تهذيب اللغة - ج ١٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٥

واستواؤُها مِن قومٍ سِباط. ورجل سَبْطٌ بالمعروف : إذا كان سَهْلاً.

وقال شمر : مَطرٌ سَبْط وسَبِط ، أي : متدارِكٌ سَحٌّ ، وسَبَاطتُه سَعتُه وكثرتُه ، وقال القُطاميّ :

صافَتْ تَعَمَّجُ أعرافُ السُّيولِ بِه

من باكِرٍ سَبِطٍ أو رائحٍ يَبِلِ

يريد بالسَّبِط : المطرَ الواسعَ الكثير.

وقال أبو العبّاس : سألتُ ابن الأعرابي ما مَعْنَى السِّبْط في كلام العرب؟ فقال : السِّبْط والسِّبْطان والأَسْباط : خاصّة الأولاد ، أو المُصَاص منهم.

ورُوِي عن عائشة أنها كانت تَضرِب اليتيمَ يكونُ في حِجْرِها حتى يُسْبِط، معنى يُسبِط ، أي : يمتدّ على وَجْه الأرض ساقطاً.

أبو عُبَيد عن الأمويّ أنّه قال : أسبط الرجلُ إسباطاً : إذا امتدّ وانبَسَط على الأرض من الضَّرْب ، وأنشد غيره :

قد لبِثَتْ من لَذّة الخِلَاط

قد أَسبَطتْ وأيُّما إسْباطِ

يعني امرأةً أُتِيتْ ، فلمّا ذاقت العُسَيلةَ مدّت نَفْسَها على الأرض.

وفي حديث النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنّه أَتَى سُباطَة قومٍ فبالَ ثم توضّأ ومَسَح على خُفّيه».

قال أبو عُبَيد : قال الأصمعي : السُّباطة : نحوٌ من الكُناسة. قال : وقال أبو زيد : يقال للنّاقة إذا ألقَتْ ولدَها قبل أن يستبينَ خَلْقُه : قَدْ سَبَّطَت وغَضَّنَتْ وأَجْهَضَتْ ورَجَعَتْ رِجاعاً.

وقال الأصمعي : سبّطت الناقةُ بوَلَدها وسبّغَتْ : إذا ألقَتْه وقد نَبَتَ وبَره قبل التَّمام.

وقال اللّيث : سُباط : اسمُ شهرٍ تسمّيه أهلُ الروم شَبَاط ، وهو في فصل الشّتاء ، وفيه يكون تَمامُ اليومِ الّذي تَدُور كُسورُه في السِّنين ، فإذا تمّ ذلك اليومُ في ذلك الشهرِ سَمَّى أهلُ الشأم تلك السّنة عامَ الكَبِيس ، وهم يتيمّنُون به إذا وُلِدَ فيها مولودٌ أو قَدِم قادم من بَلَد. وسَباطٍ : اسمٌ للحمّى مبنيّ على الكسر ، ذكَره الهذَلي في شعرِه. قال : والسَّبَطانةُ : قَناةٌ جَوْفاءُ مَضروبةٌ بالعَقَب يرمى فيها سهامٌ صغارٌ ، تنفخ فيها نَفْخاً فلا تكاد تُخطىء.

بسط : قال اللّيث : البَسْطُ : نَقِيضُ القَبْض.

والبَسِيطةُ من الأرض كالبِساط من الثِّياب ، والجميع البُسُط. والبَسْطة : الفضيلة ، قال الله جلّ وعزّ : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) [البقرة : ٢٤٧] ، وقال الزجّاج : أعلَمهم الله أنّه اصطفاه عليهم ، وزادَه في العِلْم والجِسم بَسْطةً ، وأَعلَمَ أن العِلم الّذي به يجب أن يقع الاختيارُ لا المالَ ، وأعلم أن الزّيادة في الجسم مما يهَيَّبُ به العدوُّ ، فالبَسْطة : الزِّيادة.

٢٤١

وقال اللّيث : البَسِيط : الرجل المنبسط اللسان والمرأة بسيطة ، وقد بَسُط بَساطةً.

والبَصْطة بالصاد لغةٌ في البَسْطة. ويقال : بسطَ فلان يدَه بما يُحبّ ويَكرَه. ويقال : إنه ليَبْسُطني ما بَسَطك ، ويَقبِضُني ما قبَضك ، أي يسرّني ما سَرَّك ، ويسوءُني ما ساءَك.

ورَوَى شعبة عن الحكم قال : في قراءة عبد الله : (بل يداه بسطان) [المائدة : ٦٤] ، قال أبو بكر بن الأنباريّ : معنى : (بُسْطان): مَبْسُوطتان. قال : وأخبرني أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مكتوبٌ في الحِكمة : لِيكنْ وجهُك بُسْطاً تكن أحبَّ إلى الناس ممّن يُعطيهم العطاء.

قال : وبِسْطٌ وبُسْط بمعنى مبسوطتين.

ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه كَتَب لوَفْد كلْب كتاباً فيه : في الهَمُولة الراعية البِسَاط الظؤار في كلّ خمسين من الإبل ناقةٌ غير ذات عَوَارٍ».

الهَمُولةُ : الإبلُ الراعية.

والحمولة : التي يحمل عليها ، والبُساط : جمع بِسْط ، وهي الناقة التي تُرِكت وولدُها لا يمنَع منها ، أو لا تعطف على غيره ، وهي عِنْدَ العرب بِسْط وبَسوط ، وجمعُ بِسْط بُساط ، وجمع بَسوط بُسُط ، هكذا حفظتُه عن العرب ، وقال أبو النّجم :

يَدفَع عنها الجوعَ كلَّ مَدفِع

خمسون بُسْطاً في خَلايَا أَربَع

وأخبرني المنذريّ عن أبي العبّاس عن ابن الأعرابيّ أنه أنشَدَه للمرار الأسدي يصف إبلاً :

مَتابِيعُ بُسْط مُتْئِماتٌ رَواجِعٌ

كما رَجعتْ في لَيلِها أُمُّ حائلِ

قال ابن الأعرابي : بُسْطٌ : بُسِطتْ على أولادِها لا تنقبض عنها. مُتْئِمات : معها حُوار وابن مَخاض ، كأنها وَلدتْ اثنين اثنين من كثرة نَسْلِها. رَواجِع : تَربع إلى أولادها وتَنزِع إليها.

قلت : بَسُوط : فَعُول بمعنى مفعولة ، كما يقال : حَلوب ورَكوب للتي تُحْلَب وتركَب. وبِسْط : بمعنى مبسوطة ، كالطِّحن بمعنى المطحون ، والقِطْف بمعنى المَقْطوف.

أبو عُبَيد : البَساط : الأرض العريضة الواسعة.

وسمعتُ غير واحد من العرب يقول : بيننا وبين الماء مِيلٌ بِسَاط ، أي : مِيلٌ مَتّاح.

وقال الشاعر :

ودَوِّ ككفّ المشترِي غيرَ أنه

بَساطٌ لأخفاف المَراسِيلِ واسعُ

وقال الفرّاء : أرضٌ بَسَاط وبِساط : مستويةٌ لا نَبَك فيها.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : التبسُّط : التنزُّه يقال : خرج يَتَبَسَّط ، مأخوذ من البَساط ، وهي الأرض

٢٤٢

ذات الرَّياحين.

وقال ابن شميل : البَسَاط والبَسيطة : الأرضُ العريضة.

وقال ابن السكيت : فرَش لي فلان فِراشاً لا يَبسُطُني : إذا ضاق عنه ، وهذا فِراشٌ يَبسُطني : إذا كان سابغاً.

ابن السكّيت : سِرْنا عَقَبةً جواداً ، وعَقَبةً باسطةً ، وعقبةً حَجُوفاً ، أي : بعيدةَ طويلة.

وقال أبو زيد : حَفَر الرجلُ قامةً باسطةً : إذا حَفَرَ مَدَى قامتِه وقد مدَّ يَدَه.

وقال غيره : الباسُوط من الأقتاب ضدّ المفروق.

ويقال أيضاً : قَتَبٌ مَبْسُوط ، ويُجمع مَباسيط ، كما يُجمع المفروق مَفاريق.

س ط م

سمط ، سطم ، طمس ، طسم ، مسط ، مطس.

سمط : من أمثال العرب السائرة قولهم للرجل يُجِيزون حُكْمَه : حكمُك مسمَّطاً.

قال المبرّد : هو على مذهب «لك حُكمُك مسمَّطاً» أي : متمَّماً إلا أنهم يحذفون منه «لك».

وقال ابن شميل : يقال للرجل : حكمك مسمّطاً. قال : معناه : مُرسَلاً ، يُعْنى به جائز.

قال : ويقال : سَمَّط غَرِيمَه ، أي : أَرسَله.

قال : ويقال سَمَطْتُ الرجلَ يميناً على حَقِّي ، أي : استحْلفْتُه. وقد سَمَط على اليمين يَسمُط ، أي : حلف.

قال : ويقال : سَبَط فلانٌ على ذلك الأمر يميناً ، وسمَط عليه يميناً ـ بالباء والميم ـ ، أي : حَلَف عليه. وقد سَمَطْتُ يا رجلُ على أمر أنت فيه فاجِرٌ ، وذلك إذا وَكَّد اليمين وأحْلطها.

أبو عُبيد عن الفرّاء : إذا كانت النَّعلُ غيرَ مَخْصُوفة قلت نَعْلٌ أسماط. ويقال : سَراويلُ أَسْماط ، أي : غيرُ محشوّة.

ويقال : نَعْلٌ سَمِيط : لا رُقْعةَ لها.

وقال الأسوَد :

فأَبلِغ بني سَعدِ بن عجلٍ بأَنّنا

حَذَوْناهُم نعلَ المِثالِ سَمِيطَا

وقال شمر فيما أفادني عن الإياديّ : نَعلٌ سُمْط وسُمُط.

قال : وقال ابن شميل : السِّمْط : الثّوبُ الذي ليست له بِطانةُ طَيْلَسان ، أو ما كان من قُطن ، ولا يقال : كِساءٌ سِمْط ، ولا مِلْحفةُ سِمْط ، لأنها لا تُبطَّن.

قلت : أراد بالمِلْحَفة إزارَ اللّيل ، تُسمّيه العرب اللِّحافَ والمِلْحفة : إذا كان طاقاً واحداً.

وقال أبو الهَيْثم : السِّمط : الخَيْط الواحد والسِّمْطان اثنان ، يقال : رأيتُ في يدِ فلانَة سِمْطاً ، أي : نَظْماً واحداً يقال له

٢٤٣

يَكْ سَنْ ، فإذا كانت القِلادة ذاتَ نَظْمَين فهي ذاتُ سِمْطَين ، وأَنشَد :

* مُظاهِرُ سِمْطَيْ لؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ*

وقال الليث : الشِّعرُ المسمَّط الذي يكون في صَدْرِ البيت أبيات مشطورة أو مَنْهوكة مقفّاة تجمعُها قافيةٌ مخالِفةٌ لازمةٌ للقصيدة حتى تَنْقضي.

قال : وقال امرؤ القيس قصيدتين على هذا المثالِ يُسمَّيان السِّمْطَين ، فصدرُ كلِّ قصيدة مصراعان في بيتٍ ، ثمّ سائره ذو سُموط ، فقال في إحداهما :

ومُسْتلئِمٍ كشَّفْتُ بالرُّمح ذَيْلَهُ

أَقَمْتُ بعَضْبٍ ذي سفاسِقَ مَيْلَهُ

فَجَعْتُ به مُلتقَى الْخَيْلِ خَيْلَهُ

تركتُ عِثَّاقَ الطير يخجَلْن حَوْلَه

كأنَّ على سِرْبالِهِ نَضْحَ جِرْيالِ

وناقةٌ سُمُط وأَسماط : لا وَسم عليها ، كما يقال : ناقةٌ غُفْل.

وقال العجّاج يصف ثوراً وَحْشيّاً وصيَّاداً وكِلابه فقال :

عايَنَ سِمْطَ قَفْرةٍ مُهَفْهَفا

وسَرْمَطِيّاتٍ يُجِبْن السُّوَّفَا

قال أبو الهيثم فيما قرأتُ بخَطه : فلان سِمْط قَفْره ، أي : واحدُها ليس فيها أحدٌ غيره.

قال : والسَّرْمطيّات : كلابٌ طِوالُ الأشرق والألحى. والسُّوف : الصيادون ، يعني أنّهن يجئن الصيادين إذا صَفّروا بهنّ.

وقال أبو عُبَيد : سمعتُ الأصمعي يقول : المَحْصن من اللَّبَن : ما لم يُخالِطْه ماءٌ ـ حلواً كان أو حامضاً ـ فإذا ذهبتْ عنه حَلاوة الحَلَب ولم يتغيّر طعمُه فهو سامِط ، فإن أَخَذَ شيئاً من الرِّيح فهو حَامط.

قال أبو عُبَيد : وقال أبو زيد : الخميط : اللحمُ المشويُّ ، يعني إذا سُلِخ ثم شُوِي.

وقال غيره : إذا مُرِط عنه صوفه ثم شوِي بإهابه فهو سميط : وقد سمط الحَمل يسمطه سمطاً فهو مسموط وسميط.

ثعلب عن ابن الأعرابي : السامِط : الساكت. والسَّمْط ، السكوت عن الفضول. ويقال : سَمَط وسَمّط وأَسْمَط : إذا سكت.

وقال الليث : السِّمط من الرجال : الخفيفُ في جسمه ، الداهيةُ في أمرِه ، وأكثرُ ما يوصَف به الصَّيّاد ؛ وأنشد لرؤبة :

* سِمْطاً يُرَبِّي وِلْدَةً زَعَابِلاً*

قال أبو عمرو : يعني الصَّائد كأنّه نظامٌ منْ خِفّته وهُزَاله. والزَّعابِل : الصِّغار.

وقال ابن الأعرابي : نَعْجَةٌ مَنْصوبة : إذا كانت مَسْمُوطةٌ محلوقَة.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : يُقال للآجُرّ القائِم بعضُه فوقَ بعض عندهم : السُّمَيْط ، وهو الذي يسمَّى بالفارسية براسْتَق.

٢٤٤

ويقال : قام القومُ حولَه سِماطَيْن ، أي : صَفّين ، وكلّ صَفّ من الرجال سِماط.

وسُمُوطُ العِمامة : ما أُفضِل منها على الصَّدر والأكتاف.

سطم : ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال لِسَدادِ القِنِّينَة : الفِدَامُ. والسِّطامُ والعِفاص والصّماد والصِّبَار.

وفي حديث النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قضيتُ له بشيءٍ من حقِّ أَخِيه فلا يأخُذَنَّه ، فإنما أقْطَعَ له إسطاماً من النَّار».

أراد بالإسْطام : القطعةَ منها. ويقال للحديدة التي تحرث بها النار : سِطامٌ وإسطام ، إذا فُطِحَ طرفها. وقد صحّت هذه اللفظة في هذه السُّنّة ولا أدري أعربيّة مَحْضَة أو مُعَرَّبة.

وفي حديث آخر : «العَرَبُ سِطام الناس»، أي : حدّهم. وقال ابن دُرَيْد : السَّطْم والسِّطام : حدُّ السَّيف.

ثعلب عن ابن الأعرابي : السُّطُم : الأصول. ويقال لِلدَّرَوَنْد : سِطام. وقد سَطَّمْتُ البابَ وَسَدَمْتُه : إذا ردمتَه فهو مَسطُوم ومَسْدوم.

وقال الأصمعي : فلانٌ في أسْطُمَّة قومِه : إذا كان وَسِيطاً فيهم مُصاصاً. قال : وأُسطُمَّة البحر : وَسطُه. وقال رُؤْبَة :

* وَسَطْتُ من حَنْظَلَةَ الأُسْطُمَّا*

ورُوِي الأطسُمّا سمعناه.

مسط : أبو عبيد عن أبي زيد : المَسْطُ أَنْ يُدْخِلَ الرّجُل يدَه في رَحِم النّاقة فيَستخرج وَتْرَهَا ، وهو ماءُ الفحل يجتمع في رَحِمها ، وذلك إذا كَثُرَ ضِرابُهَا ولَمْ تَلْقَح.

وقال اللّيثُ : إذا نَزَا على الفَرَس الكريمة حِصَانٌ لئيمٌ أَدخَل صاحبُهَا يَدَه فَخَرط ماءه من رَحِمها ، يقال : مَسَطَهَا وَمَصَتها ومَساها. قال : وكأنهم عاقَبوا بينَ التّاء والطاء في المَصْت والمَسْط. قال : والْمَسْطُ : خَرْطُ ما في المِعَى بالإصبَع لإخراج ما فيه ، يقال : مَسَطَ يَمسُطُ.

قال : والماسِطُ : ضَرْبٌ من شجر الصَّيف إذا رَعَتْه الإبل مَسَطَ بُطونها فَخَرطَها ، وقال جرير :

يا ثَلْطَ حَامِضَةٍ تربَّع ماسِطا

من وَاسِطٍ وتَرَبَّعَ الُقُلَّاما

ثعلب عن ابن الأعرابي : فَحْل مَسِيط ومَلِيخ ودَهِين : إذا لم يُلْقِح. وقيل : ماسِط : ماءٌ مِلْح إذا شَرِبته الإبل مَسَطَ بطونَها ، وروى البيت :

 .......... تَرَوَّحَ أهلُها

عن ماسِطٍ وتَنَدَّتِ القُلَّاما

وقال ابن شميل : كنتُ أَمشي مع أعرابيّ في الطِّين ، فقال : هذا المَسِيط ، يعني الطِّين.

٢٤٥

وقال أبو زيد : الضَّغِيطُ : الرَّكيّة يكون إلى جانبها ركيّة أخرى فَتُحْمَأ ، وتَنْدَفِن فيُنْتِن ماؤها ويسيل ماؤها إلى العَذْبة فيُفسِدُها فتلك الضَّغِيط والْمَسِيط ، وأنشد :

يَشْرَبْنَ ماءَ الآجِنِ الضَّغِيط

ولا يَعَفْنَ كَدَرَ الْمَسِيطِ

وقال أبو عمرو : الْمَسيطَةُ : الماءُ الذي يَجري بين الحوضِ والبئر فيُنْتِن ، وأنشَد :

ولاطَحَتْه حَمْأَةٌ مَطائِط

يَمُدُّهَا من رِجْرِجٍ مَسَائِطُ

ابن السكّيت قال أبو الغَمْر : إذا سال الوادي بسَيْل صغير فهي مَسيطة ، وأصغَرَ من ذلك مُسَيِّطَة.

أبو عُبَيد عن الأصْمَعِي : الْمَسِيطَة : الماءُ الكَدِر الذي يَبقَى في الحوض ، والْمَطِيطة نحوٌ منها.

طمس : أبو عُبَيد عن أبي زيد : طَمَسَ الطَّرِيقُ وطَسَم : إذا دَرَسَ.

وقال شمر : طموسُ البَصَر : ذَهابُ نُورِه وضَوئِه ، وكذلك طُموسُ الكَواكب : ذَهاب ضوئها. ويقال : طَمَسَ الرجلُ يطمس : إذا تباعد. والطامس : البَعيد ، وقال ذو الرّمة :

ولا تحسِبي شَجِّي بك البِيدَ كلَّما

تَلألأ بالفَوْر النّجُوم الطّوامسُ

وهي الّتي تَخفَى وتَغيب. ويقال : طمَسْتُه فطمَس ؛ ويقال : طَمَس الله على بصَرِه يطمس. وطمَسَ طُمُوساً : إذا ذَهَب بَصَرُه. وطُموسُ القَلْب : فسادُه ، قال الله جلّ وعزّ : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس : ٦٦] ، يقول : لو نشاء لأَعْميناهم ، ويكون الطُّموس بمنزلة المَسْخ للشيء ، قال الله جلّ وعزّ : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) [يونس : ٨٨] ، قالوا : صارت حجارةً ، وكذلك قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) [النساء : ٤٧].

وقال الزّجاج : فيها ثلاثة أقوال : قال بعضهم : نَجعل وجوههم كأقفائهم. وقال بعضهم : نَجعل وجوهَهم مَنَابت الشَّعْر كأقفائهم. وقيل : الوجوه ههنا تمثيلٌ بأَمر الدِّين ، المعنَى : من قبل أن نُضِلَّهم مُجازاةً لما هم عليه من العِناد فنضلّهم إضلالاً لا يؤمِنون مَعَه أبداً.

قال : وقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) قال : المَطْمُوس : الّذي لا يتبيّن له حَرْفُ جَفْنِ عينيه ، لا يُرَى شُفْرُ عينيه ؛ المعنى : لو نشاء لأَعْمَيْنَاهم.

وقال في قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) جاء في التفسير أنه جعل شكرهم مجارة وتأويل الحسن إذهابُه عن صُورته.

وقيل : إن الطَّمْس إحدى الآيات التِّسع التي أُوتِيَتْ مُوسى.

٢٤٦

ابن بُزُرْج قال : لا تسبقنّ في طميس الأرض ، مثل جديد الأرض.

وقال الفرّاء في كتاب «المَصادِر» : الطَّمَاسة كالحَزْرِ وهو مصدر ، يقال : كم يَكفِي داري هذا من آجُرّة؟ قال : طَمّس ، أي : احْزُرْ قال : وطَمَس بَصرُه ، يَطمِس طَمْساً ، وَيطمِس طُمُوساً.

أبو زيد : طَمَس الكتابُ طُموساً : إذا دَرَس. وطُموسُ القَلْب : فسادُه. وطَمَس الرجلُ يَطمُس طُموساً : إذا تَباعَد.

والطامسُ : البَعِيد ، وأنشد شمر لابن مَيَّادة :

ومَوْمَاةٍ يَحارُ الطَّرفُ فيها

صَمُوتِ اللَّيلِ طامِسةِ الْجِبالِ

قال : طامسة بعيدة : لا تتبيّن من بُعْدٍ ، وتكون الطّوامس الّتي غطّاها السّراب فلا تُرَى.

وفي «نوادر الأعراب» : يقال : رأيتُه في طسَام الغُبارِ ، وطُسّامه ، وطسَّامِه وطيْسانِهِ ، تريد به في كثيره.

مطس : قال الليث : مَطَس المعذِرة يَمْطُس : إذا رمى بمرَّة.

وقال ابن دُرِيد : المَطْسُ : الضَّرْب باليد كاللَّطْمة.

انتهى ، والله أعلم.

(أبواب) السّين والدّال

س د ت ـ س د ظ ـ س د ذ ـ س د ث : أهملت وجوهها.

س د ر

سدر ، سرد ، دسر ، درس ، ردس : مستعملة.

سدر : السِّدر : اسم الجنس ، والواحدة سِدْرَة.

السِّدْر من الشَّجَر سِدْران : أحدُهما سِدْرٌ بَرّيّ لا يُنتَفَع بثَمره ، ولا يصلُح ورقُه للغَسول ، وربما خُبِط ورقُه للرّاعية ، وله ثمَر عَفِصٌ لا يؤكل ، والعرَب تسمِّيه الضّال ، والجِنْس الثاني من السِّدر ينبُت على الماء ، وثمرُه النَّبِق ، ورَقُه غَسولُ ، يُشبه شجر العُنّاب ، له سُلّاء كسُلّاثه وورَقٌ كوَرَقِه ، إلا أنَّ ثمرَ العُنَّاب أَحْمَرُ حلو ، وثمرُ السِّدْر أصفَرُ مُزّ يتفكَّه به ، وأما قول الله جلّ وعزّ : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥)) [النجم : ١٤ ، ١٥] ، فإن اللّيث زعم أنّها سِدْرةٌ في السماء السابعة لا يجاوِزُها ملك ولا نبيّ ، وقد أَظَلّت السماءَ والجَنّة ويُجمَع السِّدْرةُ سِدْراً وسِدَراً وسِدِرات. والسدر : اسمُ للجنس ، الواحدة سِدْرة.

أبو عبيد : السادِرُ : الّذي لا يَهتمّ لشيء ولا يُبالِي ما صَنَع.

وقال الليث : السَّدَرُ : اسْمِدْرَارُ البَصَر ،

٢٤٧

يقال : سَدِر بصرُه يسْدر سَدَراً : إذا لم يكن يُبصِر فهو سَدِر. وعينٌ سَدَرة.

وقال أبو زَيد : السَّدَر : قَدَع العين ؛ والسَمادِير : ضَعْفُ البَصَر. والسَّدْرُ والسَّدْل : إرسالُ الشَّعر ، يقال : شعر مَسْدُور ومَسْدول وشعر مُنْسَدِر ومُنْسَدِل : إذا كان مسترسِلاً. أبو عُبَيْد : يقال : انسَدَرَ فلانٌ يَعْدُو ، وانّصَلت يَعْدُو : إذا أسْرَع في عَدْوه.

وقال الليث : السَّدِير : نهِرٌ بالحيرة.

وقال عديّ :

سَرَّه حالُه وكثرةُ مَا يملِك

والبحرُ مُعرِضاً والسَّدِير

وقال ابن السكّيت : قال الأصمعي : السَّدِير فارسية ، كأن أصله سادِلٌ ، أي : قُبّة في ثلاث قِبابٍ مُداخَلة ، وهو الّذي تسمِّيه الناسُ اليومَ سِدْليّاً فأعرَبته العَرَب فقالوا سَدِير. وفي «نوادر الأصمعي» التي رواها عنه أبو يَعلى قال : وقال أبو عمرو بنُ العَلاء : السَّدِيرُ : العُشْبُ.

وقال أبو زَيد : يقال للرجل إذا جاء فارغاً : جاء يَنْفُض أَسْدَرَيه. قال : وبعضُهم يقول : جاء ينفض أصْدَريْه.

وقال : أسدراه : مِنكباه.

وقال ابن السكّيت : جاء ينفُض أزْدَرَيْه إذا جاء فارغاً.

وقال اللّحياني : سَدَرَ ثوبه سَدْراً : إذا أرسَله طُولاً.

وقال أبو عَمْرو : تَسدَّر بثَوْبه : إذا تجَلَّل به. قال : وسمعتُ بعضَ قيس يقول : سَدَل الرجل في البلاد وسَدَر : إذا ذَهَب فيها فلم يَثْنه شيء.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : سَدر : قَمر.

وسَدِر : تحير مِن شدّة الحرّ. قال : ولُعبةٌ للعَرب يقال لها : السُّدّر والطُّبن.

وقال أبو تراب : قال أبو عُبيدة : جاء فلان يَضرب أَسْدَرَيه وأَصْدَرَيه ، أي : عِطْفَيْه ، وذلك إذا جاء فارغاً.

دسر : قال الليث : الدَّسْر : الطَّعن والدفْعُ الشديد ، يقال : دَسَره بالرُّمح ، وأنشد :

* عن ذِي قَدَامِيسَ كَهَامٍ لو دَسَرْ*

قال : والبُضْعُ يُستعمَل فيه الدَّسْر ، يقال : دسَرَها بأَيْرِه.

وقال الفرّاء في قوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)) [القمر : ١٣] ، قال : الدُّسُر : مَسامِيرُ السفينة وشُرُطُها الّتي تُشَدُّ بها.

وقال الزّجّاج : كلّ شيءٍ يكون نحو السَّمْر. وإدخال شيء في شيء بقوّة وشِدّة فهو الدَّسْر ، يقال : دَسَرْتُ المِسْمارَ أدسُره وأدسِره دَسْراً. قال : وواحد الدُّسْرِ دِسَار.

وسُئِل ابن عبّاس عن زكاةِ العَنْبَر فقال : إنّما هو شيء دَسَره البحرُ، ومعناه : أن موج البحر دفعه فألقاه إلى الشطّ فلا زكاة فيه.

٢٤٨

ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : الدَّسْر : السَّفِينة.

وقال ثعلب في قوله : (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ).

قال بعضهم : هو دَفْعُها الماءَ بكلْكلِها.

ويقال : الدُّسُر : المسامير. ويقال : الدِّسارُ : الشَّريط من اللِّيف الّذي يشدّ بعضُه ببَعض.

وقال الليث : جَمَلٌ دَوْسَرِيٌ ودَوْسَر : وهو الضَّخْم ذو الهامة والمَناكِب.

سَلَمة عن الفرّاء قال : الدَّوْسَرِيُ : القَوِيُّ من الإبل. ودَوْسَر : كتيبةٌ كانت للنُّعمان بن المنذر ، وأنشَد :

ضَرَبتْ دَوْسَرُ فينا ضَرْبةً

أَثبتَتْ أوتاد مُلْكٍ فاستَقَرّ

وبنو سَعْد بنِ زيد مَناةَ كانت تُلَقَّبُ : دَوْسَر في الجاهليّة.

سرد : قال الله جلّ وعزّ : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) [سبأ : ١١].

قال الفرَّاء : يقول : لا تجعل مِسمارَ الدِّرْع دَقِيقاً فيَنفَلق ، ولا غَليظاً فيَفْصِم الحَلَق.

وقال الزّجّاج : السّرْد في اللّغة : تَقدِمة شيء إلى شيء حتى يتّسق بعض إلى إثْرِ بعض متَتابعاً.

ويقال : سَرَدَ فلانٌ الحديثَ يَسرُدُه سَرْداً : إذا تابَعَه. وسَرَد فلانٌ الصَّوْمَ : إذا وَالاه.

وقال في التفسير : السَّرْدُ : السَّمْرُ ، وهو غير خارجٍ من اللّغة ، لأنّ السَّمْر تقديرُك طرَف الحَلْقة إلى طَرَفها الآخر.

قال : وقال سيبويه : رجل سَرَنْدَى : مشتقّ من السّرْد ، ومعناه : الّذي يَمضِي قُدُماً.

قال : والسَّرَد : الحَلَق ، وهو الزَّرَد ، ومنه قيل لصاحبها سرّاد وزَرّاد.

وقال اللّيث : السَّرْد : اسمٌ جامعٌ للدُّروع وما أَشبَهَها من عَمَل الحَلَق ، وسُمِّي سَرْداً لأنه يُسرَّد فيُثقب طرفَا كلّ حلقة بالمسمار ، فذلك الحَلَق المُسَرَّد ، والمِسْرَد هو المِثقَب ، وهو السِّراد.

وقال لَبيد :

* كما خَرَج السِّرادُ من النِّقال*

وقال طَرَفة :

* حِفَافَيْه شُكَّا في العَسِيبِ بِمِسْرَدِ*

ويسمَّى اللّسان مِسرَداً.

قال أبو بكر في قولهم : سردَ فلانٌ الكتابَ معناه : دَرَسه مُحكماً مجوَّداً ، أي : أَحكَمَ دَرْسَه وأجادَه ، من قولهم : سَرَدْتُ الدِّرعَ إذا أحكمتَ مَسامِيرها ، ودِرْع مسرودةٌ : محكمةُ المسامير والحَلَق.

والسَّرَادُ من الثَّمر : ما أَضَرَّ به العطش فيبِس قبلَ ينْعِه. وقد أَسرَد النخلُ ، والواحدة سَرَادَة.

وقال الفرَّاء : السَّرادة : الخَلالة الصُّلبة.

والسراد من الزبيب يقال له بالفارسية : زنجير.

٢٤٩

وقال ابن الأعرابيّ : السّرادُ : المتتابع.

وقيل لأعرابيّ : ما أَشْهُرُ الحُرُم؟ فقال : ثلاثةٌ سَرْد ، وواحد فَرْد.

عمرو عن أبيه : السارِدُ : الخرّاز.

والإشْفَى يقال له : السِّرادُ والمِسرَدُ والمخْصَف.

ردس : قال الليث : الرَّدْس : دَكُّك أرضاً أو حائطاً أو مَدَراً بشيء صُلْبٍ عريضٍ يسمى مِرْدَساً ، وأَنشد :

* يُغَمِّد الأعداءَ جَوْزاً مِرْدَسا*

أبو عبيد عن الأحمر : المِرْداسُ : الصَّخْرة يُرمَى بها في البئر ليُعلمَ أفيها ماءٌ أم لا.

قال الراجز :

* قَذْفَك بالمِرْداس في قَعْرِ الطَّوِي*

وقال شَمِر : يقال : رَدَسه بالحَجَر ، أي : ضرَبَه ورَمَاه بها.

وقال رؤبة :

* هناك مِرْداناً مِدَقٌ مِرْداسْ *

أي : داقٌّ. ويقال : رَدَسَه بحَجَر ونَدَسَه ورَداه : إذا رَماه.

وقال ابن الأعرابيّ : الرَّدُوس : النُّطوح المِزحَم ، وقال الطِّرمّاح :

تَشُقّ مُغمِّضاتِ اللَّيل عنها

إذا طَرقَتْ بمرْداسٍ رَعُونِ

قال أبو عَمْرو : المِرْدَاسُ : الرأس لأنه يردُسُ به ، أي : يردُّ به ويُدفَع. والرَّعُون المتحرّك ؛ يقال : رَدَس برأسه ، أي : دَفَع بها.

درس : أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ : إذا كان بالبَعير شيءٌ خَفيف مِن الجَرَب قيل : به شيء من دَرْس وأَنشد :

* من عَرَق النَّضْج عَصِيمُ الدَّرْسِ *

وأخبَرَ المنذريُّ عن أبي العبّاس في قول الله جلّ وعزّ : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) [الأنعام : ١٠٥] ، قال : معناه : وكذلك نُبيِّن لهم الآيات مِن هُنا وهُنا لكي يقولوا : إنك دَرَسْتَ ، أي : تَعَلّمتَ ، أي : هذا الّذي جئتَ به عُلِّمتَ.

قال : وقرأ ابنُ عبّاس ومجاهد : (دارَسْتَ) ، وفسّرها : قرأتَ على اليهود وقرءوا عليكَ ، وقرئت : (وليقولوا دُرِسَت) ، أي : قُرِئَتْ وتُلِيَتْ. وقُرىء : (دَرِسَتْ) ، أي : تَقادَمت ، أي : هذا الّذي تتلوه علينا شيء قد تَطاوَل ومَرَّ بنا.

وأخبَرَني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : يقال : دَرَسَ الشيءُ يَدْرُس دُرُوساً ، ودَرَسْتُ الكتابَ أدرُسُه دِراسةً. والمِدْرَسُ : المكان الذي يُدرَس فيه. والمِدْرَس : الكِتاب. والدِّراس : المُدارَسة.

قال : والدُّروس : دُرُوس الجارية إذا طَمِشَتْ ، يقال : جارية دارِسُ ، وجوارٍ دُرَّس وَدَوارِس.

٢٥٠

وقال الأسوَد بنُ يَعفُر يصف جَواريَ حين أدركنَ :

اللّاتِ كالبَيضِ لمّا تَعْدُ أَن دَرَسَتْ

صُفْرُ الأَناملِ من نقْف القَوارِيرِ

ودرَسَت الجاريةُ تَدْرُس دُرُوساً.

والدَّرْسُ : الجَرَب أوّلُ ما يظهر منه.

والدَّرْس والدِّرْس والدَّرِيس : الثوبُ الخَلَق.

قال ابنُ أحمر :

لَم تَدْرِ ما نَسْجُ اليَرَنْدَج قَبْلَها

ودِراسُ أعوَصَ دارِسٍ متخدِّد

قال ابن السكّيت : ظنّ أن اليَرَنْدَج عمل من عَمَل الناس يُعمَل ، وإنّما اليَرَنْدج جلودٌ سُود. وقولُه : ودِراس أعوَصَ ، لَم يُدارِس الناسَ عَوِيصَ الكلام ، وقولُه : دارسٍ متخدِّر ، أي : يَغْمضُ أحياناً فلا يُرَى ، ويظهر أحياناً فيرى ، ما تخدّد منه غُمضَ ، وما لم يتخدّد ظَهَر. ويُروَى : متجدِّد بالجيم ، ومعناه : أن ما ظَهَر منه جديد وما لم يظهر دارس.

قال : وسمعتُ أبا الهَيْثَم يقول : دَرَس الأَثرُ يَدرسُ دُرُوساً ، أو دَرَسهُ الرِّيح تَدْرُسه دَرْساً ، أي : مَحَتْه ومن ذلك قيل : دَرَسْتُ الثوبَ أدرُسُه دَرْساً فهو مَدْرُوس ودَرِيس ، أَي : أَخْلَقْته ومن قيل للثّوب الخَلُق دريس ، وجمعُه دِرْسَان.

وكذلك قالوا : دَرَس البعيرُ : إذا جَرب جَرَباً شديداً فقُطِرَ ، قال جرير :

رَكِبتْ نَوارُكُمُ بَعيراً دارِساً

في السَّوْقِ أَفْضَح راكبٍ وبَعيرِ

قال : وقيل : دَرَسْتُ الكتابَ أدرُسه دَرْساً ، أي : ذَلَّلتُه بكثرة القراءة حتى خَفّ حِفْظُه عليّ من ذلك ، وقال كعب بن زهير :

وفي الحِلْم إدْهانٌ وفي العَفْو دُرْسةٌ

وفي الصِّدق مَنْجاةٌ من الشّرّ فاصدُقِ

قال : الدُّرْسةُ : الرّياضة ؛ ومنه دَرَسْتُ السُورة حتّى حفِظتُها ؛ ودَرَستُ القضيب ، أي : رُضْتُه. والإدْهان المَذَلة واللِّين.

وقال غيره : دُرِسَ الطعامُ يُدْرس دِراساً : إذا دِيسَ. والدِّراسُ : الدِّياسُ بِلُغة أهلِ الشام ، وقال :

* حَمراءُ مِمّا دَرَسَ ابنُ مِخْراق*

أي : داسَ ، وأرادَ بالحَمراءِ برّةً حَمْراءَ في لَونها.

وقول لَبيد :

يَوْمَ لا يُدخل المُدارِسَ في

الرَّحْمة إلا براءةٌ واعتذارُ

قال الْمُدارِس : الذي قرأ الكتب ودَرَسها.

وقيل : المُدَارِسُ : الَّذي قارَفَ الذُّنوبَ وتَلَطَّخَ بها ، من الدَّرْسِ وهو الجَرَب.

والمِدْراسُ : البيتُ الذي يُدْرَسُ فيه القرآن ، وكذلك مِدْرَاسُ اليَهود.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الدِّرْوَاسُ :

٢٥١

الكبيرُ الرأس من الكلابِ. والدِّرْباس ـ بالباء ـ : الكلبُ العَقُور ، وأنشد :

* أَعْدَدْتُ دِرْوَاساً لِدِرْباسِ الْحُمْتْ*

هذا كلبٌ كأنه قد ضَرِيَ في زِقَاقِ السَّمْن يأكلها ، فأَعَدَّ له كلباً آخَر يقال له دِرْوَاس.

وقال غيرُه : الدَّرَاوس من الإبل : الذُّلُل الغِلاظ الأعناق ، واحِدها دِرْواس.

أبو عُبَيد عن الفرّاءِ : الدَّرَاوِس : العِظامُ من الإبل.

س د ل

سدل ، لدس ، لسد ، دلس : [مستعملة].

سدل : في حديث عليّ : أنّه خرج فرأى قوماً يُصلُّون قد سَدَلوا ثِيابَهم فقال : كأنهم اليهودُ خَرجوا من فُهْرِهم.

قال أبو عُبَيد : السَّدْل : هو إِسبالُ الرَّجل ثوبَه من غير أن يَضُمّ جانبيه بين يديه ، فإن ضَمَّه فليس بسَدْل ؛ وقد رُوِيتْ فيه الكَراهيةُ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال الليث : شَعرٌ مُنسَدِل ومُنْسَدِر : كثيرٌ طويلٌ قد وقع على الظَّهر.

الأصمعيّ : السُّدول والسُّدُون بالنون واللام : ما جُلِّل به الهَوْدَج من الثّياب.

قال الراجز :

كأنّ ما جُلِّلن بالأُسْدانِ

يانِعَ حُمّاض وأرْجُوانِ

وقال ابن الأعرابيّ : سَوْدَل الرجلُ : إذا طال سَوْدلاه ؛ أي : شارِباه.

وفي حديث عائشة «أنها سدَلت طرف قناعها على وجهها وهي محرمة»، أي : أسبلته.

وفي الحديث «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قَدِم المدينة وأهلُ الكتابَ يسدِلون أشعارَهم والمشركون يَفْرُقون ؛ فسَدَل النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شَعرَه ففَرّقه ، وكان الفَرْقُ آخِرَ الأمرَين».

قال ابن شميل : المسدَّلُ من الشَّعر.

الكثيرُ الطويل ، يقال : سَدَّل شعرَه على عاتقَيه وعُنقِه ، وسَدَله يَسدِله. والسَّدْل : الإرسال ليس بمَعْقُوف ولا مُعقَّد. وشَعرٌ مُنسَدِلٌ ومُنسَدِرٌ.

وقال الفرّاء : سَدَلْتُ السِّترَ وسَدَنْتُه : أرخَيْتُه.

دلس : أبو العباس عن ابن الأعرابي : الدَّلَسُ : السّواد والظلمة. وفلان لا يُدالس ولا يُوالس قال : لا يدالس ولا يظلم ، ولا يوالس : أي : لا يخون لا يُوارِب.

وقال شَمر : المُدالسةُ : إذا باعَك شيئاً فلم يُبَيِّنْهُ لك ، يقال : دلس لي سِلعةَ سَوْء.

واندلس الشيء : إذا خفي. ودلّسْتُه فتدلَّس ، وتَدلُّسُه ألا يشعر به.

وقال الليث : يقال : دلّس في البيع وفي كل شيء : إذا لم يبيّن عَيْبَه.

٢٥٢

قلت : ومِنْ هذا أُخِذ التدليسُ في الإسناد ، وهو أن يُحدِّث به عن الشيخ الأكبر وقد كان قد رآه ، وإنما سمعه عمن دونه ممن سمعه منه ، وقد فعل ذلك جماعةٌ من الثِّقات. والدُّلْسةُ : الظلمة.

وسمعت أعرابيّاً يقول : لامرىء قُرفَ بسوء فيه ، ما لي في هذا الأمر وَلْسٌ ولا دَلْسٌ ، أي : ما لي فيه خِيانة ولا خديعة.

سَلمة عن الفراء قال : الإدلاس : بقايا النَّبت والبَقْل ، واحدها دَلَس ، وقد أدلست الأرض ، وأنشد :

بَدَّلتْنَا من قَهْوَسٍ قِنْعاسَا

ذا صَهَوات يَرْتَع الأَدلاسَا

لدس : ثعلب عن ابن الأعرابي : أَلدَسَتِ الأرضُ إلْداساً : إذا طَلَع فيها النّبات.

وناقةٌ لَدِيس رَدِيس : إذا رُميت باللّحم رَمْياً.

وقال الشاعر :

سَدِيسٌ لَدِيسٌ عَيْطَموسٌ شِمِلَّةٌ

تُبارُ إليها المُحصنَاتُ النَّجائبُ

المحصنات النّجائب : اللّواتي أحصنَها صاحبُها أن لا يضربها إلا فحلٌ كريم.

وقوله : تبارُ يقول : يُنظَر إليهنّ وإلى سَيْرهنّ بسَيْر هذه الناقةِ ، ويختَبرْن بها وبسيرها. ويقال : لَدّسْتُ الخُفَ تلدِيساً : إذا نَقَّلْتَه ورَفَعْتَه. ولَدَّسْتُ فِرْسِنَ البعيرِ : إذا أَنْعَلته.

وقال الراجز :

حَرْف عَلَاة ذات خُفٍّ مِرْدَسِ

دَامِي الأظَلِّ مُنْعلٍ مُلَدَّسِ

لسد : أبو عبيد : لَسَدَ الطَّلَى أمَّه يَلْسِدها : إذا رَضَع جميع ما في ضَرْعها ، رواه أبو عُبيدة عنه. وأَنشَد النّضر :

لا تَجزَعَنَّ على عُلُالةِ بَكْرةٍ

بسْطٍ يُعارضُها فَصِيلٌ مِلْسَدُ

قال : اللَّسْدُ : الرَّضْع. والمِلسَد : الَّذي يَرضَع أُمَّه من الفُصْلان.

س د ن

سدن ، سند ، ندس ، دنس : [مستعملة].

سدن : ذَكَر النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سِدَانةَ الكَعْبة وسقاية الحاج في حديث.

قال أبو عبيد : سِدَانة الكعبة : خِدمْتَها.

يقال منه : سَدَنْتُ أسْدُنُ سِدَانة. ورجُلٌ سادِن من قومٍ سَدَنة : وهم الخَدَم.

وقال ابن السكّيت : الأسْدانُ والسُّدُون : ما جُلِّل به الهَوْدَج من الثّياب. واحدُها سَدَن.

عَمْرو عن أبيه : السَّدِين : الشَّحْمُ.

والسَّدِين : السَّتر.

سند : أبو عُبَيد عن أبي عُبَيدة : مِن عُيوب الشِّعر السِّناد ، وهو اختلاف الأرداف.

كقوله :

* كأنّ عُيونهُنّ عُيونُ عِينِ*

٢٥٣

ثم قال :

* وأَصبَحَ رأسُه مِثلَ اللُّجَيْنِ*

وأخبَرَني أبو محمّد المُزَنيّ عن أبي خليفة عن محمّد بن سلّام الجَمَحيّ أنه قال : السِّنَاء في القافية مِثل شَيْبٍ وشِيبٍ.

يقال : سانَدَ فلانٌ في شِعرِه ، قال : ومن هذا يقالُ خرج القدم متساندين إذا خرج كلُّ بني أبٍ على رايةٍ ولم يَجتمعوا على راية واحدة.

وقال ابن بُزُرْج : يقال : أَسنَدَ في الشِّعْر إسناداً بمعنى سانَدَ مثل إِسناد الخبر.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : السَّنَدُ : ضَرْبٌ من البُرود.

وفي الحديث : «أنّه رأى على عائشة أربعةَ أثواب سَنَد».

وهو واحد وجمع.

وقال الليث : السَّنَد : ضَربٌ من الثّياب : قميص ، ثم فوقَه قميصٌ أقصرَ منه.

وكذلك قُمُص قِصار من خِرَق مُغَيَّب بعضُها تحت بعض. وكلُّ ما ظهر من ذلك يسمَّى سِمْطاً سِمطاً.

وقال العجَّاج يصف ثوراً وَحْشيّاً :

* كَتّانها أو سَنَدٍ أَسْماط*

وقال ابن بُزُرْج : السَّندُ واحد الأَسْناد من الثِّياب ، وهي مِنَ البُرود ، وأنشد :

جُبّةُ أَسْنادٍ نَقِيٌّ لَوْنها

لَم يَضرِب الخيّاطُ فيها بالإبَر

قال : وهي الحمراء من جِبَابِ البُرُود.

قال : والسَّنَد مثقَّلٌ : سُنود القومِ في الجَبَلِ. والإسناد : إسناد الرّاحلة في سيْرها ، وهو سيْرٌ بين الذَّميل والهمْلَجة.

وقال : سنَدْنا في الجبل ، وأَسنَدْنا إبِلَنا فيها.

ابن الأعرابي : سند الرجلُ : إذا لبس السَّنَد ، وهو ضرْب من البُرود.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : الهبِيطُ : الضامر.

وقال غيرُه السِّناد مثلُه. وأنكره شمر.

وقال : قال أبو عمْرو : ناقةٌ سِنَاد : شديدةُ الخُلق.

وقال الليث : ناقةٌ سنادٌ : طويلة القَوائم مُسنَدة السَّنام.

وقال ابن بزرج : السِّناد : من صفات الإبل أن يُشرِفَ حارِكُها.

وقال الأصمعيّ : هي المُشرِفة الصَّدْر والمُقدَّم ، وهي المُساندة. قال شمر : أي : يساند بعضُ خَلْقها بعضاً.

وقال أبو عُبَيد : سمعتُ الكِسائيّ يقول : رجلٌ سِنْدَأْوَة وقِنْدَأْوَة : وهو الخفيف.

وقال الفراء : من النون الجريئة. وقال الليث : السند ما ارتفع من الأرض في قُبل جبَل أو وَادِ ، وكلُّ شيء أسنَدْتَ إليه شيئاً فهو مُسنَد. قال : وقال الخليل : الكلام سنَد ومُسنَد ، فالسند كقولك : عبدُ الله رجلٌ صالح ، فعبدُ الله سنَد ، ورجلٌ صَالح مُسنَدٌ إليه.

٢٥٤

قال : والمسنَدُ : الدّعِيّ. والمسند : الدهْر.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال : لا آتيه يد الدهْر ، ويدَ المُسنَد : أي : لا آتِيه أبداً.

وقال أبو سعيد : السِّنْدَأوَةُ : خرْقةُ تكون وقايةً تحت العِمامة من الدُّهن.

قلتُ : والمسنَد من الحديث : ما اتّصل إسناده حتى يُرفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمرسلُ والمنقطع : ما لَم يتَّصل. ويقال للدَعِيّ :

سنيد ، وقال لَبيد :

* كريمٌ لا أَحَدُّ ولا سنيدُ*

وقال أبو العباس : المسند : كلامُ أولادِ شِيث.

أبو عُبيد عن الأصمعي : سندتُ إلى الشيء أَسنُد سُنوداً : إذا استَنَدْتَ إليه وأسندت إِليه غيري.

ويقال : سانَدْتُه إلى شيء يتسانَدُ إليه.

وقال أبو زيد :

سانَدُوه حتى إذا لَمْ يَرَوْه

شُدَّ أجلَادُه على التَّسْنِيدِ

وما يستند إليه يسمَّى مِسنَداً ومُسنَداً.

السنْد : جيلٌ من الناس تُتاخم بلادُهم بلاد أهلِ الهند ، والنسبة إليهم سنْدِيّ.

والسَّنَدُ : بلد معروف في البادية. ومنه قوله :

* يا دارمَيَّةَ بالْعَلْياءِ فالسَّنَدِ*

والعلياء : اسمُ بلدٍ آخر.

ندس : الحَراني عن ابن السكّيت : رجلٌ نَدِسٌ ونَدُسٌ : إذا كان عالماً بالأخبار.

ورجلٌ نَطِسٌ ونُطُسٌ : للمُبالِغ في الشيء.

ثعلب عن ابن الأعرابي : تندّستُ الخبَر وتحسسْتُه بمعنًى واحد.

وقال الليث : النّدُسُ : السريعُ الاستماع للصّوت الخفيّ.

وقال الأصمعي : النَّدْسُ : الطَّعن ، وقال الكُميت :

ونحن صَبَحْنا آل نَجْرَانَ غارةً

تَميمَ بنَ مُرٍّ والرِّماح النَّوَادِسَا

حكاه أبو عُبيد عنه.

وفي حديث أبي هُرَيرة «أنه دخل المسجدَ وهو يَنْدُس الأرض برجلِه»، أي : يَضربها.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أسماء الخُنْفساء : المَنْدُوسة والفاسيَاء.

قيل : وتَندَّسَ ماءُ البئرِ : إذا فاض من حَوَاليْها.

دنس : قال الليث : الدَّنس في الثياب : لطخ الوَسخ ، ونحوه في الأخلاق.

رجُلٌ دَنسُ المُروءَةِ ، وقد دَنِس دنساً ، والاسم الدَّنس. ودنَّس الرجلُ عرضَه إذا فَعل ما يشينُه.

٢٥٥

س د ف

سدف ، سفد ، فسد ، فدس ، دسف ، دفس : مستعمل.

سدف : أبو عُبيد عن أبي زيد : السُّدْفة في لُغة تميم : الظُّلْمة. قال : والسُّدْفة في لغة قيْس : الضَّوْء ، وكذلك قال أبو محمد اليزيديّ ، وأنشدنا للعجّاج :

* وأَقطَع الليلَ إذا ما أَسْدَفَا*

أي : أُظلم. قال : وبعضهم يَجعل السُّدفةَ اختلاط الضَّوء والظُّلمة معاً كوقتِ ما بين طلوع الفجر إلى أوّل الإسفار.

الحرّاني : عن ابن السكّيت قال : السَّدَفُ والسُّدفة : الظُّلْمة والضَّوء أيضاً.

ويقال : أَسدفِ السِّترَ ، أي : أرفَعه حتى يُضيءَ البيت. قال : وقال عمارة : السدْفة ظُلمةٌ فيها ضوءٌ من أوّل الليل وآخره ، ما بين الظلمة إلى الشفق وما بين الفَجْر إلى الصلاة.

قلتُ : والصحيح ما قاله عمارة.

اللحياني : أتيتُه بسُدْفةٍ من الليل ، وشُدْفة وشَدْفة وهو السَّدَف والشَدَف.

وقال أبو عُبَيْد : أَسدَفَ الليلُ وأَشْدَفَ : إذا أَرخَى سُتورَه وأَظلَم.

قال : والإسدافُ من الأضداد.

يقال : أَسدِفْ لنا ، أي : أضِيءْ لنا.

قال : وقال أبو عَمْرو : إذا كان رجلٌ قائمٌ بالباب قلتَ له : أسدِف ، أي : تَنَحَّ عن الباب حتى يُضيءَ لنا البيتُ.

وقال الفرّاء : السَّدَف والشَّدَف : الظُّلْمة والسَّدَف أيضاً : الصُّبْح وإقبالُه ، وأنشد :

بِيضٌ جِعادٌ كأنَّ أعيُنَهُمْ

يكْحَلُها في المَلاحِمِ السَّدَفُ

يقول : سَوادُ أعينهم في الملاحم باقٍ ، لأنّهم أَنجادٌ لا تَبرقُ أعينُهم من الفَزَع فيغيب سَوادُها.

ويقال : سَدَفْتُ الحجابَ ، أي : أرخيتُه.

وحجاب مَسدوف ؛ قال الأعشى :

* بحِجابٍ مِن دُونِنا مَسْدُوفِ *

ورواه الرُّواة : مَصْدوف بالصاد ، وفسّروه أنه المَسْتُور.

وفي حديث أمِّ سَلَمة أنها قالت لعائشة لمّا أرادت الخُروجَ إلى البَصْرة : تَرَكْت عُهَّيْدَى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وَوجَّهْتِ سِدَافَتَه.

أَرادت بالسِّدَافة الحِجابَ ، وتوجيهُها كشفُها.

ويقال : وجّه فلانٌ سِدافته : إذا ترَكها وخرج منها.

وقيل للسِّتْر : سِدافة ، لأنه يُسْدَف ، أي : يُرخى عليه.

وقال الليثُ : السُّدْفةُ : اللباب وأنشد لامرأةٍ من قيسٍ تهجو زَوْجَها :

لا يَرْتَدِي بِرَادِيَ الحريرِ

ولا يُرَى بسُدْفة الأميرِ

٢٥٦

أبو عُبَيد : السَّدِيف : شَحْمُ السَّنام ، ومنه قول طَرَفة :

* ويُسعى علينا بالسَّدِيفِ المُسَرْهَدِ*

وقال غيره : السُّدوف والشُدُوف : الشُّخوص تراها من بُعْد ، وقال الهُذَلِيّ :

مُوَكَّلٌ بشُدُوفِ الصَّوْم يَنْظُرُها

من المغارِبِ مَخْطوفُ الحشَا زَرِمُ

أبو العباس عن عمرو عن أبيه : يقال : أسْدَف الرجلُ وأَزْرَفَ وأغْدَف : إِذا نام.

وقال ابن شُميل : أَسدَف الليلُ وأَزْدَف : إذا أظلَم.

سفد : أبو عُبيد عن الأصمعي : يقال للسِّباع : كلها سَفَدَ أُنْثاه يسفِدُها سِفاداً ، والتَّيْسُ والثَّوْرُ مِثلُها.

وقال أبو زيد نحوَه.

وقال الأصمعي : إذا ضَرَب الجملُ الناقَة قيل : فَقَا وقَاعَ ، وسَفِد يَسفَد.

وأجازَ غيرُه : سَفَد يَسفِد. والسَّفُّود معروف ، وجمعُه سفافِيد.

ثعلب عن ابن الأعرابي : استسفد فلان بعيره : أتاه من خلفه فركبه.

وقال أبو زيد : أتاه فتسفَّده ، وتعرقبه مثله.

دسف : ثعلب عن ابن الأعرابي : أدْسفَ الرجل إذا صارَ مَعاشُه من الدُّسْفة ، وهي القِيادة ، وهو الدُّسْفان.

وقال الليث : والدُّسْفانُ : شِبْه الرَّسول يطلبُ الشيءَ.

وقال أميّة :

* وأَرْسَلُوه يسوفُ الغَيْثَ دُسْفانَا*

دفس : ثعلب عن ابن الأعرابي : أدفس الرَّجلُ : إذا اسوَدَّ وجهُه من غير عِلَّة.

قلتُ : لم أسمَع هذا الحرفَ لغيره.

فدس : قال ابن الأعرابيّ : أفْدَسَ الرجلُ : إذا صارَ في إنائه الفِدَسة ، وهي العَناكِبُ.

عمرو عن أبيه : الفُدْسُ : العنكبوت.

قلتُ : ورأيتُ بالخَلْصاء دَحْلاً يُعْرَف بالفِدَسيّ ، ولا أدري إلى أيّ شيء نُسِبَ.

فسد : قال الليث : الفَساد : نقيضُ الصَّلاح ، والفعل فَسَد يَفْسُدُ فساداً.

قلتُ : ولغة أخرى : فَسُد فُسُوداً.

وقولُ الله جلّ وعزّ : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) [المائدة : ٣٣] ، نصب (فَساداً) لأنه مفعول له ، كأنّه قال : يَسعَوْن في الأرض للفساد.

ويقال : أفسَدَ فلانٌ المالَ يُفسِدُه إفساداً و [البقرة : ٢٠٥] وفَسَّد الشيءَ : إذا أَبارَه.

وقال أبو جُنْدَب :

وقلتُ لهمْ قد أدركَتْكُمْ كتِيبَةٌ

مُفَسَّدةُ الأدْبارِ ما لَمْ تُخَفّرِ

أي : إذا شَدَّتْ على قوم قَطَّعَتْ أدبارهم ما لم تُخفَّر الأدبار ، أي : ما لم تُمنَع.

٢٥٧

واستفسد السلطان قائده : إذا ساء إليه حتى استعصى عليه.

س د ب

سبد ، دبس : [مستعملان].

سبد : قال الليث : السَّبَد : الشَّعْر. وقولهم : ما لَه سَبَد ولا لَبَد ، أي : ما لَه ذو شَعْر ولا ذو وَبَر متلبِّد ، ولهذا المعنى سُميَ المالُ سَبَداً.

وقال ابن السكّيت : قال الأصمعي : ما له سَبَد ولا لَبَد ، أي : ما لَه قَليل ولا كثير.

وقال غير الأصمعي : السَّبَد من الشَّعْر واللَّبَد من الصوف.

ورُوِي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذَكر الخوارجَ فقال : «التَّسبيد فيهم فاشٍ».

وقال أبو عُبَيد : سألتُ أبا عُبيدة عن التسبيد فقال : هو تَرْك التّدهُّن وغَسل الرأس. قال وغيرُه يقول : إنما هو الحَلْق واستئصالُ الشعر.

قال أبو عُبَيدة : وقد يكون الأمران جميعاً ، وقال النابغة في قصر الشَّعر يَذكُر فَرخَ قَطاةٍ حَمَّم :

* في حاجِبِ العَيْنِ من تَسْبِيده زَغَبٌ*

وقال : يعني بالتّسبيد طلوعَ الزَّغَب.

قال : وقد رُوِي في الحديث ما يثبِت قول أبي عُبَيدة : قال ابن جريج عن محمدِ بنِ عبّاد بنِ جعفر : رأيْتُ ابنَ عباس قَدِمَ مكّة مسبِّداً رأسَه ، فأَتَى الحجَر فقبَّله.

قال أبو عُبَيد : فالتّسبيد ها هنا : تَرْكُ التَّدَهُّن والغَسل. وبعضهم يقول : التسميد ـ بالميم ـ ومعناهما واحد.

وقال غيرُ واحد : سبَّد شَعرَه وسَمَّد : إذا نَبَت بعد الحَلْق حين يَظهر.

وقال أبو تراب سمعتُ سليمانَ بنَ المُغيرة يقول : سبَّد الرجلُ شعرَه : إذا سرَّحه وبَلّه وتَرَكه. قال : والشَّعر لا يُسبِّد ولكنه يُسبَّد.

وقال أبو عُبَيدة : سبّد شعرَه وسَمَّدَه : إذا استأصَلَه حتى ألصقَه بالجلْد. قال : وسبَّد شعرَه : إذا حلَقه ثم نبت منه الشيء اليسير.

وقال أبو عمرو : سَبَد شعره وسَبّده وسبَتَه وأسبته : إذا حلقه. رواه أبو العباس ، عن عمْرو عن أبيه.

أبو عبَيد عن الأصمعي : السُّبَد : طائرٌ ليّن الريش إذا قطر على ظهره قطرتان من ماء جرى ، وجمعه سِبْدان.

شمر عن ابن الأعرابي : السُّبَد : طائر مثلُ العُقاب.

قال : وحَكَى أبو مَنجوف عن الأصمعي قال : السُّبَد هو الخطّاف البَرّيّ.

وقال أبو نصر : هو مِثل الخطّاف إذا أصابه الماءُ جرى عنه سريعاً ، وقال طُفَيل الغَنَوِي :

٢٥٨

* كأنَّه سُبَدٌ بالماءِ مَغْسولُ*

وقال أبو سعيد : السُّبَد : ثوبٌ يُسدّ به الحَوْض المَرْكُوُّ لئلّا يتكدّر الماءُ ، يفرش فيه وتسقى عليه الإبل ، وإيّاه عَنَى طُفيل.

قلتُ : وقولُ الراجز يحقِّق ما قاله الأصمعيّ :

حتى ترى المئزَر ذا الفُضولِ

مثل جَناح السُّبَد المغسول

وقال الأصمعي : يقال : بأرض بني فلان أسباد ، أي : بقايَا من نَبْت واحدها سِبْد وقال لَبيد :

سَبِداً من التَّنوُّم يَخْبِطُه النّدَى

ونوادراً من حَنظلٍ خُطْبانِ

وقال غيره : أَسبَدَ النَّصيُ إسباداً ، وتسبَّد تَسْبِيداً : إذا نَبَت منه شيء حديث فيما قَدُم منه ، وقال الطِّرماح :

أو كأسْباد النَّصيةِ لم يجتدِلْ

في حاجزٍ مُستَنامْ

قال أبو سعيد : إِسبادُ النصية ، سَنَمَتُها وتسميها العَرب الفورَان ، لأنها تفور.

وقال أبو عَمرو : أَسبادُ النَّصيِّ : رُؤُوسُه أولَ ما يطلع ، جمع سَبَد.

وقال الطِّرِمَّاح في قصيدة أخرى يصف قِدْحاً فائزاً :

مُجرَّبٌ بالرِّهانِ مُستَلِبٌ

خَصْلُ الجوارِي طرائفٌ سبَدُه

أراد أنه يُستطرَف فَوْزُه وكسْبُه.

أبو عُبَيد عن الفرّاء : يقال للرجل الدّاهي في اللُّصوصِيَّة : إنه لسِبْدُ أَسبادٍ.

الليث : السُّبَد : الشؤمُ ، حكاه عن أبي الدُّقَيش في قوله :

امرؤُ القَيْس أين أَرْوَى مؤلياً

إن رَآني لأَبُوأَنْ بسُبَدْ

قلتُ بَجْراً قلتَ قولاً كاذباً

إِنما يمنعُني سَيْفي ويَدْ

دبس : قال الليث : الدِّبْسُ : عُصارة الرُّطَب.

والدُّبسة : لونٌ في ذوات الشّعر أحمرُ مُشربٌ سَواداً. وأنشد ابن الأعرابي لرَكّاض الدُّبَيريّ :

لا ذَنْبَ لي إذْ بنتُ زُهْرةَ دَبَّسَتْ

بغيرِك أَلْوَى يُشبِه الحَقَّ باطلُهْ

قال : دَبَّسْتُه : واريتُه ، وأَنشَدَنا :

* قَرمٌ إذا رآه فَحل دبسَا*

قال : والدَّبُوسُ خِلاص تَمرٍ يُلقَى في مَسلَإِ السمْن فيَذوب فيه ، وهي مطيّبة للسّمن.

قال : والدَّبْسُ : الكثيرُ. وقيل : دَبس خُفَّه : إذا رقَّعه ولَدّمه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الدَّبسُ الأسودُ من كل شيء. والدَّبسُ : الجمعُ الكثير من الناس.

قال : ويقال للسماء إذا مَطَرت : دُرِّي دُبَسُ.

٢٥٩

وقال ابن الأعرابيّ أيضاً : مالٌ ربسٌ ، أي : كثير بالراء وجاء بأمرٍ رِبس ، أي : معكر ، وكلُّ ذلك صحيح.

والدَّبوس معرب. وأخبرني عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال : دبَّسْتُ الشيء : إذا واريتَهْ. ودَبَّس : إذا توارى.

أبو عبيد عن أبي زيد : جئت بأمور دُبس ، وهي الدّواهي في باب الدواهي في المؤلف.

س د م

سدم ، سمد ، دسم ، دمس ، مسد : مستعملة.

سدم : قال الليث : السَّدَمُ : همٌّ ونَدَمٌ ، تقول : رأيته سادِماً ، ورأيته سَدْمانَ نَدْمانَ. وقلَّما يُفرَد السَّدَمُ من النّدم.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : السَّدِيمُ : الضَّباب. والسَّدِيمُ : التَّعبُ. والسديم : السّدِر. والسديم : الماء المندفقُ.

والسدِيمُ : الكثير الذِّكْرِ. الدَّسيمُ : القليلُ الذكر.

قال : ومنه قوله :

* لا يَذْكُرون اللهَ إلّا سَدْماً*

وقال الليث : ماءٌ سُدُم ، وهو الذي وقعت فيه الأقمشة والجَوْلانُ حتى يكاد يندفن ، وقد سَدَم يَسْدُم ، ومياهٌ أسْدام.

قال : ويقال : مَنْهَلٌ سَدُوم في موضع سُدُمٍ ، وأنشد :

* ومَنْهَلاً ورَدْتَهُ سَدُوما*

قال : وسَدُوم : مدينة من مدائن قوم لوط ، كان قاضيها يقال له : سدُوم.

قلت : قال أبو حاتم في كتاب «المُزال والمُفْسَد» : إنّما هو سَذُوم بالذال ، والدال خطأ.

قلتُ : وهذا عندي هو الصحيح.

أخبرَني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : المَسْدومُ : المَمْنوعُ من أن يَضرِب الإبلَ ، يعني الفحلَ. قال : وسدمتُ البابَ وسَطَمْتُه واحدُ وهو باب مَسْطُوم ومَسْدُوم ، أي : مَرْدوم.

وقال ابن الأنباري : رجلٌ نادِمٌ سادِمٌ. قال قوم : السادِم : معناه : المتغيِّر من الغَمِّ ، وأَصلُه من قولهم : ماءٌ مُسْدم ، ومياهٌ سُدْم وأَسْدام : إذا كانت متغيرة.

قال ذو الرمّة :

* أَوَاجِنُ أَسْدامٌ وبعْضٌ مُعوَّرُ*

وقال قومٌ : السّادمُ : الحزين الّذي لا يُطيق ذَهاباً ولا مجيئاً. من قولهم بَعيرٌ مَسْدوم : إذا مُنع من الضِّراب.

وأَنشَد :

* قَطَعْتَ الدّهرَ كالسَّدِم المُعَنَّى*

والمُسدَّم من فُحول الإبِل. والسَّدِمُ : الّذي يُرغَب عن فَحْلتِه فيُحالُ بينه وبين أُلَّافِه ، ويقيَّد إذا هاج فيَرعَى حَوالَي الدّار ، وإن

٢٦٠