تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

وحَرَام أي محرم. وأما قول زهير :

* وكم بالقَنان من مُحلّ ومحرم*

فإن بعضهم فسَّره وقال : أراد : كم بالقنان من عدو يرى دمي حلالاً ، ومن محرم أي يراه حراماً. ويقال المحلّ : الذي يحلّ لنا قتاله ، والمحرم : الذي يحرم علينا قتاله. ويقال : المُحِلّ : الذي لا عهد له ولا حرمة ، والمحرم : الذي له حرمة. ويقال للذي هو في الأشهر الحرم : مُحرم ، وللذي خرج منها مُحِلّ. ويقال للنازل في الحرم : مُحرم ، وللخارج منه مُحِلّ. وذلك أنه ما دام في الحرم يَحرم عليه الصيد والقتال وإذا خرج منه حل له ذلك.

عمرو عن أبيه قال الحُلّة القُنْبُلانيّة وهي الكَرَاخة.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسُّه النار إلّا تَحِلَّة القَسَم».

قال أبو عبيد : معنى قوله : «تحِلّة القسم» قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريَم : ٧١] قال : فإذا مرّ بها وجازها فقد أبرّ الله قسمَه.

وقال غير أبي عبيد : لا قسم في قوله جلّ وعزّ : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) فكيف يكون له تَحِلّة وإنما التحلّة للأَيمان. قال : ومعنى قوله «إلا تحلة القسم» إلا التعذير الذي لا يَنْدَاهُ منه مكروه. ومثله قول العرب : ضربته تحليلاً ، ووعظته تعذيراً ، أي لم أبالغ في ضربه ووعظه. وأصل هذا من تحليل اليمين وهو أن يحلف الرجل ، ثم يستثني استثناه متِّصلاً باليمين غيرَ منفصل عنها. يقال : آلى فلان ألِيّة لم يتحلّل فيها ، أي لم يستثن ، ثم يجعل ذلك مثلاً للتقليل. ومنه قول الشاعر :

* نجائب وقعهن الأرضَ تحليلُ *

أي قليل هيّن يسير. ويقال للرجل إذا أمعن في وعيد أو أفرط في فخر أو كلام : حِلّا أبا فلان ، أي تحلَّل في يمينك ، جعله في وعيده إياه كاليمين. فأمره بالاستثناء. ويقال أيضاً : تحلّل فلان من يمينه إذا خرج منها بكفّارة أو حِنْث يوجب الكفّارة. ويقال : أعطِ الحالف حُلّان يمينه. وقال امرء القيس :

* عَلَيَّ وآلت حَلْفة لم تَحَلّل *

وقال :

* غذاها نمير الماء غيرَ محلِّل *

قال الليث غير محلل غير يسير. قال : ويحتمل هذا المعنى أن يقول : غذاها غِذاء ليس بمحلِّل أي ليس بيسير ، ولكنه غذاء مَرِيء ناجع. قال : ويروى : غير مُحَلَّل ، أي غير منزول عليه فيكدّره ويفسده.

وقال أبو الهيثم غير محلَّل يقال : إنه أراد ماء البحر أي أن البحر لا يُنزل عليه ؛ لأن ماءه زُعَاق لا يذاق فهو غير محلَّل أي غير منزول عليه. قال : ومن قال : غير محلَّل أي غير قليل فليس بشيء ؛ لأن ماء البحر لا يوصف بالقلة ولا بالكثرة لمجاوزة حدّه الوصف.

وروي عن عمر أنه قضى في الأرنب إذا قتله المحرم بحُلَّان. وفسّر في الحديث أنه

٢٨١

جَدْي ذكر.

وروي عن عثمان أنه قضى في أم حُبَيْن بحُلّان ، وفسر في الحديث أنه الحَمَل. وقال الليث : الحُلّان : الجَدْي الذي يُبقر عنه بطن أمه.

أبو عبيد عن الأصمعي قال ولد المعزى حُلَامٌ وَحُلّان وأنشد :

تُهْدَى إليه ذراعُ الْجَفْر تكرمة

إمّا ذبيحاً وإمّا كان حُلّانا

قال : والذبيح : الكبير الذي قد أدرك أن يضَحّى به.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الحُلَّام والحلّان واحد ، وهو ما يولد من الغنم صغيراً. وهو الذي يَخُطُّون على أُذُنه إذا وُلد خطّاً ، فيقولون : ذكّيناه ، فإن مات أكلوه.

وقال أبو تراب قال عَرَّام : الحُلّام : ما بَقَرْت عنه بطنَ أمه ، فوجدته قد حَمَّم وشَعَّر فإن لم يكن كذلك فهو غَضِين. وقد أغضنت الناقة إذا فعلت ذلك.

وقال أبو سعيد : ذُكر أن أهل الجاهليّة كانوا إذا ولَّدوا شاة عَمَدوا إلى السَخْلة فشرطوا أذنه ، وقالوا وهم يشرطون : حُلّان حَلّان أي حَلَال بهذا الشرط أن يؤكل. فإن مات كانت ذكاته عندهم ذلك الشرط الذي تقدم وهو معنى قول ابن أحمر. قال ويسمى حُلَانا إذا حُلّ من الرِّبْق ، فأقبل وأدبر.

وقال ابن شميل : الحُلّان : الحَمَل.

وروى سفيان عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن عباس يقول : هي حِلّ وبِلّ يعني زمزم. فسئل سفيان ما حِلّ وبِلّ؟ قال : حِلّ محلَّل.

قلت : ويقال : هذا حِلّ لك وحلال ، كما يقال لضده : حِرْم وحرام أي محرّم.

وروى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه قال : البِلّ المباح بلغة حمير.

وقال ابن شميل : أرض مِحلال ، وهي السهلة اللّينة. ورَحَبة محلال أي جيدة لمحلّ الناس ، وروضة محلال إذا أكثر القوم الحلول بها.

وقال ابن الأعرابي في قول الأخطل :

* وشربتها بأريضة مِحلال*

قال الأريضة المخصبة : قال : والمحلال : المختارة للحِلّة والنزول ، وهي العَذَاة الطيبة.

الليث : الحليل والحليلة : الزوجان ، سُميّا به لأنهما يُحلّان في موضع واحد.

والجميع الحلائل.

وقال أبو عبيد : سمّيا بذلك لأن كل واحد منهما يُحالّ صاحبه. قال : وكل من نازلك أو جاورك فهو حليلك أيضاً. وأنشد :

ولست بأطلس الثوبين يُصبي

حليلته إذا هدأ النيام

قال : لم يرد بالحليلة هاهنا امرأته ، إنما أراد جارته ، لأنها تحالّه في المنزل. قال ويقال : إنما سميت الزوجة حليلة ، لأن كل واحد منهما مَحَلّ إزار صاحبه.

وقال الليث : يقال حَلْحلت بالإبل إذا قلت لها حَلْ بالتخفيف وأنشد :

٢٨٢

قد جعلت ناب دكين ترحل

أخرى وإن صاحوا بها وحلحلوا

قال ويقال : حلحلت القوم إذا أزلتهم عن موضعهم.

وقال أبو عبيد : يقال ما يتحلحل عن مكانه أي ما يتحرك. وأنشد :

* ثَهْلان ذو الهَضَبات ما يتحلحل *

يقال : تحلحل إذا تحرك وذهب ، وتلحلح إذا قام فلم يتحرك.

وفي الحديث أن ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلحلحت عند بيت أبي أيوب ووضعت جِرَانها أي أقامت وثبتت. وأصله من قولك ألَحَّ يُلَحّ. وألحَّت الناقة إذا بركت فلم تبرح مكانها.

وقال أبو عبيد : الحُلاحل : الركين مجلسه ، والسيد في عشيرته. وجمعه حَلاحِل.

قال امرؤ القيس :

يا لهف نفسي إن خطِئن كاهلا

القاتلين الملك الحُلَاحِلا

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كسا عليّاً حُلَّة سَيِراء. السِّيَراء : برود يخالطها حرير.

وقال شمر : وقال خالد بن جَنَبة : الحُلَّة : رداء وقميص تمامها العمامة. قال : ولا يزال الثوب الجيد يقال له في الثياب حُلَّة ، فإذا وقع على الإنسان ذهبت حُلَّته حتى يجمعن له ، إما اثنان وإما ثلاثة. وأنكر أن تكون الحُلّة إذاراً ورداء وحده. قال : والحُلّل : الوَشْي : والحِبَرة والَخَّز والقز والقُوهيّ والمَرْدِيّ والحرير. قال : وسمعت اليمامي يقول : الحُلّة : كل ثوب جيّد جديد تلبسه ، غليظ أو رقيق ولا يكون إلّا ذا ثوبين.

وقال ابن شميل : الحُلّة : القميص والإزار والرداء ، لا أقلَّ من هذه الثلاثة.

وقال شمر : الحُلّة عند الأعراب ثلاثة أثواب. قال وقال ابن الأعرابي : يقال للإزار والرداء : حُلّة ، ولكل واحد منهما على انفراده : حُلّة.

قلت : وأمّا أبو عبيد فإنه جعل الحُلّة ثوبين.

وروى شمر عن القَعْنَبيّ عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نضرة عن عبادة بن نُسيٍّ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير الكفن الحُلّة ، وخير الضحِيّة الكبش الأقرن».

وقال أبو عُبَيد : الحُلل : بُرُود اليمن من مواضع مختلفة منها. قال والحُلّة إزار ورداء ، لا تسمى حُلّة حتى تكون ثوبين. قال : وممّا يبين ذلك حديث عمر : أنه رأى رجلاً عليه حُلّة قد ائتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى فهذان ثوبان. وبعث عمر إلى مُعَاذ بن عفراء بحُلَّة فباعها ، واشترى بها خمسة أرؤس من الرقيق فأعتقهم ، ثم قال : إن رجلاً آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء لغبين الرأي. أراد بالقشرتين الثوبين.

قلت : والصحيح في تفسير الحُلّة مَا قال أبو عبيد ، لأن أحاديث السلف تدلّ على ما قال.

وقال الليث : الإحليل : مخرج اللبن من طُبْي الناقة وغيرها.

قلت : وإحليل الذكر ثَقْبه الذي يخرج منه

٢٨٣

البول وجمعه الأحاليل.

وقال الليث : وغيره : المَحَالّ : الغنم التي ينزل اللبن في ضروعها من غير نَتَاج ولا ولادٍ ، الواحدة مُحِلّ : يقال أحلّت الشاة فهي مُحِلّ.

وقال الأصمعي : أحل المالُ فهو يُحِلّ إحلالاً إذا نزل دَرّه حينَ يأكل الربيع. يقال : شاة مُحِلّ.

أبو عبيد عن الفراء : إذا كان في عرقوبي البعير ضعف فهو أحَلّ وبه حَلَل. وذئب أحل وبه حَلَل ، وليس بالذئب عَرَج وإنما يوصف به لَخْمع يؤنَس منه إذا عدا.

وقال الطرماح :

يُحيل به الذئب الأحلّ وقُوته

ذواتُ المرادِي من مَنَاقٍ ورُزَّح

وقال أبو عمرو : الأحَلّ : أن يكون منهوس المؤخّر أرْوح الرجلين.

وقال أبو عبيدة : فرس أحَلّ ، وحَلَلُه ضعف نَسَاه ورخاوة كعبيه.

وفي الحديث : أَحِلّ بمن أحَلّ بك.

قال الليث : من ترك الإحرام وأحلّ بك فقاتلك.

وفيه قول آخر ، وهو أن المؤمنين حُرّم عليهم أن يَقتل بعضهم بعضاً ، أو يأخذ بعضهم مال بعض ، فكلّ واحد منهم مُحْرِم عن صاحبه.

يقول : فإذا أحَلّ رجل ما حُرّم عليه منك فادفعه عن نفسك بما تهيّأ لك دفعُه به من سلاح وغيره ، وإن أتى الدفُع بالسلاح عليه. وإحلال البادىء ظلم ، وإحلال الدافع مباح. وهذا تفسير الفقهاء. وهو غير مخالف لظاهر الخبر.

وقال الليث أرض محلال وروضة محلال إذا أكثر القوم الحلول بها.

قلت لا يقال لها : محلال حتى تُمرِع وتخصب ويكون نباتها ناجعاً للمال.

وقال ذو الرمة :

* بأَجرع محلال مَرَبّ محلَّل *

حَلْحَلة : اسم رجل.

أبو عبيد عن الأصمعي يقال للناقة إذا زجرتها : حَلْ جزم ، وحلٍ منون ، وحَلِي جزم لا حليت.

وفي الحديث «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المحلِّل والمحلَّل له». وهو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثاً فيتزوجها رجل ، بشرط أن يطلّقها بعد موافقته إياها ؛ لتحلّ للزوج الأول.

وكل شيء أباحه الله فهو حلال ، وما حرّمه فهو حرام.

ويقال : أحل فلان أهله بمكان كذا وكذا إذا أنزلهم. وحلّ الرجل من إحرامه يحِلّ إذا خرج من حُرْمهِ وأحَلّ لغة ، وكرهها الأصمعي وقال : أحَلّ إذا خرج من شهور الحرم أو من عهد كان عليه. ويقال للمرأة تخرج من عِدَّتها : قد حَلَّت تَحِلّ حلّا. وأحلّ الرجل بنفسه إذا استوجب العقوية. ثعلب عن ابن الأعرابي : حُلّ إذا سُكن وحَلَ إذا عدا. ولبس فلانٌ حُلّته أي سلاحه.

أبو زيد حللت بالرجل وحَلَلته ، ونزلت به ونزلته.

٢٨٤

وقال ابن الأعرابي : الحَلّ : الشَيْرَج.

لح : قال الليث : الإلحاح : الإقبال على الشيء لا يَفْتُر عنه. وتقول هو ابن عمّ لَحٍ في النّكرة وابن عمّي لَحّا في المعرفة. وكذلك المؤنث والاثنان والجميع بمنزلة الرجل الواحد.

وقال أبو عبيد مثل ذلك سواء.

الحراني عن ابن السكيت : كل ما كان على فَعِلَتْ ساكنة التاء من ذوات التضعيف فهو مدغم ، نحو صمّت المرأةُ وأشباهها ، إلّا أحرفاً جاءت نوادر في إظهار التضعيف ، نحو لحِحَت عينُه إذا التصقت. ومنه يقال هو ابن عَمّي لحَّا وهو ابن عمّ لَحٍ ، وقد مَشِشَت الدابَّة ، وصكِكَت ، وقد ضَبِب البلد أو أكثر ضِبابُه وألِلَ السقاء إذا تغيَّرت ريحه ، وقَطِط شعره.

أبو عبيد عن أبي عمرو : تلحلح القومُ بالمكان إذا ثبتوا به. ومنه قوله :

لحَيّ إذا قيل ارحلوا قد أُتيتمو

أقاموا على أثقالهم وتلحلحوا

قال : وأما التحلحل : فالتحرك والذهاب.

أبو عبيد عن الأصمعي : المِلحاح : الرجل الذي يَعَضّ. وألَحَ القَتَب على ظهر البعير إذا عقره ، وألحّ الرجلُ على غَرِيمه في التقاضي إذا واظب ، وألحّت الناقة ، وألحّ الجمل إذا لزما مكانهما. فلم يبرحا كما يَحرُن الفرس.

وأنشد :

* كما ألحّت على رُكبانها الخُور*

وروي عن الأصمعي : يقال حَرَن الدابة وألحّ الجمل ، وخلأت الناقة. قال : والمُلِحّ : الذي يقوم من الإعياء فلا يبرح. قلت : وأجاز غيره ألحَّت الناقة إذا خَلأت وأنشد الفراء لامرأة دَعت على زوجها بعد كبره :

تقول وَرْيا كلّما تنحنحا

شيخاً إذا قلّبته تلحلحا

قال ويقول الأعرابي إذا سئل ما فعل القوم؟ يقول : تلحلحوا أي ثبتوا. ويقال : تحلحلوا أي تفرقوا.

قال وقولها في الأرجوزة تلحلحا أرادت : تحلحلا فقلبت. أرادت أن أعضاءه تفرّقت من الكبر.

أبو سعيد : لحّت القرابة بيني وبين فلان إذا صارت لِحّا ، وكلّت تِكلّ كلالة إذا تباعدت. ووادٍ لاحّ أي ضيق بالأشِب من الشجر. ومكان لِحح : لاحّ.

وفي حديث ابن عباس في قصة إسماعيل وأمّه هاجر وإسكان إبراهيم إياهما مكة : والوادي يومئذٍ لاحّ أي كثير الشجر.

قال الشماخ :

* بخوصاوين في لِحح كنين*

أي في موضع ضيق يعني مقَرّ عني ناقته.

ورواه شمر : والوادي يومئذ لاخ بالخاء. وقد فسر في موضعه.

باب الحاء والنون

[ح ن]

حن ، نح : [مستعملان].

حن : قال الليث : الحِنّ : حَيّ من الجنّ ،

٢٨٥

يقال : منهم الكلاب السود البُهم. يقال : كلب حِنّي.

ثعلب عن سلمة عن الفراء قال : الحِنّ : كلاب الجنّ. رُوي ذلك عن ابن عباس. وقال غيره ، هم سَفِلة الجن.

عمرو عن أبيه المحنون : الذي يُصرع ثم يُفيق زماناً.

وقال الليث : حنين الناقة على معنيين. حنينها : صوتُها إذا اشتاقت إلى ولدها. وحنينها نزاعها إلى ولدها من غير صوت.

وقال رؤبة :

حَنَّتْ قَلوصِي أمس بالأُرْدُنّ

حِنِّي فما ظُلِّمت أن تحنِيّ

وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي في أصل أسطوانة جِذْع في مسجده ، ثم تحوّل إلى أصلِ أخرى ، فحنّت إليه الأولى ، ومالت نحوه حتى رجع إليها ، فاحتضنها فسكنت.

وقال أبو الهيثم : يقال للسهم الذي يصوّت إذا نَفَّزْتَه بين إصبعيك : حَنَّان. وأنشد قول الكميت :

فاستل أهزع حنّانا يعلّله

عند الإدامة حتى يرنو الطرِب

إدامته : تنفيزه. يعلّله : يغنّيه بصوته. حتى يرنو له الطرب : يستمع إليه وينظر متعجّباً من حسنه. قال أبو الهيثم : والحَنّان الذي يحِنّ إلى الشيء.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : الحَنّان من أسماء الله بتشديد النون بمعنى الرحيم.

قال : والحَنَان بالتخفيف : الرحمة. قال : والحَنَان : الرزق ، والحَنَان : البركة. والحَنَان الهيبة ، والحَنَان : الوقار.

أبو عبيد عن الأموي : ما نرى لك حَنَاناً أي هيبة.

وقال الليث : الحَنَان : الرحمة ، والفعل التحنُّن. قال : والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) [مريَم : ١٣] أي رحمة من لدنا.

قلت : والحَنَّان من أسماء الله تعالى ، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح. وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه ؛ لأنه ذهب به إلى الحنين ، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى ، وإنما معنى الحنّان : الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة.

وقال شمر الحَنِين بمعنيين. يكون بمعنى النِزاع والشوق من غير صوت ، ويكون الصوتَ مع النزاع والشوق. يقال : حنّ قلبي إليه ، فهذا نزاع واشتياق من غير صوت ، وحَنَّت الناقة إلى أُلَّافها فهذا صوت مع نِزاع. وكذلك حَنَّت إلى ولدها. وقال الشاعر :

يعارضْن مِلواحا كأن حنينها

قبيل انفتاق الصبح ترجيع زامر

وأما قولهم : حنانك وحنانيك فإن الليث قال : حنانيك يا فلان افعل كذا أو لا تفعل كذا تذكّره الرحمة والبِرّ. وقال طرفة :

* حنانيك بعض الشر أهون من بعض*

وقال أبو إسحاق في قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) [مريم : ١٢ ، ١٣]

٢٨٦

أي وآتيناه حناناً. قال : والحَنَان : العطف والرحمة. وأنشد :

فقالت حنان ما أتى بك هاهنا

أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف

أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :

ويمنحها بنو شَمَجى بن جَرْم

مَعِيزهم حنانك ذا الحنان

يقول رحمتك يا رحمن فأغنني عنهم.

وقال الفراء في قوله تعالى : و (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) الرحمة ، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك.

قلت : وقولهم : حنانيك معناه : تحنّن عليّ مرة بعد أخرى ، وحناناً بعد حنان ، وأذكِّرك حناناً بعد حنان. ويقال : حَنّ عليه أي عطف عليه ، وحنّ إليه أي نزع إليه.

وقال أبو إسحاق : الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف.

وقال الليث : بلغنا أن أمّ مريم كانت تسمّى حَنّة.

قال : والاستحنان : الاستطراب. وعُود حنّان مطَرِّب.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : حَنّة الرجل : امرأته : وهي طَلّته.

عمرو عن أبيه : هي حَنّته وكَنِينته ، ونَهْضته ، وحاصَفَتْه وحاضنته.

وقال الليث : الحُنّة : خِرقة تلبسها المرأة فتغطّي رأسها.

قلت : هذا حاقّ التصحيف الوحش. والذي أراد : الخَبّة بالخاء. وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال : الخَبِيبة : القطعة من الثوب. وروينا لأبي عبيد عن الفراء أنه قال الخَبة : الخرقة تخرجها من الثوب فتعصِب بها يدك ، يقال خَبّة وخُبّة وخَبِيبة.

قلت : وأما الحُنّة بالحاء والنون فلا أصل له في باب الثياب. ومن أمثال العرب : لا تعدم أدماء من أُمّها حَنّة يضرب مثلاً للرجل يُشبه الرجل.

قلت : والحَنّة في هذا المثل : العطفة والشفقة والحَيْطة.

وقال أبو زيد : يقال : ماله حانّة ولا جارّة. فالحانة : الإبل التي تَحِنّ إلى أوطانها. والجارّة : الحَمُولة تحمل المتاع والطعام. وفي بعض الأخبار أن رجلاً أوصى ابنه فقال : لا تتزوجنّ حنانة ولا منانة.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : قال رجل لابنه : يا بُنيّ إيّاك والرَقُوبَ الغضوب ، الأنّانة الخنّانة والمنّانة.

قال : والحَنَّانة : التي كان لها زوج قبله فهي تذكُره بالتحزّن والأنين والحنين إليه.

الحراني عن ابن السكيت : قال : الحَنُون من النساء : التي تتزوّج ، رِقّة على ولدها إذا كانوا صغاراً ليقوم الزوج بأمرهم.

ومن أمثال العرب : حنّ قِدْح ليس منها ، يضرب مثلاً للرجل ينتمي إلى نسب ليس منه ، أو يدّعي ما ليس منه في شيء.

٢٨٧

ويقال رجع فلان يخُفَّيْ حُنَين. يضرب مثلاً لمن يرجع بالخيبة في حاجته. وأصله أن رجلاً جاء إلى عبد المطلب بن هاشم وعليه خُفّان أحمران ، وقال له : أنا ابن أسَد بن هاشم ، فقال له عبد المطلب : لا وثيابِ هاشم ، ما أرى فيك شمائل هاشم ، فارجع راشداً ، فانصرفَ خائباً. وكان يقال : حُنَين ، فقيل رجع بخُفي حُنين.

وحُنَين : اسم وادٍ ، به كانت وقعة أوْطاس. وقد ذكره الله في كتابه فقال : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) [التوبة : ٢٥].

وروى سلمة عن الفراء وابن الأعرابي عن المفضل أنهما قالا : كانت العرب في الجاهلية تقول لجمادي الآخرة : حَنِين ، وصُرف لأنه عُني به الشهر.

أبو عبيد عن الأصمعي يقال : ما تَحُنُّني شيأ من شرّك أي ما تردّه.

وقال شمر : ولم أسمع تَحُنُّنِي بهذا المعنى لغير الأصمعي. ويقال حُنّ عنا شرّك أي اصرفه ، والمجنون من الحقّ : المنقوص. يقال ما حننتك شيأ من حقّك أي ما نقصتك. والحَنِين للناقة ، والأنين للشاة. يقال : ماله حانّة ولا آنّة ، أي ما له شاة ولا بعير. وخِمْسُ حَنّان أي بائص.

وقال الأصمعي : أي له حَنِين من سرعته.

والحَنّان : اسم فَحْل من فحول خيل العرب معروف.

ويقال : حَمَل فحنّن كقولك : حمل فهلّل إذا جَبُن.

[نحن ـ نح] : كلمة يراد بها جمع أنا وهي مرفوعة.

وقال ابن دريد : حِنْح زجر للغنم.

أبو العباس عن ابن الأعرابي حَنْحَن إذا أشفق. ونحنح إذا ردّ السائل ردّاً قبيحاً.

أبو عبيد عن الأحمر فلان شحيح نحيح أبيح. جاء به في باب الإتباع.

وقال الليث النحنحة : التنخنح ، وهو أسهل من السُعال. وهي عِلّة البخيل وأنشد :

يكاد من نحنحة وأحّ

يحكي سُعَال الشرق الأبحّ

٢٨٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المنهج العام لكتاب تهذيب اللغة

١ ـ يتَّبع مخارج الحروف. وتأليفها :

ع ح ه خ غ / ق ك / ج ش ض / ص س ز / ط د ت / ظ ذ ث / ر ل ن / ف ب م / و ا ي.

وقد نظمها أبو الفرج سلمة بن عبد الله المعافري في قوله :

يا سَائِلِي عَنْ حُرُوفِ العَيْنِ دُوْنَكَهَا

في رُتْبَةٍ ضَمَهَّا وَزْنٌ وإِحْصَاءُ

العَيْنُ والحَاءُ ثُمَّ الهَاءُ والخَاءُ

والغَيْنُ والقَافُ ثُمَّ الكَافُ أَكْفَاءُ

والجيْمُ والشِّيْنُ ثُمَّ الضَّادُ يَتْبَعُهَا

صَادٌ وسِيْنٌ وَزايٌ بَعْدَهَا طَاءُ

والَّدالُ والتَّاءُ ثُمَّ الظَّاءُ مُتَّصِلٌ

بِالظَّاءِ ذَالٌ وثَاءٌ بَعْدَهَا رَاءُ

واللَّامُ والنُّوْنُ ثُمَّ الفَاءُ والبَاءُ

والمِيْمُ والوَاوُ والمَهْمُوْزُ واليَاءُ

٢ ـ يجري نظام أبواب الكتاب على الوجه التالي : أولاً : المضاعف.

ثانياً : أبواب الثلاثي الصحيح.

ثالثاً : أبواب الثلاثي المعتل.

رابعاً : أبواب اللفيف.

خامساً : الرباعي مرتباً على أبوابه.

سادساً : الخماسي بدون أبواب.

٢٨٩
٢٩٠

فهرست الابواب اللغوية للجزء الثالث من تهذيب اللغة

باب العين والنون.............................................................. ٥

باب العين والفاء............................................................. ١٥

باب العين والباء............................................................. ١٥

كتاب الثلاثي المعتل من حرف العين

باب العين والهاء............................................................. ١٦

باب العين والخاء............................................................. ١٨

باب العين والقاف........................................................... ١٨

باب العين والكاف.......................................................... ٢٦

باب العين والجيم............................................................ ٣٠

باب العين والشين من معتل العين.............................................. ٣٥

باب العين والضاد........................................................... ٤٣

باب العين والصاد........................................................... ٥٠

باب العين والسين........................................................... ٥٥

باب العين والزاي............................................................ ٦٢

باب العين والطاء............................................................ ٦٥

باب العين والدال............................................................ ٦٩

باب العين والتاء............................................................. ٩١

باب العين والظاء............................................................ ٩٣

أبواب العين والذال........................................................... ٩٣

باب العين والثاء............................................................. ٩٦

باب العين والراء............................................................. ٩٨

٢٩١

باب العين واللام........................................................... ١١٧

باب العين والنون........................................................... ١٢٨

باب العين والفاء........................................................... ١٤١

باب العين والباء........................................................... ١٤٩

باب العين والميم............................................................ ١٥٤

باب الفيف العين.......................................................... ١٦٣

كتاب الرباعي من حرف العين............................................... ١٦٨

باب العين والحاء........................................................... ١٦٨

باب العين والهاء............................................................ ١٦٨

باب العين والخاء من الرباعي................................................. ١٧٥

باب العين والقاف......................................................... ١٧٦

باب العين والكاف......................................................... ١٩٢

باب العين والجيم........................................................... ١٩٩

باب العين والشين.......................................................... ٢٠٨

باب العين والضاد.......................................................... ٢١٠

باب العين والصاد.......................................................... ٢١٢

باب العين والسين.......................................................... ٢١٦

أبواب العين والطاء......................................................... ٢٢٢

باب العين والدال.......................................................... ٢٢٣

باب العين والتاء........................................................... ٢٢٧

أبواب العين والذال......................................................... ٢٣٠

باب العين والتاء........................................................... ٢٣١

٢٩٢

باب العين والراء وما بعدها من الحروف....................................... ٢٣٢

باب خماسي حرف العين.................................................... ٢٣٥

كتاب حرف الحاء من تهذيب اللغة

أبواب مضاعف الحاء....................................................... ٢٤١

باب الحاء والقاف.......................................................... ٢٤١

باب الحاء والكاف من المضاعف............................................. ٢٤٨

باب الحاء والجيم........................................................... ٢٤٩

باب الحاء والشين.......................................................... ٢٥٢

باب الحاس والضاد......................................................... ٢٥٦

باب الحاء والصاد.......................................................... ٢٥٧

باب الحاء والسين.......................................................... ٢٦١

باب الحاء والزاي........................................................... ٢٦٥

باب الحاء والدال........................................................... ٢٦٩

باب الحاء والتاء............................................................ ٢٧٢

باب الحاء والظاء........................................................... ٢٧٣

باب الحاء والذال........................................................... ٢٧٣

باب الحاء والثاء............................................................ ٢٧٤

باب الحاء والراء............................................................ ٢٧٥

باب الحاء واللام........................................................... ٢٧٩

باب الحاء والنون........................................................... ٢٨٥

٢٩٣