لِلأَفْوَه الأَوْدي :
لما رأتْ سِرِّي تغيَّر وانثَنَى |
من دُونِ نَهْمَةِ شَبرِها حين انثنى |
وقال أبو الهيثم : السِّرّ : الزِّنى ، والشرِّ : الجماع. وقال الحسن وأبو مِجلَز في قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَ سِرًّا).
قالا : هو الزِّنى ، وقال مجاهد : هو أن يَخطُبها في العدة.
وقال الفرّاء في قوله : (لا تُواعِدُوهُنَ سِرًّا) يقول : لا يصفن أحدكم نفسَه للمرأة في عِدتها بالرغبة في النكاح والإكثارِ منه.
وقال الليث : السرُّ : ما أَسْرَرْت.
والسَّريرةُ : عمل السر من خَيْر أو شر.
أبو عُبَيْد عن أبي عُبَيدة : أسررتُ الشيءَ : أخْفيتُه ، وأسررتُه : أعلنته. قال : ومن الإظهار قولُ الله جل وعلا : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) [يونس : ٥٤] ، أي : أظهروها ، وأنشد للفرزدق :
فلمّا رأى الحجاجَ جرَّدَ سَيْفه |
أَسَرَّ الحَرُورِيُّ الذي كان أَضْمَرَا |
قال شمر : لم أجد هذا البيت للفرزدق ، وما قال غير أبي عُبيدة في قوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) [يونس : ٥٤] ، أي : أظهرُوها ، ولم أسمع ذلك لغيره.
وأخبرني المنذريُّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفرَّاء في قوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) يعني الرؤساءَ من المشركين أسرُّوا النَّدامة من سَفِلَتهم الذين أضَلوهم ، وأسرُّوها ، أي : أخفوها وعليه قولُ المفسّرين. وفي حديث النبي صلىاللهعليهوسلم أنه سأل رجلاً : «هل صُمْتَ من سرار هذا الشهرِ شيئاً؟» قال : لا ، قال : «فإذا أفطرتَ من رمضانَ فصُمْ يومين».
وقال أبو عبَيدة : قال الكسائي وغيرُه : السِّرار : آخرُ الشهر ليلة يستسِرُّ الهلال.
قال أبو عُبيدة : وربما استَسرَّ ليلةً ، وربما استَسر ليلتين إذا تَمَّ الشهر ، وأنشد الكسائي :
نَحنُ صَبَحْنا عامراً في دارِها |
جُزْءاً تعادَىَ طرَفَيْ نهارِها |
|
عَشِيَة الهِلال أو سرارِها |
قال أبو عبيد : وفيه لُغةٌ أخرى : سرَر الشَّهر.
قلتُ : وسرار لغة ليست بجيّدة.
شمر : قال الأصمعي : سرار الروضة : أوسَطُه وأكرَمُه. وأرض سرَّاء ، أي : طيّبة. قال الفرَّاء : سرٌّ بيّنُ السرارة : وهو الخالص من كل شيء. قال : وأسرَّةُ البنْتِ : طَرائقُه.
أبو عبيد عن الأمويّ : السِّرارُ : ما على الكمأة من القشور والتراب.
قال أبو عبيد : وسمعتُ الكسائي يقول : قُطع سرَرُ الصَّبيِّ ، وهو واحد. وقال ابن شُميل : الفِقْعُ أَرْدَأُ الكَمْءِ طعماً
وأسرَعُها ظُهوراً ، وأقصَرُها في الأرض سرَراً. قال : وليس للكَمأة عُروق ، ولكن لها أَسرار. قال : السَّرَرُ : دُمْلوكَة من تراب تنبُت فيها.
وفي حديث عائشةَ «أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل عليها تَبرُق أساريرُ وجهه».
قال أبو عُبيد : قال أبو عمرو : والأسارير هي الخُطوط التي في الجبهة مثل التكسُّر فيها ، واحدُها سرر وسرٌّ ، وجمعُه أَسرَّة ، وكذلك الخطوطُ في كل شيء ، قال عنترة :
بزُجاجةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسرَّةٍ |
قُرِنَتْ بأزهرَ في الشِّمال مُفَدَّمِ |
ثم الأسارِير جمعُ الجمع. وقال الأصمعي في أسرَّة الكَفّ مثله. قال الأعشى :
فانظرْ إلى كَفٍّ وأسرارها |
هل أَنْتَ إنْ أَوْعَدْتَني ضائري |
يعني خُطوطَ باطن الكف.
وقال ابن السِّكِّيت : ينال قُطِع سَرَرُ الصَّبيِّ ، ولا تقول : قَطَعْتُ سُرَّته ، إنما السرة التي تبقى ، والسرَر ما قُطِع سرَره وسرُّه.
وقال الليث : السرة : الوَقْبَةُ. وقال الليث : السرة : التي في وسط البطن ، وقال ابن شميل : فلان كريم السِّر ، أي : كريم الأصل داءٌ يأخذُ في السرة ، يقال : بعيرٌ أَسَرُّ ، وناقةٌ سراء بيِّنا السرر ، يأخذهما الداءُ في سُرتهما ، فإذا بركَتْ تَجافَتْ.
قلتُ : هذا وَهمٌ ، السرَر : وجعٌ يأخذ البعيرَ في كِرْكرَته لا في سُرَّته. قال أبو عبيد : قال أبو عمرو : ناقة سراء ، وبعيرٌ بيّنُ السرر : وهو وجعٌ يأخذ في الكِرْكرة. وأنشدني بعضُ أهل اللغة :
إنَّ جَنبِي عَنِ الفِراشِ لَنَابِي |
كَتَجَافي الأسَرِّ فوق الظِّرَابِ |
ثعلب عن ابن الأعرابي : المسرَّة : أطرافُ الرَّياحين.
وقال الليث : السرور من النباتِ : أنصافُ سُوقها العُلَى ، قال الأعشى :
كَبْرِدِيّة الغِيلِ وَسْطَ الغَرِيفِ |
قد خالَطَ الماءُ منها السرورا |
ويُروِى السَّرِيرا ، يريد جميع أصلها التي استقرّت عليه ، أو غاية نعمتها ، وقال الشاعر :
وفارَقَ منها عِيشةً غَيْدَقِيّةً |
ولَمْ يَخْشَ يَوماً أنْ يزُولَ سرِيرُها |
قال : سَريرُ العَيش : مستقرُّه الذي اطمأنَّ عليه خَفْضُه ودَعَتُه.
ويقال : سِرّ الوادي خَيْرُه : وجمعه سُرُور في قولِ الأعشى. قال : وسرير الرأس : مستقرُّه. وأنشد :
ضَرْباً يُزيلُ الهامَ عن سَريرِه |
إزالةَ السُّنْبِل عن شَعِيرِه |
والسرير معروف ، والعَدَد أسِرة ، والجميع السُّرر ، وأجاز كثيرٌ من النحويّين السُّرر والسِّرارُ : مصدَر ساررتُ الرجلَ سِراراً وامرأة سارَّة سَرَّة. واختلفوا في السُّرِّيّة من الإماءِ لِمَ سُمِّيتْ سُرِّيّة؟ فقال بعضهم : نُسبَتْ إلى السِّرِّ وهو الْجِماع ، وضُمَّت السينُ فَرْقاً بين المَهِيرة وبين الأمة تكونُ للوطْء ، فيقال للحُرَّة إذا نكحَت سِرّاً : سِرِّية ، وللأَمةَ يتسَّراها صاحبُها سُرِّيّة.
وأخبَرَني المنذريّ عن أبي الهَيْثم أنه قال : السُّرُّ : السُّرُورُ فسمِّيت الجاريةُ سُريّةً لأنها موضع سُرورِ الرجل ، وهذا أحسنُ القولين.
وقال اللّيث : السُّرِّيّة : فُعلِيّة من قولك تَسرَّرْتُ. قال : ومن قال : تَسَرّيتُ فقد غَلِط.
قلت : ليس بغَلَط ، ولكنه لما توالت ثلاثُ راءات في تَسَرَّرْت قُلِبت إحداهن ياء ، كما قالوا قَصَّيْت أظْفاري ، والأصل قَصَصْت. والسَّرّاءُ : النِّعمة. والضَّرّاء : الشّدّة.
ويقال : سُرِرتُ بقُدومِ زَيْدٍ ، وسَرّني لقاؤُه.
وقال : سَرَرْتُه أسُرُّه ، أي : فَرَّحْته. قال أبو عمرو : فلان سُرْسُورُ مالٍ وسُوبَانُ مالٍ : إذا كان حَسَنَ القيام عليه.
وقول أبي ذُؤَيب :
بِآيةِ ما وَقَفَتْ والرِّكا |
بُ بَيْنَ الحَجُون وبَيْنَ السُّرَر |
قيل : هو الموضع الّذي جاء في الحديث : شجرةٌ سُرَّ تحتَها سبعون نبيّاً تسمِّىَ سُرَراً لذلك. والسِرَرُ : ما قُطِع من السُّرّة فرُمِي به. وقوله :
وأَغْفِ تحتَ الأَنجُمِ العَواتم |
واهْبِطْ بها منك بِسِرِّ كاتمِ |
فالسِّرّ : أخصَب الوادي ، وكاتِم ، أي : كامن. تراه فيه قد كَتَم نَداه ولم يَيبس.
ويقال : رَجلٌ سَرُّبَر : إذا كان يَسُرّ إخوانَه ويَبَرُّهم. والسَّرارَةُ : كُنْهُ الفَضْل ، وقال امرؤ القيس :
فَالَهَا مُقَلدُها ومُقْلَتها |
ولَها عَلَيْه سَرارَةُ الفَضْلِ |
وَصفَ امرؤُ القيس امرأةً فشبّهها بظَبْية جَيْدَاءَ كَحْلاءَ ، ثم جَعَل للمرأة الفَضْلَ عليها في سائِر محاسِنها ، وأراد بالسَّرارة كُنْهَ الفَضْل وحقيقتَه.
وَسرارَةُ كلِّ شيء : مَحْضُه ، والأصل فيها سَرَارة الرَّوْضة ، وهي خَيْرُ منابِتها ، وكذلك سُرّة الرَّوضةُ. وقال الفرّاء : لها عليها سَرارةُ الفَضْل ، أي : زِيادةُ الفَضْل.
وقال بعضهم : استَسَرَّ الرجُل جاريَته : إذا اشتراها. وتسرَّرها مثلُها : إذا اتَّخذها سُرِّية.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : السَّرَّة : الطاقَةُ
من الرَّيْحان ، ويقال : سَرْسَرْت شَفْرَتِي : إذا أحدَدْتَها. وقال أبو حاتم : فلانٌ سُرْسُوري وسُرْسُورتِي ، أيْ : حَبِيبي وخاصّتي ، ويقال : في سُرّته سَرَرٌ ، أي : وَرَم يؤلمه. ويقال : فلانٌ سُرْسورُ هذا الأَمر : إذا كان عالِماً به. ورُوي عن أبي زيد : رَجُل أسَرّ : إذا كان أجوَفَ.
وقال الفرّاء : يقال : سِرُّ بين السَّرارة : وهو الخالصُ من كلّ شيء.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : سَرَّ يَسَرُّ : إذا اشتكَى سُرَّتَه. وسَرّه يَسُرّه : إذا حيّاه بالمَسَرّة وهي الرّياحين.
ابن بُزُرج : يقال : ولد له ثلاثة على سِرٍّ وعلى سِرِرٍ واحد ، وهو أن تُقطَع سُررَهم أشباصاً لا يَخلُطهم أنثى. ويقولون : وَلَدت المرأةُ ثلاثةً في صِرَرٍ ، جمع الصَّرّة وهي الصَّيْحة ، ويقال : الشدّة.
شمر : قال الفراء : سِرارُ الشَّهْر : آخر ليلة إذا كان الشهر تِسعاً وعشرين ، فسِرارُه ليلة ثمانٍ وعشرين ، وإذا كان الشهرُ ثلاثين فسِرارُه ليلةُ تسعٍ وعشرين. والسِّرّ : موضع في ديار بني تميم. وسَرارَة العَيْشِ : خيْرُه وأفضَلُه.
سرس : ابن السكّيت عن أبي عَمرو : السَّرِيسُ : الكَيِّسُ الحافظُ في يَدَيْه. قال : وهو العِنِّين أيضاً ، وأَنشَد أبو عُبَيد قال :
أَفِي حَقِّي مُواسَاتي أَخاكُمْ |
بمالِي ثم يَظلمني السَّرِيسُ |
قال : وهو العِنِّين. قال : وسَرِيَّ : إذا عُنَّ. وسَرِسَ : إذا ساءَ خُلُقُه. وسَرِسَ : إذا عَقَل وحَزُم بعد جَهْل.
رس : قال أبو عُبيدة : سمعتُ الأصمعي يقول : أول ما يجِد الإنسانُ مَسَّ الحُمَّى قبل أن تأخذَه وتَظهَرَ فذاك الرَّسُ ، والرَّسيس أيضاً. وقال أبو زيد : رَسَسْتُ بينَهم أَرسّ رسّاً : إذا أَصْلَحتَ.
وفي حديث سَلَمة بن الأكوَع : أن المشركين رَاسُّونا الصلْح حتّى مشى بعضنا إلى بعض فاصطَلَحنا ، وذلك في غَزْوَة الحُدَيبِية.
فراسونا : أي : واصَلُونا في الصلح وابتدأت في ذلك. ورَسَسْتُ بينهم ، أي : أصْلَحْت.
وقال الفَرّاء : أخَذتْه الحُمَّى بِرَسِ : إذا ثَبَتَتْ في عظامِه.
وقال الكسائي : يقال : بلغَني رَسٌ مِنْ خَبَر ، وذَرْءٌ من خبر ، وهو الشيء منه.
وقال الزّجّاج في قول الله جلّ وعزّ : (وَأَصْحابَ الرَّسِ) [الفرقان : ٣٨] ، قال أبو إسحاق : الرَّسُ : بئر ، يُروَى أنّهم قوم كَذّبوا نبيَّهم ورَسوه في بئر ، أي : دَسُّوه فيها.
قال : ويُرْوى أن الرسّ قريةٌ باليمامة يقال لها : فَلْج. ويُروَى : أنّ الرسّ ديار لطائفة
من ثمودَ ، وكلّ بئر رَسّ ، ومنه قولُ الشاعر :
* تَنابِلةٌ يَحْفرون الرِّساسَا*
وقال اللّيث : الرّسُ في قوافي الشعر : الحَرْفُ الّذي بعد ألف التأسيس ، نحو : حَرَكة عَيْن فاعل في القافية كيفما تحرّكتْ حركتها جازَتْ ، وكانت رَسّاً للألف.
قال : والرَّسيس : الشيءُ الثابت الّذي قد لَزِم مكانَه. وأنشد :
* رَسِيسَ الهوَى مِن طُول ما يَتذَكَّرُ*
قال : والرَّسّ : ماءان في البادية معروفان.
والرَّسْرَسة مثل النَّضْنَضَة : وهو أن يُثبِّت البعيرُ ركبتَيه في الأرض للنُّهوض.
ويقال : رَسَسْتُ ورَصَصْتُ ، أي : أثبتُّ.
ويُروَى عن النَّخْعِيُّ أنه قال : إني لأَسمعُ الحديثَ فأحدِّث به الخادم أَرُسُّه به في نفسي.
قال أبو عُبَيدة : قال الأصمعيّ : الرَّسّ : ابتداءُ الشيء ؛ ومنه رَسُ الحُمَّى ورَسِيسُها ، وذلك حين تبدأ. فأراد بقوله : أرُسُّه في نفسي ، أي : أبتدىء بذكر الحديث ودَرْسِه في نفسي وأحدِّث به خادمي ، أَسْتَذكر بذلك الحديث ، وقال ذو الرمة :
إذا غَيّر النأْيُ المُحِبِّين لَم أَجِدْ |
رَسيسَ الهوَى مِن ذِكرِ مَيّة يَبرَحُ |
وقال ابن مُقبِل يَذكر الرِّيح ولينَ هُبوبها :
كأنّ خُزامَى عالج طَرقَتْ بها |
شَمالٌ رَسيسُ المَسِّ أو هو أطيب |
قال أبو عمرو : أراد أنها لينة الهبوب رخاء.
أبو عمرو أيضاً : الرسيس : العاقلُ الفطِن.
وقال شمر : وقيل في قوله : «أرُسُّه في نفسي» ، أي : أُثَبِّتُه.
وقال أبو عُبَيدة : إنَّك لتَرُسّ أمراً ما يَلتئم ، أي : تثبت أمراً ما يلتئم.
وقال أبو مالك : رَسيسُ الهوى : أصلُه.
ثعلب عن ابن الأعرابي : الرّسّة : السّارية المُحْكَمة.
وقال الفراء : يقال : أخذته حُمّى برَسّ ، أي : ثبتت في عظامه. وقال في قوله : «كنتُ أَرُسُّه في نفسي» ، أي : أعاوِدُ ذكرَه وأردِّده ؛ ولم يرد ابتداء.
وقال أبو زيد : أتانا رَسٌ من خَبَر ، ورَسِيسٌ من خَبَر : وهو الخَبر الذي لم يصحّ وهم يتراسُّون الخَبَرَ ويَتَرَهْمَسُونَه ، أي : يَتسارُّون به ، ومنه قولُ الحَجّاج :
* أمِنْ أهلِ الرَّسّ والرَّهْمَسة أنت*
انتهى والله أعلم.
باب السّين واللّام
[س ل]
سلّ ، لس ، سلس : [مستعملة].
سل : قال الليث : السَّلُ : سَلُّك الشَّعْرَ من
العَجين ونحوِه.
قال : والانسلال المُضِيُّ ولخُرُج من مَضِيق أو زِحام. وسَلَلتُ السيفَ من غِمْدِه فانْسَلّ. والسُّلُ والسُّلالُ : داءٌ مِثْله يُهزِل ويُضْني ويَقتل ، يقال : سُلّ الرجلّ ، وأَسلَّه الله فهو مَسْلول.
وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)) [المؤمنون : ١٢].
قال : السُّلالة : الذي سُلَ من كلّ تُرْبة.
وقال أبو الهَيْثم : السُّلالة : ما سُلَ من صُلْب الرجُل وتَرائِب المرأة كما يُسَلّ الشيءُ سَلًّا. والسَّلِيلُ : الولد ، سُمّي سَلِيلاً حين يَخرُج من بطن أمه. والسَّلّة : السَّرِقة. ويقال للسّارق : السّلَّال. ويقال : الخَلّةُ تَدعُو إلى السَّلّة. ويقال : سَلَ الرجلُ وأَسَلَ : إذا سَرَق.
قلت : ورُوِي عن عكرمة أنه قال في السُّلالة : إنه الماء يُسَلُ من الظَّهْر سَلًّا.
وقال الأخفش : السُّلالةُ : الوَلَد. والنُّطْفَةُ : السُّلالةُ ، وقال الشَّمّاخ :
طَوَتْ أَحْشاءَ مُرْتجةٍ لوَقْتٍ |
عَلَى مَشِجٍ سُلالَتُه مَهِينُ |
فَجَعل السُّلالةَ الماء. والدليلُ على أنّه قولُ الله جلّ وعزّ في سورة أُخْرى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة : ٧] ، يعني آدم ، (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ) [السجدة : ٨] ، ثمَّ تَرْجَمَ عنه فقال : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : ٨] ، فقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ) أراد بالإنسان وَلَدَ آدم وجُعل اسماً للجِنس ، وقوله : (مِنْ طِينٍ) أراد تَولُّدَ السُّلالة مِن طِيْن خُلِقَ آدمُ منه.
وقال قَتَادة : استلَ آدمُ مِن طين فسُمِّي سُلالةً، وإلى هذا ذَهَب الفرّاء. وفي الكتاب الذي كتبه النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالحُدَيْبية حين صالَح أهلَ مكة : «وأن لا إِغْلالَ ولا إسْلال».
قال أبو عُبَيدة : قال أبو عمرو : الإسْلالُ : السَّرِقَةُ الخَفِيّة ، يقال : في بَنِي فلانٍ سَلّة : إذا كانوا يَسرِقون.
وقال أبو عمرو : السَّلِيلةُ : بِنْتُ الرَّجل من صُلْبه.
وقال الليث : السَّلِيلُ والسُّلّان : الأوْدية.
قال : والسَّليل والسَّليلة : المُهْر والمُهْرة.
والسَّلِيلة : عَقَبةٌ أو عَصَبة أو لحمةٌ إذا كانت شبْه طرائق يَنفصِل بعضُها من بعض.
وأنشد :
* لاءَمَ فيها السليلُ القَفَازا*
قال : السَّليلُ : لَحمةُ المَتْنَين.
ابن السكيت : أَسَلَ الرّجلُ : إذا سَرَق.
وفي بني فلان سَلّةٌ ، أي : سَرِقة.
ويقال : أَتيناهم عند السَّلَّة ، أي : أتيناهم عند استلال السُّيوف ، وأَنشَد :
* وذو غِرَارَيْن سَرِيعُ السَّلّة*
وسَلَ الشيءَ يَسَلّه سَلًّا.
وفي الحديث : «لا إِغْلالَ ولا إِسْلالَ».
قال : وسَلّةُ الفَرَس : دَفَعْتُه في سِباقِه.
يقال : قد خَرجَتْ سَلّةُ هذا الفَرس على سائرِ الخيل.
قال المَرّار العَدَوِيّ :
أَلِزاً قَدْ خَرَجَتْ سَلَّتُه |
زَعِلاً تَمسَحُه ما يَسْتَقِرّ |
قال : والأَلزُ : الوَثَّاب. قال : والسَّلَّة : السَّبذَةُ كالجُؤْنة المُطبَّقَة.
قلت : ورأيتُ أعرابيّاً نشأ بفَيْد يقول لسَبَذة الطِّين : السَّلَّة.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : السَّلَّة : السُّلُ وهو المرض. والسَّلّةُ : استلالُ السُّيوف عند القتال ، يقال : أتيناهم عند السَّلة. والسَّلَّةُ : الناقة الّتي سقطتْ أسنانُها من الهَرَم.
اللّحياني قال أبو السِّمْط : رَجُل سَلُ ، وامرأةٌ سَلَّة ، وشاةٌ سَلَّة ، أي : ساقِطةُ الأسنان ، وقد سَلّت تَسِل سَلًّا.
وقال الفرَّاء في قول الله جل وعلا : (يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) [النور : ٦٣].
قال : يَلوذُ هذا بهذا ، يَستتِر ذا بذا.
وقال الليث : يتسلّلون وينسلّون واحد.
أبو عُبَيد : السُّلاسلُ : الماءُ السَّهل في الحَلْق ويقال : هو البارد أيضاً.
قال لَبيد :
حَقائِبُهمْ راحٌ عَتِيقٌ ودَرْمَكٌ |
ورَيْطٌ وفاثُورِيّةٌ وسَلاسِلُ |
وقال اللَّيث : هو السَّلْسَل ، وهو الماء العَذْب الصافي الذي إذا شُرِب تَسَلْسَل في الْحَلْق. والماءُ إذا جَرَى في صَبَب أو حَدُور تَسَلْسَل ، وقال الأخطَل :
إذا خافَ مِن نجمٍ عليها ظَماءَةً |
أَدَبَّ إليها جَدْوَلاً ويَتَسَلْسَلُ |
وخمرٌ سَلْسل.
وقال حسّان :
* بَرَدَى يُصفَّق بالرَّحيق السَّلْسَلِ *
قال : والسَّلَّة : الفُرْجة بين نَصائب الحَوْض ، وأنشَد :
* أسَلَّةٌ في حَوْضها أم انْفَجَرْ*
وفي حديث أبي زرع بن أبي زرع : كمَسَلِ شَطْبة. أراد بالمَسَلِ : ما سُلّ من شَطْب الجَريدة شَبَّهه به لدِقة خَصْره. والسِّلسلةُ معروفة. وبَرْق ذو سَلاسِل ، ورَمْل ذو سَلاسِل : وهو تَسَلْسُلُه الذي يُرى في التوائه.
أبو عُبَيد عن الأصمعي : السَّلاسلُ : رَمْلٌ يتعقّد بعضُه على بعض.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : البَرْقُ المُسَلْسَل : الذي يَتَسَلْسَل في أعاليه ولا
يكاد يُخلِف. والأسَلُ : اللّص.
أنشد أبو عبيد قول تأبّطَ شَرّاً :
* وأَنْضُوا المَلَا بالشّاحِبِ المُتَسَلْسِلِ *
وهو الَّذي تخَدَّدَ لحمُه وقَلّ.
قلتُ : أراد به نفسَه. أراد قطَع الملأ ، وهو ما اتّسع من الفَلاة ، وأنا شاحب مُتسلسِل ورواه غيرُه :
«بالشاحب المُتَشَلْشِل»
وفسَّره أَنْضُوا المَلا : أجوزُه.
والمَلا : الصَّحْراء. والشاحب : الرَّجلُ الغَزّاء. قال : وقال الأصمعيّ : الشاحب : سيفٌ قد أَخلَق جَفْنهُ. والمُتشلشل : الّذي يَقطُر الدّمُ منه لكثرة ما ضُرِب به.
وفي الحديث : «اللهمَّ اسقِنا من سَلِيل الجنَّة»، وهو صافِي شرابِها ، قيل له سليلٌ : لأنه سُلَ حتى خَلَص.
أبو عُبَيد عن الأصمعي : إذا وَضَعت الناقةُ فوَلدُها ساعَة تضعُه سَلِيل قَبلَ أن يُعلم أذكرٌ هو أم أنثى. وسَلائل السَّنام طرائِقُ طوالٌ يُقطع منه.
وقال الليث : واحدها سَليل. قال ابن شُميل : ويقال للإنسان أيضاً أوّل ما تضعه أمُّهُ سَلِيل. والسَّلِيلُ : دماغُ الفَرَس ، وأنشد :
كَقَوْنَسِ الطِّرْفِ أَوْفَى شَأَنُ قَمَحْده |
فيه السَّليلُ حَوَالَيْه له أَرَمُ |
ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال للغُلام الخفيفِ الرُّوح النّشيط لُسْلُس وسُلْسُل.
وقال النَّضْر : سَلِيلُ اللَّحْم : خَصِيلُه ، وهي السَّلائِل.
وقال الأصمعي : السَّليلُ : طرائق اللحم الطِّوال تكون ممتدّة مع الصُّلب.
وقال النَّضر : السّالُ : مكانٌ وَطِىء وما حولَه مُشرِف ، وجمعه سَوَالّ ، يُجمَع فيه الماء.
شَمر عن ابن الأعرابي : يقال : سَلِيلٌ من سَمُر ، وغالُّ من سَلَم ، وفَرْشٌ من عُرْفط.
اللحياني : تَسَلْسَل الثوبُ وتَخَلْخلَ : إذا لُبِس حتى رَقّ ، فهو مُتسَلْسِل. والتَّسَلْسُلُ : بَرِيقُ فِرِنْدِ السَّيْف ودَبيبُه. وسيفٌ مُسَلْسَل ، وثَوْبٌ مُلَسْلَس فيه وشيُ مخطَّط ، وبعضُهم يقول : مُسَلْسَل كأنّه مقلوب.
أبو عبيد عن الأصمعي : السُّلّان : بطونٌ من الأرض غامضةٌ ذاتُ شجر ، واحدها سالٌ غالٌّ.
قال : والسُّلّانُ : واحدها سالٌ وهو المَسِيل الضيّق في الوادي.
وقال غيره : السِّلْسِلةُ : الوَحَرة ، وهي رُقَيْطاء لها ذَنَب دَقيقٌ تمصع به إذا عَدَتْ ؛ يقال : إنها ما تَطَأُ طَعاماً ولا شَراباً إلّا سَمَّتْه فلا يأكلُه أحدٌ إلّا وَحَر وأصابَه داءٌ ربما ماتَ منه.
ابن الأعرابيّ : سَلْسَلَ : إذا أَكَل السِّلْسلة ، وهي القِطْعة الطويلةُ من السَّنا.
وقال أبو عمرو : هي اللَّسْلسة.
وقال الأصمعيّ : هي اللَّسْلِسَة ، ويقال : سَلْسَلة. ويقال : انْسَلّ وانْشَلَّ بمعنى واحد. يقال ذلك في السَّيْل والناس قاله شَمر.
سلس : أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : السَّلْسُ : الخَيْطُ ينظَم فيه الخَرزُ ، وجمعه سُلُوس ، وأنشَدَنا :
ويزِينُها في النَحْر حَلْيٌ وَاضِحٌ |
وقَلائِدٌ من حُبْلةٍ وسُلوِس |
وقال غيرُه : السُّلَاسُ : ذَهابُ العَقْل.
ورجل مَسْلُوسٌ في عَقْله ، فإذا أَصابه ذلك في بَدَنه فهو مَهْلُوسٌ. وسَلِسَ المُهْرُ : إذا انْقاد ، وشَرابٌ سَلِسٌ : لَيِّن الانحدار.
وسَلِسَ بَولُ الرجلِ : إذا لم يتهيّأ له أن يُمسِكه ، وكلُّ شيء قَلِق فقد سَلِس.
وأسْلسَتِ النّخلة فهي مُسْلِس : إذا تَناثَر بُسْرُها. وسَلْسَت الناقة : إذا أخدَجَت الولدَ قبل تمام أيّامه فهي سُلِس ، وقال المعطَّل الهُذَلي :
لم يُنْسِنِي حُبَّ القَتُول مَطارِدٌ |
وأفَلُّ يختضِمُ القَقَارُ مُسلَّسُ |
أراد بالمَطارِدِ سِهَاماً يُشبِه بعضُها بعضاً ، وأراد بقوله : مسلَّس : مُسَلسَل ، أي : فيه مِثل السِّلْسلة من الفِرِند.
لس : أبو عبيد : لَسَ يَلُسُ : إذا أَكل ، وقال زُهير :
* قد اخضَرَّ مِنْ لَسن الغَمِيرِ حَجافِلُهْ*
الدينوريّ قال : اللُّسَاس من البَقْل : ما اسْتمكَنَتْ منه الراعية.
واللَّسُ أصلُه الأَخْذ باللّسان من قبلِ أن يَطُول البَقْلُ. وقال الرّاجز : ووصف فَحْلاً :
يُوشِكُ أن توجسَ في الإيجاسِ |
في ياقِلِ الرِّمْث وفي اللُّساس |
|
* منها هَدِيمُ ضَيَعٌ هَوّاس* |
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : اللُّسُ : الجَمّالون الحُذاق.
قلتُ : الأصْل النُسُسُ. والنَّسُّ : السوق ، فقُلبت النون لاماً. قال : واللَّسْلاسُ : السَّنامُ المقطَّع.
وقال الأصمعي : اللِّسلِسةُ. انتهى والله أعلم.
باب السّين والنون
[س ن]
سن ، نس : [مستعملان].
سن : قال أبو الحسن اللّحياني : أسنَنْتُ الرُّمْح : إذا جعلتَ له سِناناً وهو رُمْح مُسَنٌ. قال : وسَنَنْتُ السِّنان أسُنُّه سَنّاً فهو مَسْنون : إذا أحدَدته على المِسَن بغير ألف.
وكذلك قال اليزيديّ فيما روى عنه أبو عبيد ، وزاد عنه : سَننتُ الرمحَ : ركبت فيه السِّنان ، بغير ألف أيضاً. وقال
اللحياني : سننت الرجل أسُنُّه سَنّاً : إذا طَعَنْته بالسِّنان. وسَنَنْتُ الرجلَ : إذا عَضضْتَه بأسنانِك ، كما تقول : ضرَسْته.
وسَنَنْتُ الرجَل : إِذا كسرتَ أسنانَه ، أَسُنُّه سَنّاً. والسُّنّة الطريقةُ المستقيمة المحمودة ، ولذلك قيل : فلانٌ من أهل السنّة ، وسَننتُ لكمْ سُنّة فاتبعوها.
وفي الحديث : «من سَنَ سُنّةً حَسنةً فله أجرُها وأجرُ من عَمل بِها ومن سَنّ سُنّةً سَيِّئةً» يُريد من عَمِل بها ليُقتَدَى به فيها.
وسنَنْتُ فلاناً بالرُّمْح : إذا طَعَنْتَه به.
وسنَنْتُ إلى فلان الرُّمْحَ تَسنِيناً : إذا وجّهتَه إليه.
ويقال : أسَنّ فُلانٌ : إذا كَبر ، يُسنُ إسْناناً ، فهو مُسِنّ. وبعير مُسِنّ. والجميع مَسانٌ ثقيلةً.
ويقال : أسَنْ : إذا نبَت سِنهُ الّذي يَصيرُ به مُسِناً من الدوابّ.
قال شَمر : السُنّة في الأصل : سُنّهُ الطريق. وهو طريقٌ سنه أوائل الناس فصار مَسلَكاً لمَن بعدَهم. وسَنَ فلانٌ طريقاً من الخير يَسُنّه : إذا ابتدأ أمراً من البِرّ لم يَعرِفه قَومُه ، فاستَنُّوا به وسلَكُوه وهو يَسْتنُ الطَّريقَ سَنّاً وسنَناً ؛ فالسَّنُ المصدَر ، والسَنَنُ : الاسم بمعنى المسنُون.
وقال شمر : قال ابن شميل : سنن الرَّجُل : قَصْدُه وهمّتُه. وسُنّت الأرضُ فهي مَسْنونة وسنين : إذا أُكل نباتُها ، قال الطَّرِمّاح :
بمُنخَرِقٍ تحِنُّ الرِّيحُ فِيه |
حَنينَ الجُلْبِ في البَلدِ السَّنِين |
يعني المَحْلَ. وفي حديث مُعاذ قال : بَعثَني رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن فأَمَرني أن آخذَ من كلّ ثلاثينَ من البقر : تَبِيعاً ، ومن كلِّ أربعين مُسِنّة.
والبَقَرةُ والشاةُ يَقَع عليها اسمُ المُسِنّ إذا أَثْنَيا ، فإذا سَقَطتْ ثنِيتها ، بعد طلوعها فقد أسَنَّتْ ، وليس معنى أسنانِها كِبَرها كالرّجل ، ولكن معناه طُلوعُ ثنِيّتها. وتُثْنى البَقرةُ في السّنة الثالثة ، وكذلك المِعْزَى تُثْنى في الثالثة ، ثم تكون رَبَاعِيةً في الرابعة ، ثم سِدْساً في الخامسة ، ثم سالِفاً في السادسة ؛ وكذلك البقرُ في جميع ذلك.
وروى مالك عن نافعٍ عن ابن عُمَر أنّه قال : يتّقى من الضّحايا الّتي لم تُسْنن ، هكذا حدَّثنيه محمدُ بنُ إسحاق عن أبي زُرْعة عن يحيى عن مالك.
وذَكر القُتَيبي هذا الحديثَ في «كتابه» : «لم تُسْننْ» بفتح النون الأولى ، وفسّرهُ : التي لم تَنبُت أَسنانُها كأنها لم تُعطَ أسناناً ، كقولك : لم يُلْبَن ، أي : لم يُعطَ لبناً ، ولم يُسمَن ، أي : لم يُعطَ سَمْناً. وكذلك يقال : سُنِّنتِ البَدَنةُ : إذا نبتتْ أسنانُها ، وسَنّها الله.
قال : وقولُ الأعشى :
* حتّى السَّدِيسُ لها قد أَسَنّ *
أي : نَبَت وصارَ سِنّاً ؛ هذا كلّه قول القتيبيّ ، وقد أخطأ فيما رَوَى وفسّر من وجهين : أحدهما : أنّه رُوِي في الحديث : «لم تُسنَن» بفتح النون الأولى ولم تُسن فأَظهَر التضعيفَ لسكون النون الأخيرة ، كما يقال : لم تُحلل ، وإنما أراد ابن عمر أنه يتقى أن يُضَحَّى بضحيّته لم تُثْنِ ، أي : لم تَصِر ثَنِيّة ، وإذا أَثْنَتْ فقد أسَنَتْ ؛ وعلى هذا قولُ الفقهاء ، وأدنى الأسنَان : الإثناء ، وهو أن تَنْبُت ثَنِيّتاها ، وأقصاها في الإبل البُزُول ، وفي البقر والغنم الصُّلُوع.
والدّليل على صحة ما ذكرتُه ما حدّثنا به محمد بن إسحاق عن الحَسن بنِ عفان عن أسباط ، عن الشّيباني ، عن جَبَلة بن سُحَيم قال : سألَ رجلٌ ابْنَ عمرَ فقال : أضحِّي بالجَذَع؟ فقال : ضَحِّ بالثَّنِيِّ فصاعِداً ؛ فهذا يسِّر لك أنّ معنى قوله : «يُتّقى من الضّحايا التي لم تُسْنِنْ» أراد به الإثناء.
وأما خطأ القُتَيْبي من الجهة الأخرى فقولُه : سُنت البَدَنة إذا نبتتْ أسنانُها ، وسَنَّها الله ؛ وهذا باطلٌ ، ما قاله أحد يَعرِف أدنى شيء من كلام العرب.
وقولُه أيضاً : «لم يُلْبَنْ ولم يُسْمَنْ ، أي : لم يعْطَ لَبناً وسَمْناً» خطأ أيضاً ، إنما معناهما : لم يُطعَم سَمْناً ، ولم يُسْق لَبَناً.
الحراني عن ابن السكّيت : السَّنُ : مصدرُ سَنّ الحَديدَ سَنّاً ، وسَنَ لِلقَوم سُنّة وَسَنناً وسَنَ عليه الدِّرْعَ يَسُنّها سَنّاً : إذا صَبّها.
وسَن الإبِل يَسُنّها سَنّاً : إذا أحسَن رِعْيَتَها حتّى كأنه صَقَلها. قال : والسَنَنُ : استِنانُ الإبل والخيل. ويقال : تَنَحَّ عن سَنَن الخَيْل ، وجاء : «من الإبل والخيل» سنَنٌ ما يُرَدّ وجهُه. ويقال : تَنَحَّ عن سَنَن الطريق وسُنَنه. وقال أبو عُبَيد : قال الفراء : سَنَن الطريق وسُنَنُه : محجّتُه.
وقال ابن السكيت : قال الأصمعيّ : يقال : سَنّ عليه دِرْعَه : إذا صَبَّها ، ولا يقال : شنّ. قال : ويقال : شَنّ عليهِ القارةَ ، أي : فرَّقها. شَنّ الماءَ على شرابِه ، أي : فرّقه عليه. وسَنّ الماءَ على وَجْهِه ، أي : صَبّه عليه صَبّاً سَهْلاً. وقولُ الله جلّ وعزّ : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦] ، قال ابن السكيت : سمعتُ أبا عمرو يقول في قوله : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ، أي : متغيِّر.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : سُنَ الماءُ فهو مَسْنون ، أي : تغيِّر. وقال الزّجّاج في قوله : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦] ، أي : مَصْبوب على سُنّة الطريق.
وقال اللّحياني : قال بعضهم : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) : متغيِّر. وقال بعضهم : طوّله جَعَله طويلاً مسنوناً ؛ يقال : رجل مسنون
الوجه ، أي : حَسَنُ الوَجْه طويلة.
وقال الفرّاء : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) هو المتغيِّر ، كأنّه أُخِذَ من سَنَنْتُ الحَجَر على الحَجَر ، والّذي يَخرُج بينَهما يقال له السَّنِينَ والله أعلم بما أراده.
قال الفرّاء : يسمَّى المِسَنُ مِسَنّاً لأن الحديد يُسَنّ عليه ، أي : يُحَدّ عليه ، ويقال للذي يسيل عند الحَكّ : سَنِين. قال : ولا يكون ذلك السائلُ إلا مُنتِناً. وقال في قوله : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) يقال : المحكوك.
وقال ابن عباس : هو الرَّطْب.
ويقال : المُنْتِن. وقال أبو عبيدة : المَسْنُون المصْبُوب على صُورة. وقال : الوَجْه المَسْنون سمّيَ مَسْنوناً لأنه كالمخروط.
وقال أبو بكر : قولهم فلان من أهل السُّنة معناه : من أهل الطَّرِيقة المستقيمة المحمودة ، وهي مأخوذة من السَّنَن وهو الطريق ؛ يقال : خُذْ على سَنَن الطريق وسُنَنِه. والسُّنّة أيضاً : سُنّة الوَجْه.
والحديدةُ الّتي يُحرَث بها الأرضُ يقال لها : السِّنّة والسِّكّة وجمعُها السِّنَن. ويقال للفُؤُوس أيضاً : السِّنَن ، ويقال : هذه سِنٌ وهي مؤنّثة وتصغيرُها سُنَيْنَة ، وتُجْمَع أَسُنّاً وأَسْناناً. قال اللّحياني : قال القَنَاني : يقال له بُنَيٌ سَنِينةُ أبيك. ويقال : هو سنّةٌ وتِنُهُ وحِتْتُهُ : إذا كان قِرْنَه في السِّن.
قال ابن السكّيت : الفحلُ سَانَ الناقةَ سِناناً ومُسَانّةً حتّى نَوَّخها ، وذلك أن يَطرُدَها حتى تَبْرك ، قال ابن مُقبِل :
وتُصبِح عن غِبِّ السُّرَى وكأنها |
فَنِيق ثَنَاهَا عَنْ سِنانٍ فَارْقَلَا |
يقال : سَانَ ناقَتَه ثم انتَهى إلى العَدْوِ الشّديد فأَرْقَل ، وهو أن يرتقِع عن الذَّميل. وقال الأَسَديّ يصف فَحْلاً :
لِلْبَكَرات العِيطِ منها ضاهِدَا |
طَوْعَ السِّنان ذَارِعاً وعاضِدا |
«ذارعاً» يقال : ذَرْع له : إذا وَضَعَ يَده تحت عُنُقه ثم خَنَقه. والعاضدُ : الّذي يأخذ بالعَضُد «طَوْع السِّنان» يقول : يُطاوِعه السِّنان كيف شاء. ويقال : سَنَ الفحلُ الناقَة يَسُنُّها سَنّاً : إذا كَبَّها على وجهِها. قال :
فاندَفَعَتْ تأْبزُ واستقْفَاهَا |
فسَنَّها للوَجْه أَوْ دَرْبَاهَا |
أي : دَفَعَها.
ورُوِي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا سافرتم في الخِصْب فأَعْطُوا الركبَ سنّتَها ، وإذا سافرتم في الجَدْب فَاسْتَنْجُوا».
قال أبو عُبيد : لا أعرف الأسِنّة إلّا جَمْع سنان ؛ الرمح فإن كان الحديث محفوظاً فكأنها جمع الأسنان يقال : سِنٌ وأَسْنان من المَرْعَى ، ثم أسِنّة جمعُ الجمع.
وقال أبو سَعِيد : الأَسنّة جمع السِّنان لا جَمْع الأسْنان. قال : والعَرَب تقول :
الحَمْضُ يَسُنّ الإبِلَ على الخُلَّة فالحَمْض سِنانٌ لها على رعْي الخُلة وذلك أنها تَصدُق الأكل بعد الحَمْض ، وكذلك الرِّكابُ إذا سُنّت في المرتَعِ عند إراحة السَّفْر ونزُولهم ، وذلك إذا أصابت سِنّاً من المرَّعْى يكون ذلك سِناناً على السَّيْر ، ويُجمع السِّنانُ أسِنّة ، وهو وجهُ العربيّة.
قال : ومعنى : «يَسُنّها» أي : يقوِّيها على الْخلة. قال : والسِّنان : الاسم من سَنَ يَسُنُ ، وهو القوّة.
قلت : قد ذهب أبو سَعِيد مَذهَباً حَسَناً فيما فَسّر ، والذي قاله أبو عُبَيد أصحُّ وأبيَن.
قال الفراء فيما روى عن ثعلب عن سلَمة : السِّنّ : الأَكل الشَّديد.
قال : وسمعتُ غيرَ واحدٍ من العَرَب يقول : أصابت الإبلُ اليومَ سِنّاً من الرّعْي : إذا مَشَقَتْ منه مَشْقاً صالحاً ، ويُجمَع السنّ بهذا المعنى أَسْناناً ، ثم يُجمع الأَسنان أسنّة ، كما يقال : كنّ ويُجمَع أكناناً ، ثم أكنّة جمع الجمع.
فهذا صحيح من جهة العربيّة ، ويقوّيه حديثٌ رواه هِشام بن حسان عن جابر بن عبدِ الله قال : قال رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا سِرْتم في الخِصبِ فأَمكنوا الرِّكابَ أَسْنانها».
قلتُ : فهذا اللّفظ يدلّ على صحة ما قاله أبو عُبَيد في الأسنة : إنها جمع الأَسْنان.
والأَسنان : جمعُ السّنّ وهو الأَكل والرّعي.
حدّثنا محمد بنُ سعيد قال : حَدَّثنا الحَسَن بنُ علي قال : حدَّثنا يزيد بنُ هارون قال : حدَّثنا هشام ، عن الحَسَن عن جابرِ بنِ عبد الله عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كنتم في الخِصْبِ فأعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنتَها ، ولا تعدوا المنازل ، وإذا كان الجَدْب فاستَنْجُوا ؛ وعليكم بالدُّلْجَة فإِنّ الأرض تُطْوَى باللّيل ، وإذا تغوّلت بكم الغِيلان فبادِرُوا بالأذان ، ولا تَنزِلوا على جَوادٌ الطّريق ، ولا تُصلُّوا عليها فإِنَّها مَأوَى الحيّات والسِّباع ، ولا تَقْضوا عليها الحاجاتِ ، فإنها المَلاعِنُ».
ويقال : سَانَ الفحلُ الناقةَ يُسانُّها سِناناً : إذا كدّتها. وتَسانَّت الفُحول : إذا تكادَمَتْ. ويقال : هذه سُنّة الله ، أي : حُكمُه وأمرُه ونهيُه ؛ قال الله جلّ وعزّ : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) [الأحزاب : ٣٨] ، «سنة الله» لأنه أريد به الفِعْل ؛ أي : سَنَ اللهُ ذلك في الّذين نافَقوا الأنبياءَ ، وأَوجَفوا بهم أن يُقتَلوا أينَ ثُقِفُوا ، أي : وُجِدوا.
وقال ابن السكّيت : يقال : هو أشبهُ شيءٍ به سُنّةً وأُمّةً ، فالسُّنّة : الصُّورَة والوَجْه.
والأُمّةُ : القامةُ.
وقال اللّيث : يقال : سِنٌ من ثُوم ، أي : حَبَّةٌ من رأسِ الثُّوم. وأَسْنان المِنْجَل : أُشَره. وسُنّة الوجه : دوائره.
وقال أبو عُبيد : من أمثال الصادق في حديثِه قولهم : صَدَقني سِن بَكْرِهِ. قال : وقال الأصمعيّ : أصلُه أنّ رجلاً ساوَمَ رجلاً ببَكْر أراد شِراءَه ، فسأل البائعَ عن سنَه ، فأَخبَرَه بالحقّ ؛ فقال المشترِي : صَدَقَني سِنُ بَكْرِه ؛ فذَهَبَ مثلاً. وهذا المَثَل يُروَى عن عليّ بن أبي طالب أنّه تكلّم به بالكوفَة.
وقال اللّيث : السَّنّة : اسمُ الدُّبّة أو الفَهْد روَى للمؤرّج : السِّنانُ : الذِّبَان. وأنشَد :
أيأكل تأزيزاً ويحسو حريرَةً |
وما بين عينين وَنِيمُ سِنانِ |
قال : تأزيزاً : ما رَمَتْ به القِدْر : إذا فارت.
قال : والمُسْتَسِنُ : طريقٌ يُسْلَك ، قال : سُنْسُنُ اسمٌ أعجمي يُسمَّى به أهل السَّوادِ ، والسُّنَّة : الطريقة المستقيمة.
ويقال للخطِّ الأسوَد على مَتْن الحِمار : سُنّة. وسَنَ اللهُ سُنّةً ، أي : بَيّن طريقاً قويماً. ويقال : اسْنُنْ قُرونَ فرَسِك ، أي : بُدَّه حتى يَسِيلَ عَرقُه فيَضْمُرَ. وقد سُنَ له قَرْن وقُرون ، وهي الدُّفع من العَرَق ، وقال زُهَير :
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْم |
يُسَنُ على سَنابِكِها القُرونُ |
ويقال : سَنَ فلانٌ رِعْيَتَه : إذا كان حَسَن القيام عليها ، ومنه قولُ النّابغة :
* سَنُ المُعَيْدِيِّ في رَعْيٍ وتَقْرِيبِ*
والسنائن : رمالٌ تستطيل على وجه الأرض ، واحدتُها سَنِينة.
وقال الطَرمّاح :
* وأَرْطاةِ حِقْفٍ بين كِسْرَىْ سَنائنِ *
وقال مالك بنُ خالد الخُناعيّ في السّنائن الرِّياح :
أبَيْنا الدِّياتِ غيرَ بِيضٍ كأنَّها |
فضول رجاع زفزفتْها السَّنائِن |
قال : السَّنائِن : الرّياح ، واحدُها سَنِينة.
والرِّجاع : جمعُ الرَّجْع ، وهو ماءُ السَّماء في الغَدِير.
وقال أبو زيد : جاءت الرّياح سَنائن : إذا جاءت على وَجْه واحدٍ لا تختلف. الفرّاء والأصمعيّ : السِّنُ : الثَّوْر الوَحْشيّ.
وقال الراجز :
حَنَّت حَنِيناً كثُوَاجِ السِّنِ |
في قَصَب أجوَفَ مُرْثَعِنِ |
والسَّنُون : ما يُستَنّ به من دَواء مؤلَّف يقوِّي الأسنان ويطرِّيها.
أبو عُبَيد عن أبي زيد يقال : وقع فلان في سِنّ رأسِه ، أي : فيما شاءَ واحتكم.
قال أبو عبيد : وقد يُفَسَّر سِنُ رأسِه : عَدَدُ شَعْرِه من الخير. وقال أبو الْهَيْثَم : وقع فلانٌ في سِنِ رأسِه ، وفي سِيّ رَأسِه ، وسَوَاءِ رأسِه بمعنًى واحد.
رَوَى أبو عبيد هذا الحرفَ في الأمثال : «في سِنِ رأسِه» ، أي : فيما شاء واحتَكم.
ورواه في «المؤلَّف» : «في سيِّىءِ رأسِه» والصواب بالياء ، أي : فيما سَاوَى رَأسَهُ من الخِصْبِ. يقال : جاء من الإبلِ سَنَنٌ لا يردّ وجهُه ، وكذلك من الخَيْل ، وطعَنَه طعنةً فجاءَ من دَنّها سَنَنٌ يَدْفع كلَّ شيء إذا أَخْرَجَ الدَّمَ بِحَمْوَيه. والطَّرِيق سَنَنٌ أيضاً ، وقال الأعْشَى :
وقَدْ نَطْعَنُ العَزْجَ يَومَ اللِّقَا |
ءِ بالرُّمْحِ نَحْبِسُ أُولَى السَّنَن |
قال شَمِر : يُريدُ أُولى القوْم الذين يُسْرِعون إلى القتال. قال : وكلُّ مَن ابتَدَأَ أَمْراً عَمِل به قومٌ بعدَه قيل : هو الَّذي سَنَّه.
قال نُصَيب :
كأنِّي سَنَنْتُ الحُبَّ أَوَّلَ عاشِقٍ |
من الناسِ أَوْ أَحْبَبْتُ بينهم وَحْدي |
أبو زيد : اسْتَنَّت الدابةُ على وَجْهِ الأرض ، واسْتَنَ دَمُ الطَّعْنَةِ : إذا جاءت دَفْعَةٌ منها ، وقال أبو كَبِير الْهُذَلِيّ :
مُسْتَنَّةً سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشّة |
تَنْقِي التُّرَابَ بِفَاخِرٍ مُعْرَوْرَفِ |
ومن أمثالهم : استَنَّتْ الفُصْلَانُ حتى القَرْعَى ؛ يُضْرَبُ مثلاً للرجل يُدْخِل نفسَه في قوم ليس منهم. والقَرْعَى من الفِصَال :
التي أصَابَهَا قَرَع وهو بَثْر ، فإذا استَنَّت الفصالُ الصّحاحُ مَرَحاً نَزَت القَرْعَى نَزْوَها تشَبَّهُ بها ، وقد أضعَفَها القَرَعُ عن النَّزَوَان. والسُّنَّةُ : ضَرْبٌ من تَمْرِ المَدِينة معروفة.
أبو تراب : قال ابن الأعرابي : السَّنَاسِن والشَّنَاشِنُ : العِظام ، وقال الجَرَنْفَش :
كيفَ تَرَى الْغَزْوَةَ أَبْقَتْ مِنّي |
شَنَاشِناً كَخَلَقِ المِجَنِ |
أبو عُبيد عن أبي عمرو : السَّنَاسِن : رؤُوس المَحال ، واحِدُها سِنْسِن.
قلت : ولحمُ سَنَاسِنِ البَعير من أطيَب اللُّحْمَان ، لأنها تكون بين شَطَّيِ السَّنام.
ولحمُهَا يكون أشمط طيّباً.
نس : قال الليث : النَّسُ : لُزُومُ المَضاءِ في كلّ أمر ، وهو سرعةُ الذهاب لِوُرودِ الماءِ خاصَّةً ، وأنْشَد :
* وبَلَدٍ يَمْسِي قَطَاهُ نُسَّسَا*
قلت : لم يُصِبْ الليثُ في شيء فيما فسَّرَه ، ولا فيما احتجَّ به. أما النَّسُ فإن شَمِراً قال : سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول : النَّسّ : السَّوْقُ الشديد ، وأنشَد :
وَقَدْ نَطَرْتُكُمْ إِينَاءَ صادِرَةٍ |
لِلْوِرْدِ طَالَ بها حَوْزِي وتَنْساسِي |
وقال ابن الأعرابي في قول العَجَّاج :
* حَصْبَ الْغُواةِ العَوْمَجَ الْمَنْسُوسَا*
قال : المنسوس : المَطْرود المَسُوق.
والعَوْمَجُ : الحيَّةُ.
وقال أبو عبيد : النَّسُ : السَّوْقُ الشديد ، وأما قوله :
* وبَلَدٍ يُمْسِي قَطَاهُ نُسَّسَا*
فإن النُّسَّسَ ها هنا ليست من النَّسّ الذي هو بمعنى السَّوْق ، ولكنَّها القَطَا التي عَطِشَتْ كأنها يَبِسَتْ من شدّةِ العطش.
وقد رَوَى أبو عبيد عن الأصمعي يقال : جاءَنا بِخُبْزٍ نَاسٍ وناسَّةٍ. وقد نَسَّى الشيءُ يَنِسّ ويَنُسُ نَسَّاً ، ومنه قوله :
* وَبَلَدٍ يُمَسِي قَطَاهُ نَسَّسَا*
فجعل النُّسَّسَ بمعنى البُبَّس عطشاً.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال : النَّسِيسُ : الجُوع الشديد ، والنَّسِيس : السّوْق ومنه حديث عمرَ أنه كان يَنُسّ أَصحَابَه، أي : يَمْشِي خَلْفَهم. وقال شَمِر : يقال : نَسَ ونَسْنس مثلُ : نَشَّ ونَشْنَشَ ، وذلك إذا ساق وطَرد.
أبو عُبَيد : النَّسِيس : بقيَّة النَّفْس ، وأنْشَد :
* فَقَدْ أَوْدَى إذا بَلَغَ النَّسِيسُ *
وقال الليث : النَّسِيسُ : غايةُ جَهد الإنسان ، وأنْشَدَنَا :
* باقِي النَّسِيسِ مُشْرِفٌ كاللَّدْن*
وأخبرَني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي : أنه أنْشَدَه :
* قطعتَها بذات نِسْنَاسٍ باقْ*
قال : النَّسْنَاسُ : صَبْرُها وجَهْدُها.
وقال أبو تراب : سمعت الْغَنَوِيَّ يقول : ناقةٌ ذاتُ نَسْنَاسٍ ، أي : ذاتُ سَيْرِ باقٍ.
قال : ويقال : بَلَغَ من الرَّجُل نَسِيسُهُ : إذا كان يَمُوتُ وقد أَشْرَف على ذَهَاب نِكِيسَتِهِ وقد طُعِنَ في حَوْصِهِ مثلُه.
عمرو عن أبيه : جُوعٌ مُلَعْلَع ومُضَوِّر ونِسْناس ومُقَحِّز بمعنًى واحد.
وقال ابن الأعرابي : النِّسناس ـ بكسر النون ـ : الجُوعُ الشديد. والنِّسْناسُ : يَأْجُوجُ ومَأْجوج.
حدثنا محمدُ بن إسحاقَ ، قال : حدَّثنا عليُّ بن سَهْل ، قال : حدَّثنا أبو نعيم ، قال : حدَّثنا سُفيانُ عن ابن جُرَيج ، عن ابن أبي مُلَيكة ، عن أبي هريرة ، قال : ذَهَب الناسُ وبقيَ النِّسناس. قيل : ومَا النِّسناس؟ قال : الذين يُشبِهُون الناس وليسوا بالناس.
وأخبَرَني المنذري عن ثعلب عن يعقوبَ الحَضْرَميّ عن مهدي بن ميمون ؛ عن غَيْلانَ بن جرير ، عن مطْرف قال : ذَهَب الناسُ وبقيَ النَّسناس ، وأُناسٌ غُمِسوا في ماءِ الناس ؛ فتح النون.
ابن السكيت : قال الكلابيّ : النَّسِيسة : الإيكالُ بين الناس ؛ يقال : أكلَ بيْن الناس : إذا سَعَى بينهم بالنّمائم ، وهي
النَّسائِس جمعُ نَسِيسة.
أبو عُبَيد عن الكسائي : نَسَسْت الشاةَ أُنسّها نَساً : إذا زجرتَها فقلت لها : إسْ إسْ.
وقال غيره : أسَسْتُ.
وقال ابن شُميل : نَسَّسْتُ الصبيَ تنسيساً ، وهو أن تقول : إسْ إسْ ليَبول أو يَخْرأَ.
الليث : النَّسْنَسةُ في سُرعة الطّيَران ؛ يقال : نَسْنَسَ ونَصْنَص.
قال : والنَّسِنْاس : خَلْقٌ على صُورة بني آدَم ، أشبَهوهم في شيء وخالَفوهم في شيء ، وليسوا من بني آدم.
وجاء في حديث : أَنّ حَيّاً من قوم عادٍ عَصَوْا رسولَهم فمسَخَهم الله نَسْناساً ، لكل إنسان منهم يدٌ ورِجْل مِن شِقٍّ واحد يَنقُزون كما ينقُز الطائر ، ويَرْعَوْن كما تَرعَى البهائم.
ثعلب عن ابن الأعرابي : النُّسُسُ : الأصولُ الرديئة.
وفي «النوادر» : ريحٌ نَسْنَاسَة وسَنْسانَة : باردة. وقد نَسْنَسَتْ وسَنْسَنَتْ : إذا هبَّتْ هُبُوباً بارداً.
ويقال : نَسْنَاسٌ من دُخان ، وسَنْسانٌ ، يريد دخانَ ناراً. انتهى والله أعلم.
باب السّين والفَاء
[س ف]
سف ، فس : [مستعملان].
[سف] : قال الليث : سَفِفْتُ السَّوِيقَ أسَفُّه سَفّاً : إذا اقتمحته. قال : واقتماح كلِّ شيء يابس : سَفٌ. والسَّفوفُ : اسمُ ما يُستَفّ. وأسفَفْتُ الجَرُحَ دواءً ، وأسفَفْتُ الوَشْم نَئوراً. والسَّفّة من ذلك : القَمْحة.
والسَّفَّة : فعلُ مَرَّةٍ وأَسْفَفْتُ الخُوص إسفافاً : إذا نَسَجْتَ بعضَه في بعضٍ. وكلُّ شيء يُنسَج بالأصابع فهو الإسْفاف.
وقال أبو زيد نحواً ممّا قاله أبو عُبَيد : رَمَلْتُ الحَصيرَ وأَرْمَلْتُه ، وسفَفَتْه وأَسفَفْته : معناه كلُّه نسجْتُه.
ويقال لتَصْدير الرَّحْل : سَفِيف ؛ لأنّه مُعرَّض كسَفيف الخُوص. والسَّفِيفُ والسُّفّة : ما سُفّ حتى جُعِل مقداراً للزَّبيل وللجُلّة.
وفي حديث إبراهيم : أنّه كَرِه أن يوصلَ الشعر ، وقال : لا بأس بالسُّفّة : شيء من القَرامِل تضَعُه المرأةُ على رأسها.
ورُوِي عن الشَّعبيّ أن كَرِه أن يُسِفَ الرجلُ النَّظر إلى أمّه أو ابنَتِه أو أُخْتِه.
وقال أبو عُبَيْد : الإسفافُ : شِدَّة النظر وحِدّتُه ، وكلُّ شيء لَزِم شيئاً ولَصِق فهو مُسِفّ.
وقال عَبيد يصف سَحَاباً :
دَانٍ مُسِفٌ فُوَيْقَ الأرْض هَيْدَبُه |
يَكادُ يَدْفَعُه مَن قامَ بالرّاحِ |
ورُوِيَ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه كان يُحِب مَعَالِيَ
الأمور ويُبغِضُ سَفَسافها ؛ أراد مَداقّ الأمور ومَلائِمها ؛ شُبِّهتْ بما دَقَّ من سَفْساف التراب.
وقال لَبيد :
وإذا دفَنْتَ أباك فاجع |
لْ فوقَه خَشَباً وطِينا |
|
لِيَقَين وَجْه المَرْءِ سَفْ |
افَ التُّرابِ ومن يَقِينَا |
قال اليزيديّ : أسففتُ الخُوصَ إسفافاً : قاربتُ بعضه من بعض ، وكلُّه من الإلصاق والقُرْب ، وكذلك في غير الْخُوص ؛ وأَنشَد :
* بَرَداً أسفَ لِثاتُهُ بالإثْمِدِ*
وأحسَنُ اللِّثات الحُمَّ. والطائر يُسِفّ : إذا طار على وَجْه الأرض.
وقال الليث : السَّفْسفة : انتخال الدَّقيق بالمنخل.
وقال رُؤبة :
إذا مَساحِيجُ الرِّياح السُّفَّنِ |
سَفْسَفْنَ في أَرْجاءِ خاوٍ مُزْمِن |
قال : وسَفْسَافُ الشِّعر : رديئه. ويقال للرَّجل اللَّئيم العطيّة : مُسَفْسفٌ.
وقال شَمِر : السِّفَ : الحَيّة ، وكذلك قال أبو عمرو فيما رَوَى ثعلبٌ عن عمرَ عنه.
وقال الهذلي :
جَميلَ المُحَيَّا ماجداً وابنَ ماجِدٍ |
وسُفّاً إذا ما صُرّحَ الموتُ أقرَعَا |
قال الليث : السُّف : الحيّة التي تطير في الهواء ، وأَنشَد :
وحتى لَوَ أنّ السُّفّ ذا الرِّيشِ عَضّنِي |
لمَا ضَرّني مِن فيه نَابٌ ولا ثَعْرُ |
قال : الثَّعْرُ : السُّمّ.
أبو عُبَيْد عن أبي زيد : سَفِفْتُ المَاء أَسَفُّه سَفّاً ، وسفته أَسْفُتُه سَفْتاً : إذا أكثرتَ منه وأنتَ في ذلك لا تَرْوي.
وقال أبو عُبَيد : ريحٌ مُسفسِفة : تجري فُوَيقَ الأرض ، وأَنشَد :
* وسَفْسَفَتْ مُلّاحَ هَيْفٍ ذَابِلَا*
أي : طيّرتْه على وجْهِ الأرض.
عَمْرو عن أبيه قال : السَّفِيفُ من أَسْماء إبليس.
فس : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الفَسِيس : الرّجلُ الضعيفُ العَقْل. قال : وفَسْفَس الرجلُ : إذا حَمُق حَماقةً محكَمة.
وقال الفرّاء وأبو عمرو : الفَسْفاسُ : الأَحمَق النِّهاية.
وقال الليث : الفُسيْفِساء : ألوانٌ من الخَرَز يُؤلَّف بعضُه إلى بعض ، ثم يُركَّب بعضه إلى بعض ثم يُركَّب حِيطان البُيوت من داخل كأنه نقشٌ مصوَّر. وأَنشَد :
* كصَوْتِ اليَرَاعَةِ في الفِسْفِسِ *
قال : يعني بَيْتاً مصوَّراً بالفُسَيْفساء عَمْرو عن أبيه قال : الفُسفُس : الضَّعْفَى في أبدانهم. انتهى والله أعلم.
باب السّين والبَاء
[س ب]
سب ، بس : [مستعملان].
سب : الحرّاني عن ابن السكّيت قال : السَّبُ : مصدَرُ سَبَبْتُه سَبّاً. والسِّبُ : الخِمارُ. قال : وسِبُّك : الّذي يُسابُّك وأَنشَد :
لا تَسُبَّنَّنِي فَلسْتَ بسبِّي |
إنّ سِبِّي من الرّجال الكَرِيمُ |
أبو العبّاس عن ابن الأعرابي : السِّبُ : الطِّبِّيجات.
قلت : جعل السّبُ جمع السّبّة وهي الدُّبر.
وقال الفراء : السَّبّ القَطَع وأَنشَد :
وما كان ذنبُ بني مالكٍ |
بأنْ سُبّ منهمْ غُلامٌ فسَبْ |
|
عرَاقيبَ كُومٍ طِوالِ الذُّرَى |
تخرُّ بَوائكُها للرُّكَبْ |
قال : أراد بقوله : «سُبَ» ، أي : عُيِّر بالبُخْل فسَبَ عَراقبَ إبلِه أَنَفةً ممّا عُيِّر به.
والسَّيفُ يسمَّى سَبّابَ العَراقيبِ لأنّه يقطعُها.
شمر عن أبي عُبَيدة : السِّبُ : الحَبْل ، وكذلك السَّبُ ، وقال أبو ذُؤيب يصف مُشْتار العسل :
تَدَلَّى عليها بين سَبٍ وخَيْطةٍ |
بحَرْداء مِثِل الوَكْف يَكْبو غُرابها |
أراد : أنه تَدَلّى من رأس جَبَل على خَلِيّة عَسَل ليشَتَارَها بحَبْل شده في وَتد أثبتَه في رأس الجبل ، وهي الخَيْطة ، وجمعُ السِّبّ سُبُوب ، وأَنشَد :
سَبَ اللهِيفُ لها السُّبوبَ بطَغْيةٍ |
تُنْبِي العُقابَ كما يُلَطّ المِجْنَبُ |
أبو عُبَيد عن أبي عمرو : السُّبوبُ : الثِّياب الرِّقاق واحدُها سِبٌ ، وهي السَّبائب ، واحدها سَبِيبة.
وأَنشَد :
ونَسَجتْ لوامعُ الحَرور |
سَبائباً كسَرِق الحَرِير |
وقال شمر : السَّبائب : مَتاعُ كَتّانٍ يُجاءُ بها من ناحية النيلِ ، وهي مشهورة بالكَرْخ عند التّجار ، ومنها ما يُعمَل بمصرَ فطُولُها ثمان في سِتٍّ. والسِّبُ : العِمامة ؛ ومنه قولُ المخبَّل السَّعدِي :
وأَشهَد من عَوْفٍ حُلُولاً كَثيرةً |
يَحجّونَ سِبَ الزَّبْرِقانِ المُزْعَفرا |
وأخبَرَني المُنذرِيّ عن الرِّياشي : السَّبيبُ : شَعَرُ الذَّنَب ، وقال أبو عبيدة هو شعر الناصية وأنشد :
* بِوافِي السَّبِيب طويلِ الذَّنَبَ*
وقال الله جلّ وعزّ : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البقرة : ١٦٦] ، قال ابن عبّاس : المَودّة. وقال مجاهد : تَواصُلُهم في الدّنيا.
وقال أبو زَيد فيما أخبَرَ المنذريّ عن ابن اليزيدي عنه الأسبابُ : المَنازِل. وقيل : المودّة. وأَنشَد :
* وتَقطّعتْ أَسبابُها ورِمَامُها*
فيه الوجهان مَعاً : المودّة والمنازل. قال : وقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ * أَسْبابَ السَّماواتِ) [غافر : ٣٦ ، ٣٧] ، قال : هي أبوابها ، واحدها سبَبٌ ، وأما قولُه : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) [الحج : ١٥] ، فالسَبَب الحَبْل في هذا الموضع. وقال شمر : قال أبو عُبَيدة : السَّبَب : كل حَبْل حَدَرْته من فَوْق.
وقال خالد بن جَنْبة : السَّبَب من الحِبال : القويُّ الطويل قال : ولا يُدعَى الحبلُ سَبَباً حتى يُصعَد به ويُنحَدَرَ به.
وقول الشمّاخ :
مُسبَّبة قُبَّ البطُونِ كأنها |
رِماحٌ نَحاها وجْهَة الرِّيحِ راكزُ |
يصِف حميرَ الوَحْش وسِمَنَها وجَوْدَتها ، فمن نَظَر إليها سَبَّها وقال لها : قاتَلَها الله : ما أجْوَدَها.
أبو عُبَيْدة عن الكسائيّ : عِشْنا بها سَبةً من الدهر ، وسَنْبة من الدهر ؛ كقولك : بُرهةً وحِقبةً.
وقال ابن شميل : الدّهر سَبّاتٌ ، أي : أحوال : حال كذا وحالٌ كذا ؛ يقال : أصابتْنا سَبّةٌ من بَرْدٍ في الشتاء ، وسَبّةٌ من صَحْو ، وسَبّةٌ من حَرّ ، وسَبّةٌ مِن رَوْح : إذا دام ذلك أَيّاماً.
الليث : السَّبّابة : الإصبَع الّتي تلي الإبهام ، وهي المُسَبِّحة عند المُصَلِّين.
والسُّبّة : العارُ. وكلّ شيء يُتوصّل به إلى شيء فهو سَبَب. وجعلتُ فلاناً سَبَباً إلى فلان في حاجتي وَوَدَجاً ، أي : وُصْلَةً وذَرِيعةً.
قلتُ : وتسبِيبُ مالِ الفَيْء أُخذ من هذا لأنَ المسبَّب عليه المالُ جُعِل سبباً لوصُول الماء إلى مَن وَجَب له من أهل الفَيْء.
شمر عن ابن شميل : السَّبْسَب : الأرض القَفْرُ البعيدة ، مستويةً وغيرَ مستوِية ، وغليظةً وغيرَ غليظة ، لا ماء بها ولا أنيس.
وقال أبو عُبيد : السَّباسِبُ والبَسابِسُ : القِفار ، واحدها سَبْسَب وبَسْبَس ، ومنه قيل للأباطيل التُّرّهاتُ : البَسابسُ.
وقال أبو خَيْرة : السَّبْسَب : الأرضُ الشأسبة الجَدْبة.
عَمْرو عن أبيه : سَبْسَب : إذا سار سَيْراً