تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

وقال ابن الأنباريّ فلان يُبَرقل علينا ، ودَعنا من البرقلة ، وهو أن يقول ولا يفعل ، ويعد ولا ينجز ، أُخذ من البرق والقول.

أبواب مضاعف الحاء

أهملت (الحاء) مع الهاء في المضاعف

وأهملت مع الخاء ، وأهملت مع الغين.

باب الحاء والقاف

[ح ق]

حق ، قح : مستعملان في الثنائي والمكرر.

حق : قال الليث : الحقّ : نقيض الباطل ، تقول : حَقّ الشيءُ يَحِقّ حَقّا معناه : وجب يجب وجوباً. وتقول : يحِقّ عليك أن تفعل كذا وكذا ، وأنت حقيق عليك ذلك ، وحقيق عليّ أن أفعله.

قال : وحقيق فعيل في موضع مفعول تقول : أنت محقوق أن تفعل ذلك ، وتقول للمرأة : أنت حقيقة لذلك ، يجعلونه كالاسم ، وأنت محقوقة أن تفعلي ذلك.

وقال الأعشى :

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته

وأن تعلمي أن المعان موفّق

وقال شمر : تقول العرب حَقّ عليّ أن أفعل ذلك ، وحُقّ ، وإني لمحقوق أن أفعل خيراً.

قال : وقال الفراء حُقّ لك أن تفعل كذا ، وحَقّ عليك أن تفعل كذا ، فإذا قلت : حُقّ قلت : لك وإذا قلت حَق قلت : عليك.

قال : وتقول : يَحِقّ عليك أن تفعل كذا وحقّ لك ، ولم يقولوا : حَقَقْت أن تفعل.

قال : ومعنى قول من قال حَقّ عليك أن تفعل : وجب عليك.

قال وتقول : إنك لحقيق أن تفعل كذا ، وحقيق في حَقّ وحُقّ في معنى مفعول.

وقال الله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ) [الأعراف : ١٠٥].

وقال : (فَحَقَ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) [الصَّافات : ٣١].

وقال جرير :

* قَصِّر فإنك بالتقصير محقوق *

وقال الفرزدق :

إذا قال غاوٍ من مَعَدّ قصيدة

بها جرب عُدّت عليّ بَزوْبَرا

فينطقُها غيري وأُرمى بذنْبها

فهذا قضاء حَقُّه أن يغيَّرا

قال : حَقّه أي حُقّ له. وتقول ما كان بحقك أن تفعل ذاك في معنى ما حُقّ لك. وقد حُقّ حَذرك. ولا تقل حَقّ حَذَرك ، وحقَقت حَذَرك وأحقتته أي فعلت ما كان يحذر. والعرب تقول : حققت عليه القضاء أحُقّه حَقّاً وأحققته أُحِقّه إحقاقاً أي أوجبته.

ومنه قول الله جلّ وعزّ : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البَقَرَة : ٢٣٦] منصوب على معنى : حَقّ ذلك عليهم حقّاً. وهذا قول أبي إسحاق النحوي.

وقال الفراء في نصب قوله (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) وما أشبهه في الكتاب : إنه نصب من جهة الخبر ، لا أنه من نعت قوله (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا) [البقرة : ٢٣٦]. قال وهو

٢٤١

كقولك عبد الله في الدار حقاً إنما نصب حقاً من نيّة كلام المخبِر ، كأنه قال : أخبركم بذلك حَقّاً.

قلت : وهذا القول يقرب مما قاله أبو إسحاق ؛ لأنه جعله مصدراً مؤكِّداً ، كأنه قال أخبركم بذلك أحَقُ حَقّاً.

وقال أبو زكريا الفراء : وكل ما كان في القرآن من نكرات الحقّ أو معرفته أو ما كان في معناه مصدراً فوجه الكلام فيه النصب كقول الله جلّ وعزّ : (وَعْدَ الْحَقِ) [إبراهيم : ٢٢] و (وَعْدَ الصِّدْقِ) [الأحقاف : ١٦].

قلت : كأنه قال : أعِد وعد الحقّ ووعد الصدق.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [الكهف : ٤٤] فالنصب في الحقّ جائز. تريد : حقّاً أي أَحُقّ الحقّ وأُحِقّه حقاً ، قال : وإن شئت خفضت الحق تجعله صفة لله ، وإن شئت رفعته فجعلته من صفة الولاية هنالك الولاية الحقُ لله. وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (قالَ فَالْحَقُ وَالْحَقَ أَقُولُ) [ص : ٨٤] قرأ القراء الأول بالرفع والنصب ، رُوِي الرفع عن عبد الله بن عباس. المعنى فالحق مني وأقول الحق. وقد نصبهما معاً كثير من القراء ، منهم من يجعل الأوّل على معنى : الحقَ لأملأن ، وينصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف.

وأما قوله جلّ وعزّ : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِ) [مريَم : ٣٤] رفع الكسائي القول ، وجعل الحق هو الله. وقد نصب (قول) قوم من القراء يريدون : ذلك عيسيا بن مريم : قولاً حقّاً.

وقال الليث : الحَقَّة من الحقّ كأنها أوجب وأخصّ. تقول : هذه حَقَّتي أي حَقّي. قال : والحقيقة : ما يصير إليه حَقّ الأمر ووجوبه. تقول : أبلغت حقيقة هذا الأمر ، تعني يقين شأنِه.

وجاء في الحديث : «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلماً بعيب هو فيه».

وقال أبو عبيد وغيره : الحقيقة الرَّاية.

وقيل : حقيقة الرجل : ما يلزمه حفظه ومنعه.

والعرب تقول : فلان يسوق الوَسِيقة ، ويَنْسِل الوَدِيقة ، ويحمي الحقيقة. فالوسيقة : الطريدة من الإبل ، سميت وسيقة لأن طاردها يسِقها إذا ساقها أي يَقْبِضُها والودَيقة : شدة الحر والحقيقة ما يحقّ عليه أن يحميه.

وقال الليث حقيقة الرجل : ما يلزمه الدفاع عنه. وجمعها الحقائق.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : قال الحقيقة : الراية. والحقيقة : الحُرْمة.

والحقيقة : الفِنَاء.

وقال ابن المظفر : أحَقَ الرجلُ إذا قال حَقّاً ، أو ادَّعى حقّاً فوجب له.

وقال : حقَّق الرجل إذا قال : هذا الشيء هو الحقّ كقولك : صدّق.

أبو عبيد عن الكسائي : حَقَقْت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق وأثبتَّه عليه.

٢٤٢

قال أبو عبيد : وقال أبو زيد حقَقْت حَذَر الرجل وأحققته : فعلت ما كان يحذر.

وقال شمر : حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه. وأحققت عليه القضاء إذا أوجبته. قال ولا أعرف ما قال الكسائي في حققت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق.

قلت هو عندي من قولك حاققته فحققته أي غلبته على الحقّ.

وقول الله جلّ وعزّ : (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٣] الحاقّة : الساعة والقيامة. سمّيت حاقّة لأنها تَحُقّ كل إنسان بعمله من خير وشرّ. قال ذلك الزجاج.

وقال الفراء : سميت حاقة لأن فيها حواقّ الأمور والثواب.

قال والعرب تقول لما عَرَفت الحَقّة مني هَرَبَتْ. والحقَّة والحاقّة بمعنى واحد.

وقال غيرهما : سميت القيامة حاقة لأنها تَحُقّ كل مُحاقّ في دين الله بالباطل ، أي كل مجادل ومخاصم فتحُقه أي تغلبه وتخصُمه ، من قولك حاققته أحاقه حِقَاقاً ومحاقة فحققته أحُقّه أي غلبته وفَلَجْت عليه.

وقال أبو إسحاق في قوله الْحَاقَّةُ رفعت بالابتداء و (مَا) رَفْعٌ بالابتداء أيضاً.

والْحَاقَّةُ الثانية خبر (مَا) والمعنى تفخيم شأنها. كأنه قال : الحاقة أي شيء الحاقة! وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) معناه : أيّ شيء أعلمك ما الحاقة و (ما) موضعها رفع ، وإن كانت بعد «أَدْراكَ» المعنى ما أعلمك أيٌّ شيء الحاقّة.

وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما حَقّ امرىء يبيت ليلتين إلا وصيَّته عنده».

قال الشافعي معناه ما الحزم لامرىء وما المعروف في الأخلاق لامرىء إلّا هذا ، لا أنه واجب.

قلت : وهو كما قال الشافعي رَحمه اللهُ.

وفي حديث عليّ رضي‌الله‌عنه : إذا بلغ النساءُ نَصّ الحقائق ، ورواه بعضهم : نصّ الحقاق فالعَصَبة أولى.

قال أبو عبيد : نَصّ كل شيء منتهاه ، ومبلغ أقصاه ، قال : وأراد بنصّ الحِقَاق. الإدراك ؛ لأن وقت الصغر ينتهي ، فتخرج الجارية من حدّ الصغر إلى الكبر. يقول : فإذا بلغت الجارية ذلك فالعَصَبة أولى بها من أمّها ، وبتزويجها وحضانتها إذا كانوا مَحْرَماً لها ؛ مثل الآباء والإخوة والأعمام. قال : والحقاق المحاقة ، وهو أن تحاقّ الأمُّ العَصَبة في الجارية ، فتقول : أنا أحق بها ، ويقولون : بل نحن أحقّ.

قال : وبلغني عن ابن المبارك أنه قال : نَصّ الحقاق : بلوغ العقل ، وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد ينتهي الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام ، فهو العقل والإدراك.

قال أبو عبيد : ومن رواه نصّ الحقائق. فإنه أراد جمع حقيقة وحقائق.

٢٤٣

وقال الليث : يقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لَنَزِق الحِقَاق.

وقال ابن عباس في قراء القرآن : متى ما يَغْلوا يحتقّوا.

يعني المِرَاء في القرآن. ومعنى يحتَقّوا : يختصموا ، فيقول كل واحد منهم : الحقّ معي فيما قرأت. يقال تحاقّ القومُ واحتقّوا إذا تخاصموا ، وقال كل واحد منهم : الحقّ بيدي ومعي.

والمحتق من الطعن النافذ إلى الجوف.

ومنه قول أبي كبير الهذلي :

فمضت وقد شرع الأسنةُ نحوها

من بين محتَقِ بها ومشرَّم

أراد : من بين طعن نافذ في جوفها ، وآخر قد شرَّم جِلدها ، ولم ينفذ إلى الجوف. وقال الله جلّ وعزّ : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) [المائدة : ١٠٧] معناه : فإذا طُّلع على أنهما استوجبا إثماً أي جناية باليمين الكاذبة التي أقدما عليها (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) من ورثة المتوفّى (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَ عَلَيْهِمُ) أي مُلِك عليهم حقّ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة. وقد قيل معنى (عَلَيْهِمُ) عليهم : منهم. وإذا اشترى رجل دارا من رجل فادّعاها رجل آخر ، وأقام بيّنة عادلة على دعواه وحَكَم له الحاكم ببيّنته فقد استحقّها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها عليه ، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد من استحقّها ، ورجع المشترِي على البائع بالثمن الذي أدّاه إليه. والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء.

وقال شمر : يقال : عَذَر الرجل وأعذر ، واستحقّ واستوجب إذا أذنب ذنباً استوجب به عقوبة.

ومنه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم».

عمرو عن أبيه : يقال : استلاط القوم ، واستحقّوا ، واستوجبوا ، وأوجبوا ، وأسْفَوا ، وأوفوْا ، وأطَلُّوا ، ودَنَوا ، وعَذَروا وأعذروا وعذّروا إذا أذنبوا ذنوباً يكون لمن يعاقبهم عذر في ذلك لاستحقاقهم. ويقال : استحقّت إبلنا ربيعاً ، وأحقَّت ربيعاً : إذا كان الربيع تامّاً فرعته. وقد أحقَ القومُ إحقاقاً إذا أسمنوا أي سمن مالهم. واستحقَّت الناقةُ سمناً وأحقَّت وحقَّت إذا سمنت. واستحقَّت الناقة لقاحاً إذا لقِحت ، واستحق لقاحها.

يجعل الفعل مرّة للناقة ، ومرَّة للقاح.

والحِقّ والحِقّة في حديث صَدَقات الإبل والديات.

قال أبو عبيد : البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة فهو حينئذٍ حِقّ ، والأنثى حِقّة. وهي التي تؤخذ في صدقة الإبل إذا جاوزت خمساً وأربعين. قال : ويقال : إنه سمي حِقّاً لأنه قد استحق أن يُحمل عليه ويُركب. قال ويقال هو حِقّ بيِّن الحِقّة. وقال الأعشى :

بحقَّتِها ربُطت في اللَجِي

ن حتى السَدِيس لها قد أسنّ

قلت : ويقال : بعير حِقّ بيّن الحِقّ بغير هاء.

٢٤٤

وقال ذو الرمة :

أفانِينَ مكتوب لها دون حِقّها

إذا حملها راش الحِجَاجين بالثُكْل

وقال الأصمعي : يقال : أتت الناقة على حِقّها أي على وقتها الذي ضربها الفحل فيه من قابل هو تَمَامُ حمل الناقة حتى يستوفي الجنينُ السنة. ومعنى البيت أنه كُتب لهذه النجائب إسقاط أولادها قبل إنَى نتاجها. وذلك أنها رُكبت في سفر أتعبها فيه شدَّة السير ، حتى أجهضت أولادها.

وقال بعضهم : سمّيت الحِقّة حِقّة لأنها استحقّت أن يَطْرُقها الفحل. وتجمع الحِقّة حِقاقاً وحقائق.

وقال الراجز في الحقائق :

ومَسَدٍ أُمِرَّ من أيانِقِ

لسن بأنياب ولا حقائقِ

وهذا مِثْل جمعهم امرأة غِرَّة على غرائر ، وكجمعهم ضرَّة على ضرائر ، وليس ذلك بقياس مطَّرِد.

وقال عَدِيّ :

أيُّ قوم قومي إذا عزَّت الخَمْ

ر وقامت زِقاقهم بالحِقاق

ويروى : وقامت حقاقهم بالزقاق. وحِقَاق الشجو : صغارها ، شُبّهت بحِقاق الإبل.

وقال أبو مالك : أحقَّت البَكْرةُ إذا استوفت ثلاث سنين ، فإذا لقحت حين تُحِقّ قيل : لقحت على بَسْرها. قال : ويقال استحقّت الناقةُ سِمَناً ، وحَقَّت وأحقت إذا سَمِنتْ وأحق القومُ إحقاقاً إذا سمن مالهم. قال : واحتَقَ المالُ احتقاقاً إذا سمن وانتهى سِمَنه.

وحكى ابن السكيت عن أبي عطاء أنه قال : أتيت أبا صفوان فقال لي : ممن أنت؟ وكان أعرابياً ، فأراد يمتحنه.

فقلت : من بني تميم. قال : من أيّ بني تميم؟ قلت : رِبَابيّ قال : وما صنيعتك؟ قلت : الإبل. قال فأخبرني عن حِقّة حقّت على ثلاث حِقَاق. فقلت : سألتَ خبيراً ، هذه بَكْرة كان معها بكرتان في ربيع واحد ، فارتبعن فسمنت قبل أن تسمنا فقد حقت عليهنّ حقة واحدة ؛ ثم ضَبَعت ولم تضبعا فقد حقت عليهن أخرى ، ثم لقِحت ولم تَلْقحا فهذه ثلاث حقات فقال لي لعمري أنت منهم.

وقال غيره : يقال : لا يَحُقّ ما في هذا الوعاء رِطلاً ، معناه : أنه لا يزِن رطلاً.

وقال الليث : الحُقَّة من خشب ، والجميع الحُقُ والحُقَق. وقال رؤبة :

* سَوَّى مساحيهن تقطيطَ الحُقَق *

يصف حوافر حمر الوحش وأن الحجارة سوت حوافرها كأنها قططت تقطيط الحقق.

قلت : وقد تسوَّى الحُقَّة من العاج وغيره.

ومنه قول عمرو بن كلثوم :

وثديا مثل حُق العاج رَخْصا

حَصَانا من أكف اللامسينا

وروى عن عمرو بن العاص أنه قال لمعاويةِ في محاورات كانت بينهما : أتيتك من العراق ، وإن أمرك كحُقّ الكَهْوَل

٢٤٥

وكالحَجَاة في الضعف ، فما زلت أرُمّه حتى استحكم ، في حديث فيه طول.

قال أبو العباس قال أبو عمرو : حُقّ الكَهْوَل : بيت العنكبوت. وهذا صحيح. وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف بعينه فصحفه وقال : مثل حق الكهول ؛ وخبط في تفسيره خبط العشواء ، والصواب ما رواه أبو العباس عن أبي عمرو مثل حق الكهول والكهول العنكبوت وحقه بيته.

وقال ابن الأعرابي : الحق : صِدق الحديث ، والحقّ الْمِلكُ : والحق : اليقين بعد الشك. ويقال أحققت الأمر إحقاقاً إذا أحكمته وصححته. وأنشد :

قد كنت أو عزت إلى العلاء

بأن يُحقّ وَذَم الدِلاء

وثوب مُحَقّق عليه وشى على صورة الحُقَق ، كما يقال : يُرْد مُرَحَّل. ويقال حققت الشيء وحققته وأحققته بمعنى واحد.

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الأحق من الخيل : الذي لا يعرق.

وقال شمر قال ابن الأعرابي : الأحق : الذي يضع رجله في موضع يده. وأنشد لبعض الأنصار :

وأقْدَرُ مشرف الصَهَوات ساطٍ

كميتٌ لا أحقُ ولا شئيتُ

وقول الله جلّ وعزّ : حقيق عليّ ألا أقول على الله [الأعراف : ١٠٥] وقرىء : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) فمن قرأ (حقيق عليَّ) ؛ فمعناه واجب عليّ ترك القول على الله إلا بالحق ومن قرأ : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) فالمعنى أنا حقيق على ترك القول على الله إلا بالحق.

وقال الليث : نبات الحُقيق : ضرب من التمر وهو الشيص.

قلت : صحف الليث هذه الكلمة وأخطأ في التفسير أيضاً والصواب لون الحُبَيْق ضرب من التمر رديء. ونبات الحبيق في صفة التمر تغيير. ولون الحُبَيْق معروف.

وقد روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نهى عن لونين في الصدقة أحدهما الجُعْرُور ، والآخر لون الحُبَيق. ويقال لنخلته عَذْق ابن حُبَيق ، وليس بشيص ولكنه رديء من الدَقَل.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال الحُقُق : القريبو العهد بالأمور خيرها وشرها. قال : والحُقُق : المحقّقون لما ادَّعوا أيضاً.

وروى عمرو عن أبيه أنه قال : الحُقَّة : الداهية.

وقال الأصمعي حق عليه القول وأحققته أنا وحققت الخبر أحُقّه حقاً. ويقال ما لي فيه حَقّ ولا حِقَاق أي خصومة والحُقُ : حُقُ الوَرِك. وحُقُ الوابلة في العضد وما أشبههما. ويقال أصبت حاقَ عينيه. وسمعت أعرابياً يقول لِنُقْبة من الجرب ظهرت ببعير فشكُّوا فيها فقال : هذا حاقّ صُمَادِحُ الْجَرَب.

وتعبد عبد الله بن مطرِّف بن الشِّخِّير فلم

٢٤٦

يقتصد ، فقال له أبوه : يا عبد الله العلم أفضل من العمل ، والحسنة بين السيئتين ، وخير الأمور أوساطها وشرّ السير الحقحقة.

قال الليث : الحَقْحقة سير الليل في أوله ، وقد نُهي عنه. وقال بعضهم : الحَقْحَقة في السير : إتعاب ساعة وكفّ ساعة.

قلت : فسّر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم يصب الصواب في واحد منهما. والحقحقة عند العرب : أن يسار البعيرُ ويحمل على ما يتعبه ولا يطيقه حتى يُبْدَع براكبه. ويقال قَرَب حقْحاق وهَقْهاق وقهقاةٌ ومُقَهْقه ومهقهَق إذا كان السير فيه شديداً متعِباً. وأما قول الليث إن الحقحقة سير أول الليل فهو باطل ما قاله أحد ، ولكن يقال قَحِّموا عن أول الليل أي لا تسيروا فيه. ومعنى قول مطرِّف لابنه : إنك إذا حملت على نفسك من العبادة ما لا تطيقه انقطعت به عن الدوام على العبادة ، وبقيت حسيراً ، فتكلّفْ من العبادة ما تطيقه ولا يَحْسِرك فإن خير العمل ما ديم عليه وإن قلّ.

وقال شمر في «كتابه» الحقحقة : السير الشديد. يقال حقحق القومُ إذا اشتدُّوا في السير. قال وقال ابن الأعرابي الحقحقة أن يجهد الضعيفَ شدَّةُ السير.

وقال أبو عبيدة : الحقحقة : المتعب من السير.

قح : قال الليث : القُحّ : الجافي من الناس ومن الأشياء حتى إنهم ليقولون للبطيخة التي لم تنضج : إنها لَقُحّ.

وأنشد الليث :

لا أبتغي سَيْب اللئيم القُحّ

يكاد من نحنحة وأُحّ

يحكي سُعَال الشَرِق الأبَحِ

والفعل قَحَ يَقُحّ قُحُوحة.

قلت : أخطأ الليث في تفسير القُحّ ، وفي قوله للبطيخة التي لم تنضج : إنها لَقُحّ. وهذا تصحيف. وصوابه : الفِجّ بالفاء والجيم. يقال ذلك لكل ثمرة لم تَنْضَج. وأمّا القُحّ فهو أصل الشيء وخالصه : يقال : عربيّ قُحّ ، وعربيّ محض وقَلْبٌ إذا كان خالصاً لا هجنة فيه وفلان من قُحّ العرب وكُحّهم أي من صميمهم. قال ذلك ابن السكيت وغيره.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : يقال : لأضطرنك إلى تُرِّك وقُحَاحك أي إلى أصلك.

وقال ابن بُزُرْجَ : والله لقد وقعتُ بقَحَاحك ، وبقُحَاح قُرّك ، ووقعتُ بقُرّك ، وهو أن يعلم علمه كله فلا يخفى عليه منه شيء.

وقال أبو زيد : القُحَاح والتُّرُّ : الأصل.

وأنشد :

* وأتت في المأروك من قُحَاحها*

أبو العباس عن ابن الأعرابي : عبد كُحّ وكِحّ ، وعبد قُحّ إذا كان خالص العُبُودة. وكذلك لئيم قُحّ إذا كان معروفاً له في اللؤم.

وقال الليث : القُحْقُح فوق القَبّ شيئاً والقَبَّ : العظم الناتىء من الظهر بين

٢٤٧

الألْيتين.

وقال ابن شميل القُحْقُح : ملتقى الوركين من باطن والخَوْرانُ بين القَحْقح والعُصْعُص ، قال والقُحْقُح ليس من طَرَف الصُلْب في شيء. وملتقاه من ظاهري العُصُعُص. قال : وأعلى العصعص العَجْب وأسفله الذَنَب.

وقال غيره : القُحْقُح : مجتمع الوَرِكين ، والعُصْعُص : طرف الصُلْب الباطن. وطرفه الظاهر العَجَب والخَوَرَان هو الدبر.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : هو القُحْقُح والفَنِيك والعِضْرِط والجزأة النَوْض والناق والعُكْوَةَ والعُزَيزاء والعُصْعُص. ويقالُ لضحك القرد : القَحْقَحة ولصوته الخَنْخَنة.

وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه يقال : قَرَب مُحَقْحَق ، ومُقَحْقَح ، وَقرَب مُهَقْهَق ومُقَهْقَه : شديد. قلت وهذا من مبدل المقلوب.

باب الحاء والكاف من المضاعف

[ح ك]

حك ، كح : مستعملان.

حك : قال الليث : حككت الرأس ، وأنا أَحُكّه حَكّاً ، وإذا جعلت الفعل للرأس قلت احتكّ رأسي احتكاكاً وتقول : حكّ في صدري ؛ ويقال احتكّ ، وهو ما يقع في خَلَدك من وساوس الشيطان ، وفي الحديث «إياكم والحكّاكات فإنها المآثم». ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النَوَّاس بن سَمْعان سأله عن البِرّ والإثم فقال : «البِرّ حُسْن الخُلُق ، والإثم ما حَكّ في نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس». قال أبو عبيد : قوله : «ما حَكّ في نفسك» يقال : حَكّ في نفسي الشيءُ إذا لم تكن منشرح الصدر به ، وكان في قلبك منه شيء. ومثله حديث عبد الله بن مسعود : الإثم حَوَّازُ القلوب ، يعني ما حَزَّ في نَفْسك وَحَكّ فاجتنبه فإنه الإثم ، وإن أفتاك فيه الناس بغيره.

قلت وهذا أصح ممّا قال الليث في الحَكَّاكات : أنها الوساوس.

وقال الليث : الحُكَاكة : ما تَحَاكَ بين حجرين إذا حككت أحدهما بالآخر لدواء أو غيره وروي أن رجلاً سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما الإثْم؟ فقال : «ما حَكَ في صدرك فدعه ، قال : فما الإيمان؟ قال : «إذا ساءتك سَيِّئتك وسرَّتك حَسَنتك فأنت مؤمن». قلت : ما حَكَ في صدرك أي شككت فيه أنه حلال أو حرام فالاحتياط أن تتركه والحَكِيك : الكَعْب المحكوك والحَكِيك : الحافر النحيت. وقال الأعشى :

وفي كل عام له غزوة

تحكّ الدوابر حَكّ السَفَنْ

والحَكك ـ الواحدة حككة ـ حَجر رِخو أبيض أرخى من الرخام وأصلب من الحَصَى.

وقال ابن شميل : الحكَكَة : أرض ذات حجارة مثل الرخام رِخوة.

وقال غيره يقال : جاء فلان بالحُكيكات وبالأَحَاجي وبالألغاز بمعنى واحد واحدها حُكَيْكَة.

٢٤٨

ثعلب عن ابن الأعرابي : الحُكُكُ : المُلِحُّون في طلب الحوائج. والحُكُكُ : أصحاب الشرّ.

وقال الليث الحاكّة : السنّ. يقال : ما في فيه حاكّة. والتحكّك : التحرّش والتعرض ، إنه ليتحكّك بي أي يتعرض بشرّه لي. قال : وقول الحُبَاب أنا جُذَيلها المحكَّك معناه : أنا عماده وملجؤه عند الشدائد.

وقال أبو عبيد : الجُذَيل تصغير جِذْل ، وهو عُود يُنصب للإبل الجَرْبَى لتحتكّ به من الجرب ، فأراد أنه يُسْتشفى برأيه كما تَستشفِي الجربَى بالاحتكاك بذلك العود. قلت وفيه معنى آخر أحبّ إليّ ، أراد أنه منجَّذ مجرَّس قد جَرَّب الأمور وعرفها وجُرِّب ، فوجد صُلب المكسِر غير رِخو ، ثَبْتَ الغَدَر لا يفرّ عن قِرنه. وقيل معنى قوله : أنا جذيلها المحكك أنه يريد : أنا دون الأنصار جذل حِكَاك لمن عاداهم وناوأهم ، فبي تُقْرن الصعبة. ويقول الرجل لصاحبه : أجذِل للقوم أي انتصب لهم وكن مخاصماً مقاتلاً والعرب تقول : فلان جِذْل حِكَاكَ خشعت عنه الأُبَن ، يعنون أنه منقَّح لا يُرمى بشيء إلا زل عنه ونبا.

وقال أبو النجم :

عرفت رسما لسعاد ناحلا

بحيث ناصى الحُكَكاتُ عاقلا

قال : الحككات : موضع معروف ، وهي ذات حجارة بيض رقيقة. وقال النضر : هي : أرض ذات حجارة مثل الرخام بيض رخوة تكسرها بفيك

كح : أبو العباس عن ابن الأعرابي : عبد كُحّ وكَحّ إذا كان خالص العَبُودة.

وقال غيره : عربيّ كُحّ وأعراب أكحاح إذا كانوا خُلَّصاً.

وقال ابن الأعرابي ناقة كُحْكُح وقُحْقُح وعَزُوم وعَوْزَم إذا هرِمت.

أبو الهيثم عن نُصَيْر أنه قال : إذا أسنَّت الناقة وذهبت حِدّة أسنانها فهي ضِرْزِم ولِطْلِط وكِحْكِح وعِلْهِز ، وهِرْهِر ، ودِرْدِح.

قال الراجز يذكر راعياً وشفقته على إبله : يبكى على إثر فصيل إن نُحرْ والكِحْكح اللِطْلِطاء ذات المختبر

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الكُحُح : العجائز الهَرِمات.

قال ويقال : حُكَّ الرجل إذا اختبر وحَكّ إذا شكّ.

عمرو عن أبيه الحِكّة : الشكّ في الدين وغيره قال : والحكَكات موضع معروف بالبادية. وقال أبو النجم :

عرفتُ رسماً لسعاد ماثلاً

بحيث نامى الحُكَكَاتُ عاقلا

وقال أبو الدقيش الحككات هي ذات حجارة بيض كأنها الأقِط تتكَسر تكسّراً ، وإنما تكون في بطن الأرض.

باب الحاء والجيم

[ح ج]

حج ، جح : مستعملان في الثنائي والمكرر.

حج : قال الليث : الحج : القصد والسير إلى

٢٤٩

البيت خاصة ، تقول حَجَ يَحُجّ حَجّاً قال : والحَجّ قضاء نُسُكِ سنة واحدة. وبعض يكسر الحاء فيقول الحِجّ والحِجَّة وقرىء : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧]. و (حَج البيت) والفتح أكثر.

وقال أبو إسحاق الزجاج في قول الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ) يقرأ بفتح الحاء وكسرها ، والفتح الأصل. تقول : حججت البيت أَحُجّه حَجّا إذا قصدته. والْحِجُ اسم العمل. قال وقوله : (الْحَجُ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧].

معناه : أشهر الحج أشهر معلومات ، وهي شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. وقال الفراء : معناه : وقت الحج هذه الأشهر.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب في قولهم : ما حَجّ ولكنه دَجّ قال : الحجّ : الزيارة والإتيان ، وإنما سمي حاجاً بزيارته بيت الله. وقال دُكَين :

ظلَ يُحَجّ وظللنا نحجبُه

وظلّ يرمي بالحصى مبوِّبُه

قال : والداجّ : الذي يخرج للتجارة.

الحراني عن ابن السكيت : يقال حَجّ حَجّاً وحِجَّاً.

قال المنذري : وسمعت أبا العباس يقول : قال الأثرم وغيره : ما سمعنا من العرب حججت حَجَّة ولا رأيت رَأْية إنما يقولون حججت حِجَّة ولا رأيت رَأْية إنما يقولون حججت حِجَّة. قال والحَجّ والحِجّ ليس عند الكسائي بينهما فُرْقَانٌ ، وغيره يقول : الحَجّ حجّ البيت والحجُ عمل السَّنَة. قال أبو العباس : حججت فلاناً واعتمرته أي قصدته. قال : وقال أبو عبيدة في قول المخبَّل :

وأشهدُ من عوف حُلُولا كثيرة

يَحُجُّون سِبَّ الزبرقان المزعفرا

أي يقصدونه.

وقال غيره حججت فلاناً إذا أتيته مرَّة بعد مرة ، فقيل حجّ البيت لأن الناس يأتونه كل سنة.

أبو عبيد عن الكسائي : كلام العرب كله على فعلت فَعْلة ، إلَّا قولهم : حججت حِجَّة ورأيته رُؤية.

وقال الليث : يقال للرجل الكثير الحج : إنه لحجَّاج بفتح الجيم من غير إمالة.

قال : وكل نعت على فعّال فهو غير ممال الألف ؛ فإذا صيَّروه اسماً خاصّاً تحوّل عن حال النَّعْتِ ودخلته الإمالة كاسم الحجَّاج والعجَّاج. قال والحَجِيج جماعة الحاجّ.

قلت : ومثله غازٍ وغَزِيّ ، وناجٍ ونَجِيّ ونادٍ ونَدِيّ للقوم يتناجَون ويجتمعون في مجلس.

وقال الليث : ذو الحِجّة شهر الحَج. قال : وتقول حَجَ علينا فلان أي قدِم علينا. قال والمَحَجَّة : قارعة الطريق.

وقال ابن بُزُرج : الحَجَوَّج : الطريق يستقيم مرة ويعوجَّ أخرى وأنشد :

أجدُّ أيامك من حَجَوَّجِ

إذا استقام مرة يُعَوَّجِ

وقال الليث : الحِجَّة : شَحْمة الأذن. وقال

٢٥٠

لبيد يذكر نساء :

يَرُضْن صعاب الدُرّ في كل حِجّة

وإن لم تكن أعناقهن عواطلا

قال وقال بعضهم : الحِجّة هاهنا الموسم.

وقيل : في كل حِجَّة أي في كل سنة وجمعها حجج.

عمرو عن أبيه قال الحِجّة : ثُقْبة شحمة الأذن. وقاله ابن الأعرابي أيضاً.

أبو عبيد عن الأصمعي الحجيج من الشَّجَاج : الذي قد عولج ، وهو ضرب من علاجها. قال وقال أبو الحسن الأعرابي : هو أن يُشَجُّ الرجل فيختلط الدم بالدماغ فيُصبَّ عليه السمن المُغْلَى حتى يظهر الدم عليه فيؤخذ بقطنة. يقال منه حججته أحُجُّه حجَّاً.

أبو العباس عن ابن الأعرابي حججت الشَجَّة إذا سبرتها. قال وسمعت ابن الفقعسي يقول حججتها : قِسْتها.

وحكى شمر عنه نحو ذلك. قال وقال ابن شميل : الحجّ أن تفلق الهامة فينظر هل فيها وَكْس أو دم. قال : والوَكْس أن يقع في أُمّ الرأس دم أو عظام أو يصيبها عَنَت. قال وقال الأصمعي : الحج أن تقدح في العظم بالحديد إذا كان قد هُشِم حتى تقلع التي قد جفّت ، ثم يعالج ذاك ، فيقال قد حُجَ حجّاً. وقال أبو ذؤيب :

وصُبّ عليها الطِيبُ حتى كأنها

أَسِيٌّ على أُمّ الدماغِ حجيج

وأخبرني المنذري عن ابن السكيت أنه أنشده :

يحج مأمومة في قعرها لَجَف

فاستُ الطبيب قذاها كالمغارِيد

قال : يحجّ : يصلح ، مأمومة : شجة بلغت أم الرأس.

وقال الليث : الحُجّة : الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة ، وجمعها حُجَج. قلت : وإنما سميت حُجة لأنها تُحَجُ أي تُقصد ؛ لأن القصد لها وإليها. وكذلك مَحَجَّة الطريق هي المقصد والمسلك.

وقال ثعلب : حججته أي قصدته. ومن أمثال العرب : لجّ فحجّ. قال بعضهم : معناه : لجّ فَغَلب مَنْ لاجّه بحُججه.

يقال : حاججته أُحَاجُّه حِجَاجاً ومُحاجَّة حتى حججته أي غلبته بالحجج التي أدليتُ بها. وقيل معنى قوله : لَجَ فحج أنه لجّ وتمادى به لَجَاجة أنه أدَّاه اللجاج إلى أن حجّ البيت الحرام ، وما أُراه أريد إلا أنه هاجر أهلَه بلجاجه حتى خرج حاجَّاً.

وقال الليث : الحِجَاج : العظم المستدير حول العين ، ويقال بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب ، وأنشد قول العجاج :

* إذا حجاجا مقلتيها هجَّجا*

وقال ابن السكيت : هو الحِجَاج والحجاج : العُظيم المطبِق على وَقْبة العين ، وعليه ينبت شعر الحاجب ، وحِجاج الشمس حاجبها وهو قَرْنها. يقال : بدا حِجاج الشمس ، وحَجاجا الجبل : جانباه.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الحُجج الطرق المحَفَّرة. والحُجُج : الجراح المسبورة.

٢٥١

وقال ابن دريد : الحَجَّة : خرزة أو لؤلؤة تعلَّق في الأذن. ويقال للقوم الحُجَّاج : حُجّ وأنشد :

* حُجّ بأسفل ذي المجاز نزول*

وقال أبو عمرو رأس أحجّ صُلب. وقال المرار يصف الركاب في سفر كان سافره :

ضربن بكل سافلة ورأس

أحَجَ كأن مُقْدمَه نَصِيل

جح : ثعلب عن ابن الأعرابي جَحَ الرجل إذا أكل الجُحَ وهو البطِّيخ المُشَنَّج.

وقال ابن دريد الجُحّ : البِطّيخ الصغار ، والحنظل. قال وجَحَ الشيء يَجُحُّه إذا سحبه.

أبو عبيد عن الأصمعي جحجحت عن الأمر وحجحجت أي كففت. وقال العجاج :

* حتى رأى رابئهم فحجحجا*

وقال الجحجوة : النكوص. يقال حَمَلوا ثم حجحجوا أي نكصوا.

وقال أبو عمرو الحجحج : الفَسْل من الرجال وأنشد :

لا تعلقي بحجحج حَيُوس

ضيَّعة ذراعة يَبُوس

أبو عبيد : الجحجاح من الرجال : الكريم. وقال الليث : هو السيد السَمْح وجمعه جحاجحة وجحاجح. وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه مر بامرأة مُجحِ فسأل عنها ، فقالوا : هذه أمة لفلان فقال : أيُلِمّ بها فقالوا نعم. قال لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه في قبره. كيف يستخدمه وهو لا يحلّ له أو كيف يورّثه وهو لا يحلّ له.

قال أبو عبيد معنى المجحّ : الحامل المُقْرِب. قال : ووجه الحديث أن يكون الحمل قد ظهر بها قبل أن تُسْبَى فيقول إن جاءت بولد وقد وطئها بعد ظهور الحمل لم يحل له أن يجعله مملوكاً لأنه لا يدرى لعل الذي ظهر لم يكن حَمْلاً ، وإنما حدث الحمل من وطئه ، فإن المرأة ربما ظهر بها الحمل ثم لا يكون شيأ حتى يحدث بعد ذلك فيقول : لا يدرى لعله ولده وقوله أو كيف يورّثه يقول : لا يدرى لعل الحمل قد كان بالصحة قبل السباء فكيف يورثه.

ومعنى الحديث أنه نهى عن وطء الحوامل حتى يضعن كما قال يوم أَوْطاس : «ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائض حتى تُسْتَبْرَأَ بحيضة»

. وقال أبو زيد : قيس كلها تقول لكل سَبُعة إذا حملت فأقربت وعظم بطنها : قد أَجَحَّت فهي مُجِحّ. قال الليث : أجَحَّت الكلبة إذا حملت فأقربت. وكلبة مُجِحّ والجميع مَجَاحّ.

باب الحاء والشين

[ح ش]

حش ، شح : مستعملان في الثنائي والمكرر.

حش : قال الليث حشَشت النار بالحَطَب أَحُشّها حَشّاً ، وهو ضمّكَ ما تفرق من الحطب إلى النار وأنشد :

تالله لولا أن تَحُشَ الطُّبَّخُ

بي الحجيمَ حين لا مستصرخُ

٢٥٢

يعني بالطُّبَّخ ملائكة العذاب. قال : والنابِل إذا راش السهم فألزق القُذَذ به من نواحيه يقال : حشّ سهمه بالقُذَذ. وأنشد :

أو كمِرِّيخ على شِرْيانة

حَشّه الرامي بظُهْران حُشُر

قال : والبعير والفرس إذا كان مُجْفَر الجنبين يقال : حُشّ ظهرهُ بجنبين واسعين. وقال أبو داود الإيادي يصف فرساً :

من الحارك محشوش

بجنْب جُرشُع رَحْب

وقال شمر في قوله :

* قد حَشّها الليل بعصْلَبيّ*

قال : حشّها : ضمّها. ويَحُشُ الرجل الحطب ، ويَحُشّ النار إذا ضم الحَطَب إليها وأوقدها.

وقال الليث : الحُشَاشة : رَمَق بقيّة من حياة. وقال الفرزدق يصف القُرَاد :

إذا سمعت وَطْء الركاب تَنغَّشَتْ

حُشاشَتها في غير لحم ولا دم

أبو عبيد : الحُشَاشة والذَمَاء : بقيَّة النَفْس.

وقال الليث : الحشِيش : الكلأ ، والطاقة منه حشيشة. والفعل الاحتشاش. وسمعت العرب تقول للرجل : حُشَ فرسَك. ومنه المثل السائر : أحُشُّك وتروثني ، يُضرب مثلاً لمن يسيء إليك وأنت تحسن إليه.

ومعنى أَحُشّك : أَحُشُ لك ، ويكون أحُشّك أعلفك الحشيشَ. ويقال للمِنجَل الذي يُحشّ به الحشيش : مِحَشّ ، أي يُقطع به. ورجل حَشَّاش : يجمع الحشيش. ورجل مِحَشّ حرب إذا كان يؤرّث نارها ، وهذا مَحَشّ صِدْق للبلد الذي يكثر فيه الحشيش. وحَشّ الفرسُ يَحِشُ حَشّاً إذا أسرع ، ومثله ألهب ، كأنه يتوقّد في عَدْوه. وقال أبو داود الإياديّ يصف فرساً :

مُلْهِب حَشُّه كحشّ حريق

وَسْط غاب وذاك منه حِضار

وفي حديث عمر أن امرأة مات زوجها ، فاعتدّت أربعة أشهر وعشراً ، ثم تزوّجت رجلاً ، فمكثت عنده أربعة أشهر ونصفاً ، ثم ولدت ولداً ، فدعا عمرُ نساء من نساء الجاهلية فسألهن عن ذلك ، فقلن : هذه امرأة كانت حاملاً من زوجها الأول ، فلمّا مات حَشّ ولدُها في بطنها ، فلمّا مسّها الزوج الآخر تحرك ولدها. قال : فألحق عمر الولد بالأول.

قال أبو عبيد : قوله : حَشّ ولدُها في بطنها أي يبس. يقال حشَ يَحِشُ. وقد أحشَّت المرأة فهي مُحِشّ إذا فعل ولدها ذلك.

ومنه قيل لليد إذا شَلَّت : قد حَشَّت.

وقال شمر قال ابن شميل : الحُشّ : الولد الهالك في بطن الحاملة ، وإن في بطنها لحُشّاً ، وهو الولد الهالك تنطوي عليه.

وتُهَريق وما عليه. وقوله تنطوي عليه أي يبقى فلا يخرج. قال ابن مقبل :

ولقد غدوتُ على التِجَار بحَسْرة

قلقٍ حشُوش جنينها أو حائلِ

قال وإذا ألقت ولدها يابساً فهو الحشِيش ولا يخرج الحشيش من بطنها حتى يُسطى عليها. وأما اللحم فإنه يتقطع فتبوله

٢٥٣

حضيراً في بولها. والعظام لا تخرج إلّا بعد السطو عليها. وقد أحشّت الناقةُ ، وحَشّ الولدُ. ويقال : حَشّت يدُه تحُشّ وتحِشّ إذا دَقّت وصغرت. واستحشّت مثله. والمستحِشّة من النوق التي دقّت أو ظفتها من عِظَمها وكثرة شحمها ، وحَمُشت سفلتها في رأي العين. يقال استحشّها الشحم وأحشّها. وقام فلان إلى فلان فاستحشّه أي صَغُر معه.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي : الخَلَى : الرَطْب من الحشيش ، فإذا يبس فهو حشيش قال : والمَحَشُ : الذي يجعل فيه الحشيش ويقال له مِحش بكسر الميم.

قلت العرب إذا أطلقوا اسم الحشيش عَنَوا به الحَلِيَّ خاصّة. وهو من أجود علف يصلح الخيل عليه ، وهو من خير مراعي النعم. وهو عُرْوة في الجَدْب ، وعُقْدة في الأزمات ، إلا أنه إذا حالت عليه السنة تغيّر لونه ، واسودّ بعد صفرته ، واجتوته النَعَم والخيل ، إلا أن تُمحِل السنة ولا ينبت البقل. وإذا بدا القوم في آخر الخريف قبل وقوع ربيع بالأرض فظعَنوا منتجعين لم ينزلوا بلداً لا حَلِيَّ فيه. فإذا وقع ربيع بالأرض وأبقلت الرياض أغنتهم عن الحَلِيِّ والصِّلِّيان.

وقال ابن شميل : البقل أجمع رَطْباً ويابساً حشيش وعَلَف وخَلًى.

وقال ابن السكيت : يقال : ألْقت الناقة ولداً حشيشاً إذا يبس في بطنها. قال والحشيش : اليابس من الكلأ.

ولا يقال له وهو رطب : حشيش. ويقال هذه لُمْعَةٌ قد أحشَّت أي أمكنت لأن تُحش ، وذلك إذا يبست. واللُمْعة من الحَلِيِّ ، وهو الموضع الذي يكثر فيه الحَلِيّ. ولا يقال له : لُمْعة حتى يصفرّ أو يبيضّ.

قلت وهذا كله كلام عربيّ صحيح.

وقال ابن المظفر : رُوي في الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يؤتى النساء في محاشّهن بالشين. قال : ورواه بعضهم في محاسّهن قال والمَحَسّة : الدبر.

قلت : كنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأدبار بالمحاشّ ؛ كما يكنى بالحُشُوش عن مواضع الغائط. والحشوش في الأصل جمع الحَشّ وهو البستان من النخل وكانوا يتغوّطون فيها. ومنه حديث طلحة بن عبد الله : أنه قال : إنهم أدخلوني الحَشّ ، وقرّبوا اللُجّ فوضعوه على قَفَيّ فبايعت وأنا مكرَه.

قال أبو عبيد : الحشّ : البستان. وفيه لغتان : حُشّ وحَشّ. وجمعه حِشَّان. قال : وسمّي موضع الخلَاء حُشّاً بهذا ؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين.

وقال شمر : سمعت ابن الأعرابي يقول : الحشّ : حائط نخل ، وجمعه حِشّان.

وقال الليث : يقال : حشَ عليّ الصيد.

قلت : كلام العرب الصحيح : حُشْ عليَّ الصيدَ بالتخفيف ، من حاش يحوش. ومن قال : حششت الصيد بمعنى حُشْته فإني لم أسمعه لغير الليث ، ولست أُبعده مع ذلك من الجواز. ومعناه : ضُمَّ الصيد من

٢٥٤

جانبيه ؛ كما يقال : حُشّ البعيرُ بجنبين واسعين أي ضم ، غير أن المعروف في الصيد الحوش.

عمرو عن أبيه : الحَشَّة : الروضة.

وقال اللحياني : حُشَاشاك أن تفعل ذاك ، وغُنَاماك وحُمَاداك بمعنى واحد. ويقال : حششت فلاناً فأنا أحُشّة إذا أصلحت من حاله. وحششت ماله بمال فلان أي كثّرته. وقال الهذلي :

في المُزَنيّ الذي حششتُ به

مال ضَرِيك تلادُه نَكِد

وقال ابن الفرج : قال الفراء يقال : ألحق الحِسّ بالإسّ. قال وسمعت بعض بني أسد يقول : ألحق الحشّ بالإشّ. قال كأنه يقول : ألحق الشيء بالشيء : إذا جاءك شيء من ناحية فافعل مثله. جاء به أبو تراب في باب الشين والسين وتعاقبهما.

شح : قال الليث : الشُحّ : البخل ، وهو الحرص. يقال : هما يتشاحّان على أمر إذا تنازعاه ، لا يريد كل واحد منهما أن يفُوته. والنعت شحيح ، والعدد أشِحّة.

وقال الله جلّ وعزّ : (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) [الأحزَاب : ١٩] نزلت في قوم من المنافقين كانوا يؤذون المسلمين بألسنتهم في الأمن ، ويعوّقون عند القتال ويَشِحّون عند الإنفاق على فقراء المسلمين. والخير : المال هاهنا.

وقال المفسرون في قول الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ يُوقَ شُحَ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحَشر : ٩] أي من أخرج زكاته ، وعَفّ عن المال الذي لا يحلّ له فقد وُقي شُحّ نفْسه.

وقال الفراء يقال : شحّ يشحّ بكسر الشين من يشحّ. قال وكذلك كل فعيل من النعوت إذا كان مضاعفاً فهو على فَعَل يَفْعِل ، مثل خفيف ، وذفيف ، وعفيف. قال : وبعض العرب يقول : شحّ يَشَحّ وقد شحِحْت نَشَحّ ومثله ضَنّ يَضَنّ فهو ضنين.

والقياس هو الأوّل : ضَنّ يضِن. واللغة العالية ضنّ يَضَنُّ.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي : رجل شَحَاح وشحِيح بمعنى واحد. وأنشد شمر :

إني وتركي ندى الأكرمي

ن وقدحي بكفيّ زنْداً شَحاحا

كتاركة بيضها بالعرا

ء وملبسة بيض أخرى جَناحا

قال الليث : زند شَحَاح إذا كان لا يُورى.

وفي حديث علي رضي‌الله‌عنه حين رأى رجلاً يخطب فقال : هذا الخطيب الشَحْشَح.

قال أبو عبيد قال أبو عمرو ، وهو الماهر بالخطبة الماضِي فيها.

قال أبو عبيد وكل ماضٍ في كلام أو سير فهو شَحْشَح.

وقال الأموي : الشَحْشَح : المواظب على الشيء. قال الطرماح :

كأن المطايا ليلة الخِمْس عُلِّقت

بوَثَّابة تنضو الرواسم شحشح

وقال ذو الرمة :

لدن غدوة حتى إذا امتدَّت الضحى

وحث القطينَ الشحشحانُ المكلّف

يعني الحادي. قال : ويقال : الشحشح :

٢٥٥

البخيل الممسك. وقال الراجز :

* فردّد الهدر وما إن شحشحا*

أي ما بخل بهديره.

وقال شمر : قال ابن الأعرابي رجل شَحْشَح وشَحشاح وشحِيح وشَحْشحان بمعنى واحد. قال ويقال للغَيُور : شَحْشَح. وفلاة شحشح : لا شيء فيها. ورجل شحشح : سيّء الخُلُق. وقال نُصيب :

نُسَيَّة شحشاح غيورٍ يهينه

أخى حذر يَلْهُون وهو مشيح

وقال الليث : شحشح البعير في هديره ، وهو الذي ليس بالخالص من الهدير.

ابن السكيت : هو الشُحّ والشِّحّ. والشُّحّ كلام العرب ، والشِّحّ لغة رديئة. وأرض شَحَاح : لا تسيل إلّا من مطر جَوْد.

وأرض شَحْشَح كذلك. وغراب شَحْشَح : كثير الصوت. وشحشح الصُّرد إذا صات.

قال والشحشح : الفلاة الواسعة قال مُليح :

تجري إذا ما ظلام الليل أمكنها

من السُّرَى وفلاة شحشح جَرَد

وحمار شحشح : خفيف. ومنهم من يقول : شُحْشُح. وقال حُمَيد :

تقدّمها شَحْشَح جائز

لماء قعير يريد القرى

جائز : يجوز إلى الماء.

باب الحاء والضاد

[ح ض]

حض ، ضح : مستعملان.

حض : قال الليث : حض يَحُض حَضاً ، وهو الْحَث على الخير ، والْحِضِّيضَى كالحثِّيثَى. وقول الله تعالى : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر : ١٨] قرأ عاصم والأعمش (وَلا تَحَاضُّونَ) بالألف وفتح التاء. وقرأ أهل المدينة (ولا تحُضّون). وقرأ الحسن (ولا يحضون) وقرأ بعضهم (ولا تُحاضّون) برفع التاء. قال الفراء : وكلٌّ صواب. فمن قرأ (تُحاضّون) فمعناه تحافظون. ومن قرأ (تَحَاضُّونَ) فمعناه : يحضّ بعضكم بعضاً. ومن قرأ (تَحُضّون) فمعناه تأمرون بإطعامه وكذلك (يَحُضّون) ويقال : حضَّضت القوم على القتال تحضيضاً إذا حرّضْتَهم ،

وقال الليث : الحُضُض يتخذ من أبوال الإبل.

وقال أبو عبيد عن اليزيدي هو الْحُضَض ، والْحُضُظُ ، والْحُظظُ ، والحُظَظُ. قال شمر ولم أسمع الضاد مع الظاء إلا في هذا. وهو الحُدُل. سلمة عن الفرّاء : الخذَال. وقال ابن دريد : الْحُضُض والْحُضَض : صَمْغ من نحو الصَبِر والمُرّ وما أشبههما. الليث الحضيض : قَرَار الأرض عند سَفْح الجبل.

أبو عبيد عن الأصمعي : الحَضِيض : القَرَار من الأرض بعد منقطع الجبل وأنشد بعضهم :

الشِّعْر صعب وطويل سُلّمه

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلت به إلى الحضِيض قَدَمُه

يريد أن يعربه فيُعجمُه

٢٥٦

* والشعر لا يسطيعه من يظلمه*

وقال ابن الفرج : يقال احتضضت نفسي لفلان وابْتَضَضْتُها إذا استزدتها.

ضح : قال الليث الضِّحّ : ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض.

وقال أبو الهيثم : الضِّحّ نقيض الظلّ ، وهو نُور الشمس الذي في السماء على وجه الأرض. والشمس هو النُور الذي في السماء يطلع ويغْرب. وأما ضوؤه على الأرض فضِحّ قال وأصله الضِحْيُ فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء فثقّلوها. قالوا : ضحّ. ومثله العبد القِنّ وأصله قِنْي من القِنية.

وقال أبو الهيثم : الضِحّ كان في الأصل الوِضْح ، فحذفنا الواو ، وزيدت حاء مع الحاء الأصلية ، فقيل : الضِحّ. قلت : والصواب أن أصله الضِحْيُ من ضحِيت للشمس.

ومن أمثال العرب جاء فلان بالضحّ والريح إذا جاء بالمال الكثير ، يعنون أنه جاء بما طلعت عليه الشمس وهبَّت به الريح.

وقال الليث : الضَحضاح : الماء إلى الكعبين ، أو إلى أنصاف السُوق. قال : والضحضحة والتضحيح جري السراب.

أبو عبيد : الضحضاح : الماء القليل يكون في الغدير وغيره. والضَحْل مثله. وكذلك المتضحضح. وأنشد قول ابن مقبل :

وأظهر في غُلّان رقد وسيلُه

علاجيم لا ضحلٌ ولا متضحضحُ

وأنشد شمر لساعدة بن جُؤَيَّة :

واستدبروا كل ضحضاح مُدفِّئة

والمحصنات وأوزاعاً من الصِرَم

قال وقال أبو عمرو : ضحضاح كثيرة بلغة هذيل لا يعرفها غيرهم. يقال عليه إبل ضحضاح.

قال الأصمعي : هو مثل الضحضاح ينتشر على وجه الأرض ، قاله في بيت الهذليّ. قال وقال ابن الأعرابي غنم ضحضاح ، وإبل ضحضاح : كثيرة.

وقال الأصمعي : هي المنتشرة على وجه الأرض. ومنه قوله :

تُرَى بيوت وتُرى رماح

وغنم مزنَّم ضحضاح

وضحضح الأمرُ إذا تبيّن.

باب الحاء والصاد

[ح ص]

حص ، صح : مستعملان في الثنائي المكرر.

حص : قال الليث : الحُصَاص : سرعة العَدْو في شدّة. ويقال الحُصَاص : الضُّرَاط.

وروي عن أبي هريرة أنه قال : إن الشيطان إذا سمع الأذان خرج وله حُصَاص. رواه حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن أبي النَجُود.

قال حمّاد : فقلت لعاصم : ما الحُصَاص؟ فقال إذا صَرَّ بأذنيه ومَصَع بذَنَبه وعدا فذلك الحصاص.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعي : الْحُصَاص : شدَّة العَدْو وسرعته.

٢٥٧

قال أبو عبيد : والحُصَاص : الضراط في قول بعضهم. قال وقول عاصم والأصمعيّ أحبّ إليّ.

قلت : والصواب ما قالا.

وقال الليث : الْحُصّ : الوَرْس وإن جمع فحصوص ، يصبغ به. وأنشد بيت عمرو بن كلثوم :

مشعشعة كأن الْحُصّ فيها

إذا ما الماء خالطها سخيفنا

قلت : الْحُصّ بمعنى الوَرْس معروف صحيح. وقد قال بعضهم : الْحُصّ اللؤلؤ. ولست أحُقَّه ولا أعرفه.

وقال الأعشى :

وولَّى عمير وهو كابٍ كأنه

يُطَلّى بحُص أو يُغَشَّى بعِظْلِم

وقال الليث : الحَصّ : إذهاب الشعر سَحْجاً ؛ كما تَحُصُ البَيْضة رأسَ صاحبها.

وفي حديث ابن عمر أن امرأة أتته فقالت : إن بنتي عُرَيِّس ، وقد تمعَّط شعرها وأمروني أن أرجلها بالخَمْر. فقال : إن فعلتِ ذاك فأَلقى الله في رأسها الحاصَّة. قال أبو عبيد الحاصَّة : ما يحُصّ شعرها : يَحلقه كلَّه فيذهب به. وقال أبو قيس بن الأسلت :

قد حصّت البيضة رأسي فما

أطعمُ نوما غير تَهجاع

قال : ومنه يقال : بين بني فلان رحم حاصَّة أي قد قطعوها وحَصّوها ، لا يتواصلون عليها.

وقال الليث : سنة حَصَّاء إذا كانت جَدْبة. وقال الحطَيئة :

جاءت به من بنات الطُور تَحدُره

حَصَّاءُ لم تتَّرك دون العصا شَذَبا

وناقة حصّاء ، إذا لم يكن عليها وَبَر.

وقال الشاعر :

عُلُّوا على شارف صعبٍ مراكبها

حصّاء ليس بها هُلْب ولا وبر

عُلّوا وعُولوا واحد من عَلَّاه وعالاه.

أبو عبيد عن اليزيدي : إذا ذهب الشعر كله قيل : رجل أَحَصّ وامرأة حصّاء.

وقال غيره : ريح حَصَّاء : صافية لا غبار فيها. وقال أبو قيس :

كأن أطراف الولايا بها

في شمأل حَصَّاء زعزاع

ويقال : انحصّ ورقُ الشجر عنه وانحتّ إذا تناثر.

وقال أبو عبيد : من أمثالهم في إفلات الجبان من الهلاك بعد الإشفاء عليه : أُفلت وانحصّ الذنب.

قال ويروى هذا المثل عن معاوية : أنه أرسل رجلاً من غَسّان إلى ملك الروم ، وجعل له ثلاث ديات على أن ينادي بالأذان إذا دخل مجلسه ، ففعل الغسَّاني ذلك ، وعند الملِك بطارقته ، فوثبوا ليقتلوه ، فنهاهم الملِك وقال : إنما أراد معاوية أن أقتل هذا غَدْراً وهو رسول فيفعل مثلَ ذلك بكل مستأمِن منا ، فجهَّزه وردّه ، فلما رآه معاوية قال : أفلت وانحصّ الذنب. فقال كلا إنه لبِهُلبه ، ثم حدَّثه

٢٥٨

الحديث. فقال معاوية : لقد أصاب ، ما أردت غير ذلك وأنشد الكسائي :

جاءوا من المصرين باللصوص

كل يتيم ذي قفاً محصوص

ويقال : طائر أحصّ الجناح ، ورجل أحصّ اللحية ، ورَحيم حصَّاء : مقطوعة.

وقال الليث : الحِصَّة : النصيب ، وجمعها الحِصَص. ويقال تحاصّ القوم تَحَاصَّاً إذا اقتسموا.

أبو عبيد عن اليزيدي : أحصصت القوم : أعطيتهم حصصهم.

وقال غيره : حاصصته الشيء أي قاسمته ، فحصَّني منه كذا يحُصُّني أي صار ذلك حِصَّتي.

قال شمر ورَوَى بعضهم بيت أبي طالب :

* بميزان قسط لا يَحُصّ شعيرة*

قال ومعناه لا ينقص شعيرة.

وقال أبو زيد رجل أحصّ إذا كان نكداً مَشْئوماً. والأحصّ ما ذكره الجعدي فقال :

فقال تجاوزت الأحصّ وماءه

وبطن شُبَيث وهو ذو مترسم

وقال ابن الفرج : كان حَصِيص القوم وبَصِيصهم كذا أي عَدَدهم.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) [يُوسُف : ٥١] لمّا دُعي النسوة فبرَّ أن يوسف قالت : لم يبق إلّا أن يُقبلن عليّ بالتقرير فأقرَّت. فذلك قولها : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) تقول : ضاق الكذب ، وتبيَّن الحق وهذا من قول امرأة العزيز.

وقال غيره : (حَصْحَصَ الْحَقُ) إذا ظهر وبرز.

وقال أبو العباس : الحصحصة : المبالغة.

ويقال : حصحص الرجل إذا بالغ في أمره.

وقال الزجاج : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) برز وتبين.

قال : واشتقاقه في اللغة من الْحصّة أي بانت حِصَّة الحق من حِصَّة الباطل.

وقال الليث : الحصحصة : بيان الحق بعد كتمانه. يقال : حصحص الحق : ولا يقال : حُصْحِص.

وفي حديث سَمُرة بن جُنْدَب أنه أُتي برجل عِنّين ، فكتب فيه إلى معاوية ، فكتب : أن اشترِ له جارية من بيت المال وأدخِلها عليه ليلة ، ثم سَلْها عنه ، ففعل سَمُرة ، فلمَّا أصبح قال له : ما صنعت قال : فَعَلْتُ حتى حصحص فيها.

قال : فسأل الجارية فقالت : لم يصنع شيأ فقال : للرجل خلِّ سبيلها يا محصحص.

قال أبو عبيد : قوله حصحِص : الحصحصة الحركة في الشيء حتى يستمكن ويستقر فيه. ويقال حصحصت التراب وغيره إذا حركته وفحصته يميناً وشمالاً.

وقال حُميد بن ثور يصف بعيراً :

وحصحص في صُمِّ الحصَى ثكناتُه

ورام القيام ساعة ثم صَمَّمَا

قلت : أراد الرجل أن ذكره انشام فيها ، فبالغ حتى قرَّ في مَهْبلها.

وروى أبو عبيد عن أبي عمرو أنه قال :

٢٥٩

الْحَصْحَصة : الذهاب في الأرض.

قال : وقال الأصمعي قَرَب حَصْحاص وحَثْحاث ، وهو الذي لا وتيرة فيه.

وقال أبو سعيد : سير حصحاص : سريع.

أبو عبيد عن الكسائي الحِصْحِص والكَثْكَث كلاهما الحجارة.

شمر عن ابن الأعرابي : بفيه الحصحص أي التراب.

قال وقال أبو خَيرة : الكَثْكَث : التراب.

وفي حديث علي رضى الله عنه أنه قال : لأن أُحصحص في يَدَيَّ جمرتين أحب إليّ من أن أُحصحص كعبتين.

قال شمر : الحصحصة التحريك والتقليب للشيء والترديد.

قال : وقال الفقعسي : يقال تحصحص وتحزحز أي لزِق بالأرض واستوى.

وحصحص فلان ودَهمج إذا مشى مَشْي المقيّد.

وقال ابن شميل ما يُحصحص فلان إلا حول هذا الدرهم ليأخذه.

قال : والحصحصة لزوقه بك وإتيانه إياك وإلحاحه عليك.

الأحَصّ : ماء كان نزل به كليب وائل فاستأثر به دون بكر بن وائل ، فقيل له أَسقِنا ، فقال : ليس فيه فَضْل عنّا. فلما طعنه الجسَّاس استسقاهم الماء ، فقال له جسَّاس : تجاوزت الأحَصّ ، أي ذهب سلطانك عن الأحصّ. وفيه يقول الجعديّ :

وقال لجسّاس أغثني بشَرْبة

تدارك بها طَوْلا عليّ وأنعِم

فقال تجاوزتَ الأحصّ وماءه

وبطنُ شُبَيْث وهو ذو مترسم

صح : قال الليث : الصحّة : ذهاب السقم ، والبراءة من كلّ عيب ورَيْب. يقال : صَحّ يصحّ صحَّة.

وفي الحديث : «الصوم مَصَحّة» بفتح الصاد ، ويقال : مَصِحَّة بكسر الصاد. قال : والفتح أعلى ، يعني يُصَحّ عليه.

أبو عبيد عن الأصمعي : صحَاح الأديم وصحيحه بمعنى واحد. وجمع الصحيح أصحاء مثل شحيح وأشحاء. وصحّحت الكتاب والْحساب تصحيحاً إذا كان سقيماً فأصلحت خطأه وأتيت فلاناً فأصححته وجدته صحيحاً. وَأرض مَصَحَّة : لا وباء فيها ، ولا يكثر فيها العلل والأسقام.

وصَحاح الطريق : ما اشتد منه ولم يسهل ولم يُوطأ.

وقال ابن مقبل يصف ناقة :

إذا وجّهت وجهَ الطريق تيمّمت

صَحاح الطريق عِزَّة تَسَهَّلا

وأصحَ القومُ إذا صحَّت مواشيهم من الجَرَب والعاهة.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يُورِدنَّ ذو عاهة على مَصِحّ». وقال الليث : الصَحْصَح والصحصحان : ما استوى وجَرِد من الأرض. والجميع الصحاصح.

شمر عن ابن شميل : الصَحْصَح ، الأرض

٢٦٠