شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

٥٢ ـ هذا وجدكم الصّغار بعينه

لا أمّ لى إن كان ذاك ولا أب

فجعل لا زائدة أو عطف على الموضع والعطف مبتدأ وخبره احكما له وما موصولة وصلتها انتمى وللنعت متعلق بانتمى وذى الفصل صفة للنعت وله متعلق باحكما ، وكذلك بما والضمير فى قوله له هو الرابط بين المبتدأ والخبر ويجوز نصب العطف بفعل مضمر يفسره احكما وهو أجود وعلى هذا فجواب الشرط الذى هو إن لم تتكرر محذوف لدلالة ما تقدم عليه والتقدير احكم للعطف بما انتسب للنعت المفصول إن لم تتكرر لا فاحكم له بذلك ويجوز أن يكون خبر العطف جملة الشرط والجواب معا إلا أن فى هذا الوجه حذف الفاء من جواب الشرط والتقدير فاحكم. ثم قال :

وأعط لا مع همزة استفهام

ما تستحقّ دون الاستفهام

يعنى أن حكم لا إذا دخلت عليها همزة الاستفهام كحكمها إذا لم تدخل عليها فى جميع الوجوه المتقدمة وفيها نظر لأنه قد يحدث فيها إذا دخلت عليها همزة الاستفهام معان وهى التمنى والتوبيخ وقد يبقى كل واحد منهما على معناه وظاهره أنه موافق فى ذلك للمازنى والمبرد فإنها عندهما تجرى مجراها قبل الهمزة مطلقا ، وأما ألا التى للعرض فلا مدخل لها فى هذا الباب لأنها لا تدخل إلا على الفعل. ولا مفعول أول بأعط وما مفعول ثان وصلتها تستحق ومع متعلق بأعط ودون متعلق بتستحق وليس قوله الاستفهام مع قوله استفهام بإيطاء ، لأن الأول نكرة والثانى معرفة. ثم قال :

__________________

(٥٢) البيت من الكامل ، وهو من أكثر الشواهد النحوية المختلف عليها ، فهو لرجل من مذحج فى الكتاب ٢ / ٢٩٢ ، وهو لضمرة بن جابر فى خزانة الأدب ٢ / ٣٨ ، ٤٠ ، وهو لرجل من مذحج أو لضمرة بن ضمرة أو لهمام أخى جساس بن مرة فى تخليص الشواهد ص ٤٠٥ ، وهو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة فى شرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٩ ، وهو لرجل من بنى عبد مناف أو لابن أحمر أو لضمرة بن ضمرة أو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة أو لرجل من بنى عبد مناة فى الدرر ٦ / ١٧٥ ، وهو لهنى بن أحمر أو لزرافة الباهلى فى لسان العرب ٦ / ٦١ (حيس) ، وهو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة أو لرجل من بنى عبد مناة أو لابن أحمر أو لضمرة بن ضمرة فى شرح التصريح ١ / ٢٤١ ، ولابن أحمر فى المؤتلف والمختلف ص ٣٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٣٩ ، ولرجل من مذحج أو لهمام أخى جساس بن مرة أو لضمرة بن ضمرة أو لابن أحمر فى شرح شواهد المغنى ص ٩٢١ ، ولهمام بن مرة فى الحماسة الشجرية ١ / ٢٥٦ ، ولعامر بن جوين الطائى أو منقذ بن مرة الكنانى فى حماسة البحترى ص ٧٨ ، ولرجل من بنى عبد مناة بن كنانة فى سمط اللآلى ص ٢٨٨ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٤١ ، ٢٤٥ ، والأشباه والنظائر ٤ / ١٦٢ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٥٩٣ ، ٨٤٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٦ ، ورصف المبانى ص ٢٦٧ ، وشرح الأشمونى ص ١٥١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٠٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٩٢ ، وكتاب اللامات ص ١٠٦ ، واللمع فى العربية ص ١٩٢ ، ومغنى اللبيب ص ٥٩٣ ، والمقتضب ٤ / ٣٧١.

والشاهد فيه قوله : «ولا أب» حيث جاء «أب» مرفوعا بالابتداء بعد «لا» النافية غير العاملة التى تلت «لا» النافية للجنس.

٨١

وشاع فى ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر

يعنى إذا لم يعلم خبر لا فلا يجوز حذفه كقوله :

٥٣ ـ وردّ جازرهم حرفا مصرّمة

ولا كريم من الولدان مصبوح

وإن علم كثر حذفه عند الحجازيين ووجب عند بنى تميم وطيئ وفهم من إطلاقه فى الخبر أنه لا فرق بين أن يكون ظرفا أو مجرورا أو غيرهما خلافا لمن فصل وفهم من قوله : فى ذا الباب أن حذف الخبر فى غير هذا الباب ليس بشائع وإن علم ، والمراد فاعل بفعل محذوف يفسره ظهر وجواب إذا محذوف لدلالة ما تقدم عليه.

ظن وأخواتها

من نواسخ الابتداء ظن وأخواتها فتدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما بعد أخذها الفاعل مفعولين على التشبيه بأعطيت ، وهى على قسمين : قلبية وتصييرية وقد أشار إلى الأول بقوله :

انصب بفعل القلب جزأى ابتدا

وجزأى الابتداء هما المبتدأ والخبر ولما كانت أفعال القلوب منها ما يعمل العمل المذكور ومنها ما لا يعمل نحو تيقن وتفكر ونحوهما أشار إلى الأول بقوله :

أعنى رأى خال علمت وجدا

ظنّ حسبت وزعمت مع عد

حجا درى وجعل اللذ كاعتقد.

وهب تعلّم

ثم إن هذه الأفعال القلبية منها ما يفيد فى الخبر يقينا وتسمى علمية ومنها ما يفيد فيه ترددا مع رجحان الوقوع وتسمى ظنية ولم يرتبها فى النظم بل ذكرها على حسب ما سمح به الوزن وأنا أنبه على كل واحد منها ، أما رأى فهى بمعنى علم ، تقول : رأيت زيدا عالما أى علمته وأما خال فهى بمعنى ظن وعلم هى أصل الأفعال العلمية وبها يفسر سائرها ووجد بمعنى علم وظن هى أيضا أصل الأفعال الظنية وبها يفسر سائرها وحسب بمعنى ظن وزعم بمعنى

__________________

(٥٣) البيت من البسيط ، وهو لحاتم بن عبد الله الطائى فى ملحق ديوانه ص ٢٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٧٣ ، ولأبى ذؤيب الهذلى فى ملحق شرح أشعار الهذليين ص ١٣٠٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٥ ، وشرح المفصل ١ / ١٠٧ ، ولرجل جاهلى من بنى النبيت فى المقاصد النحوية ٢ / ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٤٢٢ ، ورصف المبانى ص ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٠٩ ، والكتاب ٢ / ٢٩٩ ، ولسان العرب ٤ / ٤٥٢ ، (صرر) ، والمقتضب ٤ / ٣٧٠.

والشاهد فيه قوله : «مصبوح» حيث ذكر خبر «لا» لأنه لم يكن مما يعلم ، فإذا لم يعلم يجب ذكره. ويجوز أن يكون «مصبوح» نعتا لاسمها محمولا على الموضع ، والخبر محذوف لعلم السامع ، تقديره : موجود.

٨٢

ظن وعدّ كذلك وحجا كذلك أيضا ودرى بمعنى علم وجعل كذلك وفيها زيادة وهى الاعتقاد ولذلك قال : وجعل اللذ كاعتقد وهب بمعنى ظن وتعلم بمعنى اعلم فهذه ثلاثة عشر فعلا كلها متساوية فى نصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان وهى كلها معطوفة على رأى على حذف العاطف ، فهى كلها مفعولة بأعنى إلى زعمت ، وعد مخفوضة بمع ومع متعلق بأعنى وحجا ودرى وجعل معطوفات على عد واللذ نعت لجعل وصلته كاعتقد وهب وتعلم معطوفان أيضا على ما بعد مع ولهذه الأفعال معان أخر ولم أنبه عليها لأنها ليست من هذا الباب ثم شرع فى القسم الثانى وهى التصييرية بقوله :

 ... والّتى كصيّرا

أيضا بها انصب مبتدا وخبرا

يعنى انصب بالأفعال التى بمعنى صير المبتدأ والخبر وهى ما دل على تحويل كما تنصب بالقلبية ولم يذكر ألفاظ الأفعال التصييرية كما ذكر القلبية وهى صير وأصار وجعل ورد واتخذ وتخذ وترك ووهب فى نحو وهبنى الله فداك أى جعلنى. والتى مبتدأ خبره انصب بها ويجوز أن يكون فى موضع نصب بفعل يفسره انصب من باب الاشتغال وهو أجود. ثم قال :

وخصّ بالتّعليق والإلغاء ما

من قبل هب

يعنى أن الأفعال المذكورة قبل هب تختص دون سائر أفعال هذا الباب بالتعليق والإلغاء ، فالتعليق ترك العمل لموجب ، والإلغاء ترك العمل لغير موجب ويحتمل قوله خص أن يكون ماضيا مبنيا للمفعول وما فى موضع رفع به وأن يكون فعل أمر وما فى موضع نصب به ، والأول أظهر ومن قبل هب صلة لما وبالتعليق متعلق بخص. ثم قال :

والأمر هب قد ألزما

كذا تعلّم

يعنى أن هذين الفعلين يلزمان صيغة الأمر فلا يستعملان ماضيين ولا مضارعين وفهم منه أنه يجوز إسنادهما إلى الضمير المفرد المذكر والمؤنث وإلى المثنى والمجموع فتقول يا زيدان هبانى قائما ويا زيدون هبونى قائما فإن فعل الأمر صالح لذلك. وهب مبتدأ وخبره قد ألزما وفى ألزما ضمير يعود على هب والأمر مفعول ثان بألزم ، وتعلم مبتدأ خبره كذا ، أى مثل هب فى لزومه الأمر. ولما أتى بأفعال هذا الباب كلها بلفظ الماضى وكان غير الماضى وهو الأمر والمضارع واسم المفعول مثل الماضى فى العمل المذكور أشار إلى ذلك بقوله :

ولغير الماض من

سواهما اجعل كلّ ما له زكن

٨٣

قوله من سواهما أى من سوى هب وتعلم لأنهما لازمان للأمر وزكن أى علم وكل مفعول باجعل وما موصولة وزكن صلتها وله متعلق بزكن ولغير متعلق باجعل ومن فى موضع الحال من غير والتقدير اجعل كل ما علم للماضى من الحكم لغير الماضى فى حال كونه من سوى هب وتعلم. ثم قال :

وجوّز الإلغاء لا فى الابتدا

تقدم أن الإلغاء ترك العمل لغير موجب وفهم من قوله وجوز أنه جائز لا واجب وفهم من قوله لا فى الابتداء ثلاث صور أن يتأخر عنهما نحو زيد قائم ظننت أو يتوسط بينهما نحو زيد ظننت فاضل أو يتقدم على المفعولين ويتقدم عليه غيره نحو متى ظننت زيد قائم؟ وفى جوازه الإلغاء فى هذه الصورة الثالثة خلاف وظاهر كلامه جوازه لأن الفعل ليس فى الابتداء ولم يتعرض الناظم إلى الأرجح ، والأرجح الإلغاء مع التأخير والإعمال مع التوسط بين المفعولين وفهم من قوله لا فى الابتدا أن إعمال المتقدم واجب والإلغاء مفعول بجوز ولا عاطفة والمعطوف عليه محذوف تقديره وجوز الإلغاء فى التأخير والتوسط لا فى الابتداء ، وأجاز الكوفيون الإلغاء مع التقدم واستدلوا بقوله :

٥٤ ـ كذاك أدّبت حتى صار من خلقى

أنّى وجدت ملاك الشّيمة الأدب

وهذا ونحوه مؤول عند البصريين إما على نية ضمير الأمر والشأن فيكون الفعل باقيا على عمله والجملة فى موضع المفعول الثانى وإما على تقدير لام الابتداء وإلى ذلك أشار بقوله :

وانو ضمير الشّأن أو لام ابتدا

فى موهم إلغاء ما تقدّما

أى إذا ورد من كلام العرب ما يوهم إلغاء الفعل المتقدم فلك فى تأويله وجهان أحدهما أن

__________________

(٥٤) البيت من البسيط ، وهو لبعض الفزاريين فى خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، ١٤٣ ، ١٠ / ٣٣٥ ، والدرر ٢ / ٢٥٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٦٥ ، وتخليص الشواهد ص ٤٤٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٥٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٤٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤١١ ، ٣ / ٨٩ ، والمقرب ١ / ١١٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٣.

والشاهد فيه قوله : «وجدت ملاك الشيمة الأدب» حيث ألغى عمل الفعل «وجدت» مع تقدمه ، ولو أعمله لقال : «وجدت ملاك الشيمة الأدب» بنصب «ملاك» ، و «الأدب» على أنهما مفعولان وخرجه البصريون على ثلاثة أوجه : الأوّل أنه من باب التعليق ، ولام الابتداء مقدرة الدخول على «ملاك».

والثانى أنه من باب الإعمال ، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مفعول ثان.

والثالث أنه من باب الإلغاء ، لكن سبب الإلغاء أن الفعل لم يقع فى أول الكلام ، بل سبقه قول الشاعر «أنّى».

٨٤

تنوى فيه ضمير الشأن فيكون التقدير أنى رأيته ملاك الشيمة الأدب فيكون الفعل باقيا على عمله والجملة مفسرة للضمير فى موضع المفعول الثانى أو تقدر لام الابتداء فيكون التقدير أنى رأيت لملاك الشيمة فيكون الفعل معلقا وفى موهم متعلق بانو وإلغاء مفعول بموهم وما موصولة واقعة على الفعل وتقدم صلتها. ثم قال :

والتزم التّعليق قبل نفى ما

وإن ولا لام ابتداء أو قسم

كذا والاستفهام ذا له انحتم

قد تقدم أن التعليق ترك العمل لموجب وهو أن يفصل بين الفعل ومفعوليه بأحد الأشياء الستة التى ذكرها. الأول ما النافية كقوله عزوجل : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [فصلت : ٤٨] الثانى إن النافية كقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٥٢] الثالث لا قال فى شرح التسهيل من أمثلة ابن السراج أحسب لا يقوم زيد قال ابن هانئ يظهر أنه لم يحفظ له مثالا عن العرب نثريا ولا شعريا ، وقد أنشدت عليه :

٥٥ ـ فعش معدما أو مت كريما فإننى

أرى الموت لا ينجو من الموت هاربه

الرابع لام الابتداء كقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) [البقرة : ١٠٢] الخامس لام القسم. كقوله :

٥٦ ـ ولقد علمت لتأتينّى منيتى

إن المنايا لا تطيش سهامها

السادس الاستفهام كقوله عزوجل : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٩] وعلم من قوله والتزم أن التعليق لازم بخلاف الإلغاء والتعليق مفعول بالتزم وقبل متعلق به ولام ابتداء مبتدأ وكذا خبره وأو قسم معطوف عليه على حذف مضاف والتقدير لام ابتداء أو لام قسم كذا والاستفهام مبتدأ وذا مبتدأ ثان وخبره انحتم وله متعلق بانحتم والجملة خبر المبتدأ الأول والضمير العائد على ذا الفاعل بانحتم والعائد على الاستفهام الضمير فى له. ثم قال :

لعلم عرفان وظنّ تهمه

تعدية لواحد ملتزمه

__________________

(٥٥) البيت مصنوع لابن هانئ كما ذكر.

(٥٦) البيت من الكامل ، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ٣٠٨ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٥٩ ، ١٦١ ، والدرر ٢ / ٢٦٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٢٨ ، والكتاب ٣ / ١١٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٠٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٦١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣٤ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٠٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٧١ ، وشرح قطر الندى ص ١٧٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٠١ ، ٤٠٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٤.

والشاهد فيه تعليق «لتأتين» ب «علمت» على نية القسم والمعنى : علمت والله لتأتينى.

٨٥

يعنى أن علم إذا كانت بمعنى عرف وهو أن يكون معناها متعلقا بالمفرد تتعدى إلى مفعول واحد كقوله تعالى : (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال : ٦٠] وأن ظن إذا كانت بمعنى اتهم تتعدى أيضا إلى مفعول واحد كقولك ظننت زيدا على المال أى اتهمته وليس حينئذ من أفعال هذا الباب وتعدية مبتدأ وخبره فى المجرور قبله ولواحد متعلق بتعدية وملتزمة صفة لتعدية وأضاف علم إلى العرفان وهو مصدر عرف وأضاف ظن إلى تهمة وهو مصدر اتهم. ثم قال :

ولرأى الرّؤيا انم ما لعلما

طالب مفعولين من قبل انتمى

يعنى أن رأى الحلمية ينتسب لها من العمل ما انتسب لعلم الطالبة للمفعولين السابقة لأنها شبيهة بها فى كونها فيها إدراك بالحس الباطنى ومنه قوله :

٥٧ ـ أراهم رفقتى حتى إذا ما

تولّى الليل وانخزل انخزالا

وأضاف رأى للرؤيا ليعلم أنها الحلمية لأن مصدرها الرؤيا ومصدر رأى البصرية رؤية واحترز بقوله طالب مفعولين من علم العرفانية وانم بمعنى انسب وانتمى بمعنى انتسب وما موصولة واقعة على حكم علم المتعدية إلى مفعولين وهى مفعولة بانم وصلتها انتمى ولرأى متعلق بانم ، ولعل متعلق بانتمى وطالب مفعولين حال من علم ، وكذلك من قبل متعلق بانتمى والتقدير انسب العمل الذى انتسب من قبل لعمل فى حال كونه مفعولين لرأى الرؤيا.

ثم قال :

ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول

يعنى أن المفعولين فى هذا الباب لا يجوز حذفهما معا ولا حذف أحدهما من غير أن يدل على الحذف دليل وهذا هو الحذف على جهة الاقتصار لأنهما فى الأصل مبتدأ وخبر ، وفهم منه أنه يجوز حذفهما وحذف أحدهما إذا دل على الحذف دليل ، وهو الحذف على جهة الاختصار فمن حذفهما معا قوله :

__________________

(٥٧) البيت من الوافر ، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ١٣٠ ، والحماسة البصرية ١ / ٢٦٢ ، والدرر ٢ / ٢٥٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٥٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٤١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٤٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٠.

والشاهد فيه قوله : «أراهم رفقتى» حيث استعمل الفعل «رأى» دالا على الحلم والرؤيا ، فنصب مفعولين هما الضمير فى «أراهم» ، وقوله : «رفقتى».

٨٦

٥٨ ـ بأى كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا علىّ وتحسب

أى وتحسب حبهم عارا علىّ ومن حذف الأول ، (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)[آل عمران : ١٨٠).أى بخلهم ، ومن حذف الثانى قول عنترة :

٥٩ ـ ولقد نزلت فلا تظنى غيره

منى بمنزلة المحبّ المكرم

أى فلا تظنى ذلك واقعا ، وسقوط مفعول بتجز وهنا وبلا دليل متعلقان بتجز. ثم قال :

وكتظنّ اجعل تقول إن ولى

مستفهما به ولم ينفصل

بغير ظرف أو كظرف أو عمل

وإن ببعض ذى فصلت يحتمل

وأجرى القول كظن مطلقا

عند سليم نحو قل ذا مشفقا

يعنى أن أصل القول وما اشتق منه أن يدخل على الجملة فتحكى به وقد ينصب المفرد إذا كان فى معنى الجملة كقولك قلت خطبة ثم إنه قد يضمن معنى الظن فينصب مفعولين وذلك بشروط الأول أن يكون مضارعا الثانى أن يكون مفتتحا بتاء المخاطب ، وهذان الشرطان مفهومان من قوله : تقول الثالث أن تدخل عليه أداة الاستفهام وهو المنبه عليه بقوله : (إن ولى مستفهما به) الرابع أن لا يفصل بينهما بغير الظرف أو المجرور أو أحد المفعولين وهو المنبه عليه بقوله : (ولم ينفصل* بغير ظرف أو كظرف أو عمل) فمثال ما لا فصل فيه أتقول زيدا منطلقا ، ومنه قوله :

٦٠ ـ متى تقول القلص الرّواسما

يدنين أمّ قاسم وقاسما

__________________

(٥٨) البيت من الطويل ، وهو للكميت فى خزانة الأدب ٩ / ١٣٧ ، والدرر ١ / ٢٧٢ ، ٢ / ٢٥٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٥٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٦٩٢ ، والمحتسب ١ / ١٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢١ / ٤١٣ ، ٣ / ١١٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٦٩ ، وشرح الأشمونى ص ١٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٢.

والشاهد فيه قوله : «وتحسب» حيث حذف المفعولين لدلالة سابق الكلام عليهما.

(٥٩) البيت من الكامل ، وهو لعنترة فى ديوانه ص ١٩١ ، وأدب الكاتب ص ٦١٣ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤٠٥ ، والاشتقاق ص ٣٨ ، والأغانى ٩ / ٢١٢ ، وجمهرة اللغة ص ٥٩١ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٢٧ ، ٩ / ١٣٦ ، والخصائص ٢ / ٢١٦ ، والدرر ٢ / ٢٥٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٨٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٨٠ ، ولسان العرب ١ / ٢٨٩ (حبب) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤١٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ٧٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٥ ، والمقرب ١ / ١١٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٢.

والشاهد فيه قوله : «فلا تظنى غيره» حيث حذف المفعول الثانى ل «تظن» لقيام الدليل على المحذوف ، وتقدير الكلام : ولقد نزلت فلا تظنى غيره واقعا.

(٦٠) الرجز لهدبة بن خشرم فى ديوانه ص ١٣٠ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٣٦ ، والدرر ٢ / ٢٧٣ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٩٥ ، ولسان العرب ١١ / ٥٧٥ (قول) ، ١٢ / ٤٥٦ (فغم) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١٦٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٨٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.

والشاهد فيه قوله : «تقول القلص يدنين» حيث ورد الفعل تقول بمعنى «تظن» فنصب مفعولين هما «القلص» وجملة «يدنين»

٨٧

ومثال الفصل بالظرف كقولك أعندك تقول عمرا مقيما وبالمجرور : أفى الدار تقول زيدا جالسا ومثال الفصل بأحد المفعولين أزيدا تقول منطلقا ومثله قوله :

٦١ ـ أجهّالا تقول بنى لؤىّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا

ويعنى بقوله عمل أحد المفعولين لأنه بمعنى معمول وفى تنكير عمل إشعار بأنه لا يفصل إلا بأحد المفعولين لا بهما لأن التنكير يشعر بالتقليل وقوله : وإن ببعض ذى فصلت يحتمل تصريح بما فهم من الشطر الذى قبله وذى إشارة إلى الثلاثة المتقدمة وهى الظرف والمجرور وأحد المفعولين فإن لم تستوف الشروط بطل العمل وتعينت الحكاية وإن استوفيت الشروط جاز النصب والحكاية ، وقوله : (وأجرى القول كظن مطلقا) ، البيت يعنى أن بنى سليم ينصبون بالقول مطلقا أى بلا شرط ، يريد على جهة الجواز لأن الرفع على الحكاية عندهم جائز فتقول على الأول قلت عمرا منطلقا وقل ذا مشفقا. ومنه قول بعضهم :

٦٢ ـ قالت وكنت رجلا فطينا

هذا لعمر الله إسرائينا

والقول مرفوع بأجرى ومطلقا حال من القول وعند سليم متعلق بأجرى وقل فعل أمر وذا مفعول أول ومشفقا مفعول ثان.

أعلم وأرى

إذا دخلت همزة التعدية على فعل غير متعد تعدى إلى واحد نحو أدخل زيدا وإن دخلت على متعد إلى واحد تعدى بها إلى اثنين نحو ألبست زيدا ثوبا وإن دخلت على متعد إلى اثنين تعدى بها إلا ثلاثة وذلك فى فعلين خاصة وهما علم ورأى وإليهما أشار بقوله :

__________________

(٦١) البيت من الوافر ، وهو للكميت بن زيد فى خزانة الأدب ٩ / ١٨٣ ، ١٨٤ ، والدرر ٢ / ٢٧٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٣ ، وشرح المفصل ٧ / ٧٨ ، ٧٩ ، والكتاب ١ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٢٩ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى أمالى المرتضى ١ / ٣٦٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٧٨ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٣٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٩٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٨ ، والمقتضب ٢ / ٣٤٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.

والشاهد فيه قوله : «أجهالا تقول بنى لؤى» حيث أعمل «تقول» عمل «تظن» فنصب به مفعولين ، أحدهما قوله : «جهّالا» والثانى قوله : «بنى لؤى» مع أنّه فصل بين أداة الاستفهام والفعل بفاصل ـ وهو قوله : «جهالا» ـ وذلك لأن هذا الفصل لا يمنع الإعمال ، لأنّ الفاصل معمول للفعل ، فهو مفعوله الثانى.

(٦٢) الرجز لأعرابى فى المقاصد النحوية ٢ / ٤٢٥ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ٤٥٦ ، والدرر ٢ / ٢٧٢ ، وسمط اللآلى ص ٦٨١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٩ ، ولسان العرب ١٣ / ٣٢٣ (فطن) ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، (يمن) ، والمعانى الكبير ص ٦٤٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.

والشاهد فيه مجىء الفعل «قال» بمعنى «ظن» ، فنصب مفعولين هما «هذا» و «إسرائينا» ويريد إسرائيلا فقلب اللام نونا وقيل يجوز فى «إسرائيل» «إسرال» و «إسرائين».

٨٨

إلى ثلاثة رأى وعلما

عدّوا إذا صارا أرى وأعلما

يعنى أن علم ورأى المتعديين إلى اثنين إذا دخلت عليهما همزة النقل تعديا بها إلى ثلاثة فالمفعول الأول هو الذى كان فاعلا بهما قبل دخول الهمزة والثانى والثالث هما اللذان كانا منصوبين بهما فرأى وعلم مفعول مقدم بعدوا وإلى ثلاثة وإذا متعلقان بعدوا والضمير فى صارا عائد على علم ورأى وأرى وأعلم خبر صارا ثم قال :

وما لمفعولى علمت مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا

يعنى أن جميع ما استقر من الحكم للمفعولين فى رأى وعلم قبل دخول الهمزة من إلغاء وتعليق ومنع الحذف لغير دليل وجوازه لدليل ثابت للثانى والثالث من مفاعيل أعلم وأرى فما موصولة وهى مبتدأ وصلتها لمفعولى ومطلقا حال من الضمير المستتر فى المجرور العائد على ما وخبر ما حقق وللثان متعلق بحقق ثم قال :

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا

يعنى أن علم العرفانية ورأى البصرية المتعديتين إلى واحد إذا دخلت عليهما همزة التعدية تعديا إلى اثنين وليستا حينئذ من هذا الباب ولا من الباب الذى قبله لأن المفعول الثانى غير الأول فهو من باب كسا وأعطى ، ولذلك أشار بقوله :

والثّان منهما كثانى اثنى كسا

فهو به فى كلّ حكم ذو ائتسا

يعنى أن المفعول الثانى من هذين المفعولين كالمفعول الثانى من باب كسا يجوز فيه الحذف اختصارا واقتصارا ويمتنع فيه ما جاز فى مفعولى علمت المتعدية إلى اثنين من إلغاء وتعليق وغير ذلك من الأحكام الجائزة فيه ، وفهم من تشبيهه بباب كسا أن المفعول الثانى أيضا كالمفعول الأول من باب كسا إذ لا وجه لتخصيصه المفعول الثانى بالذكر فالضمير فى تعديا عائد على علم العرفانية ورأى البصرية وبلا همز متعلق بتعديا والفاء جواب الشرط ولاثنين وبه متعلقان بتوصلا والضمير فى به عائد على الهمز والثانى مبتدأ وخبره كثانى وفى كل حكم متعلق بائتسا وكذلك به ثم قال :

وكأرى السّابق نبّا أخبرا

حدّث أنبأ كذاك خبّرا

٨٩

ذكر أن أفعال هذا الباب سبعة والذى أثبت سيبويه منها أعلم وأرى ونبأ وزاد أبو على أنبأ وألحق بها السيرافى حدث وأخبر وخبر ونبأ مبتدأ وأخبر وحدث وأنبأ معطوفات عليه على حذف العاطف وخبره فى المجرور قبله وخبر مبتدأ خبره كذاك.

الفاعل

هو الاسم المسند إليه فعل أو ما جرى مجراه مقدما عليه على طريقة فعل أو فاعل وقد استغنى الناظم عن هذا التعريف بالمثال فقال :

الفاعل الّذى كمرفوعى أتى

زيد منيرا وجهه نعم الفتى

فأتى بمثالين الأول أتى زيد فزيد فاعل لأنه اسم أسند إليه فعل على طريقة فعل وقدم عليه وهو أتى والثانى منيرا وجهه فوجهه فاعل لأنه اسم أسند إليه وصف جار مجرى الفعل على طريقة فاعل وهو منير ثم تمم البيت بقوله : نعم الفتى وفيه تنبيه على أن فعل الفاعل يكون غير متصرف فقوله الفاعل مبتدأ والذى خبره وهو موصول صلته كمرفوعى وهو مضاف إلى المثالين على حذف القول والتقدير كمرفوعى قولك أتى زيد منيرا وجهه. ثم قال:

وبعد فعل فاعل فإن ظهر

فهو وإلّا فضمير استتر

يعنى أن الفعل لا بد له من فاعل وفهم من قوله بعد أن الفاعل لا يكون إلا بعد الفعل وقوله فإن ظهر أى فإن ظهر ما هو فاعل فى المعنى فهو الفاعل فى الاصطلاح والمراد بظهر برز فشمل الظاهر نحو قام زيد والضمير البارز نحو قمت وقوله وإلا أى وإن لم يبرز وقوله فضمير استتر نحو قم ففى قم ضمير مستتر إذ لا يستغنى الفعل عن الفاعل وفاعل مبتدأ خبره فى الظرف قبله وفإن ظهر شرط والفاء جواب الشرط وهو مبتدأ وخبره محذوف تقديره الفاعل وإن شرط ولا نافية وفعل الشرط محذوف تقديره وإن لا يظهر والفاء جواب الشرط وضمير خبر مبتدأ مضمر تقديره وإلا فهو ضمير واستتر فى موضع الصفة لضمير. ثم قال :

وجرّد الفعل إذا ما أسندا

لاثنين أو جمع كفاز الشّهدا

يعنى أن الفعل إذا أسند إلى فاعل مثنى أو مجموع جرد من علامة التثنية والجمع فتقول قام الزيدان وقام الزيدون هذه هى اللغة الفصيحة وفهم من المثال أن شرط الفاعل المذكور أن يكون ظاهرا فالفعل مفعول بجرد وبعده مجرور محذوف تقديره من العلامتين ولاثنين متعلق بأسند. ثم أشار إلى اللغة الأخرى بقوله :

٩٠

وقد يقال سعدا وسعدوا

والفعل للظّاهر بعد مسند

هذه اللغة يسميها النحويون لغة أكلونى البراغيث وهى أن يلحق الفعل المسند إلى المثنى ألف والمسند إلى الجمع المذكر واو ، والمسند إلى الجمع المؤنث نون فتقول سعدا أخواك وسعدوا إخوتك وسعدن بناتك وهذه الأحرف اللاحقة للفعل على هذه اللغة ليست بضمائر وإنما هى علامات للفعل كالتاء فى قامت هند ويكون المسند إليه بلفظ التثنية والجمع كما ذكر وبعطف آخر الاسمين على الأول كقوله :

٦٣ ـ تولّى قتال المارقين بنفسه

وقد أسلماه معبد وحميم

وفهم من قوله قد يقال قلة هذه اللغة ، وفهم من قوله : والفعل للظاهر بعد مسند أن هذه الحروف علامات لا ضمائر وسعدا فى موضع رفع بيقال والواو فى قوله والفعل واو الحال أى والحالة هذه. ثم قال :

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل زيد فى جواب من قرا

يعنى أن الفعل قد يحذف ويبقى الفاعل وتجوّز فى قوله أضمرا والمراد حذف وشمل إطلاقه الحذف جوازا كالمثال الذى ذكر ، والحذف وجوبا كقوله عزوجل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ويجوز فى زيد المثال أن يكون فاعلا والتقدير قرأ زيد وأن يكون مبتدأ محذوف الخبر وهو أجود لمطابقة الجواب للسؤال فإن السؤال جملة اسمية ، ومن حذفه جوازا قوله عزوجل فى قراءة ابن عامر وشعبة : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ) [النور : ٣٦ ، ٣٧] أى يسبح له رجال. ثم قال :

وتاء تأنيث تلى الماضى إذا

كان لأنثى كأبت هند الأذى

يعنى أن الفعل الماضى إذا أسند إلى المؤنث لحقته تاء تدل على تأنيث فاعله ، وهى فى ذلك على قسمين : لازمة وجائزة ؛ وقد أشار إلى اللازمة بقوله :

__________________

(٦٣) البيت من الطويل ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ديوانه ص ١٩٦ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٣ ، والدرر ٢ / ٢٨٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٨٤ ، ٧٩٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٠٦ ، والجنى الدانى ص ١٧٥ ، وجواهر الأدب ص ١٠٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٢٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٩ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٣٦٧ ، ٣٧١ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.

والشاهد فيه قوله : «وقد أسلماه معبد وحميم» حيث ألحق بالفعل المسند إلى الفاعل الظاهر ضمير التثنية ، وذلك على لغة الحارث بن كعب ، وهى لغة ما يسمّى «أكلونى البراغيث».

٩١

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

فذكر أنها تلزم فى موضعين : الأول أن يكون المسند إليه ضميرا متصلا وشمل الحقيقى التأنيث نحو هند قامت والمجازى التأنيث نحو الشمس طلعت. واحترز بقوله متصل من المنفصل نحو ما قام إلا أنت. الثانى أن يكون المسند إليه ظاهرا حقيقى التأنيث وهو المشار إليه بقوله ذات حر ، والحر الفرج وفعل مفعول بتلزم وفى تلزم ضمير مستتر يعود على التاء ومضمر على حذف مضاف والتقدير فعل فاعل مضمر ومتصل نعت لمضمر فلو فصل بين الفعل والفاعل الحقيقى التأنيث فإما أن يكون الفاصل غير إلا أو إلا فإن كان الفاصل غير إلا فقد أشار إليه بقوله :

وقد يبيح الفصل ترك التّاء فى

نحو أتى القاضى بنت الواقف

يعنى أنه إذا فصل بين الفعل والفاعل الحقيقى التأنيث بغير إلا جاز وجهان إثبات التاء وتركها وفهم من قوله وقد يبيح أن حذفها قليل بالنسبة إلى إثباتها فالفصل فاعل يبيح وترك مفعول به وفى متعلق بيبيح ونحو مضاف إلى قول محذوف والتقدير فى نحو قولك والفصل هنا بالمفعول. وإن كان الفاصل إلا فقد أشار إليه بقوله :

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا

كما زكا إلّا فتاة ابن العلا

فما زكا إلا فتاة أحسن مما زكت إلا فتاة وإنما كان حذفها أحسن لأن الفعل فى التقدير مسند إلى مذكر لأن التقدير ما زكا أحد إلا فتاة ابن العلا فالحذف مبتدأ وخبره فضلا ومع متعلق بالحذف وبإلا متعلق بفضل. ثم قال :

والحذف قد يأتى بلا فصل

أشار بذلك إلى ما حكاه سيبويه عن بعض العرب قال فلانة وأشار بقوله :

 ... ومع

ضمير ذى المجاز فى شعر وقع

إلى قول الشاعر :

٩٢

٦٤ ـ فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

فأسقط التاء من أبقل والفعل مسند إلى ضمير الأرض والحذف مبتدأ وخبره قد يأتى وبلا فصل متعلق بيأتى ومع متعلق بوقع وذى المجاز نعت لمحذوف والتقدير مع ضمير المؤنث ذى المجاز. ثم قال :

والتّاء مع جمع سوى السّالم من

مذكّر كالتّاء مع إحدى اللّبن

يعنى أن الفعل الماضى إذا أسند لجمع غير المذكر السالم حكمه كحكمه مع المجازىّ التأنيث كإحدى اللبن وهى لبنة فتقول قام الرجال وقامت الرجال كما تقول سقطت اللبنة وسقط اللبنة وشمل غير السالم من مذكر جمع التكسير كما ذكر وجمع المؤنث السالم فتقول على هذا قام الهندات وقامت الهندات وفى هذا خلاف والذى ذهب إليه الناظم جواز الوجهين وهو مذهب كوفى ومذهب جمهور البصريين أنه كواحده يلزم فيه التاء. فالتاء مبتدأ ومع جمع فى موضع الحال منه وخبر المبتدأ كالتاء وسوى السالم نعت لجمع ومن مذكر متعلق بالسالم واللبن جمع لبنة وهى الآجرة. ثم قال :

والحذف فى نعم الفتاة استحسنوا

لأنّ قصد الجنس فيه بيّن

يعنى أن العرب استحسنوا الحذف فى نعم فتقول نعم المرأة هند وفهم منه أن بئس مثلها إذ لا فرق فتقول بئس المرأة هند وإنما استحسن فى هذا الحذف لما ذكر من قصد الجنس كأنه فى معنى نعم جنس المرأة ولا يفهم من قوله استحسنوا أنه أحسن من الإثبات بل هو مستحسن وإن كان الإثبات أحسن. فالحذف مفعول باستحسنوا وفى نعم متعلق بالحذف أو استحسنوا ولأن متعلق باستحسنوا ، ثم قال :

__________________

(٦٤) البيت من المتقارب ، وهو لعامر بن جوين فى تخليص الشواهد ص ٤٨٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥ ، ٤٩ ، ٥٠ ، والدرر ٦ / ٢٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٩ ، ٤٦٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٤٣ ، والكتاب ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب ٧ / ١١١ (أرض) ، ١١ / ٦٠ (بقل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٤ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٥٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٨ ، وجواهر الأدب ص ١١٣ ، والخصائص ٢ / ٤١١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٤ ، والرد على النحاة ص ٩١ ، ورصف المبانى ص ١٦٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٥٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٩٤ ، ولسان العرب ١ / ٣٥٧ (خضب) ، والمحتسب ٢ / ١١٢ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٥٦ ، والمقرب ١ / ٣٠٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧١.

والشاهد فيه قوله : «ولا أرض أبقل إبقالها» والقياس : أبقلت إبقالها لأن الفعل مسند إلى ضمير عائد على «الأرض» وهى مؤنث مجازى ، فحذف التاء ضرورة.

٩٣

والأصل فى الفاعل أن يتّصلا

والأصل فى المفعول أن ينفصلا

وقد يجاء بخلاف الأصل

وقد يجى المفعول قبل الفعل

يعنى أن الأصل أن يتقدم الفاعل على المفعول لأن الفاعل كالجزء من فعله بخلاف المفعول.

والأصل مبتدأ وفى الفاعل متعلق به وأن يتصلا خبره وإعراب عجز البيت مثل صدره. ثم قال : (وقد يجاء بخلاف الأصل) خلاف الأصل هو أن يتقدم المفعول على الفاعل فتقول ضرب عمرا زيد. وبخلاف فى موضع رفع على أنه مفعول لم يسم فاعله وقد فى قوله قد يجاء للتحقيق لا للتقليل فإن تقديم المفعول على الفاعل كثير إلا أن يراد بالنسبة إلى تقديم الفاعل على المفعول فتكون للتقليل. ثم قال : (وقد يجى المفعول قبل الفعل) يعنى أن المفعول قد يأتى متقدما على الفعل وشمل ما تقديمه جائز نحو فريقا هدى وما تقديمه واجب نحو إياك نعبد وظاهر قد هنا أنها للتقليل لأن تقديم المفعول على الفعل أقل من تقديمه على الفاعل. ثم قال :

وأخّر المفعول إن لبس حذر

أو أضمر الفاعل غير منحصر

ذكر فى هذا البيت موضعين يجب فيهما تأخير المفعول على الفاعل : الأول أن يخاف اللبس وذلك بأن يكون الإعراب خفيا فى الفاعل والمفعول معا نحو ضرب موسى عيسى فالأول هو الفاعل محافظة على الرتبة والآخر أن يكون الفاعل ضميرا متصلا نحو ضربت زيدا. والمفعول مفعول بأخر وإن شرط ولبس مفعول لم يسم فاعله بفعل محذوف يفسره حذر وأو أضمر معطوف على حذر وغير منحصر حال من الفاعل واحترز به من الفاعل إذا كان منحصرا فإنه يجب انفصاله وتأخيره ويكون حينئذ المفعول واجب التقديم نحو ما ضرب زيدا إلا أنا. ثم قال :

وما بإلّا أو بإنّما انحصر

أخّر وقد يسبق إن قصد ظهر

يعنى أنه يجب تأخير المحصور بإلا أو بإنما فاعلا كان أو مفعولا فإذا قصد حصر المفعول وجب تأخيره وتقديم الفاعل فتقول ما ضرب زيد إلا عمرا وإنما ضرب زيد عمرا وإذا قصد حصر الفاعل وجب تأخيره وتقديم المفعول فتقول ما ضرب عمرا إلا زيد وإنما ضرب عمرا زيد وقوله وقد يسبق إن قصد ظهر ولا يظهر القصد إلا فى المحصور بإلا وأما المحصور بإنما فقد لا يعلم حصره إلا بتأخيره. وأشار بذلك إلى قوله :

٩٤

٦٥ ـ فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا

عشية آناء الديار وشامها

فقدم الفاعل وهو محصور على المفعول وما موصولة وهى مفعول مقدم بأخر وصلتها انحصر وبإلا متعلق بانحصر وفهم من قوله قد يسبق أن ذلك قليل وأن ذلك لا يكون إلا مع إلا لأن القصد لا يظهر إلا معها. ثم قال :

وشاع نحو خاف ربّه عمر

وشذّ نحو زان نوره الشّجر

يعنى أن تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل على الفاعل كثير وهو قوله خاف ربه عمر فربه مفعول مقدم ملتبس بضمير الفاعل وإنما كثر ذلك لأن الضمير وإن كان عائدا على ما بعده فإن المفسر للضمير مقدم فى النية لأن تقديمه هو الأصل وقوله : (وشذ نحو زان نوره الشجر) يعنى أن تقدم الفاعل الملتبس بضمير المفعول على المفعول قليل وإنما قلّ ذلك لأن الضمير الملتبس به عائد على متأخر لفظا ورتبة لأن المفعول فى نية التأخير. ونحو فاعل بشاع وهو على حذف مضاف والتقدير شاع نحو قولك وكذلك شذ.

النائب عن الفاعل

يسمى النائب عن الفاعل ويسمى المفعول الذى لم يسم فاعله. قوله :

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنيل خير نائل

يعنى أن الفاعل يحذف وينوب عنه المفعول به. وقوله فيما له أى فيما استقر له من الأحكام كوجوب الرفع والتأخير وعدم الحذف وتسكين آخر الفعل الماضى معه ولحاق تاء التأنيث فى الماضى إذا كان مؤنثا ثم مثل بقوله : (كنيل خير نائل) أصله نلت خير نائل فلما حذف الفاعل ارتفع المفعول به لنيابته عنه. ولما كانت نيابة المفعول به عن الفاعل مشروطة بتغيير فعل الفاعل عن بنيته إلى بنية تدل على النيابة نبه على ذلك بقوله :

__________________

(٦٥) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ٩٩٩ ، والدرر ٢ / ٢٨٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢ / ١٣١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٣ ، والمقرب ١ / ٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦١.

والشاهد فيه قوله : «فلم يدر إلا الله ما» حيث قدّم الفاعل المحصور ب «إلّا» ، وهو لفظ الجلالة ، على المفعول «ما» وهذا غير جائز عند جمهور النحاة ، وكان الكسائى يسوّغه فى الشعر.

٩٥

فأوّل الفعل اضممن والمتّصل

بالآخر اكسر فى مضىّ كوصل

واجعله من مضارع منفتحا

كينتحى المقول فيه ينتحى

يعنى أن أول الفعل المبنى للمفعول يضم ، وشمل الماضى والمضارع فإنهما يشتركان فى ضم الأول فإن كان ماضيا كسر ما قبل آخره وإلى ذلك أشار بقوله : (والمتصل* بالآخر اكسر فى مضىّ) ثم مثل ذلك بقوله : (كوصل) وأصله وصلت الشىء فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه فتغير فعل إلى فعل وإن كان مضارعا فتح ما قبل الآخر ، وإلى ذلك أشار بقوله : (واجعله من مضارع منفتحا) أى اجعل ما قبل الآخر من المضارع منفتحا ثم مثل بقوله : (كينتحى المقول فيه ينتحى) فقوله وأوّل الفعل مفعول مقدم باضممن والمتصل مفعول مقدم أيضا باكسر وفى متعلق باكسر وبالآخر متعلق بالمتصل والهاء فى اجعله عائدة على ما قبل الآخر ومن مضارع متعلق باجعله ومنفتحا مفعول ثان باجعل والمقول نعت لينتحى وفيه متعلق بالمقول وينتحى محكى بالمقول ويجوز ضبط المقول بالضم فيكون قد تمّ الكلام عند قوله كينتحى ثم استأنف فالتقدير على هذا واجعله من مضارع كينتحى منفتحا فالمقول فيه إذا على هذا العمل الذى هو ضم الأول وفتح ما قبل الآخر ينتحى فينتحى على هذا الوجه خبر عن المقول لا محكى وبالأول جزم المرادى. ثم إن ضم الأول فى الماضى والمضارع وكسر ما قبل الآخر فى الماضى وفتحه فى المضارع مطرد فى جميع الأفعال المبنية للمفعول وقد يضم إلى ذلك فى بعض الأفعال تغيير آخر ، وذلك فى نوعين : الأول أن يكون أول الفعل الماضى تاء المطاوعة ، وإلى ذلك أشار بقوله :

والثّانى التّالى تا المطاوعه

كالأوّل اجعله بلا منازعه

يعنى أن الحرف الثانى من الفعل الماضى المفتتح بتاء المطاوعة يضم أيضا كالأول فتقول فى تعلمت الحساب تعلم الحساب بضم الأول والثانى وفهم من قوله تا المطاوعة أن المراد بالفعل هنا الماضى لأن المضارع لا يفتتح بتاء المطاوعة بل بحرف المضارعة والثانى مفعول بفعل محذوف يفسره اجعله وتاء المطاوعة مفعول بالتالى. وكالأول فى موضع المفعول الثانى لا جعله وبلا منازعة متعلق باجعله وهو تتميم للبيت لصحة الاستغناء عنه. الثانى أن يكون الفعل الماضى مفتتحا بهمزة الوصل وإلى ذلك أشار بقوله :

وثالث الّذى بهمز الوصل

كالأول اجعلنّه كاستحلى

يعنى أن الفعل إذا افتتح بهمز الوصل جعل ثالثه مضموما كالأول فتقول فى انطلق انطلق

٩٦

وفى استحلى استحلى وفهم من قوله بهمز الوصل أن ذلك الفعل لا يكون إلا ماضيا لأن المضارع لا يفتتح بهمزة الوصل. وثالث مفعول بفعل مقدر من باب الاشتغال والذى نعت لمحذوف والتقدير وثالث الفعل الذى ابتدئ بهمز الوصل والعامل فيه ابتدئ وافتتح وليس العامل فيه الكون المطلق وإعراب البيت كإعراب البيت الذى قبله. ثم قال :

واكسر أو اشمم فا ثلاثىّ أعلّ

عينا وضمّ جا كبوع فاحتمل

يعنى أن فى الفعل الماضى الثلاثى المعتل العين ثلاث لغات : الأولى إخلاص الكسر وهى المشار إليها بقوله واكسر. الثانية الإشمام وهى المشار إليها بقوله أو اشمم وحقيقته عند الجمهور أن تكون الكسرة مشوبة بشىء من صوت الضمة وهاتان اللغتان فصيحتان وقرئ بهما فى المتواتر. الثالثة إخلاص الضمة وهى المشار إليها بقوله وضم جا كبوع ، ومنه قوله :

٦٦ ـ ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

وشمل قوله فا ثلاثى المفتوح العين نحو باع والمكسور العين كخاف وشمل قوله أعل ما عينه ياء كباع وما عينه واو كقال والأصل فى هذه اللغات كلها فعل بضم الفاء وكسر العين كالصحيح والأصل فى بيع بإخلاص الكسر بيع فاستثقلت الكسرة فى الياء فنقلت إلى الباء وذهبت حركة الياء وسكنت العين لزوال حركتها والأصل فى قيل قول استثقلت أيضا الكسرة فى الواو فنقلت إلى القاف وبقيت الواو ساكنة فقلبت ياء لسكونها وكسر ما قبلها وأما على لغة قول وبوع فإن الكسرة حذفت من حرف العلة فسلمت الواو وقلبت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها وأما على لغة الإشمام فهى مركبة من اللغتين. وفا ثلاثى مفعول باشمم على إعمال الثانى ومفعول اكسر محذوف وأعل فى موضع الصفة لثلاثى وعينا تمييز وضم مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه فى معرض التفصيل وخبره جا وقصره ضرورة واحتمل معطوف على جا وكبوع فى موضع الحال من فاعل جا. ثم قال :

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حبّ

__________________

(٦٦) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧١ ، والدرر ٤ / ٢٦ ، ٦ / ٢٦٠ ، وشرح التصريح وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨١٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٤ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٩٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٥٥ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٨١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٣٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٨ ، ٢ / ١٦٥.

والشاهد فيه قوله : «بوع» على لغة بعض العرب ، والمشهور «بيع».

٩٧

يعنى أنه إذا خيف لبس النائب عن الفاعل بالفاعل بسبب شكل ترك ذلك الشكل الموقع فى اللبس واستعمل الشكل الذى لا لبس فيه وذلك نحو بيع العبد إذا أسندته إلى ضمير المخاطب فقلت بعت يا عبد بإخلاص الكسر لم يعلم هل هو فعل وفاعل أو فعل ومفعول فيترك الكسر ويرجع إلى الضم أو الإشمام وكذلك طلت يا زيد إذا أسندته أيضا إلى ضمير المخاطب فقلت طلت بالضم التبس بفعل الفاعل فترجع إلى الإشمام أو الكسر إذ لا لبس فيهما. وإن شرط وخيف فعل الشرط ولبس مفعول لم يسم فاعله وبشكل متعلق بخيف ويجتنب جواب الشرط. ثم قال (وما لباع قد يرى لنحو حب) يعنى أنه يجوز فى فاء الفعل الثلاثى المضاعف نحو حب وردّ ما جاز فى فاء باع من كسر وإشمام وضم وقد قرئ هذه بضاعتنا ردّت إلينا بكسر الراء وفهم من قوله قد يرى أن ذلك قليل ولم يقرأ بها فى المتواتر. فما مبتدأ موصول وصلته لباع وقد يرى الخبر ولنحو فى موضع المفعول الثانى ليرى. ثم قال :

وما لفا باع لما العين تلى

فى اختار وانقاد وشبه ينجلى

يعنى أن ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل نحو اختار أو على وزن انفعل نحو انقاد وما أشبههما يجوز فى الحرف الذى تليه العين ما جاز فى فاء باع من الأوجه الثلاثة المذكورة فتقول اختير واختور وبالإشمام وفهم من تمثيله باختار وانقاد أن ما صحت عينه من هذين الوزنين لا يجرى فيه ما ذكر نحو اعتور بل يجرى مجرى الصحيح. وما موصولة مبتدأ وصلتها لفا باع وخبرها لما العين تلى والعين مبتدأ وخبره تلى والجملة صلة ما الثانية وفى اختار متعلق بتلى والتقدير ما استقر من الأوجه الثلاثة لفا باع ثابت للحرف الذى تليه العين فى اختار وانقاد وما أشبههما وينجلى فى موضع الصفة لشبه أى وما يشبههما فى الوزن والإعلال. ثم إن الذى ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء المفعول به والظرف والمصدر والجار والمجرور وقد ذكر فى أول الباب المفعول به وأشار هنا إلى بقية ما ينوب عن الفاعل فقال :

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جرّ بنيابة حرى

يعنى أنه ينوب عن الفاعل ما يقبل النيابة من ظرف وشمل ظرف الزمان وظرف المكان ، ويشترط فى نيابتهما أن لا يكونا مبهمين فلا يجوز سير وقت ولا جلس مكان وأن يكونا متصرفين فلا يجوز سير سحر ولا جلس عند أو ما يقبل النيابة من مصدر ويشترط أيضا فى نيابته أن لا يكون مؤكدا وأن لا يكون غير متصرف نحو سبحان أو حرف جر يعنى مع مجروره

٩٨

ويشترط فى نيابته أن لا يلزم طريقة واحدة كحروف القسم والاستثناء ومذ ومنذ وهذه الشروط كلها مستفادة من قوله : (وقابل من ظرف أو من مصدر) فإنك إذا رمت إسناد الفعل المبنى للمفعول إلى أحد هذه الأشياء تعذر ذلك فمثال ما توفرت فيه شروط النيابة سير بزيد يومين وفرسخين سيرا شديدا إن أقمت المجرور وسير بزيد يومان فرسخين سيرا شديدا إن أقمت ظرف الزمان وسير بزيد يومين فرسخين سير شديد إن أقمت المصدر ، وقابل مبتدأ ومن ظرف متعلق به وهو الذى سوّغ الابتداء به. وحرى بمعنى حقيق وهو خبر المبتدأ وبنيابة متعلق به. ثم قال :

ولا ينوب بعض هذى إن وجد

فى اللّفظ مفعول به وقد يرد

اعلم أنه إذا اجتمع مع المفعول به أحد هذه الأشياء الأربعة المذكورة لا ينوب واحد منها بحضرته هذا هو مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين أنه يجوز أن ينوب كل واحد منها بحضرة المفعول به وبه أخذ الناظم وإلى ذلك أشار بقوله : (وقد يرد) ، وفهم منه أن ذلك قليل ومنه قراءة بعضهم : ليجزى قوما بما كانوا يكسبون على إقامة المجرور مقام الفاعل وهو بما كانوا مع حضرة المفعول به وهو قوما. وقوله بعض فاعل بينوب وهذى إشارة إلى الأربعة المذكورة وإن وجد شرط محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه وفاعل يرد ضمير مستتر والتقدير وقد يرد ذلك أى نيابة أحد المشار إليه مع وجود المفعول به. ثم قال :

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب كسا فيما التباسه أمن

يعنى أن النحويين اتفقوا على جواز نيابة المفعول الثانى من باب كسا ويعبر أيضا عن هذا النوع بباب أعطى وهو ما كان المفعول الثانى فيه غير الأول واحترز به من المفعول الثانى من باب ظن وذلك مع أمن اللبس فتقول على هذا كسى زيدا ثوب وأعطى عمرا درهم وفهم من قوله : فيما التباسه أمن أنه إذا وجد لبس وجب إقامة الأول كقولك أعطى زيد عمرا وفهم أيضا من سكوته عن الأول أنه يجوز نيابته باتفاق لدخوله تحت عبارته فى قوله فى أول الباب : ينوب مفعول به عن فاعل. وقد إما للتحقيق لأنه جائز اتفاقا وإما للتقليل بالنظر إلى نيابة الأول فإنه أكثر وباتفاق متعلق بينوب وكذلك فيما والثان فاعل ومن باب فى موضع الحال من الثان. ثم قال :

٩٩

فى باب ظنّ وأرى المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر

يعنى أن نيابة المفعول الثانى من باب ظن وهو ما هو خبر فى الأصل والمفعول الثانى من باب أعلم وأصله المبتدأ اشتهر عند النحويين منعه ووجه منعه فى باب ظن أنه خبر فى الأصل والنائب عن الفاعل مخبر عنه فتنافيا ووجه منعه فى أعلم أن المفعول الأول مفعول به حقيقة فينزل المفعول الثانى والثالث مع الأول منزلة الظرف والمجرور مع وجود المفعول به وذهب بعضهم إلى جواز نيابتهما وهو اختيار الناظم وإلى ذلك أشار بقوله : (ولا أرى منعا إذا القصد ظهر) وظهور القصد هو عدم اللبس فيجوز عنده ظن قائم زيدا ، وأعلم زيدا فرسه مسرجا وفهم من سكوته عن المفعول الأول من باب ظن وأعلم أنه يجوز نيابتهما بلا خلاف. وفى باب متعلق باشتهر وهو الخبر عن المنع والقصد فاعل بفعل محذوف يفسره ظهر ثم قال :

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا

يعنى أنه يجب نصب ما تعلق بالفعل المسند إلى النائب مع رفع النائب وشمل قوله وما سوى النائب جميع المنصوبات كظرف الزمان وظرف المكان والمصدر والحال والتمييز والمفعول له أو فيه أو معه فتقول أعطى زيد درهما يوم الجمعة أمام زيد إعطاء فتنصب جميع ما علق بالفعل غير النائب. وما مبتدأ موصولة وصلتها سوى النائب ومما متعلق بالاستقرار العامل فى الصلة ، وبالرافع متعلق بعلق والنصب له مبتدأ وخبر والجملة خبر ما ومحققا حال من الضمير المستتر فى له العائد على النصب.

اشتغال العامل عن المعمول

المراد بالعامل فى هذا الباب المفسر للعامل فى الاسم السابق ومن شرطه صلاحيته للعمل فيه فوجب أن لا يكون إلا فعلا متصرفا أو اسم فاعل أو اسم مفعول ولا يجوز أن يكون فعلا غير متصرف ولا صفة مشبهة ولا حرفا لأن هذه لا تعمل فيما قبلها فلا تفسر عاملا ، ثم قال :

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحلّ

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما موافق لما قد أظهرا

يعنى أن الفعل إذا اشتغل بنصب ضمير عائد على اسم سابق عن نصب لفظ ذلك الاسم السابق وعن نصب محله فانصب ذلك الاسم السابق بفعل لازم الإضمار موافق للفعل

١٠٠