شرح المكودي

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

شرح المكودي

المؤلف:

أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٥

وبعد حتى هكذا إضمار أن

حتم كجد حتى تسرّ ذا حزن

يعنى أن الفعل المضارع إذا وقع بعد حتى فهو منصوب بأن مضمرة وجوبا والمراد بحتى هنا حتى الجارة وفهم ذلك من كون أن مقدرة بعدها وأن وما بعدها مقدرة بمصدر وهو فى موضع جر بها ولا يمكن أن يكون حرف ابتداء لأن الابتدائية لا يقع بعدها إلا جملة ولا عاطفة لعدم شروط العطف ومثال ذلك سرت حتى أدخل المدينة وجد حتى تسر ذا حزن ، فإضمار أن مبتدأ وحتم خبره وبعد متعلق بحتم وكذلك كجد. ولما كان الفعل المضارع الواقع بعد حتى لا ينتصب بإضمار أن بعد حتى مطلقا بل بشرط كونه مستقبلا نبه على ذلك بقوله.

وتلو حتّى حالا أو مؤوّلا

به ارفعنّ وانصب المستقبلا

يعنى أن المضارع بعد حتى إذا كان حالا كقولهم مرض حتى لا يرجونه أو مؤولا بالحال كقوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤] فى قراءة نافع وجب رفعه وإن كان مستقبلا وجب نصبه كما تقدم فى البيت قبله وتلو مفعول مقدم بارفعن والمراد بالتلو المضارع التالى لحتى وحالا وأو مؤولا حالان من تلو وبه متعلق بمؤول والمستقبل مفعول بانصب. ثم انتقل إلى الرابع فقال :

وبعد فا جواب نفى أو طلب

محضين أن وسترها حتم نصب

يعنى أنّ أن تنصب واجبة الإضمار الفعل المضارع الواقع بعد الفاء التى هى جواب النفى والطلب المحضين ، مثال النفى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] وشمل الطلب سبعة أشياء : الأول : الأمر نحو زرنى فأكرمك ومثله قول الراجز :

١٨٢ ـ يا ناق سيرى عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

__________________

(١٨٢) الرجز لأبى النجم فى الدرر ٣ / ٥٢ ، ٤ / ٧٩ ، والرد على النحاة ص ١٢٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، والكتاب ٣ / ٣٥ ، ولسان العرب ٣ / ٨٣ (نفخ) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٨٢ ، ورصف المبانى ص ٣٨١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٠ ، ٢٧٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٠٢ ، ٣ / ٥٦٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٠ ، وشرح قطر الندى ص ٧١ ، وشرح المفصل ٧ / ٢٦ ، واللمع فى العربية ص ٢١٠ ، والمقتضب ٢ / ١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٢.

والشاهد فيه نصب ما بعد الفاء على جواب الأمر.

٢٨١

الثانى : النهى نحو (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [طه : ٨١] الثالث : الدعاء كقول الشاعر :

١٨٣ ـ رب وفّقنى فلا أعدل عن

سنن الماضين فى خير سنن

الرابع : الاستفهام كقول الشاعر :

١٨٤ ـ هل تعرفون لباناتى فأرجو أن

تقضى فيرتدّ بعض الروح للجسد

الخامس : العرض كقوله :

١٨٥ ـ يا بن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدّثوك فما راء كمن سمعا

السادس : التحضيض كقوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) [المنافقون : ١٠] السابع : التمنى كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) [النساء : ٧٣] واحترز بقوله محضين من النفى المبطل بالإثبات نحو ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ومن الأمر باسم الفعل نحو نزال فنكرمك فالرفع فى هذين ليس إلا وأن مبتدأ ونصب خبره وسترها حتم مبتدأ وخبر فى موضع الحال من فاعل نصب وبعد فا فى موضع الحال من مفعوله المحذوف وتقدير المفعول المحذوف نصب المضارع وستر بفتح السين وهو مصدر ستر وأما الستر بكسر السين فهو ما يستتر به والتقدير إن نصب الفعل فى حال كون الفعل بعدها أى بعد الفاء المجاب بها ما ذكر. ثم انتقل إلى الخامس فقال :

__________________

(١٨٣) البيت من الرمل ، وهو بلا نسبة فى الدرر ٤ / ٨٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧١ ، وشرح قطر الندى ص ٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١.

والشاهد فيه قوله : «ربّ وفقنى فلا أعدل» حيث نصب الفعل «أعدل» بفاء السببية بعد فعل الدعاء الأصيل. وقال العينى : واحترز بالفعل من أن يكون الدعاء بالاسم ، نحو : «سقيا لك ورعيا» وبقولنا : «أصيل» من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر ، نحو : «رحم الله زيدا فيدخله الجنة» (المقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨).

(١٨٤) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٦٣ ، وشرح قطر الندى ص ٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨.

والشاهد فيه قوله : «فأرجو» حيث نصب المضارع ب «أن» المضمرة بعد فاء السببية الواقعة فى جواب الاستفهام المدلول عليه بقوله : «هل تعرفون لباناتى».

(١٨٥) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الدرر ٤ / ٨٢ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧١ ، وشرح قطر الندى ص ٧٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢.

والشاهد فيه قوله : «فتبصر» حيث نصب الفعل المضارع «تبصر» ب «أن» مضمرة وجوبا بعد فاء السببية فى جواب العرض.

٢٨٢

والواو كالفا إن تفد مفهوم مع

كلا تكن جلدا وتظهر الجزع

يعنى أن الواو مثل الفاء المتقدمة فى وجوب إضمار أن بعدها ونصب الفعل المضارع بعد النفى أو الطلب وفهم ذلك من تشبيهه بها لكن بشروط : أن تكون للجمع وهو المنبه عليه بقوله إن تفد مفهوم مع نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن ومثله لا تكن جلدا وتظهر الجزع أى لا تجمع بين هذين وفهم منه أنها إن لم تكن للجمع فلا تنصب نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالجزم إن أردت النهى عنهما مجتمعين ومتفرقين وبالرفع إن أردت النهى عن الأول واستئناف الثانى أى وأنت تشرب اللبن وإن تفد شرط حذف جوابه لدلالة ما تقدم عليه والتقدير إن تفد مفهوم مع فهى كالفاء. والألف واللام فى الفاء للعهد وهى السابقة. ثم أخذ فى بيان أحكام تتعلق بالباب فقال :

وبعد غير النّفى جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد

يعنى أن الفاء المتقدم ذكرها إذا حذفت بعد غير النفى وقصد الجزاء انجزم الفعل الذى بعدها وفهم منه أنه إن لم يقصد الجزاء فلا جزم بل يكون الفعل مرفوعا. فمثال الأمر :

١٨٦ ـ قفا نبك من ذكرى

__________________

(١٨٦) هناك بيتان بنفس المطلع ، البيت الأول :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

والبيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٨٩ ، والدرر ٣ / ١٤٢ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٧٤ ، ٢ / ٧٥٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣ / ٤٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٩٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٣٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٧.

والبيت الثانى :

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

وربع عفت آياته منذ زمان

والبيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٨ ، والأزهية ص ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، وجمهرة اللغة ص ٥٦٧ ، والجنى الدانى ص ٦٣ ، ٦٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٣٢ ، ٣ / ٢٢٤ ، والدرر ٦ / ٧١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٠١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٢ ، وشرح المغنى ١ / ٤٦٣ ، والكتاب ٤ / ٢٠٥ ، ولسان العرب ١٥ / ٢٠٩ (قوا) ، ومجالس ثعلب ص ١٢٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٩ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٥٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥٩ ، وجمهرة اللغة ص ٥٨٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٦ ، والدرر ٦ / ٨٢ ، ورصف المبانى ص ٣٥٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤١٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣١٦ ، وشرح قطر الندى ص ٨٠ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١١٠ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٦١ ، ٢٦٦ ، والمنصف ١ / ٢٢٤. وهمع الهوامع ٢ / ١٣١.

٢٨٣

وأمثلة ما بقى مفهومة من المثل المتقدمة فى الفاء وبعد متعلق باعتمد وجزما مفعول باعتمد وإن تسقط شرط محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه والجزاء قد قصد جملة فى موضع الحال من فاعل تسقط ولما كان الطلب شاملا للأمر وغيره مما تقدم وكان النهى داخلا فى ذلك والجزم فيه بعد إسقاط الفاء ليس مطلقا بل بشرط نبه عليه بقوله :

وشرط جزم بعد نهى أن تضع

إن قبل لا دون تخالف يقع

يعنى أن الجزم بعد النهى مشروط بصلاحية وضع إن الشرطية قبل لا النافية نحو لا تدن من الأسد تسلم لأن التقدير إن لا تدن من الأسد تسلم وفهم منه أنه إن لم يصلح وضع إن قبل لا لم ينجزم الفعل نحو لا تدن من الأسد يأكلك لأنه لا يصلح إن لا تدن من الأسد يأكلك.

وشرط جزم مبتدأ وبعد متعلق بجزم أو شرط وأن تضع فى موضع خبر المبتدأ وإن مفعول بتضع وقبل متعلق بتضع ودون فى موضع الحال من أن. ثم قال :

والأمر إن كان بغير افعل فلا

تنصب جوابه وجزمه اقبلا

قد سبق أن شرط الطلب الذى ينتصب بعده الفعل المقترن بالفاء بإضمار أن ؛ أن يكون محضا وذلك بأن يكون الأمر بصيغة أفعل كما مثل فلا ينصب بعد الطلب باسم الفعل نحو نزال فتصيب خيرا ولا بعد طلب بلفظ الخبر نحو حسبك الحديث فينام الناس وأجاز الكسائى النصب فيهما ولا شاهد معه وأما الجزم بعدهما إذا حذفت الفاء فلا خلاف فى جوازه ومنه فى الأول :

١٨٧ ـ مكانك تحمدى أو تستريحى

__________________

(١٨٧) صدره :

وقولى كلما جشأت وجاشت

والبيت من الوافر ، وهو لعمرو بن الإطنابة فى إنباه الرواة ٣ / ٢٨١ ، وحماسة البحترى ص ٩ ، والحيوان ٦ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٢٨ ، والدرر ٤ / ٨٤ ، وديوان المعانى ١ / ١١٤ ، وسمط اللآلى ص ٥٧٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٤٦ ، ومجالس ثعلب ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٥ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٨٩ ، والخصائص ٣ / ٣٥ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٦٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٧ ، ٥٢٤ ، وشرح قطر الندى ص ١١٧ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٤ ، ولسان العرب ١ / ٤٨ (جشأ) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٠٣ ، والمقرب ١ / ٢٧٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣.

والشاهد فيه : «تحمدى» حيث جزمه بحذف النون لكونه واقعا فى جواب الأمر ، والأمر هنا باسم الفعل «مكانك».

٢٨٤

لأن مكانك بمعنى اثبتى ، ومنه فى الثانى قوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف : ١١ ـ ١٢] وقول عمر رضى الله عنه : «اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» إذ معناه ليتق الله امرؤ ، ومعنى الآية الكريمة آمنوا وجاهدوا يغفر لكم والله أعلم ، والأمر مبتدأ وإن كان شرط وكان تامة بمعنى حصل ، والتقدير والأمر إن حصل وبغير متعلق بكان وافعل مضاف إليه وفلا تنصب الفاء جواب الشرط ولا ناهية وتنصب مجزوم بها وجوابه مفعول بتنصب واقبلا فعل أمر والألف فيه بدل من النون الخفيفة وجزمه مفعول باقبلا. ثم قال :

والفعل بعد الفاء فى الرّجا نصب

كنصب ما إلى التّمنّى ينتسب

يعنى أن الفعل المضارع ينتصب بأن بعد الفاء الواقعة جوابا للترجى كما ينتصب بعد الفاء الواقعة جوابا للتمنى كما سبق وإنما فصل الفاء فى هذا الموضع عن المواضع السابقة لما فيها من الخلاف أجاز النصب الفراء ومنعه الجمهور واختار المصنف مذهب الفراء وشاهده عندهما قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر ٣٦ ـ ٣٧] بالنصب فى قراءة حفص عن عاصم والفعل مبتدأ وخبره نصب ومفعول نصب محذوف اختصارا أى نصب المضارع وما موصولة وصلتها ينتسب وإلى التمنى متعلق بينتسب. ثم قال :

وإن على اسم خالص فعل عطف

تنصبه أن ثابتا أو منحذف

يعنى أن الفعل المضارع إذا عطف على اسم خالص انتصب بأن ويجوز حينئذ إظهارها وإضمارها وكان حقه أن يذكر هذه المسألة عند ذكر لام كى فإنها مثلها فى جواز الإظهار والإضمار وفهم من قوله وإن على اسم أنه لو عطف على فعل لم ينتصب نحو يقوم زيد ويخرج عمرو وفهم من قوله خالص أنه لو عطف على اسم غير خالص كاسم الفاعل والمفعول لم ينتصب نحو الطائر فيغضب زيد الذباب وشمل الخالص الاسم الصريح كقولك لو لا زيد ويحسن إلىّ بالنصب لهلكت ويجوز إظهار أن فتقول لو لا زيد وأن يحسن إلىّ لهلكت والمصدر كقوله :

١٨٨ ـ ولبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشفوف

__________________

(١٨٨) البيت من الوافر ، وهو لميسون بنت بحدل فى خزانة الأدب ٨ / ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، والدرر ٤ / ٩٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٤٧٧ ، وشرح شذور ـ ـ

٢٨٥

لأن المصدر اسم خالص إذ هو من قبيل الجوامد بخلاف اسم الفاعل والمفعول وأطلق فى قوله عطف وهو مقيد بالواو كما مثل والفاء كقوله :

* لو لا توقع معترّ فأرضيه*

وأو كقوله تعالى : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى : ٥١] فى قراءة غير نافع وثم كقوله :

١٨٩ ـ إنى وقتلى سليكا ثم أعقله

كالثور يضرب لما عافت البقر

وإن شرط وخالص نعت لاسم وفعل مفعول لم يسم فاعله بفعل مضمر يفسره عطف وعلى اسم متعلق بعطف وتنصبه جواب الشرط وإن فاعل تنصبه وثابتا وأو منحذف حالان من أن. ثم قال :

وشذّ حذف أن ونصب فى سوى

ما مرّ فاقبل منه ما عدل روى

يعنى أن الفعل المضارع قد ينصب بأن مضمرة فى غير المواضع المذكورة على وجه الشذوذ كقولهم خذ اللص قبل يأخذك أى قبل أن يأخذك كقوله :

١٩٠ ـ فلم أر مثلها خباسة واجد

ونهنهت نفسى بعد ما كدت أفعله

__________________

ـ الذهب ص ٤٠٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٥٣ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٠٨ (مسن) ، والمحتسب ١ / ٣٢٦ ، ومغنى اللبيب ١٠ / ٢٦٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٤ / ٢٧٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٩٢ ، والجنى الدانى ص ١٥٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٢٣ ، والرد على النحاة ص ١٢٨ ، ورصف المبانى ص ٤٢٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٤٤ ، وشرح قطر الندى ص ٦٥ ، وشرح المفصل ٧ / ٢٥ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١١٢ ، ١١٨ ، والكتاب ٣ / ٤٥ ، والمقتضب ٢ / ٢٧.

والشاهد فيه قولها : «وتقرّ» حيث نصب المضارع ب «أن» مضمرة بعد الواو التى بمعنى «مع».

(١٨٩) البيت من البسيط ، وهو لأنس بن مدركة فى الأغانى ٢٠ / ٣٥٧ ، والحيوان ١ / ١٨ ، والدرر ٤ / ٩٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٤ ، ولسان العرب ٤ / ١٠٩ (ثور) ، ٨ / ٣٨٠ (وجع) ، ٩ / ٢٦٠ (عيف) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٩٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٦٢ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٠٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٧ ، ولسان العرب ٤ / ١١٠ (ثور) وهمع الهوامع ٢ / ١٧.

والشاهد فيه قوله : «ثم أعقله» حيث نصب الفعل المضارع ب «أن» مضمرة جوازا بعد «ثمّ» العاطفة ، وقد تقدم عليها اسم خالص من التأويل وهو قوله : «قتلى».

(١٩٠) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ملحق ديوانه ص ٤٧١ ، وله أو لعمرو بن جؤين فى لسان العرب ٦ / ٦٢ (خبس) ولعامر بن جؤين فى الأغانى ٩ / ٩٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٣٧ ، والكتاب ١ / ٣٠٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٠١ ، ولعامر بن جؤين أو لبعض الطائيين فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣١ ، ولعامر بن الطفيل فى الإنصاف ٢ / ٥٦١ ، وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص ١٤٨ ، وجمهرة اللغة ص ٢٨٩ ، والدرر ١ / ١٧٧ ، ورصف المبانى ص ١١٣ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢٩ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤٠ ، والمقرب ١ / ٢٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٨.

والشاهد فيه نصب «أفعله» بتقدير «أن» قبله.

٢٨٦

أى أن أفعله وحذف أن فاعل بشذ ونصب حذف معموله أى ونصب للفعل المضارع وفى سوى متعلق بنصب وهو مطلوب أيضا لحذف من جهة المعنى فهو من باب التنازع وما موصولة وصلتها مرّ ومنه متعلق باقبل وما مفعول باقبل وهى موصولة وعدل روى جملة صلة لما.

عوامل الجزم

عوامل الجزم على قسمين : أحدهما يجزم فعلا واحدا والآخر يجزم فعلين وقد أشار إلى الأول بقوله :

بلا ولام طالبا ضع جزما

فى الفعل هكذا بلم ولمّا

فذكر أربعة أحرف كلها تجزم فعلا واحدا : الأول لا الناهية نحو (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) [طه : ٩٤] ومثلها لا فى الدعاء نحو (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) [البقرة : ٢٨٦] والثانى لام الأمر نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) [الطلاق : ٧] ومثله أيضا لام الدعاء نحو (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] وفهم ذلك فى الحرفين أعنى لا واللام من قوله طالبا لأن الطلب شامل لجميع ما ذكر. الثالث لم وهى حرف نفى فى الماضى تدخل على المضارع فتصرف معناه إلى الماضى وقيل تدخل على الماضى فتصرف لفظه إلى المضارع والمشهور الأول نحو لم يقم زيد. الرابع لما وهى مثل لم فيما ذكر إلا أن الفعل بعد لما يتصل بزمان الحال نحو (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٤٢] بخلاف لم فإن ما بعدها قد يتصل وقد لا يتصل. فضع فعل أمر من وضع مثل هب من وهب وجزما مفعول بضع وبلا وفى الفعل متعلقان بضع وطالبا حال من الضمير المستتر فى ضع وها تنبيه وكذا وبلم متعلقان بفعل محذوف دل عليه الأول والتقدير وضع جزما بلم ولما مثل ما فعلت فى لا واللام ثم أشار إلى القسم الثانى وهو ما يجزم فعلين فقال :

واجزم بإن ومن وما ومهما

أىّ متى أيّان أين إذما

وحيثما أنّى ...

فذكر إحدى عشرة كلمة كلها تجزم فعلين وتسمى أدوات شرط الأولى إن وهى حرف نحو قوله تعالى : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] الثانية من وهى تقع على من يعقل نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] الثالثة ما وهى تقع على ما لا يعقل نحو

٢٨٧

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) [البقرة : ١٠٦] الرابعة مهما وهى بمعنى ما ، نحو :

١٩١ ـ ومهما تكن عند امرئ منخليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

الخامسة أىّ وهى بحسب ما تضاف إليه من اسم أو ظرف زمان أو ظرف مكان نحو أيا ما تفعل أفعل ، السادسة متى وهى ظرف زمان نحو :

١٩٢ ـ متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

السابعة أيان وهى ظرف زمان أيضا نحو أيان تقم أقم معك. الثامنة أين وهى ظرف مكان نحو أين تجلس أجلس معك. التاسعة إذ ما وهى حرف بمعنى إن. العاشرة حيثما وهى ظرف مكان نحو : حيثما تذهب أذهب معك. الحادية عشرة أنّى وهى ظرف مكان نحو أنّى تجلس أجلس معك. وفهم من تمثيله ب «إذ ما» وبحيثما أنهما لا يجزم بهما إلا إذا اقترنا بما كالمثال.

وبإن متعلق باجزم ومفعول اجزم محذوف اقتصارا لأنه إنما أراد أن يخبر أن هذه الأدوات جازمة. ثم إن هذه الأدوات أعنى أدوات الشرط على قسمين : حروف ، وأسماء ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وحرف إذ ما

كإن وباقى الأدوات أسما

أما «إن» فلا خلاف فى أنها حرف وأما إذ ما فالمشهور أنها حرف مثل إن ولذلك اقتصر عليه. وباقى الأدوات وهى ما عدا إن وإذ ما وهى تسع كلمات أسماء فمنها أسماء ومنها ظروف زمان ومنها ظروف مكان ، وقد بينت ذلك عند ذكرها فى البيت السابق. وإذ ما مبتدأ وحرف خبر مقدم والتقدير وإذ ما حرف كإن وإنما شبهها بها لأن إن حرف بإجماع وهى أم الباب إذ كل أداة مما تقدم تقدر بها.

__________________

(١٩١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ٣٢ ، والجنى الدانى ص ٦١٢ ، والدرر ٤ / ١٨٤ ، ٥ / ٧٢ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٨٦ ، ٧٣٨ ، ٧٤٣ ، وشرح قطر الندى ص ٣٧ ، ومغنى اللبيب ص ٣٣٠ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٧٩ ، ومغنى اللبيب ص ٣٢٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٥ ، ٥٨.

(١٩٢) البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن الحر فى خزانة الأدب ٩ / ٩٠ ، ٩٩ ، والدرر ٦ / ٦٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٧٨ ، وشرح المفصل ٧ / ٥٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٥٨٣ ، ورصف المبانى ص ٣٢ ، ٣٣٥ ، وشرح الأشمونى ص ٤٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٩٠ ، وشرح المفصل ١٠ / ٢٠ ، والكتاب ٣ / ٨٦ ، ولسان العرب ٥ / ٢٤٢ (نور) ، والمقتضب ٢ / ٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٨.

٢٨٨

ولما فرغ من ذكر الجوازم أخذ فى الكلام على أحكام الشرط والجزاء فقال :

فعلين يقتضين شرط قدّما

يتلو الجزاء وجوابا وسما

يعنى أن كل واحد من أدوات الشرط يقتضى فعلين يسمى الأول شرطا والثانى جزاء وفهم من قوله فعلين أن حق الشرط والجزاء أن يكونا فعلين إلا أن الجزاء قد يكون غير فعل وذلك على خلاف الأصل وسيأتى وفهم أيضا من قوله فعلين يقتضين أى يطلبن أن الجزم فى الفعلين بها وهو المشهور وفهم من قوله قدّما ويتلو الجزاء أن الشرط والجزاء جملتان لأن الفعل يستلزم الفاعل وأن الجزاء لا يكون إلا متأخرا والشرط لا يكون إلا متقدما وإذا ورد نحو أنت ظالم إن فعلت فليس أنت ظالم جوابا مقدما بل الجواب محذوف دل عليه ما تقدم على أداة الشرط وفاعل يقتضين النون وهو عائد على أدوات الشرط وفعلين مفعول بيقتضين وشرط خبر مبتدأ مضمر أى أحدهما أو مبتدأ والخبر محذوف أى منهما شرط ويتلو الجزاء جملة فعلية فى موضع الصفة لشرط والضمير العائد على الموصوف محذوف تقديره يتلوه الجزاء ولا يجوز نصب شرط على البدل من فعلين لأن التابع غير مستوف للمتبوع وإنما يجوز الإتباع فيما كان مستوفيا للمتبوع نحو لقيت من القوم ثلاثة زيدا وعمرا وجعفرا ولقيت الرجلين زيدا وعمرا ، ووسما جملة مستأنفة وجوابا حال من الضمير فى وسما. ثم بين الفعلين اللذين تقتضيهما هذه الأدوات فقال :

وماضيين أو مضارعين

تلفيهما أو متخالفين

فهذه أربعة أحوال الأول أن يكونا أعنى الشرط والجزاء فعلين ماضيين نحو (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] أو مضارعين نحو (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [البقرة : ٢٨٤] أو الأول ماض والثانى مضارع نحو (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) [الشورى : ٢٠] أو الأول مضارع والثانى ماض نحو قوله :

١٩٣ ـ من يكدنى بسيّئ كنت منه

كالشّجى بين حلقه والوريد

__________________

(١٩٣) البيت من الخفيف ، وهو لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص ٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٠٥ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٥ ، والمقتضب ٢ / ٥٩ ، والمقرب ١ / ٢٧٥ ، ونوادر أبى زيد ص ٦٨.

والشاهد فيه قوله : «من يكدنى ... كنت» حيث جزم ب «من» الشرطية فعلا مضارعا ، وجاء جواب الشرط فعلا ماضيا ، وهذا قليل.

٢٨٩

ومعنى الماضى الواقع شرطا أو جوابا الاستقبال فهو ماض لفظا مستقبل معنى ولذلك تقول إن قام زيد غدا قمت بعد غد. وماضيين مفعول ثان بتلفيهما أى تجدهما وأو مضارعين وأو متخالفين معطوفان على ماضيين فأما الماضى الواقع شرطا أو جزاء فهو فى موضع جزم لأنه مبنى لا يظهر فيه إعراب. وأما جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطا كان أو جزاء فى الأوجه الأربعة ويجوز رفع المضارع إذا كان جزاء ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وبعد ماض رفعك الجزا حسن

ورفعه بعد مضارع وهن

يعنى أن الشرط إذا كان ماضيا جاز رفع الجواب كقول زهير :

١٩٤ ـ وإن أتاه خليل يوم مسئلة

يقول لا غائب مالى ولا حرم

وفهم من قوله حسن أنه كثير ولا يفهم منه أنه أحسن من الجزم بل الجزم أحسن لأنه على الأصل وقوله ورفعه بعد مضارع وهن ، أى ضعف كقوله :

١٩٥ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

وإنما حسن الرفع بعد الماضى لعدم تأثير أداة الشرط فى فعل الشرط وضعف بعد المضارع لتأثير العامل فى فعل الشرط. ورفعك مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل والجزاء مفعول برفع وحسن خبر المبتدأ وبعد متعلق بحسن ولا يجوز أن يتعلق برفع لأنه مصدر مقدر

__________________

(١٩٤) البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ١٥٣ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٨ ، ٧٠ ، والدرر ٥ / ٨٢ ، ورصف المبانى ص ١٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٣٨ ، والكتاب ٣ / ٦٦ ، ولسان العرب ١١ / ٢١٥ (خلل) ، ١٢ / ١٢٨ (حرم) ، والمحتسب ٢ / ٦٥ ، مغنى اللبيب ٢ / ٤٢٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٩ ، والمقتضب ٢ / ٧٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٢٠٧ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٥١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٠.

والشاهد فيه رفع «يقول» على نية التقديم ، والتقدير : يقول إن أتاه خليل. وجاز هذا لأن «إن» غير عاملة فى اللفظ والمبرد يقدّره على حذف الفاء.

(١٩٥) الرجز لجرير بن عبد الله البجلى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢١ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، ولسان العرب ١١ / ٤٦ (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجلى فى خزانة الأدب ٨ / ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٠ ، ولعمرو بن خثارم البجلى فى الدرر ١ / ٢٢٧ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٠٢ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٣ ، ورصف المبانى ص ١٠٤ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٨ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٥٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٢.

والشاهد فيه قوله : «إنك إن يصرع أخوك ، تصرع» حيث ألغى الشرط المتوسط بين المبتدأ والخبر ضرورة ، فإن جملة «تصرع» خبر «إنّ» والجملة دليل جزاء الشرط ، وجملة الشرط معترضة بين المبتدأ والخبر.

٢٩٠

بأن والفعل ورفعه مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى المفعول ووهن فعل ماض فى موضع الخبر عن رفع وبعد متعلق بوهن. واعلم أن الشرط لا يكون إلا فعلا مضارعا أو ماضيا كما سبق وأما الجواب فيكون مضارعا وماضيا كما تقدم ويكون غير ذلك فتلزمه الفاء ، وإلى ذلك أشار بقوله :

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل

شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل

يعنى أن جواب الشرط إذا لم يصلح جعله شرطا وهو أن يكون غير مضارع أو ماض وجب اقترانه بالفاء وفهم منه أنه إذا صح جعله شرطا لم تدخل الفاء فى الجواب نحو إن يقم زيد قام عمرو وأو يقم عمرو أو لم يقم عمرو فهذا كله يصح جعله شرطا وشمل ما لا يصلح جعله شرطا الجملة الاسمية مثبتة نحو إن قام زيد فعمرو قائم أو فعلية طلبية أو فعلا غير متصرف أو مقرونا بالسين أو سوف أو قد أو منفية بما أو إن أو لن فإن هذا كله لا يصح جعله شرطا. وبفا متعلق باقرن وحتما نعت لمصدر محذوف تقديره قرنا حتما وجوابا مفعول باقرن ، ولو جعل شرط وشرطا مفعول ثان بجعل وفى جعل ضمير مستتر هو المفعول الأول وهو عائد على جوابا ولإن متعلق بجعل ولم ينجعل جواب لو وهو مطاوع جعل فيتعدى إلى واحد لأن المطاوع الذى هو جعل بمعنى صير يتعدى إلى اثنين ومفعول ينجعل محذوف تقديره لم ينجعل جوابا. ثم اعلم أن الجواب الذى لا يصلح جعله شرطا قد يلفى بإذا ، وإلى ذلك أشار بقوله :

وتخلف الفا إذا المفاجأه

كإن تجد إذا لنا مكافأه

يعنى أن إذا التى للمفاجأة تخلف الفاء أى تحل محلها فيصدّر بها الجواب الذى لا يصلح جعله شرطا كما يصدّر بالفاء وذلك لشبه إذا المذكورة بالفاء فى كونها لا تقع أوّلا بل تقع بعد ما هو سبب فيما بعدها وذلك كقوله : إن تجد إذا لنا مكافأة ، ومثله قوله عزوجل : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦] وفهم من قوله وتخلف أنها ليست أصلية فى ذلك بل واقعة موقع الفاء. وإذا فاعل بتخلف وهى مضافة للمفاجأة والفاء مفعول مقدم على الفاعل وإن تجد شرط جوابه إذا وما بعدها. والمكافأة المجازاة : مصدر كافأت الرجل ، أى جازيته. ثم قال :

والفعل من بعد الجزا إن يقترن

بالفا أو الواو بتثليث قمن

٢٩١

يعنى إذا وقع الفعل بعد فعل الجزاء ودخلت عليه الفاء أو الواو جاز فيه ثلاثة أوجه : الجزم والنصب والرفع ويعنى بالفعل الفعل المضارع والجزاء أن يكون بالفعل المضارع المجزوم وذلك كقولك إن يقم زيد يخرج عمرو ويذهب جعفر بجزم يذهب ونصبه ورفعه فالجزم على العطف على فعل الجزاء والنصب بإضمار أن بعد الفاء أو الواو والرفع على الاستئناف. مثال الفاء قوله عزوجل : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤] قرئ فى السبع بالجزم والرفع وقرئ فى الشاذ بالنصب. والواو كقول الشاعر :

١٩٦ ـ فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع الناس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام

يروى ونأخذ بالجزم والنصب والرفع ، وفهم من قوله من بعد الجزا أن ذلك بعد الجزاء كيفما كان فعلا كان أو جملة خلافا للشارح فى تخصيص ذلك بالفعل المضارع بدليل قوله عزوجل : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) [البقرة : ٢٧١]. والفعل مبتدأ ونعته محذوف أى الفعل المضارع ، وعلم ذلك من الحكم عليه بالرفع والنصب والجزم ، وذلك لا يكون فى الأفعال إلا فى المعرب منها وهو المضارع. وإن يقترن شرط وبالفاء متعلق بيقترن وقمن خبر المبتدأ وبتبثليث متعلق بقمن ومعنى قمن حقيق وجواب الشرط على هذا الوجه محذوف لدلالة ما تقدم عليه والتقدير الفعل قمن بتثليث إن يقترن بكذا فهو قمن إلا أن فى هذا الوجه كون الشرط المحذوف جوابه مضارعا وهو قليل ، ويحتمل أن يكون قمن خبر مبتدأ محذوف والجملة من المبتدأ والخبر جواب الشرط إلا أن فى هذا الوجه حذف الفاء من الجواب وهو مخصوص بضرورة الشعر ، وفى بعض النسخ فتثليث بالفاء وهو مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة دخول فاء الجواب عليه وقمن خبر تثليث. هذا حكم المضارع الواقع بعد الجزاء فإن وقع المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين الشرط والجزاء ، فقد أشار إليه بقوله :

وجزم أو نصب لفعل إثر فا

أو واو ان بالجملتين اكتنفا

__________________

(١٩٦) البيتان من الوافر ، وهما للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٠٦ ، والأغانى ١١ / ٢٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٥١١ ، ٩ / ٣٦٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨ ، وشرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٥ ، والكتاب ١ / ١٩٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٧٩ ، ٤ / ٤٣٤ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٠٠ ، والأشباه والنظائر ٦ / ١١ ، والاشتقاق ص ١٠٥ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥٨ ، والإنصاف ١ / ١٣٤ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٨ ، ولسان العرب ١ / ٢٤٩ (حبب) ، ٣٩٠ (ذنب) والمقتضب ٢ / ١٧٩.

٢٩٢

يعنى أن المضارع إذا وقع بعد الفاء أو الواو بين شرط وجزاء جاز جزمه بالعطف على فعل الشرط ونصبه بإضمار أن ، وإنما لم يجز فيه الرفع كما جاز فى المتأخر لأن الرفع على الاستئناف ولا يمكن فى الواقع بين الشرط والجزاء. وجزم مبتدأ وأو نصب معطوف عليه وسوغ الابتداء بالنكرة التفصيل ولفعل متعلق بنصب وهو مطلوب أيضا لجزم فهو من باب التنازع وإثر ظرف فى موضع النعت لفعل وأو واو معطوف على فا وإن شرط وفعل الشرط اكتنفا وبالجملتين متعلق باكتنفا واكتنف مبنى للمفعول والضمير المستتر فيه عائد على فعل فإن الجملتين اكتنفتاه وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه. ثم قال :

والشرط يغنى عن جواب قد علم

والعكس قد يأتى إن المعنى فهم

يعنى أنه إذا علم الجواب أغنى عن ذكره الشرط نحو أنت ظالم إن فعلت فجواب إن محذوف لدلالة ما تقدم عليه وكذلك إذا علم الشرط أغنى عنه الجواب كقوله :

١٩٧ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلا يعل مفرقك الحسام

أى وإلا تطلقها فحذف فعل الشرط للعلم به ، وفهم من قوله : علم أنه إن لم يعلم واحد منهما لم يجز الحذف ، وفهم من قوله : قد يأتى أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب.

والشرط مبتدأ وخبره يغنى وعن جواب متعلق بيغنى وقد علم فى موضع النعت لجواب والعكس مبتدأ وقد يأتى خبره وإن شرطية. والمعنى مفعول لم يسم فاعله بمضمر يفسره فهم وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه. ثم قال :

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم

جواب ما أخّرت فهو ملتزم

يعنى إذا اجتمع الشرط والقسم حذفت جواب الآخر منهما واستغنيت بجواب المتقدم فتقول إذا قدمت الشرط وأخرت القسم إن يقم زيد والله أكرمه ، وإذا قدمت القسم قلت والله إن قام زيد لأكرمنه ، هذا الذى ذكره إذا لم يتقدم عليهما أعنى الشرط. والقسم ما يحتاج إلى

__________________

(١٩٧) البيت من الوافر ، وهو للأحوص فى ديوانه ص ١٩٠ ، والأغانى ١٥ / ٢٣٤ ، والدرر ٥ / ٨٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦٧ ، ٩٣٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٥ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٧٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٥ ، ورصف المبانى ص ١٠٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٩ ، ولسان العرب ١٥ / ٤٦٩ (إما لا) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤٧ ، والمقرب ١ / ٢٧٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٢.

والشاهد فيه قوله : «وإلا يعل» حيث حذف فعل الشرط لدلالة ما قبله عليه والتقدير : وإلّا تطلقها يعل مفرقك الحسام.

٢٩٣

الخبر ، وأما إذا تقدم عليهما ما يحتاج إلى الخبر ، فقد أشار إليه بقوله :

وإن تواليا وقبل ذو خبر

فالشّرط رجّح مطلقا بلا حذر

وشمل قوله ذو خبر المبتدأ وما أصله المبتدأ كاسم كان فتقول زيد والله إن يقم أكرمه فاستغنى بجواب الشرط عن جواب القسم ، وإن كان القسم متقدما على الشرط وإنما رجح الشرط وإن كان متأخرا لأنه عمدة الكلام والقسم توكيد الكلام ، وفهم من قوله رجح أنه يجوز الاستغناء بجواب القسم فتقول زيد والله إن يقم لأكرمنه وفهم من قوله مطلقا أن الشرط يترجح سواء تقدم على القسم أو تأخر وقوله بلا حذر تتميم لصحة الاستغناء عنه ولدى متعلق باحذف ومعناه عند وجواب مفعول باحذف وما موصولة وصلتها أخرت والضمير العائد على الموصول محذوف تقديره أخرته وإن تواليا شرط وذو خبر مبتدأ وخبره قبل والجملة فى موضع الحال من الضمير فى تواليا ولذلك دخلت عليها الواو ، والفاء جواب الشرط والشرط مفعول مقدم برجح ومطلقا حال من الشرط وبلا متعلق برجح ، ثم قال :

وربّما رجّح بعد قسم

شرط بلا ذى خبر مقدّم

يعنى أنه قد يترجح الشرط المتأخر وإن لم يتقدم ذو خبر فتقول والله إن يقم زيد أكرمه ، ومنه قوله :

١٩٨ ـ لئن منيت بنا فى يوم معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

وفهم من قوله وربما أن ترجيح الشرط المتأخر دون تقديم ذى خبر قليل.

نكتة : لم يذكر الناظم فى هذا الرجز باب القسم ومع ذلك لم يخله منه فإنه ذكر حروفه مع حروف الجر فى بابها ، وذكر بعض أحكامه فى باب المبتدأ وفى باب إن وفى هذا الباب.

__________________

(١٩٨) البيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٢٧ ، ٣٠٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٣ ، ٣٥٧ ، ولسان العرب ١١ / ٦٧٢ (تفل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٨٣ ، ٤ / ٤٣٧ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣٤٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٢.

والشاهد فيه أنه اجتمع فيه الشرط والقسم ، أمّا الشرط فقوله : «لئن» أمّا القسم ، فإنه يدل على اللام لأنها موطئة لقسم محذوف تقديره : والله لئن ، وكل منهما يستدعى جوابا ، وقد ترشح الشرط على القسم ههنا حيث قال : «لا تلفنا» بالجزم ، وعلامة الجزم سقوط الياء ، لأن أصله : «لا تلفينا» وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه ، ولو كان «لا تلفنا» هو جواب القسم لقال : لا «تلفينا» بإثبات الياء لأنه مرفوع. (المقاصد ٤ / ٤٣٧).

٢٩٤

فصل لو

إنما ذكر لو عقب هذا الباب لأنها تكون شرطية كإن ومع كونها حرف امتناع هى أيضا شبيهة بأدوات الشرط فى احتياجها إلى جواب. ولما كانت لو تكون حرف شرط وحرف تمن ومصدرية نبه على مراده فقال : (لو حرف شرط فى مضىّ) يعنى أن لو حرف شرط تدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى وتسمى لو هذه امتناعية لأنها تدل فى الغالب على امتناع الشىء لامتناع غيره نحو لو قام زيد لقام عمرو فامتنع قيام عمرو لامتناع قيام زيد والماضى فى هذا الباب على معناه من المضى بخلافه فى باب أدوات الشرط فلذلك تقول لو قام زيد أولا من أمس لأكرمته أمس وقد تدخل على المستقبل معنى وإلى ذلك أشار بقوله : (ويقلّ* إيلاؤها مستقبلا لكن قبل) وكان حقها أن لا يليها المستقبل لكن ورد فوجب قبوله ومن ذلك قوله عزوجل : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) [النساء : ٩] وشمل قوله مستقبلا الماضى كالآية الكريمة والمضارع فى اللفظ نحو لو يقم زيد غدا لأكرمته فلو مبتدأ وحرف شرط خبره وفى متعلق بشرط وإيلاؤها فاعل بيقل وهو مصدر مضاف إلى المفعول ومستقبلا مفعول ثان بإيلاؤها. ثم قال : (وهى فى الاختصاص بالفعل كإن) يعنى أنها تختص بالفعل كما تختص به إن وفهم من تشبيهه لها بإن أن الفعل يليها ظاهرا كما يلى إن فتقول لو زيد قام لأكرمته فيكون زيد فاعلا بفعل مضمر يفسره قام كما تقول إن زيد قام فأكرمه ، ومنه قوله : * لو ذات سوار لطمتنى* ثم إن لو تخالف إن فى جواز وقوع أن المفتوحة المشددة بعدها وإلى ذلك أشار بقوله :

(لكنّ لو أنّ بها قد تقترن)

يعنى أن لو تخالف إن فى جواز وقوع أن بعدها كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) [الحجرات : ٥] وهو كثير. واختلف فى موضع أن بعدها فقيل مبتدأ ، وقيل فاعل بفعل محذوف ، وفهم من قوله لكن أنها فى موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف لاستدراكه بلكن إذ لو كانت عنده فاعلا بفعل محذوف لم تخرج عن الاختصاص بالفعل فاستدراكه دليل على تخالف ما حكم لها به من الاختصاص بالفعل. ولو اسم لكن وأن مبتدأ وخبره قد تقترن وبها متعلق بتقترن والجملة خبر لكن. ثم قال :

وإن مضارع تلاها صرفا

إلى المضىّ نحو لو يفى كفى

٢٩٥

يعنى أن لو يقع بعدها الفعل المضارع فيصرف معناه إلى المضى كقوله : لو يفى كفى ، أى لو وفى كفى ومن ذلك قوله :

١٩٩ ـ لو يسمعون كما سمعت كلامها

خروا لعزة ركّعا وسجودا

أى لو سمعوا ، وفهم منه أن لو الواقع بعدها المضارع المؤول بالماضى هى الامتناعية لا لو الشرطية لأن لو الشرطية لا يؤول المضارع بعدها بالماضى لأصالته فى الاستقبال بل يؤول معها الماضى بالاستقبال. ومضارع فاعل بفعل مضمر يفسره تلاها وصرفا جواب إن ، وإلى المضى متعلق بصرف.

أما ولو لا ولوما

إنما ذكر هذه الأحرف هنا لأنها من جملة أدوات الشرط لاحتياجها إلى جواب وبدأ منها بأما فقال : (أمّا كمهما يك من شىء) يعنى أن موضع أما صالح لمهما يك من شىء لأن معناها كمهما يك من شىء لأن أما حرف ومهما يك من شىء اسم وفعل ومتعلقه ، ولما علم أنها نابت عما ذكر نبه على ما تجاب به فقال :

(وفا* لتلو تلوها وجوبا ألفا) يعنى أن الفاء تدخل على تالى تاليها نحو أما زيد فقائم والأصل مهما يك من شىء فزيد قائم ولما حذفوا أداة الشرط وفعله وقامت أما مقامهما كرهوا أن تلى الفاء حرف الشرط فقدموا بعض الجملة الواقعة جوابا إصلاحا للفظ وفهم من قوله لتلو تلوها أن الفاء لا تلى أما وأنه لا يفصل بين أما والفاء إلا بشىء واحد وشمل المبتدأ نحو أما زيد فقائم والخبر نحو أما قائم فزيد والمفعول نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] والظرف نحو أما اليوم فزيد قائم والمجرور نحو أما فى الدار فزيد قائم ، وأما المبتدأ وخبره كمهما يك من شىء وفا مبتدأ وخبره ألفا ولتلو متعلق بألفا ومعنى تلو تال ، ووجوبا نصب على الحال من الضمير فى ألف وتجوز فى قوله وجوبا وإنما ذلك الأكثر ، ولذلك قال :

__________________

(١٩٩) البيت من الكامل ، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص ٤٤١ ، والخصائص ١ / ٢٧ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٢٣ (كلم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦٠ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٨٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٥.

والشاهد فيه قوله : «لو يسمعون» حيث جاء الفعل المضارع بعد «لو» مصروفا معناه إلى المضىّ ، لأن الغالب دخول «لو» التى للتعليق على الفعل الماضى الذى هو مبنىّ.

٢٩٦

وحذف ذى الفا قلّ فى نثر إذا

لم يك قول معها قد نبذا

يعنى أن الفاء المجاب بها أما تحذف فى النثر قليلا كقوله عليه الصلاة والسّلام : «أما بعد ما بال قوم يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله» وفهم منه أنه يكثر فى النظم كقول الشاعر :

٢٠٠ ـ فأما القتال لا قتال لديكم

وفهم أيضا من قوله : إذا لم يك قول معها قد نبذا ، أى طرح وكنى به عن الحذف أنه يكثر أيضا كقوله عزوجل : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] أى فيقال لهم أكفرتم. وحذف مبتدأ وذى اسم إشارة والفاء نعت وقل خبر المبتدأ وفى نثر متعلق بقل وكذلك إذا وقد نبذا خبر يك ومعها متعلق بنبذ. ثم إن لو لا ولو ما على نوعين : أحدهما أن يكونا مختصين بالاسم ، والآخر أن يكونا مختصين بالفعل ، وقد أشار إلى الأول بقوله :

لو لا ولو ما يلزمان الابتدا

إذا امتناعا بوجود عقدا

يعنى أن لو لا ولو ما إذا عقدا أى ربطا امتناعا بوجود ، ويقال أيضا لوجود فإنهما يلزمان الابتداء يعنى المبتدأ والخبر نحو لو لا زيد لأكرمتك ولو ما عمرو لجئتك وخبر المبتدأ بعدهما واجب الحذف وقد تقدم فى باب الابتداء. فلو لا مبتدأ ولو ما معطوف عليه ويلزمان خبرهما والابتداء مفعول بيلزمان وامتناعا مفعول بعقدا وبوجود متعلق بعقدا وإذا متعلق بمحذوف وهو الجواب الدال عليه يلزمان ثم أشار إلى الاستعمال الثانى فقال : (وبهما التحضيض مز وهلّا* ألّا ألا) يعنى أن لو لا ولو ما يميز بهما التحضيض أى يدلان عليه كقوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) [الفرقان : ٢١] وقوله عزوجل : (لَوْ ما تَأْتِينا) [الحجر : ٧] ويشارك لو لا ولو ما فى التحضيض نحو هلا تأتينا وألا تصل إلينا وألا تقبل علينا وهذه الأحرف أعنى لو لا ولو ما وما

__________________

(٢٠٠) عجزه :

ولكنّ سيرا فى عراض المواكب

والبيت من الطويل ، وهو للحارث بن خالد المخزومى فى ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٢ ، والدرر ٥ / ١١٠ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٠٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٥٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٣٤ ، والجنى الدانى ص ٥٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٦٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٧ ، وشرح شواهد المغنى ص ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٤ ، ٩ / ٤١٢ ، والمنصف ٣ / ١١٨ ، ومغنى اللبيب ص ٥٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٧٧ ، ٤ / ٤٧٤ ، والمقتضب ٢ / ٧١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٧. والشاهد فيه حذف الفاء من جواب «أما».

٢٩٧

بعدهما مستوية فى الاختصاص بالفعل وإلى ذلك أشار بقوله : (وأولينها الفعلا) أى اجعلها داخلة على الفعل ، وشمل الفعل المضارع نحو هلا تأتينا والماضى نحو هلا أتيت وهو بمعنى المستقبل لأنها تخلص الفعل للاستقبال. والتحضيض مفعول بمز وألا وما بعده معطوف على الضمير فى بهما ولم يعد الجار فيقول وبهلا لأن مذهبه عدم اشتراط ذلك ، وها فى قوله وأولينها عائدة على الأحرف الخمسة المذكورة والفعل مفعول ثان. ثم قال :

وقد يليها اسم بفعل مضمر

علّق أو بظاهر مؤخّر

يعنى أن هذه الأحرف الخمسة تدخل على الاسم على وجهين : الأول أن يكون مفعولا بفعل مضمر وشمل نوعين : أحدهما أن يكون مفسرا بالفعل الواقع بعد الاسم نحو هلا زيدا أكرمته فيكون من باب الاشتغال ، والآخر يفسره سياق الكلام كقوله :

٢٠١ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصلة تبيت

التقدير ألا ترونى ، والثانى أن يكون معمولا للفعل الذى يليه نحو هلا زيدا ضربت واسم فاعل بيليها وعلق فى موضع الصفة لاسم ، وبفعل متعلق بعلق.

الإخبار بالذى والألف واللام

الباء فى قوله بالذى باء السببية لا باء التعدية لأنك إذا جعلتها باء التعدية يكون المعنى أن الذى به يكون الإخبار وليس كذلك ، بل الإخبار يكون عن الذى بغيره. ثم إن الإخبار يكون بالذى وفروعه وبالألف واللام ، وقد أشار إلى الأول فقال :

__________________

(٢٠١) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن قعاس (أو قنعاس) المرادى فى خزانة الأدب ٣ / ٥١ ، ٥٣ ، والطرائف الأدبية ص ٧٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٢١٤ ، ٢١٥ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٤ ، وإصلاح المنطق ص ٤٣١ ، وأمالى ابن الحاجب ص ١٦٧ ، ٤١٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤١٥ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، والجنى الدانى ص ٣٨٢ ، وجواهر الأدب ص ٣٣٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٨٩ ، ١٨٣ ، ١٩٥ ، ٢٦٨ ، ١١ / ١٩٣ ، ورصف المبانى ص ٧٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٥٤ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٤١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣١٧ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ، والكتاب ٢ / ٣٠٨ ، ولسان العرب ١١ / ١٥٥ (حصل) ، ومغنى اللبيب ص ٦٩ ، ٢٥٥ ، ٦٠٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٦٦ ، ٣ / ٣٥٢ ، ونوادر أبى زيد ص ٥٦.

والشاهد فيه قوله : «ألا رجلا» حيث وقعت «ألا» للعرض والتحضيض ، ومعناهما طلب الشىء ، ولكن العرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحث ، والمعنى : ألا ترونى رجلا. ويروى «ألا رجل» والشاهد فى هذه الرواية جرّ «رجل» ب «من» المضمرة.

٢٩٨

ما قيل أخبر عنه بالّذى خبر

عن الّذى مبتدأ قبل استقر

وما سواهما فوسّطه صله

عائدها خلف معطى التّكمله

ذكر فى هذين البيتين كيفية الإخبار بالذى يعنى إذا قيل لك أخبر عن اسم فى جملة بالذى فاجعل ذلك الاسم خبرا عن الذى مستقر مبتدأ مقدما وما سوى الذى والمخبر به عن الذى من الجملة اجعله متوسطا بين الذى والخبر ويكون صلة للذى واجعل مكان الاسم المنتزع من الجملة الذى جعلته خبرا عن الذى ضميرا يعود من الصلة على الذى وما مبتدأ وهى موصولة واقعة على المخبر به عن الذى وصلتها قيل وعنه متعلق بأخبر وكذلك بالذى وأخبر وما عمل فيه محكى بقيل وخبر خبر عن ما وعن الذى متعلق بخبر واستقر فى موضع الحال من الذى ومبتدأ حال من الضمير المستكن فى استقر وقبل متعلق باستقر والذى الأول والثانى فى البيت لا يحتاجان إلى صلة لأنه إنما أراد تعليق الحكم على لفظهما لا أنهما موصولان ، والتقدير ما قيل لك أخبر عنه بهذا اللفظ أعنى الذى هو خبر عن لفظ الذى فى حال كونه مستقرا قبل مبتدأ ، وما فى البيت الثانى مبتدأ وهى أيضا موصولة واقعة على ما سوى الذى والاسم المخبر به وهى باقى الجملة وصلتها سواهما والخبر فوسطه ويجوز أن تكون ما مفعولة بفعل مضمر يفسره فوسطه وهو أحسن وصلة حال من الهاء فى فوسطه وعائدها مبتدأ وخبرها خلف ومعطى مضاف إليه وهو اسم فاعل مضاف إلى المفعول وعائدها وخبره فى موضع الصفة لصلة. ثم مثل صورة الإخبار بقوله :

نحو الّذى ضربته زيد فذا

ضربت زيدا كان فادر المأخذا

يعنى أنك إذا أردت الإخبار عن زيد من قولك ضربت زيدا جعلت فى أول كلامك الذى كما ذكر لك وجعلت زيدا خبرا عن الذى وجعلت فى موضع زيد ضميرا مطابقا له وجعلت ذلك الضمير من الجملة المتوسطة بين الذى وخبره عائدا على الموصول فصار بعد هذا العمل الذى ضربته زيد ونبهك بقوله : فادر المأخذا على أن تقيس على هذا العمل غيره فى هذا المثال وفى غيره فتقول فى الإخبار عن التاء فى ضربت من قولك ضربت زيدا : الذى ضرب زيدا أنا وفهم من إطلاقه أن الإخبار بالذى يكون فى الجملة الفعلية كما مثل وفى الجملة الاسمية فلو قيل لك أخبر عن زيد من قولك زيد أبوك لقلت الذى هو أبوك زيد أو عن أبيك لقلت الذى زيد هو أبوك ثم إن الإخبار بالذى لا يختص بلفظ المفرد المذكر بل يكون فى المفرد والمثنى والمجموع ، وإلى ذلك أشار بقوله :

٢٩٩

وباللّذين والّذين والّتى

أخبر مراعيا وفاق المثبت

يعنى أن المخبر عنه إذا كان مثنى أو مجموعا أو مؤنثا جىء بالموصول مطابقا له لأنه خبر عنه والمثال المشتمل على هذه الصور هو بلغ الزيدان العمرين رسالة فإذا أخبرت عن الزيدين قلت اللذان بلغا العمرين رسالة الزيدان جعلت خلف الزيدين ضميرا بارزا وهو الألف العائد على اللذان وإذا أخبرت عن العمرين قلت الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون وإذا أخبرت عن رسالة قلت التى بلغت الزيدان العمرين رسالة. وباللذين متعلق بأخبر ومراعيا حال من الضمير المستتر فى أخبر ووفاق مفعول بمراعيا. ولما بين كيفية الإخبار شرع فى شروطه فقال :

قبول تأخير وتعريف لما

أخبر عنه ها هنا قد حتما

كذا الغنى عنه بأجنبىّ أو

بمضمر شرط فراع ما رعوا

ذكر فى هذين البيتين أربعة شروط : الأول أن يكون قابل التأخير فلا يخبر عما يلزم التقديم كأدوات الصدور مثل أسماء الاستفهام وأسماء الشروط. الثانى أن يكون قابل التعريف فلا يخبر عما يلزم التنكير كالحال والتمييز. الثالث جواز الاستغناء عنه بأجنبى فلا يخبر عما يقع به الربط وشمل الضمير نحو زيد ضربته واسم الإشارة نحو زيد ضربت ذلك فلا يجوز الإخبار عن واحد منهما لأنك لو أخبرت عنه للزم أن تضع ضميرا فى موضعه يخلفه على القاعدة المتقدمة وهو قد كان يربط الخبر بالمبتدأ ثم زدت الموصول وهو أيضا يلزم أن يعود عليه ضمير من الصلة وليس فى الكلام غير ضمير واحد وهو المجعول خلف المخبر عنه فإن أعدته على المبتدأ بقى الموصول بلا ضمير وإن أعدته على الموصول بقى المبتدأ بلا ضمير فامتنع الإخبار. الرابع جواز الاستغناء عنه بمضمر فلا يجوز الإخبار عن مصدر عامل ولا عن صفة دون موصوفها ولا موصوف دون صفته لأن ذلك كله لا يستغنى عنه بمضمر إذ لا يصلح أن يعمل ضمير المصدر عمل المصدر ولا أن يوصف الضمير ولا يوصف به.

وقبول تأخير مبتدأ وتعريف معطوف على تأخير وقد حتما فى موضع خبر المبتدأ ولما متعلق بحتم وكذلك ههنا وما موصولة وهى واقعة على المخبر عنه وصلتها أخبر عنه والغنى مبتدأ وعنه متعلق به وكذلك بأجنبى وشرط خبر المبتدأ وكذا متعلق بشرط وذا إشارة إلى الشروط السابقة ، ثم انتقل إلى الإخبار بأل فقال :

٣٠٠