما إذا جرا زائدة لأن ما المصدرية لا يليها حرف الجر. وحيث متعلق بقوله حرفان لأنه فى معنى محكوم بحرفيتهما وكما متعلق بفعلان لأنه أيضا فى معنى محكوم بفعليتهما ويجوز أن يكون حيث شرطا والفاء جوابه على مذهب الفراء لأنه يجيز أن يجزم بحيث دون ما والعامل فيها حينئذ الفعل الذى بعدها. ثم قال :

وكخلا حاشا ولا تصحب ما

وقيل حاش وحشا فاحفظهما

يعنى أن حاشا مثل خلا فى أنها يستثنى بها ويجوز فى المستثنى بها النصب والجر على الوجه الذى جاز فى خلا وقد تقدم. ولما كانت حاشا مخالفة لخلا فى أنه لا يجوز اقترانها بما نبه على ذلك بقوله : ولا تصحب ما يعنى أن حاشا لا تدخل عليها ما بخلاف خلا ولما كان فى حاشا ثلاث لغات نبه على ذلك بقوله : (وقيل حاش وحشا فاحفظهما) ، ونوزع فى ذلك.

الحال

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم فى حال كفردا أذهب

يجوز فى الحال التذكير والتأنيث وقد استعمل الناظم فى هذا الباب اللغتين. قوله : (الحال وصف فضلة منتصب* مفهم فى حال) المراد بالوصف اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة وأفعل التفضيل وخرج بقوله فضلة العمدة كالخبر نحو زيد فاضل ، والمراد بالفضلة ما يصح الاستغناء عنه وقد يعرض له ما يوجب ذكره إما لوقوعه سادا مسد الخبر نحو ضربى زيدا قائما أو لتوقف المعنى عليه كقوله :

١٣٢

٨٠ ـ إنما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرجاء

وحمل الشارح قوله منتصب على جائز النصب واعترضه بالوصف المنصوب وحمله المرادى على واجب النصب فيخرج النعت لأنه غير لازم للنصب وهو أظهر لأن النصب من أحكام الحال اللازمة له وخرج بقوله مفهم فى حال التمييز نحو لله دره فارسا لأنه لا يفهم فى حال لكونه على تقدير من وتسامح الناظم فى هذا التعريف لإدخاله فيه النصب وهو حكم من أحكام الحال لا جزء من ماهيته ثم مثل بعد استيفاء التعريف فقال : (كفردا أذهب) وفى المثال تنبيه على جواز تقديم الحال على عاملها وسيأتى وقوله الحال مبتدأ ووصف خبره وفضلة ومنتصب ومفهم نعوت لوصف وليست من باب تعدد الخبر لأنها فصول فهى نعوت للوصف. ثم قال :

وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقّا

المراد بالمنتقل غير اللازم لصاحب الحال كالخلق والألوان والمراد بالمشتق أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة لأن هذه كلها مشتقة من المصادر فالغالب فى الحال أن يكون منتقلا مشتقا نحو جاء زيد راكبا فراكبا منتقل لأنه قد يكون غير راكب ومشتق من الركوب ، وفهم من قوله يغلب أنه قد يأتى فى غير الغالب غير منتقل وغير مشتق فمثال غير المنتقل قولهم خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها فالزرافة مفعول بخلق ويديها بدل بعض من كل وأطول حال من يديها وهى لازمة لأن كون يديها أطول من رجليها لازم لها ، ومثال غير المشتق قوله عزوجل : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [الشعراء : ١٤٩] فبيوتا غير مشتق وقوله : (لكن ليس مستحقا) تتميم للبيت لجواز الاستغناء عنه بيغلب. وكونه مبتدأ ومنتقلا ومشتقا خبران لكون ويغلب خبر المبتدأ ويجوز فى مستحقا فتح الحاء على أنه اسم مفعول ويكون الضمير فيه عائدا على الفاعل بيغلب أى ليس كونه منتقلا مشتقا مستحقا ويجوز كسر الحاء على أنه اسم فاعل ويكون الضمير فيه عائدا على الحال ولا بد فى هذا الوجه من حذف مجرور

__________________

(٨٠) البيت من الخفيف ، وهو لعدى بن الرعلاء الغسانى فى الأصمعيات ١٥٢ ، والحماسة الشجرية ١ / ١٩٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٣ ، وسمط اللآلى ص ٨ ، ٦٠٣ ، ولسان العرب ٢ / ٩١ (موت) ؛ ومعجم الشعراء ص ٢٥٢ ، ولصالح بن عبد القدوس فى حماسة البحترى ص ٢١٤ ، ومعجم الأدباء ١٢ / ٩ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٤٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣٦ ، وشرح قطر الندى ص ٢٣٤ ، ومغنى اللبيب ص ٤٦١.

١٣٣

ويكون معمولا لمستحق والتقدير ليس الحال مستحقا لكونه منتقلا مشتقا ولما ذكر أن الحال قد تأتى غير مشتقة نبه على المواضع التى يكثر فيها جمود الحال فقال :

ويكثر الجمود فى سعر وفى

مبدى تأوّل بلا تكلّف

يعنى أن جمود الحال يكثر إذا دل على سعر كقولك بعت البرّ مدا بدرهم فمدا لفظ منصوب على الحال وهو جامد إلا أنه مؤول بالمشتق لأنه فى معنى مسعرا ويجوز أن يقدر مسعرا اسم فاعل فيكون حالا من التاء فى بعت وأن يكون مسعرا بفتح العين اسم مفعول فيكون حالا من البر ويكثر إذا ظهر مؤولا بالمشتق غير متكلف وظاهر لفظه أن الدالّ على السعر ليس داخلا فى المبدى التأول وليس كذلك بل منه والعذر له أن هذا من باب عطف العام على الخاص ثم ذكر مثلا من المبدى التأول دون تكلف فقال :

كبعه مدا بكذا يدا بيد

وكرّ زيد أسدا أى كأسد

فذكر ثلاثة أنواع : الأول أن يدل على السعر وهو قوله : (كبعه مدا بكذا) وكأن هذا مثال لقوله ويكثر الجمود فى سعر. الثانى أن يدل على مفاعلة وهو قوله : (يدا بيد) ، أى مناجزة.

الثالث أن يدل على التشبيه وهو قوله : (وكر زيد أسدا) وفسر ذلك بقوله : (أى كأسد) وفهم من قوله كبعه أن هذه المثل ليس مجىء الحال جامدا محصورا فيها وينبغى أن تجعل الكاف فى قوله أى كأسد اسما بمعنى مثل لأن الحال أصلها أن تكون وصفا ويجوز أن تكون حرفا ويكون قد قصد به تفسير المعنى لا أنها الحال بنفسها ثم قال :

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى كوحدك اجتهد

حق الحال أن يكون نكرة لأن المقصود به بيان الهيئة وذلك حاصل بلفظ التنكير فلا حاجة لتعريفه صونا للفظ عن الزيادة والخروج عن الأصل لغير غرض وقد يجىء بصورة المعرف بالألف واللام فيحكم بزيادتها نحو ادخلوا الأول فالأول وبصورة المضاف إلى المعرفة فيحكم بتأويله بالنكرة نحو اجتهد وحدك أى منفردا. والحال مبتدأ وإن عرف شرط وفاعتقد جوابه وتنكيره مفعول باعتقد ونصب لفظا على إسقاط فى أو على التمييز وكذلك معنى وخبر المبتدأ جملة الشرط والجواب. ثم قال :

ومصدر منكّر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع

١٣٤

حق الحال أن يكون وصفا كما تقدم لأنه صفة لصاحبه فى المعنى وخبر عنه أيضا وقد يقع المصدر موضع الحال كما يقع صفة وخبرا ، وكل ذلك على خلاف الأصل ولا خلاف فى ورود المصدر حالا كقوله عزوجل : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : ٥٦] وهو كثير ومع كثرته فلا يقاس عليه عند الجمهور. وأجاز المبرد القياس عليه وليس فى قول الناظم بكثرة إشعار بالقياس وفهم منه أن وقوع المصدر المعرف حالا قليل لتخصيصه الكثرة بالمنكر.

ومصدر مبتدأ ومنكر صفته ويقع خبره وحالا حال من فاعل يقع المستتر وبكثرة متعلق بيقع وبغتة فعلة من البغت أن يفجأك الشىء ، قال الشاعر :

ولكنهم بانوا ولم أدر بغتة

وأعظم شىء حين يفجؤك البغت

تقول بغتة فجأة وبغته بغتة أى مفاجأة. ثم قال :

ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن

من بعد نفى أو مضاهيه كلا

يبغ امرؤ على امرى مستسهلا

حق صاحب الحال أن يكون معرفة لأنه مخبر عنه بالحال فى المعنى ، وقد يجىء نكرة ولذلك مسوغات كما أن للابتداء بالنكرة مسوغات وقد تقدمت فى باب المبتدأ فمن مسوغات تنكير صاحب الحال أن يتأخر عن الحال وهو المنبه عليه بقوله إن لم يتأخر ومثاله فى الدار قائما رجل ، ومنه قول الشاعر :

٨١ ـ وبالجسم منّى بيّنا لو علمته

شحوب وإن تستشهدى العين تشهد

فصاحب الحال شحوب وبينا منصوب على الحال وأصله شحوب بين ، ومنها أن يكون مخصصا وهو المنبه عليه بقوله أو يخصص وشمل صورتين الأولى أن يخصص بالوصف كقوله عزوجل (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ، ٥] والثانية أن يخصص بالإضافة إلى نكرة كقوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) [فصلت : ١٠] ومنها أن يكون بعد نفى وهو المنبه عليه بقوله أو يبن من بعد نفى أى يظهر بعد نفى ومثاله ما جاء رجل ضاحكا ومنه قوله عزوجل : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] ومنها أن

__________________

(٨١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى شرح ابن عقيل ص ٣٢٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٢ ، والكتاب ٢ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤٧.

والشاهد فيه تقديم «بينا» على «شحوب» ونصبه على الحال بعد أن كان صفة متأخرة ، أى : شحوب بيّن.

١٣٥

يكون بعد مشابه للنفى وهو المنبه عليه بقوله أو مضاهيه أى مشابهه وشمل صورتين الأولى الاستفهام ومثاله هل جاء أحد ضاحكا ، ومنه قوله :

٨٢ ـ يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى

لنفسك العذر فى إبعادها الأملا

الثانية النهى ومثاله لا يقم أحد ضاحكا. ومنه قوله :

٨٣ ـ لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوفا لحمام

فهذه ست مسوغات وقد مثل الناظم الصورة الأخيرة بقوله : (لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا) فمستسهلا حال من امرئ الأول ، وسوغ ذلك تقدم النهى وفهم من قوله غالبا أن صاحب الحال يكون نكرة محضة من غير مسوغ فى غير الغالب. حكى سيبويه من كلام العرب مررت بماء قعدة رجل وقولهم وعليه مائة بيضا وفى الحديث «فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا وصلى وراءه رجال قياما». وذو الحال مفعول لم يسم فاعله بينكر وغالبا حال منه وإن لم يتأخر إلخ شرط والجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه ومن بعد متعلق بيبن. ثم قال :

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

يعنى أن صاحب الحال إذا كان مجرورا بحرف الجر لا يجوز عند أكثر النحويين تقديم الحال عليه نحو مررت بهند قائمة فلا يجوز عندهم مررت قائمة بهند. قال المؤلف وهذا الذى منعوه لا أمنعه أنا لوروده فى كلام العرب ، وقد استدل الناظم على جواز ذلك بشواهد منها قوله :

٨٤ ـ تسليت طرّا عنكم بعد بعدكم

بذكراكم حتى كأنكم عندى

__________________

(٨٢) البيت من البسيط ، وهو لرجل من طيّئ فى الدرر اللوامع ٤ / ٦ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٣ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٣١٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٠.

والشاهد فيه قوله : «باقيا» حيث وقع حالا من النكرة «عيش» ومسوغ ذلك وقوعها بعد استفهام إنكارى يؤدى معنى النفى.

(٨٣) البيت من الكامل ، وهو لقطرى بن الفجاءة فى ديوانه ص ١٧١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٦٣ ، والدرر ٤ / ٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٣ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٥٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٣١٤ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٠.

والشاهد فيه قوله : «متخوفا» حيث جاء حالا من النكرة «أحد» والذى سوّغ ذلك وقوع هذه النكرة بعد نفى.

(٨٤) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٣٢١ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٤٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٢٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٦٠.

والشاهد فيه قوله : «طرّا» فإنه حال بمعنى : جميعا ، وصاحبه الضمير فى «عنكم».

١٣٦

فطرّا حال من الكاف فى عنكم وهو مجرور بعن. فإن قلت فد فهم من تخصيصه المنع بالمجرور أن ما عدا المجرور بالحرف وهو المرفوع والمنصوب والمجرور بالإضافة لا يمتنع أن يسبقه الحال. أما المرفوع والمنصوب فلا إشكال فى جواز تقديم الحال عليهما نحو جاء ضاحكا زيد وضربت منطلقة هندا وأما المجرور بالإضافة فقد حكى الإجماع على منع جواز تقديم الحال عليه. قلت هذا المفهوم معطل وإنما خص المجرور بالحرف لأنها هى المسألة التى تعرض النحويون لذكرها فى كتبهم والخلاف فيها مشهور وممن أجاز تقديم الحال فيها على صاحبها الفارسى وابن كيسان وابن برهان ولا يقتضى قوله ولا أمنعه انفراده بالجواز بل هو غير مانع له ويكون فى ذلك تابعا لغيره. وسبق حال مفعول مقدم بأبوا وهو مصدر مضاف إلى الفاعل وما مفعول بسبق وهى واقعة على صاحب الحال والضمير فى أبوا عائد على النحويين وظاهره أنه عائد على جميعهم وليس كذلك ، لما تقدم من أن بعضهم أجازه فوجب إعادته على الأكثرين والهاء فى أمنعه عائدة على سبق. ثم قال :

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

يعنى أن صاحب الحال لا يكون مضافا إليه إلا فى ثلاثة مواضع : الأول أن يقتضى المضاف العمل فى الحال ومعناه أن يكون جاريا مجرى الفعل فى كونه مصدرا أو اسم فاعل كقوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [المائدة : ١٠٥] ومثله قوله أعجبنى ضرب هند قائمة وأنا ضارب هند قاعدة فضرب وضارب يقتضيان العمل فى الحال لأن الحال لا يعمل فيها إلا فعل أو ما فى معناه. الثانى أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه كقوله عزوجل : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧] فالصدور بعض ما أضيف إليه.

الثالث : أن يكون المضاف مثل جزء المضاف له فى صحة الاستغناء به عن الأول كقوله عزوجل : (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣] لصحة اتبع إبراهيم فلو كان المضاف إليه غير ما ذكر لم يجز إتيان الحال منه نحو جاء غلام هند قائمة وإنما جاز ذلك فى المواضع المذكورة دون غيرها بناء على أن الحال لا يعمل فيها إلا الفعل أو ما فى معناه وأن العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها فإذا كان المضاف مصدرا أو اسم فاعل فلا إشكال فى أنه هو العامل فى صاحب الحال وفى الحال معا وإذا كان المضاف بعض المضاف إليه أو مثل بعضه صار الأول ملغى لصحة الاستغناء عنه وصار العامل فى التقدير عاملا فى المضاف إليه فالهاء

١٣٧

من صدورهم معمولة للاستقرار وإبراهيم معمول لاتبع حالا مفعول بتجز ومن المضاف متعلق بتجز واللام فى له بمعنى إلى فإنّ أضاف متعدّ بإلى وعمله مفعول باقتضى والضمير فيه عائد على الحال لا على المضاف إليه فإن المضاف فى نحو غلام زيد اقتضى العمل فى المضاف إليه وهو جره ، وقوله فلا تحيفا أى لا تحل عن الواجب فى ذلك فهو تتميم للبيت لصحة الاستغناء عنه. ثم اعلم أن العامل فى الحال إنما هو فعل أو شبهه أو يتضمن معناه دون لفظه وقد أشار إلى الأول والثانى بقوله :

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا

فجائز تقديمه كمسرعا

ذا راحل ومخلصا زيد دعا

يعنى أن العامل فى الحال إذا كان فعلا متصرفا أو صفة مشبهة به جاز تقديمه على عامله ، والمراد بالمتصرف ما استعمل منه الماضى والمضارع والأمر ، والمراد بغير المتصرف ما لزم لفظ الماضى ، والمراد بالشبيه بالمتصرف أن يكون وصفا قابلا لعلامة الفرعية وهى التثنية والجمع والتأنيث وهو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، وغير المشبه به أفعل التفضيل فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ثم أتى بمثالين الأول من الصفة المشبهة بالمتصرف وهو قوله مسرعا ذا راحل ، فذا مبتدأ وراحل خبره ومسرعا حال من الضمير المستتر فى راحل وهو العائد على المبتدأ والعامل فى الحال راحل وهو صفة أشبهت المتصرف لأنه اسم فاعل والآخر من الفعل وهو قوله : (ومخلصا زيد دعا) فزيد مبتدأ ودعا فعل ماض متصرف وفيه ضمير يعود على زيد ومخلصا حال من ذلك الضمير والعامل فى الحال دعا وهو فعل متصرف وفهم منه أنه إذا كان العامل فعلا غير متصرف أو صفة غير شبيهة بالمتصرف لم يجز التقديم فلا يجوز فى نحو ما أحسن هندا متجردة أن تقول متجردة ما أحسن هندا ولا ما متجردة أحسن هندا وكذلك لا يجوز فى نحو هند أجمل من زيد متجردة هند متجردة أجمل من زيد ، وفهم من المثالين أن لكل واحد منهما صورتين إحداهما ما ذكر وهو أن يكون الحال متقدما على ما أسند إليه العامل والأخرى أن يكون الحال متقدما على العامل فقط ؛ فمثالهما فى المثال الأول ذا مسرعا راحل وفى المثال الثانى زيد مخلصا دعا ، وإنما قصد الصورتين الأوليين للتنبيه على جواز تقديمه على ما أسند إليه فيكون جواز تقديمه على العامل فقط أحرى. والحال مبتدأ وإن ينصب شرط وبفعل متعلق بينصب وصرف فى موضع الصفة لفعل أو صفة معطوف على فعل وأشبهت المصرفا جملة فى موضع الصفة لصفة والفاء جواب الشرط وجائز خبر مقدم وتقديمه مبتدأ. ثم أشار إلى الثالث فقال :

١٣٨

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا

كتلك ليت وكأنّ وندر

نحو سعيد مستقرّا فى هجر

يعنى أن العامل فى الحال إذا ضمن معنى الفعل دون حروفه لا يتقدم عليه الحال لضعفه ثم مثل بثلاث كلمات فقال : (كتلك ليت وكأن) فتلك اسم إشارة وفيها معنى الفعل وهو أشير وليس فيها حروف الفعل الذى يفهم منه وليت حرف تمنّ وفيها معنى الفعل وهو أتمنى وكأن حرف تشبيه وفيها معنى الفعل وهو أشبه وفهم من دخول الكاف على تلك أن ذلك مطرد فى أسماء الإشارة كلها فمثال اسم الإشارة تلك هند منطلقة وذلك عمرو ضاحكا ، ومثال التمنى ليت عمرا مقيما عندنا ، ومثال التشبيه كأنك طالعا البدر فالعامل فى الأول تلك لتضمنها معنى أشير وفى الثانى ليت لتضمنها معنى أتمنى وفى الثالث كأنّ لتضمنها معنى أشبه ، وفهم أيضا من الكاف أن ذلك غير محصور فيما ذكر ، ومما ضمن معنى الفعل دون حروفه الترجى وحرف التنبيه وما فى الشرط والاستفهام المقصود به التعظيم. ثم قال :

(وندر* نحو سعيد مستقرّا فى هجر)

هذا أيضا من العوامل التى تضمنت معنى الفعل دون حروفه وهو الظرف وحرف الجر مسبوقين باسم ما الحال له كما فى نحو زيد عندك قاعدا وسعيد فى هجر مستقرا فالعامل فى الحال فى هذين المثالين ونحوهما الظرف والمجرور لنيابتهما مناب استقر أو مستقرا والحال فى هذا المثال الذى ذكر مؤكدة لأن التقدير سعيد استقر فى هجر مستقرا ، وإنما فصل هذه المسألة من تلك وما ذكر بعدها وإن كانت مثلها فى تضمن معنى الفعل دون حروفه لأنه قد سمع فيه تقديم الحال على عاملها ولذلك أتى بالحال فى المثال الذى ذكر وهو مستقرا مقدما على عامله وهو فى هجر ومثله قوله عزوجل فى قراءة من قرأ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ [الزمر : ٦٧] بنصب مطويات وممن أجاز تقديم الحال فى مثل هذا الأخفش. وهو فاعل بندر وسعيد وما بعده جملة اسمية وهى محكية بقول محذوف تقديره وهو قولك. ثم قال :

ونحو زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا مستجاز لن يهن

قد تقدم أن أفعل التفضيل غير شبيه بالفعل لكونه غير قابل للعلامة الفرعية فاستحق بذلك أن لا يتقدم عليه الحال لكن له مزية على العوامل الجامدة لوجود لفظ الفعل فيه فاغتفر

١٣٩

توسطه بين حالين كالمثال المذكور. فنحو مبتدأ ومستجاز خبره وزيد مبتدأ خبره أنفع وفى أنفع ضمير مستتر عائد على زيد ومفردا حال من ذلك الضمير ومن عمرو متعلق بأنفع ومعانا حال من عمرو والعامل فيهما أنفع وأصله زيد أنفع فى حال كونه منفردا من عمرو فى حال كونه معانا. وإنما كان أنفع عاملا فى الحالين لأن صاحب الحال وهو الضمير المستتر والمجرور بمن معمولان له والعامل فى الحال هو العامل فى صاحبها ، وقوله لن يهن أى لم يضعف وهو خبر بعد خبر. ثم قال :

والحال قد يجىء ذا تعدّد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

يعنى أن الحال قد يجىء متعددا أى متكررا والمراد بالمفرد غير المتكرر وغير المفرد المتكرر فمثال المفرد جاء زيد راكبا ومثال غير المفرد جاء زيد راكبا ضاحكا فالحال قد تعددت مع اتحاد صاحبها. وشمل قوله وغير مفرد ثلاث صور : الأولى أن يكون صاحب الحال متعددا والحال مجتمعة نحو (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) [إبراهيم : ٣٣] الثانية أن يكون بتفريق مع إيلاء كل منهما صاحبه نحو لقيت مصعدا زيدا منحدرا. الثالثة أن يكون بتفريق مع عدم إيلاء كل واحد منهما صاحبه نحو لقيت زيدا مصعدا منحدرا والاختيار فى نحو هذا مع عدم القرينة جعل الأولى للثانية والثانية للأولى فمصعدا فى المثال حال من زيد ومنحدرا حال من التاء فى لقيت. والحال مبتدأ وخبره قد يجىء إلخ ، والظاهر فى قد أنها للتحقيق لا للتقليل ولمفرد متعلق بيجىء. ثم اعلم أن الحال على قسمين مبينة وقد تقدمت ومؤكدة وهى قسمان مؤكدة لعاملها ومؤكدة لمضمون الجملة وقد أشار إلى الأول بقوله :

وعامل الحال بها قد أكّدا

يعنى أن العامل فى الحال قد يؤكد بها فتكون الحال على هذا مؤكدة لعاملها وذلك على قسمين : الأول أن تكون من لفظ عاملها كقوله عزوجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩] الثانى أن تكون موافقة لعاملها معنى لا لفظا كقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] لأن العثو هو الفساد ولهذا المثال أشار بقوله :

فى نحو لا تعث فى الأرض مفسدا

فمفسدا حال من الفاعل بتعث المستتر والعامل فيه تعث وهو موافق له فى معناه دون لفظه. ثم أشار إلى القسم الثانى من الحال المؤكدة بقوله :

١٤٠