تهذيب اللغة - ج ١٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٥

إليه ، وهو قولُ أهلِ السنّة والجماعة.

والدّليل على صحّة ما قالوا : أن الله جلّ وعزّ ذكر تصويرَه الخَلْق في الأرحام قبل نَفْخ الرُّوح ، وكانوا قبلَ أَنْ صوَّرهم نُطَفاً ، ثم عَلقَاً ، ثم مُضَغاً ، ثم صوّرَهم تصويراً.

فأمّا البَعْث فإنّ الله جلّ وعزّ يُنشِئهم كيف شاء ، ومن ادّعى أنه يصوِّرُهم ثم ينفخ فيهم فعليه البَيَان ، ونَعوذ بالله من الخِذْلان.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصَّوْرةُ : النَّخْلة ، والصَّوْرةُ : الحِكَّة انتغاشِ الحَطى في الرأس.

وقالت امرأةٌ من العرب لابنة لها : هي تَشْفِيني من الصَّوْرة ، وتستُرني من الغَوْرَة ، وهي الشّمس. والصِّوارانِ صِماغَا الفَمِ ، والعامّة تُسمِّيهما الصَّوَّارَيْن ، وهما الصّامغانِ أيضاً.

صير : وروي عن النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «مَن اطَّلع من صِيرِ بابٍ فقد دَمَرَ»، قال أبو عُبيد : تفسيره في الحديث : إن الصِّير : الشّقُّ.

وفي حديثٍ آخَر يَروِيه سالمٌ عن أبيه : أنه مَرّ به رجُل معه صِيرٌ فذاقَ منه.

قال : وتفسيرُه في الحديث أنه الصَّحْناء.

وقال أبو عُبيد : الصِّيرة : الحَظِيرة للغنم ، وجمعُها صِيَر ، قال الأَخْطَل :

واذكرْ غُدانَةَ عِدّاناً مُزَنَّمةً

من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولَها الصِّيَرُ

قال : ويقال : أنا على صيرِ أمرٍ ، أي : على طَرَف منه ، قال زُهَير :

وقد كنتُ من سَلْمَى سنينَ ثمانياً

على صِير أَمَرٍ ما يمرُّ وما يَحْلُو

وقال اللّيث : صِيرُ كُلَ أمرٍ مَصيرُه.

والصَّيْرُورة مصدرُ صارَ يصيرُ.

قال : وصارةُ الْجبَل : رأسُه.

وقال شمر : قال ابن شميل : الصِّيرةُ على رأس القَارة مثلُ الأمَرَة ، غير أنّها طوَيْت طَيّاً ، والأَمَرَةُ أطوَلُ منها وأعظَم ، وهما مطويّتان جميعاً ، فالأَمَرَة مُصَعْلكَة طَوِيلة ، والصِّيرة مستديرةٌ عريضة ذاتُ أَرْكان ، وربّما حُفِرَتْ فوجد فيها الذّهب والفضّة ، وهي من صَنْعة عادٍ وإرَم. والصَّيِّرُ : الجماعة ، وقال طُفَيْل الغَنَويُّ :

أَمسى مُقيماً بذي العَوْصاءِ صَيِّرُهُ

بالبئر غادره الأحياءُ وابتَكَرُوا

وقال أبو عَمْرو : صَيِّرُه : قَبْرُه ، يقال : هذا صَيِّرُ فلان ، أي : قبرُه ، وقال عروة بن الوَرْد :

أحاديثُ تَبقَى والفتَى غيْر خالدٍ

إذ هوَ أمسى هامةً فوقَ صَيِّرِ

وقال أبو عَمْرو : بالهُزَر ـ وهو موضع ـ ألفُ صَيِّر ، يعني قُبوراً من قُبورِ أهل الجاهلية ذكَره أبو ذؤيب فقال :

١٦١

* كانتْ كَلْيَلةِ أَهلِ الهَزَرْ*

أبو عُبيد عن أبي زيد : تصيَّرَ فلانٌ أباه وتقيَّضَه : إذا نَزَع إليه في الشَّبه. قال : ويقال : ما لَه صَيُّور ، مثال فَيْعُول ، أي : ما لَه عَقْل ونحو ذلك.

قال ابن الأعرابي : وقال أبو سَعِيد : صَيُّور الأمرِ : ما صَار إليه.

وقال أبو العَمَيْثَل : صارَ الرجلُ يَصيرُ : إذا حَضَرَ الماء فهو صائر ، والصائِرة : الحاضِرة ، وقال الأعشى :

بما قَدْ تَرَبَّعَ رَوْضَ القَطا

ورَوْضَ التَّناضُبِ حتى تَصِيرَ

أي : حتّى تحضر الماء ، ويقال : جمعتهم صائرةُ القَيظ.

وقال أبو الهيثم : الصَّيْرُ : رُجُوع المنتجِعين إلى مَحاضِرِهم ، يقال : أين الصائرة ، أي أين الحاضرة. والصِّيارُ : صَوْت الصَّنْجِ وأنشَد :

كأنّ تَراطُنَ الهاجاتِ فِيها

قُبَيْلَ الصُّبْح رَنّاتُ الصِّيَارِ

يريدُ : رَنِين الصَّنْجِ بأوْتاره.

ويقال : صِرْت إلى مَصِيري وإلى صِيرِي وصَيُّوري. وصَيرُ الأَمْرِ : مُنْتَهاه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال للمنزل الطيّب مَصِيرٌ ومِرَبٌّ ومَقْمَرٌ ومَحْضَر ، يقال : أين مصيرُكم؟ أي : أين منزلُكم.

والصائر : المُلَوِّي أعناقَ الرِّجال.

وصر : قال اللّيث : الوَصَرَّةُ معرّبة ، وهي الصَّكّ ، وهي الأَوْصَر ، وأنشَد :

وما اتَّخذْتُ صَراماً للمُكُوثِ بها

وما انْتَقَيْتُك إلا للوَصَرّاتِ

ورُوِي عن شُريح : أنّ رجلين احتَكَما إليه ، فقال أحدهما : إنّ هذا اشتَرى منّي داراً وقَبضَ منّي وِصْرَها ، فلا هُو يُعطيني الثمن ولا هُوَ يُردّ عَلَى الوِصْر.

قال القتيبي : الوِصْرُ : كتاب الشّراء ، والأصلُ إصْرٌ سمِّي إصْراً لأنّ الإصْرَ العَهْدُ ، ويسمَّى كتابَ الشُّروط ، وكتابَ العُهودِ والمَواثِيق ، وجمع الوِصْر أَوْصار ، وقال عَدِيّ بنُ زَيْد :

فأيُّكُمْ لَم يَنله عُرْف نائِله

دَثْراً سَواماً وفي الأَريافِ أوصارَا

أي : أقطعَكم فكتب لكم السجلّات في الأَرياف.

وقال أبو زيد : أخذت عليه إصْراً ، وأخذتُ منه إصْراً ، أي : مَوثقاً من الله.

وقال الله جلّ وعزّ : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) [البقرة : ٢٨٦] ، الآية.

وقال الفراء : الإصْر : العَهْد ، وكذلك في قوله : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) [آل عمران : ٨١] ، قال : والإصْرُ ههنا إثم العَقْد والعَهْد إذا ضَيّعوه كما شُدّد على بني إسرائيل.

١٦٢

وروَى السُّديّ عن أبي الهزهار عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) : قال : عهداً تعذِّبنا بترْكِه ونَقْضه.

وقوله : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) قال : ميثاقِي وعَهْدِي.

وقال أبو إسحاق : كُلّ عَقْد من قرابة أو عَهْد فهو إصْر. وتقول : ما تأصيرُني على فلان آصرة ، أي : ما تعطفني عليه مِنّة ولا قرابة. وقال الحُطَيْئة :

عَطَفوا عليّ بِغير آ

صِرَة فقد عَظُم الأوَاصِرْ

أي : عَطَفُوا عليَّ بغير عَهْدٍ أو قرابة.

أبو عبيد عن الأموي : أَصَرْتُ الشيءَ آصِرُه أصْراً : كسَرْتُه. والمآصِرُ يقال : هو مأخوذٌ من آصِرَة العَهْد ، إنما هو عقْدٌ ليُحبَس به. ويقال للشيء الذي تُعقَد به الأشياءُ : الإصار من هذا.

وقال الزجاج : المعنى : لا تَحْمل علينا إصْراً يثْقُلُ علينا كما حملته على الذين من قَبْلنا نحوَ ما أمِر به بنو إسرائيل من قَتْل أنفسِهم ، أي : لا تَمتحِنّا بما يثقُل علينا أيضاً.

وقال الليث : المأْصِرُ : حَبْلٌ يُمدُّ على نَهْر أو طريقٍ تُحبَس السُّفُن والسابلة لتؤخذ منهم العُشور. وكلأٌ آصِرٌ : يَحبِس من يَنتهي إليه لكثرته.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الإصارُ : الطُّنُبُ وجمعُه أُصُرٌ. والأيْصَر : الْحَشيش المجتمِع ، وجمعُه أياصر.

وقال الأصمعيّ : الإصار : وَتِدٌ قَصِير ، وجمعُه أُصُر.

وقال الليث : الأيْصَر : حُبَيْل قَصير يُشَدّ في أسفل الخِباء إلى وَتِد ، وفيه لغةٌ : أَصارٌ.

أبو عبيد عن الأحمر : هو جارِي مُكاسِري ومُؤاصِرِي ، أي : كِسْر بيتِه إلى جَنْب كِسْر بَيتي ، وإصارُ بيتي إلى جَنْب إصَارِ بيتِه ، وهو الطُّنُب.

وقال الكسائيُّ : أصَرَني الشيءُ يَأْصِرني ، أي : حَبَسني.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الإصْرانِ : ثَقْبَا الأُذَنين ، وأَنشَد :

إنّ الأُحَيمِرَ حين أرجُو رِفْدَه

غَمْراً لأَقطَعُ سيّىءُ الإصْرانِ

قال : والأقطع الأصمّ والإصْران : جمعُ إصْرٍ.

وفي حديث ابن عُمر : «مَن حَلَف على يمينٍ فيها إصرُ فلا كفّارَة لها»، يقال : إنّ الإصْرَ أنْ تَحلِف بطَلاقٍ أو عِتْق أو نَذْرٍ.

وأَصْلُ الإصْر الثِّقْلُ والشدَّة ، لأنَّها أثقَل الأيْمان وأَضْيَقُها مَخْرَجاً. والعَهْدُ يقال له : إصْرٌ.

ورص : سَلَمة عن الفرّاء : وَرَّصَ الشَّيخُ

١٦٣

وأَوْرَصَ : إذا استرخَى حِتارُ خَوْرانِه فَأَبْدى. وامرأةٌ مِيراصٌ : تُحدِث إذا أُتِيَتْ.

رصى : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : رصَاه : إِذا أَحْكمه.

قال : وراصَ الرجُل : إذا عَقَل بعد رُعُونة ، ورساه : إذا نَوَاه للصَّوْم.

باب الضاد واللّام من المعتل

ص ل (وا يء)

صلى ، صول ، وصل ، لصا ، لوص ، (ألاص ، يليص).

وصل : قال الليث : كلُّ شيءٍ اتّصل بشيء ، فما بينهما وُصْلَة. وموْصِل البعير : ما بين العَجُز وفخِذِه ، وقال أبو النّجم :

تَرَى يَبِيس الماءِ دُونَ المَوْصلِ

منه بعَجْزٍ كصفَاة الجَيْحل

وقال المتنخّل :

ليس لمَيْتٍ بوَصيلٍ وقد

عُلِّق فيه طَرَفُ المَوْصلِ

يقول : باتَ الميّت فلا يُواصلُه الحيّ ، وقد عُلّق في الحيّ السّبب الذي يُوصّله إلى ما وصل إليه الميّت ، وأنشد ابن الأعرابي :

إنْ وصلتَ الكتابَ صِرْتَ إلى الله

ومَن يُلْفَ واصلاً فهو مُودي

قال أبو العباس : يعني لَوْح المقَابر يُنقَر ويُترَك فيه موضعٌ بَياضاً فإذا مات إنسان وُصل ذلك الموضع باسمه. ويقال : هذا وَصيلُ هذا ، أي : مِثْله. والوَصائل : بُرودُ اليَمَن ، الواحدة وصيلة.

وفي الحديث : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن الواصلة والمستوصلة»، قال أبو عُبيد : هذا في الشَّعر ، وذلك أن تصل المرأة شَعْرَها بشعرٍ آخَر.

ورُوِي في حديثٍ آخَر : «أيُّما امرأةٍ وصلت شعَرها بشعرٍ آخَر كان زُوراً».

قال : وقد رَخصَت الفُقهاءُ في القَرَامِل ، وكلُّ شيء وُصِل به الشَّعر ما لم يكن الوَصل شعراً لا بأس به.

وقال الله جلّ وعزّ : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ) [المائدة : ١٠٣] ، قال المفسّرون : الوصيلةُ : كانت في الشّاء خاصّة ، كانت الشاةُ إذا وَلَدتْ أنثى فهي لهم ، وإن ولَدَتْ ذكراً جعلوه لآلهتهم ، وإذا ولدتْ ذكراً وأنثى قالوا : وصلَتْ أخاها ، فلم يَذبحوا الذَّكَر لآلهتهم.

قالوا : والوصيلة : هي الأرض الوَاسِعة كأنها وُصلَت بأُخرى ، يقال : قطَعْنَا وصيلةً بعيدةً.

ورُوِي عن ابن مسعود أنه قال : إذا كنتَ في الوصيلة فأَعْطِ راحِلَتَك حَظَّها.

لَم يُرد بالوصيلة هنا الأرضَ البعيدة ، ولكنه أراد

١٦٤

أرضاً مُكْلِئة تتّصل بأخرى ذات كلأ ، وفي الأولى يقول لَبيد :

ولقد قَطَعت وصيلةً مجرُودةً

يَبكِي الصَّدَى فيها لشَجْوِ البُومِ

وقال الله جلّ وعزّ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) [النساء : ٩٠] ، والمعنى : اقتلوهم ولا تتّخذوا منهم أولياءَ إلّا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق واعتَزوْا إليهم ، وهو من قول الأعشى :

إذا اتَّصلتْ قالت أَبَكْرَ بن وائلٍ

وَبَكْرٌ سَبَتها والأُنُوفُ رَوَاغِمُ

أي : إذا انتَسَبتْ.

أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ) أي : يَنتسبون.

قلتُ : والاتّصالُ أيضاً : الاعتزاءُ المَنهي عنه إذا قال : يال فلان. والوِصلُ بكَسر الواو كلُّ عَظْمٍ على حدةٍ لا يُكسَر ولا يُوصل به غيره ، وهي الكِسْر والجَدْل ، وجمعُه أوْصال وجُدول ، ويقال : وصل فلانٌ رَحمه يصلُها صلةً. ووصل الشيءَ بالشيء يَصلُه وصلاً. ووصل كتابُه إليّ وَبرُّه يَصل وُصولاً ، وهذا غيرُ واقع.

وواصَلْتُ الصيامَ بالصيام : إذا لم تُفْطر أياماً تباعاً. وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الوصال.

وتوصّلتُ إلى فلان بُوصلَةٍ وسببٍ تَوصُّلاً : إذا تسبَّبْتَ إليه بحُرمة. ومَوصل كُورَةٌ معروفة.

صول : قال أبو زيد : صالَ الجملُ يصُول صيالاً وصُوالاً ، وهو جَمَلٌ صَوْلٌ وجمالٌ صَوْلٌ لا يُثنَى ولا يُجمع لأَنه نعتٌ بالمَصدر.

قال أبو زيد : يقال : صَؤُلَ البعيرُ يصؤُل صآلةً ، وهو جملٌ صَؤُلٌ ، وهو الّذي يأكل راعِيه ويواثِبُ الناس فيأكلهم قال : والصَّؤول من الرّجال : الذي يضرب الناسَ ويتطاول عليهم.

قلت : الأَصل فيه تركُ الهَمْز ، وكأنه هُمِز لانضمام الواو ، وقد همزَ بعضُ القرَّاء : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) [النساء : ١٣٥] ، لانضمام الواو.

أبو العباس عن ابن الأَعرابي قال : المِصْولة : المِكْنَسة التي يُكنَس بها نواحي البَيْدَر.

صلى : روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : «إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليُجب ، فإن كان مُفْطراً ، فلْيَطْعم ، وإن كان صائماً فليُصلّ».

قال أبو عبيد : قولُه : «فليُصلّ» يعني فليَدْعُ لهم بالبَرَكة والخير ، وكلُّ داعٍ فهو مصلٍ ومنه قولُ الأعشى :

عليكِ مِثلَ الذي صلَّيْتِ فاغتمِضي

نَوماً فإنَّ لجَنْب المرء مُضْطجعا

١٦٥

وأما حديثُ ابن أبي أوْفَى أنه قال : أعطاني أبي صدقة ماله فأتيتُ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : «اللهم صلّ على آل أبي أوْفَى» فإنّ هذه الصلاةَ عندي الرحمةُ ، ومنه قولُه جلَّ وعزَّ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] ، فالصلاة من الملائكة دعاءٌ واستغفار ، ومن الله سبحانه رحمة. ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديثُ الزُّهْريِّ عن محمد بن عبد الرحمن بن نَوفَل عن سَوْدة أنها قالت : يا رَسول الله إذا مُتْنا صلَّى لنا عُثمان بنُ مَظْعون حتى تأتيَنا ، فقال لها : «إن الموت أشدُّ مما تقدِّرين».

قال شمر : قولها : «صَلى لنا» ، أي : استغْفَرَ لنا عند رَبّه ، وكان عثمانُ ماتَ حينَ قالت سَوْدَةُ ذلك. وأمَّا قولُ الله جلَّ وعزَّ : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٥٧] ، فمعنى الصلوات ههنا : الثناء عليهم من الله ، وقال الشاعر :

صلَّى على يَحيَى وأشياعِه

رَبٌّ كريمٌ وشفيعٌ مُطاعْ

معناه : ترحّم الله عليه على الدّعاء لا على الخبر.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصلاة من الله رحمة ، ومن المخلوقين ـ الملائِكة والإنس والجنِّ ـ القِيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ. والصلاةُ من الطّير والهَوام التسبيح.

قال أبو العباس في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤٣] ، فيصلّي يَرحَم ، وملائكتُه تدعو للمسلمين والمسلمات.

قال : وقولُ الأعشى :

* وصَلّى على دَنِّها وارتَسَمْ*

قال : دعا لها ألا تَحمَض ولا تَفسُد.

وقال الزجاج : الأصلُ في الصلاة اللّزوم ، يقال : قد صلِيَ واصطَلَى : إذا لزم ، ومن هذا : من يُصْلَى في النَّار ، أي : يُلزَم النارَ.

وقال أهلُ اللغة في الصلاة : إنها من الصلَوَيْن ، وهما مُكتَنِفا الذَّنَب من الناقة وغيرها ، وأوّلُ مَوْصِلِ الفَخِذين من الإنسان فكأنَّهما في الحقيقة مكتنفا العُصْعُص.

قال : والقولُ عندي هو الأول ، إنما الصلاة لُزوم ما فَرَض الله ، والصلاةُ من أعظَم الفَرْض الذي أُمِرَ بلزومه. وأما المُصلِّي الذي يَلي السابقَ فهو مأخوذٌ من الصلَوَيْن لا مَحالَة ، وهما مكتَنِفا ذَنب الفرس ، فكأنه يأتي ورأسُه مع ذلك المكان.

وفي حديثٍ آخر : «إنّ للشيطان مَصالِيَ وفُخُوخاً»، والمصالِي شبيهةٌ بالشَّرَك

١٦٦

تنصب للطير وغيرِها.

قال ذلك أبو عُبَيد : يعني ما يَصيدُ به الناسَ من الآفات التي يستفِزُّهم بها من زِينة الدّنيا وشَهواتها.

وفي حديثٍ آخَر : «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةٍ».

قال أبو عُبَيد : قال الكسائيّ : المَصْلِيّة المشوِيّة ، يقال : صَلَيتُ اللحمَ وغيرَه : إذا شَوَيْتَه ، فأنا أَصْلِيه صَلْياً : إذا فعلتَ ذلك وأنت تريد أن تشويَه ، فإذا أردتَ أنّك تُلقِيه فيها إلقاءً كأنّك تريد الإحراقَ قلت : أصليتُه ـ بالألف ـ إصلاءً ، وكذلك صلَّيته أُصَلِّيه تَصْلِيَة.

قال الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) [النساء : ٢٩].

ويُروَى عن عليّ أنه قرأ : (ويُصَلَّى سعيراً) [الانشقاق : ١٢].

وكان الكسائيّ يقرأُ به ، فهذا ليس من الشيء ، إنما هو من إلقائك إياه فيها.

وقال أبو زُبيد :

فَقَدْ تصلّيت حَرّ حَرْبهمُ

كما تَصَلَّى المقرورُ مِنْ قَرَسِ

ويقال : قد صَلِيت بالأمر أَصلَى به : إذا قاسَيْت شدّتَه وتَعَبه. وَصلَيْتُ لِفُلان بالتخفيف ، وذلك إذا عمِلتَ له في أمرٍ تريد أن تَمْحَلَ به ، وتُوقِعَه في هَلَكة ، والأصل في هذا من المَصالِي وهي الشَّرَك تُنْصَب للطَّير.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : صَلَّيت العَصا تَصلِيةً : إذا أدرْتها على النَّار لتقوِّمها ، وأنشد :

* وَمَا صَلّى عَصاكَ كمستَديم*

ويقال : أَصْلَتِ الناقةُ فهي مُصْليَةٌ : إذا وقع ولَدُها في صَلَاها وقَرُبَ نتَاجُها.

وفي حديث عليّ أنه قال : «سبقَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم ، وصلَّى أبو بكر ، وثَلَّث عُمَر ، وحَبَطَتْنا فِتنةٌ فما شاء الله».

قال أبو عُبَيد : وأصلُ هذا في الخيل ، فالسابقُ الأوَّلُ ، والمصلِّي الثاني ، قيل له : مُصَلٍ لأنه يكون عند صَلَا الأوّل ، وصَلَاه : جانِبا ذَنَبِه عن يمينه وشِماله ، ثم يتلوه الثالث.

قال أبو عُبَيد : ولم أسمعْ في سوابق الخيل ممن يُوثَقُ بِعِلمِه اسماً لشيء منها إلا الثاني ، والسُّكَيْت ، وما سِوَى ذَيْنِك إنما يقال الثالث والرابع ، وكذلك إلى التاسع.

قال أبو بكر : قال أبو العبَّاس : المصلِّي في كلام العرب : السابقُ : المتقدِّم.

قال : وهو مُشَبَّهٌ بالمصلِّي من الخيل ، وهو السابقُ الثاني ، ويقال للسابق الأوّل : المُجَلِّي ، وللثاني : المصلِّي ، وللثالث : المُسَلِّي ، وللرابع : التَّالي ، وللخامس :

١٦٧

المُرْتاح ، وللسادس : العاطِفِ ، وللسابع : الحَظِيّ ، وللثامن : المؤمَّل ، وللتاسع : اللَّطيم ، وللعاشر : السُكَيْت ، وهو آخر السُّبَّق.

وقال ابن السكِّيت : الصِّلاء اسمٌ للوَقود ، وهو الصَّلا : إذا كَسَرْتَ الصادَ مَدَدْتَ ، وإذا فَتحتَها قَصَرْتَ ، قاله الفرّاء.

وقال اللَّيث : الصِّلِّيَان : نَبْت ، قال بعضُهم : هو على تقدير فِعِّلَان.

وقال بعضُهم : فِعْلِيان ؛ فمن قال فِعليان قال : هذه أرضٌ مَصْلاةٌ ، وهو نَبتٌ له سَبْطة عظيمة كأنّها رأس القَصَبة ، إذا خَرجَت أذنابُها تَجِدُ بِهَا الإبلُ ، والعربُ تسمِّيه خُبزَة الإبل.

وقال غيرُه : من أمثال العرب في اليمين إذا أَقدَم عليها الرجلُ ليَقْتَطِع بها مالَ الرجلِ : جَذَّها جَذَّ العيْرِ الصِّلِّيَانَة ، وذلك أن لها جِعْثِنةً في الأرض ، فإذا كَدَمَها العَيْرُ اقتَلَعها بجِعْثِنَتها.

شَمر عن أبي عمرو : الصَّلَايَةُ : كلُّ حَجَر عريضٍ يُدَقّ عليه عِطْرٌ أو هَبِيد ، يقال : صَلاءةٌ وصَلاية.

وقال ابن شُميل : الصَّلَاية : سَرِيحة خَشِنةٌ غليظةٌ من القُفّ.

وقال أبو العبَّاس في قول الله تعالى : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) [الحج : ٤٠] ، قال : الصلوات : كنائسُ اليهود ، قال : وأصلُها بالعِبْرانيّة صَلُوتا ، ونحو ذلك.

قال الزجَّاج : وقُرِئَت : (وصُلُواتٌ ومَساجد) [الحج : ٤٠]. قال : وقيل : إنها مواضعُ صلوات الصابِئِين.

لوص : قال أبو تُراب : يقال : لاصَ عن الأمر ونَاص : بمعنى حادَ.

وقال أبو سعيد اللِّحياني : أَلَصْتُ أنْ آخُذَ منه شيئاً أُلِيصُ إلاصَةً ، وأَنَصْتُ أُنِيصُ إِنَاصَةً ، أي : أَرَدْتُ.

أبُو عُبَيْد : الإلاصةُ مِثْلُ العِلاصة ، إدارَتك الإنسانَ على الشّيء تطلُبُه منه ، يقال : ما زلتُ أُلِيصُه على كذا وكذا.

وقال عُمر لعثمان : هي الكلمة التي أَلَاصَ النبِيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها عمَّه عند الموت : شهادة أن لا إله إلّا الله.

اللَّيْثِ : اللَّوْص من الملاوَصة ، وهو في النَّظَر كأَنه يَخْتِل لِيَرُوم أَمْراً. والإنسانُ يُلَاوِصُ الشجرةَ إذا أراد قَلْعَهَا بالفأس ، فَتَراه يُلَاوِصُ في نظرِه يَمْنَةً ويَسْرَةً كيف يَضْرِبُهَا.

ثعلب عن ابن الأعْرَابيِّ : يقال للفالُوذ : المُلَوَّصُ وَالمُزَعْزَعُ وَالمُزَعْفَرُ ، وهو اللَّمْص. قال : ولوَّص الرجلُ : إذا أَكلَ اللَّواص ، وهو العَسَل الصافي.

أصل : قال اللّيث : الأصلُ : أسفلُ كلِّ شيء ، ويقال : اسْتَأصَلَتْ هذه الشجرةُ ، أي : ثَبَتَ أَصلُها ، واسْتَأصَلَ الله بني

١٦٨

فلان ، أي : لم يَدَعْ لهم أصْلاً. ويقال : إنَّ النَّخلَ بِأَرْضِنا لأَصِيل ، أي : هوَ به لا يزال ولا يَفْنَى. وفلانٌ أَصِيلُ الرَّأيِ ، وقد أَصُلَ رأيُه أصالةً ، وإنه لأَصيلُ الرَّأي والعَقْل. والأصيل : هو العَشِيّ. وهو الأُصُل.

ابن السِّكِّيت : يقال : لقيتُه أُصَيْلالاً وأُصَيْلَاناً : إذا لقيتَه بالعشيّ. ولقِيتُه مُؤْصِلاً. وجمعُ أَصيل العشيِّ : آصالٌ.

وقال اللَّيث : الأصيل : الهَلاك ، وقال أَوْس :

خافُوا الأَصيلَ وقد أَعْيَتْ مُلُوكَهُمُ

وحُمِّلُوا مِن ذَوِي غَوْمٍ بأَثْقَالِ

والأَصِيلُ : الأصْل. ورَجُلٌ أَصِيلٌ : له أَصْل.

ابن السّكِّيت : جاءُوا بِأَصِيلَتِهِمْ ، أي : بِأَجْمَعِهِمْ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أخذتُ الشيءَ بِأَصَلَتِه : إذا لم تَدَعْ منه شيئاً.

ويقال : أَصِلَ فُلانٌ يَفعَل كذا وكذا ، كقولك : عَلِقَ وطَفِقَ.

وقال شَمر : الأَصَلَة : حيَّةٌ مِثْلُ رِئة الشاة لها رِجْلٌ وَاحِدَةٌ ، وقيل : هي مِثْلُ الرَّحَى مستديرةٌ حَمْراءُ لا تَمَسّ شجرةً ولا عُوداً إلا سَمَّتْه ، ليست بالشديدةِ الْحُمْرَة ، لها قائمة تَخُطُّ بها في الأرض ، وتَطْحَن طَحْنَ الرَّحَى.

لصا : قال اللّيث : يقال : لَصَى فلانٌ فلاناً يَلْصُوه ويَلْصُو إليه : إذا انْضمّ إليه لِريبة ، ويَلْصِي أعربهُما ، وأَنشد :

* عَفٌّ فلَا لاصٍ ولا مَلْصِيُ *

أي : لا يُلْصَى إليه.

وقال غيرُه : اللَّصْوُ والقَفْوُ : القَذْفُ للإنسان برِيبة يَنسبُه إليها ؛ يقال : لَصاه يَلْصُوه ويَلْصِيه : إذا قَذَفه.

وقال أبو عُبَيد : يُروَى عن امرأة من العَرَب أنّه قيل لها : إنّ فلاناً قد هَجاكِ ، فقالت : ما قَفَا ولا لَصَا ؛ تقول : لم يَقْذِفْني. قال : وقولها لَصَا مثل قَفَا ؛ يقال منه : رجلٌ قافٍ لاصٍ ؛ وأَنشدَ :

إِنِّي امرؤٌ عن جارتي غنيُ

عَفٌّ فلا لاصٍ ولا مَلْصِيُ

يقول : لا قاذِف ولا مقْذوفُ.

باب الصاد والنون

ص ن (وا ىء)

صون ، صين ، صنا ، نوص ، نصا ، نصأ ، وصن ، نيص.

صون : قال الليث : الصَّوْنُ : أَنْ تَقِيَ شيئاً ممّا يُفسِده. والصِّوانُ : الشيءُ الذي تَصون به ، أو فيه ، شيئاً أو ثوباً.

والفَرَسُ يَصُون عَدْوَه وجَريَه : إذا اذّخر منه ذخيرة لحاجته إليه. والحُرُّ يَصُون عِرْضَه كما يَصُون الإنسان ثوبَه.

١٦٩

وقال لَبيد :

* يُراوِح بين صَوْنٍ وابتذالِ*

أي : يَصُون جَرْيَه مرة فيُبقِي منه ويبتَذِلُه مرّة فيجتهدُ فيه.

أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ : الصَّوّان : الحِجارة الصُّلْبة ، واحدتُها صَوّانة.

قلتُ : والصَّوّانُ : حَجَر صُلْبٌ إذا مَسّتْه النار فَقَّع تفقيعاً وتَشقَّق ، وربّما كان قَدَّاحاً تُقْتَدَح منه النار ، ولا يَصلح للنُّورة ولا للرِّضاف.

وقال النابغة :

بَرَى وَقَعُ الصَّوّان حَدّ نُسُورها

فهنّ لِطافٌ كالصِّعاد الذَّوابلِ

أبو عُبَيد : الصَّائن من الخَيل : القائمُ على طَرفِ حافرِه من الحَفا.

وقال النابغة :

وما حاوَلْتُما بقِيادِ خَيْلٍ

يَصُون الوَرْدُ فيها والكُمَيْتُ

وأمَّا الصائِم فهو القائم على قَوائمِه الأَربعِ من غير حَفا.

ويقال : صنتُ الشيءَ أَصُونه ، ولا تَقُل أَصَنْتُه وهو مَصُون ، ولا تَقُل مُصانٌ.

وقال الشافعيّ : بِذْلةُ كلامِنا صَوْن غَيرِنا.

صنا : رُوِيَ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيه».

قال أبو عُبَيد : معناه : أن أصلَهما واحد.

قال : وأصلُ الصِّنْو إنما هو في النَّخْل.

ورَوَى أبو إسحاق عن البَراء بن عازب في قول الله جلّ وعزّ : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) [الرعد : ٤] ، قال : الصِّنْوان : المجتمعُ ، وغير الصِّنْوان المتفرِّق.

وقال الفرّاء : الصِّنْوانُ : النَّخَلاتُ أصلُهُنّ واحد.

وقال شَمِر : يقال : فلانٌ صِنْوُ فلانٍ ، أي : أخوه ، ولا يُسمَّى صِنْواً حتى يكون معه آخَرُ ، فهما حينئذ صِنْوان ، وكلُّ واحدٍ منهما صِنْوُ صاحبِه.

قال : والصِّنْوان : النَّخْلَتان والثلاثُ والخَمسُ والستّ ، أصلُهنّ واحد وفروعُهُنّ شتَّى. وغيرُ صِنْوانٍ : الفارِدة.

وقال أبو زيد : هاتان نَخْلتان صِنْوان ، ونَخِيل صِنْوانٌ وأَصْنَاءٌ.

ويقال للاثنين : قِنْوان وصِنْوان ، وللجماعة قِنْوانٌ وصِنْوانٌ.

أبو عُبَيد عن الفرّاء : أخذْتُ الشيءَ بصنايَته وسِنايَته ، أي : أخذْتُه بجميعه.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الصِّناء : الرَّماد ، يُمَدّ ويُقْصَر.

ويقال : تَصنَّى فلانٌ : إذا قَعَدَ عند القِدْر من شَرَهِه يُكَيِّب ويَشْوِي حتى يصيبَه الصِّناء.

شمر عن أبي عمرو : الصُّنَيُ : شِعْبٌ صغيرٌ يسيلُ فيه الماءُ بين جَبَلين.

١٧٠

وقالت ليْلَى الأخيليّة :

أنابِغَ لم تَنْبُغ ولم تَكُ أوّلاً

وكنتَ صُنَيّاً بين صُدَّيْن مَجْهلا

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الصَّاني : اللازم للخِدْمة. والناصي : المُعَرْبِد. قال : والصَّنْوُ : الغَوْرُ الخَسِيس بين الجَبَلَين.

قال : والصَّنْوُ : الماءُ القليل بين الجَبَلين.

والصَّنْوُ : الحجر يكون بين الجبلين ، وجمعُها كلُّها صُنُوٌ.

سَلَمة عن الفرّاء قال : الأصْناءُ : الأمْثال.

والأصْناءُ : السابقون.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الصِّنْوَة : الفَسِيلة. ابن بُزُرْج : يقال للحَفَرِ المعطَّلِ صِنْوٌ ، وجمعُه صِنْوان. ويقال : إذا احتَفَر : قد اصْطَنَى ، وهو الاصطِناء.

نصا : وفي الحديث : «أنَّ بنت أبي سَلَمة تَسَلَّبتْ على حمزة ثلاثةَ أيام ، فدعاها رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمَرَها أن تَنصَّى وتَكتَحِل».

قولُه : «أمَرَها أن تَنَصَّى» ، أي : تُسرِّح شعرَها ، ويقال : تَنَصَّت المرأةُ : إذا رَجَّلَتْ شعرَها.

وفي حديث عائشةَ حين سُئلتْ عن الميّت يُسرَّح رأسُه؟ فقالت : علامَ تنْصون ميِّتَكم.

قولُها : تَنْصُون : مأخوذٌ من النَّاصية ، يقال : نَصوْتُ الرجلَ أنصُوه نصْواً : إذا مددْتَ ناصِيَتَه : فأرادت عائشةُ أنَّ الميّتَ لا يَحتاج إلى تسريح الرأس ، وذلك بمنزلة الأخْذ بالنَّاصية.

وقال أبو النَّجم :

إنْ يُمْسِ رأسِي أشمَطَ العنَاصِي

كأنما فَرَّقَه مُناصِي

ويقال : نَاصيْتُه : إذا جاذَبْتَه ، فأخَذَ كلُّ واحد منكما بناصية صاحِبه ، وقال عمرو بن مَعدِيكرب :

أعبّاسُ لو كانت شَيَاراً جِيادُنَا

بتَثليثَ ما ناصَيْتَ بعدِي الأحَامِسا

وقال اللّيث : الناصية : هي قُصاصُ الشّعَر في مقدَّم الرأس ، وقال الفرّاء في قول الله جل وعز : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق : ١٦] ، ناصيتُه مُقدَّمُ رأسه ، أي : لنَهْصُرَنَّها ، لَنأخذنّ بها ، أي : لنقيمنّه ولنُذِلّنّه.

قلتُ : والناصية عند العَرب : مَنبِتُ الشعر في مقدَّم الرأس ، لا الشّعر الّذي تسمّيه العامّة الناصية ، وسُمِّي الشعرُ ناصيةً لنَباتِه في ذلك الموضع. وقد قيل في قوله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ، أي : لنُسَوِّدَنَّ وجهه فَكَفَت النَّاصيَةُ لأنّها من الوجه والدّليل على ذلك قول الشاعر :

وكنتُ إذا نَفْسُ الغَوِيِّ نَزَتْ به

سَفَعْتُ عَلَى العِرْنِين منه بِمِيسَمِ

ولغة طَيِء في الناصيَة : النّاصَاةُ حكاه أبو عُبَيد وأنشد فقال :

لقد آذَنَتْ أَهْلَ اليمَامةِ طَيِءٌ

بحربٍ كنَاصَاةِ الحِصان المُشَهَّرِ

١٧١

وقال ابن السكّيت : النَّصِيّةُ : البقيّة ، وأنشد :

تجرَّدَ من نَصيَّتِها نَوَاجٍ

كما يَنْجُو من البَقَرِ الرَّعِيلُ

وفي الحديث : أنّ وَفْدَ همْدانَ قَدِموا عَلَى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : نحن نصيَّةٌ من هَمْدانَ.

قال الفرّاء : الأَنْصَاءُ : السابقون. قال القتيبي : نصية قومهم ، أي : خيارهم.

والنصِّية : الخيارُ الأَشراف. ونواصِي القومِ : أشرافُهم ، وأما السّفِلةُ فهم الأَذْناب.

الحزّاز عن ابن الأعرابيّ : إني لأجد في بَطْني نَصْواً ووَخْزاً ، والنّصْوُ مِثلُ المَفْس ، سُمِّي نَصْواً لأنّه يَنْصُوك ، أي : يُزعِجك عن القَرار.

وقال الفرَّاء : وجدتُ في بطني حَصْواً ونَصْواً وقَبْصاً بمعنًى واحد. ويقال : هذه الفَلاة تُناصِي أرضَ كذا وتُواصِيها ، أي : تتّصل بها. والنَّصِيُ : نبتٌ معروف ، يقال له : نَصِيُ ما دام رَطْباً ، فإذا يَبِسَ فهو حَلِيّ. وقال الليث : هذه مفازة تناصي مفازة أخرى إذا كانت متصلة بالأولى.

[نصأ] : أبو زيد في كتاب «الهمز» : نَصأْتُ الناقةَ أَنصَؤها نَصْأ : إذا زَجَرْتَها.

أبو زيد عن الأصمعيّ : نَصَأْتُ الشيء : رَفَعْتُه نَصْأً.

نوص : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : النَّوْصَةُ : الغَسْلَة بالماء أو غيره.

قلت : الأصلُ المَوْصَةُ فقُلِبت الميم نوناً.

قال ابن الأعرابيّ : والنَّيْصُ : الحركة الضعيفة. اللّحيانيّ عن أبي عَمْرو : ما يَنُوص فلانٌ لحاجتي وما يَقْدِر على أن يَنُوص ، أي : يتحرَّك لشيء.

أبو سعيد : انتاصَتْ الشمسُ انتياصاً : إذا غابت.

وقال الله جلَّ وعزَّ : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣].

قال الفرَّاء : ليس بحين فرار. النَّوْصُ : التأخُّر في كلام العرب.

قال : والبَوْصُ : التقدُّم ؛ ويقال : بصْتُه ، وأنشد قول امرئ القيس :

أمِن ذكر سَلمى إنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ

فتقصر عنها خطوَةً وَتَبُوص

فمناص : مَفعل مثل مَقام.

وقال الليث : المناص : المَنْجَا.

قال : والنَّوْصُ : الحِمَار الوحشي لا يزال نائِصاً رافعاً رأسه يتردَّد كأنه نافرٌ جامح.

والفرس يَنُوص ويَسْتنيصُ ، وذلك عند الكَبْح والتّحريك.

وقال حارثة بن بَدْر :

غَمْرُ الجِراء إذا قصرتُ عِنانه

بِيَدِي استناص ورامَ جَرْيَ المَسْحَلِ

وصن : أبو العباس عن ابن الأعرابي :

١٧٢

الوَصْنَة : الخِرْقة الصّغيرة. والصَّوْنَةُ : العَتيدة. والصِّنْوة : الفَسِيلة.

نيص : قال اللّيث : النَّيْص من أسماء القُنْفُد الضَّخْم.

قلت : لم أسمعه لغيره.

صين : والصِّين : بلدٌ معروفٌ ، إليه يُنْسَبُ الدّارصِينيّ.

باب الصاد والفاء

ص ف (وا ىء)

صوف ، صيف ، صفا ، وصف ، فيص ، فصا ، أصف.

صوف : قال اللّيث : الصُّوفُ للضَّأن وما أشْبَهَه. ويقالُ : كَبْشٌ صافٌ ، ونَعْجَةٌ صائِفَة.

أبو عُبَيْد عن الكسائيّ : كَبْشٌ أَصْوَفُ وصَوِفٌ ـ مِثالُ فَعِل ـ وصائفٌ وصافٌ ، كلُّ هذا أن يكون كثيرَ الصُّوف. وأخبرَني المنْذِرِيُّ عن أبي الهَيْثم ، يقال : كبشٌ صائِفٌ وصافٌ ، كما يقال : جُرُفٌ هَائرٌ وهارٍ على القَلْب. وقال اللَّيث : كبشٌ صُوفانِيٌ أو نَعْجَةٌ صُوفانَةٌ. ويقال لواحدة الصُّوف : صُوفَة ، وتصغَّر صُوَيْفَة.

أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ : من أمثالهم في المال يَملِكه من لا يَستأهِله : خَرْقَاءُ وَجدتْ صُوفاً ، يُضرَبُ للأحمَق يُصِيبُ مالاً فَيضعه في غير موضِعه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الصُّوفَانَةُ : بقلة معروفة.

وقال اللّيث : هي بَقْلَةٌ زَغْبَاءُ قصيرةٌ.

قال : وتسمَّى زَغَبَاتُ القَفَا : صوفةُ القفَا.

قال : وصُوفة : اسمُ حَيٍّ من بني تميم ، وكانوا يُجِيزون الحاجّ في الجاهليَّةِ مِنْ مِنًى ، فيكُونون أَوَّلَ ، مَنْ يَدْفَعُ ، يقال : أَجِيزِي صُوفَة ، فإذا أَجَازَتْ قيلَ : أَجِيزِي خِنْدِفٌ ، فإذا أجازتْ أُذِنَ للناسِ كلِّهِمْ في الإجازةِ وهي الإفاضةُ ، وفيهم يقولُ أَوْس بن مَغْرَاء :

* حتَّى يُقالَ أَجِيزُوا آلَ صُوفانَا*

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : خُذْ بصوفةِ قَفاه ، وبصوفِ قَفاه ، وبِقَرْدَنِهِ وبِكَرْدنِه.

وقال أبو زيد : يقال : أخذَه بصُوفِ رقَبتِه وبطوفِ رقبته ، بمعنًى واحد ، يريدُ بشعرِ رقبته.

وصف : في حديث أبي ذَرّ أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «كيف أنتَ وموتٌ يصيبُ الناسَ حتى يكون البَيتُ بالوَصيف».

قال شمِر : معناه : أن الموت يَكثُر حتى يصيرَ موضعُ قبرٍ يُشتَرى بعَبْدٍ من كثرة الموت مِثل المُوتَان الذي وقع بالبصرة وغيرِها.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أَوْصفَ الوَصيفُ : إذا تَمّ قَدُّهُ ، وأوصفتِ الجاريةُ ، ووَصِيفٌ ووُصفاء ، ووَصِيفةٌ

١٧٣

ووصائف.

وقال الليث : الوَصفُ : وصفُك الشيءَ بحليتهِ ونَعْتِه.

قال : ويقال للمُهْر إذا تَوجَّه لشيءٍ من حُسن السِّيرَة : قد وَصَف ، معناه : أنه قد وَصَف المشي ؛ يقال : هذا مُهر حين وَصف.

وفي حديث الحَسَن أنّه كَرِه المواصفة في البيع.

قال شَمِر : قال أحمد بنُ حنبل : إذا باع شيئاً عنده على الصِّفة لزِمَه البيع. وقال إسحاق كما قال.

قلتُ : وهذا بَيْعُ الصِّفة المضمونة بلا أَجَل بمنزِلة السَّلَم ، وهو قول الشافعيّ ، وأهلُ الكوفة لا يجيزون السَّلَم إذا لم يكن إلى أجَلٍ معلوم.

صفا : الليث : الصَّفْوُ : نَقِيضُ الكَدَر ، وصَفْوَةُ كلِّ شيء : خالصُه مِن صَفْوة المال وصَفْوَة الإخاء.

أبو عُبَيد عن الكسائيّ : هو صِفْوة الماء ، وصَفْوةُ الماء ، وكذلك المالُ ، وهو صَفوةُ الإهالة لا غَيرُ.

وقال الليث : الصفاءُ : مُصافاةُ المودّةِ والإخاء. والصَّفْو أيضاً : مصدر الشيء الصافي.

قال : وإذا أَخَذَ صَفْوَ ماءٍ من غَديرٍ ، قال : استصفَيتُ صَفْوةً.

والاصطفاء : الاختيارُ ، افتعالٌ من الصفْوَة ، ومنه النبي المُصطَفى ، والأنبياء المُصطَفَوْن ، وهم من المُصطَفَيْن : إذا اختِيروا ، وهم المُصطَفُون : إذا اختاروا ، هذا بضَمِّ الفاء.

وصفِيّ الإنسان : أخوه الذي يُصافيه الإخاء. وناقة صَفِيٌ : كثيرة اللبن. ونخلةٌ صَفِيٌ : كثيرةُ الحَمل ، والجميعُ الصفايا.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : النَّاقة الصفيُ : الغَزِيرة.

وقال أبو عمرو مِثله.

وقال : صَفْوَتْ وصَفَتْ.

وقال الكسائي : صَفَوَتْ.

وقال أبو عُبَيد : الصَّفِيُ من الغنيمة : ما اختاره الرئيسُ قَبل القسمة من فَرَس أو سَيْف أو جارية ، وجمعُه صفَايَا ، وأنشد :

* لك المِرْبَاعُ فيها والصَّفايَا*

واستصفَيْتُ الشيء : إذا اسْتَخلَصته. ومن قرأ : (فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عليها صَوَافِيَ) [الحج : ٣٦] ، بالياء ، فتفسيره : أنها خالصة لله ؛ يُذْهَبُ بها إلى جمع صافية ، ومنه قيل للضياعِ التي يَستخلصها السّلطان لخاصَّته : الصَّوافي.

ويقال : أصفَيْتُ فلاناً بكذا وكذا ، أي : آثَرْتُه به.

أبو عُبَيْد عن الأصمعي : الصفوَاء والصفْوَانُ والصفَا ـ مقصورٌ ـ كلُّه واحد.

١٧٤

وأنشد :

* كما زَلَّتْ الصفْوَاءُ بالمتنزَّلِ*

الحرَّاني عن ابن السكيت قال : الصَّفَا : العريضُ من الحجارة ، الأمْلس ، جمع صفَاة ، يُكتب بالألف ، وإذا ثنِّي قيل صَفَوان ، وهو الصفْواءُ أيضاً ، ومنه الصفَا والمَرْوَة : وهما جبلان بين بَطْحَاء مكَّة والمسجد. وبالْبحرَين نهر يتخلَّجُ من عَيْنِ محلِّم يقال له : الصَّفَا ، مقصور.

أبو عبيد عن الكسائي : أصْفَتْ الدَّجاجة إصفَاءً : إذا انقطع بَيْضها. وأَصْفَى الشاعرُ : إذا لم يَقُل شعراً.

وقال ابن الأعرابي : أَصفَى الرجل : إذا أنفد النساءُ ماءَ صُلْبِهِ. واصطفيت الشيء ، أي : اخترته. والمصفاة : الراووق.

وصفّيت الشراب.

فيص : قال الليث : يقال : قبضْتُ عَلَى ذَنَب الضَّبّ فأَفاصَ من يدي حتى خلص ذنَبُه ، وهو حين تنفرج أصابعك عن مقبِض ذنبه ، ومنه التَّفَاوُصُ.

وقال أبو الهيثم : يقال : قبضْتُ عليه فلم يَفِصْ ولم يَنْزُو لَمْ يَنُصْ بمعنى واحد.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الفَيْصُ : بيانُ الكلام.

وفي حديث النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما يُفيصُ بها لسانُه»، أي : ما يُبين. وفلانٌ ذو إفاصةٍ : إذا تكلم ، أي : ذو بيان.

وقال الليث : الفَيْصُ من المُفَاوصة ، وبعضهم يقول : مُفايصة.

فصى : في حديث قَيْلَةَ بنت مَخْرَمة أن جُوَيْرِيةً من بنات أختها حُدَيْبَاء قالت حين انتَفَجَتِ الأرنبُ وهما يسيران الفَصية.

قال أبو عُبَيد : تفاءلت بانتفاج الأرنب ، وأرادت أنها خرجتْ مِن الضِّيق إلى السَّعة.

ومن هذا حديث آخر عن النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر القرآن فقال : «لَهُوَ أَشَدُّ تفصِّياً من قلوب الرجَال من النعَم من عُقُلها»، أي : أشدُّ تَفَلُّتاً. وأصل التفصِّي أن يكون الشيءُ في مضيق ، ثم يخرج إلى غيره.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أفْصَى : إذا تَخَلص من خير أو شر ، وأفْصَى عنك الحرُّ أو البرد : إذا انسلخ.

وقال ابن السكيت : يقال : أفْصَى عنا الحر : إذا خرج ولا يكون أَفْصى عنّا البرد.

وقال الليث : كل شيء لازِقٍ فخلَّصته.

قلت : قد انْفَصَى. واللّحْمُ المتهرِّىء يَنْفَصِي عن العظم ، والإنسَانُ يَتَفَصَّى من البليّة.

وقال أبو الهيْثم : من أمثالهم في الرّجل يكون في غمّ فيخرج منه قولهم : أفْصَى عنَّا الشتاء. وأفْصَى : اسمُ أبي ثَقِيف ، واسم أبي عبد القيس.

١٧٥

صيف : قال الليث : الصيْفُ : رُبْعٌ من أرباع السنة ، وعند العامة نصفُ السَّنة.

قلتُ : الصيْفُ عند العرب : الفَصل الذي يُسمِّيه عوامُّ الناس بالعِراق وخُراسان : الرَّبيع ، وهي ثلاثةُ أشهر ، والفَصلُ الذي يليه : القَيْظُ ، وفيه تكون حَمراء القَيْظ ، ثم بعده فصل الخَريف ، ثم بعده فصلُ الشتَاء. والكَلأُ الذي ينبت في الصيف : صَيْفيّ ، وكذلك المطر الذي يقع فيه صَيِّف وصيْفيّ.

وقال ابن كُناسة : واعلم أن السنة أربعةُ أزمنة عند العرب : الربيع الأول ، وهو الذي يسميه الفرس الخريف ، ثم الشتاء ثم الصيف ، وهو الربيع الآخر ، ثم القيظ ، فهذه أربعة أزمنة.

وسُمِّيت غزوَة الروم : الصائفة ، لأن سُنَّتَهُم أن يُغْزَوْا صيفاً ويُقفل عنهم قبل الشِّتاء.

ويقال : صافَ القومُ : إذا أقاموا بالصيف في موضع فهم صائفون. وأصافوا فهم يُصيفون : إذا دخلوا في زمان الصيف.

وأَشْتَوْا : إذا دخلوا في الشتاء.

ويقال : صُيِّف القوم ورُبِعُوا : إذا أصابهم مطر الصيف والربيع ، وقد صِفْنا ورُبِعْنَا ، وكان في الأصل صُيِفْنَا فاستُثقلت الضمة مع الياء فحذِفت الياء وكُسرت الصاد لتدل عليها.

ابن السكيت : أصافَ الرجل فهو مُصيف : إذا وُلِد له بعد ما يُسِنّ ، وولدُه صَيْفِيُّون.

وصاف فلانٌ ببلَدٍ يصيف : إذا أقام به في الصيف. وصاف السَّهْم عن الغرض يصيف ، وضاف يَضِيف : إذا عدل عنه.

وقال أبو زُبيد :

كلَّ يومٍ تَرْميه منها برَشْقٍ

فَمُصيفٌ أو صافَ غير بعيدِ

أبو عبيد : استأجرته مُصايفة ومُرابعة ومشاتَاة ومُخَارفة : من الصيف والرَّبيع والشِّتاء والخريف.

ومن أمثالهم : الصيف ضيَّعَت اللبن : إذا فَرّط في أمره في وقته.

ومن أمثالهم في إتمام قضاءِ الحاجة : تمامُ الرَّبيع الصيفُ ، وأصله في المطر ، فالربيعُ أوّله ، والصيفُ الذي بعده ، فيقول الحاجة بكمالها ، كما أنَّ الربيع لا يكون تمامُه إلَّا بالصيف.

أصف : قال الليث : الأصَفُ : لغةٌ في اللَّصَف.

قال أبو عُبَيد : قال الفرّاء : هو اللَّصَف ، وهو شيء يَنبُت في أَصْل الكَبَر ؛ ولم يَعرف الأَصَف.

وقال الليث : آصف : كاتبُ سليمانَ الّذي دعا الله جلَّ وعزَّ باسمه الأعظم ، فرأَى

١٧٦

سليمانُ العرشَ (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ)، والله أعلم.

باب الصاد والبّاء

ص ب (وا يء)

صيب ، صأب ، صبا ، بوص ، وصب ، وبص ، أبص ، بصا.

صيب : ثعلب عن ابن الأعرابي : صابَ : إذا أَصابَ. وصابَ : إذا انصَبّ ؛ وقال الله جلّ وعزّ : (أَوْ كَصَيِّبٍ) [البقرة : ١٩].

قال الزَّجاج : الصيِّبُ في اللغة : المطر : وكلُّ نازلٍ من عُلْوٍ إلى استِفالٍ فقد صابَ يَصُوبُ ، وأنشد :

كأنهُم صابَتْ عليهمْ سحابةٌ

صَواعقُها لطَيْرِهِنَّ ذَبِيبُ

وقال الليث : الصَّوْبُ : المَطَرُ. والصيِّب : سحاب ذو صَوْب. وصابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا ، وصابَ السهمُ نحو الرَّمِيَّة يَصُوب صَيْبُوبَةً : إذا قَصَدَ ، وإنه لسهمٌ صائِبٌ ، أي : قاصِدٌ. والصوابُ : نقيضُ الخطأ. والتصوّبُ : حَدْبٌ في حُدُور.

وصَوّبتُ الإناءَ ورأسَ الخشبةِ تصويباً : إذا خَفَضْتَه.

وكُرِه تصويب الرأس في الصَّلاة.

والعرَبُ تقول للسائر في فَلاةٍ تُقطَع بالحَدْس إذا زَاغَ عن القَصْد : أقِمْ صَوْبَك ، أي : قَصْدَك.

وفلانٌ مستقيم الصَّوْب : إذا لم يَزِغْ عن قَصْده يميناً وشِمالاً في مَسيره.

وقال الأصمعيّ : يقال : أصاب فلانٌ الصواب فأَخطأَ الجواب ؛ معناه : أنه قَصَد قَصْد الصواب ، وأَرادَه فأَخطأَ مُرادَه ولم يُصِب.

وقال غيره في قوله تعالى : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) [ص : ٣٦] ، أي : حيث أراد أنه يصيب.

ويقال : صابَ السهمُ الرمِيّة يَصوبها وأَصابها : إذا قَصدها.

وقال الزَّجَّاج : أجمعَ النحويّون على أن حَكَوْا مصائب في جمع مُصيبة بالهمز ، وأَجمعوا على أنّ الاختيارَ مصاوِب ؛ ومصائب عندهم بالهمز من الشاذّ.

قال : وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة ، كما قالوا وِسادة وإسادَة.

قال : وزعم الأخفشُ أنّ مَصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو ، لأنها أُعِلّت في مُصيبة.

قال الزّجّاج : وهذا رديء ، لأنه يُلزم أن يقالَ في مَقام : مَقائم ، وفي مَعونة : مَعَائن.

وقال أحمدُ بنُ يحيى : مُصيبة كانت في الأصل مُصْوِبَة ، ومثلُه (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، أصلُه أَقْوِموا ، فألقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرتْ ، وقلَبُوا الواوَ ياءً لكسرة القاف.

١٧٧

وقال الفرّاء : يُجْمَع الفُواق أَفْيِقَة ، والأصل أفْوِقَة.

وقال ابن بَزُرج : تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم ، أي : على طبقاتهم ومَنازلهم.

وقال ابن السكّيت : في عَقْل فلان صابةٌ ، أي : كأنه مجنون.

ويقال للمجنون : مُصاب. والصُّوبة : الكُثْبة من تُرابٍ أو غيره.

أبو عُبَيد : فلانٌ من صُيَّابةِ قومِه ، أي : من مُصَاصِهم وأخلَصِهم نَسَباً.

وقال غيره : من صُوَّابة قومِه مثله.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : الصَّابُ والسَّلَع ضَرْبان من الشَّجر مُرّان.

وقال الليث : الصابُ : عُصارةُ شجر مُرٍّ.

ابن الأعرابي : المِصْوَبُ : المِغْرفَة.

صأب : أبو عُبَيد عن الفرّاء ، وثعلب عن ابن الأعرابي : صَئِبَ من الماء : إذا كَثُر شُرْبُه. وزاد ابن الأعرابيّ : صَئِمَ بمعناه ، وكذلك قَئبَ وذَئِجَ.

وقال اللِّحياني : صَئِب وصَئِمَ : إذا رَوِي وامتلأَ ، وكذلك زَئِمَ.

أبو عُبَيدة : الصِّئبان : ما يتحبَّبُ من الْجَليد كاللّؤلؤ الصِّغار ، وأنشد :

فأَضحَى وصِئبانُ الصَّقيع كأنّه

جُمانٌ بضاحِي مَتْنِه يتحدَّرُ

وقال اللّيث : الصُؤَابة : واحدةُ الصِّئْبان وهي بَيْضة القَمْل والبُرغُوت.

وصب : قال اللّيث : الوَصَبُ : المَرَض ، وتكسيرُه والجميعُ الأوْصاب.

ورجلٌ وَصِبٌ ، وقد وَصِبَ يَوْصَب وَصَباً ، وأصابه وصيب : أي وجع.

قال : والوُصوبُ : دَيْمُومَةُ الشيء.

قال الله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [النحل : ٥٢].

قال أبو إسحاق : قيل في معناه : دائماً ، أي : إنَّ طاعته دائمةٌ واجبة أبداً.

قال : ويجوز ـ والله أعلم ـ أن يكون (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي : له الدينُ والطاعة ، رَضِيَ العبدُ بما يُؤمَر به أو لم يَرْضَ به ، سَهُل عليه أو لم يَسْهلُ ؛ فله الدِّينُ وإن كان فيه الوَصَب.

والوَصَبُ : شدّة التَّعَب.

وقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) [الصافات : ٩] ، أي : دائم ، وقيل : مُوجِع.

ويقال : واظَبَ على الشَيء وواصَبَ عليه : إذا ثابَرَ عليه.

وبص : الليث وغيرُه : الوَبيصُ : البَريق ، وقد وَبَص الشيءُ يبِيصُ وَبِيصاً ، وإن فلاناً لوَابِصَةُ سَمْعٍ : إذا كان يَسْمع كلاماً فيعتمد عليه ويظنّه ولمَّا يكن على ثقة ، يقال : هو وابصةُ سَمعٍ بفلان ، ووابصةُ سمع بهذا الأمر.

١٧٨

وفي الحديث : «رأيتُ وبِيص الطِّيب في مَفارِق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مُحرِم»، أي : بَرِيقَه. وأَوْبَصَت النارُ عند القَدْح : إذا ظَهَرتْ. وأوبصَت الأرضُ : أوّل ما يَظْهر من نَباتها. ورجلٌ وبّاص : بَرّاق اللَّون.

وقال الفراء : في أسماء الشهور : وَبْصان شهر ربيع الآخَر.

وقال ابن الأعرابيّ : الوَبِيصة والوابِصةُ : النار.

عَمْرو عن أبيه : هو القَمَر ، والوَبّاص.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : وقع القومُ في حَيْص بَيْصَ ، أي : في اختلاطٍ من أمرٍ لا مَخرَجَ لهم منه.

قال : وقال الكسائيّ : وقَع في حِيْصَ بِيصَ ، بكسر الحاء والباء.

وقال غيره : وقع حَيْصَ بَيْصَ.

وقال ابن الأعرابي : البَيْصُ : الضِّيق والشّدّة.

صبا : قال الله جلّ وعزّ مخبِراً عن يوسفَ : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) [يوسف : ٣٣].

قال أبو الهيثم فيما أخبَرَني المنذريُّ عنه ، يقال : صَبَا فلانٌ إلى فلانَة ، وَصَبَا لها يَصْبُو صَباً ـ مَنْقوصٌ ، وصَبْوَةً ـ : أي : مالَ إليها.

قال : وصَبَا يَصْبُو فهو صَابٍ وصَبِيٌ ، مثل قادِر وقَدِير.

قال : وقال بعضُهم : إذا قالوا صَبِيٌ فهو بمعنى فَعُول ، وهو الكثير الإتيان للصِّبَا.

قال : وهذا خطأ ، لو كان كذلك لقالوا : صَبُوٌّ ، كما قالوا : دَعُوٌّ وسَمُوٌّ ولَهُوٌّ في ذوات الواو ، وأمّا البَكِيُ فهو بمعنى فَعُول ، أي : كثيرُ البكاء ، لأن أصله بَكُويٌ.

وأَنْشَدَ :

* وإنّما يَأتي الصِّبَا الصَّبِيُ *

وقال الليث : الصَّبْوَةُ : جَهْلةُ الفُتُوة واللهو من الغَزَل ، ومنه التّصابي والصِّبا.

قال : والصِّبْوة : جمعُ الصَّبِي ، والصِّبْيةُ لغة ، والمصدر الصِّبا. يقال : رأيتُه في صِباه ، أي : في صِغَرِه.

وقال غيرُه : يقال : رأيتُه في صَبائه ، أي : في صِغَره. وامرأة مُصْبٍ بلا هاء : معها صَبِيّ.

قال : وإذا أَغمَد الرجلُ سيفَه مقلوباً قيل : قد صَابَى سيفَه يُصَابِيه.

قال : والصَّبِيُ من السّيف : ما دُون الظَّبَة قَليلاً. والصَّبِيُ من القَدَم ما بين حِمَارَتِها إلى الأصابع.

وقال شمر : الصَّبِيّان : مُلتقَى اللَّحيين الأسفَلين.

وقال أبو زيد : الصَّبِيَان : ما دَقّ من أسافل اللَّحْيين.

١٧٩

قال : والرَّأْدانِ : هما أعلى اللَّحيين عند الماضِغَين ، ويقال : الرُّؤْدانِ أيضاً.

والصَّبا : ريحٌ معروفةٌ تُقابِل الدَّبور ، وقد صَبَت الريحُ تَصْبو. ويقال : صَابَى البعيرُ مَشافِرَه : إذا قَلَبها عند الشُّرب.

وقال ابنُ مقبل يذكر إبلاً :

يُصابِينَها وهي مَثْنِيّةٌ

كثَنْيِ السُّبوتِ حُذِينَ المِثَالا

وقال أبو زيد : صابَيْنا عن الحَمْض ، أي : عَدَلْنا. ويقال : صَابَى رُمْحَه : إذا حَدَر سنانَه إلى الأرض للطعن.

وقال النابغة الجعديّ :

مُصَابَين خِرْصَانَ الرماحِ كأنّنا

لأعدائنا نُكْبٌ إذا الطَّعْنُ أفْقَرا

ويقال : أصْبَى فلانُ عِرْسَ فلانٍ : إذا استمالَها.

وقال ابن شميل : يقال للجارية صَبِيَّة وصَبِيٌ ، وصَبَايَا للجماعة ، والصِّبْيَان : الغِلْمان.

وقال أبو زيد : صَبَأَ الرجلُ في دينه يَصْبَأْ صُبُوءاً : إذا كان صابئاً.

وقال أبو إسحاق في قوله : (وَالصَّابِئِينَ) [البقرة : ٦٢] ، معناه الخارِجِين من دين إلى دين ، يقال : صبَأَ فلانٌ يَصْبَأَ : إذا خرجَ من دِينه.

قال : وصَبَأَتِ النجوم : إذا ظَهرتْ ، وصَبَأ نابُه : إذا خرجَ ، يَصْبَأُ صُبُوءاً.

قال الليث : الصَّابِئُونَ : قوم يُشبِه دينهُم دينَ النّصارى ، إلا أن قِبلتَهم نحوَ مَهَبّ الجَنوب ، يَزعمون أنّهم على دِين نوح ، وهم كاذبون.

وكان يقال للّرجل إذا أسلم في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد صَبَأَ ؛ عَنَوْا أنه خرج من دِينٍ إلى دينٍ.

وقال أبو زيد : أصبأْتُ القومَ إصبَاءً ، وذلك إذا هجمتَ عليهم وأنت لا تَشعُر بمكانهم وأنشد :

* هَوَى عليهمْ مُصْبِئاً مُنْقَضَّاً*

وقال أبو زيد : يقال : صَبَأْتُ على القَوْم صَبْأٌ وصَبَعْتُ ، وهو أن يَدُلَّ عليهم غيرهم.

وقد فسرت قوله : لتعودن صُبّاً ، في باب المضاعف بما فيه الكفاية.

وسئل ابن الأعرابيّ عنه فقال : إنما هو «أساود صُبَّى» معناه : أنّهم مجتمعون جماعات ، ويقتتلون فيكونون كالحيات التي تميل بعضها على بعض ؛ يقال : صبا عليه : إذا خرج عليه بالعداوة.

وقال ابن الأعرابيّ : صَبَأَ عليه : إذا خرج عليه ، ومالَ عليه بالعداوة. وجعلَ قوله عليه‌السلام : «لَتَعُودُنَّ فيها أساوِدَ صُبيَ» فُعَّلاً من هذا ، خُفِّف همزُهُ ، أراد أنّهم كالحيات التي يَميل بعضُها على بعض.

١٨٠