تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

الحَرْشف ، والمُعَيَّن ، والمَرَجَّل ، والخَيْفان. قال : فالمعيَّن الذي ينسلخ فيكون أبيض وأحمر وآدم والخَيْفان نحوه ، والمرجّل : الذي بدأ آثار أجنحته قال : وغَزَالُ شعبان ، وراعية الأُتُن والكُدَم من ضروب الجراد. ويقال له كُدَم السَّمُر. وهو الجَحْل والسِّرْمان والشَّقَير واليعسوب وهو جَحَل أحمر عظيم.

باب العين والفاء

[ع ف (وا يء)]

عوف ، عيف ، فعا ، فوع ، يفع ، وفع ، وعف.

عفا : قال الليث : العفو عفو الله عن خَلْقه.

والله العَفُوّ الغفور. قال : وكل من استحق عقوبة فتركتها فقد عفوتَ عنه.

وقال أبو بكر بن الأنباري : الأصل في قوله الله جلّ وعزّ : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التّوبَة : ٤٣] : محا الله عنك مأخوذ من قولهم : عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها. وقد عفت الآثارُ تعفو عُفُوّاً ، لفظ اللازم والمتعدّي سواء.

وقرأت بخط شمر لأبي زيد : عفا الله عن العبد عَفْواً ، وعفت الرياح الأثر عفاءً ، فعفا الأثر عُفُواً وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلوا الله العَفْو والعافية والمعافاة» فأمَّا العفو فهو ما وصفنا من مَحْو الله ذنوب عبدِه عنه. وأمَّا العافية فأن يعافيه الله من سقم أو بليّة. يقال : عافاه الله ، وأعفاه أي وهب له العافية من العِلَل والبلايا. وأمَّا المعافاة فأن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك. وقال الليث : العافية : دفاع الله عن العبد يقال : عافاه الله من المكروه يعافيه معافاة وعافية.

وقال غيره : يقال : عافاه الله عافية؟ وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقيّ وهو المعافاة. وقد جاءت مصادر كثيرة على فاعلة. قال : سمعت راغية الإبل ، وثاغية الشاء أي سمعت رُغاءها وثغاءها.

وقال الليث : العفو أحلّ المال وأطيبه قال وعَفْوُ كل شيء خِياره وأجوده ، وما لا تعب فيه. وكذلك عُفاوته وعِفاوته. وقال حسَّان بن ثابت :

خُذ ما أتى منهم عَفْواً فإن منعوا

فلا يكن همَّك الشيءُ الذي منعوا

قال : العفو المعروف.

وقال غيره في قول الله جلّ وعزّ : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعرَاف : ١٩٩] : العفو : الفضل الذي يجيء بغير كُلْفة. والمعنى : اقبَل الميسور من أخلاق الناس ، ولا تستقصِ عليهم فيستقصِي الله عليك ، مع ما يتَولَّد منه من العداوة والبغضاء.

وقال ابن السكيت عَفْو البلاد : ما لا أثر لأحد فيها بمِلك.

وقال الشافعي في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحيا أرضاً مَيْتة فهي له» إنما ذلك في عَفْو البلاد التي لم تُمْلك.

وأنشد ابن السكيت :

قبِيلة كشراك النعل دارجة

إن يهبطوا العَفْوَ لا يوجد له أثر

قال : ويقال لولد الحمار عَفْو وعَفْو وعِفْو

١٤١

وعَفاً منقوص. وأنشد ابن السكيت :

وطعنٍ كتَشْهاقِ العَفَا همَّ بالنَهْق

وعَفْو الماء : ما فَضَل عن الشاربة ، وأُخذ بغير كُلْفة ، ولا مزاحمة عليه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قال العِفْو الجحش ، والأتان نفسها تسمى العِفاوة.

قال : والعِفَاء من الوبر ممدود. وعفا ظهره : نبت لحمه وبرأ دَبَره.

وقال ابن هانىء : قال أبو زيد ، يقال عِفْو ، وثلاثة عِفَوة مثل قِرَطة ، وهي العِفَاء وهو الجحش والمهر أيضاً. وكذلك العِجْلة. والظِّئَبة جمع الظَأُب ، وهو السِّلْفُ.

وقال الليث : ولد الحمار عِفْو والجميع عِفَوة وعِفَاء ؛ كما قال أبو زيد. وهي أفتاء الحُمُر. قال : ولا أعلم في جميع كلام العرب واواً متحركة بعد حرف متحرك في آخر البناء غيرَ واو عِفَوة. قال وهي لغة لقيس كرهوا أن يقولوا عِفَاة في موضع فِعَلَة وهم يريدون الجماعة فتلتبس بوُحْدان الأسماء. قال : ولو تكلف متكلِّف أن يبني من العفو اسماً مفرداً على بناء فِعَلة لقال : عِفَاة.

وروى أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا كان عندك قوتُ يومك فعلى الدنيا العَفَاء». قال أبو عبيد وغيره : العفاء : التراب.

وقال زُهَير :

تحمَّل أهلها منها فباتوا

على آثار ما ذهب العَفَاء

قال والعفاء أيضاً : الدروس. يقال : عفت الدار عُفُوّاً وعَفَاءً.

وقال الليث : يقال في السبّ : بفيه العَفَاء وعليه العَفَاء ، والذئب العوَّاء ، وذلك أن الذئب يعوِي في أثَرِ الظاعن إِذا خلت الدار. قال : والاستعفاء : أن تطلب إلى من يكلّفك أمراً أن يُعفيك منه. ويقال : خذ من ماله ما عفا وصفا أي ما فَضَل ولم يشقّ عليه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أحيا أرضاً مَيْتة فهي له ، وما أكلت العافية منه فهو له صدقة».

قال أبو عبيد : الواحد من العافية عافٍ ، وهو كلّ من جاءك يطلب فَضْلا أو رِزقاً فهو عافٍ ومعتفٍ ، وقد عفاك يعفوك وجمعه عُفَاةٌ وأنشد قول الأعشى :

تطوف العُفَاة بأبوابه

كطَوْف النصارى ببيت الوَثَن

قال : وقد تكون العافية في هذا الحديث من الناس وغيرهم. قال : وبيان ذلك في حديث أم مبشّر الأنصارية قالت : دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا في نخل لي ، فقال : من غرسه؟ أمسلم أم كافر؟ قلت : لا ، بل مسلم. فقال : «ما من مسلم يغرس غَرْساً أو يزرع زرعاً فيأكلُ منه إنسان أو دابّة أو طائر أو سبع إلّا كانت له صدقة».

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحَى.

قال أبو عبيد : قال الكسائي : إعفاء

١٤٢

اللحى : أن توفَّر وتكثر. يقال منه : قد عفا الشعْرُ وغيره إذا كثر ، يعفو فهو عافٍ. وقد عفَّيته وأعفيته لغتان إذا فعلت ذلك به ، قال الله جلّ وعزّ : (حَتَّى عَفَوْا) [الأعرَاف : ٩٥] يعني كثروا.

وفي الحديث «إذا عفا الوَبَر وبرىء الدَبَر حَلَّت العمرة لمن اعتمر». ويقال للشعر إذا طال ووَفَى : عِفَاء. وقال زهير :

أذلك أم أقبّ البطن جأبٌ

عليه من عقيقته عِفَاء

ويقال تعفّت الديارُ تعفِّياً إذا دَرَست.

وقال الليث : ناقة ذات عِفاء : كثيرة الوبر. قال وعِفَاء النعامة : ريشه الذي قد علا الزِّف الصغار. قال : وكذلك عِفاء الديك ونحوه من الطير ، الواحدة عِفاءة ممدودة. وليست همزة العِفَاء والعِفاءة أصلية ، إنما هي واو قُلبت ألِفاً فمُدّت ؛ مثل السماء أصل مدّتها الواو. ويقال في الواحدة : سماوة وسماءة. قال : وعِفَاء السحاب كالخَمْل في وجهه. قال : ولا يقال للريشة الواحدة : عِفَاءة حتى تكون كثيرة كثيفة. قال : وقال بعضهم في همزة العِفَاء : إنها أصلية.

قلت وليست همزتها أصلية عند النحويين الحذّاق ولكنها همزة مدّة ، وتصغيرها عُفَيّ.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨].

قلت : وهذه آية مشكلة ، وقد فسّرها ابن عباس ثم مَن بعده تفسيراً قرّبوه على قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأيت أن أذكر قول ابن عباس ، وأؤيّده بما يزيده بياناً ووضوحاً. حدثنا محمد بن إسحاق السعدي ، قال حدثنا المخزومي. قال : حدثنا ابن عُيَينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال سمعت ابن عباس يقول : كان القِصَاص في بني إسرائيل ، ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله جلّ وعزّ لهذه الأمة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البَقَرَة : ١٧٨] إلى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) قال فالعفو أن يُقبل الدية في العمد (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البَقَرَة : ١٧٨] ممّا كتب على من كان قبلكم ، يطلب هذا بإحسان ويؤدِّي هذا بإحسان.

قلت : فقول ابن عباس : العفو : أن يقبل الدية في العمد الأصل فيه أن العفو في موضوع اللغة الفضل.

يقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عمّا عليه إذا تركه. وليس العفو في قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) [البقرة : ١٧٨] عفوا من ولي الدم ، ولكنه عفو من الله جلّ وعزّ. وذلك أن سائر الأمم قبل هذه الأمة لم يكن لهم أخذ الدية إذا قُتل قتيل ، فجعله الله لهذه الأمة عَفْوا منه وفضلاً ، مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد وهو قول الله جلّ وعزّ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ١٧٨] أي من عفا الله جلّ وعزّ اسمه له بالدية حين أباح له أخذها بعدما كانت محظورة على سائر الأمم ، مع اختياره

١٤٣

إياها على الدم ، اتّباع بالمعروف أي مطالبة للدية بمعروف ، وعلى القاتل أداء الدية إليه بإحسان. ثم بيَّن ذلك فقال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [البَقَرَة : ١٧٨] لكم يا أمَة محمد وفضل جعله لأولياء الدم منكم (وَرَحْمَةٌ) خصكم بها (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) [البَقَرَة : ١٧٨] أي من سفك دم قاتل وليِّه بعد قبوله الدية (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [البَقَرَة : ١٧٨] والمعنى الواضح في قوله (فَمَنْ عُفِيَ (لَهُ) مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) أي من أُحِلَّ له أخذ الدية بدل أخيه المقتول ، عفواً من الله وفضلاً مع اختياره ، فليطالب بالمعروف و (من) في قوله : (مِنْ أَخِيهِ) معناها البدل. والعرب تقول عَرَضت له من حقّه ثوباً ، أي أعطيته بدل حقّه ثوباً. ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [الزّخرُف : ٦٠] يقول : لو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض والله أعلم.

قلت : وما علمت أحداً أوضح من معنى هذه الآية ما أوضحته ، فتدبّره واقبله بشكر إذا بان لك صوابه.

وأما قول الله جلّ وعزّ في آية ما يجب للمرأة من نصف الصداق إذا طُلِّقَتْ قبل الدخول بها فقال : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البَقَرَة : ٢٣٧] فإن العفو هنا معناه الإفضال بإعطاء ما لا يجب عليك أو تركِ المرأة ما يجب لها ، يقال : عفوت لفلان بمالي إذا أفضلت له فأعطيته وعفوت له عما لي عليه إذا تركته له. وقوله (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) فعل لجماعة النساء يطلِّقهن أزواجهن قبل أن يمسُوهن مع تسمية الأزواج لهن مهورهنَّ ، فيعفون لأزواجهن ما وجب لهنّ من نصف المهر ويتركنها لهم ، (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) وهو الزوج بأن يُتِمّ لها المهر كله ، وإنما وجب عليه نصفه ، وكل واحد من الزوجين عافٍ أي مفضل أما إفضال المرأة فأن تترك للزوج المطلِّق ما وجب لها عليه من نصف المهر. وأما إفضال الزوج فأن يتم لها المهر كملاً ؛ لأن الواجب عليه نصفه ، فتفضّل متبرعاً بالكل وقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) فعل لجماعة النساء والنون نون فعل جماعة النساء في يفعلُنْ ، ولو كان للرجال لوجب أن يقال إلا أن يعفوا لأن أن ينصب المستقبل ويحذف النون ، وإذا لم يكن مع فعل الرجل ما ينصب أو يجزم قيل : هم يعفون وكان في الأصل يعفوون ، فحذفت إحدى الواوين استثقالاً للجمع بينهما ، فقيل : يعفون فافهمه. وأما فعل النساء فقيل لهن يعفون لأنه على تقدير يفعُلْن.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البَقَرَة : ٢١٩] قال : وجه الكلام فيه النصب ، يريد : قل ينفقون العفو ، وهو فضل المال. قال أبو العباس : ومن رفع أراد : الذي ينفقون العفو. قال : وإنما اختار الفراء النصب لأن ماذا عندنا حرف واحد كثُر في كلام العرب ؛ فكأنه قال : ما ينفقون ، ولذلك اختير النصب. قال : ومن جعل ذا بمعنى الذي رفع. وقد يجوز أن يكون ماذا حرفا

١٤٤

ويرفع بالائتناف.

وقال أبو الهيثم : يقال عفَوت الرجل إذا طلبت فضله. والعَفْو : الفضل.

وقال الزجاج : نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة ، فأُمروا أن ينفقوا الفضل ، إلى أن فرضت الزكاة ، فكان أهل المكاسب يأخذ الرجلُ من كسبه كل يوم ما يكفيه ، ويتصدّق بباقيه ، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم ، وينفقون باقيه. هذا قد رُوِي في التفسير. قال : والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بيّن ما يجب فيها.

أبو عبيد عن زيد يقال : أكلنا عَفْوة الطعام أي خياره ، ويكون في الشراب أيضاً.

وقال الأصمعي : العافي : ما يُرَدُّ في القِدْر من المَرَقة إذا استُعيرت وأَنْشَدها :

* إذا رَدَّ عافي القِدْر من يستعيرها*

وقال ابن السكيت عافى في هذا البيت في موضع الرفع ، لأنه فاعل ومن في موضع النصب ، لأنه مفعول به. ومعناه أن صاحب القِدْر إذا نزل به الأضياف نصب لهم قِدْراً ، فإذا جاء من يستعير قدره فرآها منصوبة لهم رجع ولم يطلبها. والعافي هو الضيف ، كأنه يردّ المستعير لارتداده دون قضاء حاجته.

وقال غيره : عافي القدر بقيَّة المرقة يردّها المستعير ، وهو في موضع النصب. وكان وجه الكلام عافَى القدر ، فترك الفتح للضرورة.

وقال أبو عُبيد : أعطيته المال عَفْواً بغير مسألة. وأنشد الأصمعي لرؤبة :

* يُعفيك عافِيه وَعِيد النَحْز*

قال النحز : الكدّ والنخس يقول : ما جاءك منه عفواً أغناك عن غيره. والعِفَاوة : الشي يُرفع من الطعام للجارية تُسَمَّن فتؤثَر بها.

وقال الكميت :

وظلَّ غلام الحي طَيّان ساغبا

وكاعبُهم ذات العِفاوة أسغب

قال : والعِفاوة من كل شيء صفوته وكثرته.

وقال غيره : عَفَت الأرضُ إذا غطّاها النبات. وقال حُمَيد يذكر داراً :

عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت

بها كبرياء الصعب وهي رَكُوب

يقول : غطَّاها العُشْب كما طَرَّ وَبَرُ البعير وَبَرأَ وَبَره. وناقة عافية اللحم : كثيرة اللحم. ونوق عافيات. وقال لبيد :

* بأسَؤق عافيات اللحم كُوم*

ويقال عفُّوا ظهر هذا البعير أي ودِّعوه حتى يسمن. ويقال : عفا فلان على فلان في العلم إذا زاد عليه وقال الراعي :

* إذا كان الجِراء عَفَتْ عليه*

أي زادت عليه في الجري. والعَفَا من البلاد مقصور ، مثل العفو : الذي لا مِلك فيه لأحد ، وجاء في الحديث «ويَرْعَوْن عَفَاها»

أي عَفْوها. وروى عن ابن الأعرابي بيت البعيث :

بعيد الندى جالت بإنسان عينه

عِفَاءة مع جال حتى تحدّرا

يعني دمعاً كثر وعفا فسال والمُعْفِي : من

١٤٥

يصحبك ويتعرَّض لمعروفك. تقول : اصطحبنا وكلانا مُعْفٍ وقال ابن مقبل :

فإنك لا تبلو امرأ دون صحبة

وحتى تعيشا مُعْفِيَين وتجهدا

أي تعرفه في الحالتين جميعاً. ويقال : فلان يعفو على مُنْية المتمنِّي وسؤال السائل أي يزيد عطاؤه عليهما.

وقال لبيد :

يعفو على الجهد والسؤال كما

يعفو عِهَاد الأمطار والرصدِ

أي يزيد ويفضل.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : عفا يعفو إذا أعطى. وعفا يعفو إذا ترك حقّاً. وأعفى إذا أنفق العَفْو من ماله ، وهو الفاضل عن نفقته. قال : والأعفاء : أولاد الحمير. والأفعاء : الروائح الطيّبة. ويقال : عفا الله على أثر فلان وعفّى الله عليه ، وقفَّى الله على أثر فلان وقَفاً عليه بمعنى واحد.

عوف ، عيف : قال أبو عبيد : من أمثال العرب في الرجل العزيز المنيع الذي يَعِزّ به الذليل ، ويذلّ به العزيز قولهم : لا حُرَّ بوادي عَوْف ، أي كلّ من صار في ناحيته خضع له. قال : وكان المفضل يخبر أن المثل للمنذر بن ماء السماء ، قاله في عَوْف بن محلّم الشيباني ، وذلك أن المنذر كان يطلب زهير ابن أُمَيَّة الشيباني بذَحْل ، فمنعه عوف بن محلِّم ، وأبى أن يُسْلمه ، فعندها قال المنذر : لا حُرَّ بوادي عوف ، أي إنه يقهر مَن حلّ بواديهم.

وقال أبو عبيد يقال للجرادة : أمّ عوف ، ويقال : هي دُوَيْبَّة أخرى. وقال الكميت :

تُنَفِّض بُرْدَيْ أمِ عوف ولم يطِر

بنا بارق بخ للوعيد وللرَهْب

أبو عبيد عن أبي عمرو في باب الدعاء للإنسان : نَعِم عَوْفك. قال وهو طائر. وأنكر ما يقوله الناس : إنه ذكره.

قال أبو عبيد : وأنكر الأصمعي قول أبي عمر في نَعِم عوفك ، قال ويقال نعم عوفك أي جَدُّك وبختك.

قال الأصمعي : ويقال : نعم عوفك إذا دُعي له أن يصيب الباءَة التي تُرْضِي ، قال والعوف الحال أيضاً.

وقال الليث : العَوْف هو الضيف ، وهو الحال ، تقول للرجل : نَعِم عوفك أي ضيفك. قال : ويقال هذا للرجل إذا تزوج ، وعَوْفه : ذكره ، ويقال العَوْف من أسماء الأسد ؛ لأنه يتعوف بالليل فيطلب. ويقال كل من ظفر بالليل بشيء فذلك الشيء عُوافته. قال : والعَوْف أيضاً : نبت.

ثعلب عن ابن الأعرابي : العَوْف : فرج الرجل. والعَوْف : الحال. والعَوْف : الكادّ على عياله. والعَوْف : الأسد.

والعوف : الذئب. والعَوْف. ضرب من الشجر. يقال : قد عاف إذا لزم ذلك الشجر. وأنشد غيره :

جارية ذات هنٍ كالنَّوْفِ

مُلَملمٍ تستره بحَوْف

يا ليتني أشيم فيها عَوْفي

أي أُولج فيها ذكري. ويقال لذكر الجراد :

١٤٦

أبو عُوَيف

وقال الفراء : هي الحال والعَوْف والبال بمعنى واحد.

وقال ابن دريد : عُوافة الأسد : ما يتعوَّفه بالليل فيأكله.

ومن ذوات الياء. قال الليث : عاف الشيءَ يعافه عِيَافاً إذا كرهه ، طعاماً كان أو شراباً. قال : والعَيُوف من الإبل : التي تَشَمُّ الماء فتدعه وهي عطشى. قال : والعِيَافة : زَجْر الطير ، وهو أن يرى طائراً أو غراباً فيتطيَّر. وإن لم ير شيئاً فقال بالحَدْس كان عيافة أيضاً. وقد عاف الطير يعيفه وقال الأعشى :

ما تعِيف اليوم في الطير الرَّوَح

من غراب البين أو تيسٍ بَرَحْ

وفي حديث ابن عباس ، وذِكْره إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإسكانه ابنه إسماعيل وأمّه مكة وأن الله جلّ وعزّ فجرّ لهما زمزم قال : فمرت رفقة من جرهم ، فرأوا طائراً واقعاً على جبل ، فقالوا : إن هذا الطائر لعائف على ماء. قال أبو عبيد : قال أبو عبيدة : العائف هاهنا : هو الذي يتردّد على الماء ويحوم ولا يمضي. ومنه قول أبي زُبَيد :

كأن أوب مساحي القوم فوقهم

طير تَعِيفُ عَلَى جُون مزاحيف

شبّه اختلاف المساحي فوق رؤوس الحفّارين بأجنحة الطير. وأراد بالجُون المزاحيف إبلاً قد أَزْحَفت ، فالطير تحوم عليها. يقال عاف الطيرُ عَلَى الماء وغيرِه ، يَعيف عَيْفاً إذا حام عليه. والعائف : الذي يعيف الطير فيزجرها ، وهي العِيَافة. قال : والعائف أَيضاً : الكاره للشيء المتعذِّر له. ومنه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه أُتي بضبّ فلم يأكله ، وقال إني أعافه ؛ لأنه ليس من طعام قومي. وقال ابن السكيت : أعاف القومُ أعافة إذا عافت دوابُّهم الماء فلم تشربه.

وقال شمر : عَيَاف والطَّرِيدة : لُعْبتان لصبيان الأعراب. وقد ذكر الطرماح جواري شَبَبْن عن هذه اللُّعبِ فقال :

قضت من عَيَاف والطَرِيدة حاجة

فهنّ إلى لهو الحديث خُضُوع

وَروَى إسماعيل عن قيس قال : سمعت المغيرة بن شعبة : يقول : لا تحرّم العيفة. قلنا : وما العيفة؟ فقال : المرأة تلد فيُحصر لبنها في ثديها فترضعه جارتها المرة والمرتين. قال أبو عبيد : لا نعرف العيفَة في الرضاع ، ولكن نُراها العُفَّة ، وهي بقيّة اللبن في الضرع بعد ما يُمتَكُّ أكثر ما فيه.

فوع : أبو بكر عن شمر يقال : أتانا فلان عند فَوْعة العشاء يعني أوَّل الظلمة ، قال : وفُوعة النهار أوله. قال : ووجدت فَوْعة الطيب ، وفَوْغته بالعين والغين ، وهو طيب رائحته يَطِيرُ إلى خياشيمك. وقال غيره فوعة السم : حُمَّتُه وحَدّه.

فعا : ثعلب عن ابن الأعرابي : قال : الأفعاء : الروائح الطيّبة. وفَعَا فلان شيأ إذا فتّته. قال : وأفعى الرجلُ إذا صار ذا شرّ بعد خير.

عمرو عن أبيه قال : الفاعِي : الغضبان المُزْبِد. والعافي : المسكين.

١٤٧

وقال شمر في كتاب «الحَيّات» : الأفعى من الحيات : التي لا تبرح ، إنما هي مترحِّية : وتَرحِّيها استدارتها على نفسها وَتَحَوّيها. قال أو النجم

زُرْق العيونِ مُتَلوّيات

حول أفاعٍ متحوّيات

قال : ويقال لذكر الأفعى الأُفعوان. والجميع الأفاعِي. قال وقال بعضهم : الأفعى : حيَّة عريضة على الأرض ، إذا مشت متثنِّية بثنيين أو ثلاثة تمشي بأثنائها تلك ، خَشْناء يَجْرُش بعضها بعضا. والجَرْش : الحكّ والدلك. قال : وسألت أعرابيّاً من بني تميم عن الجَرْش ، فقال : هو العَدْو البطيء. قال ورأس الأفعى عريض كأنه فلْكة ، ولها قَرْنان.

ورُوي عن ابن عباس أنه سئل عن قتل المحرِم الحيَّات ، فقال : لا بأس بقتل الأَفْعَوْ ، ولا بأس بقتله الحِدَوْ فقلب الألف فيهما واواً في لغته.

وقال الليث : الأفعى لا تنفع منها رُقْية ولا ترياق. وهي رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس ، والأفعى : هَضْبة في بلاد بني كلاب.

أبو عبيد عن أبي زيد في باب سمات الإبل : منها المفعاة كالأفعى. قال : والمثفَّاة كالأثافي ، وقال غيره : جمل مُفَعّى إذا وُسم هذه وقد فعَّتيه أنا.

وفع : أهمله الليث. وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الرَبَذَة والوفيعة والطُّلية صوفة يُطلى بها الجَرْبَى. قال : والوَفِيعة أيضاً : صمام القارورة. وقال ابن السكيت : الوفيعة تتّخذ من العراجين والخُوص مثل السَلَّة.

عمرو عن أبيه : يقال للخرقة التي يَمْسح بها الكاتب قلمه من المِداد : الوفِيعة. وقال ابن دريد : وِفَاع القارورة : صِمامها.

وعف : أهمله الليث. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : الوُعُوف بالعين : ضعف البصر.

قلت جاء به في باب العين وذكر معه العُوُف. وأما أبو عبيد فإنه ذكر عن أصحابه الوَغْف بالغين ضعف البصر. وقد قال ابن الأعرابي في باب آخر : أوغف الرجلُ إذا ضعف بصره ، وكأنهما لغتان بالعين والغين.

وقال ابن دريد الوعف وجمعه وِعَاف وهي مواضع فيها غِلَظ يَسْتَنْقِع فيها الماء.

يفع : الليث : اليَفَاع : التَلّ المشرِف. وكلّ شيء مرتفِع فهو يَفَاع. وغلام يَفَعة. وقد أيفع إذا شَبّ ولم يبلغ والجارية يَفَعة ، والأَيْفاع جماعة.

أبو عبيد عن الكسائي : أيفع الغلام فهو يافع ، وهو على غير قياس والقياس مُوفع. وجمعه أيفاع ويقال : غلام يَفَعَة. والجميع مثل الواحد على غير قياس.

وقال أبو زيد : سمعت غلاماً يَفَعة ووَفَعة بالياء والواو.

أبو عبيد عن الأصمعي اليَفَاع : ما ارتفع من الأرض.

وقال ابن الأعرابي في قول عدي : ما رجائي في اليافعات ذوات

١٤٨

الهيج أم ما صبري وكيف احتيالي

قال اليافعات من الأمور : ما علا وغَلَب منها.

وقال اللحياني : يقال : يَافَعَ فلان وليدة فلان ميافعة إذا فجر بها.

باب العين والباء

[ع ب (وا يء)]

عبأ ، عيب ، بعا ، بيع ، بوع ، وبع ، وعب : مستعملات.

عبأ : أمّا عبا فهو مهموز لا أعرف في معتلَّات العين حرفاً مهموزاً غيره. ومنه قول الله جلّ وعزّ : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) [الفرقان : ٧٧] ، وهذه آية مشكِلة. ورَوَى ابن أبي نَجيح عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤكم إيّاه لتعبدوه وتطيعوه ، ونحو ذلك قال الكلبي.

وروى سلمة عن الفراء في قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) أي ما يصنع بكم ربي (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ابتلاؤكم : لولا دعاؤه إيّاكم إلى الإسلام.

وقال أبو إسحاق : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ) أي ما يفعل بكم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) معناه : لولا توحيدكم. قال وتأويله : أيُّ وزن لكم عنده لولا توحيدكم ، كما يقول : ما عَبَأت بفلان ، أي ما كان له عندي وزن ولا قَدْر ، قال : وأصل العبء الثقل. قال وعبّأت المتاع : جعلت بعضه فوق بعض.

وقال شمر : قال أبو عبد الرحمن : ما عَبَأت به شيئاً أي لم أعدّه شيأ.

قال أبو عدنان عن رجل من باهلة يقال : ما عبأ الله بفلان إذا كان فاجراً أو مائقاً. وإذا قيل : قد عبأ الله به فهو رجلُ صدقٍ وقد قبل الله منه كل شيء. قال : وأقول : ما عَبَأت بفلان أي لم أقبل منه شيأ ولا من حديثه.

وقال غيره : عبأتُ له شراً أي هيأتُه. قال وقال ابن بزرج : احتويت ما عنده وامتخرته واعتبأته وازدلعته وأخذته واحد.

وقال أبو زيد : عَبَأت الأمر والطِيب عَبْأ إذا ما صنعته وخلطته ، وعَبأت المتاع عَبْأ إذا ما هيأته.

ويقال عبَّأته تعبئة ، وكل من كلام العرب وعبّأت الخيل تعبئة وتعبيئا ، وجمع العبء أعباء ، وهو الأحمال والأثقال.

ثعلب عن ابن الأعرابي : المعبأة : خرقة الحائض. وقد اعتبأت المرأة بالمعبأة. قال وعبا وجهه يعبأ إذا أضاء وجهه وأشرق. قال والعبوة : ضوء الشمس وجمعه عِباً.

وقال الليث العِبُّ كل حِمْل من غُرْم أو حَمَالة. وما عبَأت به شيأ : لم أباله. قال : والعباية : ضرب من الأكسية واسع فيه خطوط سود والجميع العَبَاء. والعباءة لغة فيها. قال : والعَبَا مقصور : الرجل العَبَامُ ، وهو الجافي. ومدَّه الشاعر فقال :

كجبهة الشيخ العَبَاء الثطّ

قلت : ولم أسمع العبا بمعنى العَبَام لغير

١٤٩

الليث. وأما الرجز فالرواية عندي كجبهة الشيخ العياء بالياء. يقال شيخ عياء وعياياء وهو العبام الذي لا حاجة له إلى النساء ومن قاله بالباء فقد صحف.

وقال الليث : يقال في ترخيم اسمِ مِثْلِ عبد الرحمن أو عبد الرحيم عَبْوَيْه مثل عمرو وعمرويه.

وقال غيره العَبُ : ضوء الشمس وحسنها. يقال : ما أحسن عَبَها وأصله العَبْوُ فنُقِص.

عيب : قال الليث : العاب والعَيْب لغتان. ومنه المعاب. يقال عاب فلان فلاناً يعيبه عيباً ، ورجل عيّاب وعيّابة إذا كان يعيب الناس ، وعاب الحائطُ والشيءُ إذا صار ذا عيب ، وعبته أنا.

وقال أبو الهيثم في قول الله جلّ وعزّ : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] أي أجعلها ذات عيب ، يعني السفينة. قال والمجاوِز واللازم فيه واحد. قال وعَيْبَةُ المتاع ، وجمعها العِيَاب.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أملى في كتاب الصلح بينه وبين كُفّار أهل مكة بالحُدَيبِيَة «لا إغلال ولا إسلال وبيننا وبينهم عَيْبة مكفوفة» فسّر أبو عبيد الإغلال والإسلال ، وأعرض عن تفسير العَيْبة المكفوفة. وروي عن ابن الأعرابي أنه قال : معناه : أن بيننا وبينهم في هذا الصلح صدراً معقوداً على الوفاء بما في الكتاب ، نقِيّاً من الغِلّ والغَدْر والمكفوفة هي المُشْرجة المعقودة. والعرب تكني عن الصدور التي تحتوي على الضمائر المخفاة بالعِيَاب ، وذلك أن الرجل إنما يضع في عَيْبته حُرَّ متاعه وثيابه ، ويكتم في صدره أخصّ أسراره التي لا يحبّ شيوعها فسميت الصدور عِيَاباً تشبيهاً بِعياب الثياب ومنه قول الشاعر :

وكادت عِياب الودّ منا ومنكم

وإن قيل أبناء العُمُومَة تَصْفَرُ

أراد بعياب الود صدورهم.

وقال الليث : العِيَاب : المِنْذف.

قلت ولم أسمعه لغيره

بيع ـ بوع : قال أبو عبد الرحمن : قال المفضّل الضبيّ : يقال باع فلان على بيعِ فلان. وهو مَثَل قديم تضربه العرب للرجل يخاصم صاحبه وهو يُريغ أن يغالبه : فإذا ظفر بما حاوله قيل : باع فلان على بيع فلان ، ومثله شَقّ فلان غبار فلان. وقال غيره : يقال باع فلان على بيعك أي قام مقامك في المنزلة والرفعة. ويقال ما باع على بَيْعك أحد أي لم يساوِك أحد. وتزوّج يزيد بن معاوية أمّ مسكين بنت عمرو على أمّ هاشم فقال لها :

مالكِ أمّ هاشم تبكِّين

من قَدَر حلّ بكم تضِجْين

باعت على بيعكِ أمُّ مسكين

ميمونة من نسوة ميامين

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا» البَيّعان هما البائع والمشتري وكل واحد منهما بَيّع وبائع. ورواه بعضهم : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا.

وقال أبو عبيد : البَيْع من حروف الأضداد

١٥٠

في كلام العرب. يقال : باع فلان إذا اشترى ، وباع من غيره وأنشد قول طرفة :

ويأتيك بالأنباء من لم تبِع له

بتاتاً ولم تضرب له وَقت موعد

أراد من لم تشتر له زاداً. وأمّا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يَخْطِب الرجل على خِطْبة أخيه ولا يِبعْ على بيع أخيه» ، فإن أبا عبيد قال : كان أبو عبيدة وأبو زيد وغيرهما من أهل العلم يقولون : إنما النهي في قوله : «لا يبيع على بيع أخيه» إنما هو : لا يشتري على شراء أخيه ، فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع ، لأن العرب تقول : بعت الشيء بمعنى اشتريته.

قال أبو عبيد : وليس للحديث عندي وجه غير هذا لأن البائع لا يكاد يدخل على البائع ، وإنما المعروف أن يُعطَى الرجل بسلعته شيئاً فيجيء مشتر آخر فيزيد عليه.

قلت : وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ أنه قال في قوله : «ولا يبيع الرجل على بيع أخيه» هو أن يشتري الرجل من الرجل سِلْعة ولَمّا يتفرقا عن مَقامهما ، فنَهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يَعرض رجل آخر سلعة أخرى على المشتري تُشْبِه السلعة التي اشترى ، ويبيعها منه ؛ لأنه لعله أن يردّ السلعة التي اشترى أوّلاً ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الأوّل بيعه ، ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه. قال : ولا أنهى رجلاً قبل أن يتبايع المتبايعان ، وإن كان تساوما ، ولا بعد أن يتفرقا ـ عن مقامهما الذي تبايعا فيه ـ عن أن يبيع أيُ المتبايعين شاء ؛ لأن ذلك ليس ببيع على بيع غيره فينهى عنه. قال وهذا يوافق حديث «المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا». فإذا باع رجل رجلاً على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى الله إذا كان عالماً بالحديث فيه ، والبيع لازم لا يفسد.

قلت : البائع والمشتري سواء في الإثم إذا باع على بيع أخيه ، أو اشترى على شراء أخيه ؛ لأن كل واحد منهما يلزمه اسم البائع ، مشترياً كان أو بائعاً ، وكلُّ منهيّ عن ذلك والله أعلم.

وقال الشافعي : هما متساومان قبل عَقْد الشِّرَى ، فإذا عقد البيع فهما متبايعان ، ولا يسميان بيِّعين ولا متبايعين وهما في السَوْم قبل العقد.

قلت : وقد تأوّل بعض مَن يحتجّ لأبي حنيفة وذويه ؛ وقولهم : لا خيار للمتبايعين بعد العقد بأنهما يسميَّان متبايعين وهما متساومان قبل عقدهما البيع. واحتجّ في ذلك بقول الشماخ في رجل باع قوساً :

فوافى بها بعض المواسم فانبرى

لها بَيّع يُغْلي لها السومَ رائز

قال فسمّاه بَيّعاً ، وهو سائم.

قلت : وهذا وهَم وتمويه. ويردّ ما تأوّله هذا المحتجُّ شيآن. أحدهما أن الشماخ قال هذا الشعر بعد ما انعقد البيع بينهما ، وتفرقا عن مَقَامهما الذي تبايعا فيه ، فسمَّاه بَيِّعاً بعد ذلك ، ولو لم يكونا أتَمّا البيع لم يسمّه بَيّعاً. وأراد بالبيّع : الذي اشترى. وهذا لا يكون

١٥١

حجَّة لمن يجعل المتساومين بَيِّعين ولمَّا ينعقد بينهما البيع. والمعنى الثاني الذي يردّ تأويله ما في سياق خبر ابن عمر ، وهو ما حدثنا به الحسين بن إدريس عن محمد بن رُمْح عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا ، إلا أن يخيِّر أحدهما صاحبه ، فإذا قال له : اختر فقد وجب البيع ، وإن لم يتفرقا» ألا تراه جعل البيع ينعقد بأحد شيئين أحدهما أن يتفرّقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه ، والآخر أن يخيِّر أحدهما صاحبه ، ولا معنى للتخيير إلا بعد انعقاد البيع. وقد شرحت هذا في تفسير حروف «المختصر» بأوضح من هذا ، فإن أردت استقصاء ما فيه فخذه من ذلك الكتاب.

وقال الليث : البَوْع والباع لغتان ، ولكنهم يسمون البُوع في الخِلْقة ، فأمَّا بَسط الباع في الكرم ونحوه فلا يقولون إلَّا كريم الباع ، قال والبَوْع أيضاً : مصدر باع يبوع وهو بسط الباع في المشي ، والإبلُ تبوع في سيرها ، والرجل يبوع بماله إذا بسط به باعه وأنشد :

لقد خفت أن ألقى المنايا ولم أنل

من المال ما أسمو به وأبوع

والبِياعات : الأشياء التي يُتبايع بها في التجارة. وقال : البَيْعة الصفقة لإيجاب البيع على المتابعة والطاعة. يقال : تبايعوا على ذلك الأمر ؛ كقولك أَصْفَقوا عليه. قال : والبَيْع : اسم يقع على المبيع ، والجميع البيوع. قال والبِيعة : كنيسة النصارى. وجمعها بِيَع ، وهو قول الله تعالى : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ). [الحج : ٤٠] قلت : فإن قال قائل : فلم جعل الله هدمها من الفساد وجعلها كالمساجد ، وقد جاء الكتاب بنسخ شريعة النصارى واليهود؟ فالجواب في ذلك أن البِيَع والصوامع كانت متعبّدات لهم إذْ كانوا مستقيمين على ما أُمروا به غير مبدِّلين ولا مغيرين ، فأخبر الله جلّ ثناؤه أنه لولا دفعه الناس عن الفساد ببعض الناس لهدّمت متعبّدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان. فبدأ بذكر البِيَع على المساجد لأن صلوات من تقدم من أنبياء بني إسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفرقان ، وقبل تبديل من بدّل وَأَحدثت المساجد وسمّيت بهذا الاسم بعدهم ، فبدأ جل ثناؤه بذكر الأقدم ، وأخَّر ذكر الأحدث لهذا المعنى ، والله أعلم.

وقال بعض أهل العربية : يقال : إن رباع بني فلان قد بُعْن من البيع. وقد بِعن من البَوْع فضم الباء في البيع ، وكسروها في البوع للفرق بين الفاعل والمفعول ، ألا ترى أنك تقول : رأيت إماء بِعْن متاعا إذا كنّ بائعات ، ثم تقول : رأيت إماء بُعن إذا كنّ مبيعات ، فإنما يتبين الفاعل من الفاعل باختلاف الحركات وكذلك من البوع.

قلت : ومن العرب من يجري ذوات الياء على الكسر وذوات الواو على الضم. سمعت العرب تقول صِفنا بمكان كذا وكذا أي أقمنا به في الصيف وصِفْنا أيضاً إذا أصابنا مطر الصيف ، فلم يفرقوا بين فعل الفاعلين والمفعولين.

١٥٢

وقال الأصمعي : قال أبو عمرو بن العلاء : سمعت ذا الرمّة يقول : ما رأيت أفصح من أَمَة آل فلان ، قلت لها كيف كان المطر عندكم فقالت : غِثْنا ما شئنا. رواه هكذا بالكسر.

وروى ابن هانىء عن أبي زيد قال يقال : الإماء قد بعن أشمُّوا الباء شيأ من الرفع. وكذلك الخيل قد قدن ، والنساء قد عدن من مرضهن أَشمُّوا هذا كله شيأ من رفع ، وقد قِيل ذلك ، وبعضهم يقول : قول.

وقال اللحياني : يقال : والله لا تبلغون تَبَوُّعه أي لا تلحقون شأوه. وأصله طول خطاه. يقول باع وانباع وتبوَّع. وانباع العَرَق إذا سال. قال وانباعت الحيَّة إذا بسطت بعد تَحَوِّيها لتساور وقال الشاعر :

* ثُمّتَ ينباع انبياع الشجاع*

ومن أمثال العرب ، مُطْرِق لينباع ، يضرب مثلاً للرجل إذا أضَبَّ على داهية.

الحراني عن ابن السكيت قال : أبَعت الشيء إذا عرضته للبيع وقد بعته أنا من غيري. وقال الهمذاني :

فرضيت آلاء الكميت ومن يُبع

فَرَساً فليس جوادنا بمباع

أي بمعرَّض للبيع. وقال في قول صَخْر الهذلي :

لفاتح البيع يوم رؤيتها

وكان قبلُ انبياعُه لَكِد

قال انبياعه : مسامحته بالبيع. يقال : قد انباع لي إذا سامح في البيع وأجاب إليه. وإن لم يسامح قلت : الاينباع.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : يقال بُعْ بُعْ إذا أمرته بمدّ باعيه في طاعة الله تعالى.

بعا : أبو عبيد عن أبي عمرو : البَعْو : الجناية وقد بعا إذا جنى. قال عوف :

وابْسالى بَنَّى بغير بَعْو

جَرَمناه ولا بدم مراق

يقال : بعا يبعو ، يَبْعى.

وقال الأصمعي : البعْو أن يستعير الرجل من صاحبه الكلب فيصيد به. قال ويقال : أبِعنِي فرسك أي أعِرْنيه ، واستبعى يستبعي إذا استعار. وقال الكميت :

قد كادها خالد مستبعِيا حُمُرا

بالوكت تجري إلى الغايات والهضب

والهَضَب : جري ضعيف. والوَكْت : القرمطة في المشي وقد وكَت يكِت وَكْتاً. كادها : أرادها.

سَلَمَة عن الفراء : المستبعِي : الرجل يأتي الرجل وعنده فرس فيقول : أعطنيه حتى أسابِق عليه.

وعب : الليث : الوَعْب : إيعابك الشيء في الشيء ، كأنه يأتي عليه كلّه ، وكذلك إذا استؤصل الشيء فقد استُوعب. وأوعب القومُ : إذا خرجوا كلّهم إلى الغزو. ويقال : استعوب الجرابُ الدقيقَ. وفي الحديث : «إن النعمة الواحدة تَستوعب جميعَ عمل العبد يوم القيامة» ، أي تأتي عليه. وفي حديث مسند «في الأنف إذا استُوعب جدْعُه الديةُ» ، وفي رواية أخرى : «إذا أُوعِب جَدْعه». قال أبو عبيد ومعناهما : استؤصل. وكل شيء اصطُلِم

١٥٣

فلم يَبْق منه شيء فقد أُوعِب واستُوعب ، وقد أوعبته فهو موعَب. وأنشد قول أبي النجم يمدح رجلاً :

يجدع من عاداه جَدْعاً موعِبا*

وقال عَبِيد بن الأبرص في إيعاب القوم إذا نفروا جميعاً :

أُنبئت أن بني جَدِيلة أوعبوا

نُفَراء من سَلْمى لنا وتكتَّبوا

قال : ومنه قول حذيفة في الجُنُب : قال : ينام قبل أن يغتسل ؛ فهو أوعب للغُسْل ، يعني أنه أحرى أن يخرج كل بقيّة في ذكره من الماء.

وقال غيره : بيت وَعِيب ، ووُعاء وعيب : واسع. ويقال لِهَنِ المرأة إذا كان واسعاً : وَعيب. وركض وعيب : إذا استفرغ الحُضْر كلّه.

وقال ابن السكيت : جدعه جَدْعاً موعِباً أي مستأصِلاً. وأوعب القوم كلهم إذا حَشَدوا جاءوا موعبِين. وقد أوعَب بنو فلان جَلَاء فلم يبق منهم ببلدهم أحد.

وبع : أهمله الليث. أبو عبيد عن أبي زيد يقال : كَذَبت عَفَّاقته ومخذ محدفته ووبَّاعته وهي استه.

عمرو عن أبيه : أَنْبَق فلان : إذا خرجت ريحهُ ضعيفة ، فإن زاد عليها قيل عَفَق بها ، ووبَّع بها.

قال : ويقال لرَمَّاعة الصبي : الوبّاعة والغَاذِيَة.

وقال ابن الفرج : قال مدرك الجعفري : كذَبت وبَّاعته ، ووبَّاغته ، ونَبَّاعته ، ونَبَّاغته.

باب العين والميم

[ع م (وا يء)]

عما ، عمي ، عام ، معا ، ماع ، وعم ، ومع : مستعملات.

عما : ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال عما يَعْمو : إذا خضع وذلّ. ومنه حديث ابن عمر : مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين : تعمو مرة إلى هذه ، ومرة إلى هذه ، قال ومنه قوله جلّ وعزّ : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) [النِّساء : ١٤٣] قال : والعَمَا : الطُول. يقال : ما أحسن عما هذا الرجل أي طوله.

وقال أبو العباس : سألت ابن الأعرابي عنه فعرفه. وقال : الأعماء : الطوال من الناس. ويقال عَمَى الماءُ يَعْمِي إذا سال وهَمَى يَهْمِي مثله.

وقال المؤرج : رجل عامٍ : رام. وعَمَاني بكذا رماني ، من التُّهمَة. قال : وعَمَى النبتُ يَعْمِي واعتمّ واعتمى ثلاث لغات.

وقال الليث : العَمْي على مثال الرمي : دفع الأمواج القذى والزَبَدَ في أعاليها. وأنشد :

* زها زَبَدا يَعْمِي به الموجُ طاميا*

قال : والبعير إذا هدر عَمَى بلُغامه على هامته عَمْياً. وأنشدني المنذري فيما أقرأني لأبي العباس عن ابن الأعرابي :

وغبراء مَعْمى بها الآلُ لم يبن

بها من ثنايا المَنهَلين طريق

قال عَمَى يعمِي إذا سال. يقول : سال عليها الآل. ويقال عَمَيْت إلى كذا أَعْمِى

١٥٤

عَمَياناً وعطِشت عَطَشاناً : إذا ذهبت إليه لا تريد غيره ، غير أنك تؤمُّه على الإبصار والظلمة.

قال الليث : العَمَى : ذهاب البصر من العينين كلتيهما والفعل منه عَمِي يَعْمَى عَمًى.

قال : وفي لغة أخرى : اعماىَ يعمايُ أعمَياء ، أرادوا حَذْو ادهامَّ يدهامّ ، فأخرجوه على لفظ صحيح ، وكان في الأصل : ادهامَمَ ، فادّغموا لاجتماع الميمين فلمَّا بنوا اعمايا على أصل ادهامم اعتمدت الياء الآخرة على فتحة الياء الأولى فصارت ألِفاً ، فلمّا اختلفتا لم يكن للإدغام فيها مَسَاغ كمسَاغة في الميمين. ولذلك لم يقولوا : اعمايّ مدغمة. وعلى هذا الحَذْو يجرِي هذا كله في جميع هذا الباب ، إلا أن يقول قائل تكلفاً على لفظ ادهامّ بالتثقيل : اعمايّ فلان غير مستعمل. قلت : وقول النحويّين على ما حكاه الليث ، وأحسبه قول الخليل وسيبويه.

وقال ابن الأعرابيّ : الأعمى : الليل ، والأعمى : السيل ، وهما الأبهمان أيضاً.

وأنشد :

وهبت إخاءك للأعميي

ن وللأبهمين ولم أَظلِم

قال : وهما الأبهمان أيضاً بالباء لليل والسيل. وروى سفيان عن ابن جُرَيج عن مجاهد في قوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) [طه : ١٢٥] قال : أعمى عن الحجَّة ، وقد كنت بصيراً بها.

وقال نفطويه : يقال عمِي فلان عن رُشْده وعَمِي عليه طريقُه إذا لم يهتدِ لطريقه. ورجل عمٍ ، وقوم عَمُون. قال : وكلّما ذكر الله جلَّ وعزَّ العَمَى في كتابه فذمَّه يريد عمى القلب. قال الله جلّ وعزّ : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحَجّ : ٤٦].

وقال الليث : رجل أعمى وامرأة عمياء. ولا يقع هذا النعت على العين الواحدة ؛ لأن المعنى يقع عليهما جميعاً. تقول : عميتْ عيناه ، وامرأتان عَمْياوان ، ونساء عَمْياوات.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسرَاء : ٧٢] قال الفراء : عدّد الله نِعَم الدنيا عَلَى المخاطبين ، ثم قال : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) ، يعني في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم ، (فَهُوَ فِي) نعم (الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً). قال : والعرب إذا قالوا : هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت ، أو على افعللت مثل احمررت لم يقولوا : هو أفعل منك حتى يقولوا : هو أشد حمرة منك ، وأحسن زخرفة منك. قال : وإنما جاز في العمى لأنه لم يُرد به عَمَى العينين ، إنما أريد به ـ والله أعلم ـ عمى القلب ، فيقال : فلان أعمى من فلان في القلب ، ولا يقال : هو أعمى منه في العين ، وذلك أنه لمّا جاء على

١٥٥

مذهب أحمر وحمراء تُرك فيه أفعل منه ؛ كما ترك في كثير. قال : وقد تَلْقى بعض النحويين يقول : أُجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق ؛ لأنا قد نقول : عَمِيَ وزَرِق وعَرِج وعشِي. ولا نقول حَمِر ولا بَيِض ولا صَفِرَ ، قال الفراء : وليس ذلك بشيء ، إنما يُنظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فِعْل يقلّ أو يكثر ، فيكون أفعل دليلاً على قِلَّة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك تقول : فلان أقوم من فلان ، وأجمل ؛ لأن قيام ذا يزيد على قيام ذا ، وجماله يزيد على جماله ، ولا تقول للأعميين : هذا أعمى من ذا ، ولا لميّتين : هذا أموت من ذا. فإن جاء منه شيء في شعر فهو شاذّ ؛ كقوله :

أمّا الملوك فأنت اليوم الأمُهم

لؤماً وأبيضهم سِرْبالَ طبّاخ

ويقال : رجل عَمٍ إذا كان أعمى القلب ، وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فُصّلَت : ٤٤] قرأها ابن عباس : عَمٍ ، وقال أبو مُعَاذ النحوي : من قرأ (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) فهو مصدر يقال : هذا الأمر عَمًى ، وهذه الأمور عَمًى ؛ لأنه مصدر ، كقولك : هذه الأمور شُبْهة ورِيبة ، قال : ومن قرأ عمٍ ؛ فهو نعت ؛ نقول : أمر عمٍ وأمور عَمِيَة ، ورجل عمٍ في أمره : لا يبصره ، ورجل أعمى في البصر. وقال الكميت :

* ألا هل عَمٍ في رأيه متأمِّل*

ومثله قول زهير :

*ولكنني من علم ما في غد عم*

وفي حديث أبي رَزِين العُقَيليّ أنه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟

قال : في عَمَاء ، تحته هَوَاء وفوقه هواء.

قال أبو عبيد : العَمَاء في كلام العرب : السحاب ، قاله الأصمعي وغيره وهو محدود. وقال الحارث بن حِلِّزةَ :

وكأنَّ المنون تَردْى بنا أصْ

حَمَ عُصْم ينجاب عنه العماءُ

يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب ، فالسحاب ينجاب عنه أي ينكشف. قال أبو عبيد : وإنما تأوّلنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذاك العَمَاء. قال : وأمَّا العمى في البصر فمقصور ، وليس هو من هذا الحديث في شيء.

قلت : وقد بلغني عن أبي الهيثم ـ وَلم يعزه لي إليه ثقة ـ أنه قال في تفسير هذا الحديث. ولفظه : إنه كان في عمى مقصور. قال وكلّ أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عَمًى. قال : والمعنى : أنه كان حيث لا يُدركه عقول بني آدم ، ولا يَبلغ كنههَ وصف.

قلت أنا : والقول عندي ما قاله أبو عُبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ولا يُدرى كيف ذلك العَمَاء بصفة تحصُره ولا نعتٍ يَحدّه. ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البَقَرَة : ٢١٠] فالغمام معروف في كلام العرب ، إلّا أنا لا ندري

١٥٦

كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه فنحن نؤمن به ، ولا نكيِّف صفته. وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ. وقال الليث : العَمَاية العماءة : السحابة الكثيفة المطبِقة. قال وقال بعضهم : العماء : الذي قد حَمَل الماء وارتفع. وقال بعضهم : هو الذي قد هراق ماءه ولمّا يتقطع تقطع الجَفْل. والعرب تقول : أشد برد الشتاء شَمَالٌ جِرْبياء في غبّ سماء ، تحت ظلّ عَمَاء. قال : ويقولون للقطعة الكثيفة : عماءة ، قال : وبعض ينكر ذلك ويجعل العماء اسماً جامعاً. قال : والتعمية : أن تُعَمِّي على إنسان شيأ فتلبّسه عليه تلبيساً. قال : والأعماء جمع عَمَىً وأنشد :

* وبلد عامِيَة أعماؤه*

وقال غيره : عامِيَة : دارسة. وأعماؤه : مجاهله. بلد مَجْهل وعَمًى : لا يُهتدى فيه. والمعامي : الأرضون المجهولة. والواحدة مَعْمِيَة في القياس ، ولم أسمع لها بواحدة.

وقال شمر : العامِي : الذي لا يبصر طريقه. وأنشد :

لاتأتيّني تبتغي لين جانبي

برأسك نحوي عامياً متعاشياً

قال : وأرض عمياءُ وعامِيَة. ومكان أعمى : لا يُهتدى فيه. قال : وأقرأني ابن الأعرابي :

وماءٍ صَرًى عافى الثنايا كأنه

من الأَجْن أبوالُ المخاض الضوارب

عمٍ شَرَكَ الأقطار بيني وبينه

مراريُّ مَخْشِيّ به الموتُ ناضبِ

قال ابن الأعرابي : قوله : عَمٍ شَرَك كما تقول عمٍ طريقاً وعمٍ مَسْلكاً. يريد الطريق ليس مبَيّنَ الأثر.

وفي الحديث : «من قاتل تحت راية عَمِّيَّة يغضب لعَصَبة أو ينصر عَصَبة أو يدعو إلى عصبة فَقُتِل قُتل قِتلة جاهليَّة».

وقال شمر : قال إسحاق بن منصور : سئل أحمد بن حنبل عمّن قُتل في عَمِيَّة ، قال : الأمر الأعمى العصبية لا يستبين ما وجهه. قال : وقال إسحاق : إنما معنى هذا في تحارُب القوم وقتل بعضهم بعضاً. يقول مَنْ قتل فيها كان هالكاً.

وقال أبو زيد : العِمِّيَّة الدعوة العمياء فقتيلها في النار.

وقال شمر : قال أبو العلاء : العَصَبة : بنو العمّ. والعَصَبيَّة أخذت من العَصَبة. وقيل : العمِّية : الفتنة. وقيل الضلالة.

وقال الراعي :

* كما يذود أخو العِمِّيَّة النجد*

يعني صاحب فتنة.

أبو عبيد عن أبي زيد يقال : لقيته صَكَّةَ عُمَيّ قال : وهو أشدّ الهاجرة حَرّاً.

وقال شمر : هو عُمَيّ ، وكأنه تصغير أعمى. قال وأنشدني ابن الأعرابي :

صكّ بها عين الظهيرة غائراً

عُمَىّ ولم يُنْعَلن إلّا ظلالَها

وقال غيره : لقيته صَكَّة ، عُمَيّ ، وصَكّة أعمى أي لقيته نصف النهار في شدَّة

١٥٧

الحر. وعُمَيّ تصغير أعمى على الترخيم. ولا يقال ذلك إلا في حَمَارَّة القيظ. والإنسان إذا خرج نصف النهار في أشد الحر لم يتهيأ له أن يملأ عينيه من عين الشمس ، فأرادوا أنه يصير كالأعمى.

وقال أبو سعيد : يقال اعتمتيه اعتماءً أي قصدته. وقال غيره اعتمتيه : اخترته. وكذلك اعتمته والعرب تقول : عَمَا والله ، وأما والله ، وهَمَا والله ، يبدلون من الهمزة العين مرّة ، والهاء أخرى. ومنهم من يقول غَمَا والله بالغين معجمة.

معا : قال الليث المُعَاء ممدود من أصوات السنانير. يقال : معا يَمْعو ، ومغا يمغو ، لونان أحدهما يقرب من الآخر وهو أرفع من الصَّئيّ أبو عبيد عن الأصمعي : إذا أرطب النخل كله فذلك المَعْو ، وقد أمعى النخلُ. قال : وقياسه أن تكون الواحدة مَعْوة ولم أسمعه. قال : وقال اليزيدي : يقال منه قد أمعت النخلة. ونحو ذلك قال الليث.

عمرو عن أبيه : الماعي اللّين من الطعام. وقال النحويون هي كلمة تضمّ الشيء إلى الشيء وأصلها معاً وقال الليث : كنا معاً معناه : كنّا جميعاً.

وقال الزجاج في قول الله : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البَقَرَة : ١٤] : نَصْب (مَعَكُمْ) كنصب الظروف ؛ تقول : أنا معكم ، وأنا خلفكم ، معناه أنا مستقرّ معكم ، وأنا مستقرّ خلفكم. وقال في قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) [النّحل : ١٢٨] أي الله ناصرهم وكذلك قوله : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التّوبَة : ٤٠] أي الله ناصرنا.

وقال الليث : رجل إمَّعة : يقول لكلّ : أنا معك. قال : والفعل من هذا تأمّع الرجل واستأمع. قال : يقال للذي يتردد في غير صنيعة إمّعة.

وروي عن ابن مسعود أنه قال : أُغْدُ عالماً أو متعلّماً ، ولا تَغْدُ إمَّعة.

قال أبو عبيد : أصل الإمَّعة الرجل الذي لا رأي له ولا عَزْم ، فهو يتابع كلّ أحد على رأيه ، ولا يثبت على شيء. وكذلك الرجل الإمَّرة : وهو الذي يوافق كل إنسان على ما يريده. قال : وروي عن عبد الله أنه قال : كنا نعدّ الإمَّعة في الجاهلية الذي يَتْبع الناس إلى الطعام من غير أن يُدْعى ، وإن الإمَّعة فيكم اليوم المُحْقِبُ الناس دِينه. قال أبو عبيد : والمعنى الأول يرجع إلى هذا.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المؤمن يأكل في مِعًى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء».

قال أبو عبيد : نُرى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه ، فتكون فيه البركة ، والكافر لا يفعل ذلك. قال : وقيل : إنه خاصّ لرجل كان يُكثر الأكل قبل إسلامه ، فلمّا أسلم نقص أكلُه. ويَرْوِي أهل مصر أنه أبو بصرة الغِفَاريّ ، لا نعلم للحديث وجهاً غيره ؛ لأنا نرى من المسلمين مَن يَكثرُ أكلُه ، ومن الكافرين من يقلّ أكله ، وحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا خُلْف له ، فلهذا وُجِّه هذا الوجه.

١٥٨

قلت : وفيه وجه ثالث أحسبه الصواب الذي لا يجوز غيره ، وهو أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المؤمن يأكل في مِعًى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» مَثَل ضربه للمؤمن ، وزهده في الدنيا وقناعته بالبُلْغة من العيش ، وما أوتي من الكفاية ، وللكافر واتّساع رغبته في الدنيا وحرصه على جمع حُطَامها ، ومنعها من حقّها ، مع ما وصف الله الكافر من حرصه على الحياة ، وركونه إلى الدنيا واغتراره بزُخرفها ، فالزهد في الدنيا محمود ؛ لأنه من أخلاق المؤمنين ، والحرص عليها وجمع عَرَضها مذموم ؛ لأنه من أخلاق الكفار. ولهذا قيل : الرُغْب شؤم ، وليس معناه كثرة الأكل دون اتساع الرغبة في الدنيا والحرص على جمعها ، فالمراد من الحديث في مَثَل الكافر استكثاره من الدنيا والزيادة على الشبع في الأكل داخل فيه ، ومثلِ المؤمن زهدُه في الدنيا وقلّة اكتراثه بأثاثها واستعداده للموت والله أعلم.

وقال شمر : قال الفراء : جاء في الحديث «المؤمن يأكل في مِعًى واحدة».

قال الفراء ومِعًى واحد أعجب إليّ. قال : المِعَى أكثر الكلام على تذكيره ، يقال هذا معى وثلاث أمعاء ، ربما ذهبوا به إلى التأنيث ، كأنه واحد دَلّ على جمع. وقال القطامي :

كأن نُسُوع رحلي حين ضمت

حوالب غُرَّزاً ومعى جياعا

وقال الليث : واحد الأمعاء يقال : مِعًى ومِعَيان وأمعاء. قال وهو جميع ما في البطن مما يتردّد فيه من الحوايا كلها.

شمر عن ابن الأعرابي قال : الأمعاء ما لان من الأرض وانخفض. وقال رؤبة :

* يحبو إلى أصلابه أمعاؤه*

قال : والأصلاب : ما صَلُب من الأرض.

وقال الأصمعي : الأمعاء : مسايل صغار.

وقال أبو عمرو : يحبو أي يميل ، وأصلابه : وسطه ، وأمعاؤه : أطرافه.

وقال أبو خَيْرة المِعَى غير ممدود الواحدة أظن مِعَاة : سهلة بين صلبين وقال ذو الرمة :

تراقب بين الصُلْب من جانب المِعَى

معَى واحفٍ شما بطيئاً نزولها

وقال الليث : المِعَى من مذانب الأرض ، كل مِذْنب بالحضيض يناصي مِذْنباً بالسَنَد.

والذي في السفح هو الصلب.

قلت : وقد رأيت بالصَمَّان في قيعانها مَسَاكَاتٍ للماء وإخَاذاً متحوّية تسمى الأمعاء ، وتسمى الحوايا ، وهي شبه الغُدْران ، غير أنها متضايِقة لا عَرْض لها.

وربما ذهبت في القاع غَلْوة. والعرب تقول للقوم إذا أخصبوا وصلحت حالهم هم في مثل المِعَى والكَرِش.

وقال الراجز :

يا أيَهذا النائم المفترشْ

لستَ على شيء فقم وانكمش

لستَ كقوم أصلحوا أمرهم

فأصبحوا مثلَ المعى والكرش

١٥٩

ميع : قال الليث : ماع الماءُ يَميع مَيْعاً إذا جرى على وجه الأرض جرياً منبسطاً في هِينَة. وكذلك الدم يَميع وأنشد :

كأنه ذو لبد دَلَهْمَسُ

بساعديه جَسَد مورَّس

من الدماء مائع ويُبَّس

وأمَعْته أنا إماعة. والسراب يميع. قال : وميعة الحُضْر ومَيْعة الشباب أوله وأنشطه. قال والمَيْعة : شيء من العطر.

وفي حديث ابن عمر أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : إن كان مائعاً فأرِقه ، وإن كان جامِساً فألْقِ ما حوله.

قال أبو عبيد في قوله : إن كان مائعاً أي ذائباً ، ومنه سميت المَيْعة لأنها سائلة.

يقالُ ماع الشيء وتميّع إذا ذاب ، ومنه حديث عبد الله حين سئل عن المُهْل فأذاب فضَّة فجعلت تميَّع وتلوَّن ، وقال هذا : من أشبه ما أنتم راءون بالمُهْل.

وقال غيره : يقال لناصية الفرس إذا طالت وسالت : مائعة. ومنه قول عَدِيّ :

* يهزهز غصناً ذا ذوائب مائعاً*

أُراد بالغصن الناصية.

عوم ـ عيم : قال الليث : العام : حول يأتي على شَتْوة وصيفة ويجمع أعواماً. ورسم عامِيّ : قد أتى عليه عام. وأنشد :

* من أن شجاك طلل عاميُ *

وقال أبو عبيد : أخذت فلاناً معاومة ومسانهة ، وعاملته معاومة ومساناة أيضاً. وفي الحديث : «نهى عن بيع النخل معاومة». وهو أن يبيع ثمر النخل أو الكَرْم أو الشجر سنتين أو ثلاثاً فما فوق ذلك.

ويقال : عاومت النخلةُ إذا حَمَلت سنة ، ولم تحمل أخرى ، وكذلك سانهَتْ : حملت عاماً وعاماً لا.

وقال أبو زيد : يقال : جاورت بني فلان ذات العُوَيم ، ومعناه العام الثالث ممّا مضى ، فصاعداً إلى ما بلغ العشر.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أتيته ذات الزُمَين وذات العُوَيم أي منذ ثلاثة أزمان وأعوام. وقال في موضع آخر : هو كقولك : لقيته مذ سُنَيَّات.

وقال ابن شميل : عوَّم الكرمُ : حمل عاما وقلّ حمله عاماً.

وقال اللحياني : المعاومة : أن يَحِلّ دَينك على رجل ، فتزيده في الأجل ويزيدك في الدَّين.

قال ويقال : هو أن تبيع زرعك بما يخرج من قابل في أرض المشتري.

ويقال : عام مُعِيم ، وشحم مُعَوِّم : شحم عام بعد عام.

وقال أبو وَجْزَة السعديّ :

تنادَوا بأغباش السواد فقُربت

علافيفُ قد ظاهرن نَيّا معوِّماً

أي شَحْماً معوِّماً.

ابن السكيت : يقال : لقيته عاماً أوّلَ ، ولا تقل : عام الأوّلِ. والعَوْم : السباحة. والسفينة تعوم في الماء ، والإبل تعوم في سيرها. وقال الراجز

* وهن بالدَوّ يَعُمن عَوما*

١٦٠