تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

أي أرفق بك ؛ لأنه يعود عليك برفق ويُسْر. والعائدة : اسم ما عاد به عليك المُفْضِل من صلة أو فضل ، وجمعها العوائد.

وعادٌ : قبيلة. ويقال للشيء القديم : عادِيّ وبئر عاديّة.

وقال الفرّاء : يقال هؤلاء عَوْد فلان وعُوَّاده مثل زَوره وزُوَّاره ، وهم الذين يعودونه إذا اعتلَّ والعوائد : النساء اللواتي يَعُدن المريض ، الواحدة عائدة.

وقال الليث : العُود : كل خشبة دَقَّت. قال : وخشبة كل شجرة غلظ أورقّ يسمى عُوداً.

قال : والعود : الذي يستَجْمرُ به معروف.

وقول الأسود بن يعْفُر :

ولقد علمت سوى الذي ينتابني

أن السبيل سبيل ذي الأعواد

قال المفضل : سبيل ذي الأعواد يريد الموت ، عنى بالأعواد ما يحمل عليه الميت.

قلت : وذلك أن البوادي لا جنائز لهم ؛ فهم يضمّون عوداً إلى عود ويحملون الميت عليها إلى القبر.

قال ويقال للرجال الذين يعودون المريض : عُوَّاد ؛ وللنساء عُوَّد ؛ هكذا كلام العرب.

قال : والعُود : ذو الأوتار الذي يضرب به ، ويجمع عيداناً والعَوّاد الذي يتخذها. وقال شمر في قول الفرزدق :

ومن ورث العُودين والخاتم الذي

له المُلك والأرض الفضاء رحيبُها

قال العودان : منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعصاه.

وقال بعضهم : العَوْد تثنية الأمر عوداً بعد بَدْء. يقال : بدأ ثم عاد. والعَوْدة : عوده مرة واحدة.

وقال الله جلّ وعزّ : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) [الأعراف : ٢٩ ، ٣٠] يقول : ليس بعثكم بأشدّ من ابتدائكم. وقيل : معناه : تعودون أشقياء وسعداء كما ابتدأ فطرتكم في سابق علمه ، وحين أمر بنفخ الروح فيهم وهم في أرحام أمّهاتهم.

وقوله جلّ وعزّ : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجَادلة : ٣].

قال الفراء : يصحّ فيها في العربية : ثم يعودون إلى ما قالوا وفيما قالوا يريد النكاح ، وكلٌّ صواب. يريد : يرجعون عما قالوا وفي نقض ما قالوا.

قال : وقد يجوز في العربية أن تقول : إن عاد لما فعل ، تريد إن فعله مرة أخرى ويجوز إن عاد لما فعل إن نقض ما فعل. وهو كما تقول حلف أن يضربك فيكون معناه حلف لا يضربك. وحلف ليضربنّك.

وقال الأخفش في قوله : (ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا) إنا لا نفعله فيفعلونه يعني الظهار. فإذا أعتق رقبة عاد لهذا الذي قال إنه علَيّ حرام ففعله.

وقال أبو العباس : المعنى في قوله يَعُودُونَ

٨١

(لِما قالُوا) لتحليل ما حرَّموا ، فقد عادوا فيه.

وروى الزجاج عن الأخفش أنه جعل (لِما قالُوا) من صلة (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فالمعنى عنده : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا. قال : وهذا مذهب حسن.

وقال الشافعي في قوله : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يقول : إذا ظاهر منها فهو تحريم ، كان أهل الجاهلية يفعلونه ، وحُرّم على المسلمين تحريمُ النساء بهذا اللفظ. فإن اتبع المظاهر الظهار طلاقاً فهو تحريم أهل الإسلام ، وسقطت عنه الكفَّارة. وإن لم يُتبع الظهار طلاقاً فقد عاد لما حَرَّم ولزمته الكفّارة عقوبة لما قال. قال : وكان تحريمه إيّاها بالظهار قولاً ، فإذا لم يطلِّقها فقد عاد لما قال من التحريم.

وقال بعضهم : معناه : و (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) أي كانوا يظاهرون قبل نزول الآية (ثُمَ يَعُودُونَ) للظهار في الإسلام فعليه الكفارة ، فأوجب عليه الكفّارة بالظهار.

وقال بعضهم : إذا أراد العود إليها والإقامة عليها مَسّ أو لم يمسّ كفّر.

وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القَصَص : ٨٥].

قال الحسن : معاده الآخرة. وقال مجاهد : يُحييه يوم البعث. وقال ابن عباس : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) إلى مَعدِنك من الجنّة. وقال بعضهم : (إِلى مَعادٍ) إلى مكة. وقال الفراء : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) حيث وُلدت. قال : وذكروا أن جبريل قال : يا محمد أَشْتَقْتَ إلى مولدك ووطنك؟ قال : نعم. فقال : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ). قال والمَعَاد ههنا : إلى عادتك حيث ولدت وليس من العود. وقد يكون أن تجعل قوله : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) لمُصَيِّرُكَ إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجباً إلى معاد أَيَّما معاد لما وعده من فتح مكّة.

وقال الليث : المَعَادة والمَعَاد كقولك لآل فلان معادة أي مصيبة يغشاهم الناس في مناوح أو غيرها يتكلم بها النساء. يقال : خرجت إلى المعادة والمعاود : المآتم. والمعاد. كل شيء إليه المصير. قال : والآخرة قال : والآخرة مَعَاد للناس. وأكثر التفسير في قوله (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) لباعثك ، وعلى هذا كلام الناس : اذكر المعاد أي اذكر مبعثك في الآخرة قاله الزجاج.

وقال ثعلب : المعاد : الموعد. قال : وقال بعضهم : إلى أصلك من بني هاشم. وقالت طائفة ـ وعليه العمل ـ معاد أي إلى الجنة.

ومن صفات الله سبحانه وتعالى : المبدىء المعيد : بدأ الله الخلق أحياء ثم يميتهم ثم يحييهم كما كانوا. قال الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَ يُعِيدُهُ) [الرُّوم : ٢٧]. وقال : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : ١٣] بدأ وأبدأ بمعنى واحد.

٨٢

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن الله يحبّ النَكَل على النَكَل. قيل : وما النَكَل على النَكَل. قال : الرجل القويّ المجرب المبدىء المعيد على الفرس المجرب المبدىء المعيد. وقوله المبدىء المعيد قال أبو عبيد : هو الذي قد أبدأ في غزوه وأعاد ، أي غزا مرة بعد مرة ، وجرَّب الأمور وأعاد فيها وأبدأ.

قلت : والفرس المبدىء المعيد : الذي قد رِيض وذُلّل وأُدِّب ، ففارسه يصرفه كيف شاء لطواعيته وذِلِّه ، وأنه لا يستصعب عليه ولا يمنعه رِكَابه ولا يجمح به. ويقال : معنى الفرس المبدىء المعيد : الذي قد غزا عليه صاحبه مرَّة بعد أخرى وهذا كقولهم : ليل نائم إذا نيم فيه ، وسر كاتم قد كتموه.

وقال شمر : رجل معيد أي حاذق.

وقال كثَيِّر :

عوم المعيد إلى الرَجا قذفت به

في اللجّ داوية المكان جَموم

قال. وأما قول الأخطل :

يشول إن اللبون إذا رآني

ويخشاني الضُواضيَةُ المُعيد

قال أصل المعيد الجمل الذي ليس بعياياء وهو الذي لا يضرب حتى يُخلَط له. والمعيد : الذي لا يحتاج إلى ذلك. قال والمعيد من الرجال : العالم بالأمور الذي ليس بغُمْر. وأنشد :

* كما يَتبع العَوْد المعيدَ السلائب*

أبو عبيد عن الأصمعي : المعيد : الفحل : الذي ضَرَب في الإبل مرات.

وقال أبو كبير الهذلي يصف الذئاب :

إلّا عواسر كالمِراط مُعيدة

بالليل موردَ أيّم متعضَّف

أي وردت مراراً فليس تنكر الورود.

وقال الليث : يقال رأيت فلاناً ما يبدىء وما يعيد ، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة. وأعاد فلان الصلاة فهو يعيدها. وعاود فلان ما كان فيه فهو معاوِد. واعتادني هم وحزن. قال والاعتياد في معنى التعوّد ، وهو من العادة. يقال : عوَّدته فاعتاد وتعوَّد.

وقال الليث : يقال للرجل المواظب على أمره : مُعاوِد. قال وفي كلام بعضهم : الزموا تقى الله واستعيدوها ، أي تعوَّدها. وقال في قوله :

* إلّا المعيداتُ به النواهضُ*

يعني النوق التي استعادت النهْض بالدَلْو. ويقال للشجاع : بطل العاوِد. ويقال : هو ميعبد لهذا الشيء أي مطيق له لأنه قد اعتاده.

شمر عن أبي عدنان : هذا أمر يعوّد الناس على أي يُضرِّيهم بظلمي وقال : أكره أن يعوّد على الناسَ فيضرَوْا بظلمي أي يعتادوه.

وقال غيره العَوَادُ : البِرّ واللطف. يقال : عُدْ إلينا ، فإن لك عندنا عَوَداً ، أي برّاً ولَطَفا.

أبو عبيد عن الأموي : العُوادة ، ما أُعيد على الرجل من الطعام بعدما يفرغ.

قلت : إذا حذفت الهاء. قلت : عَوَاد ، كما

٨٣

قالوا : أكال ، ولَمَاظ ، وقَضَام. ويقال للطريق الذي أَعاد فيه السَّفْر وأبدءوا : مُعيد. ومنه قول ابن مقبل يصف الإبل السائرة :

يُصبحن بالخَبْت يجتَبْن النِّعاف على

أصَلاب هادٍ معبد لابسِ القَتَم

أراد بالهادي الطريق الذي يُهتَدى به ، والمُعيد الذي لُحِب.

وقال الليث : وعادٌ الأولى هم عاد ابن عادِياء بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله وقال زهير :

* واهلك لقمان بن عاد وعاديا*

وأما عاد الآخرة فهو بنو أُمَيم ينزلون رمال عالِج ، عَصوا الله فمُسخوا نَسناساً لكل إنسان منهم يد ورجل من شِقّ.

أبو عبيد عن الأصمعي : العَيْدانة ، النحلة الطويلة ، والجمع العَيْدان. وقال لبيد :

* وأبيضَ العَيْدَانِ والجبّارِ*

وقال الليث : العِيد : كل يومِ مَجْمع ، وسُمّي عيداً لأنهم قد اعتادوه. قال : واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه.

وقال العجاج يصف الثور الوحشي :

واعتاد أرباضاً لها آرِيّ

كما يعود العيد نصرانيّ

فجعل العيد من عاد يعود. قال : وتحوّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين. وتصغير عيد عُييد ، تركوه على التغيير ؛ كما أنهم جمعوه أعياداً ولم يقولوا : أعواداً. قال : والعِيدية : نجائب منسوبة معروفة.

وقال غيره : ما اعتادك من الهم فهو عيد.

وقال المفضل : عادني عيدِي أي عادتي. وأنشد :

* عاد قلبي من الطويلة عِيد*

أراد بالطويلة روضة بالصَّمّان تكون ثلاثة أميال في مثلها. وأمَّا قول تأبَّط شراً.

يا عيدُ ما لك من شوق وإيراق

ومَرَّ طيف من الأهوال طرَّاق

قال أراد يا أيها المعتادي. وقوله : ما لك من شوق كقولك : ما لك من فارس ، وأنت تتعجّب من فروسيته وتمدَحه. ومثله : قاتله الله من شاعر.

ابن الأنباري في قوله : يا عيد مالكُ العيد : ما يعتاده من الحزن والشوق.

وقوله : ما لك من شوق أي ما أعظمك من شوق. ويروى : يا هَيَد ما لك. ومعنى يا هَيْد : ما حالك وما شأنك ، ويقال : أتى فلان القوم فما قالوا له : هَيْد ما لك أي ما سألوه عن حاله. قال : والعيد عند العرب : الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن ، وكان في الأصل العِوْد فلمَّا سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت ياء.

وقال أبو عدنان يقال عَيْدنت النخلةُ إذا صارت عَيْدانة. وقال المسيَّب بن عَلَس :

والأُدْم كالعَيْدان آزرها

تحت الأَشَاء مكمّم جَعْلُ

قلت أنا : من جعل العيدان فيعالاً جعل النون أصلية والياء زائدة. ودليله على ذلك قولهم : عيدنت النخلة. ومن جعله فعلان مثل سيحان من ساح يسيح جعل الياء أصلية والنون زائدة. ومثله هَيْمان

٨٤

وعَيْلان.

الأصمعي : العَيْدانة : شجرة صُلبة قديمة لها عروق نافذة إلى الماء. وأنشد :

تجاوبن في عَيْدانة مُرْجحِنَّة

من السّدر رَوَّاها المصيفَ مَسِيلُ

وقال آخر : بَوَاسِق النخلَ أبكاراً وعُوناً ثعلب عن ابن الأعرابي : سُمِّي العِيد عِيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدَّد. قال ثعلب : وأصل العيد عِوْد فقلبت الواو ياء ليفرقوا بين الاسم الحقيقيّ وبين المصدر. وقال شمر العِيديَّة : ضرب من الغنم وهي الأنثى من البُرقان ، والذكر خروف ، فلا يزال اسمَه حنى تُعَقّ عقيقته.

قلت : لا أعرف العيديَّة في العنم. اعراف جنساً من الإبل العُقَيليَّة يقال لها العِيديَّة ولا أدري إلى أيّ شيء نسبت.

وقال شمر : المتعيد : الظلوم. وأنشد ابن الأعرابي لطَرَفة :

فقال ألا ماذا ترون لشارب

شديدٍ علينا سُخْطُه متعيّد

أي ظلوم. وقال جرير :

يرى المتعيّدون عليّ دوني

أُسودَ خفِيَّة الغُلْب الرقابا

قال وقال غيره : المتعيّد : الذي يتعيَّد عليه يُوعده.

وقال أبو عبد الرحمن : المتعيّد المتجنّي في بيت جرير. وقال ربيعة بن مقروم : على الجهّال والمتعيّدينا

قال والمتعيَّد : الغضبان.

وقال أبو سعيد : يقال تعيّد العائن على من يتعيَّن له إذا تشهَّق عليه ، وتشدَّد ليبالغ في إصابته بعينه.

وحكي عن أعرابيّ : هو لا يُتعيَّن عليه ولا يُتعيَّد. وأنشد ابن السكيت :

كأنها وفوقها المجلَّد

وقِربة غَرْفية ومِزود

غيري على جاراتها تَعَيَّد

قال : المجلَّد : حمل ثقيل ، فكأنها وفوقها هذا الحِمْل وقربة ومزدود امرأة غيري تَعَيَّد أي تندرىء بلسانها على ضَرَّاتها وتحرك يديها.

وعد : الليث : الوَعْد والعِدَة يكونان مصدراً فأمّا العِدَة فتُجمع عِدَات ، والوعد لا يجمع. والموعد : موضع التواعد ، وهو الميعاد. ويكون الموعد مصدر وعدته. ويكون الموعد وقتاً للعِدَة.

والموعدة أيضاً : اسم للعدة. والميعاد لا يكون إلّا وقتاً أو موضعاً. والوعيد من التهدّد.

قلت أنا : الوعد مصدر حقيقيّ ، والعِدَة إسم يوضع موضع المصدر ، وكذلك الموعدة.

قال الله جلّ وعزّ : (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التّوبَة : ١١٤].

وقال مجاهد في قوله : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) [طه : ٨٧] قال : الموعد : العهد. وكذلك قوله : (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) [طه : ٨٦] قال : عهدي.

وقوله جلّ وعزّ : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما)

٨٥

تُوعَدُونَ [الذّاريَات : ٢٢] قال : رزقكم المطر ، وما توعدن الجنة.

وقال قتادة في قوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) [البُرُوج : ٢] إنه يوم القيامة.

وقال جلّ وعزّ : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [البَقَرَة : ٥١] قرأ أبو عمرو (وعدنا) بغير ألف ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ : واعَدْنا بالألف.

وقال أبو مُعَاذ النحويّ : واعدت زيداً إذا وعدك ووعدته ، ووعدت زيداً إذا كان الوعد منك خاصّة.

الحراني عن ابن السكيت : تقول : وعدته شراً ، ووعدته خيراً. قال : وهو الوَعْد والعِدَة في الخير والشرّ.

وأنشد :

ألا علّلاني كل حيّ معلَّل

ولا تعداني الشر والخير مقبل

قال : وتقول : أوعدته بالشرّ إذا أدخلوا الباء جاءوا بالألف.

قال : وأنشدني الفراء :

أوعدني بالسجن والأداهم

رِجْلي ورِجْلي شَثْنةُ المناسم

قال أبو بكر : العامَّة تخطىء فتقول : أوعدني فلان موعداً أقف عليه ، وكلام العرب وعدت الرجل خيراً ووعدته شرّاً وأوعدته خيراً وأوعدته شرّاً ، فإذا لم يذكروا الخير قالوا : وعدته فلم يدخلوا ألفاً ، وإذا لم يذكروا الشرَّ قالوا : أوعدته فلم يسقطوا الألف.

وأنشد :

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لأُخلف إيعادي وأُنجز موعدي

قال : وإذا أدخلوا الباء لم يكن إلّا في الشرّ ، كقولك ، أوعدته بالضرب.

قال : وواعدت فلانا أواعده إذا وعدتُه ووعدني.

وقال الله : وإذ وعدنا موسى وقرىء : واعَدْنا فمن قرأ : (وَعَدنا) فالفعل من الله ومن قرأ (واعَدْنا) فالفعل من الله ومن موسى.

وقال غيره : اتَّعدت الرجل إذا وعدته.

وقال الأعشى :

* فإن تتّعدني أتّعدك بمثلها*

وقال بعضهم : فلان يتَّعد إذا وثِق بعدتك.

وقال :

أَنَّي أتْممت أبا الصبَاح فاتعدي

واستبشري بنوال غير منزور

وقال الأصمعي : مررت بأرض بني فلان غِبّ مطر وقع بها ، فرأيتها واعدة إذَا رُجي خيرها ، وتمامُ نَبْتها في أول ما يظهر النبت. وقال سُوَيد بن كُراع :

رَعَى غير مذعور بهنّ وراقه

لُعَاع تهاداه الدكادك واعد

ويقال للدابة والماشية إذا رُجي خيرها وإقبالها : واعد.

وقال الراجز :

كيف تراها واعداً صغارُها

يسوء شُنّاء العدا كبارُها

٨٦

ويقال يومنا يعِد بَرْداً ، وهذا غلام تعد مخايلُه كرماً ، وشِيمَه تعد جَلَداً وصرامة.

ودع : في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا لم يُنكر الناس المنكر فقد تُوُدّع منهم وقوله فقد تُودِّع منهم أي أُهمِلوا وتُركوا ما يرتكبون من المعاصي ولم يُهدَوا لرشدهم ، حتى يستجبوا العقوبة ، فيعاقبَهم الله ، وأصله من التوديع وهو الترك. ومنه قوله جلّ وعزّ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] أي لم يقطع الله عنك الوحي ولا أبغضك. وذلك أنه استأخر الوحيُ عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيّاماً ، فقال ناس من الناس : إن محمداً ودّعه ربه وقلاه فأنزل الله جلّ وعزّ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) المعنى : وما قلاك. وقرأ عروة بن الزبير هذا الحرف (ما وَدَعَك ربك) بالتخفيف ، وسائر القراء قرءوه وَدَّعَكَ بالتشديد. والمعنى فيهما واحد أي ما تركك.

وأخبرني المنذري عن أبي أحمد الجمادي عن ابن أخي الأصمعي أن عمّه أنشده لأنَس بن زُنَيم الليثي :

ليت شعري عن أميري ما الذي

غاله في الحبّ حتى ودعَهْ

لا يكن برقك برقاً خُلّباً

إن خير البرق ما الغيثُ معه

الحراني عن ابن السكيت قال : ويقال : ذَرْ ذا ، وَدَع ذا. ولا يقال : وَدَعته ولكن تركته.

وقال الليث : العرب لا تقول : وَدَعته فأنا وادع في معنى تركته فأنا تارك ، ولكن يقولون في الغابر : يدع وفي الأمر دَعْه وفي النهي : لا تدَعْه

وأنشد :

وكان ما قدَّموا لأنفسهم

أكثر نفعاً من الذي وَدَعوا

يعني تركوا. أنشد ابن السكيت قول مالك بن نُويرة وذكر ناقته :

قاظت أُثَال إلى الملا وتربّعت

بالحَزْن عازبة تُسنّ وتودَع

قال : تودَع أي تودَّع ، وتسنّ أي تصقل بالرعي يقال : سنَّ إبله إذا أحسن القيام عليها وصقلها. وكذلك إذا صقل فرسه إذا أراد أن يبلغ من ضُمره ما يبلغ الصيقل من السيف وهذا مثل.

وقال الليث : الوَدْع : جمع وَدْعة وهي مناقف صغار تخرج من البحر تزيّن بها العثاكيل ، وهي بيض في بطنها مَشَقٌ كَشَقِّ النواة ، وهي جُوف في جوفها دُوَيْبَّة كالحَلَمة. قال : والوَدِيع. الرجل الهادىء الساكن ذو التُّدَعة.

ويقال : ذو وَدَاعة. قال : والدَّعَة : الخَفْض في العيش والراحة. ورجل متَّدع : صاحب دَعَة.

ويقال : نال فلان المكارم وادِعاً أي من غير أن تكلف فيها مشقّة.

ويقال ودُع يَوْدُع دَعة ، واتَّدع تُدْعة وتُدَعة فهو متَّدِع. والتوديع : أن يُوَدِّعَ ثوباً في صِوان لا يصل إليه غبار ولا ريح. والمِيدع ثوب يجعل وقاية لغيره. ويُنْعت به الثوب المبتذَل ، فيقال : ثوبٌ مِيدع. ويضاف فيقال : ثوبُ ميدعٍ والوَدَاع : توديع

٨٧

الناس بعضِهم بعضاً في السير.

وقال ابن بزرج : فرس ويدع ومُوَدَّعٌ وَمَوْدوع.

وقال ذو الإصبع العَدْواني :

أقصُر من قيده وأُودعه

حتى إذا السَرْب ريع أو فزعا

قال وقالوا : ودُع الرجلُ من الوديع. قال وودَعت الثوب بالثوب وأنا أدَعه مخفّف.

وقال أبو زيد المِيدع كل ثوب جعلته مِيدعاً لثوب جديد ، تودِّعه به أي تصونه به.

ويقال مِيداعة وجمع الميدع موادع.

وقال اللحياني : ميدع المرأة مِيدَعتها : التي تودّع به ثيابها. وقول عَدِيّ :

كَلّا يمينا بذات الوَدْع لو حلفت

فيكم وقابل قبرُ الماجد الزارا

قال ابن الكلبي : يريد بذات الوَدْع : سفينة نوح يحلف بها. وقال أبو نصر : ذات الوَدْع : مكّة ؛ لأنه كان يعلّق عليها في سِتْرها الوَدْع. قال : ويقال أراد بذات الوَدْع الأوثان.

وتوديع المسافر أهله إذا أراد سفراً : تخليفُه إياهم خافضين وادعين ، وهم يودّعونه إذا سافر تفاؤلاً بالدعة التي يصير إليها إذا قَفَلَ ويقال وَدَعته بالتخفيف فودَع وأنشد ابن الأعرابي :

وسِرْتُ المطيَّة مودعةً

تُضَحِّي رويداً وتُمسي زُزَيفا

وهو من قولهم فرس وديع ومودِع ومُودَع. وقال الأصمعي : المِيدَع : الثوب الذي تبتذله ، وتودِّع به ثياب الحقوق ليوم الحَفْل. قال : وإنما يُتخذ المِيدع ليودع به المَصُون. ويقال للثوب الذي يُبتذل : مِبذَل ومِيدع ، ومِعْوز ومِفْضَل. وقال الشاعر :

أقدّمه قدام وجهي واتّقي

به الشرّ إن الصوف للخزّ مِيدع

وقال شمر : التوديع يكون للحيّ وللميت.

وأنشد بيت لَبيد :

فودِّع بالسلام أبا حُرَيْز

وقلّ وداعُ أربدَ بالسلام

قلت أنا : والتوديع وإن كان الأصل فيه تخليفَ المسافر أهله وذويه وادعين فإن العرب تضعه موضع التحية والسلام ، لأنه إذا خلَّف أهله دعا لهم بالسلامة والبقاء ، ودعَوا له بمثل ذلك ؛ ألا ترى لبيداً قال في أخيه وقد مات : فودع بالسلام أبا حُريز. أراد الدعاء له بالسلام بعد موته ، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر وودّعه توديع الحيّ إذا سافر. وجائز أن يكون التوديع تركه إياه في الخَفْض والدعة.

وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لينتهينّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات أو ليُختمنّ على قلوبهم ثم ليكتُبنّ من الغافلين». قال شمر : معنى وَدْعهم الجمعات : تركهم إيَّاها ، من وَدَعته وَدْعاً إذا تركته. قال : وزعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر يدع ويذر ، واعتمدوا على الترك. قال شمر : والنبي أفصح العرب وقد رُويت عنه هذه الكلمة. ورَوَى شمر عن محارب : ودّعت فلاناً من وَداع

٨٨

السلام.

وقول القطاميّ :

قفي قبل التفرق يا ضُبَاعا

ولايك موقف منك الوداعا

أراد : ولا يكفي منك موقف الوداع ، ولكن ليكن موقفَ غبطة وإقامة ؛ لأن موقف الوداع يكون للفراق ، ويكون منغصاً بما يتلوه من تباريح الشوق.

وودَّعت فلاناً أي هجرته. قال : والداعة من خفض العيش ، والدَّعَة من وقار الرجُل الوديع ، ودُع يُوَدُع دَعَة ووداعة. وأنشد شمر قول عُبَيد الراعي :

ثناء تَشرق الأحساب منه

به نتودّع الحسب المصونا

أي نقيه ونصونه.

عمرو عن أبيه : الوَدِيع : المقبرة ، ويقال وَدَع الرجلُ يَدَع إذا صار إلى الدعة والسكون ومنه قول سُوَيد بن كُراع :

أرَّق العينَ خيال لم يَدَعْ

لسليمى ففؤادي منتزَع

أي لم يبق ولم يقرّ.

وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى أنه أنشده قول الفرزدق :

وَعَضَّ زمان يا ابن مروان لم يَدَع

من المال إلا مُسْحَتٌ أو مجلَّف

وقال في قوله : لم يدَع : لم يتقارّ ولم يتّدع.

وقال الزجاج : معنى لم يدع من المال أي لم يستقر وأنشده سلمة عن الفراء : لم يدع من المال إلّا مسحتاً أو مجلف أي لم يترك من المال إلا شيئاً مستأصلاً هالكاً أو مجلّف كذلك. ونحو ذلك رواه الكسائي وفسّره. فقال : وهو كقولك : ضربت زيداً وعمرو تريد : وعمرو مضروب كذلك ، فلمّا لم يظهر الفعل رفع.

وقال شمر : أنشدني أبو عدنان :

في الكفّ مني مَجلات أربعُ

مبتذلات ما لهن ميدعُ

قال : «ما لهن ميدع» أي ما لهن من يكفيهن العمل ، فيدعهنّ أي يصونهنّ عن العمل.

أبو عبيد عن الكسائي : أودعت فلاناً مالاً إذا دفعته إليه يكون وديعة عنده. وأودعته : قبلت وديعته جاء به في باب الأضداد.

وقال أبو حاتم : لا أَعرف أَودعته ؛ قبِلت وديعته ، وأنكره شمر ، إلا أَنه حكى عن بعضهم : استودعني فلان بعيراً فأبيت أن أودَعَهُ أي أقبله.

قلت : قال ابن شميل في كتاب «المنطق». قلت : والكسائيّ لا يحكي عن العرب شيئاً إلّا وقد ضبطه وحفظه. ويقال : أودعت الرجل مالاً واستودعته مالاً. وأنشد :

يا ابن أبي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ

أودعتك الله الذي هُو حسبيه

وأنشد ابن الأعرابي :

حتى إذا ضرب القسوسُ عصاهُم

ودنا من المتنسكين ركوع

أودعتنا أشياء واستودعتنا

أشياء ليس يُضعيعهِن مضيع

٨٩

وأنشد أيضاً :

إن سرّك الرِّيُّ قُبيل الناس

فودِّع الغَرْب بِوَهْم شاس

ودّع الغرب أي اجعله وديعة لهذا الجمل أي أَلزِمه الغَرْب.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعَام : ٩٨] فإن ابن كثير وأبا عمرو قرءا (فَمُسْتَقِرُ) بكسر القاف. وقرأ الكوفيون ونافع وابن عامر بالفتح ، وكلهم قرءوا مُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال. وقال الفراء : معناه : (فَمُسْتَقَرٌّ) في الرحم ، (وَمُسْتَوْدَعٌ) في صُلْب الأب. ورُوي ذلك عن ابن مسعود ومجاهد والضحاك. وقال الزجاج : من قرأ (فَمُسْتَقَرٌّ) فمعناه : فلكم في الأرحام مستقر ولكن في الأصلاب مستودع. ومن قر. (فَمُسْتَقِرُ) بالكسر فمعناه. فمنكم مستقِرَّ في الأحياء ، ومنكم مستودَعٌ في الثَرَى. وقال ابن مسعود في قوله : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) [هود : ٦] أي مستقرها في الأرحام ، ومستودعها في الأرض.

وروي عن ابن مسعود أنه قال : إذا كان أجل الرجل بأرض أُتِّيت له إليها الحاجة ، فإذا بلغ أقصى أثره قُبض ، فتقول الأرض يوم القيامة : هذا ما استودعتني وقال قتادة في قوله جلّ وعزّ : (وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [الأحزَاب : ٤٨] يقول : اصبر على أذاهم. وقال مجاهد : (وَدَعْ أَذاهُمْ) أي أعرِض عنهم. وقوله : به نتودَّع الحسب المصونا أي نقرُّه على صونه وادعاً. وقال اللحياني : كلام مِيدع إذا كان يحزن ، وذلك إذا كان الكلام يحتشم منه ولا يستحن وقال الليث : وَدْعان موضع ، وأنشد :

* ببَيْض وَدْعان بَسَاطٌ سِيُّ*

قال : وإذا أمرت رجلاً بالسكينة والوقار قلت : تودَّعْ واتَّدعْ ، وعليك بالمودوع ، من غير أن يجعل له فعلاً ولا فاعلاً ؛ مثل المعسور والميسور.

وقال غيره : تودَّع فلان فلاناً إذا ابتذله في حاجته ، وتودَّع ثياب ضَونه إذا ابتذلها ، وناقة مودَّعة : لا تُركب ولا تحلب الليث : الأودع من أسماء اليربوع ويقال : توادع الفريقان إذا أعطى كلّ واحد منهما الآخرين عهداً ألا يغزوهم. واسم ذلك العهد الوَدِيع ، ومنه الحديث الذي جاء : «لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع المال». ويقال : وادعت العدو إذا هاونته موادعة ؛ وهي الهُدْنة والموادعة. وقيل في قول ابن مفرّغ :

* دعيني من اللوم بعض الدعهْ *

أي اتركيني بعض الترك.

وقال ابن هانىء : من أمثالهم في المَزْرِية على الذين يتصنّع في الأمر ولا يُعْتمد منه على ثقة : دعني من هند فلا جديدَها ودعت ، ولا خَلقَها رَقَعت.

يدع : قال الليث : الأَيدع : صِبغ أحمر ، وهو خشب البَقَّم ، وهو على تقدير أفعل. يقول : يَدَّعته وأنا أُيدِّعه تيديعاً. قال : والأودع من أسماء اليربوع.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : العَنْدَمُ : دم الأخوين. ويقال : هو الأيدع أيضاً ، ويقال : البقّم ، وقال الهذلي :

٩٠

* بهما من النضج المجدّع أيدع *

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : أَوْذَمْتُ يميناً ، وأيدعتها أي أوجبتها.

شمر عن ابن الأعرابي : أيدع الرجلُ إذا أوجب على نفسه حجّاً. وأنشد لجرير :

ورب الراقصات إلى الثنايا

بشُعْت أيدعوا حَجّا تماما

قال أيدعوا أوجبوا على أنفسهم ، وأنشد شمر لكثيّر :

كأن حُمُول القوم حين تحمّلوا

صرِيمة نخل أو صريمة أَيْدع

وقال ابن قيس :

والله لا يأتي بخيرٍ صديقَها

بنو جُنْدُع ما اهتز في البحر أيدع

قلت : هذا البيت يدلّ على أن الأيدع هو البقّم ؛ لأنه يُحْمَل في السفن من بلاد الهند.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : دُع دُع إذا أمرته بالنعيق بغنمه. وغيره يقول : دَعْ دَعْ بالفتح وهما لغتان.

باب العين والتاء

[ع ت (وا يء)]

عتا (يعتو) ، تاع (يتيع) ، تعا (يتعى).

عتا : قال الليث عتَا يعتو عُتُوّا وعتيّا ، وهو مجاوزة الحدّ إذا استكبر. ويقال : تَعتّت المرأة ، وتعتّى فلان وأنشد :

* بأمره الأرضُ فما تعتَّت *

أي فما عصته. والعاتي : الجبّار ، وجمعه العُتَاة. وقول الله جلّ وعزّ : (وقد بلغت من الكبر عُتيا) [مريَم : ٨] وقرىء (عِتِيًّا). وقال أبو إسحاق : كل شىء قد انتهى فقد عتا يعتو عُتِيّاً وعُتُوّا ، وعسا يعسو عُسُوَّا وعُسِيّاً. فأحب زكريا أن يعلم من أيّ جهة يكون له ولد ومِثْل امرأته لا تلد ، ومثله لا يولد له. قال الله جلّ وعزّ : (كَذلِكَ) [مريم : ٩] ، معناه والله أعلم : الأمر كما قيل لك.

أبو عبيد عن الأموي : يقال للشيخ إذا ولَّى وكَبِر : عتاً يعتو عتيّا ، وعسا يعسو مثله. سلمة عن الفراء الإعْتاءُ الدُّعار من الرجال.

* قلت والواحد عاتِ *

تاع : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كتب لوائل بن جُحْر كتاباً فيه «على التِيعة شاة والقِيمة لصاحبها». قال أبو عبيد : التِيعة : الأربعون من الغنم ، لم يزد على هذا التفسير. وقال أبو سعيد الضرير : التِيعة : أدنى ما يجب من الصدقة ؛ كالأربعين فيها شاة وكخمس من الإبل فيها شاة إنما يتَعَ التِيعة الحقّ الذي وجب لِلمُصَدِّق فيها ؛ لأنه لو رام أخذ شيء منها قبل أن يبلغ عدده ما تجب فيه التِيعة لمنعه صاحب المال ، فلمَّا وجب فيها الحقّ : تاع إليه المصدِّق أي عَجِلَ ، وتاع ربّ المال إلى إعطائه فجاد بِه ، وأصله من التَيْع وهو القَيء ، يقال : أتاع قيئه فتاع.

وقال أبو عبيد : أتاع الرجل إتاعة ، إذا قاء. وقال القطاميّ :

* تمجّ عروقُها عَلقاً مُتَاعا*

٩١

وقال ابن الأعرابي في أتاع إذا قاء مثله.

وقال ابن شميل التِّيْع : أن تأخذ الشيء بيدك. يقاله : تاع به يتيع تيعاً وتَيَّعَ به إذا أخذه بيده وأنشد :

أعطيتها عُوداً وتِعْت بتمرة

وخير المراغي قد علمنا قصارُها

قال : وهذا رجل زعم أنه أكل رغوة مع صاحبة له ، فقال : أعطيتها عوداً تأكل به وتعت بتمرة أي أخذتها آكل بها. والمِرغاة : العود أو التمر أو الكِسْرة يُرتغى بها وجمعها المراغي.

ورأيت بخطّ أبي الهيثم : وتِعت بتمرة. قال : ومثل ذلك تيَّغْت بها ، وأعطاني تمرة فتِغت بها. قال : وأعطاني فلان درهماً فتِعْتُ به أي أخذته وأنا فيه واقف. والصواب تِعت بالعين غير معجمة.

ويقال أتاع قيئه ، وأتاع دمه فتاع يتيع تُيُوعاً.

والتَيُّوعات : كل بقلة أو ورقة إذا قطِعت أو قُطفت ظهر لها لبن أبيض يسيل منها ؛ مثل ورق التين ، ويقول آخر يقال لها اليتوعات.

وقال الليث : التَوْع : كسرك لِبَأ أو سمناً بكسرة خبز ترفعه بها. تقول منه : تُعته وأنا أتوعه تَوْعاً قال : وتاع الماء يتيع تيعاً إذا تتَيَّع على وجه الأرض أي انبسط. وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كما يتتايَعُ الفَرَاشُ في النار». قال أبو عبيد : التتابع : التهافت في الشيء والمتابعة عليه ، يقال قد تتابعوا في الشرّ إذا تهافتوا فيه وسارعوا إليه. وفي حديث آخر «لولا أن يتتايع فيه الغَيْران والسكران» ، أي يتهافت ويقع فيه. قال أبو عبيد : ويقال في التتايع : إنه اللجاجة ، وهو يرجع إلى هذا المعنى. قال : ولم نسمع التتايع في الخير ، إنما سمعناه في الشر.

وقال الليث : الرجل يتتايع أي يرمي بنفسه في الأمر سريعاً ، والبعير يتتايع في مشيه إذا حرك ألواحه كأنما يتفكّك. ويقال : أتّايعتت الريح بورق الشجر إذا ذهبت به ، وأصله تتايعت به. وقال أبو ذؤيب يذكر عقره ناقته ، وأنها كاست على رأسها فخرّت :

* فخرّت كما تَتَّايعُ الريحُ بالقَفْل*

والقَفْل : ما يبس من الشجر.

ثعلب عن ابن الأعرابي : تُعْ تُع إذا أمرته بالتواضع.

شمر عن ابن الأعرابي قال : التِيعة لا أدري ما هي ، وبلغنا عن الفراء أنه قال : التِيعة من الشاء القطعة التي تجب فيها الصدقة ، ترعى حول البيوت.

وقال ابن شميل : التتايع ركوب الأمر على خلاف الناس. وتتايع القوم في الأرض إذا تباعدوا فيها على عمى وشَدَةٍ.

وقال ابن الأعرابي : التاعة ، الكُتْلة من اللِّبأ الثخينة.

وفي «نوادر الأعراب» : يتيع عليَّ فلانٌ وفلان تيَّعَان وتَيَّحان تيَّع تَيِّح وتَيِّقَان وتيِّق مثله.

٩٢

تعا : أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : تَعى إذا عدا ، وثَعى إذا قذف. قال : والتَّعَى الحفظ الحسن ، والعَتا : العصيان عمرو عن أبيه قال : العاتي المتمرد والتاعي اللِّبَأ المسترخي ، والثاعي القاذف ، سلمة عن الفراء قال : الأتعاء ساعات الليل ، وَالثَّعَى القَذْفُ.

باب العين والظاء

[ع ظ (وا يء)]

عظا ، وعظ.

عظا : قال الليث : العظاية : على خِلْقة سامّ أبرص أو أعِيظم منه شيأ. قال والعظاءة لغة فيها ؛ والجمع العَظَاء ، وثلاث عظايات.

الحراني عن ابن السكيت : يقال : عظاءة وعظاية ، لغتان ؛ كما يقال : امرأة سقّاءة وسقّاية.

الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء : تقول العرب : أَرَدْتَ ما يُلهيني ، فقلتَ ما يَعْظيني ، قال : يقال هذا للرجل يريد أن ينصح صاحبه فيخطىء ، ويقولُ ما يسوءه. قال ومثله : أراد ما يحظيها فقال ما يَعْظيها.

وقال اللحْياني : يقال : قلت : ما أورمه وعَظَاه ، أي قلت ما أسخطه.

وقال ابن شميل العَظَى أن تأكل الإبل العُنْظُوان ، وهو شجر فلا تستطيع أن تجترَّه ولا أن تَبْغره فتحبَط بطونُها ، فيقال : عِظى الجمل يعظي عظًى شديداً فهو عظٍ عَظْيان. قال وعظى فلان فلاناً إذا ساءه بأمر يأتيه إليه يَعْظيه عَظْياً.

ثعلب عن ابن الأعرابي : عظا فلاناً يعظوه إذا قطَّعه بالغِيبة.

وقال ابن دريد : عظاه يعظوه عَظْواً إذا اغتاله فسقاه سمّاً.

وعظ : قال الليث : العِظة : الموعظة ، وكذلك الوعظ. والرجل يتَّعظ إذا قَبِل الموعظة حين يذَكَّرُ الخَير ونحوه ، مما يرقّ لذلك قلبه. يقال وعظته عظة. ومن أمثالهم المعروفة : لا تَعِظِينِي وتَعَظْعَظِي أي اتْعظي ولا تَعظي.

قلت وقوله تَعَظْعَظِي وإن كان كمكرّر المضاعف فإن أصله من الوعظ ، كما قالوا : خضخض الشَّيْءَ في الماء وأصله من خاض.

أبواب العين والذال

[ع ذ (وا يء)]

عوذ ، ذيع ، عذي ، ذعي ، وذع.

عوذ : يقال : عاذ فلان بربّه يعوذ عَوْذاً إذا لجأ إليه واعتصم به. قال الله جلّ وعزّ : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النّحل : ٩٨] معناه : إذا أردت قراءة القرآن فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ووسوسته. وعاذ وتعوَّذ واستعاذ بمعنى واحد. وقال الله جلّ وعزّ : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) [يُوسُف : ٧٩] أي نعوذ بالله مَعَاذاً أن نأخذ غير الجاني بجنايته ، نصبه على المصدر الذي أريد به الفعل. ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه تزوّج امرأة من العرب ، فلمَّا أُدخلت عليه

٩٣

قالت : أعوذ بالله منك ، فقال لها لقد عُذْتِ بمَعَاذ فالحقي بأهلك. والمَعَاذ في هذا الحديث : الذي يعاذ به. والله جلّ وعزّ معاذُ من عاذ به ، وملجأ مَن لجأ إليه ، والملَاذ مِثْل المعاذ. وقال عوَّذت فلاناً بالله وأسمائه ، وبالمعوذتين من القرآن إذا قلت : أُعيذك بكلمات الله وأسمائه من كل شرّ وكل داء وحاسد وعين. ويُروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يعوِّذ نفسه بالمعوِّذتين بعد ما طُبَّ ، وكان يعوّذ ابني ابنته البتولِ عليهِم السَّلامْ بهما. وأمّا التعاويذ التي تكتب وتعلَّق على الإنسان من العين فقد نُهي عن تعليقها. وهي تسمى المَعَاذات أيضاً ، يعوَّذ بها مَن عُلِّقت عليه من العين والفزع والجنون. وهي العُوَذ ، واحدتها عُوذة.

الحراني عن ابن السكيت : قال يقال عَوْذٌ بالله منك أي أعوذ بالله منك. وأنشد :

قالت وفيها حَيْدة وذُعْر

عَوْذٌ بربي منكم وحُجْرُ

قال : وتقول العرب للشيء ينكرونه ، والأمرِ يهابونه : حُجراً أي دَفْعاً له ، وهو استعاذة من الأمر. ويقال أُفلت فلان من فلان عَوَذاً إذا خوّفه ولم يضربه أو ضربه وهو يريد قتله فلم يقتله وقال الليث : يقال فلان عَوَذ لك أي ملجأ. ويقال : اللهمّ عائذاً بك من كل سوء أي أعوذ بك عائذاً والعَوَذ : ما دار به الشيء الذي تضربه الريح فهو يدور بالعَوَذ من حجر أو أَرومة. قال وتعاوذ القوم في الحرب إذا تواكلوا وعاذ بعضهم ببعض.

وقال أبو عبيدة : من دوائر الخيل المعوَّذ ، وهي التي تكون في موضع القلادة يستحبّونها. وفلان عَوَذ لبني فلان أي لَجأ لهم يعوذون به. وقال الله جلّ وعزّ : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجنّ : ٦] قيل إن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلت رُفقة منهم في وادٍ قالت : نعوذ بعزيز هذا الوادي من مَرَدة الجن وسفهائهم أي نلوذ به ونستجير.

وقال أبو عبيد وغيره : الناقة إذا وضعت ولدها فهي عائذ أيّاماً ، ووقَّت بعضهم سبعة أيام. وجمعها عُوذ بمنزلة النُفَساء من النساء. وهي من الشاء رُبَّى وجمعها رِباب ، وهي من ذوات الحافر فرِيشٌ. وقيل سميت الناقة عائذاً لأن ولدها يعوذ بها ، فهي فاعل بمعنى مفعول. وقيل : إنما قيل لها : عائذ لأنها ذات عَوْذِ أي عاذ بها ولدها عَوْذاً. ومثله قول الله جلّ وعزّ : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطّارق : ٦] أي ذِي دَفق.

ذيع : الليث : الذَيْع : أن يشيع الأمر. يقال : أذعناه فذاع. ورجل مِذْياع : لا يستطيع كتمان خبر. وقوم مذاييع. وقال الله جلّ وعزّ : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) [النِّساء : ٨٣] وقال أبو إسحاق يعني بهذا جماعة من المنافقين ، وضعفةً من المسلمين. قال : ومعنى «أَذاعُوا بِهِ» أي أظهروه ونادَوا به في الناس وأنشد :

أذاع به في الناس حتى كأنه

بعلياءَ نارٌ أُوقدت بثَقُوب

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أُعلِم أنه ظاهر على قومٍ آمنٌ منهم ، أو أُعلم يتجمّع قوم يخاف

٩٤

من جمع مثلهم أذاع المنافقون ذلك ليحذر من ينبغي أن يحذر من الكفار ، وليقوى قلبُ من ينبغي أن يقوى قلبه على ما أذاع. وكان ضَعَفة المسلمين يُشيعون ذلك معهم عن غير علم بالضرر في ذلك ، فقال الله جلّ وعزّ : لو ردّوا ذلك إلى أن يأخذوه من قِبَل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم لعلم الذين أذاعوا به من المسلمين ما ينبغي أن يذاع أو لا يذاع.

قال أبو زيد : أذعت الأمر ، وأذعت به : قال : ويقال أذاع الناسُ بما في الحوض إذاعة إذا شربوا ما فيه ، وأذاعت به الإبلُ إذاعة إذا شربته ، وتركت متاعي في مكان كذا وكذا فأذاع الناس به إذا ذهبوا به. وكلّ ما ذُهب به فقد أذيع به. وأذعت السرّ إذاعة إذا أفشيته وأظهرته.

عذي : قال الليث : العِذْيُ : موضع بالبادية. قال والعِذْيُ : اسم للموضع الذي يُنبت في الشتاء والصيف من غير نَبْع ماء.

قلت أما قوله : العِذْي موضع بالبادية فلا أعرفه ولم أسمعه لغيره. وأما قوله : في العذي : إنه اسم للموضع الذي ينبت في الشتاء والصيف من غير نبع ماء فإن كلام العرب على غيره. وليس العِذْي اسماً للموضع ، ولكن العِذْي من الزروع والنخيل : ما لا يُسقى إلّا بماء السماء.

وكذلك عِذْي الكلأ والنبات : ما بعد عن الريف وأنبته ماء السماء. والعَذَاة : الأرض الطيّبة التربة الكريمة المنبت البعيدة عن الأحاء والنزوز والريف ، السهلةُ المَرِيئةُ التي يكون كلؤها مريئاً ناجعاً. ولا تكون العذاة ذات وخامة ولا وباء. وقال ذو الرمة :

بأرض هجان الثرب وسميّة الندى

عذاةٍ نأت عنها المُثُوجَةُ والبحرُ

وقال ابن شميل : العَذِيَّة الأرض الطيّبة التي ليست بسبِخة. ويقال : رعينا أرضاً عَذَاة ، ورعينا عَذَوات الأرض. قال ويقال في تصريفه : عذِيَ يَعْذَى عَذًى فهو عذٍ وعَذِيٍ وعَذْى وعِذْى وجمع العِذْى أعذاء. والعِذْى ينبت من ماء السماء.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : عذا يعذو إذا طاب هواؤه.

وقال أبو زيد عَذُوَت الأرضُ ، وعذِيت أحسنَ العَذَاةِ وهي الطيّبة البعيدة من الماء.

وقال حذيفة لرجل : إن كنت لا بدّ نازلاً بالبصرة فانزل عَذَواتها ، ولا تنزل سُرّتها.

وقال شمر : العذاة : الأرض الطيّبة البعيدة من الأنهار والبحور والسباخ ، واستعذيت المكان واستقمأته. وقد قامأني أي وافقني.

ذعي : أنشد المازني :

كأنما أوسطها لمن رَقبْ

بمِذعَيين نُقْبة من الجربْ

قال : مِذْعيان : مكان. والباء في موضع مع. رَقَب : نظر ، والرقيب : الناظر. يقول : هذه الأرض قد أُخذ حطبها وأكل فتقوَّبت ، وما حولها عافٍ لم يؤكل ، فكأنها نُقْبة جرب في جلد صحيح».

وذع : قال ابن السكيت فيما قرأت له من

٩٥

الألفاظ إن صحّ له : وذع الماءُ يذع وهمى يهمي إذا سال. قال : والواذع المَعِين. قال : وكل ماء جرى على صفاة فهو واذع.

قلت : وهذا حرف منكر وما رأيته إلّا في هذا الكتاب. وينبغي أن يفتش عنه.

باب العين والثاء

[ع ث (وا يء)]

عثا (عثي) عيث ، وعث ، ثوع ، عوث.

عثا : قال الله جلّ وعزّ : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البَقَرَة : ٦٠] القراء كلهم قرءوه (وَلا تَعْثَوْا) بفتح التاء من عَثِي يَعْثَى عُثُوّاً وهو أشد الفساد. وفيه لغتان أخريان لم يُقرأ بواحدة منهما عثا يعثو مثل سما يسمو ، قال ذلك الأخفش وغيره. ولو جازت القراءة بهذه اللغة لقرىء (ولا تَعْثُوا) ولكن القراءة سنَّة ، ولا يُقرأ إلّا بما قرأ به القراء. واللغة الثالثة عاث يعيث وتفسيره في بابه.

وحكى ابن بُزُرج : عَثَا يَعْثَى ، وهم يَعْثَون في الأرض مثل يسعَون. قال : وعثا يعثو عَثْواً. قلت : واللغة الجيّدة : عثِىَ يَعْثَى ؛ لأن فَعَل يفعَل لا يكون إلا مما ثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق.

وقال أبو زيد : في الرأس العُثْوة ، وهو حُفوف شعره والتباده. وقد عَثِيَ شعره يعثى عَثاً ورجل أعثى.

وقال أبو عمرو : الأعثى : الثقيل ، الأحمق. ورجل أعثى : كثيف اللحية وقد عَثِي يعثى عَثاً. أنشد أبو عمرو :

وحاص مني فَرَقاً وطَحْربا

فأدرك الأعثى الدَثور الخُنْتُبا

فشدّ شدّاً ذا نَجَاء مُلْهَبا

الدثور الذي ينام ناحية. والخُنْتب : القصير.

وقال ابن السكيت : يقال : شاب عَثَا الأرض مقصور إذا هاج نبتها. وأصل العَثَا : الشعر ثم يستعار فيما تشعّث من النبات ، مثل النَّصِيِّ والبُهْمَى والصِّلِّيان.

وقال الليث : الأعثى : لون إلى السواد. والأعثى : الكثير الشعر. والأعثى : الضبع الكبير. والأنثى عثواء والجميع العُثْو ، ويقال : العُثْيُ.

وقال أبو عبيد : الذكر من الضباع يقال له عِثْيان.

عمرو عن أبيه قال العَثْوة والوَفْضة والغُسْنة هي الْجُمَّة من الرأس وهي الوَفْرة.

وقال ابن الأعرابي : العِثَى : اللِّمم الطوال. وقال ابن الرقاع فيمن قال : عثا يعثو إذا أفسد :

لولا الحياء وأن رأسي قد عثا

فيه المشيب لزرت أم القاسم

عثا فيه المشيب أي أفسد. وقال ابن الرقاع أيضاً :

بسرارة حَفَش الربيع غُثَاؤها

حوَاء يزدرع الغَمير ثراها

حتى اصطلى وهج المقيظ زمانه

أبقى مشاربه وشاب عثاها

أي يبس عشبها.

٩٦

عيث : قال الليث : العيث : مصدر عاث يعيث ، وهو الإسراع في الفساد. والذئب يعيث في الغنم فلا يأخذ منه شيئاً إلّا قتله. وأنشد غيره لكثيّر :

وذِفْرَى ككاهل ذِيح الخلي

ف أصاب فَرِيقة ليل فعاثا

وقال أبو عمرو : العيث أن تركب الأمر لا تبالي علام وقعت. وأنشد :

فعِثْ فيمن يليك بغير قصد

فإني عائث فيمن يليني

قال : وإذا كانت الأرض دَهِسة فهي عَيْثة. وقال الليث : التعييث : طلب الأعمى ، وطلب الرجل البصير الشيء في الظلمة. والتعييث إدخال الرجل يده في الكِنانة يطلب سهماً. وقال أبو ذؤيب :

* ... فعيَّثَ في الكنانة يُرجع*

وقال شمر : قال أبو عمرو : العَيْثة : الأرض السهلة. وقال ابن أحمر الباهلي :

إلى عَيْثية الأطهار غيَّر رسمها

بناتُ البلَى من يخطىء الموت يهرم

وقال الأصمعيّ : عَيْثة : بلد بالشُّرَيْف.

وقال المؤرج : العَيْثة بالجزيرة. وروى ابن الأعرابي بيت القطامي :

سمعتها ورِعَان الطَوْد مُعْرِضةٌ

من دونها وكثيب العيثة السهِلُ

وعث : يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا سافر سفراً قال : اللهم إنا نعوذ بك من وَعْثاء السفر ، وَكآبة المنقلب.

قال أبو عبيدة : وهو شدة النَصَب والمشقَّة وكذلك هو في المآثم.

وَقال الكميت يذكر قُضَاعة وانتسابهم إلى اليمن :

وَابنُ ابنها منا ومنكم وبعلها

خُزَيمة والأرحام وَعثاءُ حوبُها

يقول : إن قطيعة الرحم مأثم شديد. وإنما أصل الوعثاء من الوعث وهو الدَهْس. الدهس : الرمال الرقيقة والمشي يَشْتَدُّ فيه على صاحبه ، فجُعل مَثَلاً لكل ما يَشُقّ على صاحبه.

وقال الليث : الوَعْث من الرمل : ما غابت فيه القوائم وهو مشقة ، وأوعث القوم : وقعوا في الوَعْث.

وقال غيره : أوعث فلان إيعاثاً إذا خلّط. والوَعْثُ : فساد الأمر واختلاطه ، ويجمع على الوُعُوث.

ابن السكيت : أوعث فلان في ماله وأقْعث في ماله وطأطأ الركضَ في ماله إذا أسرف فيه.

وقال الأصمعي : الوَعْث : كل ليّن سهل. وقال الفراء : قال أبو قطرِيّ : أرض وَعْثة ووَعِثة ، وقد وَعْثت وَعْثاً. وقال غيره : وُعُوثة ووَعَاثة.

وقال خالد بن كلثوم : الوعثاء : ما غابت فيه الحوافر والأخفاف من الرمل الرقيق ، والدَهَاسِ من الحصى الصغار وشبهه.

وقال أبو زيد : يقال طريق وَعْث في طُرُق وُعُوث. وقد وَعُث الطريق ووعِث وُعوثة وأوعث القومُ إذا وافقوا الوعوثة. وأوعث البعير. وقال رؤبة :

٩٧

ليس طريق خيرهِ بالأَوْعَث

قال : ويقال : الوَعَث : رقَّة التراب ورخاوة الأرض تغيب فيه قوائم الدواب. وَنَقاً مُوَعَّث إذا كان كذلك. وامرأة وَعْثة : كثيرة اللحم ، كأن الأصابع تسوخ فيها من لينها وكثرة لحمها. وَقال رؤبة :

تُمِيلها أعجازُها الأوَاعث

ثوع : ثعلب عن ابن الأعرابي : ثُعْ ثُعْ إذا أمرته بالانبساط في البلاد في طاعة الله. عمرو عن أبيه الثاعي : القاذف. وقال ابن الأعرابي : الثاعة : القَذَفة.

عوث : في «نوادر الأعراب» : تقول : عوَّثني فلان عن أمر كذا تعويثاً أي ثبَّطني عنه. وتعوَّث القوم تعوثاً إذا تحيروا. وتقول عوَّثني حتى تعوثت ، أي صرفني عن أمري حتى تحيرت. وتقول : إن لي عن هذا الأمر لَمَعاثاً أي مندوحة ، أي مذهباً ومسلكاً ، وتقول : وَعثَّته أي صرفته.

باب العين والراء

[ع ر (وا يء)]

عرى ، عرا ، عير ، عور ، رعي ، روع ، ريع ، ورع ، وعر ، يعر ، يرع.

عرا : قال الله جلّ وعزّ : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هُود : ٥٤] قال الفراء : كانوا كذّبوه ـ يعني هوداً ـ ثم جعلوه مختلِطاً ، وادَّعَوا أن آلهتهم هي التي خَبَّلته لعيبه إيّاها. فهنالك قال : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [هود : ٥٤]. وقال الزجاج في قوله (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤] أي ما نقول إلا مَسَّك بعض أصنامنا بجنون لسبّك إياها. وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه سمعه يقول : إذا أتيت رجلاً تطلب منه حاجة قلت : عروْته وعررْته ، واعتريته واعتررته.

وقال الليث : عراه أمر يعروه عَرْواً إذا غشِيه وأصابه. يقال : عراه البرد وعرته الحُمَّى وهي تعروه إذا جاءته بنافض ، وأخذته الحمى بعُرَوائِها ، وعُرِي الرجل فهو مَعْرُوّ ، واعتراه الهم ، عام في كلّ شيء.

أبو عبيد عن الأصمعي : إذا أخذت المحمومَ قِرَّةٌ ووجد مسّ الحمى ، فتلك العُرَواء وقد عُرِي فهو مَعْرُوّ. قال : وإن كانت نافضاً قيل : نفضته فهو منفوض ، وإن عَرِق منها فهي الرُحَضاء.

وقال ابن شميل : العُرَواء : قلٌّ يأخذ الإنسان من الحُمّى ، ورِعدة. وأخذته الحمَّى بنافض أي برعدة وبرد.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خفّفوا في الْخَرص ؛ فإن في المال العرِيّة والوصيَّة». وفي حديث آخر أنه رخَّص في العرايا.

قال أبو عبيد : العرايا واحدتها عريّة. وهي النخلة يُعْريها صاحبها رجلاً محتاجاً ، والإعراء : أن يجعل له ثمرة عامِها. قال : وقال الأصمعي : استعرى الناسُ في كل وجه إذا أكلوا الرُطَب ، أخذه من العرايا.

وقال ابن الأعرابي : قال بعض العرب : منا من يُعْرِي. قال : وهو أن يشتري الرجُلُ النخل ثم يستثني نخلة أو نخلتين.

٩٨

وقال الشافعي : العرايا ثلاثة أصناف : واحدتها أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط ، فيقول له : بعني من حائطك ثمر نَخَلات بأعيانها بخرْصِها من التَمْر ، فيبيعه إياها ويقبض التَمْر ويُسلِّم إليه النَخَلات يأكلها ويبيعها ويُتَمِّرها ، ويفعل بها ما يشاء. قال : وجِمَاع العرايا : كل ما أُفرد ليؤكل خاصّة ، ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملتها من واحد. والصنف الثاني أن يحضر ربَّ الحائط القومُ فيعطى الرجلَ ثمر النخلة أو النخلتين وأكثر عرِيّة يأْكُلها. وهذه في معنى المِنْحة. قال وللمُعْرَى أن يبيع ثمرها ، ويُتَمِّره ، ويصنع فيه ما يصنع في ماله ؛ لأنه قد ملكه. والصنف الثالث من العرايا أن يعرى الرجل الرَّجُلَ النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتَمِّره ويفعل فيه ما أحبّ ويبيع ما بقي من ثمر حائطه منه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة.

وقال غيره العرايا أن يقول الغني للفقير : ثمر هذه النخلة أو النَخَلات لك ، وأصلها لي.

وأما تفسير قوله عَليه السّلامْ : أنه رخّص في العرايا فإن الترخيص فيها كان بعد نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المزابنة ، وهي بيع الثمر في رؤوس النخل بالتَّمْرِ ، ورخَّص من جملة المزابنة في العرايا فيما دون خمسة أوسق وذلك الرجلُ يفضُل من قوت سنته التمرُ ، فيدرك الرُطبُ ولا نَقْد بيده يشتري به الرُطَب ، ولا نخل له يأكل من رُطَبه ، فيجيء إلى صاحب الحائط فيقول له : بعني ثمر نخلة أو نخلتين أو ثلاث بِخِرْصها من التمر ، فيعطيه التَّمْر بثمر تلك النَخَلات ؛ ليصيب من رُطَبها مع الناس ، فرخّص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جملة ما حرم من المزابنة فيما دون خمسة أوسق ، وهو أقلّ ممّا تجب فيه الزكاة ، فهذا معنى ترخيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العرايا ، لأن بيع الرُطَب بالتَمْر محرّم في الأصل ، فأخرج هذا المقدار من الجملة المحرَّمة لحاجة الناس إليه.

قلت : ويجوز أن تكون العِرْية مأخوذة من عَرِي يَعْرى ، كَأنها عُرِّيت من جملة التحريم فعَرِيت أي خلت وخرجت منها فهي عرِيَّة : فعلية بمعنى فاعلة ، وهي بمنزلة المستثناة من الجملة ، وجمعها العرايا.

وروى أبو عبيد عن الأصمعي : استعرى الناسُ في كل وجه إذا أكلوا الرُطَب ، وأعرى فلان فلاناً ثمر نخلة إذا أعطاه إيَّاها ، يأكل رُطَبها وليس في هذا بيع ، إنما هذا معروف وفضل ، والله أعلم.

وَرَوَى شمر عن صالح بن أحمد عن أبيه قال : العرايا : أن يُعري الرجل من نخلِهِ ذا قرابته أو جاره ما لا يجب فيه الصدقة ، أي يهبها له ، فأرخص للمُعْرِي في بيع ثمر نخلة في رأسها بخِرصها من التمر. قال والعَرِيَّة مستثناة من جملة ما نُهي عن بيعه من المزابنة. وقيل : يبيعها الْمُعَرى ممن أعراه إياها. وقيل له أن يبيعها من غيره. وقال شمر : يقال لكل شيء أهملته وخليته : قد عرّيته. وأنشد : إيجعُ ظهري وأَلَوِّي أبهري

٩٩

ليس الصحيح ظهره كالأدبر

ولا المعرَّى حِقبة كالموقَر

فالمعرَّى : الجمل الذي يرسَل سُدًى ولا يحمل عليه. ومنه قول لبيد :

فكلفتها ما عُرّيت وتأبَّدت

وكانت تسامي بالعَزيب الجمائلا

قال : عُرّيت : ألقى عنها الرحل ، وتركت من الحمل عليها ، وأُرسلت ترعى ، يصف ناقة.

وقال أبو عدنان : قال الباهلي : العرِيّة من النخل : الفاردة التي لا تُمسك حَملها ، يتناثر عنها. قال وأنشدني لنفسه :

فلما بدت تُكْنَى تُضيع مودتي

وتخلِط بي قوماً لئاماً جدودُها

رددتُ على تكنى بقيَّة وصلِها

ذميماً فأمست وهي رَثّ جديدها

كما اعتكرت للّاقطين عرِيَّة

من النخل يوطى كلّ يوم جريدُها

قال : اعتكارها كثرة حَتّها ، فلا تأتي أصلها دابة إلا وجد تحتها لُقَاطاً من حملها ولا يأنى خوافيها إلا وجد سِقَاطاً من أيّ ما شاء ويقال : عرِي فلان من ثوبه يَعْرَى عُرْياً فهو عار ، وعُرْيان. ويقال هو عِرْو من هذا الأمر ، كما يقال : هو خِلْو منه وعَرْوَى اسم جبل ، وكذلك عَرْوان.

سلمة عن الفراء قال : العريان من النبت : الذي قد عرِي عُرْياً إذا استبان لك. قال أبوبكر : الأعراء الذين لا يُهمهم ما يُهِمُّ أصحابهم.

ثعلب عن ابن الأعرابي : العرا : الفناء مقصور يكتب بالألف ؛ لأن أنثاه عَرْوة.

وقال غيره : العَرَى : الساحة والفناء ؛ سمّي عَرًى لأنه عرِي من الأبنية والخيام. ويقال : نزل بعراه وعَروتِه أي نزل بساحته. وكذلك نزل بحراه. وأما العراء ممدود فهو ما اتّسع من فضاء الأرض. قال الله جلّ وعزّ : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) [الصَّافات : ١٤٥].

وقال أبو عبيدة : إنما قيل له عَرَاء لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه. وقيل : إن العَراء وجه الأرض الخالي وأنشد :

ورفعتُ رجلاً لا أخاف عِثَارها

ونبذت بالبلد العَراءَ ثيابي

وقال الزجاج : العَرَاء على وجهين : مقصور وممدود. فالمقصور الناحية ، والممدود المكان الخالي.

وقال أبو زيد : العُرَواء عند اصفرار الشمس إلى الليل إذا اشتدّ البرد ، واشتدّت معه ريحه باردة وشَمَال عرِيّة باردة. وقد أعرينا إعراء إذا بلغنا بَرْد العِشيّ : قال : والعرب تقول : أهلَك فقد أعريت.

ويقال : عُرِيت إلى مال لي أشدَّ العُرَواء إذا بعته ثم تبعته نفسُك. وعُرِي هواه إلى كذا أي حنّ إليه.

وقال أبو وجزة :

يُعْرَى هواك إلى أسماء واحتظرت

بالنأي والبخل فيما كان قد سلفا

وقال أبو زيد : أعرى القوم صاحبهم إعراء إذا تركوه في مكانه وذهبوا عنه.

١٠٠