تهذيب اللغة - ج ١٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٥

صالَ جُعل له حِجامٌ يمنَعهُ عن فتح فمِه ، ومنه قوله :

قَطَعْتَ الدَّهْرَ كالسَّدِم المعنَّى

يُهدِّد في دِمَشقَ وما تَرِيمُ

وقال ابن مُقْبل :

وكلّ رَباعٍ أو سَديسٍ مُسدَّمٍ

يَمُدُّ بذِفْرَى حُرّةٍ وجِرَانِ

ويقال للبعير إذا دَبِر ظهرُه فأُعْفِيَ عن القَتَب حتى صلَح دَبَرُه : مسدَّم أيضاً ، وإيّاه عنَى الكُمَيت بقوله :

قد أَصبَحتْ بكَ أَحْفاضِي مسدَّمةً

زُهْراً بلا دَبَرٍ فيها ولا نَقَبِ

أي : أَرحتها من التَّعب فابيضّتْ ظهورُها ودَبرُها وصلحت. والأُحْفاض جمع حَفَض ، وهو البَعير الّذي يُحمَل عليه خُرَثيُّ المَتاع وسَقَطُه.

وقال ابن هانىء : قال أبو عُبيدة : بعيرٌ سَدِمٌ ، وعاشِقٌ سَدِمٌ : إذا كان شديدَ العِشْق ، ورجُلٌ نَدِمٌ سَدِم.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال للنَّاقة الهَرِمة : سَدِمَة وسَدِرة وسادَّةٌ وسَلَّة وكافَّة.

دسم : ثعلب عن ابن الأعرابي : الدَّسِيمُ : القليلُ الذِّكْر ، قال : ومنه قولُه : لا يَذكُرون الله إلّا دَسْماً قال ابن الأعرابيّ : يكون هذا مَدْحاً ويكون هذا ذَمّاً ، فإذا كان مَدْحاً فالذِّكْر حَشْوُ قلوبهم وأفواههم ، وإذا كان ذَمّاً فإنما هُمْ يَذكرون الله ذكْراً قليلاً : من التَّدسِيم ، وهو السّواد الذي يُجعَل خَلْفَ أُذُنِ الصبيّ كَيْلَا تُصيبَه العَينُ. قال : ومثلُه أنّ رجلاً ذُكر بين يَدَيْ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ذاكَ رجلٌ لا يتَوَسَّد القرآن» يكون هذا أيضاً مَدْحاً وذَماً ، فالمَدح أنّه لا يَنام اللّيل ولا يتوسَّد ، فيكون القرآن متوسَّداً معه ، والذَّمّ أنه لا يَحفظ من القرآن شيئاً ، فإذا نام لم يتوسَّدْ معه القرآنَ.

قلت : والقولُ هو الأول.

ورُوِي في حديثٍ : «إنّ للشيطان لَعُوقاً ودِساماً»، فالدِّسام : ما تُسَدّ به الأُذُن فلا يَعي ذِكْراً ولا مَوْعظة. وكلُّ شيء سَدَدْته فقد دَسَمْتَه دَسْماً ، ويقال للرجل إذا غَشِيَ جاريتَه قَدْ دَسمَها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الدُّسْمةُ : السَّوادُ.

ومنه قيل للحَبَشيّ : أبو دُسْمة ، وقال رؤبةُ يصف سَيْحَ ماءٍ :

مُنفَجَرَ الكَوْكَب أو مَدْسُوماً

فَخَمْنَ إذْ هَمَّ بأنْ يَخيمَا

المنفَجِر : المنفَتح الكثيرُ الماء. وكَوكَبُ كلِّ شيء : مُنظمه. والمَدْسُوم : المَسْدود.

والدَّسم : حَشْوُ الجَوْف.

قال : وقال ابن الأعرابي :

٢٦١

* لا يذكرون الله إلَّا دَسْماً*

ما لَهمْ هَمُّ إلّا الأكْل ، ودَسْم الأجواف.

قال : ونَصب دَسْماً على الخِلاف ، وفلانٌ أَدسَمُ الثَّوبِ ، وأَطلَسُ الثَّوْب ودَنسُ الثَّوبِ : إذا لم يكن زاكياً. وقال : أوجب حَجاً في ثِيابٍ دُسم.

والدَّيسَم : الظُّلمة. ويقال : ما أنتَ إلّا دَسْمَة ، أي : لا خير فيه.

ورأى رجلٌ غلاماً مليحاً فقال : دَسِّموا نُونَته ، أي : سوِّدوها لئلّا تُصيبَه العَين.

قال : ونُونَتُه : الدائرةُ المليحة التي في حَنَكِه.

ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه خطَب وعلى رأسِه عمامة دَسماء»، أي : سَوْداء.

وقال ابن الأعرابي : الدَّيْسَمُ : الدُّبّ وأنشد :

إذا سَمِعْتُ صوت الوَبيل تَشَنعَتْ

تَشَنُّعَ فُدْسِ الغَارِ أو دَيْسَمٍ ذَكَر

قال عمرو : الدّيْسَم : ولَدُ الذِّئب من الكَلبة.

وسألتُ أبا الفَتْح صاحبَ قُطْرُب ـ واسم أبي الفَتْح دَيْسَم ـ فقال : الدَّيْسَم : الذُّرَة.

وأخبرَني المنذريُّ عن المبرّد أنه قال : الدَّيْسَم : ولدُ الكَلبة من الذِّئب. والسِّمْع : ولَدُ الضَّبُع من الذِّئب.

وقال اللّيث : الدَّيْسَم : الثعلب. والدَّسم : كل شيء له وَدَكٌ من اللَّحم والشَّحْم ، والفعلُ دسمَ يَدْسَم فهو دَسِم.

ويقال للرّجل إذا تَدَنَّس بمذامّ الأخلاق : إنه لدَسِم الثوب.

وأَنشَد أبو عُبَيدة :

لا هُمَّ إن عامرَ بنَ جَهْم

أوذَمَ حَجّاً في ثِيابٍ دُسْم

وهو كقولهم : فلانٌ أطلَسُ الثَّوب.

سمد : قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)) [النجم : ٦١].

قال المفسِّرون في قوله : سامِدُونَ : لاهُون.

ورُوِي عن ابن عباس أنه قال : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)) : مستكبرون. ويقال للفَحل إذا اغْتَلم : قد سمَدَ ، رواه شَمِر عنه بإسنادٍ له.

وقال اللَّيث : سامِدُونَ : لاهون ، والسُّمود في الناس : الغَفْلة والسّهْوُ عن الشيءِ.

ورُوِي عن عليّ رضي‌الله‌عنه أنه خرج إلى المسجد والناسُ ينتظرونه للصّلاة قياماً ، فقال : «ما لي أراكم سامِدِين؟».

قال أبو عُبَيد : قوله : سامِدُونَ : يعني القُيَّام وكل رافعٍ رأسه فهو سامِد ، وقد سَمَد يَسمَد ويسمُد سُموداً.

وروِي عن عِكرمَة عن ابن عباس أنه قال : السُّمود : الغناءُ في لغة حِميَر ، يقال :

٢٦٢

اسْمُدي لنا ، أي : غني لنا.

وقال المبرّد : السّامدُ : القائم في تحيُّر.

وأَنشد :

قِيل قُمْ فانظر إليهمْ

ثم دَعْ عنكَ السُّمُودا

وقال الليث : السَّمَادَ : تُرابٌ يُسمَّدُ به النّبات.

قال : وسَمَّد شَعْرَه : إذا أَخَذه كلّه.

شَمِر عن ابن الأعرابيّ قال : السَّمَد من السَّير : الدَّأَب.

يقال : سَمَدت الإبلُ سمُوداً : إذا لم تَعرِف الإعياءُ.

وأَنشَد :

* سَوامِد اللَّيل خِفافُ الأزْوادْ*

أي : دوائبُ ليس في بطونها كبير عَلَف.

وقال اللّحياني : هو لك سَمْداً سَرْمداً بمعنى واحد.

وقال : السُّمود يكون سروراً وحُزْناً ، وأنشد :

رَمَى الحِدْثانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ

بأمرٍ قد سَمَدْنَ له سُمُودَا

فَردَّ شُعُورَهُنّ السُّود بِيضاً

ورَدَّ وُجوهُهَنّ البيضَ سودَا

ثعلب عن ابن الأعرابي : اللاهي ، والسامد : الغافل. والسامد : السّاهي.

والسامد : المتكبِّر ، والسامد : القائم.

أبو زيد : المُسْمَئدّ : الوارِم ، وقد اسمأدّ الجُرْح : إذا وَرِم. والسامد : المتحيِّر بَطَراً وأَشراً. والسامد : المُغَنِّي.

دمس : قال الليث : ادمَس الظلامُ وأدمَس : وليلٌ دامس : إذا اشتدّ ظلامُه. والتَّدْميسُ : إخْفاء الشيء تحتَ الشيء ، ويقال بالتخفيف ، وأنشد :

إذا ذُقْتَ فاهَا قلتَ عِلْقٌ مُدمس

أريدَ به قَيلٌ فغُودِرَ في سأبِ

وقال أبو عُبَيْد : دَمَسْتُ الشيءَ : غطّيْتُه.

والدَّمَس : ما غُطِّي.

وقال الكميت :

* بلا دَمَسٍ أَمْر الغَرِيبِ ولا غَمْلِ*

قال : والدَّمِيس : المغطّى.

أبو زيد : تقول : أتاني حيثُ وَارَى دَمَسٌ دَمْساً. حيث وارَى رُؤْيٌ رُؤْياً ، والمعنى واحد ، وذلك حينَ يُظلم أولُ اللَّيل شيئاً.

ومِثلُه : أتاني حين يقول أخوك أم الذِّئب.

ورَوَى أبو تراب لأبي مالك : المدمَّسُ والمُدنَّس بمعنًى واحد ، وقد دَنس ودمِس.

وقال أبو زيد : المُدَمَّس : المخبوء.

وقال أبو تراب : المدمَّس : الذي عليه وَضَر العَسل ، وأَنكر قولَ أبي زيد.

وقال أبو عمرو : دَمَسَ الموضعُ ، ودَسم وسَمَد : إذا درَس.

٢٦٣

وقال : الدُّوْدَمسُ : الحيّة.

وقال الليث : وهو ضرْبٌ من الحَيّات مُحْرَنْفِش الغَلاصيم ، يقال : إنه ينفُخ نَفْخاً فيحرِقَ ما أصابه ، والجميع الدَّوْدَمسَات والدَّواميس.

وقال أبو زيد : دَمَسْتُه في الأرض دَمْساً : إذا دَفَنْتَه ، حيّاً كان أو مَيّتاً.

وفي حديث الدجّال : كأنه خَرج من الدِّيماس ، وقال بعضهم : الدِّيماسُ : الكِنّ ، أراد كأنه مُخْدَرٌ لم يرَ شيئاً ، شَمْساً ولا ريحاً.

وقال بعضهم : الدِّيماس : الحمّام ، وكان لبعض المُلوك حبْسٌ سماه دِيماساً لِظُلْمته.

وقال ابن الأعرابي : الدِّيماس : السَّرَب.

ومنه : دَمَستُه : قَبَرْتُه.

مسد : قال الله جلّ وعزّ : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)) [المسد : ٥] ، قال المفسِّرون : هي السِّلسِلة التي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) [الحاقة : ٣٢] ، يعني جل اسمه أن امرأة أبي لهب تسلك في النار في سلسلة طولها سبعون ذراعاً.

وقال الزَّجّاج : المَسَدُ في اللُّغة : الحَبْل إذا كان من لِيف المَقْل. ويقالُ لما كان من وَبَر الإِبلِ مِن الحِبال : مَسَد.

وقال ابن السكّيت : الْمَسْدُ : مصدَر مَسَدَ الحبلَ يَمْسُده مَسْداً : إذا أجاد فَتْلَه.

ورَجلٌ مَمْسُودٌ : إذا كان مَجدولَ الخَلْق.

وجاريةٌ ممسودةٌ : إذا كانت حسنةَ طيّ الخَلْق. قال : والمَسَدُ : حبْل من جُلُود الإبل ، أو من لِيف ، أو من خُوص.

وأنشد :

* ومَسَدٍ أُمِرَّ من أَيَانِقِ*

أراد من جُلُودِ أَيَانِق ؛ وأَنشد :

يا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي

إنْ تَكُ لَدْناً ليِّناً فإنِّي

* ما شِئْتَ مِنْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ*

ويقال : حَبْلٌ مَسَد ، أي : مَمسود ، قد مُسِد ، أي : أُجِيد فَتْلُه مَسْداً. فالْمَسْدُ : المصْدَر. والْمَسَد : بمنزلة الممْسُود ؛ كما يقال : نَفَضْتَ الشَّجَر نَفْضاً ؛ وما نُفِض فهو نَفَض. ودلّ قولُ الله جلّ وعزّ : (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد : ٥] أَنَّ السِّلسلة التي ذَكَرها الله تعالى فُتِلَتْ من الحديد فَتْلاً مُحْكَماً ، كأنه قيل : في جِيدِها حَبل حديدٍ قد لُوِيَ لَيّاً شديداً.

وقال اللّيث وغيرُه : المِسادُ : نِحْيٌ يُجْعَلُ فيه سَمْن وعَسَل ، ومنه قولُ أبي ذُؤَيْب :

غَدَا في خافَةٍ مَعَهُ مِسادٌ

فَأَضْحَى يَقْتَرِي مَسَداً بِشِيقِ

والخافَة : خريطةٌ يَتَقَلَّدُها المُشْتارُ ليَجعل فيها العَسَل.

٢٦٤

وقال الليث : الْمَسْدُ : إدْآب السَّيْر في الليل ، وأنشَد :

* يُكابِدُ الليلَ عليها مَسْدا*

وقال العَبْديّ يَذكر ناقةً شبّهَها بثوْرٍ وَحْشِيّ :

كَأَنّها أَسْفَعُ ذو جُدّةٍ

يَمْسُدُه القَفْرُ وليْلٌ سَدِي

كأنما يَنظرُ من بُرْقُعٍ

من تحت روْقٍ سَلِبٍ مِذْوَدِ

قولُهُ : يَمْسُده : يعني الثورَ ، يَطوِيه ليلٌ سَدِيٌّ ، أي : نَدِيٌّ ، ولا يزال البَقْلُ في تمامٍ ما سقط من النَّدَى عليه ، أراد أنه يأكل البقل فيجزأ به عن الماء فيطويه ذلك. وشبّه السُّفعة التي في وجه الثّور ببرقُع.

وجعل اللّيث الدَّأَبَ مَسْداً ، لأنه يمسَدُ خَلق من يَدأبُ فيَطْوِيه ويُضَمّرُه.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : الممسودة من النساء : المطوِية الممشُوقة ، وأنشدنا :

* يَمسُدُ أعْلى لحمه ويَأرِمُه*

أي : يشده.

عَمْرو عن أبيه قال : المِسَاد : الرِّق الأسود.

وفي «النوادر» : فلانٌ أحسَنُ مِسَاد شِعْرٍ من فلان ، يريد : أحسنَ قِوامَ شِعر من فلان.

انتهى والله أعلم بمراده.

(أبواب) السّين والتّاء

س ت ظ ـ س ت ذ ـ س ت ث : أهملت وجوهه.

س ت ر

[ستر ، ترس : مستعملان].

ستر : قال الليث : السِّتْرُ معروف ، والجميعُ أستارٌ وسُتور ، والفعل سَتَرْتُه أستُرُه سَتراً ، وامرأةٌ سَتيرةٌ : ذاتُ سِتارة. والسَّتْرةُ : ما استترتَ به من شيء كائناً ما كان ، وهو أيضاً السِّتارة.

قلتُ : والسِّتاران في ديار بني سفد : وادِيان يقال لهما السَّوْدة ، يقال لأحدهما : السِّتارُ : الأغبَر ، وللآخر : السِّتار الجابرِيّ ؛ وفيهما عُيُونٌ فَوَّارَة تَسقِي نَخيلاً كثيرة زِينةً منها عينُ حَنِيذ ، وعينُ فِرْياضٍ ، وعينُ بَثاء ، وعينُ حُلوة ، وعين ثَرْمدا ، وهي من الأحساء على ثلاثة أميال.

وقال الليث : يقال ما لفلان سِتْر ولا حِجْر ، فالسِّترُ : الحياء ، والحِجْرُ : العقل.

وقال أبو سَعيد : سمعتُ العَرَب تقول للأربعة : إسْتار ، لأنها بالفارسيّة جِهَار ، فأعربوه وقالوا : إسْتار.

وقال جَرير :

إنّ الفرزدقَ والبَعيثَ وأُمَّه

وأبَا الفَرزدقِ شَرُّ ما إسِتارِ

٢٦٥

أي : شَرُّ أربعة ، و (ما) صلة.

وقال الأعشى :

تُوفى ليومٍ وفي ليلةٍ

ثمانين يُحسبُ إستارُها

قال : والإستار رابعُ أربعة. ورابعُ القوم إستارُهم.

قلت : وهذا الوَزْن الّذي يقال له الإستار معرَّبٌ أيضاً أصله جِهَار. فأُعرب فقيل : إستار. ويجمع أساتير.

وقال الفَرّاء في قول الله عز ذكره : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)) [الفجر : ٥] ، لذي عقل. قال : وكله يرجع إلى أمر واحد من الفعل.

قال : والعرب تقول : إنه لذو حِجْر ، إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل ، وقوله : (حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥] ، ههنا بمعنى ساتر ، وتأويل الحجاب الطبع.

وقال أبو حاتم : يقال : ثلاثة أساتير والواحد إستار ، ويقال : لكلّ أربعة إستار ، يقال : أكلتُ إستاراً من خبز ، أي : أربعةَ أرغفة. قال : وأما أستار الكعبة فمفتوحة. ورَوَى شَمِر فيه حديثاً : «أيُّما رجلٍ أَغلَق على امرأته باباً أو أَرخَى دونَها إستارة فقد تمّ صَداقُها».

قال شمر : الإستارة من السِّتر ، ولَم نَسْمعها إلا في هذا الحديث ، وقد جاء عنهم السِّتارة والمِسْتَر بمعنى السِّتر ، وقد قالوا : أُسْوار للسِّوار ، وقالوا : إشْرارة لما يُشْرَر عليه الأَقِطُ وجمعُها الأشارِير.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال : فلان بيني وبينَك سُترةٌ ووَدَج وصاحِنٌ : إذا كان سفيراً بينك وبينَه.

ترس : قال الليث : التُّرس معروف ، ويُجمع تِرَسة ، وكل شيء تترَّسْتَ به فهو مِتْرَسه لك. والمَتَرسُ (١) : الشِّجار الذي يُوضَع خَلْف الباب دِعامةً ، وليس بعَرَبيّ ، معناه : مَتَّرْس ، أي : لا تَخَفْ.

س ت ل

ستل ، سلت ، تلس : مستعملة.

ستل : قال الليث : السَّتْلُ : من قولك : تساتل علينا الناسُ ، أي : خَرَجوا من موضعٍ واحد بعدَ آخر تِباعاً متساتِلين. وكلُّ ما جَرَى قَطَراناً فهو تَساتُلٌ ، نحو الدمع واللّؤلؤ إذا انقطع من سِلْكِه. قال : والسُّتالة : الرُّذالة من كلّ شيءٍ.

وقال ابن دُريد : تَساتَل القومُ : جاء بعضُهم في إثر بعض ، وجاء القومُ سَتْلاً.

__________________

(١) هذا هو الصواب في ضبطه بفتح الميم والتاء المثناة وسكون الراء ، ولها ذكرٌ فيما تقدم في (كتاب الجيم) (شجر) واضطُرِبَ في الضبط ، وانظر التعليق هناك.

٢٦٦

قال : والمَساتِل : الطُّرُق الضيقة ، الواحدة مَسْتَل.

سلت : أبو تراب عن الحُصَيْنِيّ : ذهب مني الأمر فَلْتةً وسَلْتَةً ، أي : سَبَقني وفاتَني.

وقال الليث : السُّلْت : شَعيرٌ لا قِشْرَ له ، أجردُ ، يكون بالغَوْر ، وأهلُ الحِجاز ، يتبرّدون بسَوِيقه في الصَّيف.

قال : والسَّلْتُ : قَبضُك على الشيء أصابَه قَذَر أو لَطْخ فتَسْلِتُه عنه سَلْتاً.

والمِعَى يُسْلَت حتى يخرج ما فيه.

ويقال : سَلَت فلان أَنْفَ فلانٍ بالسَّيف سَلْتاً : إذا قَطَعه كلَّه ، وهو من الجدْعان أسْلَت.

ورُوِيَ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله أنه لَعَن السَّلْتَاءُ من النِّساء، وهي التي لا تَخْتضب. واسمُ ما يخرج من المِعَى سُلَاتَة.

غيره : سَلَت الحلّاق رأسَه سَلْتاً ، وسَبَته سَبْتاً : إذا حَلَقه. وسَلَتت المرأةُ الخِضَابَ من يَدِها : إذا مَسَحَتْه. وسَلَتَ القَصْعة من الثّريد : إذ مَسَحه.

تلس : التِّلِّيسةُ : وِعاءٌ يُسَوَّى من الخُوص شِبه قَفْعَة ، وهي القِنِّينَة التي تكون عند العَصّارين.

س ت ن

سنت ، ستن ، تنس : [مستعملة].

[تنس] : أما تنس فما وَجَدْتُ للعَرَب فيه شيئاً ، وأعرِف مدينةً بنيتْ في جزيرة من جزائر بحر الروم يقال لها : تِنِّيس ، وبها تُعمَل الشُّروب الثَّمِينة.

ستن : أبو العبّاس عن ابن الأعرابي : الأَسْتان : أصولُ الشجر.

وقال غيرُه : الأسْتَنة أصل الشجرة.

وقال ابن الأعرابيّ : أَسْتَن الرّجلُ وأَسْنَتَ : إذا دخل في السَّنة.

قال : والأُبْنة في القَضِيب إذا كانت تَخفَى فهي الأَسْتَن.

سنت : ابن شُمَيْل : أرضٌ مُسْنِتَة : لم يُصِبْها مَطَر فلَم تُنْبِت ، وإن كان بها يبس من يبس عامٍ أوّلَ فليست بمُسْنِتَة حتى لا يكون بها شيء.

ويقال : أسنَتَ القومُ فهم مُسْنِتون : إذا أصابتهم سنَةٌ وقَحْط ، ومنه قوله :

* ورجالُ مَكةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ*

ويقالُ : تَسَنَّتَ فلانٌ كريمةَ آلِ فلان : إذا تزوّجها في سنةِ القحْط.

ورُوِيَ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «عليكم بالسَّنَاء والسِّنَّوْتِ».

ثعلب عن ابن الأعرابي : السِّنَّوْتُ : العَسَل ، والسِّنّوت : الكَمُّون ، والسّنُّوت : الشِّبِتُّ ، وفيها لغةٌ أخرى : السَّنُّوت بفتح السين ، وقال الشاعر :

هُمُ السَّمْنُ بالسَّنُّوت لا أَلْسَ فيهِمُ

وهم يَمْنَعون جارَهم أن يقرَّدا

٢٦٧

س ت ف

أهملت وجوهها غير : [سفت].

سفت : أبو عُبَيد عن أبي زيد : سَفِتُ الماءَ أَسْفَتُهُ سَفْتًا : إذا أكثرتَ منه وأنتَ لا تَرْوَى ، وكذلك سَفِهْتُه وسَفِفْتُه.

وقال ابنُ دُرَيْد : السَّفِتُ : الطَّعام الذي لا بَرَكةَ فيه ، وكذلك السِّفْت.

س ت ب

استعمل من وجوهه : [سبت].

سبت : الحرّاني عن ابن السّكيت : السَّبْتُ : الحَلْق ، يقال : قد سَبَتَ رَأسه يَسْبِته سبْتاً ، والسَّبْتُ : السيرُ السّريع ، وأنشد :

ومَطْوِيّةِ الأقرابِ أَمّا نهارُها

فَسَبْتٌ وأمَّا لَيْلُها فَزَمِيلُ

والسَّبْتُ أيضاً : من الأيّام. والسَّبْتُ : السُّبات ، وأنشد الأصمعيّ :

* يُصْبِحَ مَخْمُوراً ويُمْسِي سبْتاً*

أي : مَسْبُوتاً ، والسَّبْت أيضاً : بُرْهَةٌ من الدَّهر ، وقال لَبِيد :

وغَنِيتُ سبْتاً قَبْلَ مُجْرَى داحِسٍ

لو كان للنّفسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ

قال : والسَّبتُ : جُلُودُ البقر المدبوغة بالقَرَظ.

وقال شَمِر : السَّبْتُ : ضَرْبٌ من السَّيْر وأنْشَد :

يَمْشِي بها ذو الشِّرَّةِ السَّبُوتُ

وهْوَ مِنَ الأَيْزِوَجِ نَجِيتُ

أبو عُبَيد عن الأصمعي : فَرَسٌ سبْت : إذا كان جَواداً كثيرَ العدْو.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ في قوله عزوجل : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩)) [النبأ : ٩] ، أي : قِطَعاً. والسَّبْت : القَطْع ، فكأنه إذا نام فقد انقَطع عن الناس.

وقال الزَّجَّاج : السُّبَاتُ : أن ينقطع عن الحَركة والرّوحُ في بَدَنه ، أي : جعلنا نومَكم راحةً لكم.

وقال ابن الأنباريّ : السَّبْت : القَطْع ، وسُمّي يوم السبت سبْتاً لأن الله جل وعز ابتدأ الخلْقَ وقطع فيه بعض خلق الأرض. ويقال : أُمر فيه بنو إسرائيلَ بقَطع الأعمال وتركها.

قال : وقوله جل وعز : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً) [الفرقان : ٤٧] ، أي : قطعاً لأعمالكم.

قال : وأَخطأَ من قال سُمِّي السبتُ لأن الله أمر فيه بَني إسرائيلَ بالاستراحة وخلق هو عزوجل السموات والأرض في ستَّة أيام آخرها يوم الجمعة ، ثم استراح.

قال : وهذا خطأ ، لأنه لا يُعلم في كلام العَرَب سبَت بمعنى استراح ، وإنّما معنى سبت قَطَع ، ولا يُوصفُ الله تعالى بالاستراحة لأنه لا يَتعب ، والراحة لا

٢٦٨

تكون إلّا بعد تَعَبٍ أو شُغْل ، وكلاهما زائل عن الله جل وعز. قال : واتّفق أهلُ العِلم على أن الله ابتدأَ الخَلْق يوم السبت ، ولم يخلُق يوم الجمعة سماءً ولا أرضاً.

قلت : والدّليلُ على صحة ما قال ، ما حدّثناه أبو إسحاق البزاز عن عثمانَ بن سعيد عن عبد الله بن صالح ، عن خالد بن حُمَيْد ، عن معاوية بن يحيى ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر قال : خلَق اللهُ التّراب يوم السبت ، وخلق الحجارةَ يومَ الأحد ، وخلق الشجَر (١) يومَ الإثنين ، وخلق الكروم (٢) يوم الثلاثاء ، وخلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الدوابَّ يوم الخميس ، وخَلَق آدم يوم الجمعة فيما بين العَصر وغُروب الشمس.

أبو عُبيد عن أبي عمرو : المُسبِتُ الذي لا يتحرّك ، وقد أَسبَت.

وقال الليث : السُّبات من النّوم : شبهُ غَشْية ، يقال : سُبِت المريض فهو مَسبوت.

وقال أبو عُبَيد : ابْنَا سُبات : الليل والنهار ، قال ابن أحمر الباهليّ :

وكنّا وهمْ كابنَيْ سُباتٍ تفرَّقَا

سوًى ثم كانَا مُنْجداً وتِهامِيَا

ثعلب عن ابن الأعرابي : سبَتَ شعرَه وسلَته وسبَّده وسبَّته : إذا حلَقه. قال : وسبّده إذا أعْفاه ، وهذا من الأضداد.

أبو زيد : السبْتاء : الصَّحْراء وجمعُها السَّباتيّ.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : إذا جرى الإرطاب في الرُّطَبة كلّها فهي المُنْسبِتة ، وهو رُطَب مُنْسبِت.

وفي الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى رجلاً يَمشي بين القبور في نَعْلَيه فقال : «يا صاحب السِّبْتَين اخلَعْ سِبْتَيْك».

قال أبو عُبَيْد : قال الأصمعي : السِّبتُ : الجِلدُ المدبوغ. قال : فإن كان عليه شَعر وصُوف أو وَبَر فهو مُصْحب.

قال : وقال أبو عمرو : النِّعالُ السِّبِتيّة : هي المدبوغة بالقَرَظ.

قلت : وحديثُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلُّ على أن السِّبْت ما لا شَعْرَ عليه.

حدّثنا محمد بن سعيد البوشنجي المعروف بالكوفي قال : حدّثنا الحُلْوانيّ ، عن عبد الرزّاق ، عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عن عُبَيد بن جُريج أنه قال لابن عمر : رأيتُك تلبس النِّعال السِّبتِيَّة ، فقال : رأيتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يَلبس النعال التي

__________________

(١) في «التاج» مادة سبت ٤ / ٥٣٥ ـ السحب ـ وفي «اللسان» : السحاب.

(٢) في المطبوعة (المكروه) والمثبت من «التاج» المصدر سابق ـ نقلاً عن الأزهري.

٢٦٩

ليس عليها شعر ويتوضّأ فيها ، وأنا أُحبّ أَن أَلبَسَها.

قلت : كأنها سُمّيتْ سِبْتيّة لأن شَعَرها قد سُبِت عنها. أي : حُلِق وأُزيلَ بعلاج من الدِّباغ معلوم عند دَباغِيها. يقال : سَبَت شَعْرَه : إذا حَلَقَه.

أسبتتِ الحيّة إسباتاً : إذا أطرق لا يتحرك. قال :

أصممُّ أعمى لا يجيب الرُّقى

من طول إطراق وإسبات

قال أبو بكر : أرض سبتاء : إذا كانت مستوية.

قال شمر : قال ابن الأعرابي : سُمّيت النعال المدبوغة سبتية لأنها انسبتت بالدباغ ، أي : لانت. قال : وانسبتت الرَّطبة ، أي : لانت ، فهي منسبتة ، أي : لينة.

وقال عنترة :

بطلٌ كأن ثيابه في سرحة

يُحدَى نعال السِّبت ليس بتوأم

مدحه بأربع خصال كريمة : أحدها : أنه جعله بطلاً ، أي : شجاعاً.

والثاني : أنه جعله طويلاً ، شبهه بالسَّرحة.

والثالث : أنه جعله شريفاً للُبْسه نعال السِّبت.

والرابع : أنه جعله تام الخلق نامياً ، لأن التوأم يكون أنقص خلقاً وقوّة وعقلاً وخُلقاً.

س ت م

استعمل من وجوهها : سمت ، متس.

متس : قال الليث : المَتْسُ : لغةٌ في المَطْس.

وهو الرَّمْي بالجِعْس.

سمت : قال النَّصْر بن شمَيل : التَّسْميت : الدعاء بالبركة تقول بارك الله فيك. وقال الليث : السمت : حسن النَّحْو في مذهب الدين والفِعل منه سَمَت يسمت سَمْتاً وإنه لحسَنُ السمت. والسمت : الطريق ، يقال : الزَمْ هذا السمت.

قال : والسَّمْت أيضاً : السيْرُ بالحدْس والظّنّ على غير طريق ، وأنشد :

* ليس بها زيغٌ لِسمْتِ السّامِتِ *

قال : والتَّسميتُ : ذِكرُ الله على كلّ شيء.

والتَّسميتُ : قولُك للعاطس : يرحمُك الله.

وأخبَرَني المنذريّ عن أبي العبّاس أنه قال : يقال : سَمَّتَ فلانٌ العاطسَ تسميتاً ، وشَمّته تشْميتاً : إذا دعا له بالهَدْيِ ، وقصْدِ السمتِ المستقيم ، والأصل فيه السين فقلبت شيناً.

وقال الأصمعي : يقال : تعمّده تعمُّداً ، وتسمّته تسمُّتاً : إذا قصد نحوه.

وقال شمر : السمتُ : تنسُّمُ القَصْد.

٢٧٠

وقال الفراء : يقال : سمَتَ لهم يَسْمِتُ سَمْتاً : إذا هو هَيّأ لهم وَجْه العمل ووجه الكلام والرأي. وهو يسمِت سَمْتَه ، أي : يَنحُو نحوه. وفلان حسَنُ السمْت ، أي : حسن القَصْد.

وفي حديث حُذيفة : «ما أعلم أحداً أشبهَ سمتاً وهَدياً ودَلًّا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ابن أم عبد».

قال شمر : قال خالد بن جَنْبة : السمتُ : اتّباعُ الحق والهَدْيِ وحسن الجِوار وقلّةُ الأذيّة. قال : ودلَّ الرجلُ : حَسُنَ حديثُه ومَزْحُه عند أهله.

وقال غيره : فلانٌ حسنُ السمت : إذا كان حسنَ القصد والمذهب في دينه ودنياه.

وقال أعرابي من قيس :

سوف تجُوبين بغير نَعْتْ

تعسُّفاً أو هكذا بالسَّمْتِ

السمتُ : القَصد. والعَسْف : السير على غير علم ولا أثر.

وقد أهملت السين مع الطاء إلى آخر الحروف ، ومع الدال إلى آخرها ، ومع الثاء إلى آخرها فلم يُستعمل من جميع وجوهها شيء في مُصاص كلام العرب.

وأما قولهم : هذا قضاءُ سَذُوم بالذال : فقد تقدّم القول فيه أنّه عجمي ، وكذلك البُسَّذ لهذا الجوْهر ليس بعربي ، وكذلك السَّبَذَة فارسيّ.

[أبواب : س ظ ـ س ذ ـ س ث : مهملة](١)

(أبواب) السّين والراء

س ر ل

استعمل من وجوهها : رسل ، سرل.

سرل : أمّا سرل : فإنه ليس بعربيّ صحيح ، والسراويل معرّبة ، وجاء السراويل على لفظ الجماعة ، وهي واحدة ، وقد سمعتُ غير واحد من الأعراب يقول : سرْوال.

وإذا قالوا سراويل أنّثوا.

وفي حديثٍ رُوِي عن أبي هريرة «أنه كره السراويل المخَرْفجة».

قال أبو عُبَيْدةَ : هي الواسعة الطويلة ، وقد مرَّ تفسيرُها في كتاب الخاء.

وقال الليث : السراويل : أعجميّة أُعرِبتْ وأُنِّثت ، وتجمع سراويلات. قال : وسرْوَلْتُه : إذا ألبسته السراويل.

قال أبو عُبَيدة في شِيات الخيل إذا جاوز بياض التّحْجيل العَضُدَين والفَخْذَين فهو أَبْلَق مُسَرْوَل.

قلتُ : والعربُ تقول للثَّوْر الوَحشيّ : مُسَرْوَلٌ للسواد الذي في قوائمه ، وأما قول ذي الرُّمّة في صفة الثَّور :

__________________

(١) أهملها الليث.

٢٧١

تَرَى الثَّوْر يَمْشي راجعاً من ضحائهِ

بها مثلَ مَشْيِ الهِبْرِزِيِ المُسَرْولِ

فإنه أراد بالهبرزيّ : الأسد ، جعله مُسرْوَلاً لكثرة شَعر قوائمه.

وقيل : الهبْرِزِيُّ : الماضي في أمره.

ويُروَى :

* مِثلَ مَشْيِ الهِرْبِذِيّ*

يعني مَلِكاً فارسيّاً ، أو دِهْقاناً من دَهاقِينهم ، وجعلَه مُسَرْوَلاً لأنها من لباسهم.

يقول : هذا الثور يتبختر إذا مَشَى تَبختُر الفارسيِّ إذا لَبس سراوِيله.

رسل : قال أبو بكر بن الأنباريّ في قول المؤذِّن : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله.

قال : معنى أشهَد أُعلم وأُبيِّن أن محمداً مُتابع للإِخبار عن الله جلَّ وعز.

قال : والرسول معناه في اللغة الذي يتابع أخبار الذي بَعثَه ؛ أُخِذ من قولهم : جاءت الإبلُ رسلاً ، أي : متتابعة.

وقال أبو إسحاق النحويّ في قول الله جلّ وعزّ حكايةً عن موسى وأخيه : (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] ، معناه :

إنا رسالةُ ربّ العالمين ، أي : ذَوَا رِسالةِ رَبِّ العالمين ، وأنشد هو أو غيره :

لقد كَذَب الواشُون ما فُهتُ عندَهم

بسرٍّ ولا أَرْسَلْتهُم برَسولِ

أراد : ولا أرسلتهُم برسالة.

قلت : وهذا قولُ الأخفش ، وسمِّيَ الرسولُ رسولاً لأنه ذُو رَسول ، أي : ذو رسالة ، والرسول اسمٌ من أَرسلْت ، وكذلك الرسالة.

ويقال : جاءت الإبلُ أَرْسالاً : إذا جاء منها رَسل بعد رَسل ، والإبل إذا وَرَدت الماءَ وهي كثيرة فإن القيِّم بها يُورِدها الحوضَ رَسلاً بعد رَسل ، ولا يُورِدُها جملةً فتزدَحم على الحوض ولا تَرْوَى.

والرَّسلُ : قطيعٌ من الإبل قَدْر عَشر تُرسل بعد قَطِيع.

وسمعتُ العرب تقول للفحل العربيّ يُرْسل في الشَّوْل ليَضربَها : رَسيلٌ ، يقال : هذا رسيلُ بني فلان ، أي : فَحْل إبلِهم ، وقد أَرسل بنُو فلان رَسيلَهم ، أي : فَحلَهم ، كأنه فَعِيل ، بمعنى مُفعَل من أُرسل.

وهو كقول الله : (الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) [لقمان : ١ ، ٢] ، يريد والله أعلم الكتابَ المُحكَم دَلَّ على ذلك قولُه : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] ، ومما يشاكله قولهم للمُنذَر : نَذِير ، وللمُسْمَع : سَميع.

ورُوي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الأرض إذا دُفِن فيها الإنسان قالت له : ربما مشيت عليّ فَدّاداً ذا مالٍ كثير وذا خُيَلاء».

٢٧٢

وفي حديثٍ آخَرَ : «أَيُّما رجلٍ كانت له إبلٌ لم يُؤَدِّ زكاتَها بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ تَطؤُه بأخفافها إلَّا من أَعطَى في نَجْدَتها ورِسلها».

قال أبو عُبيد : معناه : إلا من أعطى في إبلِه ما يَشُقّ عليه عطاؤه ، فيكون نجدةً عليه ، أي : شدةً ، أو يُعطى ما يهون عليه عطاؤه منها ، فيعطِي ما يعطِي مُسْتهيناً به على رِسلِه.

وأخبرَني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ في قوله : «إلّا من أَعطَى في رِسلِها» ، أي : بطيبِ نَفْس منه. والرِّشْل في غير هذا : اللَّبَنُ.

يقال : كثُر الرِّسل العام ، أي : كثُر اللبن.

وقد مر تفسير الحديث في باب الجيم بأكثر من هذا. وإذا أورد الرجل إبلَه متقطعةً قيل : أوردها أرسالاً. فإذا أوردها جماعةً قيل : أوردها عِراكاً.

وفي حديث فيه ذِكر السَّنَة : «ووَقِير كثير الرَّسَل ، قليل الرِّسْل».

قوله : «كثير الرَّسل» ، يعني الذي يُرسل منها إلى الرِّعي كثير. أراد أنها كثيرةُ العدد قليلة اللبن.

وقال ابن السِّكيت : الرَّسَلُ من الإبل والغنم : ما بين عشر إلى خمس وعشرين.

وفي حديث أبي هريرة : أن رجلاً من الأنصار تزوج امرأة مُرَاسِلاً، يعني ثيّباً.

وفي حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ أنه قال : رأيت في عام كثُر فيه الرِّسْل البياضَ أكثرَ من السواد ، ثم رأيت بعد ذلك في عام كثر فيه التّمر السوادَ أكثرَ من البياض.

الرِّسْلُ : اللبن ، وهو البياض إذا كثُر قلّ التّمر ، وهو السواد. وأهل البَدْو يقولون : إذا كثر البياض قل السواد ، وإذا كثر السواد قل البياض.

وقال الليث : الرَّسْل ـ بفتح الراء ـ الذي فيه لِينٌ واسترخاء.

يقال : ناقةٌ رَسْلةُ القوائم ، أي : سِلسةٌ ليّنة المفاصل ، وأنشد :

برَسْلَةٍ وُثِّق مُلتَقاها

موضع جُلْبِ الكُورِ من مَطاهَا

وقال أبو زيد : الرَّسْل ـ بسكون السين ـ الطويلُ المسترسل ، وقد رَسل رَسَلاً ورَسَالة.

وقال الليث : الاسترسال إلى الإنسان كالاستئناس والطُّمأنينة.

يقال : غَبْنُ المُسترسِل إليك رِياً.

قال : والتَّرسُّل : من الرِّسْل في الأمور والمَنطِق : كالتمهُّل والتوقُّر والتثبت.

وجمعُ الرسالة الرسائل ، وجمع الرَّسول الرُّسل.

والرسولُ بمعنى الرسالة يؤنَّث ويذكّر فمن أنّث جمعَه أَرسُلاً. وقال الشاعر :

* قد أَتَتْها أَرْسُلِي *

٢٧٣

ويقال : هي رَسولُك. وناقةٌ مِرْسال : رَسلةُ القوائم ، كثيرةُ شعر الساقين ، طويلة.

أبو عُبَيد عن الكسائيّ : يقال : امرأةٌ مُراسل ، وهي التي مات عنها زوجُها أو طلّقها.

وقال ابن الأعرابي : العرب تسمِّي المُراسل في الغِناء والعَمل : المُتالي.

أبو عبيد عن أبي زيد : أَرسل القومُ فهم مُرسلون : إذا كان لهم رِسل ، وهو اللبن.

وقول الأعشى :

* عُولَيْنِ فوْق عُوّجٍ رِسَالِ *

أي : قوائم طوال.

وقال اليزيديّ : الترتيل في القراءة والتَّرْسيل واحد.

قال : وهو التحقيق بلا عجلة. وقيل : بعضه على إثر بعض. والمُرْسلةُ : القِلادة فيها الخَرَز وغيرها.

ويقال : جارِيةٌ رُسُلٌ : إذا كانت صغيرة لا تَخْتَمِر. وقال عديّ بنُ زيد :

ولقد أَلْهُو ببِكْرٍ رُسُلٍ

مَسُّها أَلْيَنُ من مَسِّ الرَّدَنْ

وقال أبو العباس : الفرق بين إرسالِ الله جلّ وعزّ أنبياءَه وإرسالِه الشياطينَ على أعدائه في قوله : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم : ٨٣] ، أن إرسالَه الأنبياء إنما هو وَحيُه إليهم أن أَنذِروا عِبادي ، وإرسالُه الشياطينَ على الكافرين تَخليَتُهم وإياهم ، كما تقول : كان في يدي طائرٌ فأرسلتُه ، أي : خلّيته وأطلَقْتُه ، وحديثٌ مُرسل : إِذا كان غيرَ متّصل الإسناد ، وجمعُه مَراسيل.

الخرّاز بن الأعرابي : أرسل القوم : إذا كَثُر رِسلهم ، وهو اللبن. وأرسلوا إبلَهم إلى الماء إرسالاً ، أي : قِطعاً. واسترسل : إذا قال أرسلْ إلى الإبل أرسالاً. ورجلٌ مُرَسِّلٌ : كثيرُ الرِّسل واللبن والشِّرْب.

وقال تأبّط شرّاً :

ولستُ بِرَاعي ثلّة قام وسطَها

طويلِ العصا غُرْنَيْقِ ضَحْلِ مُرَسَّلِ

مُرسِل : كثير اللبن ، فهو كالغُرْنيق ، وهو شبه الكُرَليّ في الماء أبداً.

شمر عن ابن الأعرابي عن خالد بن جنْبة : الترسلُ في الكلام : التّوَقّر والتفهُّم والتَّرفُّق من غير أن يرفع صوته شديداً.

قال : والترسلُ في الركوب : أن يبسط الدابة ثُم تُرخى ثيابه على رجليه حتى يغيّبهما. قال : والترسلُ في القعود : أن يتربَّع ، وأن يرخي ثيابه على رجليه حوله.

قال الشيخ رحمه‌الله : حدثنا ابن منيع عن جده عن يعقوب بن الوليد عن ابن أبي ذؤيب عن المقبري عن أبي هريرة قال : تزوج رجل من الأنصار امرأة مُراسلاً ـ يعني ثيّباً ـ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهلّا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك».

٢٧٤

وأنشد المازني :

يمشي هبيرةُ بعد مقتل شيخه

مَشْيَ المُراسِل بُشّرتْ بطلاقِ

قال : المُراسِلُ : التي طُلقت مرات ، فقد بسأت بالطلاق ، فهي لا تباليه. يقول : فهُبيرة قد بسأ بأن يقتل له قتيل ولا يطلب بثأره ، فتعوّدَ ذلك مثل هذه المرأة التي بسأت بالطلاق ، أي : أنست به.

س ر ن

سنر ، نسر ، نرس ، رسن : [مستعملة].

سنر : أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : السَّنانِيرُ : عِظامُ حُلوقِ الإبل ، واحدها سِنَّوْر ، وأَنشَد :

* ما بَيْن لَحْيَيْهِ إلى سِنَّوْرِهِ *

قال : والسِّنَّوْر : السيِّد. وقال : السَّنانير : رؤساء كلِّ قبيلة ، الواحد سنَّوْر. وقال : والسِّنَّوْر : الضَّيْوَن ، وجمعُه السَّنانير.

وأَخبرني المنذريُّ عن الصّيداوي عن الرّياشي قال : السِّنَّوْر : أصلُ الذَّنب.

وقال أبو عُبَيد : السَّنَوَّرُ : السِّلاح ، ويقال : هي الدّروع.

أبو منجوف عن أبي عُبيدة : السَّنَوَّرُ : الحديدُ كله.

وقال الأصمعيّ : السَّنَوَّرُ : ما كان من حَلَق ، يريد الدُّروع ، وأَنشَد :

سَهِكِين مِن صَدَإ الحديدِ كأنّهمْ

تحتَ السَّنَوَّرِ جِنَّةُ البَقّارِ

نسر : قال اللّيث : النِّسر : طائر معروف.

والنَّسْران : نَجْمان في السّماء يقال لأحدهما الواقع وللآخر الطائر ، معروفان. والنَّسْرُ : نَتْفُ اللحم بالمنقار ، ومِنقارُ البازِي ونحوِه مَنْسِر ونَسْرُ الحافر لَحمة يشبهه الشعراءُ بالنَّوَى ، وقد أَقْتَمها الحافرُ ، وجمعُه النُّسور.

وقال سَلَمة بن الخُرشُب :

غَدَوْت به تُدافِعُني سبُوحٌ

فَراشُ نُسورِها عَجَم جَرِيرُ

قال أبو سعيد : أراد بفَراش نسورِها حَدَّها ، وفَراشةُ كلّ شيء حَدُّه ، فأراد أن ما يتقشّر من نُسورِها مِثل العَجَم وهو النَّوَى.

قال : والنُّسور : الشَّواخص اللّواتي في بطن الحافر ، شبِّهت بالنّوَى لصلابتها ، وأنها لا تَمَسّ الأرض. ونَسْرِين الوَرْد معروف ، ولا أدري أعربيّ أم لا.

والنّاسور ـ بالسِّن والصاد ـ عِرْقٌ غَبِر ، وهو عرقٌ في باطنِه فَساد ، فكلَّما برأ أعلاه رَجَع غَبِراً فاسِداً ، يقال : أصابَه غَبَرٌ في عِرْقه ، وأنشد :

فهو لا يَبرأُ ما في صَدْرِه

مِثْل ما لا يَبْرأ العِرْقُ الغَبِرْ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : من أسماء العُقاب : النُّسارية ، شُبِّهت بالنَّسْر ، ويجمع النَّسر نُسوراً ، وفي العدو الأقل أنسُراً.

٢٧٥

أبو عُبيد عن أبي عمرو : المَنسِر : ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل.

قال : وقال أبو زيد : المِنْسَر من الخيل : ما بين الثلاثة إلى العَشَرة ، وقد يقال : مَنْسِر ، وأما مِنْسر الطائر وهو مِنقارُه فهو بكسر الميم لا غير ، يقال : نَسَره بِمِنْسِره نَسْراً.

رسن : أبو عُبيد عن الكسائي : رَسَنْتُ الفرسَ وأَرْسنْتُه : جعلت له رسناً.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : يقال : رسنْتُ البِرْذَوْن : إذا شَدَدْتَه ، وأَرْسنْته : جعلتُ له رَسناً. وحزَمْتُ الفَرس : شدَدتُ حِزامَه وأَحزَمْته جعلتُ له حزاماً.

وقال الليث : الرَّسَن : الحَبْل وجمعُه أرسان. قال : والمَرْسَن : الأنف وجمعُه المَراسِنُ.

نرس : في سَواد العراق قريةٌ يقال لها : نَرْسٌ ، ويُحْمل منها الثِّياب النَّرْسيّة.

ونِرْسيان : ضَرْبٌ من التَّمْر أجوده يكون بالكوفة ، وليس واحد منها عربيّاً. وأهل العراق يَضْربون الزبدَ بالنِّرْسيانِ مَثَلاً لما يستطاب.

وفي حديث عثمان : «وأجررت المرسون رَسَنَه».

المرسون : الذي جُعل عليه الرسن. يقال : رسنت الدابة وأرسنته ؛ تريد خلّيته وأهملته يرعى كيف شاء. أخبر عن مسامحته وسماحة أخلاقه ، وتركه التضييق على أصحابه.

أبو حاتم عن الأصمعيّ يقال : ثمرة نرسيانة بكسر النون ؛ والجميع نرسيان.

س ر ف

سفر ، سرف ، فرس ، فسر ، رسف ، رفس.

سرف : قال الله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [الإسراء : ٣٣].

قال المفسرون : معناه : لا يَقتُل غيرَ قاتله ، وإذا قَتلَ غيرَ قاتله فقد أسرَف.

أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : السَّرَف : تجاوز ما حُدَّ لك. والسَّرَف الخطأ ؛ وإخطاءُ الشيء : وضعُه في غير موضعه.

قال : والسَّرَف : الإغفال. والسَّرَف : الجهل.

ورُوي عن عائشةَ أَنها قالت : إن لِلَّحم سَرَفاً كسَرَف الخمر.

أبو عُبيد عن أبي عمرو : يقال : سَرِفْتُ الشيءَ ، أي : أخطأته وأغفَلْتُه.

وقال أبو زياد الكلابيّ في حديث : «أَرَدْتُكُم فَسَرِفْتُكم»، أي : أَخْطَأْتُكم.

وقال جرير يَمْدح بني أميّة :

أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثمانيةٌ

ما في عطائِهمُ مَنٌّ ولا سَرَفُ

٢٧٦

يُرِيدُ أنهم لم يُخطِئُوا في عَطِيَّتِهم ، ولكنهم وضَعوها موضِعَها.

وقال شَمِر : سَرَفُ الماءِ : ما ذهب منه في غير سقْي ولا نفع ، يقال : أرْوَت البئرُ النخيلَ ، وذهبَ بقيَّةُ الماءِ سَرَفاً ؛ وقال الهُذَليّ :

فَكَأَنَّ أَوْساطَ الجَدِيَّةِ وَسَطَها

سَرَفُ الدِّلاءِ من القَلِيبِ الخِضْرِمِ

قال : سَرِفْتُ يَمِينَه ، أي : لم أعرفها.

وقال ساعِدَةَ الهُذَليّ :

حَلِفَ امرىءٍ بَرٍّ سَرِفْتِ يَمينَه

ولكلِّ ما قال النُّفوسُ مُجَرّبُ

يقول : ما أخفَيتُ وما أظهَرْت فإنّه سيظهر عند التّجربة.

وقال سُفيانُ في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) [الفرقان : ٦٧] ، أي : لم يَضَعوه في غير موضعه ، (وَلَمْ يَقْتُرُوا) ، أي : لم يقصِّروا به عن حقّه.

قوله : (وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] : إن الإِسراف أكلُ ما لا يحل أكله ، وقيل : هو مجاوزة القصد في الأكل مما أحله الله.

وقال سفيان : الإسراف : أكل ما أنفِق في غير طاعة الله.

وقال إياس بن معاوية : الإسراف ما قُصِّر به عن حق الله. والسَّرَفُ : ضد القصد.

وقوله تعالى : (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) [غافر : ٣٤] : كافر شاك. والسَّرفُ : الجهلُ. والسرفُ : الإغفال ، أردتكم فسرِفتكم ، أي : أغفلتكم.

وقال شمر : رُوي عن محمّد بن عمرو أنه قال في قول عائشة : «إنّ للّحم سَرَفاً كسرَف الخمر»، أي : ضَراوةً كضَراوة الْخَمر.

قال شَمِر : لم أَسمَع أحداً ذَهَب بالسَّرَف إلى الضَّراوة ، وكيف يكون ذلك تفسيراً له وهو ضدّه ، والضَّراوة للشيء : كثرةُ الاعتياد له ، والسّرَف بالشيء : الجهلُ به إلا أَن تصير الضَّراوة نفسُها سَرَفاً ، أي : اعتيادُه وكثرةُ شِرائه سَرَف.

وفي حديث ابن عمرَ أنه قال لرجل : إذا أَتيتَ مِنًى ، فانتهيتَ إلى موضِع كذا فإن هناك سَرْحةً لم تُجْرَد ولم تُسْرَف ، سُرَّ تحتَها سبعون نبياً فانزل تحتها.

قال أبو عُبيد : قال اليزيديّ : لم تُسرَف يَعنِي لم تُصِبْها السُّرْفة ، وهي دُوَيْبَة صغيرةٌ تَثقُب الشجر وتَبنِي فيها بيتاً. قال : وهي التي يُضْرَب بها المَثَل فيقال : أصنَع من سُرْفَة.

وقال ابن السكيت : السَّرْفُ ـ ساكنُ الراء ـ : مصدرُ سُرِفت الشّجرة تُسرَف سَرْفاً : إذا وقعتْ فيها السُّرْفة.

أبو عُبيد : السَّرِف : الجاهل.

وقال طَرَفة :

٢٧٧

إنَّ امرأً سَرِفَ الفُؤادِ يَرَى

عَسَلاً بماءِ سَحابةٍ شَتْمِي

والأُسْرُفُ : الآنكُ ، فارسيَّة معرّبة.

وقال ابن الأعرابيّ : أَسرَف الرجلُ : إذا جاوَزَ الحد ، وأسرَف إذا أخطأَ ، وأسرَف : إذا غَفَل.

سفر : قال الله جل وعز : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)) [عبس : ١٥ ، ١٦].

قال المفسِّرون : السَّفَرَة : الكَتَبَة ، يعني الملائكةَ الذين يَكتُبون أعمالَ بني آدَم ، واحدُها سَافِر ، مثل كاتِب وكَتَبة.

قال أبو إسحاق : واعتباره بقوله : (كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)) [الانفطار : ١١ ، ١٢] ، وإنما قيل للكتاب سِفْر وللكاتب سَافِر ، لأنَّ معناه أن يبيِّن الشيءَ ويوضِحه ، ومنه يقال : أسْفَرَ الصبحُ : إذا أضاءَ إضاءةً لا يُشكّ فيه.

ومنه قولُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أَسْفِرُوا بالفَجْر فإنه أعظَم للأجر» يقول : صلُّوا صلاةَ الفجر بعد ما يتبيَّن الفجرُ ويَظهَر ظهوراً لا ارتيابَ فيه ، فكلُّ من نَظَر إليه عَلِم أنه الفجر الصادق ، ومن هذا يقال : سفَرَت المرأةُ عن وجهها : إذا كشفتْ النِّقابَ عن وجهها تَسفِر سفُوراً ، ومنه يقال : سفَرْتُ بين القومِ أسفِر سفَارَةً : إذا أصلحتَ بينهم وكشفتَ ما في قَلْب هذا وقلبِ هذا لتُصلح بينهم. والسَّفِير : المُصلِح بين الناس ، قاله أبو عُبَيد.

قال : وقال الأصمعيّ : السَّفير : الرسولُ المُصلِح.

وقال ابن الأعرابيّ : السفَر : إسفارُ الفجر.

وقال الأخطل :

إنِّي أبِيتُ وهَمُّ المرء يَصْحَبُهُ

من أوّل اللَّيل حتى يُفْرِجَ السفَرُ

يريد الصُّبْح ، يقول : أبِيتُ أسري إلى انفِجار الصّبح.

وفي حديث حذيفة ـ وذكر قوم لوط ـ : أو تُتُبِّعت أسفارهم بالحجارة، يعني المسافر منهم يقول : رُمُوا بالحجارة حيث كانوا فألحقوا بأهل المدينة.

يقال : سافر وسفْر ، ثم أسَافِر جمع الجمع.

وسئل أحمدُ بنُ حنبل عن الإِسفار بالفجر فقال : هو أن يَضِحَ الفجرُ حتى لا يُشَكّ فيه، ونحو ذلك قال إسحاق ، وهو قولُ الشافعيّ وذوِيه.

وقال الله جلّ وعزّ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨)) [عبس : ٣٨].

قال الفرَّاء : أي : مشرِقة مضيئة ، وقد أسفرَ الصبحُ وأسفَر الوجه.

قال : وإذا ألقَت المرأةُ نِقَابها قيل : سفَرتْ فهي سافِرٌ بغيرِ هاء. والسُّفْرة : التي يُؤكَل

٢٧٨

عليها ، سُمّيتْ سفْرة لأنها تُبسط إذا أُكل عليها.

وفي الحديث : أن عمَر دخل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله بيتَه فقال : «لو أمرتَ بهذا البيت فسفِر».

قال أبو عُبَيد : قال الأصمعيّ : قوله : فسفِر ، أي : كُنِس ، يقال : سفَرْتُ البيتَ وغيرَه : إذا كنستَه ، فأنا أسفِره سفراً ، ويقال للمِكنسة : المِسفَرة. ومنه قيل لِما سقَط من وَرَق العُشْب : سفِير ، لأنّ الريح تَسفِره.

وقال ذو الرّمّة :

وحائل من سَفِير الحَوْل جائِلُهُ

حَوْلَ الجَراثِين في ألوانِ شَهَبٌ

يعني الورق تغيّر لونُه فحالَ وابيَضّ بعد ما كانَ أخضَرَ.

ويقال : سَفَرَت الرِّيحُ الغَيْمَ عن وجهِ السماء : إذا كَشَطَتْه عنه ، وأنْشَدَ :

* سَفْرَ الشَّمَالُ الزِّبْرِجَ المُزَبْرَجَا*

حدثنا السعدي عن أحمد بن مصعب عن وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة قال : قال عمر : صلاة المغرب في الفجاج مُسفرة.

قال أبو منصور : معنى قوله : أي بيّنة مبصَرة لا تخفى. وفي الحديث : صلاة المغرب يقال لها : صلاة البصر ؛ لأنها تؤدى قبل ظلمة الليل الحائلة بين الإبصار والشخوص.

والسَّفَرُ : سفران : سفرُ الصبح ، وسفَرُ المساء.

أبو نصر عن الأصمعي : كَثُرَتْ السافِرَةُ بموضع كذا ، يعني المُسافِرين. قال : والسَّفْر : جمعُ سافِر وسفْر أيضاً. ورجلٌ مِسْفَر : إذا كان قويّاً على السَّفر ، والأنثى مِسْفَرة.

قلت : وسمّي المسافر مسافراً لكشفِه قِناعَ الكِنِّ عن وجهه ومنازل الحضر عن مكانه ومنزل الخفض عن نفسه ، وبرُوزِه إلى الأرض الفضاء. وسُمِّيَ السَّفَر سفَراً لأنه يُسْفِر عن وجوه المسافرين وأخلاقِهِمْ فيَظْهِر ما كان خافياً منها. ويقال لبقيّةِ بياضِ النهار بعد مَغيب الشمس : سَفَرٌ لِوُضوحه ومنه قولُ الساجع : إذا طَلَعَتِ الشِّعْرَى سفَراً لها ، لم تَرَ فيها مَطَراً. أراد طلوعَها عِشاء. ويقال : سافَر الرجلُ إذا مات ؛ وأنْشَد :

زَعَمَ ابْنُ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرٍو

أنَّهُ يوماً مُسافِرْ

وقال الأصمعيّ وأبو زيد : السفارُ : سفارُ البَعير ، وهي الحديدةُ التي يُخطم بها البعير.

قال أبو زيد : وأَسفَرْتُ البَعيرَ إسفَاراً.

ورَوَى أبو عُبَيد عن الأصمعي : سفَرْت البعيرَ بالسفار بغير أَلف.

وقال الليث : السفارُ : حَبْلٌ يُشَدُّ طرفُه

٢٧٩

عَلَى خِطام البعير فيُدار عليه ويُجْعَل بقيَّته زِماماً ، وربما كان السفارُ من حديد ، وجمعُه الأسفِرَة ، وأمّا قولُ الله جلَّ وعز : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥] ، فإن الزّجّاج قال : الأسفارُ : الكتب الكبار ، واحدها سفْر ، أعلَمَ اللهُ أنَّ اليَهودَ مَثَلُهم في تركهم استِعمالَ التوراة وما فيها كَمَثَلِ الحمار يُحْمَلُ عليه الكُتُب وهو لا يَعرِف ما فيها ولا يَعِيها. وواحدُ الأسفار : سفْرٌ ، يقال : السفر مقدَّم رأسِه من الشَّعْر : إذا صار أَجْلَح. وانسفَرَتْ الإبل : إذا ذَهَبَتْ في الأرْض. وفرسٌ سافِرُ اللَّحْمِ : أي قَلِيلُهُ. وقال ابنُ مُقْبِل :

لا سافِرُ اللَّحمِ مَدْخُولٌ ولا هَيجٌ

كاسِي العِظامِ لطيفُ الكَشْحِ مَهْضُومُ

عمرو عن أبيه قال : المُسفَّرَة : كُبَّة الغَزْل.

ورُوِي عن سعيد بنِ المُسَيِّب أنه قال : لولا أصواتُ السافِرة لسمعتم وَجْبَة الشَّمس.

قال : والسافرة : أمّةٌ من الرُّوم ـ جاء متَّصلاً بالحديث ـ ووجبةُ الشمس : وُقوعُها إذا غَرَبَتْ.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ قال : السفْسير : الفَيْجُ ، والتّابع ونحوه.

وقال غيرُه في قول أَوْس :

* مِن الفَصافِصِ بالنُّمِّيّ سفْسيرُ*

إنّه يعني السمسارَ.

قلت : وهو معرّب عنده. وقال شمر : هو القيّمُ بالأمر الْمُصلِح له ، وأنكر أن يَكونَ بيّاعَ القَتّ. ويقال للثور الوحشيّ : مسافر ونابىء وناشط وقال :

كأنها بعد ما خفّتْ ثَمِيلَتُهَا

مسافرٌ أَشْعَثُ الرَّوْقَيْنِ مَكْحُولُ

والسفَرُ : الأثر يبقى عَلَى جِلد الإنسان وغيرِه ، وجمعه سفور. قال أبو وجزَة :

لقد ماحت عليك مؤبَّدَاتٌ

يلوح لهنَّ أندابٌ سفُورُ

قال ابن عرفة : سُمِّيت الملائكة سُفَرةٌ لأنهم يَسفِرون بين الله وبين أنبيائه. قال أبو بكر : سمُّوا سفرةً لأنهم ينزلون بوحي الله وتأديته ، وما يقع به الصلاح بين الناس ، فشُبِّهوا بالسفير الذي يصلح بين الرجلين فيصلح شأنهما.

فرس : سلَمة عن الفراء قال : الفِرسة : الحَدْبة ، والفَرْصَة : رِيحُ الحَدَب.

والمَفْزُورُ والمَفْرُوس : الأحدَب.

وقال الأصمعي : فَرَس السَّبُعُ الدابّة فَرْساً : إذا دَقّ عُنُقُه.

وقال : الأصل في الفَرْس : دَقُّ العُنُق ، ثم جُعِل كلُّ قَتْل فَرْساً.

يقال : ثورٌ فَرِيس ، وبقرةٌ فَريس ، ويقال للرجل إذا ذَبح فنَخع : قد فَرس. وقد كُرِه الفَرْسُ في الذَّبيحة. رواه أبو عُبيد بإسنادٍ له عن عُمر.

٢٨٠