تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

أبو عبيد عن أبي عبيدة قال : المُشَايع : اللاحق ، وقال لَبيد :

* كما ضم أخرى التالياتِ المُشَايِعُ *

أبو عبيد عن الأصمعي : شيّعت النار تشييعاً إذا ألقيت عليها ما تُذَكِّيها به ، ويقال : شيعت فلاناً أي خرجت معه لأودّعه ، ويقال : شيعنا شهر رمضان بستّ من شوال أي أتبعناه بها. وقال أبو عبيد المُشَيَّع : الشجاع من الرجال ، قال وقال الأموي يقال شايعت بالإبل شِيَاعاً إذا دعوتها ، وقال غيره : شايعت بها إذا دعوت بها لتجتمع وتنساق وأنشد قول جرير يخاطب الراعي :

فألقِ استك الهَلْباءَ فوق قَعُودها

وشايعْ بها واضمم إليك التواليا

يقول صوِّت بها ليلحق أخراها أولاها.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يُطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد ، فقالت : أَعِشه بغير رضاع ، وتابع بينه بغير شِياع»، المعنى تابع بينه في الطيران حتى يتتابع من غير أن يُشَايَعَ به كما يشايعُ الراعي بإبله لتجتمع ولا تتفرّق عليه.

وقال الليث : الشِّياع : صوت قصبة ينفخ فيها الراعي. وأنشد :

* حَنين النِيب تطرب للشِّياع *

أبو العباس عن الأعرابي قال : الشِّياع : زَمَّارة الراعي. وهو قول مريم في دعائها للجراد : اللهم سُقْه بلا شِيَاع أي بلا زَمَّارة راع.

وقيل : الشِّياع : الدعاء ، ويقال : أشاعكم الله السلامَ. وشاعكم السلامُ لُغَتان ، وقال الشاعر :

ألا يا نخلة من ذات عرق

بَرُودَ الظل شاعكم السلام

وقال أبو إسحاق : معنى شيَّعت فلاناً في اللغة اتَّبعت ، والعرب تقول : شاعكم السلام أي تبعكم السلام وتقول : آتيك غداً أو شَيْعه أي اليوم الذي يَتبعه. قال ومعنى الشيعة : الذي يتبع بعضهم بعضاً ومعنى الشِّيَع : الفرق التي كل فرقة منهم يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الأنعَام : ١٥٩] قال معنى قوله : (وَكانُوا شِيَعاً) أي كانوا فرقاً في دينهم ، كل فرقة تكفّر الفرق المخالفة لها ، يعني اليهود والنصارى بعضها يكفر بعضاً ، وكذلك اليهود ، والنصارى تكفر اليهود ، واليهود تكفرهم ، وكانوا أُمروا بشيء واحد.

اللحيانيّ عن الكسائي : قال يونس : شاعكم الله بالسلام يشاعكم شَيْعاً أي ملأكم. وقد قيل : أشاعكم الله بالسلام يُشيعكم إشاعة.

ويقال : شاعك الخير أي لا فارقك ، قال لبيد :

فشاعهم حمد وزانت قبورهم

أَسِرَّةُ رَيْحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ

ويقال فلان يُشيِّعه على ذلك مال أي يقوّيه. قال الأصمعي : ومنه تشييع النار بإلقاء الحطب عليها يقويها. أبو سعيد : هما متشايعان ومشتاعان في دار أو أرض

٤١

إذا كانا شريكين فيها ، وهم شُيعاء فيها ، وكل واحد منهم شُيِّع لصاحبه ، وهذه الدار شَيِّعة بينهم أي مُشَاعة ، وقال : كل شيء يكون به تمام الشيء أو زيادته فهو شِيَاع له.

وقال الأصمعي : يقال لما انتشر من أبوال الإبل إذا ضربها الفحل فأشاعت ببولها : شاعٌ ، وأنشد :

يقطّعن للإبْسَاس شاعاً كأنه

جَدَايا على الأنساء منها بصائر

والجمل أيضاً يقطِّع ببوله إذا هاج ، وبوله شاعٌ. وأنشد :

ولقد رمى بالشاع عند مُنَاخِه

ورغا وهدَّر أيَّما تهدير

أبو عبيد عن الأصمعي : جاءت الخيل شواعيّ وشوائع ، متفرقة ، وأنشد للأجدع ابن مالك أبي مسروق بن الأجدع.

وكأن صرعاها كِعَابُ مقامر

ضُرِبَتْ على شُزُنٍ فهنّ شواعي

وقال شمر : شاعة الرجل : امرأته ، وقال رجل لعبد المطلب : هل لك شاعة؟ أي امرأة.

ثعلب عن ابن الأعرابي أنه سمع أبا المكارم يذمّ رجلاً فقال : ضَبّ مَشِعٌ ، أراد أنه مثل الضبّ الحقود لا ينتفع به ، المَشِيع من قولك : شِعْتُه أشِيعه شَيْعاً إذا ملأته. قال : والشاعة : الأخبار المنتشِرة.

شوع : أبو العباس عن ابن الأعرابي : شَوُع رأسه يَشْوُعُ شَوَعاً إذا اشعانّ.

قلت : هكذا رواه أبو عمر عنه ، والقياس : شَوِع رأسه يَشْوَع شَوَعاً.

وقال ابن الأعرابي : يقال للرجل : شُعْ شُع إذا أمرته بالتقشّف وتطويل الشعر ، ومنه قيل فلان ابن أشوع. أبو عبيد عن الأصمعيّ قال : الشُّوع : شجر البان. وقال قيس بن الخَطِيم : بحافتيه الشُّوع والغِرْيَفِ

شعا : أبو العباس عن ابن الأعرابي : الشاعي البعيد. قال : والشَّعْو : انتفاش الشَعَر.

الشُعَا خُصَل الشعر المشْعانّ.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي : الغارة الشعواء : المتفرقة ، وأنشد ابن الأعرابي :

ماويّ يا ربّمّا غارةٍ

شعواء كاللذعة بالمِيسَم

وقال الليث : أشعى القوم الغارة وأشعلوها. عمرو عن أبيه : الشَّعْوانَة الجُمَّة من الشعر المُشعانِّ.

قال أبو الهيثم : شَعِيَت الغارة تَشْعَى شَعاً إذا انتشرت فهي شعواء ، كما يقال : عَشِيت المرأة تعشى عَشاً فهي عَشْواء.

وشع : أخبرني المنذري عن أبي العباس عن سَلَمة عن الفراء : يقال : توشَّعَ فلان في الجبل إذا صعَّد فيه ، وأنشد :

وَيْلُمِّها لِقْحَةَ شِيخ قد نَحَلْ

حَوْسَاءُ في السهل وشُوعٌ في الجبل

قال وأخبرنا عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال وَشَع في الجبل يَشَعُ وُشُوعاً مثله.

أبو عبيد عن الفراء وَشَعَ فلان الجبل يَشَعُ وشْعاً إذا علاه.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : الوشيع :

٤٢

عَلَم للثوب. والوشيع : كُبَّة الغزل. والوشيع : خشبة الحائك التي يسميها الناس الحَفَّ ، وهو عند العرب الحِلْوُ إذا كانت صغيرة ، والوشيع إذا كانت كبيرة قال : والوشيع الخُصُّ. والوشيع : سقف البيت. والوشيع : عريش يبنى للرئيس في المعسكر يُشرف منه على عسكره. أبو عبيد : الوَشِيع : القصبة التي يجعل النسَّاج فيها لُحْمة الثوب للنسج.

وقال الليث : الوَشِيعة ، وجمعها وشائع وهي خشبة يُلْوى عليها الغزل من ألوان شتّى من الوَشْي وغير ألوان الوشي. وكلُّ لَفِيفة منها وشيعة. ومن هناك سُمّيت قصبة الحائك وشيعة ؛ لأن فيها يُوَشَّع الغزل. وأنشد قوله :

* نَدْف القِياس القُطْن الموشَّعا*

قال : وتوشيعه : أن يُلفّ بعد الندْفِ.

أبو سعيد الوشِيع : خشبة غليظة توضع على رأس البئر يقوم عليها الساقي ، وقال الطرماح يصف صائداً :

فأزَلّ السهمَ عنها كما

زلّ بالسّاقي وشيعُ المُقَامْ

قال وَوَشَّعَ كَرْمَهُ إذا بنى جداره بقَصَب أو سعف يُشَبِّكُ الجدار به ، وهو التوشيع ، ووشّعت المرأةُ قطنها إذا فَرَّصَتْه وهيّأته للندف بعد الحَلْج. وهو مثل التزبيد والتسبيخ وتوشّع الشيبُ رَأْسَهُ إذا علاه.

وقال ابن شميل : توزّع بنو فلان ضيوفهم وتوشّعوهم سواءٌ ، أي ذهبوا بهم إلى بيوتهم كلّ رجل منهم بطائفة. قال : ويقال : وَشَع فيه القَتِيرُ ووشَّع وأتلعَ فيه القتيرُ وسبّل فيه الشيب ونصل بمعنى واحد ، ويقال لِمَا كِسا الغازلُ المِغْزَلَ.

وَشِيعةٌ ووَلِيعة وسَليخة ونصْلَه ويقال وَشْعٌ من خبر ووَشْم ووُشُوم وشمع وشموع وكذلك أثر وآثار.

الليث : الوَشْعُ : شجر البان ، والجميع الوشُوع. قال : والوَشْع من زهر البقول ما اجتمع على أطرافها فهو وَشْعٌ ووشوع ، قال وَوَشَّعَتْ البقلةُ إذا انفرجت زَهَرتها ، قال : والشُّوع أيضاً : شجرة البان ، الواحدة شُوعَة ، وأنشد قول الطرماح :

فما جَلسُ أبكارٍ أطاع لسَرْحها

جَنَى ثمر بالواديين وَشُوعُ

قال ويروى : وُشوع بضم الواو ، فمن رواه بفتح الواو : وَشوع فالواو واو النسق ، ومن رواه : وُشوع فهو جمع وَشْع وهو زهر زَهَر البقول.

باب العين والضاد

ع ض [وا يء]

عضا ، عوض ، ضاع ، ضعا ، ضوع ، وضع.

عضا : العِضْو والعُضو : الواحد من أعضاء الشاة وغيرها ، وقد عضَّيْتُ الشاة والجَزُور تعضِية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها ، وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تعضية في ميراث إلّا فيما حمل القَسْمَ». قال أبو عبيد : هو أن يموت الميت ويَدَع شيئاً إن قُسم بين ورثته كان في ذلك ضرر على جميعهم أو على بعضهم.

يقول : فلا يقسم. والتعضية : التفريق وهو

٤٣

مأخوذ من الأعضاء. يقال : عضيت اللحم إذا فرقته.

قال : والشيء الذي لا يَحمل القَسْم مثل الحبّة من الجوهر ؛ لأنها إن فُرّقت لم ينتفَع بها ، وكذلك الحمّام والطيلسان من الثياب وما أشبهه. وإذا أراد بَعْضٌ القَسْمَ لم يُجَب إليه ، ولكن يباع ثم يقسم ثمنه بينهم. وقال الله جلّ وعزّ : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحِجر : ٩١]. قال الليث أي جعلوه عِضَةً عضةً فتفرقوا فيه أي آمنوا ببعضه ، قال : وكل قطعة عِضة. وقال غيره : العضة من الأسماء الناقصة ؛ وأصلها عِضْوة ، فنُقصت الواوُ ، كما قالوا : عِزَة وأصلها عِزْوة ، وثُبَة وأصلها ثُبْوة من ثَبَّيْتُ الشيء إذا جمعته ، وتجمع عِزة عزين ، وثُبة ثُبات وثُبِينِ.

أبو العباس عن ابن الأعرابي في قول الله جلّ وعزّ : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحِجر : ٩١] : فرقوا فيه القول ، فقالوا شعر وسحر وكهانة.

وقال الزجاج : يُروى أن المشركين قالوا في القرآن : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، وقالوا : (سِحْرٌ) ، وقالوا : شعر ، وقالوا : كِهَانة فقسموه هذه الأقسام ، وعضَّوه أعضاء.

قال : وقيل : إن أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض كما فعل المشركون.

وقال الفرّاء : العِضُون في كلام العرب : السحر ، وواحد العضين عِضَة. قال ويقال : عضَّوه أي فرقوهُ كما تُعَضَّى الشاة.

قلت أنا : من جعل تفسير عِضِينَ السحر جعل واحدها عِضة ، وقال هي في الأصل عِضْهة والعِضَةُ السحر والعاضه الساحر ، ثم حذفت الهاء الأصلية من عضهة وتبقى عِضَةٌ ، كما قالوا شفة ، والأصل شَفْهَةٌ ، وسنة الأصل سَنْهَةٌ.

وقال ابن الأعرابي : العِضَةُ والتِّوَلة : السحر ، قال : وعضا مالاً يعضوه إذا فرقه.

عوض : الليث : العَوْض : مصدر قولك : عاض يَعُوض عَوْضاً وعِياضاً ، والاسم العِوَض ، والمستعمل التعويض. تقول : عوّضْتُه من هبته خيراً. واعتاضني فلان إذا جاء طالباً للعوض والصلة ، واستعاضني إذا سألك العوض. وأنشد :

نعم الفتى ومَرْغَب المعتاض

والله يجزي القرض بالإقراض

يقول : نعم مرغب الطالب للعوض وعاوضت فلاناً بِعوَض في البيع والأخذ والإعطاء ، ويقال : اعتضته مما أعطيته وعِضْت : أصبت عوضاً ، وأنشد :

هل لَكِ والعارض منك عائض

في هَجْمة يُغْدِرُ منها القابض

أي هل لك في العارض منك على الفضل في مائة يُسْئِرُ منها القابض. قال : وهذا رجل خطب امرأة فقال : أعطيك مائة من الإبل يدع منها الذي يقبضها من كثرتها ، يدع بعضها لا يطيق شَلّها. وأنا معارِضك ، أُعطي الإبل وآخذ نَفْسك فأنا عائض ، أي قد صار منك العوض كله لي.

قلت : قوله عائض من عِضْت أي أخذت

٤٤

عوضاً لم أسمعه لغير الليث ، وعائض من عاض يعوض إذا أعطى العِوض ، والمعنى : هل لك في هَجْمة أتزوّجك عليها ، والعارض منك أي المعطِي عَرْضاً بذلك عائِض أي معوِّص عِوَضاً ترضينه وهو الهَجْمة من الإبل.

وقال الليث : عَوْضُ كلمة تجري مجرى اليمين. وبعض الناس يقول : هو الدهر والزمان. يقول الرجل لصاحبه : عوضُ لا يكون ذلك أبداً ، فلو كان عوضُ اسماً للزمان إذاً لجرى بالتنوين ، ولكنه حرف يراد به القسم ، كما أن أَجَلْ ونحوها ممّا لم يتمكّن في التصريف حُمل على غير الإعراب.

وقال أبو عبيد : قال الكسائي : عوضُ بضم الضاد غير منوّن : الدهر. وقال الأعشى :

رضيعي لبانٍ ثَدْيَ أمّ تقاسما

بأَسحم داج عوض لا نتفرق

قال أبو زيد قوله : عَوْض أي أبدا ، قال وأراد بأسحم داج : الليل. ويجوز عوضَ لا نتفرق بالفتح.

قال أبو عبيد : قال أبو زيد ، عوضُ لا أفعل ذلك. وعوضَ كلاهما بغير تنوين. والنصب في عَوْض أكثر وأفشى.

قال : وقال الأموي : عوضَ ، ومن ذي عوض.

وقال أبو زيد : يقال : لا أفعله عَوْضَ العائضين ، ولا دهر الداهرين أي لا أفعله أبداً. قال ويقال : ما رأيت مثله عَوْض أي لم أر مثله قطّ. وأنشد :

فلم أر عاماً عَوْض أكثر هالكا

ووجه غلام يشتري وغلامَهْ

ويقال : عاهده لا يفارقه عوضُ أي أبداً.

ويقال تعاوض القوم تعاوضاً أي ثاب مالهم ورجالهم بعد قلّة.

وقال الليث : أراد الأعشى بقوله بأسحم داج سواد حَلَمة ثدي أمّه. أخبرني المنذري والمفضل بن سلمة عن أبيه عن الفراء أنه قال : لقيته من ذي قِبَلٍ وقَبَلٍ ومن ذي عِوَض وعَوَض ومن ذي أُنَفٍ ، أي فيما يستقبل.

ضوع : قال الليث الضَوَع : تضوّع الريح الطيّبة أين نفحتُها. وأنشد :

* إذا قامتا تضوَّع المسك منهما*

قلت ومن العرب من يستعمل التضوع في الرائحة المصِنّة. ومنه قوله :

يتضوّعن لو تضمخن بالمس

ك صُماحاً كأنه ريح مَرْق

والصُّماح : الريح المنتن والمَرْق : الإهاب الذي عُطِّن فأنتن.

وقال الليث : ضاع الصبيّ يضوع ، وهو تضوّره في البكاء في شدّة ورفع صوت.

قال : والصبيّ بكاؤه تضوّع ، وقال امرؤ القيس يصف امرأة :

يعزّ عليها رِقْبَتي ويسوءها

بكاه فتثنى الجيد أن يتضوعا

يقول تثنى الجيد إلى صبيّها حذارَ أن يتضوع.

ثعلب عن ابن الأعرابي : ضاع الطائر إذا زقّه. وتقول منه : ضُعْ ضُع إذا أمرته بزقّه.

٤٥

وقال ابن السكيت ضاعه ذلك يضوعه إذا حرّكه. وأنشد :

* يَضُوع فُؤَادَها منه بُغام*

أي يحرّكه : قال : وتضوّع الريح إذا تحرّك. وقال غيره : ضاعني أمر كذا وكذا يَضُوعني إذا أفزعني.

ورجل مَضُوع أي مذعور. وقال الكُمَيت :

رِئاب الصُدُوع غِيَاث المَضُو

ع لأمَّته الصَّدَرُ المُبْجِل

ويقال : لا يَضُوعنَّك ما تسمع منه ، أي لا تكترث له. وانضاع الفرخ والتضوّع إذا بسط جناحيه إلى أمّه لتَزَقَّه ، أو فَزِعَ من شيء فتضوّر منه ، وقال أبو ذؤيب :

فُرَيخان ينضاعان بالفجر كلّما

أحسّا دويّ الريح أو صوت ناعب

وقال الليث : الضُّوَع : طائر من طير الليل من جنس الهام. قال : وقال أبو الدُّقَيْشِ : هذا الطائر إذا أحسّ بالصَّباح صدح.

وقال الأعشى يصف فلاة :

لا يسمع المرء فيها ما يؤنّسه

بالليل إلّا نئيم البوم والضُّوَعا

قرأت بخط أبي الهيثم : والضِّوَعا ، بكسر الضاد ، وجمعه : ضيعان ، وهما لغتان : ضُوَعٌ وضِوَعٌ ، ونصب الضُّوَع بنية النَّئيم ، كأنه قال : إلا نئيم البوم وصياح الضُّوَع ، فأقام الضُّوع مقام الصياح.

ضيع : ومن ذوات الياء في هذا الباب ضاع الشيء يضيع ضياعاً وَضيْعة. وترك فلان عياله بمَضْيعة ومَضِيعة. وأضاع الرجل عياله وماله ، وضيّعهم إضاعة وتضييعاً ، فهو مُضِيع ومُضيِّع. وضَيْعة الرجل : حِرفته وصناعته وكَسْبه. يقال : ما ضيعتك؟ أي ما حرفتك. وإذا انتشرت على الرجل أسبابه قيل : فشت ضَيْعته حتى لا يدري بأيّها يبدأ. ومعنى قوله فشت أي كثرت.

وقال ابن السكيت : أضاع الرجل فهو مُضيع إذا كثرت ضَيْعته وفشت. وأنشد قول الشمّاخ :

أعائش ما لأهلك لا أراهم

يُضيعون السوام مع المضيع

وكيف يُضيع صاحبُ مُدفَآت

على أثباجهن من الصقيع

وقال الباهلي : كان الشمّاخ صاحب إبل يلزمها ويكون فيها ، فقالت له هذه المرأة : إنك قد أفنيت شبابك في رَعْي الإبل.

ما لك لا تنفق مالك ولا تتفتَّى! فقال لها الشمّاخ : ما لأهلك لا يفعلون ذلك وأنت تأمرينني أن أفعله. ثم قال لها : وكيف أُضيع إبلاً هذه الصفةُ صفتها. ودلّ على هذه قوله على أثر هذا البيت :

لمالُ المرء يُصلحه فيُغني

مفاقرَه أعفُّ من القُنُوع

يقول : لأن يصلح المرء ماله ويقوم عليه ولا يضيعه خير من القُنُوع وهو المسألة.

وقال الليث : الضِّياع : المنازل ، سميت ضياعاً لأنها تَضيع إذا تُرك تعهّدها وعمارتها.

وقال شمر : كانت ضيعة العرب سياسة الإبل والغنم. ويدخل في الضيعة الحِرفة والتجارة. يقال للرجل قم إلى ضيعتك.

٤٦

قلت : الضَيْعة والضِّيَاع عند الحاضرة : مال الرجل من النخل والكَرْم والأرض والعرب لا تعرف الضيعة إلا الحرفة والصناعة ، وسمعتهم يقولون : ضيعة فلان الخِرازة ، وضيعة آخر الفَتْل ، وسَفّ الخُوص وعمل النخل ورعي الإبل وما أشبه ذلك. ومن أمثالهم : إني لأرى ضَيعةَ ، لا يصلحها إلا ضجعة ، قاله راع رَفَضت عليه إبلُه في المرعى ، فأراد جمعها فتبدّدت عليه ، فاستغاث حين عجز بالنوم. وقال جرير :

وقلن تروحّ لا تكن لك ضَيْعة

وقلبك مشغول وهنّ شواغله

وقد تكون الضيعة من الضيَاع. وقال النضر في قوله من ترك ضياعاً فإليّ قال : الضياع : العيال.

وقال ابن السكيت : من أمثالهم : الصيفَ ضيعتِ اللبن إذا خوطب به المذكر أو المؤنث أو الاثنان أو الجميع فهي مكسورة التاء لأن المثل خوطب به المرأة فجرى المَثَل على الأصل.

وضع : شمر عن أبي زيد : وضعت الناقة وهو نحو الرقَصَان. أوضعتها أنا. قال : وقال ابن شميل : وضع البعير إذا عدا ، وأوضعته أنا إذا حملتَه عليه. وقال الليث الدابة تضع السير وَضْعاً ، وهو سير دون. يقال : إنها لحسنة الموضوع. وأنشد :

بماذا تردّين امرأ جاء لا يرى

كودّك ودّاً قد أكلّ وأوضعا

قال : يريد أوضعها راكبها ، وهو ذلك السير الدون. ومنه : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) [التّوبَة : ٤٧].

قلت : قول الليث : الوضع : سير دونٌ ليس بصحيح ، الوضع هو العَدْو. واعتبر الليث اللفظ ، ولم يعرف كلام العرب فيه.

فأمّا قول الله تعالى : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التّوبَة : ٤٧] فإن الفراء قال : العرب تقول أوضع الراكب ووضعت الناقة ، وربما قالوا للراكب وَضَع وأنشد :

* ألفيتني مُحْتَمِلاً بَزِّي أضع *

وقال الأخفش : يقال أوضعتُ ، وجئت موضِعاً. ولا توقعه على شيء. ويقال من أين أوضع الراكبُ ومن أين أوضح الراكب. هذا الكلام الجيّد. قال : وقد يقول بعض قيس : أوضعت بعيري فلا يكون لحناً.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه سمعه يقول بعد ما عُرض عليه كلام الأخفش هذا. وقال يقال : وضعُ البعيرُ يضع وَضْعاً إذا عدا فهو واضع ، أوضعته أنا أُوضعه إيضاعاً قال ويقال : وضع الرجل إذا عدا يضع وَضْعاً. وأنشد :

يا ليتني فيها جذع

أَخُبَّ فيها وأضع

أخُبّ من الخبب ، وأضع أي أَعْدو من الوضع. قال وقول الله : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) أي أوضعوا مراكبهم خلالكم لهم قال : وأمَّا قوائم : إذا طرأ عليهم الراكب : من أين أوضح الراكبُ فمعناه من أين أنشأ ، وليس من الإيضاع في شيء.

٤٧

قلت : وكلام العرب على ما قال أبو الهيثم. وقد سمعتُ نحواً مما قال من بعض العرب. ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أفاض من عرفة وعليه السَكِينة ، وأوضع في وادي مُحَسِّر.

وقال أبو عبيد : الإيضاع : سير مثل الخَبَب ، وأنشد :

إذا أُعطيتُ راحلة ورَحْلا

ولم أُوضِع فقام عليَّ ناعِي

قلت الإيضاع : أن يُعْدِي بعيره ويحملَه على العَدْو الحثيث. وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه دفع من عرفات وهو يسير العَنَق ، فإذا وجد فَجْوة نصّ. فالنصّ التحريك حتى يستخرج من الدابة أقصى سيرها ، وكذل الإيضاع.

وقال الليث : يقال : وضعت الشيء أضعه وضعاً ، وهو ضدّ رفعته. ورجل وضيع ، وقد وضُع يَوْضُع وَضَاعة وضَعَةً. وهو ضدّ الشريف. ووُضِع فلان في تجارته فهو موضوع فيها إذا خسِر فيها. قال : والوضائع : قوم كان كسرى ينقلهم من بلادهم ، ويُسكنهم أرضاً أخرى حتى يصيروا بها وَضِيعةً أبداً. قال والوضيعة : قوم من الجند يجعل أسماؤهم في كُورة لا يَغْزُون منها.

قلت : أمّا الوضائع الذين وصفهم فهم شبه الرهائن ، كان كسرى يرتهنهم ويُنزلهم بعض بلاده.

وقال الليث : والخيَّاط يُوضِّع القطن توضيعاً على الثوب. والمواضع معروفة واحدها موضع. والمواضعة : أن تواضع صاحبك أمراً تناظره فيه ويقال : دخل فلان أمراً فوضعه دخوله فيه فاتّضع. قال : والتواضع التذلّل. فهذا جميع ما ذكره الليث في باب وضع.

الحراني عن ابن السكيت : يقال هؤلاء أصحاب وَضِيعة أي أصحاب حَمْض مقيمون لا يخرجون منه ، وهي إبل واضعة أي مقيمة في الحَمْض.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الحَمْضُ يقال له الوَضِيعة.

والجمع وَضَائع. وقد وَضَعت الإبل تضع إذا رعت الحمض.

وقال أبو زيد إذا رعت الإبلُ الحَمْض حول الماء فلم تبرح قيل : وضعت تضع وَضِيعة ، ووضعتها أنا فهي موضوعة.

ابن الأعرابي : تقول العرب : أُوْضِعْ بنا وأَخْلِلْ ، والإيضاع في الحَمْضِ والإخلال في الخُلَّة وأنشد :

وضعها قيس وهي نزائع

فطرحت أولادها الوضائع

وقال أبو سعيد الوَضِيعة : الحَطِيطة. وقد استوضع منه إذا استحطّ. وقال جرير :

كانوا كمشتركين لمّا بايعوا

خسِروا وشَفَّ عليهم فاستَوْضعوا

قال : والوضائع : ما يأخذه السلطان من الخراج والعُشُور. والوضيع : أن يوضع التمر قبل أن يجفّ ، فيوضع في الجَرِين وفي الحديث «من رفع السلاح ثم وضعه

٤٨

فدمه هَدَر» ، وقال بعضهم في قوله : «ثم وضعه» أي ضرب به. وليس معناه أنه وضعه من يده ، وقال سُدَيف :

فضع السوط وارفع السيف حتّى

لا ترى فوق ظهرها أمويّا

إن معناه : ضع السوط على بدن من تبسطه عليه وارفع السيف لقتلهم. ويقال : وضع يده في الطعام إذا أكله. وإذا عاكم.

وأذا عاكم الرجل صاحبَه الأعدالَ يقول أحدهما لصاحبه : واضِع أي أمِل العِدْل على المِرْبعة التي يحملان العدل بها فإذا أمره بالرفع قال رابع.

قلت : وهذا من كلام العرب إذا اعتكموا أبو عبيد عن اليزيدي : ما حملته أمّه وُضعاً أي ما حملته على حَيْض. قال : وقال أبو عمرو : وضعت المرأة فهي تضع وُضعاً وتُضْعاً فهي واضع.

وقال ابن السكيت : وضع البعير في سيره يضع وضعاً إذا أسرع. والوُضع : أن تحمل المرأة في آخر طهرها في مُقْبَل الحيض. وهو التُّضْع أيضاً. وأنشد :

تقول والْجُرْدان فيها مكتنِع

أما تخاف حَبَلاً على تُضُع

أبو عبيد عن الأصمعي : امرأة واضع بغير هاء إذا وضعت خمارها. ويقال : إن بلدكم لمتواضع عنَا كقولك : متراخٍ ومتباعد. وقال ذو الرمَّة :

* دواء لغَوْل النازح المتواضع *

وقال الأصمعي : هو المتخاشع من بُعده تراه من بعيد لاصقاً بالأرض. وتواضع ما بيننا أي بعد. ويقال : وضع البعير حَكَمته إذا طامن رأسه وأسرع. ويراد بحَكَمته لَحْياه. وقال ابن مقبل.

فهَنَّ سَمَام واضع حكماته

مخوّية أعجازه وكراكره

ولِوى الوضيعة : رملة معروفة.

وقال أبو عبيدة : فرس موضِّع إذا كان يفترش وظيفه ، ثم يُتبع ذلك ما فوقه من خلفه ، وهو عيب.

ووضّعت النعامةُ بيضها إذا رَثَدته ، وهو بَيْض موضّع : منضود.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال : يقال في فلان توضيع أي تخنيث.

وفلان موضَّع إذا كان مخنَّثا.

ويقال للوديعة : وضيع. وقد وضَعْت عند فلان وضِيعاً إذا استودعته وديعة. ويقال : اتّضع فلان بعيره إذا كان قائماً فطامن من عنقه ليركبه ، وقال الكميت :

أصبحتَ فَرْعاً فُدَادياً بك اتّضعت

زيد مراكبها في المجد إذا ركبوا

فجعل اتّضع متعدّياً. وقد يكون لازماً يقال : وضعته فاتّضع.

عمرو عن أبيه قال : الواضعة : الروضة.

أبو عبيد عن اليزيدي : وُضِعت في مالي وأُوضعت ووُكست وأُوكِست.

الفراء له في قلبي مَوْضِعة وموقِعة أي محبّة.

ضعا : أبو عبيد عن الأصمعي : الضَعَة : شجر مثل الثُمَام وجمعه ضَعَوات وقال جرير :

٤٩

* متخذاً في ضَعَوات تَوْلجا*

قلت الضعة كانت في الأصل ، ضَعْوَة نُقص منها الواو ، ألا تراهم جمعوها ضَعَوات.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قال : ضعا إذا اختبأ ، وطعا بالطاء إذا ذَلّ. وطعا إذا تباعد أيضاً.

قلت قوله ضعا إذا اختبأ ، وقال في موضع آخر إذا استتر مأخوذ من الضعوة وكأنه اتخذ فيها تولجا أي سَرَباً فدخل فيه مستتراً.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الأضعاء السِّفَل.

باب العين والصاد

ع ص [وا يء]

عصا ، عيص ، صعا ، صوع ، وصع ، عوص.

وعص. [مهمل].

عصا : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لرجل : «لا ترفع عصاك عن أهلك». قال أبو عبيد قال الكسائي وغيره : يقال : إنه لم يُرد العصا التي يَضرب بها ، ولا أمر أحداً قطّ بذلك ، ولكنه أراد الأدب.

قال أبو عبيد : وأصل العصا الاجتماع والائتلاف ، ومنه قيل للخوارج : قد شقُّوا عصا المسلمين ، أي فرَّقوا جماعتهم.

وقول القائل : إياك وقتيل العصا يقول : إياك أن تكون قاتلاً أو مقتولاً في شقّ عصا المسلمين ، ومنه قيل للرجل إذا أقام بالمكان واطمأنّ واجتمع إليه أمره : قد ألقى عصاه وألقى بَوَانِبَه ، وقال الشاعر :

فألقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قرَّ عيناً بالإياب المسافر

ويقال للرجل إذا كان رفيقاً حسن السياسة لما يلي : إنه لليّن العصا ، وقال مَعْن بن أوس المُزَني :

عليه شَريب وادع ليَّن العصا

يساجلها جُماتِهُ وتساجله

وقال الليث في معنى البيت الأول فألقت عصاها : كانت هذه امرأة كلّما تزوّجت زوجاً فارقته واستبدلت آخر ، وكان علامة إبائها ألّا تكشف رأسها فلمّا رضيت آخر أزواجها كشفت قناعها.

أبو عبيد عن الكسائيّ : يقال : عَصَوته بالعصا. قال : وكرهها بعضهم وقال عَصِيت بالعصا ثم ضربته بها فأنا أَعْصى حتى قالوها في السيف تشبيهاً بالعصى ، وقال جرير :

تصف السيوف وغيركم يَعْصى بها

يا ابن القيون وذاك فعل الصيقل

وقال أبو زيد : عَصِيَ في القوم بسيفه وعصاه فهو يَعْصَى فيهم إذا عاث فيهم عَيْثاً ، والاسم العصا.

أبو نصر عن الأصمعيّ : عصاه بالعصا فهو يعصوه عَصْواً إذا ضربه بالعصا. وهو يعتصي على عصا جيّدة أي يتوكَّأ. ويقال : عصاً وعَصَوان وعُصِيّ في الجمع. ويقال : عِصِيّ. ويقال للراعي إذا كان قوياً على إبله ضابطاً لها إنه لصُلْب العصا وشديد العصاء ومنه قول عُمَر بن لَجأ :

* صُلْبُ العصا جافٍ عن التعزُّل*

٥٠

أبو عبيد عن الأصمعيّ في باب تشبيه الرجل بأبيه : العصا من العُصَيّة. قال أبو عبيد هكذا قال ، وأنا أحسبه العُصَيَّة من العصا ، إلا أن يراد به أن الشيء الجليل إنما يكون في بدئه صغيراً ، كما قالوا : إن القَرْم من الأفيل. فيجوز على هذا المعنى أن يقال : العصا من العُصَيَّة.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العصا تُضرب مثلاً للاجتماع ، ويضرب انشقاقها مثلاً للافتراق الذي لا يكون بعده اجتماع. وذلك أنها لا تُدْعى عصاً إذا تشقّقت.

وأنشد :

فلله شَعْبَا طِيّةٍ صدعا العصا

هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميع

قوله : فلله له معنيان : أحدهما أنها لام التعجب ، تَعَجَّب مما كانا فيه من الأُنْس واجتماع الشمل ، والثاني أن ذلك مصيبة موجِعة فقال : لله ذلك يفعل ما يشاء ، ولا حيلة فيه للعباد إلّا التسليم كالاسترجاع.

ويقال : قرع فلان فلاناً بعصا الملامة إذا بالغ في عَذْله. ولذلك قيل للتوبيخ : تقريع.

وقال أبو سعيد : يقال فلان يُصَلِّي عصا فلان أي يدبّر أمره ويليه. وأنشد :

* وما صَلَّى عصاك كمستديم*

قلت : والأصل في تصلية العصا أنها إذا اعوجّت ألزمها مقوّمها حَرّ النار حتى تلين له وتجيب التثقيف.

يقال : صلّيت العصا النارَ إذا ألزمتها حَرَّها حتى تلين لغامزها. وتفاريق العصا عند العرب أن العصا إذا انكسرت جُعلت أشِظَّة ، ثم تجعل الأشِظَّة أوتاداً ، ثم تجعل الأوتاد توادِيَ للصِرار.

يقال : هو خير من تفاريق العصا وكانت العصا لجَذِيمة الأبرش ، وهي اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب. ويقال للعصا : عصاة بالهاء. يقال أخذت عصاته ومنهم من كره هذه اللغة ومن أمثالهم : إن العصا قُرِعت لذي الحلم ، وذلك أن بعض حكّام العرب أسنّ وضعف عن الحكم ، فكان إذا احتكم إليه خصمان وزلّ في الْحُكم قَرَعَ له بعضُ ولده العصا يفطّنه بقرعها للصواب فيفطُن له ، ويقال للقوم إذا استُذلوا : ما هم إلا عبيد العصا. ويقال : عِرق عاص ، إذا لم يرقأ دمه : هو العاند النّحار ، ومنه قول ذي الرمة :

* وهن من واطىء تثنى حويَّته*

وناشج وعواصي الجوف تنشخب ، يعني عروقاً تقطعت في الجوف فلم يرقأ دمها ويقال عصى فلان أميره يعصيه عصياً وعِصْياناً إذا لم يطعه ، وعصى العبد ربه إذا خالف أمره. ويقال للجماعة إذا خرجت عن طاعة السلطان : قد استعصت عليه. ويقال فلان يعصى الريح إذا استقبل مهبَّها ولم يتعرض لها ، اعتصى فلان بالعصا إذا توكأ عليها فهو معتصٍ بها.

أبو العباس عن ابن الأعرابي يقال : عصاه يعصوه إذا ضربه بالعصا قال وعَصِي يَعْصَى إذا لعب بالعصا كلعبه بالسيف.

٥١

قال : ويقال عصا إذا صَلُب.

قلت كأنه أراد عسا بالسين فقلبها صاداً وروى الأصمعي من بعض البصريين أن العصا سميت عصاً لأن اليد والأصابع تجتمع عليها ، مأخوذ من قول العرب : عصوت القوم أعصوهم ، إذا جمعتهم على خير أو شر ، قال : ولا يجوز مد العصا ولا إدخال التاء معها ، قال وأول لحن سمع بالعراق هذه عصاتي بالتاء

والفصيل عند العرب إذا لم يتبع أمه عاصٍ وقد عُصَى أمّه.

وقول الشاعر : أنشده ابن الأعرابي :

أظنك لما خضحضت بطنَك العصا

ذكرت من الأرحام ما لست ناسيا

قال العصا عصا البين هاهنا.

عوص : يقال كلام عَويص. وقد عاص يَعَاص ، وعِوص يَعْوَص ، وكلمة عَوْصاء مِن عِوص. وداهية عوصاء : شديدة. واعتاص عليّ هذا الأمرُ يعتاص فهو معتاصٌ إذا التَاث عليه ، فلم يهتدِ لجهة الصواب فيه. وأعوَص فلان بخصمه : إذا أدخل عليه من الْحُجَج ما عَسُر عليه المخرج منه. وقال لَبيد :

فلقد أعوِص بالخصْم وقد

أملأ الْجَفْنة من شحم القلل

ويقال للناقة إذا ضربها الفحل فلم تَلْقح : قد اعتاصت. قال ذلك الليث ، وأكثر الكلام اعتاطت بالطاء.

شمر عن شميل : العوصاء المَيْثاء المخالفة : هذه ميثاء عَوْصاء بينة العَوَص.

ثعلب عن ابن الأعرابي : عوّص فلان إذا ألقى بيت شعر صعبَ الاستخراج. أبو عبيد : العوصاء : الشدَّة ، وقال غيره : أصابتهم عوصاء أي شدَّة ، وقال ابن أحمر :

لم تدر ما نسج الأرندج قبله

ودِرَاسُ أعْوَصَ دارسٍ متجدد

قال الباهلي : أراد دراس كتاب الموصَى عليها متجدد لغيرها.

والأعوص : الغامض الذي لا يوقف عليه ، قال : والمِعْياص كل متشدد عليك فيما تريده منه قال والمعياص كل متشدد عليك فيما تريده منه.

عيص : قال الليث : العِيص : منبِت خيار الشجر قال : وأعياص قريش كرامهم ينتمون إلى عِيص ، وعيص في آبائهم وقال العجاج :

* من عيص مروان إلى عيصٍ غَطِم*

قال والمَعِيص كما تقول : المنبت. وهو اسم رجل. وأنشد :

ولأثأرنَّ ربيعة بن مُكَدَّم

حتى أنال عُصَيّة بن مَعِيص

وقال أبو عمرو العيصانُ من معادن بلاد العرب.

الحراني عن ابن السكيت قال : قال عُمارة : العِيص من السِدْر والعَوسج والنْبع والسَلَم ومن العضاه كلها إذا اجتمع وتدانى والتفّ. الجميع العِصيان وهو من الطَّرفاء الغَيْطلةُ ، ومن القَصَب الأجَمَةُ. وقال الكلابي : العِيص : ما التفَّ من

٥٢

عاسي الشجر وكثر : مثل السَلَم والطلح والسَّيال والسِدْر والسَمُر والعُرْنُط والعضاه.

وقال شمر : عِيص الرجل : أصله. وأنشد :

ولعبد القيس عيص أشب

وقنيب وهجانات زُهُرْ

أبو عبيد عن أبي زيد : من أمثالهم في استعطاف الرجل صاحبه على أقربيهِ وإن كانوا له غير مستأهلين قولهم : منك عيصُك وإن كان أشِبا. قال أبو الهيثم في قوله : وإن كان أشبا أي وإن كان ذا شوك داخلاً بعضه في بعض. وهذا ذمّ. قال : وأما قوله :

* ولعبد القيس عِيص أشب*

فهو مدح أراد به المنعة والكثرة. ويقال هو في عيص صدق أي في أصل صدق.

صوع : قال الله جل وعزّ : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) [يُوسُف : ٧٢].

سلمة عن الفرّاء قال : الصُوَاع : ذكر. وهو الإناء الذي كان للملك يَشرب به. قال : والصاع يؤنث ويذكّر. فمن أنّثه قال : ثلاث أصوع مثل ثلاث أَدْوُر ، ومن ذكَّره قال : أصواع مثل ثواب.

وقال سعيد بن جبير في قوله : (صُواعَ الْمَلِكِ) قال : هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه.

وقال الحسن : الصُوَاع والسِقاية شيء واحد. وقد قيل : إنه كان من ورِق كان يكال به ، وربما شربوا به ، أخبرني بذلك المنذريّ عن ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس ويجمع الصاع أيضاً صِيعاناً.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يتوضّأ بالمد ، ويغتسل بالصاع. وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي بالمدينة أربعة أمداد بمدهم المعروف عندهم.

وهو يأخذ من الحَبّ قدر ثلثي مِنا بلدنا. وأهل الكوفة يقولون : عيار الصاع أربعة أمناء والمدّ ربعه وصاعهم هذا هو القفيز الحَحّاجي لا يعرفه أهل المدينة.

وقال شمر : قال ابن شميل : الصاعَة ، البقعة الجرداء ليس فيها شيء.

قال : والصاعة يكسحها الغلام ، وينحّي حجارتها ، ويكرو فيها بكرته. فتلك البقعة هي الصاعة.

وبعضهم يقول : الصاع. وأنشد ابن السكيت :

مرِحت يداها للنجاء كأنما

تكْرُو بكفَّي لاعبٍ في صاع

وقال ابن السكيت : الصاع : المطمئن من الأرض كالحفرة.

وقال ابن شميل : ربما اتخذت صاعة من أديم كالنِّطَع لندف القطن أو الصوف عليه.

وقال الليث : إذا هيّأت المرأة لندف القطن موضعاً يقال صوَّعت موضعاً. واسم ذلك الموضع الصاعة.

وقال اللحياني : صُعْت الغنم وصِعْتها أصوعها وأَصِيعها إذا فرقتها. ابن السكيت عن أبي عمرو : تصوّع البقلُ

٥٣

تصوُّعاً ، وتصيّع تصيُّعاً إذا هاج. ومثله تصوَّح وتصيَّح. ويقال تصوَّع القوم إذا تفرقوا تصوُّعاً.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : تصوَّع الشَعَرُ إذا تفرّق.

وقال الليث : الكمِيُ يصُوع أقرانه إذا حازهم من نواحيهم ، والراعي يصوع الإبل كذلك.

قلت : غلط الليث فيما فسَّر ، ومعنى يصوع الكميّ أقرانه إذا حمل بعضهم على بعض أو أن يحمل عليهم فيفرق جمعهم.

وكذلك الراعي يصوع إبله إذا فرّقها في المرعى والتيس إذا أُرْسل في الشاء صاعها إذا أراد سفادها أي فرقها.

وأنشد أبو عبيد :

يصوع عُنوقها أحوى زنيم

له ظأُب كما صخِب الغريمُ

ويقال : صُعتُ القوم وصِعْتهم إذا حملت بعضهم على بعض. وقال الليث في قوله :

* فظلّ يكسوها النجاء الأصيعا*

قال : لو ردّ إلى الواو ولقال الأصوعا.

وقال أبو عبيد : انصاع الرجلُ إذا انفتل راجعاً ، والمُنصاع والمعرِّد والناكص واحد ؛ قال ذو الرمة :

فانصاع جانبُه الوحشيُّ وانكدرت

يَلْحَبْن لا يأتلي المطلوبُ والطَلَبُ

صعا : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : صعا إذا دَقّ ، وصعا إذا صغر.

قلت : كأنه ذهب به إلى الصَعْوة ، وهو طائر لطيف وجمعه صِعَاءٌ.

وقال ابن الأعرابي أيضاً : الأعصاء : الأصول ، والأصعاء جمع الصَعْو : طائر صغير.

وقال الليث : الصَعْو : صغار العصافير ، والأنثى صَعْوة. قال وهو : أحمر الرأس وجمعه صِعاء على لفظ السِّقَاء.

قال : ويقال صَعْوة واحدة ، وصَعْو كثير.

ويقال : بل الصَّعْو والوَضَع واحد كما يقال جذب وجبذ وبض وضبَّ.

وصع : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن العرش على مَنْكِبِ إسْرَافيل ، وإنه ليتواضع لله جلّ وعزّ حتى يصير مثل الوَصع».

قال أبو عبيد يقال في الوَصْع : إنه الصغير من أولاد العصافير ، ويقال : هو طائر شبيه بالعصفور الصغير في صغر جسمه.

وقال الليث : الوَصْع والوَصَع صغارها خاصّة ، والجميع الوِصْعان.

قال : والوَصِيع : صوت العصفور.

وقال شمر : لم أسمع الوصع في شيء من كلامهم ، إلا أني سمعت بيتاً لا أدري مَن قائله ، وليس الوصع الطائر في شيء :

أناخ فنعم ما اقلولَى وخوَّى

على خَمْس يَصَعن حصى الجَبوب

قال يصعن الحصى : يغيّبنه في الأرض.

قلت : الصواب عندي : يصُعن حَصَى الجَبُوب أي يفرّقنها يعني الثفنات الخمس.

وأما عَيصُو فهو ابن إسحاق أخو يعقوب. وهو أبو الروم.

٥٤

باب العين والسين

ع س [وا يء]

عسا ، عوس ، سعا ، عيس ، سوع ، وسع ، سيع ، وعس.

عسا : أبو عبيد عن الأمويّ : يقال للشيخ إذا وَلّى وكبِر : عتا يعتُو عُتِيّاً ، وعسا يعسو مثله.

قال : وقال الأحمر : عست يدُه تعسو عُسُوّاً إذا غَلُظت من العمل.

وقال الليث : عسا الشيخ يَعسو عَسْوَةً وَعَسَاءً إذا كبِر.

قلت : والصواب في مصدر عسا ما قال الأحمر ، ويجوز عُسِيّاً مثل عُتِيّاً.

وقال الليث : عسا النبات إذا غلظ. قال : ولغة أخرى : عَسِى يَعْسِى عَسى ، وأنشد :

يَهْوون عن أركان عزّ أورما

عن صامل عاسٍ إذا ما اصلخْمَمَا

قال وعست يده إذا غلظت من العمل.

وكان جلَّادٌ صاحب شرطة البصرة يكنى أبا العَسَاء.

قال أبو بكر : العَسَاءُ مصدر عسا العود يعسو ، والقَسَاءُ مصدر قسا القلب يقسو وعسى : حرف من حروف المقاربة وفيه ترجِّ وطمع. وهي من الله واجب ومن العباد ظن ، وقد قال الشاعر فجعله يقيناً أنشده أبو عبيد :

ظنّ بهم كعسى وهم بتنوفَةٍ

يتناوبون جوائب الأمثال

وقال ابن كيسان : عسى من الله واجب ومن العباد ظن ، لأن العبد ليس له فيما تستقبل علم نافذ إلّا بدلائل ما شاهد ، وقد يجوز أن تبطل الشواهد له على ما لم يكن فلا يكون ما يُظن ، وقد اجتهد في عسى بأغلب الظن عليه وهو منتهى علمه فيما لم يقع ، والله تعالى علمه بما لم يكن كعلمه بما كان ، فلا يكون في خبره عسى إلا على علمه ، فهي واجبة من قِبَله على هذا ، وقد قال الشاعر حين انتهى بظنّه عند نفسه إلى حقيقة العلم فمثّله بعسى إذا كانت أغلب الظن وأقواه ، فقال :

ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفة

يتنازعون جوائب الأمثال

وقال الليث : عسى يجري مجرى لعَلّ ، عسَيت ، وعسَينا ، وعَسَيتم ، وعسَت للمرأة ، وعستا ، وعَسَين. يتكلّم به على فعل ماض ، وأُميت ما سواه من وجوه فعله. لا يقال : يعسَى ولا يعسِي ، ولا مفعول له ولا فاعل.

وقال النحويون : يقال : عسَى ولا يقال : عسِى.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [محَمَّد : ٢٢] اتفق القراء أجمعون على فتح السين من قوله عَسَيْتُمْ إلّا ما جاء عن نافع أنه كان يقرأ : «فهل عسِيتم» بكسر السين.

وكان يقرأ : (عَدُوَّكُمْ) [الأعرَاف : ١٢٩] ، فدل موافقته القراء على عسى على أن الصواب قوله عَسَيْتُمْ فتح السين.

وقال ابن الأعرابي : المُعْسِية : الناقة التي يُشكّ فيها أبها لبن أم لا.

٥٥

وقال الشاعر :

إذا المُعْسياتُ مَنَعن الصَبُو

ح خبّ جَرِيُّكِ بالمُحْصَن

جريُّه : وكيله ورسوله : والمُحْصَن : ما أُحْصِن وادّخر مِنَ الطعام.

وقال اللحياني : إنه لَمَعْساة أن يفعل ذاك ؛ كقولك : مَحْراة ، وأعس به أن يفعل ذاك كقولك أحر به. والمِعْسَاءُ من الجواري : المراهِقة التي يَظنّ من رآها أنها قد توضَّأَت. وأنشد ثعلب :

ألم ترني تركت أبا يزيد

وصاحِبَهُ كمِعْسَاءِ الجواري

بلا خَيْط ولا نَيْط ولكن

يداً بيد فها عِيثِي جَعَارِ

قال : هذا رجل طعَن رجلاً ، ثم قال : تركته كمعساء الجواري : يسيل الدم عليه كالمرأة التي لم تأخذ الحِشْوَةَ في حيضها ، فدمها يسيل على فخذيها ، وقوله. يداً بيد ، أي طعنه كفاحاً ولم أطعنه خَتْلاً.

أبو عبيد عن الأموي : العاسي : الشمراخ من شماريخ العَذْق في لغة بلحارث بن كعب.

وقال ابن الأعرابي : الأعساء : الأرزان الصُلْبة قلت وواحدها عاسٍ.

عوس : أخبرني الإياديّ عن شمر قال يقال : هو يعُوس عياله ويعولهم أي يقوتُهم. وأنشد :

خلّي يتامَى كان يُحسن عَوْسهم

ويقوتهم في كلّ عام جاحد

سلمة عن الفراء : عاس فلان معاشه عَوْساً ورقَّحه واحد.

وقال أبو زيد : عاس فلان مالَه عَوْساً ورقَّحه واحد.

وقال أبو زيد : عاس فلان مالَه عَوْساً ، وساسه سياسة إذا أحسن القيام عليه. وإنه لسائس مالٍ ، وعائس مالٍ بمعنى واحد.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : يقال : عاس على عياله يَعُوس عَوْساً إذا كدّ وكدح عليهم. قال : والعُوس الكِباش البيض. قال : والعُواسة : الشَّرْبَة من اللبن وغيره. وقال الليث : والعَوْس والعَوَسان : الطوفان بالليل. قال : والذئب طلب شيئاً يأكله.

قال : والأعوس : الصيقل. ثم قال : ويقال لكل وصّاف لشيء : هو أعوس وصّاف.

وقال جرير :

تجلو السيوف وغيركم يَعْصَى بها

يا ابن القُيُون وذاك فعل الأعوس

قلت : رابني ما قاله في الأعوس وتفسيره إبداله قافية هذا البيت بغيرها. والرواية : وذاك فعل الصيقل. والقصيدة لجرير معروفة وهي لاميّة طويلة. وقوله الأعوس : الصيقل ليس بصحيح عندي.

وقال ابن دريد : العَوَس : مصدر قولك رجل أعوس ، وامرأة عوساء ، وهو دخول الخدّين حتى تكون فيهما هَزْمتان وهو العَوَس.

أبو عبيدِ عن القَنَاني : العَوَاساء من الخنافس : الحامل وأنشد :

٥٦

* بكرا عواساء تَفَاسى مُقْرِبا*

وعس : أبو عبيد عن أبي عمرو : المِيعاس : الأرض التي لم توطأ.

وقال الأصمعي : الأوعس ؛ السهل الليّن من الرمل.

وقال ابن بُزُرْجَ : الميعاس ، الطريق. وأنشد :

واعَسن ميعاسا وجُمهوراتِ

من الكَثِيب متعرِّضات

وقال الليث : الميعاس : المكان الذي فيه الرمل الوَعْس ، وهو الرمل الذي تَسُوخ فيه القوائم. والاسم الوَعْساء ورمل أوعس ، وهو أعظم من الوَعْساء. وأنشد :

* ألبِسْن دِعْصاً بين ظهري أو عسا*

وقال جرير :

* حيَّ الهِدَملة من ذات المواعيس *

وأنشد ابن الأعرابي :

* ألقت طلا بوعسة الحَوْمان*

وقال الليث : المواعسة : ضرب من سير الإبل في السرعة. تقول : واعسن بالأعناق إذا مددن الأعناق في سعة الخَطْو. وأنشد :

كم اجتبن من ليل إليك واعست

بنا البيدَ أعناق المهارى الشعاشع

وقيل : المواعسة : المباراة في السير وهي المواضحة. أبو عبيد المواعسة : الإقدام في السير.

سوع : قال الليث : سُواع : اسم صنم عُبد زمن نوح فغرّقه الله أيام الطوفان ودفنه فاستثاره إبليس لأهل الجاهلية فعبدوه.

وقال اللحياني : يقال : أتيته بعد سُوَاع من الليل ، وبعد سُوْع من الليل أي بعد ساعة.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : السُّواعيُ مأخوذ من السُّواع وهو المَذْي وهو السُّوَعاء قال :

ويقال : سُع سُع إذا أمرته أن يتعهّد سُوَعاءه.

وقال أبو حاتم : أخبرني أبو عبيدة أنه قال لرؤبة : ما الوَدْي. فقال : يسمّى عندنا السُوعاء.

وقال شمر : السوعاء محدود : المَذْي الذي يخرج قبل النُطْفة. وقد أَسْرع الرجلُ وأنشر إذا فعل ذلك ، حكاه عن أبي العَمَيثل وغيره. والساعة : الوقت الذي تقوم فيه القيامة ، سمّيت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخَلْقُ كلُّهم عند الصيحة الأولى التي ذكرها الله ، فقال : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ). [يس : ٢٩] والساعة : جزء من آخر الليل والنهار ، وتُجمع ساعات وساعاً. وتصغّر سُويعة.

والليل والنهار معاً أربع وعشرون ساعة.

وإذا اعتدلا فكل واحد منهما اثنتا عشر ساعة. ويقال : هو ضائع سائع ، وقد أضعْت الشيء وأَسَعته.

أبو عبيد عن أبي عمرو : أسعت الإبل أي أهملتها. وساعت هي تَسُوع سَوْعاً. ومنه قيل : ضائع سائع ، وناقة مِسْياع. وهي الذاهبة في الرَعْي.

٥٧

وقال شمر : يقال : تَسِيعُ مكان تسوع.

قال : وناقة مسياع : تدع ولدها حتى يأكله السبع. ورجل مِسْياع وهو المضياع للمال.

ويقال : رُبّ ناقة تُسيع ولدها حتى يأكله السباع.

ويقال : ساوعت الأجير إذا استأجرته ساعة بعد ساعة.

وقال ابن الأعرابي : الساعة : الهَلْكى ، والطاعة : المطيعون ، والجاعة : الجياع.

سعا : سَلمة عن الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات : ٣٧] قال : أطاق أن يعينه على عمله وسعيه. وقال : وكان إسماعيل يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة ، ونحوَ ذلك قال الزجّاج.

وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجُمُعَة : ٩] قال : السعي والذهاب بمعنى واحد ؛ لأنك تقول للرجل : هو يسعى في الأرض وليس هذا باشتداد.

وقال الزجاج : أصل السعي في كلام العرب التصرّف في كل عمل. ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النّجْم : ٣٩] معناه : إلّا ما عمل. قال ومعنى قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فاقصدوا ، وليس معناه العَدْو.

قلت : وقد يكون السعي بمعنى العَدْو في كلام العرب ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعَون ، ولكن ائتوها وعليكم السكينةُ ، فما أدركتم فصلُّوا ، وما فاتكم فأتِمُوا» فالسعي في هذا الحديث العَدْو.

اللحياني : الساعي الذي يقوم بأمر أصحابه عند السلطان. والجميع سُعاة. قال : ويقوم أهلَه أي يقوم بأمرهم.

ويقال ؛ فلان يسعى على عياله أي يتصرّف لهم ، كما قال الشاعر :

أسعى على جُلّ بني مالك

كل امرىء في شأنه ساعي

والسَعَاة : التصرّف. ونظير السَعَاة من الكلام النجاة من نجا ينجو ، والفلاة من فلاه يفلوه إذا قطعه عن الرضاع ، وعصاه يعصوه عَصَاة ، والغراة من قولهم : غَرِيت بِه أي أولعت غراةً قال :

لا تخلنا على غراتك إنا

قبلُ ما قد وشى بنا الأعداءُ

وفعلت ذلك رجاة كذا وكذا ، وتركت الأمر خشاة الإثم ، وأذى به أذّى وأذاة.

وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي : سعى إذا مشى ، وسعى إذا عدا ، وسعى إذا عمل ، وسعى إذا قصد.

قال وقوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي اقصدوا.

ورُوي عن ابن عباس أنه قال : الساعي لغير رِشْدة ، أراد بالساعي الذي يسعى بصاحبه إلى سطانه فتمحِل به. وأراد بقوله : لغير رشدة : أنه ليس بثابت النسب من أبيه الذي ينتمي إليه.

ورُوي عن كعب أنه قال : الساعي مثَلث وتأوّله أنه يُهلك ثلاثة نفر بسعايته ؛ أحدهم المسعِيّ به ، والثاني السلطان الذي سعى

٥٨

بصاحبه إليه حتى أهلكه ، والثالث هو الساعي نفسه ، سمى مثلثاً لإهلاكه ثلاثة نفر ، ومما يحقّق ذلك الخبرُ الثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة قَتّات» فالقَتّات والساعي والماحِل واحد.

ويقال لعامل الصدقات : ساعٍ وجمعه سُعَاة ، وقد سعى يسعى إذا عمل عمل الصدقات فأخذها من أغنيائها وردّها في فقرائها.

وقال عمرو بن العدّاء الكلبيّ :

سعى عِقَالاً فلم يترك لنا سَبَدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

وفي حديث عمر أنه أُتِي في إماء ونساء سَاعَيْنَ في الجاهليّة ، فأمر بأولادهنّ أن يقوَّموا على آبائهم ولا يسترقّوا.

قال أبو عبيد : وأخبرني الأصمعيّ أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث فقال له : إن المساعاة لا تكون في الحرائر ، إنما تكون في الإماء.

قال أبو عبيد : ومعنى المساعاة الزنى.

وخصّ الإماء بالمساعاة لأنهن كن يسعَين على مواليهنّ فيكسِبن لهم.

قلت : ومن هذا أُخذ استسعاء العبد إذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه ، وذلك أنه يسعى في فَكَاك ما رقّ من رقبته ، فيعمل فيه ويتصرّف في كسبه حتى يعْتِق. ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه.

وقال أبو الهيثم : المساعاة : مساعاة الأمة إذ ساعاها مالكها ، فضَرب عليها ضريبة تؤدّيها بالزنى ، ومنه يقال : استُسعِي العبد في رقبته سُوعِيَ في غلته فالمستسعَى الذي يُعتقه مالكه عند موته ، وليس له مال غيره ، فيعتق ثلثه ويُستسعى في ثلثي رقبته. والمساعاة : أن يساعيه في حياته في ضريبته. والسعي يكون في الصلاح ، ويكون في الفساد.

قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) [المَائدة : ٣٣] نصب قوله (فَساداً) لأنه مفعول له ، أراد : يسعون في الأرض للفساد. وكانت العرب تسمي أصحاب الحَمَالات لحَقْن الدماء وإطفاء النائرة سُعَاة ؛ لسعيهم في صلاح ذات البين.

ومنه قول زهير :

سعى ساعياً غيظِ بن مُرَّة بعدما

تبزّل ما بين العشيرة بالدم

أي سعياً في الصلح وجَمْع ما تحمّلا من ديات القتلى. والعرب تسمي مآثر أهل الشرف والفضل مساعي واحدتها مَسعاة لسعيهم فيها ، كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعْنوا فيها أنفسهم. والسَّعاة اسم من ذلك ، ومن أمثال العرب : شغلت سَعَاتِي جدواي.

قال أبو عبيد : يُضرب هذا مثلاً للرجل يكون شيمته الكرم غير أنه مُعدِم. يقول : شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم. ومن أمثالهم في هذا : بالساعد تبطش اليد.

قلت كأنه أراد بالسعاة الكسب على نفسه والتصرّف في معاشه.

ومنه قولهم : المرء يسعى لغارَيْه أي

٥٩

يكسب لبطنه وفرجه. وساعي اليهود والنصارى : هو رئيسهم الذي يُصدرون عن رأيه ولا يقضون أمراً دونه. وهو الذي ذكره حُذَيفة فقال : إن كان يهودياً أو نصرانياً ليردَّنه عليّ ساعيه. ويقال أراد بالساعي : الوالي الذي عليه من المسلمين ، وهو العامل. يقول يُنصفني منه. وإن لم يكن له إسلام. وقلّ من ولى عملاً على قوم فهو ساعٍ عليهم.

أبو عبيد عن الكسائي : مضَى من الليل سِعْو وسَعْواء ممدود.

وقال ابن بُزُرْجَ : السِّعواء مذكّر ، قال وقال : بعضهم : السِعْوا فوق الساعة من الليل. وكذلك السِعواء من النهار.

ويقال كنا عنده سِعْواوات من الليل والنهار.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : قال : السَعْوة الساعة من الليل. والسَعْوة : الشَمَعة قال : والأسعاء : ساعات الليل ويقال للمرأة البذيئة الجالعة : سِعْوة وعِلْقَة وسِلْقة.

عيس : الحراني عن ابن السكيت قال : العَيْسُ : ماء الفحل. يقال عاسها يعيسها عَيْساً. والعِيس جمع أعيس وعيساء ، وهي الإبل البيض يخالط بياضَها شيء من شقرة.

وقال أبو عبيد : عاس الفحلُ من الإبل الناقةَ يعيسها عَيْساً إذا ضربها.

وقال شمر : قال أبو عبيدة والمؤرِّج : العَيْسُ : ماء الفحل. وأنشد بيت طرفة.

* سأحلب عَيْسا صَحْنَ سَمِّ*

قال والعَيْس يقتل ، لأنه أخبث السمّ.

قال شمر : وأنشدنيه ابن الأعرابيّ :

* سأحلُب عنسا صحن سمّ*

بالنون : وقال النضر : الجمل يعيس الناقة أي يضربها.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا خالط بياضَ البعير شقْرة فهو أعْيس.

وقال الليث : العَيس والعِيسة : لون أبيض مشرب صفاء في ظلمة خفيّة. يقال : جمل أعيس. قال : والعِيسة في أصل البناء فُعْلة على قياس الصُّهبة والكُمْتة ، وإنما كُسرت العين لمجاورتها الياء. قال : وظبي أعيس. قال : وعيسى : اسم نبيّ الله صلوات الله عليه يجمع : عِيسُون بضمّ السين ؛ لأن الياء زائدة فسقطت. قال : وكأن أصل الحرف من العَيَس. قال : وإذا استعملت الفعل منه قلت عَيِسَ يَعْيَس أو عاس يعيس. قال وعيسى شبه فُعلى.

وقال ابن كيسان في جمع عيسى وموسى : عيسَون وموسَوْن مثل المصطفون والأدنون في الرفع ، وفي النصب والخفض : المصطفين والأدَنين.

وقال الزّجاج : عيسى : اسم أعجميّ عُدل عن لفظه بالأعجميّة إلى هذا البناء وهو غير مصروف في المعرفة ؛ لاجتماع العجمة والتعريف فيه. ومثال اشتقاقه من كلام العرب أن عِيسى فِعْلى. فالألف تصلح أن تكون للتأنيث فلا تنصرف في معرفة ولا نكرة. ويكون اشتقاقه من

٦٠