تهذيب اللغة - ج ١٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٥

وشاةٌ مُمصل وممْصال وهي التي يصير لبنُها في العُلْبة متزايلا قَبلَ أن يُحْقَنَ.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : المُمْصل من النساء : التي تُلقِي ولدَها وهو مُضْغَة ، وقد أمصلت.

الحراني عن ابن السكيت : يقال : قد أمصلْتَ بضاعةَ أهلكَ : إذا أفسدْتَها وصرفْتَها فيما لا خَيْر فيه ، وقد مصَلَتْ هي. ويقال : تلك امرأة ماصلة ، وهي أمصلُ الناس.

قال أبو يوسف وأنشدني الكلابيّ :

لَعَمري لقد أمصلتُ ماليَ كلَّه

وما سُسْتِ من شيءٍ فربُّكِ ماحِقُه

ويقال : أعطَى عَطاءً ماصلاً ، أي : قليلاً.

وإِنه ليَحلُب من الناقة لبناً ماصلاً ، أي : قليلاً.

الأصمعي : مصلت استُه ، أي : قَطَرتْ.

والمُصالة : قُطارة الحبّ.

وقال أبو زيد : المَصْل : ماءُ الأقِط حين يُطبَخ ثم يعصر ، فعُصارة الأقِط هي المصل.

وقال أبو تراب : قال سلمان بن المغيرة : مصل فلانٌ لفلان من حقّه : إذا خرج له منه.

وقال غيره : ما زِلتُ أُطالبه بحقّي حتى مصل به صاغراً.

ثعلب عن ابن الأعرابي : المِمْصلُ : الذي يبذلُ ماله في الفساد. والممصل أيضاً رَاوُوق الصبّاغ.

ملص : في الحديث : «أنّ عمرَ سأل عن إمْلَاصِ المرأة الجَنِينَ ، فقال المغيرة بنُ شُعْبَة : قَضَى فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغُرَّةٍ».

أراد المرأة الحامل تُضرَب فتُملِص جَنِينَها ، أي : تُزْلِقُه قبلَ وقتِ الوِلادة ، وكلُّ ما زَلِق من اليد أو غيرِها فقد مَلِص يَمْلَص مَلَصاً.

قال الراجز :

* فَرَّ وأعطاني رِشاءً مَلِصا*

يعني : رَطْباً تزلق منه اليَدُ ، فإذا فعلتَ ذلك أنتَ به.

قلتَ : أملصْتُه إمْلاصاً.

وقال الليث : إذا قبضتَ على شيء فانفَلَت من يدِك قلتَ : انْمَلَص من يَدِي انْمِلاصاً ، وانمَلَخ بالخاء ، وأنشد ابنُ الأعرابيّ :

كأنّ تحتَ خُفِّها الوَهّاصِ

مِيظَبَ أُكمٍ نِيطَ بالمِلَاص

قال : الوَهّاصُ : الشَّديد. والمِلَاصُ : الصَّفا الأبيَض. والمِيظَب : الظُّرَرْ.

عَمْرو عن أبيه قال : المَلِصة : الزّلخة والأطوم من السَّمَك ، والله أعلم.

١٤١

(أبواب) الصاد والنون

ص ن ف

صنف ، صفن ، نفص ، نصف : مستعملة.

صنف : قال الليث : الصَّنْفُ : طائفةٌ من كلّ شيء ، فكلُّ ضَرْب من الأشياء صَنْفٌ واحد على حِدَة. والتّصنيف : تمييزُ الأشياء بعضِها من بعضٍ.

ابن السكّيت : يقال : صِنْفٌ وصَنْفٌ من المَتاع ، لُغَتان. وعُودٌ صَنْفِيّ للبخور لا غير.

أبو عُبَيْد : صَنِفَةُ الإزار : طُرّتُه.

أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : صَنِفةُ الثوب : زاوِيَتُه ، وللثوب أربع صَنِفات.

الليث : الصَّنِفَة والصِّنْفة : قِطعةٌ من الثوْب ، وطائفةٌ من القبيلة.

ورَوَى أبو العبَّاس عن سلمة عن الفرَّاء أنّه أنشدَه :

سَقْياً لحُلْوانَ ذي الكروم

وما صُنِّفَ من تينه ومن عِنَبِه

أنشده الفرّاء : صُنِّف وغيرُه رواه صَنَّف.

وقال : صُنِّف : مُيِّز ، وصَنَّفَ : خَرج ورَقُه.

نصف : قال الليث : النِّصف : أحدُ جُزْأَيِ الكمالِ. ونُصْف : لغةٌ رديئة.

الحَرّاني عن ابن السكّيت : أنصَفَ الرجلُ صاحبَه إنصافاً ، وقد أعطاه النّصَفة.

ويقال : قد نَصَف النهارُ يَنصُف : إذا انتَصَف.

وقال المسيّب بن عَلَس يصفُ غائصاً في البحر على دُرّة :

نَصفَ النهارُ الماءُ غامِرُهُ

ورَفيقُه بالغَيْب ما يَدري

أراد انتَصَف النهارُ والماءُ غامره فانتصَف النهارُ ولم يَخرج من الماء. ويقال : قد نَصَف الإزارُ ساقَه يَنصفُه : إذا بلغ نِصفَها ، وأنشد :

وكنتُ إذا جارِي دَعَا لمَضُوفةٍ

أُشمِّر حتى يَنصُفَ الساقَ مِئْزرِي

وقال ابن ميادة يمدح رجلاً فقال :

تَرى سيْفَه لا يَنصُفُ السَّاقَ نَعْلُه

أجَلْ لا وإن كانت طِوالاً مَحَامِلُهْ

وقال : نصفَ القومَ يَنصُفُهم إذا خَدَمَهم.

والنّاصفُ والمِنصَفُ : الخادم.

ابن الأعرابيّ : نصفتُ الشيء : أخذتُ نِصْفَه. ويقال للخادم : مِنصَف ومَنْصَف.

وقد نَصَفْتَه : إذا خدمْتَه ، وتنصَّفْتُه مثله.

قال : والنّصيف : الخمار. والنَّصيف : الخادم. ونَصفَ الشيء : إذا بَلَغ نِصْفَه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَنصف الرجل : إذا أَخَذ الحقّ وأَعطَى الحقّ. وأَنصف : إذا سارَ نصفَ النهار. وأَنصف : إذا حَزم سيِّده.

١٤٢

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تَسُبّوا أصحابي فإنّ أحدَكم لو أنفَق ما في الأرض جميعاً ما أَدرَك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه».

قال أبو عُبَيد : العَرَبُ تسمِّي النِّصْف النّصِيفَ ، كما يقولون في العُشر : العَشِير ، وفي الثمن الثمِين ، وأنشد :

لَم يَفْذُها مُدٌّ ولا نَصِيفُ

ولا تُمَيْرَاتٌ ولا تَعجيفُ

قال : والنصِيف في غير هذا الخِمار ، ومنه الحديث الآخَر في الحُورِ العِينِ : «ولَنصِيفُ إحداهنّ على رأسها خيرٌ من الدّنيا وما فيها»، ومنه قول النابغة :

سَقَط النَّصيفُ ولم تُرِد أسقاطَه

فتناولْته واتْقتنا باليَدِ

وقال أبو سَعِيد : النَّصيف : ثوبٌ تتجلّل به المرأَة فوق ثيابها كلِّها ؛ سُمِّي نصيفاً لأنه نصَف بين الناس وبينها فحجز أبصارهم عنها.

قال : والدليلُ على صحة ما قاله : سَقَط النّصيف ، لأنّ النّصيفَ إذا جُعِلَ خِماراً فسَقَط فليس لِسِتْرِها وجهَها مع كشفِها شعرَها معنًى. نَصيفُ المرأة : مَجرُها.

الليث : قَدَحٌ نَصْفانُ : بلغ الكَيْلُ نِصْفَه ، وشَطْران مثله.

أبو عبيد : قَدَحٌ نَصْفان : بلغَ الكيلُ نِصْفَه.

قال : والنَّصف من النِّساء : التي بَلَغتْ خمساً وأربعين ونحوها.

وقال الليث : المرأة بين الحديثة والمُسِنَّة.

والنّصفة : اسم الإنصاف ، وتفسيرُه أن تعطيَه من نفسِك النّصف ، أي : تعطيه من الحقّ لنفسك.

ويقال : انتَصفْتُ من فلان ، أي : أخذتُ حقّي كملاً حتى صِرْتُ وهو على النَّصيف سراء.

والنَّصفة : الْخُدّام ، واحدهم ناصِف.

والمَنْصفُ من الطريق ومن النَّهار ومن كل شيء وسَطُه.

قال : ومنتصف الليل والنهار : وسطُه ، وانتَصف النهارُ ونَصفَ فهو يَنصف.

قال : والناصفةُ : صَخرةٌ تكون في مَناصِف أسنادِ الوادي ونحو ذلك من المسايل.

أبو عبيد : النّواصف : مَجارِي الماء ، واحدتُها ناصفةُ ، وأنشَد :

* خَلايا سَفين بالنَّواصِفِ من دَدِ*

شمر عن ابن الأعرابي : النَّاصفة من الأرض : رَحَبة بها شجر ، لا تكون ناصفةً إلّا ولها شجر.

وقال غيره : تنصّفْتُ السلطانَ ، أي : سألتُه أن يُنصِفني ، وقول ابن هَرْمة :

أنِّي غَرِضْتُ إلى تناصُفِ وجْهِها

غَرَضَ المُحِبُّ إلى الحبيبِ الغائبِ

قال ابن الأعرابي : تَناصُف وجهِها :

١٤٣

محاسنُها ، أي : أنها كلها حَسَنة يَنصِف بعضُها بعضاً.

وقال غيره : كلّ شيء بلغ نِصْفَ غيرِه فقد نصفَه ، وكلُّ شيء بَلَغَ نِصفَ نَفْسِه فقد أنصف.

قلتُ : والقولُ ما قال ابن السكّيت : نَصفَ النهارُ : إذا انتَصف.

ويقال : نصفتُ الشيءَ : إذا أخذتَ نصفَه.

والنّصفُ : الإنصاف.

ابن شُميل : إنّ فلانَة لعلَى نَصِفها ، أي : نِصف شَبابها. وأنشد :

إنّ غُلاماً غرَّه جَرْشَبِيّةٌ

على نَصَفها من نَفْسِه لضَعِفُ

قال : الجَرْشَبيَّة : العَجوزُ الكبيرةُ الهَرِمة.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أنصَف الرجلُ : إذا سارَ نِصفَ النهارِ.

نفص : الليث : أنْفَص الرجلُ ببوْله : إذا رَمَى به.

أبو عبيد عن الأصمعي : أخَذَ الغَنم النُّفَاصُ : وهو أن يأخذها داءٌ فتَنفِصُ بأبوالها ، أي : تَدفَعُها دَفْعاً حتى تموت.

وقال أبو عمرو : نافَصْتُ الرجلَ منافَصةً ، وهو أن تقول له : تَبُول أنت وأبولُ أنا ، فننظرَ أيُّنا أبعَدُ بَوْلاً ، وقد نافَص فنَفَصَ ، وأنشد :

لَعَمرِي لقد نافَصْتَني فَنَفَصْتَني

بذِي مُشْتَفِرٍّ بَوْلهُ مُتفاوِتُ

أبو عبيد عن الأصمعي : أنْفصَ بالضَّحِك وأنْزَقَ وزهْزَقَ بمعنًى واحد.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلمة عن الفراء : أنفَص بشَفَتيه كالمُتَرَمِّزِ ، وهو الذي يُشير بشفَتَيه وعيْنَيْه.

صفن : رُوِي عن البراء بن عازب أنه قال : «كنّا إذا صلّينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرفَع رأسه من الركوع قُمنا خَلْفَه صُفوناً».

قال أبو عبيد : قوله : «صُفوناً» يُفسَّر الصافنُ تفسيرين ، فبعضُ الناس يقول : كلّ صاف قَدَميْه قائماً فهو صافِن. والقولُ الثاني : أن الصَّافن من الخيْل : الذي قد قَلَب أحدَ حَوافره وقام على ثلاثِ قوائمَ.

كان ابنُ مسعود وابنُ عباس يقرآن قولَ الله جلّ وعزّ : (فاذكروا اسمَ الله عليها صوافن) [الحج : ٣٦] ، بالنون.

فأمَّا ابن عباس ففسَّرها : مَعقولةً إحدى يدَيْها على ثلاثِ قوائم.

وأما ابن مسعود فقال : يعني قياماً.

وروي عن مجاهد نحو قول ابن عباس.

وقال الفراء : رأيتُ العربَ تَجعَل الصافِنَ القائمَ على ثلاثٍ وعلى غير ثلاث.

قال : وأشعارُهم تَدُلّ على أنّ الصُّفُون القيامُ خاصّة ، وأنشد للطّرماح :

وقامَ المَها يُفْفِلْن كلَّ مُكبَّلٍ

كما رُصَّ أيْقاً مُذْهَبِ اللَّون صافِنِ

١٤٤

قال : الصافنُ : القائم. وأما الصائن : فهو القائم على طَرْف حافرِه.

وقال أبو زيد : صفَنَ الفَرَسُ : إذا قامَ على طرف الرابعة. والعَرَب تقول لجميع الصافن : صَوَافن وصافنات وصُفُون.

وفي حديث عمر : لئن بقِيتُ لأُسوِّيَنّ بين الناس حتى يأتيَ الراعيَ حقُّه في صُفْنِه لَم يَعرَق فيه جَبِينُه.

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الصُّفْنُ : خريطةٌ تكون للرّاعي فيها طَعامُه وزِنادُه وما يَحتاج إليه.

وقال الفراء : هو شيءٌ مثل الرَّكْوة يُتوضَّأ فيه ، وأنشد للهُذَلِيّ :

فخضخضتُ صُفْنِيَ في جَمِّهِ

خِياضَ المُدابِر قِدْحاً عَطُوفَا

قال أبو عبيد : ويمكن أن يكون كما قال أبو عمرو والفراء جمعاً أن يُسْتعمل الصُفْنُ في هذا وفي هذا.

قال : وسمعتُ من يقول : مُصَفن بفتح الصاد ، والصَّفْنة أيضاً بالتأنيث.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : الصَّفْنة ـ بفَتْح الصاد ـ : هي السُّفْرة التي تُجمَع بالخيط ، ومنه يقال : صَفَن ثيابَه في سَرْجِه : إذا جمعها.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه عوَّذ عليّاً حين رَكِب وصَفَن ثيابه في سرجه»، قال : وأمّا الصُّفْن ـ بضم الصاد ـ : فهو الرَّكوة.

قال : الصَّفَنُ : جِلْدُ الأنْثيَين ـ بفتح الفاء والصاد ـ وجمعُه أصفان ، ومنه قولُ جَرِيرٍ :

* يَتْرُكْن أَصفانَ الْخُصَى جَلَاجِلا*

قلت : والصواب ما قال ابن الأعرابي من الأحرف الثلاثة.

وقال الليث : كلّ دابة. وخَلْق شِبْه زُنْبُور يُنضِّدُ حولَ مَدخَله ورَقاً أو حَشيشاً أو نحو ذلك ، ثم يُبَيِّتُ في وسطه بَيتاً لنفسه أو لِفراخه فذلك الصَّفَن ، وفعلُه التَّصْفِين.

والصافن : عِرْقٌ في باطن الصُّلْب يتّصل به طُولاً ، ونِياطُ القَلْب مُعَلَّق به ويسمّى الأكْحَلُ من البعيد الصافنَ.

وقال غيرُه : الأكحلُ من الدّوابّ الأبْجَل.

وقال أبو الهيثم : الأكْحَل والأبْجَل والصافِن : هي العُروق التي تُفْصَد ، وهي في الرِّجْل صافن وفي اليَدِ أكْحَل.

عَمرو عن أبيه : صَفَنَ الفَرَس برجلِه وبَيْقَرَ بِيَدِه : إذا قام على طرف حافرِهِ.

قال : والصّفَن أيضاً : أن يُقسَمَ الماءُ إذا قلّ بحَصاة القَسْم ، ويقال لها المقْلَةُ ؛ فإِن كانت من ذَهَب أو فِضّة فهِيَ البلد.

أبو عُبَيد عن أبي عَمرو : تَصَافَنَ القومُ تَصَافناً ، وذلك إذا كانوا في سَفَرٍ ولا ماءَ معهم ولا شيءَ يَقْتَسِمُونه على حَصاةٍ يُلْقُونَها في الإناءِ يُصَبُّ فيه من الماءِ قدرَ ما يَغْمُر الحَصاة فيُعطاه كل رجل منهم ،

١٤٥

وقال الفرزدق :

فلمّا تَصافَنَّا الإداوَةَ أَجْهَشَتْ

إليَّ غُضُونُ العَنْبَرِيِّ الجُرَاضِمِ

شَمر عن أبي مَنْحُوف عن أبي عُبَدة : الصَّفْنَةُ كالعَيْبة يكون فيها متاعُ الرجل وأَدَاتُه ، فإذا اطرحتَ الهاءَ قلتَ صُفْن ، وأنشد :

تركتُ بذي الجَنْبَيْنِ صُفْنِي وَقِرْبَتِي

وقَدْ أَلَّبُوا خَلْفِي وقَلَّ المَسَارِبُ

قال : وقال أبو عمرو : الصَّفْن والصَّفْنَةُ : شِقْشِقةُ البَعير.

ابنُ شُميل : الصافِن : عِرْق ضَخْمٌ في باطن الساق حتَّى يَدخُل الفَخذ ، فذلك الصافن.

ص ن ب

صبن ، صنب ، نصب ، نبص ، بصن.

بصن : قريةٌ تُعْمَل فيها السُّتُورُ البَصَنِيَّة ، وليست بعربيّة.

صبن : اللّحيانيّ عن الأصمعيّ : صَبَنْتَ ـ بالصاد ـ عنّا الهديّةَ تَصِبْنَ صَبْناً.

قال : وقال رجُل من بني سعْد بن زيد : صَبَنْتَ تَصْبِن صَبْناً ، وكذلك كلُّ معروفٍ إذا صرفتَه إلى غيرِه. وكذلك كَبَنْتَ وَخَضَنْتَ وزنبت.

وقال الأصمعيّ : تأويلُ هذه الحروف : صَرْفُ الهديّة أو المعروف عن جيرانك ومعارفك إلى غيرهم.

وقال اللّيث : الصَّبْنُ : تسويةُ الكَعْبَيْن في الكَفّ ثم تَضْرِب بهما.

يقال : أَجِلْ وَلَا تَصْبِن.

قال : وإذا خَبَأَ الرجلُ شيئاً في كَفَهِ ولا يُفطَن له كالدِّرهم وغيرِه قيل : صَبَن. فإذا صَرَف الكأسَ عمَّن هو أحقُّ بها إلى غيره قيل له : صَبَنَها ، وأنشد :

صَبَنْتِ الكَأْسَ عنّا أُمَّ عمرٍو

وكان الكأسُ مَجْراها اليمِينَا

ثعلب عن ابن الأعرابي : الصَّبْنَاءُ : كَفُّ المُقَامِر إذا أمالها لِيغْدِرَ بصاحبِه يقول له شيخ البير ، وهو رئيسُ المُقامِرين : لا تَصْبِن ؛ لا تَصْبِن ، فإنّه طَرَف من الصَّغْوِ.

والصابون : الذي يُغْسَل به الثّياب ، معروف ، معرّب.

نبص : قال ابن الأعرابي : النَّبْصاء من القِيَاسِ : المصوِّتةُ من النَّبِيص ، وهو صوتُ شَفَتَيِ الغلام إذا أرادَ تزويجَ طائرٍ بِأُنثاهُ.

اللّحياني : نَبَصْتُ بالطائرِ والعصفورِ أَنْبِصُ به نَبِيصاً ، أي : صوَّتُّ به. ونَبَصَ الطائرُ والعصفورُ يَنْبِصُ نَبِيصاً : إِذا صوَّت صوتاً ضعيفاً. ونحو ذلك. قال الليث : وهو صحيح من كلام العرب.

صنب : أبو العبّاس : المِصْنَبُ : المُولَعُ بأكل

١٤٦

الصِّناب ، وهو الخَرْدل بالزَّبيب.

وفي الحديث : «أُهْدِيَ للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَرْنَبٌ بِصِنَابِهَا»، أي : بِصِباغِها.

ومنه حديثُ عمر : «لو شئتُ لأمرتُ بِصَرائقَ وصِنَابٍ».

أبو عُبَيد عن أبي عمرو : الصِّنَاب : الخردَل والزَّبيب.

قال : ولهذا قيل لِلْبِرْذُوْنِ : صِنَابِيّ ، إنّما شُبِّه لونه بذلك.

وقال اللّيث : الصِّنَابِيّ من الدّوَابّ والإِبل : لونٌ بَين الحُمْرَةِ والصُّفْرة مع كثْرَةِ الشَّعَر والوَبر.

نصب : قال اللّيث : النّصَبُ : الإعياءُ من العَناء. والفعل نَصِبَ يَنْصَب. فأَنْصَبَنِي هذا الأمرُ. وأمْرٌ نَاصِبٌ ومُنْصِب ، وقال النابغة :

* كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُصَيْمَةَ ناصِبِ *

قال : ناصب : بمعنى مُنْصِب. وقال ابن السكّيت : قال الأصمعيّ : ناصِب : ذي نَصَب ؛ مثل : ليل نائم ، ذي نوم يُنَامُ فيه. ورَجُلٌ دارعٌ : ذو دِرْع. قال : ويقال : نُصْبٌ ناصِبٌ. مِثْلُ : مَوْتٍ مائت ؛ وشِعْرٍ شاعِر.

وقال أبو عمرو في قوله : ناصبٌ : نَصَبَ نَحْوِي ، أي : جَدّ ؛ ويقال : نَصَبَ الرجلُ فهو ناصب ونصِبَ. ونصَبَ له الهمَّ وأنصَبَه.

وقال اللّيث : النَّصْبُ : نصْبُ الدَّاء ، يقال : أصَابَهُ نَصْب من الدَّاء. قال : والنَّصْبُ : لُغَةٌ في النصيب ، وقال الله : (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [المعارج : ٤٣] ، وقرىءَ : إلى (نَصْب).

قال أبو إسحاق : مَنْ قَرَأَ : (إلى نَصْب) ، فمعناه : إلى عَلَم منصوبٍ يَسْتَبِقون إليه ، ومَنْ قرأَ : (إِلى نُصُبٍ) ، فمعناه : إلى أَصْنَامٍ ، كقول : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] ، ونحو ذلك.

قَال الفرّاء : قال : والنَّصْبُ واحد ، وهو مصدَرٌ وجمعُه الأنْصاب.

وقال اللّيث : النُّصُبُ : جماعَةُ النَّصِيبة ، وهي علامةٌ تُنصَب للقوم.

وقال الفرّاء : كأنّ النُصُبَ الآلهةُ التي كانت تُعبَد من أحجار.

قلتُ : وقد جَعل الأعشى النُّصُبَ واحداً حيث يقول :

* وذا النُّصُبَ المَنْصوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ*

أبو عُبَيد : النَّصائب : ما نُصِب حولَ الحوض من الأحجار ؛ قال ذو الرُّمة :

هَرَقْناهُ في بادِىء النَّشِيئة داثر

قديمٍ بعَهْدِ الماءَ بُقْعٍ نَصائبُهْ

وقال الليث : النُّصْبُ : رَفعُكَ شيئاً تَنْصِبُه قائماً منتصِباً.

والكلِمةُ المنصوبةُ يُرفَع صَوْتُها إلى الغار الأعلى.

١٤٧

وناصَبْتُ فلاناً الشرَّ والحربَ والعداوةَ ؛ ونَصَبْنَا لهم حَرْباً ، وكلُّ شيء انتصب بشيء فقد نَصَبْتَه. وتَيْسٌ أَنصب ، وعَنْز نَصْباء : إذا كانا منتصِبَي القُرون. وناقةٌ نَصْباءُ : مرتفِعة الصَّدْر.

أبو عُبَيد : أنصبتُ السكّينَ : جعلتُ لها نِصاباً ؛ قاله أبو زيد والكسائيّ ، قالا : وهو عَجْزُ السّكّين. ونِصابُ كلِّ شيء أصله ومرجعه الذي يرجع إليه يقال : فلانٌ يَرجِع إلى نِصابِ صِدْقٍ ؛ وتنْصِب صِدْق ، وأصلُه مَنبِته وَمحْتِدُه.

الليث : نِصابُ الشَّمس : مَغيبُها ومَرجِعُها الّذي تَرجِعُ إليه.

غيره : ثغرٌ منصَّب : مُستوِي النِّبْتة ، كأنه نُصِب مُسوِّيَ. ونَصَبْتُ للقَطاةِ شَرَكاً ونصَبتُ للقدَر نَصْباً.

قال ابن الأعرابي : المِنْصَبُ : ما يُنصَب عليه القِدْر إذا كان من حديدٍ. وتَنصَّب فلانٌ وانْتَصَب : إذا قامَ رافعاً رأسَه.

والنَّصْبُ : ضربٌ من أغانِي الأَعْراب.

وقد نصَبَ الراكب نَصْباً : إذا غَنَّى النَّصْبَ.

وفي الحديث : «لو نَصَبتَ لنا نَصْبَ العَرَب»، أي : لو تَغَنّيْتَ.

ويَنْصُوب : موضع.

وقال شَمِر : غِنَاءُ النَّصّب : هو غِنَاءُ الرُّكْبان ، وهو العَقِيرة ، يقال : رَفَع عقيرتَه إذا غَنَّى النَّصْبَ.

وقال أبو عمرو : النَّصْبُ : حُدَاءٌ يُشْبه الغِناء.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : النَّصْب : أن يسير القومُ يومَهم ، وهو سيْرٌ ليِّن ، وقد نَصَبُوا نصْباً.

ص ن م

صنم ، نمص ، نصم : [مستعملة].

صنم ـ [نصم] : قال الليث : الصَّنم معروف ، والأصنام الجميع.

وروَى أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : الصَّنَمَةُ والنَّصَمةُ الصُّورةُ الّتي تُعبَد.

قال : والصنمَةُ : الدّاهيةُ.

قلتُ : أصلُهَا صَلمة.

نمص : رُوِي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه لَعَن النامِصة والمُتَنَمِّصَة».

قال أبو زيد : قال الفرّاء : النامِصة : الّتي تَنتِف الشَّعر من الوجه ، ومنه قيل للمِنقاش مِنماص ، لأنّه يُنتف به والمُتَنمِّصةُ هي الّتي يُفعَل ذلك بها ، قال امرؤ القيس :

* تَجَبَّر بعد الأكلِ فهوَ نَمِيصُ *

يصفُ نباتاً قد رَعَتْهُ الماشية فجرَدَته ، ثمّ نبت بقَدر ما يمكن أخذُه ، أي : هو بقَدْر ما يُنتف ويُجَزّ.

وقال الليث : النَّمَصُ : دِقّةُ الشَّعر ورِقّته حتّى تراه كالزَّغَب. ورجلٌ أَنمَصُ الرأسِ أَنمَصُ الحاجبِ ، وربّما كانَ أَنمصَ

١٤٨

الجَبِين. وامرأةٌ نمصَاء تَتَنَمَّص ، أي : تأْمُرُ نامِصةً فتنمِص شعرَ وجهها نَمْصاً ؛ أي : تأخذه عنها بخَيْط. والنميص والمنموص :

ما أمكنك جذه من النبات.

ابن الأعرابيّ : المِنماصُ : المِظفارُ ، والمِنتاشُ والمِنْقاشُ والمِنْتاخُ.

وأَقرأَني الإياديُّ لامرىء القيس :

تَرَعَّت بجَبْل ابْني زُهَيْرٍ كلَيهِمَا

نُمَاصَينِ حتّى ضاقَ عنها جُلودُها

قال : نُماصين : شَهْرَين. ونُماص : شهرٌ ، تقول : لم يأتني نُماصاً ، أي : شهراً.

وجمعُه نُمُص وأَنمِصة. قال : رواه شَمِر لأبي عمرو.

ص ف ب : مهمل.

ص ف م

استعمل منه : [فصم].

فصم : في الحديث : «دُرّةٌ بيضاء ليس فيها فَصْمٌ ولا وَصْمٌ».

قال أبو عُبَيْد : الفَصْمُ ـ بالفاء ـ أن ينصدعَ الشيءُ من غير أن يَبين ؛ يقال منه : فصَمْتُ الشيءَ أَفصِمه فَصْماً ، إذا فعلت ذلك به ، فهو مفصوم ؛ وقال ذو الرُّمّة يذكر غَزَالاً شَبَّهه بدُمْلُج فضّة :

كأنّه دُمْلُجٌ من فضّةِ نَبَهٌ

في مَلْعبٍ مِن جَوارِي الحيِ مَفْصومُ

قال : وأمّا القَصْم ـ بالقاف ـ فأَن يَنْكسِرَ الشيءُ فيَبين.

وقولُ الله جلّ وعزّ : (لَا انْفِصامَ لَها) [البقرة : ٢٥٦] ، وقيل : لا انْكسارَ لها.

وأفْصَمَ المَطَرُ : إذا أَقلَعَ. وأَفصَم الفَحْلُ : إذا جَفَر.

وفي حديث عائشة أنَّها قالت : «رأيتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يُنْزَل عليه في اليوم الشديدِ البَرْدِ فيَفْصِمُ الوَحْيُ عنه ، وإنَّ جَبينَه ليتفصّد عَرَقاً».

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : أَفْصَمَ المطرُ وأفْصَى : إذا أَقْلَعَ ؛ ومنه قيل : كلُّ فَحْل يُفْصِمُ إلا الإنسان ؛ أي : ينقطع عن الضِّراب.

أخبَرني المنذريُّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفرّاء. قال : فأس فَيْصَمٌ : وهي الضخمة. وفأسٌ قِيدَايَةٌ لها خُرْتٌ ؛ وهو خَرق النِّصاب.

[باب الصاد والباء مع الميم]

ص ب م

أهمله الليث.

بصم : وأخبَرَني المنذريُّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال : يُقال : ما فارقْتَك شِبْراً ولا فِتْراً ، ولا عَتَباً ولا رَتَباً ولا بُصْماً.

قال : والبُصْمُ ما بين الْخِنْصِر والبِنْصِر.

وقد مرّ تفسيرُ العَتَب والرَّتَب. والله تعالى أعلم.

١٤٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أبواب معتلّات الصاد

أهملت الصاد مع السين ومع الزاي في السالم والمعتلّ.

ص ط : مهمل.

باب الضاد والدال

[ص د (وا يء)]

صدى ، صدأ ، صيد ، (صاد) وصد ، أصد ، ديص ، دصا (١) : [مستعملة].

صدى ـ صدأ : قال الله جلّ وعزّ : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥].

قال ابن عَرَفة : التَّصدِيةُ من الصَدى ، وهو الصَّوت الذي يَرُدُّهُ عليك الجبلُ.

قال : والمُكَاءُ والتَّصْدِية ليسَا بصَلاة ، ولكنَّ الله أخبر أنهم جعلوا مكانَ الصَّلاةِ التي أُمِروا بها المُكَاءَ والتَّصْدية.

قال : وهذا كقولك : رَفَدني فلانٌ ضَرْباً وحِرْماناً ، أي : جَعَلَ هذين مكانَ الرِّفْد والعَطا ؛ وهو كقول الفَرَزْدَق :

قَرَيْناهُم المَأْثُورةَ البِيضَ قَبْلَها

يَثُجُّ العُروقَ الأَيْزَنِيُّ المثقَّف

أي : جعَلْنا لهم بَدَلَ القِرَى السيوفَ والأسِنّة.

قال أبو العباس المبَرِّد : الصَّدَى على ستّة أوجه : أحدُها : ما يَبقَى من الميّت في قبره ، وهو جُثّته.

وقال النَّمِر بن تَولَب :

أعاذِلُ إن يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرةٍ

بعيداً نَآني ناصِرِي وقَرِيبي

فصَداه : بدَنُه وجُثّته. وقوله : نآني ، أي : نأى عنّي.

قال : والصدَى الثاني : حُشْوَة الرأس ؛ يقال لها : الهامةُ والصَّدَى ، وكانت العربُ تقول : إن عظامَ المَوْتَى تَصِير هَامةً فتَطِير.

وكان أبو عُبَيدة يقول : إنهم كانوا يُسمُّون

__________________

(١) أهمله الليث.

١٥٠

ذلك الطائرَ الذي يَخرج من هامة الميّت إذا بَلِيَ : الصَّدَى ، وجمعُه أَصْداء.

وقال أبو دُوَاد :

سُلِّط الموتُ والمَنونُ عليهمْ

فلهمْ في صَدَى المَقابر هامُ

وقال لَبيد :

فليسَ الناسُ بَعدَك في نَقيرٍ

وليسوا غيرَ أَصْداءٍ وَهَامِ

والثالث : الصَّدَى : الذَّكَر من البُوم ، وكانت العرب تقول : إذا قتل قتيلٌ فلم يُدرَكْ به الثَّأْر خَرَجَ من رأسه طائرٌ كالبُومة ، وهي الهامة ، والذَّكَر الصَّدَى فيصيح على قبره : اسقُوني اسقوني ، فإن قُتِل قاتلُه كَفّ عن صِيَاحِه ، ومنه قولُ الشاعر :

* أَضْرِبْكَ حتّى تَقولَ الهامةُ اسقُونِي*

والرابع : الصَّدَى : ما يَرجِعُ من صوت الجبل ، ومنه قولُ امرىء القيس يصف داراً دَرَسَتْ :

صَمَ صَداها وَعَفَا رَسْمُها

واستَعْجَمتْ عن منطقِ السّائلِ

والعرب تقول :

صُمّي ابنة الجبل

مهما يُقَل تَقُلْ

وأخبرني المنذري عن الحمّادي عن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه قال : العَرَب تقول : الصَّدَى في الهامة ، والسَّمْعُ في الدِّماغ ، أصم الله صداه من هذا.

وأنشدني أبو الفضل عن ثعلب عن ابن الأعرابي أَنه أنشد لسدوس بن ضباب :

إني إلى كل أيسار ونَادبة

أدعو حُبَيشاً كما تدعو ابنة الجبل

أي : أنوّه كما ينوّه بابنة الجبل.

وقيل : ابنة الجبل هي الحية. وقيل : هي الداهية العظيمة.

والبيت الذي يليه يحقّق هذا القول الأول :

إن تَدَعْه مَوْهناً بجابته

عاري الأشاجع يسعى غير مشتَمِل

يقول : يعجل حبيش بجابته كما تعجل الصدى ، وهو صوت الجبل.

وقال المبرّد : والصَّدَى أيضاً العطَشُ.

يقال : صَدِي الرجل يَصْدَى صدًى فهو صدٍ وصادٍ وصيدان ، وأنشد :

* ستعلم إن متنا غداً أيّنا الصّدِي *

وقال غيره : الصدَى : العطش الشديد.

ويقال : إنه لا يشتدّ حتى يَيْبَسَ الدِّماغ.

ولذلك تَنْشَقُّ جِلْدةُ جبهة من يموت عَطَشاً.

ويقال : امرأةٌ صَدْيَا وصادِيةٌ.

والصَّدَى : السادسُ : قولُهم : فلانٌ صَدَى مالٍ : إذا كان رفيقاً بسياستها.

١٥١

وقال أبو عُبَيد : قال أبو عمرو : يقال : إنه لصَدَى مالٍ : إذا كان عالماً بها وبمصلَحتِها ، ومِثلُه هو إزاءُ مالٍ.

قال أبو عبيد : والصَّدَى أيضاً : الرجُل اللَّطيف الجَسَد.

وأخبرني الإياديّ عن شَمِر : رَوَى أبو عُبيد هذا الحَرْفَ غيرَ مهموز ، وأُراه مهموزاً ، كأنَ الصَّدَى لغةٌ في الصَّدَع ، وهو اللّطيفُ الجِسْم.

قال : ومنه ما جاء في الحديث : «صَدَأٌ من حديدٍ» في ذِكر عليٍّ.

قلتُ : وقد فَسَّر أبو عُبَيد هذا الحرف على غير ما فسّره شَمِر.

رَوَي عن الأصمعيّ أنّ حمّاد بن سَلَمة رواه : «صدأ من حديد».

قال : ورواه غيرُه : «صَدَع من حديد»، فقال عُمر : وَا دفْرَاه.

قال الأصمعيّ : والصَّدَأ أشبَه بالمعنى ، لأَنَّ الصَّدَأَ آلة ذَفَرٍ ، والصَّدَع لا ذَفَر له ، وهو حِدَّة رائحةِ الشيء ، خبيثاً كان أو طيّباً. وأمّا الدّفَرُ ـ بالدال ـ فهو في النَّتْن خاصّة.

قلتُ : والذي ذهب إليه شمر معناه حَسَن.

أراد أنَّه يعني علياً خفيفٌ يَخِفّ إلى الحُروب ولا يكسل وهو حديد لشدة بأسه وشجاعته ؛ قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥].

وقال الليث : الصَّدَى : الذَّكَر من الهام.

والصَّدَى : الدِّماغ نفسُه.

ويقال : بل هو الموضع الذي جُعِل فيه السَّمْع من الدّماغ ، ولذلك يقال : أصَمَّ الله صَدَاه.

قال : وقيل : بل أصمَّ اللهُ صداه ، مِنْ صَدَى الصوتِ الَّذي يُجيبُ صوتَ المُنادِي.

قال : وقال رؤبة في تصديق من يقول : الصَّدَى : الدِّماغ :

لِهامِهِمْ أَرُضُّهُ وأَنْقُّخُ

أُمَ الصَّدَى عن الصَّدَى وأَصْمَخُ

قال : والصَّدَاة فِعْل للمُتَصَدِّي ، وهو الذي يَرفَع رأسَه وصدرَه يتصدّى للشيء يَنظُر إليه ، وأنشد للطِّرِمّاح :

* لها كلَّما صاحت صداةٌ ورَكْدَةٌ*

يصف هامةً إذا صاحت تصدّتْ مرّةً وركدَتْ أخرى.

قال : والتَّصْدِيةُ : ضربُك يداً على يَدٍ لتُسمع بذلك إنساناً ، وهو من قوله : (مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥] وهو التصفيق ، وقد مرّ تفسيرُه في مُضاعَف الصاد.

وقولُ الله جلّ وعزّ : (ص وَالْقُرْآنِ) [ص : ١].

قال الزّجّاج : من قرأ : (صاد) فله وجهان ؛ أحدُهما : أنه هِجاءٌ موقوفٌ

١٥٢

فكُسِرَ لالتقاء الساكنَين. والثاني : أنه أمرٌ من المُصاداةِ على معنى : صادِ القرآنَ بعَمَلِك ، أي : قابل.

يقال : صادَيْتُه ، أي : قابلتُه ، وعادلْتُه.

قال : والقراءة : (صادْ) ، بسكون الدال : الوقوف عليها.

وقيل : معناه : الصادقُ اللهُ.

وقيل : معناه : القسم ، ويكون صاد اسماً للسُّورة لا ينصرفُ.

أبو عُبيد عن أبي عمرو : صاديْتُ الرجل وداجَيْتُه ودارَيْتُه بمعنى واحد.

وقال أبو العبّاس في المُصاداة : قال أهل الكوفة : هي المداراة.

وقال الأصمعي : هي العِنايةُ بالشيء.

وقال رجلٌ من العرب وقد نَتجَ ناقةً له فقال لما مَخَضَتْ :

* بِتُ أُصاديها طولَ لَيْلِي*

وذلك أنه كره أن يَعْقِلَها فيُعْنِتَها أو يَدَعَها فتَفْرُق ، أي : تَنِدّ في الأرض فيأكُلَ الذِّئْبُ ولدَها ، وذلك مُصاداتُه إيّاها.

وكذلك الراعي يُصادِي إبِلَه إذا عَطِشَتْ قبلَ تمامِ ظِمْئِها يمنعُها عن القرَبِ.

وقال كُثَيِّر :

أيا عَزّ صَادِ القَلْبَ حتى يَوَدَّنِي

فؤادُكِ أو رُدِّي عليَّ فُؤَادِيَا

أبو عُبَيد عن الأصمعي : الصَّوادي من النَّخيل : الطِّوال.

قال أبو عُبَيد : وقد تكون الصوادي التي لا تَشْرَبُ الماءَ.

وقال ذو الرُّمّة يصفُ الأجمال :

* مِثْلَ صَوَادِي النَّخْل والسَّيَالِ*

وقال آخر :

* صَوادِياً لا تُمكِنُ اللُّصوصَا*

وقيل في قولهم : فلانٌ يتصدّى لفلان : إنه مأخوذٌ من اتّباعه صَداه.

وفيه قولٌ آخر : إنّه مأخوذٌ من الصَّدَد ، فقُلِبَتْ إحدَى الدّالات في يتصدّى ياءً ، وقد مرّ فيما تقدّم.

والصدأ ـ مهموزٌ مقصور ـ الطبَع والدَّنَس يَركب الحديدَ.

قال أبو عُبَيد : قال الأصمعي : كتيبةٌ جَأْوَاءُ : إذا كان عِلْيَتُها صَدَأَ الحديد.

وقد صَدِىء الحديدُ يَصْدَأ صَدَأً.

وقال الليث : يقال : إنّه لَصاغِرٌ صَدِىءٌ ، أي : لزِمه صدَأُ العار واللَّوْم.

أبو عُبَيد عن الأصمعي في باب أَلوان الإِبِل إذا خالَطَ كُمتَةَ البَعير مِثل صدإ الحديد فهو الجُؤْوَة.

وقال الليث : الصُّدْأَةُ : لونُ شُقْرَةٍ تَضْرِب إلى سوادٍ غالب ؛ يقال : فرسٌ أصْدأُ والأنثى صَدْآء ، والفعل على وجهين : يقال : صَدِىءَ يَصْدأُ ، وأَصدأَني يُصْدِأُني.

١٥٣

قال : وصُدَاءُ ـ ممدود ـ حَيٌّ من اليَمَن ، والنسبة إليهم صُدَاوِيٌ بمنزلة الرَّهاويّ.

قال : وهذه المَدَّة وإن كانت في الأصل ياءً أو واواً فإنها تجعل في النسبة واواً كراهيةَ التقاءِ الباءات ، ألا تَرَى أنك تقول رَحًى ورَحَيان ، فقد عَلمتَ أن ألفَ رَحًى ياء ، وقالوا في النسبة إليها : رَحَوِيّ لتلك العلة.

شمِر : الصَّدْءاءُ : الأرضُ التي تَرَى حَجَرَها أصدأَ أَحمر ، يَضرِب إلى السواد ، لا تكون إلّا غليظة ، ولا تكون مستويةً بالأرض ، وما تحتَ حجارة الصَّدْءاء أرضٌ غليظة ، وربما كانت طيناً وحجارة.

أبو عبيد : من أمثالِهم في الرَّجُلَين يكونان ذَوَيْ فَضْل غير أن لأحدهما فضلاً على الآخَر قولُهم : ماءٌ ولا كَصدَّاء. هكذا أَقرأَنيه المنذريُّ.

عن أبي الهيْثم بتشديد الدَّال والمَدة.

وذكر أن المَثَل لِقَذُورَ بنت قيس بن خالد الشيَّبانيّ ، وكانت زوجةَ لَقيط بنِ زُرارة ، فتزوّجها بعده رجلٌ من قومها ، فقال لها يوماً : أنا أجمل أَمْ لَقيطٌ؟ فقالت : ماءٌ ولا كَصدّاء ، أي : أَنت جميلٌ ولستَ مِثلَه.

قال أبو عُبيد : قال المفضّل : صَدّاء : رَكِيَّةٌ ليس عندهم ماءٌ أَعذب من مائها ؛ وفيها يقول ضِرارُ بن عَمرو السَّعْدِيّ :

وإني وتَهْيَامِي بزينبَ كالذي

يُطالب من أَحْواضِ صدَّاءَ مَشربَا

قال : ولا أَدرِي صدّاء ، فعَّال أو فَعْلاء ، فإن كان فَعَّالاً فهو من صَدا يَصدو ، أَو صَدِيَ يَصدَى.

وقال شمر : صَدا الهامُ يَصدُو : إذا صاح.

وإن كانت صَدَّاءُ فَعْلَاء فهو من المضاعَف ، كقولهم صَمَّاء من الصَّمَم.

أبو عُبيد عن العَدَبَّس قال : الصَّدَى هو الطائرُ الذي يَصِرّ باللّيل ويَقْفِز قَفَزاناً ويطيرُ.

قال : والناسُ يَرَوْنه الجُنْدُب ، وإنما هو الصدَى يكون في البَرارِي ، فأما الجُندب فهو أصغَر من الصَّدَى يكون في البراري.

قال : والجُدْجُد : الذي يُصِرّ بالليل أيضاً.

صيد : يقال : صادَ الصيَّد يَصيدُه صَيْداً : إذا أَخَذه. وصِدْتُ فلاناً صَيْداً : إذا صدتَه له ، كقولك : بَغَيْتُه حاجةً ، أي : بغَيْتُها له.

قال الليث : مِصْيَدَةٌ : التي يُصادُ بها.

قال : وهي المِصْيَدَة ، لأنها من بنات الياء المعتلّة ، وجمعُ المصيدة مصايد بلا همز ، مثلُ معايشَ جمع معيشة.

والعَربُ تقول : خرجْنا نَصيد بَيْضَ النَّعام ونصيدُ الكَمْأَة ، والافتعالُ منه الاصطياد ، يقال : اصطادَ يَصطاد فهو مُصطاد والمَصيدُ مصْطادٌ أيضاً. وخرج فلانٌ يتصيَّد الوَحْشَ ، أي : يطلبُ صيدَها.

١٥٤

الحرّاني عن ابن السكّيت : الصادُ والصِّيد والصُيَدُ : داءٌ يصيب الإبلَ في رؤوسها فيسيل من أُنوفها مِثلُ الزَّبَد وتَسْمُو عند ذلك برؤوسها.

قال : والصِّيد أيضاً جمعُ الأَصْيد.

وقال الليث : الصَّيَد : مصدرُ الأصيَد ، وله معنيان. يقال : مَلِكٌ أَصيَدُ : لا يلتفِت إلى النّاس يميناً وشِمالاً. والأصيَد أيضاً : من لا يستطيع الالتفاتَ إلى الناس يميناً وشمالاً من داءٍ ونحوِه.

والفِعلُ صَيِد يَصْيدُ.

قال : وأهل الحجاز يُثْبِتون الواوَ والياء ، نحو : صَيِد وعَوِد ، وغيرُهم يقول : صَادَ يَصادُ وعارَ يَعار.

قال : ودَواءُ الصَّيَد : أن يُكوَى بين عينيه فيذهب الصيَدُ ، وأَنشد :

* أَشفِي المجانين وأَكْوي الأصْيدا*

أبو عبيد : الصادُ : قُدودُ الصُّفْر والنُّحاس.

قال حسّان بن ثابت :

* رأَيتُ قُدورَ الصادِ حولَ بيوتِنا*

قال : والصَّيَداءُ : حَجَرٌ أبيضُ يُعمَل منه البِرَام. والصَّيْدانُ : بِرامُ الحجارة ، وأنشد :

* وسُودٍ من الصِّيدانِ فيها مَذانِبُ*

وقال النَّضْرُ : الصيْداء : الأرض التي تُربتُها حمراءُ غليظةُ الحجارة مستويةٌ بالأرض.

وقال أبو عُبَيد : هي الأرض الغليظة.

وقال أبو خَيْرة : الصيْداءُ : الحَصَى ، وقال الشَّمَّاخ :

حَذاها من الصيْداءِ نعلاً طِراقُها

حَوامِي الكُراع المُؤْيدات العَشَاوِزِ

أي : حَذاها حَرَّةً نِعالها الصّخور.

شمر عن أبي عمرو قال : الصَّيْداءُ : الأرض المستوية ، وإذا كان فيها حَصًى فهو قاع. قال. وكان في البُرْمة صِيْدان وصَيْدَاء يكون فيها كهيئة بَريق الفضّة ، وأجوده ما كان كالذّهب وأنشد :

* طِلْحٌ كضاحِية الصَّيْداءِ مَهْزولُ*

قال : وصَيْدانُ الحَصَى : صغارُها.

وقال الأصمعيّ : الصَّيْدان والصَّيْدء : حَجرٌ أبيض تَعمَل منه البِرَام.

وقال بعضهم : الصَّيْدانُ : النُّحاس ، قال كعب :

وقِدْراً تَغْرَق الأَوْصالَ فيه

من الصَّيْدان مُترَعَةً رَكُودا

وصد : قال الله جلّ وعزّ : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ، قال الفرّاءُ : الوَصِيدُ والأصيد لُغتان ، الفِناء مِثلُ الوِكاف والإكاف ، وهما العِناء.

وقال ذلك يونس ، وقولهم : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨)) [الهمزة : ٨] ، وقرىء (مُوصَدة).

١٥٥

[أصد] : قال ابن السِّكيت : قال أبو عبيدة : أَصَدْتُ وأَوْصَدْتُ : إذا أطبَقْتَ ، ومعنى مؤصَدَة : أي : مطبقةٌ عليهم.

وقال الليثُ : الإصاد والأُصُد بمنزلة المُطْبَق ، يقال : أطبق عليهم الإصادَ والوِصاد والآصِدة.

وقال ثعلب : الأُصْدةُ : الصُّدْرة ، وأنشد :

مثل البِرَام غَدا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ

لَم يستَعِنْ وحوامي الموتِ تَغْشاه

أبو عبيد عن الأحمر : الأصِيدُ : الفِناء : وآصَدْت البابَ وأوْصَدْته : إذا أغلقْتَه.

وقال الأمويّ : الأصِيدةُ كالحَظيرة تعمل.

وقال أبو مالك : أصَدَتْنا مُذ اليوم ، أي : آذَبَتْنا إصادَةً. وفي «النوادر» : وَصَدْتُ بالمكان أَصِد ، ووتَدْتُ أَتِد : إذا ثَبَتَ.

ديص : قال الليث : داصت الغُدَّة بين اللحم والجلد تَدِيصُ. قال : والانْدِياصُ : الشّيءُ يَنسَل من يَدِك ، تقول : انْدَاصَ علينا بشرِّه. وإنّه لمُنْداص بالشّرّ ، أي : مفاجِىءٌ به ، وقّاعٌ فيه.

أبو عبيد عن أبي زيد : داصَ يَدِيص دَيْصاً : إذا فَرّ.

وقال الأحمر مِثلَه. قال : والداصَةُ منه.

أبو العبّاسَ عن ابن الأعرابيّ قال : الدَّيْصُ : نَشاطُ السّائس. وداصَ الرجُل : إِذا خَسّ بعد رِفْعة.

الأصمعيّ : رجلٌ دَيّاصٌ : إذا كنتَ لا تَقدر أن تَقبِض عليه من شدّة عَضَلِه.

باب الصاد والتاء

ص ت (وا يء)

صوت ـ صيت : قال الليث : يقال : صَوّت يُصوِّت تصويتاً فهو مصوِّت ، وذلك إذا صَوّتَ بإنسان فَدعاه. ويقال : صاتَ يَصُوت صَوْتاً فهو صائت ، معناه : صائح.

وقد يُسمَّى كلُّ ضَرْب من الأُغنِيات صَوتاً ، والجميع الأصوات. ورجل صَيِّتٌ : شديدُ الصوْت.

الحرّاني عن ابن السّكيت : الصَّوتُ ، صَوْتُ الإنسان وغيرِه. والصِّيتُ : الذِّكْر ، يقال : قد ذهب صِيتُه في النّاس ، أي : ذكْرُه.

وقال ابن بُزْرُج : أصاتَ الرجُل بالرّجل : إذا شَهَرَ بأمرٍ لا يَشتهيه. وانصاتَ الزّمانُ به انصياتاً : إذا اشتَهر.

وقال غيره : انصات الأمرُ : إذا استقام ، وأنشد :

ونَصرُ بنُ دَهْمانَ الهُنيدةَ عاشَها

وتِسعين حولاً ثم قُوِّم فانْصَانَا

قال : انصات ، أي : استقام.

والصَّيِّتةُ بالهاء : الصَّيِّت ، وقال لَبيد :

وكم مُشتَرٍ من مالِه حُسْنَ صِيتِه

لأيَّامه في كلّ مَبْدًى ومَحْضَرِ

١٥٦

وقال ابن السّكيت : رجلٌ صاتٌ : شديدُ الصّوتُ كقولهم : طانٌ كثيرُ الطَين ، وكبشٌ صافٌ : كثيرٌ الصُّوف.

ص ظ. ص د. ص ت : مهملات.

باب الصاد والراء

ص ر

وا ي صرى. صار. أصر. ورص. وصر.

رصا. صور.

صرى : رُوِيَ عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنَّ آخِرَ مَن يَدخلُ الجنَّة رجلٌ يَمشي على الصّراط فيَنكَبُّ مرّةً ويَمشِي مَرَّةً وتَسَفُعه النار ، فإذا جَاوَزَ الصِّراط تُرفَع له شَجَرَةٌ فيقولُ : يا ربُّ أَدْنِني منها ، فيقول الله ، أي : عبْدِي ما يَصرِيك مِني».

قال أبو عبيد : قوله : «ما يَصْريك» : ما يَقطع سأَلتَك منّي ، يقال : قد صَرَيْتُ الشيءَ ، أي : قطعتُه ومنعتُه ، وأنشد :

* هَواهُنّ إن لم يَصْرِه اللهُ قاتِلُهْ*

قال : وقال الأصمعي : يقال : صَرَى الله عَنْك شَرَّ فلان ، أي : دفَعَه. قال : والصَّرَى : الماءُ الّذي قد طال مَكْثُه وتَغَيَّر. وهذه نُطْفَةٌ صَراةٌ. وقد صَرَى فلانٌ الماءُ في ظهرِه زَماناً ، أي : حَبَسه.

ويقال : جَمَعه. وأنشد :

رُبَّ غلامٍ قد صَرَى في فِقْرَتِهْ

ماءً الشّبابِ عُنْفُوانَ سَنْبَتِهْ

كذا رواه شمر ، وزاد : أَنعظ حتى اشتد سَمُّ سُمَتِهْ.

وفي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اشترى مُصَرّاةً فهو بآخر النَّظَريْن إنْ شاءَ رَدَّها ورَدَّ معها صاعاً من تَمْر».

قال أبو عُبيد : المُصَرّاة : هي النَاقة أو البقر أو الشّاة يُصرَّى اللبنُ في ضَرْعها ، أي : يُجمَع ويُحبَسُ ، يقال منه : صَرَيْتُ المَاء وصَرَّيْتُه.

وقال ابن بُزُرْج : صَرت الناقةُ تَصْرِي ، من الصَّرْي ، وهو جمع اللّبن في الضَّرْع.

وناقة صريي وجمعها صراء ، مثل : عطشى وعطاش.

الفرّاء : صَرِيَتِ الناقةُ : إذا جَفَلت واجتمعَ لبنُها ، وأَنشَد :

مَن للجَعافِرِ يا قَوْمي فَقَدْ صَرِيَتْ

وقد يُساقُ لِذاتِ الصُّرْية الحَلَبُ

وقال الآخر :

* وكل ذي صَرْيةٍ لا بدّ مَحلوبُ*

وقال الليث : صَرِيَ اللّبنُ يَصْرَى في الضَّرْع : إذا لم يُحلَب ففسَد طعمه ، وهو لبنٌ صَرًى. وصَرِيَ الدمعُ : إذا اجتَمع فلم يَجْر.

وقالت خَنْساء :

فلَم أَملِكْ غداةَ نَعيِّ صَخْرٍ

سوابِقَ عبْرةٍ حُلِبَتْ صَراهَا

١٥٧

قال : وصَرِيَ فلانٌ في يد فلانٍ : إذا بَقِيَ في يدِه رَهْناً ؛ قال رؤبة :

* رَهْنَ الحَرورِيين قد صَرِيتُ *

وأَخبرَني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : قيل لابنة الخُسِّ أيُّ الطعام أثقَل؟ فقالت : بَيْضُ نَعامْ ، وصِرَى عامٍ بعدَ عامٍ ، أي : ناقة تُغَرَّز عاماً بعد عام.

وحكى شمر عن ابن الأعرابي أنه قال : الصَّرَى : اللّبنُ يُترَك في ضَرع الناقة فلا يُحتلب فيصير مِلْحاً ذا رِياح.

وأَخبرني عن أبي الهَيْثم أنَّه ردّ على ابن الأعرابيّ قوله : صِرَى عام بعدَ عام ، وقال : كيف يكون هذا؟ والناقةُ إنما تُحلَب ستَّةَ أشهر أو سبعةَ أشهر ، في كلامٍ طويل قد وَهِمَ في أكثره ، والّذي قاله ابنُ الأعرابيّ صحيح ، ورأيتُ العَرَب يَحلُبون الناقةَ من يومِ تُنْتَجُ سنةً إذا لم يَحمِلوا الفحلَ عليها كِشافاً ، يغرِّزُونها بعد تمَام السّنة ليَبقَى طِرْقُها ، وإذا غَرَّزُوها ولم يَحْتَلبوها ، وكانت السّنة مُخصِبةً تَرَادَّ اللبنُ في ضَرْعها فخَثُر وخَبُثَ طعمُه فانمَسَخَ ، ولقد حَلَبْتُ ليلةً من اللّيالي ناقةً مغرَّزَةً فلم يتهيّأ لِي شُرْبُ صَرَاها لخُبْث طعمِه ودَفْقَتِه ، وإنما أرادت ابنة الخُسِّ بقولها : صَرَى عامٍ بعد عام ، لبنَ عام استقبلتْه بعد انقضاء عامٍ نُتِجَتْ فيه ، ولم يَعرِف أبو الهيثم مُرَادَها ، ولم يَفهم منه ما فَهِمه ابن الأعرابيّ فعَلِق يَرُدّ بتطويلٍ لا معنى فيه.

أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ : صَرَى يَصرِي : إذا قَطَع ، وصَرَى يَصْرِي : إذا عَطَف ، وصَرَى يَصرِي : إذا تَقدَّم ، وصَرَى يَصرِي : إذا تأخَّر ، وصَرَى يَصرِي : إذا عَلَا ، وصَرَى يَصري : إذا سَفَل ، وصَرَى يَصرِي : إذا أَنْجَى إنساناً من هَلَكة وأغاثه وأَنشد :

* بين الفَراعِلِ إنْ لم يَصْرِنِي الصّارِي

* وقال آخر في صَرَى إذا سَفَل :

والناشئاتِ الماشياتِ الخَيْزَرِي

كعُنُق الآرام أَوْفَى أَوْ صَرَى

قال : أَوْفَى : عَلَا. وصَرَى : سَفَل ، وأَنشد في عَطَف :

وصَرَيْنَ بالأعناقِ في مَجْدُولةٍ

وصَلَ الصّوانعُ نِصْفَهنَّ جَديدا

وقال ابن بزرج : صَرَتِ الناقةُ عُنُقَها : إذا رفعتْه من ثِقلَ الوِقْر ، وأَنشد :

* والعِيسُ بين خاضِعٍ وصَارِي *

قال : والصارِي : الحافظ ، ويقال : صَرَاه الله : حَفِظه الله.

وقال شمر : قال المنتجع : الصَّرْيانُ من الرّجال والدوابّ : الّذي قد اجتمع الماءُ في ظهرِه ، وأَنشد :

* فهو مِصَكٌّ صَمَيان صرْيان *

١٥٨

والصارِّيَّةُ من الرَّكايا : البعيدة العَهْد بالماء ، فقد أَجِنَتْ وعَرْمَضَتْ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الصّارِي : المَلّاح ، وجمعه صُرَّاءٌ على غير قياس.

قال : وقال أبو عمرو : ماءٌ صِرًى وصَرًى ، وقد صَرِيَ يَصْرَى ، وقال : صَرَيْتُ ما بينهم : أصْلَحْتُ ، فأنا أَصرِي صَرْياً.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : إذا اصفرّ الحَنْظل فهو الصرَاء ممدود ، واحدته صَرايةٌ ، وجمعُها صَرايَا.

وقال ابن الأعرابي : أنشد أبو مَحْضة أبياتاً ثم قال : هذه بِصَراهُنّ وبِطَرَاهُنّ.

قال أبو تراب : وسألتُ الحُصينِيَّ عن ذلك فقال هذه الأبيات.

بَطرَاوِتِهنّ وصَرَاوتَهنّ ، أي : بِجدّتهنّ وغَضاضَتِهنَّ.

صري : أبو عبيد عن الأحمر : صُرْتُ إليَّ الشيءَ وأصَرْته : إذا أَمَلْتَه إليك ، وأَنشد :

* أَصارَ سَدِيسَها مَسَدٌ مَرِيجُ*

ويقال : صاره يصوره ويصيره : إذا أماله.

وقال أبو عبيد : من قرأ : (صُرهن) ، معناه : أملهن. ومن قرأ : (صِرْهن) معناه : قَطَعهن. وأنشد للخنساء :

* لظلت الشُّم منها وهْي تَنصار*

يعني : الجبال تصدع وتغرق.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦٠].

قال الفرَّاء : ضَمت العامّة الصاد ، وكان أصحابُ عبد الله يَكسِرونها ، وهما لُغتان ، فأما الضّم فكثير ، وأما الكَسْر ففي هُذَيْل وسُلَيم ، وأَنشدني الكسائيّ فقال :

وفَرْعٌ يَصير الجِيدَ وَحْفٌ كأنهْ

على اللِّيْث قِنْوانُ الكروم الدَّوَالح

يَصيرُ : يميل وكلّهم فسَّروا : (فَصُرْهُنَّ) : أَمِلْهُنَّ ، وأما (فَصِرْهنَّ) بالكسر فإنَّه فُسِّر بمعنى قَطِّعْهن.

قال : ولم نجد قطّعهن معروفة ، وأراها إن كانت كذلك من صرَيْتُ أَصْرِي ، أي : قَطَعْتُ ، فقُدمَتْ ياؤها ، كما قالوا : عَثِيت وعِثْت.

وقال الزجّاج : قال أهل اللغة : معنى : (صُرْهُنَّ إليك) : أَمِلْهُن إليك واجمَعْهنَّ وأَنشد :

وجاءت خُلْعةً دُهْساً صَفايَا

يَصور عُنوقَها أَحوَى زَنيمُ

أي : يعطِفُ عُنوقَها تَيْسٌ أَحْوى.

صور : وقال الليث : الصَّوَرُ : المَيْل ، والرجلُ يَصُور عُنُقَه إلى الشيء : إذا مال نحوَه بعنُقه ، والنَّعتُ أَصْوَر ، وقد صَوِر.

وعُصفورٌ صَوّار : وهو الذي يُجيب الدّاعي.

وفي حديث ابن عمرَ : أنه دخَل صَوْرَ نَخْلٍ.

١٥٩

قال أبو عُبَيد : الصَّوْر : جِماع النخل ، ولا واحدَ له من لقطه ، وهذا كما يقال لجماعة البقر : صُوار.

وقال الليث : الصُّوارُ والصِّوارُ : القطيع من البقر ، والعدد أَصْوِرة ، والجميع صِيرَان. وأَصوِرَة المِسْك : نافقاتُه.

أبو عُبَيد عن الأمويّ : يقال : صرعه فتجوّرَ وتَصَوَّر : إذا سَقَطَ.

وأَخبرَني المنذريُّ عن أبي الهيثم أَنه قال في قول الله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] : اعترض قوم فأنكروا أَن يكون الصُّورُ قَرْناً ، كما أَنكَروا العرشَ والمِيزان والصراط ، وادَّعَوْا أن الصُّور جمع الصورة ، كما أن الصوف جمع الصوفة ، والثُّوم جمع الثُّومة ، ورَوَوْا ذلك عن أَبي عُبَيدة.

قال أَبو الهيثم : وهذا خطأٌ فاحش ، وتحريفٌ لكلِم الله عن مواضعها ، لأن الله جل وعز قال : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر : ٦٤] ، بفتح الواو ، ولا نعلَم أَحداً من القراء قرأَها : (فأحْسَن صُورَكم) ، وكذلك قال الله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩] فمن قرأَها (ونُفخ في الصُّوَر) أو قرأ : (فأحسن صُوْرَكم) فقد افترَى الكَذِب وبدّل كتابَ الله ، وكان أبو عبيدة صاحبَ أخبارٍ وغريب ، ولم يكن له معرفة بالنحو.

وقال الفراء : كلُّ جمعٍ على لفظ الواحد الذكَر سبق جمعُه واحدتَه ، فواحدتُه بزيادة هاء فيه ، وذلك مثل الصوف والوَبر والشعَر والقطْن والعشب ، فكلّ واحد من هذه الأسماء اسمٌ لجميع جنسه ، فإذا أُفْرِدتْ واحدتُه زيدتْ فيها هاء ، لأن جميعَ هذا الباب سبق واحدتَه ، ولو أن الصوفةَ كانت سابقةً للصوف لقالوا : الصوفَةٌ وصُوَف ، وبُسْرَةٌ وبُسَر ، كما قالوا : غُرْفة وغُرَف ، وزُلْفَة وزُلَف.

وأما الصُّورُ القَرْنُ فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدتُه صورَة ، وإنما تُجمع صورة الإنسان صُوَراً ، لأن واحدتَه سبقتْ جَمْعَه.

فالمصوِّر من صفات الله تعالى لتصويره صوَر الخلق. ورجل مصوَّر إذا كان معتدل الصورة. ورحل صيّر : حسن الصورة والهيئة.

ورَوَى سُفْيانُ عن مُطرّف عن عطيّة عن أبي سعيد الخدرِي قال : قال رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف أَنْعَمُ وصاحِبُ القَرْن قد التَقَم القَرْن ، وحَتى جَبْهَته وأَصْغَى سمعه ينتظر متى يُؤمَر» ، قالوا : فما تأمُرنا يا رسول الله ، قال : «قولوا (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)».

قلتُ : قد احتجَّ أبو الهَيْثم فأحسَنَ الاحتجاج ، ولا يَجوز عندي غيرُ ما ذَهَب

١٦٠