تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

رجلاً أو عَدُوّاً فإنه يقال فيه : علاه واعتلاه واستعلاه واستعلى عليه. ويقال : عُلْوان الكتاب لعُنوانه. والعرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة ؛ مثل لعلَّك ولعنَّك وعَتَله إلى السجن ، وعَتَنه. وكأن علوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون. وقد مرّ تفسيره في مضاعف العين.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : رجل عِلْيانا وعِلَّيَان إذا كان طويلاً جسيماً وكذلك ناقة عِلْيان وأنشد :

أنشدُ من خَوَّارة عِلْيانِ

مضبورة الكاهل كالبنيانِ

وقال الليث : العِلْيان : الذكر من الضباع قال ويقال للجمل الضخم : عِلْيان.

قلت هذا تصحيف ، إنما يقال لذكر الضباع : عِثْيان بالثاء ، فصحَّفه الليث ، وجعل بدل الثاء لاماً. وقد مر ذكر العِثْيان في بابه.

وقال الليث : العَلَاة السَنْدان ؛ ويشبّه بها الناقة الصُلْبة.

قلت : وهكذا قال غيره من أئمتنا في الناقة الصُلْبة وهذه الحديدة. وقيل في تفسير قوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحَديد : ٢٥] قال : أنزل العَلَاة والمَرّ.

أبو عبيد عن الأصمعي : يقال للرجل الذي يردّ حبل المستَقِي بالبكرة إلى موضعه منها إذا مَرِسَ المعلِّي ، والرِّشاء المعلَّى.

وقال أبو عمرو : التعلية أن ينتأ بعضُ الطيّ أسفل البئر ، فينزلَ رجل في البئر يعلِّي الدلو عن الحجر الناتىء وأَنشد لعدي :

* كهُويّ الدلو نزّاها المُعَلْ*

أراد المعلِّي. قال والعلاة : صخرة يُجعل لها إطار من الأخْثاء ومن اللبن والرماد ، ثم يطبخ فيها الأقط. ويجعع عَلاً. وأنشد أبو عبيدة :

وقالوا عليكم عاصِماً نستغِثْ به

رُوَيدكَ حتى يصفِق البَهْمَ عاصم

وحتى ترى أن العلاة تمدّها

جُخَاديّةٌ والرائحات الروائم

يريد أن تلك العلاة يزيد فيها جُحاديّة ، وهي قِربة مَلأى لبناً ، أو غِرارَة ملأى تمراً أو خنطة يصبّ منها في العلاة للتأقيط ، فذلك مدّها فيها. ويقال : ناقة حَلِيّة عَلِيّة حَلِيَّة : حُلْوة المنظر والسير عَلِيَّة : فائقة. ويقال : عاليته على الحمار ، وعلّيته عليه. وأنشد ابن السكّيت :

عاليت أَنساعي وجِلْبَ الكُور

على سَرَارة رائح ممطور

وقال :

فإلَّا تجلَّلها يعالوك فوقها

وكيف تُوقي ظهرَ ما أنت راكبه

أي يُعلوك فوقها.

أبو سعيد : علوت على فلان الريح أي كنت في عُلاوتها. ويقال : لا تَعلُ الريح على الصيد فيرَاح ريحِك وينفِر. ويقال : أتيت الناقةَ من قِبَل مستعلاها أي من قبل إنسيّها. قال والمُسْتَعْلي هو الذي يقوم على يسار الحَلُوبة. والبائن : الذي يقوم على يمينها. والمستعلي يأخذ العُلْبة بيده اليسرى ويحلب باليمنى. وقال الكميت في المستعلي والبائن :

١٢١

يبشر مستعلياً بائن

من الحالبَينِ بأن لا غرارا

ويُقال : اعلُ الوسادة أي اقعد عليها ، وأَعْلِ عنها أي انزل عنها. وأنشدني أبو بكر الإيادي لامرأة من العرب عُنِّن عنها زوجُها :

فقدنك من بعل علام تدكُّني

بصدرك لا تغني فتيلا ولا تُعلِي

أي لا تَنزِل وأنت عاجز عن الإيلاج. ويقال : فلان غير مؤتل في الأمر ، وغير مُعْتلٍ أي غير مقصِّر. وأنشد أبو العباس بيت طُفيل :

ونحن منعنا يوم حَرْس نساءكم

غداة دعانا عامر غير مُعتل

وقال الفراء : هو عُلْوان الكتاب وعُنوانه.

وقال اللحياني : عَلْونت الكتاب عَلْونة وعلوانا ، وعنونته عنونة وعنواناً.

وقال أبو زيد : عُلْوان كل شيء : ما علا منه ، وهو العُنْوان. وأنشد :

وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها

جعلتها للذي أخفيت عنواناً

أي أظهرت حاجة وأخفيت أخرى. وهي التي أُريغ ، فصارت هذه عنواناً لما أردت.

وقال أبو سعيد : هذه كلمة معروفة عند العرب : أن يقولوا لأهل الشرف في الدنيا وَالثروَة والغنى : أهل عليين. فإذا كانوا متّضعين قالوا : سِفليُّون. والعِلِّيُّون في كلام العرب : الذين ينزلون أعالي البلاد. وإن كانوا ينزلون أسافلها فهم سِفْليُّون.

ويقال هذه الكلمة تستعلي لساني إذا كانت تعتزّه وتجري عليه كثيراً. وتقول العرب : ذهب الرجل عَلَاء وعَلْواً ، ولم يذهب سُفْلاً إذا ارتفع. وفلان منِ علْية الناس لا من سَفلتهم.

وقال الليث : الفرس إذا بلغ الغاية في الرهان يقال : قد استعلى على الغاية. ويقال : قد استعلى فلان عَلَى الناس إذا غلبهم وقهرهم وعلاهم قال الله تبارك وتعالى : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) [طه : ٦٤] ويقال : تعلَّى المريض من عِلَّته إذا أفاق منها. ويَعْلى : اسم رجل. وتَعْلى : اسم امرأة.

لعا : قال الليث : يقال : كلبة لَعْوة ، وذِئبة لَعْوة ، وامرأة لَعْوة : يُعنى بكلّ ذلك الحريصة التي تقاتل على ما يؤكل. والجميع اللَعَوات واللِّعاء. قال : ويقال للعسل ونحوه إذا تعقّد. قد تَلعّى. ولَعاً : كلمة تقال للعاثر.

أبو عبيد عن أبي زيد : إذا دُعي للعاثر قيل : لعاً لك عالياً ، ومثله دع دع.

وقال أبو عبيدة : من دعائهم : لا لعاً لفلان أي لا أقامه الله ، ومنه قول الأعشى يصف ناقة له نجيبة :

بذات لوث عفرناة إذا عَثَرت

فالتعس أدنى لها من أن تقول لعا

وأنشد غيره لرؤبة :

وإن هوى العاثرُ قلنا دَعْ دعا

له وعالينا بتنعيش لعا

والعرب تدعو عَلَى العاثر من الدوابّ إذا

١٢٢

كان جَوَاداً بالتعْس فيقولون : تعْساً له ، وإن كان بليداً كان دعاؤهم له إذا عثر ، لعاً لك وهو معنى قول الأعشى :

* فالتعس أدنى لها من أن يقال لعا*

أبو عبيد عن الفراء. رجل لَعْو ولَعاً منقوص ، وهو الشرِه الحريص.

ثعلب عن ابن الأعرابي : اللعُوة واللَّعَاة : الكلبة وجمعها لِعَاء. ويقال : ما بالدار لاعِي قَرْوٍ أي ما بها أحد. والقَرْو. الإناء الصغير. شمر. اللاعي بمنزلة الحاسي. والقَرْو. العُسّ. وَقال في قوله :

داوِيَّة شقَّت على اللاعي السَّلِعْ

وإنما النوم بها مثل الرضِعْ

قال : اللاعي من اللوعة. قلت كأنه أراد اللائع فقلَب ، وهو ذو اللوعة. والرضع : مصَّة بعد مَصَّة.

وقال أبو سعيد : يقال هو يَلعَى به ويَلْغَى به أي يتولع به.

وقال ابن دريد : اللَّعْوة : السواد حول الحَلَمة. قال وبه سمّي ذو لَعْوة : قيل من أقيال حمير.

ثعلب عن ابن الأعرابي : اللولع الرَّغْثاء ، وهو السواد الذي على الثدي ، وهو اللطخة قال والألعاء : السُلاتيات. والأعْلاء : الطوال من الناس. وخرجنا نَتَلَعّى أي نصيب اللّعَاعة من بقول الربيع.

لوع : أخبرني المنذري عن الحراني عن التَوَّزيّ وثابت بن أبي ثابت أنهما قالا : اللَّوعة : السواد حول الحَلَمة حلمةِ ثدي المرأة. وقد أَلْعى ثديُها إذا تغيَّر.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : ألواع الثدي جمع لَوْع وهو السواد الذي على الثدي.

قلت : هذا السواد يقال له : لَعْوة ولَوْعة ، وهما لغتان. وقال زياد الأعجم :

كذبتَ لم تغذه سوداءُ مقرِفة

بلَوع ثدي كأنف الكلب دمّاع

أبو عبيد اللوعة : حُرقة الهوى.

وقال ابن بُزُرْجَ : يقال : لاع يَلَاع من الضجر والجزع والحزن ، وهي اللوعة.

ثعلب عن ابن الأعرابي : لاع يلاع لَوعة إذا جزع أو مرض. قال : واللوعة : لوعة الحزن والحبّ والمرض وهو وجع القلب. ورجل لاعٌ وقوم لاعون ولاعة. قال : والهاع الجَزُوع ، واللاع الموجَع.

أبو عمرو : يقال : لا تَلَعْ أي لا تضجر.

وقد لِعْتُ ألاع لَيْعاناً ، وهِعْت أهاع هَيْعاناً. قلت : لا تَلَعْ من لاع ، كما تقول : لا تَهَب من هاب يهاب.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : رجل هاعٌ لاعٌ ، وهائع لائع إذا كان جباناً ضعيفاً.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قال اللاعة : المرأة الحديدة الفؤاد الشهمة.

وقال الليث : المرأة اللاعة قد اختُلف فيها. فقال أبو الدُقَيش : اللَعَّة وهي التي تغازلك ولا تمكّنك.

وقال أبو خيرة : هي اللاعة بهذا المعنى امرأة لاعة : إذا كانت مليحة بعيدة من الريبة. ولاع يلاع إذا جزع جزعاً شديداً. وقال يقال : لاعني الهمّ والحزن فالتعْت التياعاً. واللَّوْعة : حُرقة يجدها من

١٢٣

الوجد ، تلوعه لَوْعاً. ورجل هاعٌ لاع : حريص سيّء الخُلُق. والفعل لاع يلوع لَوْعاً ولُوُوعاً. والجميع الألْواع واللاعون.

عول : قال الله جلّ وعزّ : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) [النِّساء : ٣] قال أكثر أهل التفسير : معناه : ذلك أقرب ألا تجوروا وتميلوا ، وروي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي أدنى ألا يكثر عيالكم.

قلت : وإلى هذا القول ذهب الشافعي فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عنه. قلت : والمعروف في كلام العرب : عال الرجل يعول إذا جار ، وأعال يعيل إذا كثر عياله. وقد رَوَى أبو عمر عن أحمد بن يحيى عن سَلَمة عن الفراء أن الكسائي قال : عال الرجل يعيل إذا افتقر ، وأعال الرجل إذا كثر عياله. قال الكسائي : ومن العرب الفصحاء من يقول : عال يعول إذا كثر عياله. قلت : وهذا يؤيّد ما ذهب إليه الشافعي في تفسير الآية ، لأن الكسائي لا يحكي عن العرب إلّا ما حفظه وضبطه. وقول الشافعي نفسه حجَّة ؛ لأنه عربيّ اللسان فصيح اللهجة. وقد اعترض عليه بعض المتحذلقين فخطَّأه ، وقد عجل ولم يتثبت فيما قال. ولا يجوز للحضريّ أن يعجل إلى إنكار ما لا يعرفه من لغات العرب سلمة عن الفرّاء قال : قال الكلبيّ ما زلت مُعيلاً ، من العَيْلة أي محتاجاً. وأمّا عَوْل الفريضة فإن المنذريّ أخبرني عن المفضَّل بن سلمة أنه قال : عالت الفريضةُ أي ارتفعت وزادت. وفي حديث علي أنه أُتي في ابنتين وأبوين وامرأة ، فقال : صار ثمنها تسعاً.

قال أبو عبيد : أراد أن السهام عالت حتى صار للمرأة التسع ، ولها في الأصل الثمن ، وذلك أن الفريضة لو لم تعُلْ كانت من أربعة وعشرين سهماً ، فلمَّا عالت صارت من سبعة وعشرين : للابنتين الثلثان : ستة عشر سهماً وللأبوين السدسان : ثمانية ، وللمرأة ثلاثة فهذه ثلاثة من سبع وعشرين وهو التسع وكان لها قبل العَوْل ثلاثة من أربعة وعشرين وهو الثمن.

وقال الليث : العَوْل : ارتفاع الحساب في الفرائض. ويقال للفارض : أعِلِ الفريضَة. قال والعَول الميل في الحكم إلى الجَوْر.

قال والعول : كل أمر عالك. وقالت الخنساء :

ويكفي العشيرة ما عالها

وإن كان أصغرهم مولدا

أبو عبيد ؛ عالني الشيء يعولني : غلبني وثقل عليّ. ويقال لا تعُلْني أي لا تغلبني قال وأنشد الأصمعي قول النمر بن تولب :

وأحْبِبْ حبيبك حُبّاً رويداً

فليس يعولك أن تَصْرما

قال : ومنه قول ابن مقبل :

* عيل ما هو عائله *

أي غُلِبُ ما هو غالبه.

وقال أبو طالب : يكون عِيل صَبْرُه أي غُلب. ويكون رُفع وغيِّر عمّا كان عليه ،

١٢٤

من قولهم : عالت الفريضة إذا ارتفعت.

أبو عبيد عن الأصمعي : عال الميزان إذا مال ، مأخوذ من الجَور.

وقال أبو طالب بن عبد المطّلب :

بميزان قِسط لا يَغُلُّ شَعِيرة

له شاهد من نفسه غيرُ عائل

وأما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وابدأ بمن تعول» فإن الأصمعي قال : عال الرجل عياله يعولهم إذا كفاهم معاشهم. وقال غيره : عال عياله إذا قاتهم. والعَوْل : القَوْت. وأنشد :

كما خامرت في جفنها أمُّ عامر

لَدَى الحَبْل حتى عال أوس عيالها

هكذا أنشده ابن الأعرابي. وقال : أمُّ عامر هي الضبع ، أي بقي جراؤها ولا كاسب لهن فجعلن يتبعن ما بقي من الذئب وغيره ، فيأكلنه. قال : والحبل حبل الرمل.

قال أبو عبيدة : الضبع إذا هلكت قام الذئب بشأن جرائها. وأنشد فيه هذا البيت :

والذئب يغذو بنات الذِيخ نافلة

بل يحسب الذئب أن النجل للذيب

يقول : لكثرة ما بين الضباع والذئاب من السِفاد يظن الذئب أن أولاد الضبع أولاده.

وقال الليث : العَوْل : قَوْت العيال. قال : وواحد العيال عَيَّل. يقال : عنده كذا وكذا عيِّلا أي كذا وكذا نَفْساً من العيال. قال : وأعال الرجل إذا كثر عياله. وأَمّا قولهم : ويلَه وعَوْله فإن أبا عمرو قال : العَوْل والعويل البكاء. وأنشد :

أبلغ أمير المؤمنين رسالة

شكوى إليك مطلة وعويلا

وقال الأصمعي : العَوْل وَالعَوِيل : الاستغاثة ، ومنه قولهم مُعَوَّلى على فلان أي اتكالي عليه واستغاثتي به.

وقال أبو طالب : النصب في قولهم : ويلَه وعَوْله على الدعاء والذمّ كما يقال ويلا له وتراباً له.

وقال شمر : العَوِيل : الصياح والبكاء. قال : وأعول إعوالاً وعَوَّل تعويلاً إذا صاح وبكى. ومنه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المعوَّل عليه يعذَّب». وقال امرؤ القيس :

* فهل عند رسم دارس من معوّل *

أي من مَبْكًى. وقيل من مستغاث وقيل من مَحْمِل ومعتمد. وأنشد :

* عوِّل على خاليك نعم المعول *

ويقال : عوَّلنا إلى فلان في حاجتنا ، فَوَجدناه نعم المعوَّل ، أي فَزِعنا إليه حين أعوزنا كلُّ شيء قال : والعَوِيل يكون صوتاً من غير بكاء. ومنه قول أَبي زُبَيد :

* للصدر منه عويل فيه حشرجة*

أي زئير كأنه يشتكي صدره.

أبو عبيد عن أبي زيد : أعال الرجلُ وأَعْول إذا حَرَص. وأعولت عليه أي أدلَلْت عليه.

وقال أبو سعيد : عوِّلْ عليه أي استعن به. قال ويقال : فلان عِوَلي من الناس أي

١٢٥

عُدَّتي ومَحْمِلي وقال تأبط شراً :

لكنما عِوَلي إن كنت ذا عول

على كريم بنصب المجد سبَّاق

ويقال : أمر عالٍ وعائل أي متفاقِم ، على القَلْب.

وقال الأصمعي في قول الهُذلي :

* فازدرت مُزدار الكريم المعول *

قال : هو من أعال وأعول إذا حَرَص ، ورجل مُعْوِل أي حريص والمعول الذي يَحمل عليك بدالَّة. وأما قول الكميت :

وما أنا في ائتلاف بني نزار

بملبوس عليَّ ولا مَعُول

فمعناه أني لست بمغلوب الرأي من عِيل أي غلب.

وقال الأصمعي : يقال عوَّل الرجل عالة هي شبه الظُلَّة يسوّيها الرجل من الشجر ، يستتر بها من المطر. وقال الهذلي :

الطعن شعشعة والضرب هَيْقعة

ضرب المعوّل تحت الدِيمة العَضَدا

وقال الليث : المِعْول : حديدة يُنقر بها الجبال. وجمعه معاول.

وقال أبو زيد : أعيل الرجل فهو مُعِيل ، وأعول فهو مُعْوِل إذا حَرَص.

النضر عن يونس : لا يَعُول على القصد أحد أي لا يحتاج ، ولا يعيل مثله.

عيل : أبو عبيد عن الأصمعي : عال الرجل يَعيل عيلة وعالة إذا افتقر. ويقال ترك يتامى عَيْلَى ، أي فقراء. وواحد العيال عيّل ويجمع عيائل والعيّل يقع على الواحد والجميع ، أنشد ابن الأعرابيّ :

إليك أشكو عَرْق دهر ذي خبلْ

وعيّلاً شعثاً صغاراً كالحجل

فجعله جماعة. وفي حديث أبي هريرة ينقله إلى عشرة عِيّل ، ولم يقل : عيائل.

وقال الأحمر : عالني الشيء يعيلني عيلاً ومَعِيلاً إذا أعجزك. قال : وقال أبو زيد ، عِلْت الضالة أعيل عيلاناً إذا لم تَدْر أي جهة تبغيها. وجاء

في الحديث «ما عال مقتصد ولا يعيل» أي ما افتقر.

وقال الأصمعي : عال يعيل وتعيَّل يتعيّل إذا تبختر في مشيته. وأنشد :

* كالمرزبانيّ عيَّال بآصال*

أي متبختر ابن الأنباري : عال الرجل في الأرض يعيل فيها إذا ضرب فيها ، وأعال الذئب يُعيل إعالة إذا التمس شيئاً ويقال عيّل فلان دابّته إذا أهمله وسيَّبها ، وأنشد :

* وإذا يقوم به الحسير يعيَّل *

أي يسيَّب.

ثعلب عن ابن الأعرابي : العُيُل العَيْلة ، والعُيُل جمع العائل وهو الفقير. والعُيُل جمع العائل وهو المتكبّر والمتبختر أيضاً. وقال يونس طالت عيلتي إياك أي طالما عُلتك وَرَوى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من البيان سحراً ، وإن من العلم جهلاً ، وإن من الشعر حُكماً وَإن من القول عَيْلاً». قيل في قوله عيلاً : عَرْضك حديثك وكلامك عَلَى من لا يريده وليس من شأنه.

ولع : أبو عبيد عن الكسائيّ : الوَلُوع من

١٢٦

أُولعت ، وكذلك الوَزُوع من أُوزِعت.

قلت : وهما اسمان أقيما مقام المصدر الحقيقيّ.

وقال الليث : أُولع فلان بكذا وَلُوعاً وإيلاعاً إذا لجّ. قال ويقال : وَلِع يَوْلَع وَلَعاً فهو وَلِعٌ وَوَلُوعٌ وَلاعَة. قال : وَالوَلَع : نفس الوَلُوع. وَوَلِع بفلان : لجّ في أمره وحَرَص عَلَى إيذائه.

وَأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفراء : وَلِعَت بالكذب تَلَع وَلْعاً. وَروَى أبو عبيد عن الأصمعي والأحمر : وَلَع يَلَع وَلْعاً ووَلَعاناً إذا كذب. وأنشد :

* وهنّ من الإخلاف والولَعان *

وقال كعب :

لكنها خُلَّة قد سيط من دمها

فجع وَوَلْع وإخلاف وَتبديل

وقال ذو الإصبع العُدْواني :

إلّا بأن تكذبا عَلَيّ ولا

أملك أن تكذبا وأن تَلَعا

وَقال اللحياني : يقال : وَلَع يَلَع إذا استخفّ ، وأنشد :

فتراهن عَلَى مُهْلته

يختلين الأرض وَالشاةُ يَلَعْ

أي يستخفّ عَدْواً ، وذكَّر الشاة. قال المازني في قوله : والشاة يلع أي لا يُجدّ في العدْو ، كأنه يلعب. قلت : هو من قولهم : وَلَع يَلَع إذا كذب ، كأنه كذب في عَدْوه ولم يجدَّ.

ابن السكيت : رجل وُلَعة : يُولَع بما لا يعنيه ، وَهُلَعة : يجوع سريعاً. وَيقال وَلَع فلاناً والِع ، وَوَلَعته وَالعة وَاتّلعته وَالعة ، أي خفِي عَلَيّ أمْرُه ، فلا أدري أحيّ أم ميت. ويقال : فقدنا فلاناً فما ندري ما وَلَعَه أي ما حبسه. وقد وَلَع فلان بحقّي وَلْعاً أي ذهب به.

وَقال ابن الأعرابيّ وَغيره : الوَلِيع : الطلع ما دام في قِيقائه ، كأنه نظم اللؤلؤ في شدّة بياضه. وَالواحدة وَليعة وَأنشد :

وَتبسم عن نيّر كالوليع

تُشَقَّقُ عنه الرقاة الجُفُوفا

وَقال الليث : المولّع الذي أصابه لُمَعَ من بَرَص في جسده أي بَرَّصه. وأنشد :

* كأنه في الجلد توليع البَهَقْ*

قلت : التوليع : التلميع من البرص وغيره وَقال أبو ذؤيب :

* ... بالطرتين مولَّع *

وقال أبو عبيدة : فرس مولَّع ؛ وهو الذي في بياض بَلقه استطالةٌ وتفرقةٌ.

وقال عَرّام : يقال : بفلان من حبّ فلانة الأولع والأولق ؛ وهو شبه الجنون. وابتلعت فلانة قلبي وفلان موتلَع القلب ، ومُوتَله القلب ، ومتَّلَه القلب ومنتزَع القلب بمعنى واحد.

وعل : الليث : الوَعِلُ وجمعه الأوعال : وهي الشاء الجَبَليَّة. وقد استوعلَتْ في الجبال ويقال : وَعِل ، ووَعْل. قال : ولغة للعرب : وُعِل بضم الواو وكسر العين من غير أن يكون ذلك مطّرداً ، لأنه لم يجيء في كلامهم فُعِل اسماً إلّا دُئل ، وهو شاذّ. قال

١٢٧

والوَعْل ـ خفيف ـ بمنزلة بُدّ ؛ كقولك : ما بُدّ من ذلك ولا وَعْل ، هذا كله عن الليث.

قلت : الوَعْل ـ خفيف ـ : الملجأ ، يقال : ما وجد وَعْلا يَلجأ إليه أي موئلاً يئل إليه ، وأما الوُعِل فما سمعته لغير الليث. ويقال استوعلت الأوعالُ إذا ذهبت في قُلَل الجبال وقال ذو الرمة :

ولو كلمت مستوعِلا في عَمَاية

تصبّاه من أعلى عمايةَ قِيلُها

يعني وَعِلاً مستوعلاً في قلَّة عماية وهو جبل.

وقال الفراء : أمالك من هذا الأمر وَعْل ، وما لك منه وَغْل أي ملجأ.

وقال غيره هما بمعنى ماله منه بدّ. وقال ذو الرمة :

حتى إذا لم يجد وَعْلاً ونجنجها

مخافة الرمي حتى كلها هيم

ويقال لأشراف الناس الوعُول ، ولأرذالهم التُحوت. وفي الحديث «من أشراط الساعة أن يظهر أو يعلو التحوت ، ويسفل الوعول يعني الأشراف».

قال النضر : المستوعَل : الحِرْز الذي يتحرز به الوعل في رأس الجبل. قال : ولذلك سمي الوعل وعلاً. والجميع المستوعَلات. وكذلك المستوأل بهمزة وهو المكان الذي يستوئل إليه أي يأوي إليه ، ومنه أخذ الموئل. ومكانه الذي يوفيه المشترَف والجميع المشترفات يعلو العلوّ لئلا يُخْتَلّ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال لعُرْوة القميص الوَعْلة ولزرّه الزِير.

باب العين والنون

[ع ن (وا يء)]

عون ، عنا ، نعو ، عين ، وعن ، ينع ، نعي ، نوع ، ونع.

عون : يقال امرأة متعاوِنة إذا اعتدل خَلْقُها فلم يبدُ حجمها ، وبرذون متعاون ومتدارِك ومتلاحك إذا لحِقت قوّته وسِنّه.

وقال الليث : كل شيء أعانك فهو عَوْن لك ؛ كالصوم عَوْنٌ على العبادة والجميع الأعوان. قال : وتقول : أعنته إعانة ، واستعنته ، واستعنت به ، وعاونته. وقد تعاونّا أي أعان بعضنا بعضاً. والمَعُونة : مَفْعُلة في قياس من جعلها من العَوْن. وقال ناس : هي فَعُولة من الماعون ، والماعون فاعول. وقال غيره من النحويين : المَعُونة مَفْعُلة من العَوْن ، مثل المَغُوثة من الغوث ، والمَضُوفة من أضاف إذا أشفق ، والمشورة من أشار يشير. ومن العرب من يحذف الهاء فيقول : مَعُون وهو شاذّ ؛ لأنه ليس في كلام العرب مَفْعُل بغير هاء. ورَوَى الفراء عن الكسائيّ أنه قال : لا يأتي في المذكّر مَفْعُل بضم العين إلا حرفان جاءا نادرين لا يقاس عليهما وأنشد :

بثين الزمى لا إن لا إن لزمته

على كثرة الواشين أيُ معون

وقال آخر :

* ليوم هيجا أو فَعال مَكْرُم*

وقال الفراء : مَعُون جمع معونة ، ومكرم

١٢٨

جمع مكرمة.

وقال الله جلّ وعزّ : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البَقَرَة : ٦٨] قال الفراء : انقطع الكلام عند قوله (وَلا بِكْرٌ) ثم استأنف فقال (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) قال : والعوان يقال منها قد عوَّنَتْ. وقال أبو عبيد : العَوَان من النساء : الثيّب. وجمعها عُون. وقال أبو زيد عانت البقرة تَعُون عُوُوناً إذا صارت عَوانا.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال : العَوَان : النَصَف التي بين الفارض وهي المسنّة وبين البكر وهي الصغيرة. قال : ويقال : فرس عَوَان وخيل عُون على فُعْل. والأصل عُوَن ؛ فكرهوا إلقاء ضمة على الواو فسكَّنوها. وكذلك يقال رجل جواد وقوم جُود. وقال زهير :

نَحُلَّ سهولها فإذا فزِعنا

جَرَى منهن بالآصال عونُ

فزِعنا : أغثنا مستغيثاً. يقول : إذا أغثنا ركبنا خيلاً. قال : ومن زعم أن العُون هاهنا جمع العانة فقد أبطل. وأراد أنهم شجعان ، فإذا استغيث بهم ركبوا الخيل وأغاثوا.

وقال أبو زيد : بقرة عوان : بين المسِنَّة والشابَّة.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَوَان من الحيوان : السنّ بين السنّين ، لا صغير ولا كبير. وامرأة عَوَان : ثيب. وحرب عوان : كان قبلها حرب.

أبو عبيد : العانة : الجماعة من حُمُ والوحش وقال غيره : تجمع عُوناً وعانات.

وقال الليث : عانات : موضع بالجزيرة تنسب إليه الخَمُر العانيَّة. قال : وعانة الرجل إسبه من الشعر النابت على فرجه وتصغيرها عُوَيْنة.

وقال أبو الهيثم : العانة منبِت الشعر فوق القُبُل من المرأة ، وفوق الذكر من الرجل ، والشعر النابت عليها يقال له الشِعْرة والإسب.

قلت : وهذا هو الصواب لا ما قاله الليث.

ثعلب عن ابن الأعرابي : استعان الرجل إذا حلق عانته وأنشد :

مثل البُرام غدا في أُصدة خَلَق

لم يستعن وحوامي الموت تغشاه

البُرَام : القراد. لم يستعن أي لم يحلق عانته وحوامي الموت حوائمه فقلبه. وهي أسباب الموت.

اللحياني : يقال : فلان على عانة بكر بن وائل أي على جماعتهم وحرسهم أي هو قائم بأمرهم.

الليث : رجل مِعوان : حسن المعونة.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَوَانة النخلة الطويلة ، وبها سمي الرجل ، وهي المنفردة ويقال لها : القِرْواح والعُلْبة. قال : والعَوَانة أيضاً : دودة تخرج من الرمل فتدور أشواطاً كثيرة.

وقال الأصمعي : العَوَانة : دابَّة دون القنفذ تكون في وسط الرملة اليتيمة ـ وهي المنفردة من الرَمَلات ـ فتظهر أحياناً ،

١٢٩

وتدور كأنها تطحن ثم تغوص. قال : ويقال لهذه الدابة : الطُّحَن. قال : وبالعوانة الدابة سمى الرجل.

عمرو عن أبيه قال : العَوِين : الأعوان.

قال الفراء : ومثله طَسِيس جمع طَسّ.

ثعلب عن ابن الأعرابي التعوين كثرة بَوْك الحمار لعانته والتوعين لعانته السِمَن.

وعن : قال أبو عبيد عن أبي زيد : إذا بلغت الناقة أقصى غاية السِمَن قيل توعّنت فهي متوعنة وهي نَهِيّة مثلها.

عمرو عن أبيه قال قرية النمل إذا خربت فانثقل النمل إلى غيرها وبقيت آثارها فهي الوِعَان واحدها وَعْن. وقال ابن الأعرابي مثله ، إلّا أنه قال : وَعْنة.

وقال الليث الوَعْنة جمعها الوِعَان. بياض تراه على الأرض تعلم به أنه وادي النمل لا يُنبت شيئاً. وأنشد :

* ... كالوِعان رسومها*

قال والغنم إذا سمِنت أيام الربيع فقد توعَّنت.

وقال ابن دريد : الوِعَان : خطوط في الجبال شبيهة بالشئون.

عين : يقال عان الرجل فلاناً يعينه عَيْناً إذا ما أصابه بالعين ، فهو عائن ، والمصاب بالعين معين. ومن العرب من يقول : مَعْيون.

وأنشدني غير واحد :

قد كان قومك يحسبونك سيدا

وإخال أنك سيّد مَعْيون

وتعيَّن الرجلُ إذا تشوَّه تأنّى ليصيب شيأ بعينه. ورجل عَيُون إذا كان نَجِىءَ العين.

ويقال : أتيت فلاناً فما عيّن لي بشيء ، وما عيَّنني بشيء أي ما أعطاني شيأ.

ويقال : عيَّنت فلاناً أي أخبرته بمساويه في وجهه.

ويقال : بعثناً عَيْنا أي طليعة ، يعتان لنا أي يأتينا بالخبَر. والاعتيان : الارتياد.

ويقال ذهب فلان فاعتان لنا منزلا مُكْلئاً أي ارتاد لنا منزلاً ذا كلأ. والعِينة : خيار الشيء وجمعها عِيَن.

وقال الراجز :

فاعتان منها عِينة فاختارها

حتى اشترى بعينه خيارها

ابن الأنباريّ في قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) [هود : ٣٧] قال أصحاب النقل والأخذ بالأثر : الأعين يريد به العَين. قال : وعَيْن الله لا تفسَّر بأكثر من ظاهرها ، ولا يسع أحداً أن يقول : كيف هي أو ما صفتها. قال : وقال بعض المفسرين بِأَعْيُنِنا بإبصارنا إليك.

وقال غيره : بإشفاقنا عليك. واحتجّ بقوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] أي لتغَذَّى بإشفاقي. تقول العرب : على عيني قصدت زيداً يريدون الإشفاق.

عمرو عن أبيه قال : اللُّومة : السِنّة التي تُحرث بها الأرض ، فإذا كانت على الفَدَان فهي العِيان وجمعها عُيُن لا غير.

وقول عمر بن أبي ربيعة :

ونفسك لم عينين جئت الذي ترى

وطاوعت أمر الغيّ إذا أنت سادر

١٣٠

قال : قال الزبير : عينين : معاينة.

وقال أبو العباس : عينين جعله بدلاً من النفس.

أبو عبيد : حضرت حتى عِنْت وأَعْينت بلغت العيون.

ابن السكيت : يقال قدِم فلان من رأس عَيْن ، ولا تقل : من رأس العين.

ويقال : ما بالدار عين ولا عائنة أي أحدٌ.

الفراء : لقيته أوّل عَيْن أي أوَّل شيء.

وأبو عبيد عن الكسائي مثله.

وقال أبو زيد لقيته أول عائنة مثله.

وقال الفراء : ما بها عائن وما بها عَيَن بنصب الياء. والعَينُ : أهل الدار.

وقال اللحياني : إنه لأعيْن إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء. والجميع منها عِين قال الله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ) [الواقِعَة : ٢٢] ولقد عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَنَاً وعِينةً حسنةً. ونعجة عيناء إذا اسودت عينتها ، وابيض سائر جسدها قال وعِينتها : موضع المَحْجِر من الإنسان ، وهو ما حول العين. وحفر الحافر فأعْيَن وأعان أي بلغ العُيون. ورأيت فلاناً عِيَاناً أي مواجهة.

ويقال : طلعت العين وغابت العين ، أي الشمس.

وفي الحديث : «إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلّات». وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال : الأعيان : ولد الرجل من امرأة واحدة ، والأَقْران : بنو أمّ من رجال شتّى ، وبنو العَلّات : بنو الرجل من أمّهات شتى ، ومعنى الحديث أن الإخوة للأب وللأم يتوارثون ، دون الأخوة للأب.

ابن الأعرابي : يقال : أصابته من الله عَيْن.

قال : وقال عمر لرجل ضربه رجل بحقّ : أصابتك عين من عيون الله.

وأنشد :

فما الناس أردَوه ولكن أقاده

يد الله والمستنصر الله غالب

ويقال : هذه دراهمك بأعيانها وهي أعيان دراهمك ولا يقال فيها أعْيُن ولا عيون وكذلك يقال هؤلاء إخوتك بأعيانهم ، ولا يقال : أعين وعيون. ويقال : غارت عَيْن الماء ، وتجمع عيوناً. ويقال : عيَّن التاجر يُعيّن تعيينا وعينة قبيحة ، وهي الاسم ، وذلك إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم اشتراها منه بأقلّ من الثمن الذي باعها به. وقد كرِه العِينَة أكثرُ الفقهاء. ورُوي النهي فيها عن عائشة وابن عباس. فإن اشترى التاجر بحضرة طالب العِينة سِلْعة من آخر بثمن معلوم ، وقبضها ، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمّى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل الثمن الذي اشتراها به فهذه أيضاً عِينة. وهي أهون من الأولى. وأكثر الفقهاء على إجازتها ، على كراهة من بعضهم لها. وجملة القول فيها أنها إذا تعرّت من شرط يفسدها فهي جائزة. وإن اشتراها المتعيّن بشرط أن يبيعها من

١٣١

بائعها الأول فالبيع فاسد عند جميعهم وسمّيت عِينة لحصول النقد لطالب العِينة. وذلك أن العينة اشتقاقها من العَيْن وهو النقد الحاضر يحصل له من فوره.

وقال الراجز :

* وعَيْنه كالكالىء الضِّمَارِ*

يريد بعِينه حاضر عطيته. يقول فهو كالضِّمار ، وهو الغائب الذي لا يُرجى.

والعَيْن : عين الرُكْبَة وهي نُقْرة الرُكْبة.

وقال الأصمعي : العَيْن : المطر يدوم خمسة أيام أو أكثر لا يُقلع. والعين : ما عن يمين قِبلة أهل العراق.

وكانت العرب تقول : إذا نشأت السحابة من قِبَل العَيْن فإنها لا تكاد تُخلِف ، أي من قِبَل قِبْلة أهل العراق.

الحراني عن ابن السكيت قال : العين : التي يبصر بها الناظر. والعين : أن يصيب الإنسان بعين. والعين : الذي ينظر للقوم.

وعينُ المتاع : خياره. وعين الشيء : نفسه. ويقال : لا أقبل إلّا درهمي بعينِه. والعينُ عين الرُكبةِ والعين : التي يخرج منها الماء. والعين : الدنانير. والعين : مطر أيام لا يُقلِع. والعين : ما عَنْ يمين قبلة أهل العراق.

ويقال : في الميزان عَيْن إذا رجحت إحدى كِفَّتيه على الأخرى. والعين عين الشمس. قال والعين : أهل الدار.

وأنشد :

* تشرب ما في وَطْبها قبل العَين *

والعين : النَقْد. يقال : اشتريت العبد بالدَيْن أو بالعَيْن. وعين القوس : التي يقع فيها البندق. والعين اليَنبوع الذي ينبع من الأرض ويجري. وعين الركيَّة : منبعها.

وقال أبو الهيثم : العرب تقول : في هذا الميزان عَيْن أي في لسانه مَيَل قليل.

ويقولون : هذا دينارٌ عَيْن إذا كان ميّالاً أرجح بمقدار ما يميل به لسان الميزان.

قال وعين سبعة دنانير نصف دانق.

أبو سعيد عين مَعْيونة : لها مادّة من الماء وقال الطرمّاح :

ثم آلت وهي مَعْيونة

من بطىء الضَهْل نَكْز المهامي

أراد أنها طَمَتْ ثم آلت أي رجعت.

ويقال للرجل يُظهر لك من نفسه ما لا يفي به إذا غاب : وهو عَبْدُ عَيْنٍ ، وهو صديق عَيْن. وعان الماءُ يعين إذا سال. والعِيَان : حَلْقة السِّنَّة وجمعه عُيُن.

وقال الليث : يقال إن فلاناً لكريمٌ عينُ الكرم.

ويقال في مثل : لا أطلب أثراً بعد عين أي بعد المعاينة. وأصله أن رجلاً رأى قاتِل أخيه فلما أراد قتله قال : أفتدي بمائة ناقة ، فقال : لست أطلب أثراً بعد عين وقتله.

وقوله :

حبشيّاً له ثمانون عينا

بين عينيه قد يسوق إفالا

أراد عبداً حبشياً له ثمانون ديناراً بين عينيه يعني بين عيني رأسه. والعين : الذي تبعثه بتجسس الأخبار ، تسميه العرب ذا

١٣٢

العِيَيْنَتين وذا العُيَيْنَتَين وذا العُوَينتين كله بمعنى واحد.

قال الليث : والعِينة : السَلَف. وقد تعيّن منه عِينة ، وعيَّنة التاجر. والعِين : بقر الوحش وهؤلاء أعيان قومهم أي أشرافهم والماء المعِين : الظاهر الذي تراه العيون. وثوب مُعَيَّر : يُرى في وشيه ترابيع صغار تشبه عُيُون الوحش.

وقال الأصمعي : عيَّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها وهي جديدة فتنسدّ وسرَّبتها كذلك.

وقال الفراء : التعيّن أن يكون في الجلد دوائر رقيقة.

وقال القطامي :

ولكن الأدِيم إذا تَفَرّى

بِلاً وتعيُّناً غلب الصَنَاعا

وقال ابن الأعرابي : تعيّنت أخفافُ الإبل إذا نقِبت مثل تعيّن القربة. وتعينتُ الشخص تعيُّناً إذا رأيته. وسقاء عَيِّن إذا رَقَّ فلم يُمسك الماء. ويقال : عيَّن فلان الحرب بيننا تعييناً إذا أدارها وِعِينة الحرب مادّتها.

وقال ابن مقبل :

لا تحلُب الحربُ مني بعد عِينتها

إلا عُلَالة سِيد مارد سَدِم

أبو عمرو : ما عيّن فلان لي شيأ ، أي لم يدلّني على شيء.

وقال الأصمعي : الكُوفَة مَعَان منا أي منزل ومَعْلم. ورأيته بعائنة العدوّ ، أي بحيث تراه عيون العدوّ ، وما رأيت ثَمّ عائنة أي إنساناً. ورجل عَيِّن أي سريع البكاء ، ولقيته عَيْنَ عُنَّةٍ أي مواجهة وعَيْنَين : جبل بأُحُد. وبالبحرين قرية تعرف بعينين ، وإليها ينسب خُلَيد عينين وقد دخلتها أنا ، وعان الماء يَعِين إذا سال.

عنا : قال الله جلّ وعزّ : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه : ١١١].

قال الفراء : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) : نصِبت له وعملت له.

وذكر أيضاً أنه وَضْع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع ، وهو في معنى العربية أن يقول الرجل : عَنَوت لك : خضعت لك وأطعتك.

قال : ويقال للأرض : لم تعنُ بشيء أي لم تُنبت شيأ. ويقال : لم تَعْنِ بشيء ، والمعنى واحد ؛ كما يقال حَثَوت عليه التراب وحَثَيت.

قال وقولهم : أخذت الشيء عَنْوة يكون غلبة ، ويكون عن تسليم وطاعة ممن يؤخذ منه الشيء.

وأنشد الفراء :

فما أخذوها عَنْوة عن مودّة

ولكنّ ضرب المشرفيّ استقالها

فهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال.

وقال الأخفش في قوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) [طه : ١١١] : استأسرت.

قال : والعاني : الأسير.

وقال أبو الهيثم : العاني : الخاضع ، والعاني : الأسير. والعاني : العبد.

١٣٣

والعاني : السائل من ماء أو أدم. يقال : عنت القِربة تعنو إذا سأل ماؤها.

وقال المتنخِّل الهذلي :

تعنو بمخروت له ناضحٌ

ذو رَيِّق يغذو وذو سَلسَل

قال شمر : تعنو بمخروت أي تسيل بمخروت أي من شَقٍ مخروت ، والخَرْت : الشَقُ في الشَفة والمخروت المشقوق.

ورواه : ذو شَلْشَل بالشين معجمة معناه : ذو قَطَران من الواشل وهو القاطر

أبو عبيد عن الكسائي : عنوت الشيء : أخرجته. وأنشد :

* ولم يبق بالخلصاء مما عَنَتْ به*

أي أَخرجَتْه.

وقال أبو الهيثم : العَنَاء : الحبس في شدّة وذل. يقال : عَنَا الرجلُ يعنو عُنُوّاً وعَنَاء إذا ذَلَّ لك واستأثر.

قال : وعنّيته أُعَنّيه تعنية إذا أسرته فحبسته مضيِّقاً عليه.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم»أي كالأسرى.

قال : وأخذته عَنْوة أي قسْراً قهراً. وفُتحت هذه البلدة عَنْوة أي فتحت بالقتال قوتل أهلها حتى غُلبوا عليها ، أي فتحت البلدة الأخرى صلحاً ؛ لم يُغلبوا ولكن صولحوا على خَرْج يُؤدّونه.

وقال أبو عبيد في قوله : «فإنهن عندكم عوانٍ» واحدة العواني عانية وهي الأسيرة يقول : إنما هن عندكم بمنزلة الأسرى.

ورجل عانٍ وقوم عُنَاة : ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عُودوا المرضى ، وفُكّوا العاني» يعني الأسير.

قال : ولا أُراه مأخوذاً إلا من الذل والخضوع ، وكل من ذل واستكان فقد خضع وعنا. والاسم منه العَنْوة.

وقال القطامي :

ونأت بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوة

لك من مواعدها التي لم تصدق

وأُخِذت البلاد عَنوة أي بالقهر والإذلال.

شمر عن ابن الأعرابي : هذا يعنو هذا أي يأتيه فيشمَّه. والهموم تعاني فلاناً أي تأتيه. وأنشد :

وإذا تعانيني الهمومُ قريتُها

سُرُح اليدين تُخالس الخَطَرانا

وقال الليث : يقال للأسير : عنا يعنو ، وعَنِيَ يَعْنَى.

قال : وإذا قلت أعْنَوه فمعناه أبقَوه في الإسار.

قال : وعُنْوان الكتاب مشتقّ ـ فيما ذكروا ـ من المَعْنَى. وفيه لغات : عنونت وعنَّيت ، وعنَّنْت.

وقال الأخفش : عَنَوْت الكتاب واعْنُهُ. وأنشد يونس :

فطِنِ الكتاب إذا أردت جوابه

واعُن الكتاب لكي يُسَرّ ويُكْتما

ثعلب عن ابن الأعرابي قال عَنِيت بأمره عناية : وعُنِيّاً ، وعنا في أمره سواء في

١٣٤

المعنى ومنه قولهم :

* إياكِ أعني واسمعي يا جارهْ*

وتقول عنيتك بكذا وكذا عِنِيّا ، والعَناء الاسم ويقال عَنيت وتعنّيت كل يقال.

شمر عن ابن الأعرابي يقال : عنا عليه الأمر أي شقّ عليه.

وأنشد قول مزرِّد :

وشقّ على لعرىء وعنا عليه

تكاليف الذي لن يستطيعا

ويقال : عُني بالشيء فهو مَعْنِيّ به ، وأعنيته وعنَّيته بمعنى واحد. وأنشد :

ولم أَخْلُ في قَفْر ولم أُوفِ مَرْبأ

يَفَاعا ولم أُعن المطِيّ النواجيا

قال : وعنّيته : حبسته حبساً طويلاً ، وكل حبس طويل فهو تعنية.

ومنه قول عُقْبة :

قطعتَ الدهر كالسَدِم المعنّي

تُهَدِّرُ في دمشق وما تريم

ويقال : لقِيت من فلان عَنْية وَعَنَاء أي تَعَباً.

أبو عبيد عن الفراء : ما يَعْنَى فيه الأكلُ أي ما ينجَع. وقد عَنَى أي نجع ، هكذا رُوِي لنا عن أبي عبيد عَنَى يَعْنَى.

وروَاه ثعلب عن سَلَمة عن الفراء : شرب اللبن شهراً فلم يَعْنَ فيه كقولك : لم يُغنِ عنه شيئاً وقد عَنِيَ يَعْنَى عُنِيّاً ـ بكسر النون ـ من عَنِيَ.

قلت : والصواب ما رواه أبو العباس ، وهو قياس كلام العرب. ومن أمثالهم عَنِيَّتُه تشفى الجرب يضرب مثلاً للرجل الجيد الرأي. وأصل العنِيَّة ـ فيما روى أبو عبيد عن الأصمعي ـ أَبوال الإبل يؤخذ معها أَخلاط فتُخلط ، ثم تُحبس زماناً في الشمس ، ثم يُعالج بها الإبل الْجَرْبَى ، سُمِّيت عَنِيَّة من التعنية وهو الحبس ونحو ذلك قال أبو عمرو.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : عنا يعنو إذا أَخذ الشيء قهراً ، وعنا يعنو عَنْوة فيهما إذا أَخذ الشيء صلحاً بإكرام ورفق. وقال الليث : عناني هذا الأمر يَعْنيني عِناية فأنا معنِيّ به ، وَقد اعتنيت بأمره. قال : ومعنى كل شيء محنته وحاله التي يصير إليها أمره.

وأَخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى قال : المَعْنى والتفسير والتأويل واحد.

وقال الليث : المُعنَّى كان أهل الجاهلية إذا بلغت إبل الرجل مائة عمدوا إلى البعير الذي أَمْأت به إبله فأغلقوا ظهره لئلا يركب ولا ينتفع بظهره ؛ ليعلم أن صاحبها مُمْء وإغلاق ظهره أن يُنزع منه سَنَاسِنُ من فِقرته ويعقر سنامه. وقال في قول الفرزدق :

غلبتك بالمفقّىء والمُعَنِّي

وبيتِ المحتبِي والخافقات

قال أراد بالمفقِّىء بيته :

فلستَ ولو فقَّأت عينيك واجدا

أبالك إذ عُدَّ المساعي كدارم

وأراد بالمعنِّي قوله : تَعَنَّى يا جرير لغير شيء

١٣٥

وقد ذهب القصائد للرواة

فكيف تردّ ما بعُمان منها

وما بجبال مصر مشهَّرات

وأراد بالمحتبِي قوله :

بيت زرارة محتبٍ بفنائه

ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

لا يحتبِي بفناء بيتك مثلُهم

أبداً إذا عُدّ الفَعَال الأفضل

وأراد بالخافقات قوله :

وأين يُقَضّى المالكان أمورها

بحقّ وأين الخافقات اللوامع

أخذنا بآفاق السماء عليكم

لنا قمراها والنجوم الطوالع

ابن الأعرابي : في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لرجل : لقد عَنِي الله بك ؛ قال : معنى العناية هاهنا الحفظ ، أي لقد حفظ الله دينك وأمرك حتى خلَّصك وحفظه عليك وقال : عُنيت بأمرك فأنا مَعْنِي وعَنيت فأنا عانٍ وعنٍ.

شمر عن ابن الأعرابي : الأعناء : النواحي واحدها عَناً ، كما ترى وهي الأعنان أيضاً.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سئل عن الإبل ، فقال : أعنان الشياطين ، أراد أنها مثلها ، كأنه أراد أنها من نواحي الشياطين. وقال اللحياني : يقال : فيها أعناء من الناس ، وأعراء ، واحدها عِنْو وعِرْو ، أي جماعات.

وقال الأصمعي : أعناء الشيء : جوانبه ، واحدها عِنْو.

وقال الفراء : يقال هو معنيٌ بأمره وعانٍ بأمره وَعَنٍ بأمره بمعنى واحد.

وقال ابن السكيت عن الكسائي : يقال : لم تَعْنِ بلادنا بشيء أي لم تُنبت شيئاً ولم تَعْنُ بشيء أي لم تُنْبِت ـ يسكنون العين فيها ـ شيئاً.

وقال الأصمعي : سألته فلم يَعْنُ لي بشيء ، كقولك لم يَنْدَ لي بشيء ، ولم يبِضّ لي بشيء ، وقد عنا النبت يعنو إذا ظهر ، وأعناءهُ المطر إعناء ، وعنا الماء إذا سال ، ودم عانٍ سائل ، وعَنَوت الشيء : أخرجته.

وقال أبو سعيد : عَنَيت فلاناً عَنْياً أي قصدته ومن تَعْنِي بقولك؟ أي من تقصد؟ وعناني أمرك أي قصدني وفلان تَتعنَّاه الحُمَّى أي تتعهَّده ، ولا تقال هذه اللفظة في غير الحُمَّى.

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا اشتكى أتاه جبريل فقال : باسم الله أَرقيك من كل داء يعنيك ، (مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) ، ومن شر كل ذي عين.

قلت : قوله : يعنيك أي يشغلك. تقول : هذا الأمر لا يعنيني أي لا يشغلني. وقيل : يعنيك أي يقصدك كما قال أبو سعيد ، والمعنيان متقاربان.

أبو حاتم عن الأصمعي : عُني فلان بالأمر فهو مَعْنِيّ به. ويقال : لتُعْنَ بحاجتي. ويقال عَنِيت في الأمر إذا تعنيت فيه ، فأنا أَعْنَى وأَنا عَنٍ. وإذا سألت قلت كيف من تُعْنى بأمره مضموم ؛ لأن الأمر عناه ولا يقال كيف من تَعْنَى بأمره.

١٣٦

وقال الليث المعاناة : المقاساة.

وروى أبو سعيد عن ابن الأعرابي : المعاناة : المداراة.

وقال الأخطل :

فإن أك قد عانيت قومي وهبتهم

فهلهل وأَوّل عن نُعَيم بن اخثما

هلهل : تأن وانتظر.

وأنشد ابن الأنباري في قولهم عناني الشيء أي شغلني :

عناني عنك والأنصابِ حَرْب

كأن صُلاتها الأبطالَ هِيم

أي شغلني. وقال آخر :

لا تلمني على البكاء خليلي

إنه ما عاناك ما قد عناني

وقال آخر :

إن الفتى ليس يُقميه ويقمعه

إلا تكلُّفه ما ليس يعنيه

تفسير مِنْ وعن قال المبرد : مِنْ وإلى وربَّ وفي والكاف الزائدة والباء الزائدة واللام الزائدة هي حروف الإضافة التي يضاف بها الأسماء والأفعال إلى ما بعدها. قال : وأمّا ما وضعه النحويون ؛ نحو على وعن وقبل وبعد وبين وما كان مثل ذلك فإنما هي أسماء. يقال : جئت من عنده ، ومِن عليه ، ومن عن يساره ، ومن عن يمينه قال القطامي :

* من عَنْ يمين الحُبَبَّا نظرةٌ قَبَل*

وممَّا يقع الفرق فيه بين مِن وعن أن مِن يضاف بها ما قَرُب من الأسماء ، وعن يوصل بها ما تراخى ؛ كقولك : سمعت من فلان حديثاً ، وحدّثنا عن فلان حديثاً.

وقال أبو عبيدة في قول الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشّورى : ٢٥] أي من عباده.

أبو عبيد عن الأصمعي : حدَّثني فلان من فلان يريد : عنه ، ولهِيتُ من فلان وعنه.

وقال الكسائي : لهيت عنه لا غير. ويقال : اله منه وعنه.

وقال الأصمعي : لهِيت منه وعنه : وقال عنك جاء هذا يريد : منك.

وقال ساعدة بن جُؤيَّة :

أفعنك لا برقٌ كأن وميضه

غاب تسنَّمه ضِرَام موقَد

يريد : أمنك برق ، ولا صلة ، رَوَى جميع ذلك أبو عبيد عنهم.

والعرب تقول : سِرْ عنك ، وانفُذ عنك ، أي امض وجُز ، ولا معنى لعنك.

وفي حديث عمر أنه طاف بالبيت مع يَعْلَى ابن أميَّة ، فلما انتهى إلى الركن الغربيّ الذي يلي الأسود قال له : لا تستلم. قال : فقال له : انفُذ عنك فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يستلمه. وفي الحديث تفسيره أي دَعه.

وقال ابن السكيت : تكون عن بمعنى على. وأنشد قول ذي الإصبع العَدْواني :

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني ولا أنت ديّاني فتخزوني

قال : عنّي في معنى عليّ ، أي لم تُفضل في حسب عليَّ. قال : وقد جاء عن

١٣٧

بمعنى بعد. وأنشد :

ولقد شُبَّت الحروب فما غَمَّر

ت فيها إذ قَلّصت عن حيال

أي قلَّصت بعد حيالها. وقال في قول لبيد :

لِوَرْد تَقْلِص الغِيطانُ عنه

يَبُذّ مسافة الخِمس الكمال

قال : قوله : عنه أي من أجله. وعن الفراء أنه يقال : اغسل عن وجهك ويدك ، ولا يقال : اغسل عن ثوبك.

ويقال : جاءنا الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتخفض النون. وتقول : جاءنا منَ الخبر ما أوجب السَكر فتفتح النون ؛ لأَنَّ عن كانت في الأصل عَنِى ، ومن أصلها مِنا ، فدلَّت الفتحة على سقوط الألف ، كما دلّت الكسرة في عن على سقوط الياء. وأنشد بعضهم :

مِنا أن ذَرَّ قرن الشمس حتى

أغاث شريدهم مَلَثُ الظلام

وقال الزجاج : في إعراب من الوقف ، إلا أنها فتحت مع الأسماء التي يدخلها الألف واللام لالتقاء الساكنين ؛ كقولك : من الناس ، النون من مِن ساكنة ، والنون من الناس ساكنة ، وكان الأصل أن يكسر لالتقاء الساكنين ، ولكنها فتحت لثقل اجتماع كسرتين ، لو كان مِنِ الناس لثقل ذلك. فأما إعراب عن الناس فلا يجوز فيه إلا الكسر ؛ لأن أول عن مفتوح. والقول ما قال الزجاج في الفرق بينهما.

وقال الأصمعي : المعاناة والمقاناة : حُسْن السياسة. ويقال : ما يعانون مالهم ولا يقانونه أي ما يقومون عليه.

وقال أحمد بن يحيى : يقال عَدَل من الشيء إذا كان معه ثم تركه ، وعدل عن الشيء إذا لم يكن معه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : بها أعناء من الناس وأفناء أي أخلاط. والواحد عِنْو وفِنْو. قال وأعنى الرجل إذا صادف أرضاً قد أمْشَرَت وكثر كلؤها.

ويقال خذ هذا وما عاناه أي شاكله.

نعو : أبو عبيد عن الأصمعيّ : النَّعْو من البعير : المَشَقّ من مشفره الأعلى. وأنشد غيره قول الطرماح :

خريعَ النعو مضطرب النواحي

كأخلاق الغَرِيفة ذا غضون

خريع النعو : ليّنه. والغَرِيفة : النعل.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قال : نَعْو الحافر فَرَجة في مؤخره.

نعي : وقال الليث : نعى يَنْعَى نَعْياً. وجاءنا نَعْي فلان : وهو خبر موته. والنعِيّ بوزن فعيل : نداء الناعي. والنعِيّ أيضاً : هو الرجل الذي يَنْعَى.

ورُوي عن شدّاد بن أوس أنه قال : يا نَعَايا العرب.

قال أبو عبيد : قال الأصمعي وغيره ، إنما هو في الإعراب يا نعاءِ العربَ تأويله : انعَ العرب ، يأمر بنعيهم. كأنه يقول : قد ذهبت العرب.

وقال أبو عبيد : خَفْضُ نَعَاءِ مثل قولهم قَطَام ودَراك ونزال. وأنشد للكميت :

١٣٨

نعاء جُذاما غير مَوت ولا قتل

ولكن فراقا للدعائم والأصل

قال : وبعضهم يرويه يا نُعْيان العرب.

فمن قال هذا أراد المصدر ؛ يقال : نعيته نَعْياً ونُعياناً.

قلت : ويكون النُعْيان جمعاً للناعي ، كما يقال لجمع الراعي : رُعْيان ، ولجمع الباغي : بُغْيان وسمعت بعض العرب يقول لخَدمه : إذا جَنّ عليكم الليلُ فثقّبوا النيران فوق الآكام يَضْوِي إليها رُعياننا وبغياننا. قلت : وقد يجمع النعِيّ نعايا ، كما تجمع المَرِيّ من النوق مرايا ، والصَفِيّ صفايا.

ومن قال : يا نعاء العربَ فمعناه : يا هذا انع العرب ، ويا أيها الرجل انعهم.

ويقال : فلان ينعى على نفسه بالفواحش إذا شَهَر نفسه بتعاطيه الفواحش. وكان امرؤ القيس من الشعراء الذين نَعَوا على أنفسهم بالفواحش ، وأظهروا التعهّر. وكان الفرزدق فَعُولاً لذلك. ونعى فلان على فلان أمراً إذا أشاد به وأذاعه. وفلان ينعى فلاناً إذا طلب بثأره. وكانت العرب إذا قُتل منهم رجل شريف أو مات ، بعثوا راكباً إلى قبائلهم ينعاه إليهم ، فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك.

وقال أبو زيد : النَعِيّ : الرجل الميت. والنَعْي : الفعل.

وقال ابن الأعرابي : الناعي المشنِّع. يقال : نعى عليه أمره إذا قبَّحه عليه.

عمرو عن أبيه : قال يقال : أَنْعَى عَليه ، ونعى عليه شيأ قبيحاً إذا قاله تشنيعاً عليه. أبو عبيد عن الأحمر : ذهبت تميم فلا تُنْعَى ولا تُسْهى ولا تُنْهى أي لا تُذكر. وتناعى بنو فلان في الحرب إذا نَعَوا قتلاهم ليحرّضوهم على الطلب بالثأر.

وقال الليث : النعِيّ : الناعي الذي ينعي. وأنشد قوله :

قام النعِيّ فأسمعا

ونَعَى الكريمَ الأروعا

قال : والاستغناء : شبه النفار. قال : ولو أن قوماً مجتمعين قيل لهم شيء ففزعوا منه وتفرقوا نافرين لقلت : استْنَعوا. والناقة إذا نفرت فقد استنعت.

وقال أبو عبيد في باب المقلوب : استناع واستنعى إذا تقدم ، ويقال : عطف. وأنشد :

ظلِلنا نعوج العِيس في عَرَصاتها

وقوفاً ونستنعي بها فنصورها

وقال شمر ـ فيما أخبرني عنه الإياديّ ـ : استنعى إذا تقدم فذهب ليتبعوه.

ويقال : تمادى. قال ورُبّ ناقة يستنعِي بها الذئبُ أي يعدو بين يديها وتتبعه ، حتى إذا امّاز بها عن الحُوَار عَفَق على حوارها مُحضِراً فافترسه.

وقال أبو عبيد : استناع واستنعى إذا تقدّم. وأنشد :

وكانت ضربة من شَدْقَمِيّ

إذا ما اسْتَنَّت الإبل استناعا

وقال أبو عمرو : استناع واستنعى إذا تمادى وتتابع.

نوع : قال الليث : النَّوع والأنواع جماعة.

١٣٩

وهو كل ضرب من الشيء ، وكل صِنف من الثياب والثمار وغير ذلك حتى الكلام. قال : واختُلِفَ في النُّوع ، فقال بعضهم : هو الجوع ، وقال بعضهم : هو العطش. قال : وهو بالعطش أشبه ؛ لقول العرب : هو جائع نائع ، فلو كان الجُوع نُوعاً لم يحسن تكريره. وقيل : إذا اختلف اللفظان جاز التكرير والمعنى واحد.

أبو عبيد عن الكسائي في باب الإتباع : رجل جائع نائع.

قال : وقال أبو زيد يقال : جُوعا له ونُوعا ، وجُوسا له وجُودا له لم يزد على هذا. قال ونويعة : اسم وادٍ بعينه قال الراعي :

* بنُو يعتين فَشَاطىء التسرير*

ابن الأعرابي : قال : قيل لابنه الْخُسّ : ما أحد شيء؟ قالت : ضِرسُ جائعِ يقذف في مِعًى نائع.

وقال أبو بكر في قولهم : هو جائع نائع ، قال أكثر أهل اللغة : النائع هو الجائع. وقيل : هو إتباع ، كقولهم : حسن بَسَن.

وقيل : النائع العطشان. وأنشد :

لعمر بني شهاب ما أقاموا

صدور الخيل والأسل النياعا

قال : الأسَل : أطراف الأسنَّة ، والنِياع : العطاش إلى الدماء.

ويقال للغُصْنِ إذا حرّكته الرياح فتحرك قد ناع قد ينوع نَوَعاناً ، وتنوَّع تنوّعاً ، واستناع استناعة ، وقد نوَّعته الرياح تنويعاً إذا ضربته وحرّكته.

وقال ابن دريد : ناع ينُوع ، ويَنِيع إذا تمايل. ثعلب عن ابن الأعرابي : النَّوْعة : الفاكهة الرَطبة الطريّة.

شمر عن أبي عدنان قال لي أعرابي في شيء سألته عنه : ما أدري على أي منواع هو أيّ على أي وجه.

قال وقال غيره : هذا على أي منوال.

قال أبو عدنان : والمعنى واحد في المِنواع والمنوال.

ونع : أهمله الليث. وقال ابن دريد : الوَنَع لغة يمانية : كلمة يشار بها إلى الشيء الحقير.

ينع : قال الله جل ذكره : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) [الأنعَام : ٩٩] الينع : النُضْج.

يقال يَنَع الشجر يَيْنَع يَنْعاً. وأينع إذا أدرك.

قال الشاعر :

في قِباب حول دسكرة

حولها الزيتونُ قد ينعا

وقرىء : (ويانعه إن في ذلك) ويقال : أينع الثمرُ فهو مُونع ويانع. كما يقال أيفع الغلام فهو يافع ، وقد ينعت الثمرة تينع ينعاً ، وأينعت تُونع إيناعاً. واليانع : الأحمر من كل شيء. وثمر يانع : إذا لَوَّن. وامرأة يانعة الوجنتين. وقال رَكَّاض الدُّبَيْري :

ونحرا عليه الدُرّ يزهو كرومُه

ترائب لا شقرا ينعن ولا كُهْبا

وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في ابن الملاعَنة : «إن جاءت به أمّه أحَيمر مثل اليَنَعة فهو لأبيه». قال : اليَنَعة : خَرَزة حمراء ، واليَنَع : ضرب من العقيق.

وقال أبو الدُّقَيش : ضروب الجراد

١٤٠