تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

وقال الليث : العَقْوة : ما حوالي الدار والمحَلَّة يقال ما بَعقوة هذه الدار مثل فلان.

وتقول ما يَطُورُ أحد بعَقْوة هذا الأسد ، ونزلت الخيل بعقوة العدوّ.

قال : والرجل يحضر البئر فإذا لم يَنْبِط الماءُ من قعرها اعتقى يَمْنَة ويَسْرة ، وكذلك يشتق الإنْسَانُ الكلام فيعتقي فيه ، والعاقي كذلك ، وقلّما يقولون : عقا يعقو ، وأنشد بعضهم :

ولقد دَرِبْتُ بالاعتقا

ء والاعتقام فنلتُ نُجْحا

وقال رؤبة :

بشَيْظميّ يفهم التفهيما

ويعتقي بالعُقم التعقيما

وقال غيره : معنى قوله : ويعتقي بالعُقم التعقيم معنى يعتقي أي يحبس ويمنع بالعَقَم التعقيم أي بالشرّ الشرّ.

قلت أنا : أمّا الاعتقام في الحفر فإن الأصمعيّ فسّره أن الحافر إذا احتفر البئر فإذا قرب من الماء احتفر بئراً صغيرة في وسطها بقدر ما يجد طعم الماء ، فإن كان عذباً حفر بَقِيتَها ، وأنشد :

* إذا انتحى معتقِما أو لجَّفا*

وقد فسّرت هذا في بابه. وأمّا الاعتقاء بمعنى الاعتقام فما سمعته لغير الليث.

وقال الليث : العِقْيان : ذهب ينبت نباتاً ، وليس مما يستذاب من الحجارة.

وقال غيره : هو الذهب ، وروى عمرو عن أبيه : العِقْيان : الذهب.

وفي «النوادر» : يقال : ما أدري من أين عُقيتُ ولا من أي طُبيتُ ، واعتُقيتُ وأُطُّبيتُ ، ولا من أين أُتِيتُ ولا من أين اغتُيِلْت بمعنى واحد.

قلت : وجه الكلام : اغْتِلْت.

وعق : في حديث عمر أنه ذُكر له بعضُ الصحابة فقال : وعْقَةٌ لَقِسٌ.

قال أبو عبيد : الوعقة من الرجال الذي يضجر ويتبرّم مع كثرة صَخَب وسوء خلق.

وقال رؤبة :

* قتلا وتوعيقا على من وعَّقا*

قال شمر : التوعيق : الخلاف والفساد.

وقال الفراء : الوَعْقة : الخفيف.

وقال أبو عبيدة : الوَعْقة الصَّخَّابة.

وقال ابن الأعرابي : الوعِق : السيّء الخلق الضيّق ، وأنشد قول الأخطل.

موطَّأ البيت محمود شمائله

عند الحَمَالةِ لاكزُّ ولا وَعِقُ

قلت : وهذا كله مما جمعه شمر في تفسير هذا الحديث.

وقال الليث : يقال رجل وَعْقة لعْقة وهو النَّكِدُ ، ورجل وعِق ؛ فيه حرص ، ووقوع في الأمر بجهل. وإنه لوعِق لعِق ، قال رؤبة :

* مخافة الله وأن يوعَّقا*

أي مخافة أن يقال له : إنك وعِق قال : وأمّا عِيّق فمن أصوات الزجر ، يقال عيّق في صوته.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الوَعِيق

٢١

والرَعِيق والوُعاق والرُعاق : الصوت الذي يسمع من بطن الدابة. وهو صوت جُرْدَانهِ إذ تقلقل في قُنْبه.

وقال الليث : يقال منه : وَعَق يَعِقُ وهو صوت يخرج من حَيَاء الدابّة إذا مشت ، قال : هو الخقيق من قُنْب الذكر ، قال : ويقال له : عُواق ووُعَاق ، وهو العويق والوعيق ، وأنشد :

إذا ما الركبُ حَلَّ بدار قوم

سمعت لها إذا هَدَرت عُوَاقا

قلت أنا : جميعُ ما قال الليث في الوعيق والخفيق خطأ ؛ لأن الوعيق والوُعَاق : صوت الجُرْدَان إذا تقلقل في قُنْب الحِصَان ، كما قال ابن الأعرابي وأبو عبيدة ، وأمّا الخقيق فهو صوت الحياء إذا هُزلت الأنثى لا صوت القُنْبِ. وقد أخطأ فيما فسَّر.

قعا : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نهى أن يُقْعِيَ الرجل في صلاته.

قال أبو عبيد : قال أبو عُبيدة : الإقعاء : أن يُلصِق الرجل أليتيه بالأرض ، وينصِب ساقيه ، ويضع يديه بالأرض.

قال أبو عبيد : وأمّا تفسير الفقهاء فهو أن يضع أليته على عقبيه بين السجدتين ، كما يروى عن العبادلة يعني عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن مسعود.

قال أبو عبيد : وقول أبي عبيدة أشبه بكلام العرب ، وهو المعروف ، كما يُقْعي الكلب ، وليس الإقعاء في السباع إلّا كما قال أبو عبيدة.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أكل مقعياً ، وهو كما فسره أبو عبيدة.

وقال الليث : القعا : رَدَّةٌ في رأس الأنف وذلك أن تُشرف الأرنبة ثم تقعى نحو القَصَبة يقال : قَعِيَ الرجل يَقْعَى قعاً ، وأقعت أرنبته وأقعى أنفُه. ورجل أقعى وامرأة قعواء.

قال : وقد يُقعى الرجل كأنه متساند إلى ظهره ، والذئب والكلب يقعى كلّ واحد منهما على استه.

وقال ابن شميل : الإقعاء : أن يجلس الرجل على وركيه ، وهو الاحتفاز والاستيفاز.

وقال الليث : القَعْو : شبه البَكَرة يَسْتَقي عليها الطيّانون.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي : الخُطّاف الذي تجري البكرة فيه إذا كان من حديد ، فإن كان من خشب فهو القَعْو.

وأنشد غيره :

إن تمنعي قعوك أمنع محوري

لقعو أخرى حسنٍ مُدوّر

والمِحْور : الحديدة التي تدور عليها البكرة.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : القَعْو خَدّ البكرة ، والقَعْو : أصل الفخذ ، وجمعه القُعَى. قال : والعُقَى : الكلمات المكروهات. ورجل قَعُوُّ الألْيتين إذا لم يكن منبسطهما ، وأقعى الفرسُ إذا تقاعس

٢٢

على أقتاره ، وامرأة قَعْوى ورجل قَعْوان.

أبو عبيد عن الأصمعي : إذا ضرب الجمل الناقة قيل : قعا عليها قُعُوّاً ، وقاع يقوع مثله ، وهو القُعُوّ والقَوْع. ونحوَ ذلك قال أبو زيد.

وقال الليث يقال قاعها وقعا يقعو عن الناقة وعلى الناقة ، وأنشد :

* قاعَ وإن يَترك فَشْول دُوَّخُ*

قوع : قال الله جلّ وعزّ : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) [النُّور : ٣٩].

قال الفراء : القِيعة : جمع القاع كما قالوا : جار وجيرة. قال والقاع : ما انبسط من الأرض. وفيه يكون السراب نصف النهار.

وقال أبو الهيثم : القاع : الأرض الحُرَّة الطينِ التي لا يخالطها رمل فيشربَ ماءها ، وهي مستوية ليس فيها تَطامن ولا ارتفاع ، وإذا خالطها الرمل لم تكن قاعاً ؛ لأنها تشرب الماء فلا تمسكه.

وقال الليث : القاع : أرض واسعة سهلة مطمئنَّة ، قد انفرجت عنها الجبال والآكام. يقال : هذه قاع ، وثلاث أقْوُع ، وأقواع كثيرة. ويجمع القِيعة والقيعان.

وهو ما استوى من الأرض لا حَصَى فيه ولا حجارة ولا يُنبت الشجر وما حواليه أرفع منه ، وهو مصبّ المياه وتصغّر قُويعة فيمن أَنَّث ، ومن ذَكَّر قال : قويع ، ودلّت هذه الواو أن ألفها مرجعها إلى الواو ، قال والقُوَاعُ الذكر من الأرانب.

روى أبو العبَّاس عن ابن الأعرابي قال : القُوَاعة : الأرنب الأنثي.

وقال الليث : تَقوّع الحِرْباء الشجرة إذا علاها ، كما يتقوّع الفحلُ الناقة.

وقال أبو زيد : القَوَّاع : الذئب الصيّاح ، والقَبَّاعُ : الخنزير الجبان.

وقال الأصمعي : قاعة الدار : ساحتها. وكذلك باحتها وصرْحَتُها.

وقال الأصمعي : يقال : قاعٌ وقيعان ، وهي طين حُرّ يُنبت السِدْر ، ويقال أقواع ، ويقال قِيعةٌ وَقِيعٌ ، وهو ما استوى من الأرض ، وما حواليه أرفع منه ، وإليه مصبّ المياه.

وقال ابن الأعرابي : قِيعة وَقِيعٌ. ويقال : قاعٌ وقِيعة جماعة وأقواع.

وقال ذو الرّمة :

وودَّ عن أقواع الشماليل بعدما

ذَوَى بقلُها أحرارها وذكورها

قلت : وقد رأيت قِيعان الصَّمَّان وأقمت بها شَتْوتين الواحد منها قاع وهي أرض صُلْبة القفاف ، حُرّة طينِ القيعان ، تُمسك الماء وتُنبت العُشْبَ. وربّ قاع منها يكون ميلا في ميل وأقلّ من ذلك وأكثر ، وحوالي القيعان سُلْقان وآكام في رؤوس القفاف ، غليظة ، ينصبّ مياهها في القيعان ، ومن قيعانها ما ينبت الضالَ فترى فيها حَرَجات منها ، ومنها مالا يُنبت ، وهي أرض مَريئة إذا أعشبت ربَّعت العربَ أجمع.

وقع : تقول العرب وقع ربيع بالأرض يقع وقوعاً لأوّل مطر يقع في الخريف.

ويقال : سمعت وَقْع المطر ، وهو شدّة

٢٣

ضربه الأرض إذا وَبَل.

ويقال : سمعت لحوافر الدواب وَقْعاً ووقوعاً. ووقع القول والحكم إذا وجب.

قال الله جل وعز : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) [النمل : ٨٢] معناه إذا وجب أخرجنا لهم دابّة من الأرض.

وقال جلّ وعزّ : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) [الأعرَاف : ١٣٤] معناه : لما أصابهم ونزل بهم. ويقال للإبل إذا بركت ، والدوابّ إذا رَبَضت : قد وقعت ووقَّعت ، وطائر واقع إذا كان على شجر أو مَوْكِن.

وقال الأخطل :

كأنما كانوا غراباً واقعا

فطار لما أبصر الصواقعا

والنسر الواقع : كوكب ، سمّي واقعاً لأن بحذائه النسر الطائر حده ما بين النجوم الشأميّة واليمانية ، وهو معترِض غير مستطيل ، وهو نيّر ، ومعه كوكبان غامضان وهو بينهما وقّاد ، كأنهما له كالجناحين قد بسطهما وكأنه يكاد يطير ، وهو معهما معترِض مصطّف ، ولذلك جعلوه طائراً ، وأمّا الواقع فهي ثلاثة كواكب كالأثافي ، فكوكبان مختلفان ليسا على هيئة النسر الطائر فهما له كالجناحين ، ولكنهما منضّمان إليه كأنه طائر وقع

وقال الليث : الوَقْعة في الحرب : صَدْمة بعد صدمة ، والاسم الوقيعة ، يقال وقع بهم وأوقع بهم في الحرب. والمعنى واحد ، وإذا وقع قوم بقوم قيل : واقعوهم ، وأوقعوا بهم إيقاعاً ، ووقائع العرب : أيّام حروبهم ، والوِقَاع : المواقعة في الحرب.

وقال القطامي :

* ومن شهد الملاحم والوِقاعا*

والوِقَاع أيضاً : مواقعة الرجل امرأته إذا باضعها وخالطها.

ويقال : وقع فلان في فلان ، وقد أظهر الوقيعة فيه إذا عابه. والواقعة : النازلة من صُرُوف الدهر ، والواقعة : اسم من أسماء يوم القيامة.

قال الله جلّ وعزّ : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقِعَة : ١ ، ٢].

وقال أبو إسحاق : يقال لكل آت يتوقّع : قد وقع الأمر ، كقولك قد جاء الأمر ، قال والواقعة ههنا : الساعة والقيامة ، قال : والتوقّع تنظُّر الأمر. يقال : توقّعت مجيئه وتنظّرته.

وقال الليث : التوقيع : رمى قريب لا تباعده ، كأنك تريد أن توقعه على شيء وكذلك توقيع الإزكَانِ تقول : وَقِّعْ. أي ألقِ ظنّك على شيء.

أبو عبيد عن أبي عمرو : المُوَقَّع : البعير الذي به آثار الدَّبَر.

وقال الليث : التوقيع : سَحْج بأطراف عظام الدابّة من الركوب ، وربما تحاصّ عنه الشعر فنبت أبيض ، وأنشد :

* ولم يُوَقَّعْ برُكوبٍ حَجَبُه*

وقال ابن الأنباري : توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب : أن يجمل بين تضاعيف سطوره مقاصِد الحاجة ويحذف الفُضُول.

٢٤

وهو مأخوذ من توقيع الدَّبَر ظهر البعير ، فكأن الموقع في الكتاب يُؤَثِّر في الأمر الذي كتب الكتاب فيه ما يؤكّده ويوجبه.

وقال أبو عبيد : الوَقْعُ : المكان المرتفع ، وهو دون الجبل.

وقال شمر : كذلك قال ابن الأعرابي.

قال : وقال غيرهما الوَقْع : الحَصَى الصغار ، واحدها وَقْعة.

وقال ابن شميل : أرض وقِيعة : لا تكاد تَنْشَفُ الماءَ من القِيعان وغيرها من القفاف والجبال.

قال : وأمكنة وُقُع بيّنة الوَقَاعة.

قال : وسمعت يعقوب بن مَسلمة الأسَديّ يقول : أوقعت الروضة إذا أمسكت الماء.

وأنشدني فيه :

* مُوقِعة جَثْجَاثُها قد أَنْوَار*

أبو عبيد عن الأحمر قال : الوَقِعُ : الذي يشتكي رِجْله من الحجارة ، والحجارة الوَقَعُ ، وأنشد شمر :

يا ليت لي نعلين من جلد الضبع

وشُرَكاً من استهالا تنقطع

كلَّ الحذاء يحتذي الحافي الوَقِعْ والوقَع والحَفَا والوَقَى واحد.

وقال الذبياني في الوَقَع بمعنى الحجارة :

بَرَى وَقَعَ الصَّوَّان حَدَّ نُسُورِها

فهنّ لطاف كالصِّعَادِ الذوابل

وقال رؤبة في الوَقَع بمعنى الحفا :

* لا وَقَعٌ في نعله ولا عَسَم*

ومعنى قوله : كلَّ الحذاء يحتذي الحافي الوقِع ، يقول : إن الحاجة تحمل صاحبها على التعلّق بكل ما قَدَر عليه.

قلت : ونحو منه قولهم : الغريق يتعلّق بالطحلب.

والعَسَمُ : انتشار في رُسْغ اليد. ويقال : وَقِعَت الدابة تَوْقَع إذا أصابها داء ووجع في حافرها من وَطْ ، على غلظ. والغلظ هو الذي بَرى حدّ نسورها.

وقال الليث في قول رؤبة :

* يركب قيناه وقيعا ناعلا*

الوقيع الحافر المحدّد كأنّه شُحذ بالأحجار ، كما يوَقّع السيف إذا شُحِذ.

وقال غيره : الوقيع : الحافر الصلب ، والناعل : الذي لا يحفى كأن عليه نعلا.

وقال الليث : يقال : وقّعته الحجارة توقيعاً ، كما يُسَنّ الحديد بالحجارة.

أبو عبيد عن الأصمعي : الوقيعة : النُّقْرة في الجبل يَسْتَنْقِع فيها الماءُ. وجمعها وقائع.

وقال الليث : إذا أصاب الأرضَ مطر متفرّق أصاب وأخطأ فذلك توقيع في نبتها.

أبو عبيد عن الكسائيّ : وَقَعتُ الحديدة أَقَعُها وَقْعاً إذا حَدَدتها.

وقال الأصمعيّ : يقال ذلك إذا فعلته بين حجرين.

وقال أبو وَجْزة :

حرَّى موقّعة ماج البنانُ بها

على خِضَمّ يُسَقَّى الماءَ عجَّاج

أراد بالحَرَّى المِرْماة العطشى.

٢٥

وقال الليث : التوقيع إقبال الصيقل على السيف يحدّده بِميقعة ، يقال : سيف وقيع ، وربما وُقِّع بالحجارة ، ووقّعَت الحجارةُ الحافَر فقطَعت سنابكه توقيعاً ، واستوقع السيفُ إذا أَنى له الشحذُ ، قال : وتسمى خشبة القَصّار التي يُدَقّ عليها بعد غَسْلٍ مِيقَعة ، والاستيقاع شبه التوقيع.

أبو عبيد عن أبي زيد : مَوْقِعَةُ الطائر : الذي يقع عليه ، وجمعها مواقع.

وقال شمر : يقال : مَوْقِعَة ومَوْقَعة للمكان الذي يعتاد الطير إتيانه ، قال : ومِيقعة البازي مكان يألفه فيقع عليه وأنشد :

كأن متنية من النَّفِيِ

مواقعُ الطير على الصُّفيّ

شبّه ما انتشر من ماء الاستقاء بالدَّلْوِ على متنيه بمواقع الطير على الصفا إذا ذرقت عليه.

وقال الليث : المَوْقع : موضع لكل واقع ، وتقول : إن هذا الشيء ليقع من قلبي موقِعاً ، يكون ذلك في المسرَّة والمساءة ، قال : والتوقيع في الكتاب : أن يُلحق فيه شيئاً بعد الفراغ منه. والتوقيع بالظنّ والكلام : الرمي يعتمده ليقع عليه وَهْمُه.

أبو عبيد عن الكسائي : كويته وَقَاعِ وهي الدائرة على الجاعرتين ، ولا تكون الإرادة حيث كانت وقال قيس بن زهير :

وكنتُ إذا مُنيتُ بخصم سَوْءٍ

دَلَفت له فأكوِيه وَقَاعِ

وقال شمر : كواه وَقَاعِ إذا كوى أمّ رأسه.

وقال المفضل : بين قرني رأسه ، يقال : وقعته أَقَعه إذا كويته تلك الكَيَّة. والإيقاع ألحان الغناء ، وهو أن يُوقِعَ الألحانَ ويَبْنيها ، وسَمّى الخليل كتاباً من كتبه في ذلك المعنى : كتاب «الإيقاع».

الفراء : طريق موقَّع : مذلَّل ، ورجل موقَّع : منجَّذ.

الأصمعي : التوقيع في السير : شبيه بالتلقيف وهو رفعه يديه إلى فوق. ووقّع القوم توقيعاً إذا عرّسوا.

وقال ذو الرمة :

* إذا وَقعوا وَهْنا أنا خوامطيهم*

والوقعة : حيّ من بني سعد بن بكر ، وأنشد الأصمعيّ :

* من عامر وسَلُول أو من الوَقَعهْ *

أبو عبيد عن أبي زيد : وَقَعت بالقوم في القتال وأوقعت.

ابن هانىء عن أبي زيد : يقال لغِلاف القارورة : الوَقْعَةُ والوِقَاع ، والوِقَعَة للجميع.

وقال ابن شميل : الواقع : الرجل الذي ينقُر الرحى ، وهم الوَقَعَة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الوَقْع : المكان المرتفع وهو الجبل.

أبو العباس عن ابن الأعرابي يقال : قُع قُع إذا أمرته بالسياحة والتعبّد في القيعان والقفار ، ولُع لُع إذا أمرته بتعهّد لَوْعيه وهم الأسودان حول الثديين.

باب العين والكاف

٢٦

ع ك [وا يء]

عكا ، عوك ، كعا ، كوع ، وعك ، وكع : مستعملات.

عكا : أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي : قال : العَكْوة : أصل الذَنَب بفتح العين رواه لنا ، قال : فإذا تعطّف ذَنَبُه عند العَكْوة وتعقّد قيل : بعير أعكى.

وقال : برذون مَعْكو : معقود الذنب. قال : والعَكْواء من الشاء : التي ابيضّ ذنبها وسائرها أسود قال ولو استعمل الفعل في هذا القيل عَكِي يَعْكَى فهو أعكى. قال : ولم أسمع ذلك.

وأقرأني الإياديّ لأبي عُبيد عن الأحمر قال : العُكوة : أصل الذنب ، بضم العين.

قلت : هما لغتان عُكوة وعَكْوة.

وقال الليث : عكوْت ذنب الدابة عَكْواً إذا عطفته وعقدته.

أبو عمرو : العاكي : الغزَّال الذي يبيع العُكَا جمع عُكوة ، وهي الغَزْل الذي يخرج من المِغزل قبل أن يُكَبَّب على الدَجَاجة وهي الكُبَّة. والعاكي : الميت يقال عكا وعكّى إذا مات.

قال : والعاكي : المولَع بشرب العُكيَ وهو سَوِيق المَقل.

أبو عبيد عن الفراء قال : العَكِيُ من اللبن : المحض.

وقال شمر : العَكِيُ : الخاثر. وأنشد قول الراجز : وشربتان من عَكِيّ الضَأن

أحسنُ مسّاً في حوايا البطن

من يَثْرِبيّات قِذاذ خُشْن

قال شمر : النِّيءُ من اللبن ساعة يحلب ، والعَكِيُ بعد ما يَخْثُر.

ويقال : عكا بإزاره يعكو إذا شدّه قالصا عن بطنه لئلّا يسترخي لضخم بطنه ، وقال ابن مقبل :

* ثم مخاميص لا يعكون بالأُزُر*

يقول ليسوا بعظام البطون فيرفعوا بآزرهم عن البطون ولكنهم لطافي البطون.

وقال الفراء : هو عَكْوان من الشحم وامرأة مَعْكِيَّة.

ويقال : عكوته في الحديد والوِثاق عَكْواً إذا شددته.

وقال أمُيِّة يذكر مُلْك سليمان صلوات الله عليه :

أيُّما شاطنٍ عصاه عكاهُ

ثم يُلْقَى في السجن والأغلال

شمر يقال للرجل إذا مات : عَكّى وَقَرَضَ الرباط.

وقال ابن السكيت : المِعكاء على مفعال : الإبل المجتمعة يقال : مائة معكاء. وقد عكت تعكو إذا غلظت واشتدَّت من السمن. قال : ورَوَى أبو عبيدة بيت النابغة :

الواهب المائة المعكاء زيّنها الَّ

عدانُ يُوضِحُ في أوبارها اللِبَدِ

يوضح : يبين في أوبارها إذا رُعِيَ ، فقال : المائة المعكاء هي الغلاظ الشداد لا يثنى ولا يجمع.

٢٧

وقال أوس :

الواهب المائة المعكاء يشفعها

يوم الفِضال بأخرى غيرَ مجهود

وقال الفراء : العاكي : الشادُّ. وقد عكا إذا شدّ ، ومنه عَكْو الذنب ، وهو شدّه.

عوك : أبو عبيد عن أبي زيد : عاك عليه يَعُوك عَوْكاً إذا كرَّ عليه ، وكذلك عكمَ يَعْكِم وعَتَك يَعْتِك.

وقال المفضل : عاك على الشيء أقبل عليه. والمَعَاك : المذهب. يقال : ما له مَعَك أي مذهب.

وقال أبو زيد : يقال : عُوكِي على ما في بيتك إذا أعياكِ بيت جارتك أي كرِّي على بيتك.

ثعلب عن ابن الأعرابي : لقِيته عند أول صَوْك ويَوْك أي عند أوّل كل شيء.

سَلَمة عن الفراء قال : العائك : الكسوب ، عَاك معاشه يَعُوكُه عَوْكاً ومَعَاكاً.

وقال ابن الأعرابي : يقال : عُسْ مَعَاشك وعُك معاشك معاساً ومعاكاً. والقوْسُ : إصلاح المعيشة.

كعا : ثعلب عن ابن الأعرابي : كعا إذا جبن ؛ عمرو عن أبيه قال : الكاعي : المنهزم ، وقال ابن الأعرابي أيضاً : الأكعاء : الجبناء ، قال : والأعكاءُ العُقد.

كوع : قال أبو عبيد سمعت الأصمعيّ قال : يقال : كاعٌ وكُوعٌ في اليد.

وقال ابن السكيت : الكوعُ والكاع : طَرَف الزَنْد الذي يلي أصل الإبهام. يقال : أحمق يمتخط بكوعه. وقال غيره الكرسوع : طرف الزند الذي يلي الخنصر. وقال الليث : الكوع : طرف الزند الذي يلي الإبهام وهو أخفاهما والكَاع : طرف الزند الذي يلي الخنصر وهو الكرسوع. قلت : والقول في الكُوع والكُرْسوع هو القول الأوّل.

قال الليث : ويقال للذي يعظم كاعُه : أكواع ، كوعاء للأنثى. وأنشد :

* دواخسٌ في رُسغِ غيرِ أكوعا*

والمصدر الكَوَع. قال : وتصغير الكاع كُويع ، والكَوَع أيضاً : يبس في الرسغين ، وإقبال إحدى اليدين على الأخرى : بعير أكوع ، وناقة كوعاء وقد كَوِع كَوَعاً.

وقال أبو زيد : الأكوع : اليابسِ اليدِ من الرسغ ، الذي أقبلت يده نحو بطن الذراع. والأكوع من الإبل : الذي قد أقبل خُفُّه نحو الوظيف ، فهو يمشي على رُسغه ، ولا يكون الكوَع إلّا في اليدين. وقال غيره : الكَوَع التواء الكوع. يقال للكلب : هو يَكُوع في الرمل إذا مشى على كُوعه يمشي في شقّ. والكَوَع في الناس إذا تعوّج الكفّ من قِبَل الكُوع ، وقد تكوّعت يدُه ، وكاع يَكُوع إذا مشى على كُوعه.

وكع : وقال الليث : الوَكَع : مَيَلان في صدر القدم نحو الْخِنصر. وربما كان ذلك في إبهام اليد الرجُل أوكع وامرأة وكعاء. وأكثر ما يكون ذلك للإماء اللواتي يُكْدَدن في العمل. قال : ويقال : الأوكع والوكعاء للأحمق والحمقاء.

٢٨

ثعلب عن ابن الأعرابي : في رُسغه وكَع وكوعٌ إذا التوى كُوعه.

أبو نصر عن الأصمعيّ : الكَوَع : أن تقبل إبهام الرِّجْل على أخواتها إقبالاً شديداً حتى يظهر عظم أصلها ، وقال أبو زيد : الوَكَع في الرِّجل : انقلابها إلى وحشيّها. والكوَع في اليد : انقلاب الكوع حتى يزول فيرى شخصٌ أصله خارجا. وقال غيره : الوَكَع : ركوب الإبهام على السّبابة من الرِجْل ـ يقال : يا ابن الوكعاء واللكاعة اللؤم ، والوكاعة : الشدّة : وقال الليث : فرس وكيع إذا كان شديد الإهَاب صُلْباً. وقد وكُع وَكَاعة. وسِقَاء وكيع : غليظ صلب ، ومزاد وكيعة وهي التي قُوّرت فأُلقي ما ضعف من الأديم وبقي الجيّد فخرِز. واستوكع السقاءُ إذا مَتُن واشتدَّت مخارزه بعدما سُرِّب. وأنشد الأصمعيُّ بيت الفرزدق يصف فرساً :

ووفراءَ لم تُحْرَز بسيرٍ وكيعةٍ

غدوت بها طَبّاً يدي برشائها

وقال ابن السكّيت : وفراء وافرة يعني فرساً أنثى. وكيعة : وثيقة الخلق شديدة. يقال قد أسمن القوم وأوكعوا إذا سمِنت إبلهم ، وغلظت من الشحم واشتدَّت. وكل وثيق شديد فهو وكيع. يقال : دابّة وكيع ، وسِقَاء وكِيع إذا كان محكمَ الجِلْد والخَرز. ويقال : استوكعت معدته إذا اشتدت وقويت.

أبو عبيد عن الكسائي : لدغته العقرب ووكعته وكَوَته. وقال غيره : المِيكع : المَالَقَةُ التي يسوَّى بها خُدَدُ الأرض المكروبة وقال جرير :

جُرَّت فتاةُ مجاشع في مِنقر

غيرَ المراء كما يجرّ الميكع

أبو عمرو الوَكْع الحلْبُ وأنشد :

لأنتم بوكع الضأن أعلم منكُم

بقرع الكماة حيثُ تُبْغَى الجرائم

قال : ووكعت الدجاجة إذا خضعت عند سفاد الديك. وأوكع القوم : قلَّ خيرهم.

وقال أبو الجهم الجعفري : وَكَعْتَ الشاة إذا نَهَزْتَ ضرعها عند الحلب. قال : وقالت العنز : احْلُبْ ودع ، فإن لك ما تدع. وقالت النعجة : احلب وَكَع. فليس لك ما تدع أي انهز الضرع واحلب كل ما فيه.

وعك : قال الليث : الوعْك : مَغْثُ المرض.

تقول : وعكته الحمّى إذا دكّته. ورجل موعوك أي محموم وقد وعَكته الحمّى تَعِكُه.

أبو عبيد عن الأصمعيّ وعكته الحمّى فهو موعوك مثله.

وقال ابن الأعرابي : الممغوث والموعوك : المحموم.

وقال الليث : الكِلَاب إذا أخذت الصيد أوعكته أي مرّغته. قال : والوَعْكة : معركة الأبطال إذا أخذ بعضهم بعضاً. وقد أوعكت الإبلُ إذا ازدحمت فركب بعضها بعضاً عند الحوض ، وهي الوَعْكَة.

أبو عبيد عن أبي زيد : إِذا ازدحمت الإبل في الوِرد ، واعتركت فتلك الوَعْكة ، وقد أوعكت الإبلُ.

٢٩

وقال أبو عمرو : وَعْكة الإبل : جماعتها قال : والوعْكة : الدفعة الشديدة في الجري.

أبو عبيد عن أبي عمرو العكوَّك : السمين.

باب العين والجيم

ع ج [وا ىء]

عجا ، عوج (يعيج) جعا ، جوع ، وجع : مستعملات.

عجا : قال الليث : يقال الأمّ تعجو ولدَها : تؤخّر رضاعه عن مواقيته ، ويورث ذلك ولدها وَهْناً وقال الأعشى :

مُشفِقاً قلبُها عليه فما تع

جوه إلا عُفَافَةٌ أو فُواق

قال : والمعاجاة : ألَّا يكون للأم لبن يُروِي صبيّها ، فتعاجيه بشيء تعلّله به ساعة. وكذلك إن ولي ذلك منه غير أمّه.

والاسم منه العُجْوَة ، والفعل العَجْو. واسم ذلك الولد العَجِيُ ، والأنثى عجِيَّة ، والجميع العُجايا.

قال : وأمَّا من مُنع اللبن فغُذي بالطعام يقال عُوجِيّ.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال : يقال للبن الذي يعاجي به الصبي اليتيم أي يُغْذي به عُجَاوة ، ويقال لذلك اليتيم الذي يغذي بغير لبن أمه : عَجِيُ.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : كنت يتيماً ولم أكن عجِيّاً.

وأنشد الليث :

إذا شئتَ أبصرتَ من عَقْبهم

يتامى يُعاجَون كالأذؤب

وقال آخر في وصف أولاد الجراد :

إذا ارتحلتْ من منزل خلّفت به

عَجايا يُحاثِي بالتراب صغيرُها

أبو عبيد : العُجاية والعُجاوة لغتان ، وهما قدر مُضغة من لحم تكون موصولة بعَصَبة تنحدر من ركبة البعير إلى الفِرْسِن.

وقال أبو عمرو : العُجاية : عَصَبة في باطن يد الناقة ، وهي من الفَرَس مَضِيغة.

وقال ابن شميل : العُجاية من الفَرَس : العَصَبة المستطيلة في الوظيف ومنتهاها إلى الرسغين وفيها يكون الحَطْم ، قال : والرُسْغ : منتهى العُجاية.

وقال الليث : العُجاية : عَصَب مركّب فيه فُصوص عظام يكون عند رُسغ الدابّة ، قال : وإذا جاع أحدهم دَقَّها بين فهرين فأكلها وقال كعب

* شُمّ العُجَايات يتركن الحصى زِيَمَا*

قال : وتجمع على العُجَى ، يصف حوافرها بالصلابة. والعَجْوة : تمر. يقال هو مما غرسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده.

قلت : العَجْوة التي بالمدينة هي الصَيْحابية. وبها ضروب من العجوة ليس لها عُذُوبة الصيحانية ولا رِيّها ولا امتلاؤها.

أبو سعيد : عجا شَدْقَه إذا لواه.

وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الشيخي عن الرياشي قال : قال أبو زيد : العَجِيّ : السَيء الغِذَاء.

وأنشدنا :

يسبق فيها الحَمَلَ العجِيّا

رَغْلا إذا ما آنس العِشّيا

٣٠

قال الرياشي : وقال الأصمعي : قال لنا خلف الأحمر : سألت أعرابياً عن قولهم عجا شِدْقَهُ فقال : إذا فتحه وأماله. وقال الطِرمّاح يصف صائداً له أولاد لا أمّهات لهم فهم يعاجَون تربية سيّئة :

إن يصب صيداً يكن جُلُّه

لعجايا قُوتُهم باللِّحام

وقال شميل : يقال : لقى فلان ما عَجَاه وما عَظَاه وما أورمه إذا لقي شدَّة وبلاءً.

عوج : الحرانيّ عن ابن السكيت : يقال : ما أعِيج من كلامه بشيء أي ما أعْبأ به. قال : وبنو أسَد يقولون : ما أَعُوج بكلامه أي ما ألتفِت إليه أخذوه من عُجت الناقة. ويقال ما عِجْتُ بَخَبرِ فلان ولا أعيج به ، أي لم أستشفِ به ولم أسْتَيْقِنُه ، وشربت شربة من ماء فما عِجْتُ به أي لم أنتفع به. وأخبرني المنذري عن ابي العباس عن ابن الأعرابي أنه أنشده :

ولم أر شيئاً بعد ليلى ألَذُّه

ولا مشربا أَرْوَى به فأعيجُ

أي أنتفع به.

وقال ابن الأعرابي : يقال : ما يعيج بقلبي شيء من كلامك ، وقال في موضع آخر : عاج يَعُوج إذا عَطَف. وعاج يعيج إذا انتفع بالكلام وغيره. ويقال : ما عِجْتُ منه بشيء ، قال : والعَيْج : المنفعة.

عمرو عن أبيه قال : العِياج : الرجوع إلى ما كنتَ عليه. ويقال ما أَعُوج به عُووجاً. وقال : ما أعيج به عُيُوجاً أي ما أكترث له ولا أباليه.

وقال الليث العَوْج : عطف رأس البعير بالزمام أو الحِطام. تقول : عُجْت رأسه أعُوجه عَوْجاً : قال : والمرأة تعوج رأسها إلى ضجيعها.

وقال ذو الرمّة يصف جواريَ قد عُجْن إليه رؤوسهنّ يوم ظَعْنهن فقال :

حتى إذا عُجْن من أجيادهنّ لنا

عَوْج الأخِشَّة أعناق العناجيج

أراد بالعناجيج جِيَاد الرِكاب ههنا ، واحدها عُنْجوج ، ويقال لجياد الخيل عناجيج أيضاً.

ويقال عُجْته فانعاج أي عطفته فانعطف.

وقال غيره : يقال : عاج فلان فرسه إذا عطف رأسه ومنه قول لَبيد :

* فعاجوا عليه من سواهِمَ ضُمَّرٍ*

سلمة عن الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً * قَيِّماً) [الكهف : ١ ، ٢] معناه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيِّماً ولم يجعل فيه عوجاً. وفيه تأخير أريد به التقديم. وقال في قوله : (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً * لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧].

قال : والعِوَج ـ بكسر العين ـ في الدين ، وفيما كان التعويج فيه يكثر مثل الأرض ومثل قولك : عُجت إليه أَعُوج عِيَاجا وعوَجاً.

وأنشد :

قفا نسأل منازل آل ليلى

متى عِوَج إليها وانثناء

٣١

قال : وقوله جلّ وعزّ : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) [طه : ١٠٨] أي يتبعون صوت الداعي للحشر لا عوج له يقول : لا عِوَجَ للمدعوّين عن الداعي ، فجاز أن يقول «لَهُ» لأن المذهب إلى الداعي وصوته. وهو كما تقول دعوتني دعوة لا عِوَج لك عنها أي لا أعُوج لك ولا عنك. قال : وكل قائم يكون العوج فيه خلقة فهو عَوَجٌ. وأنشد ابن الأعرابي في مثله :

* في نابه عَوَجٌ يخالف شِدْقه*

قال والحائط والرُّمْحُ وكل ما كان قائماً يقال فيه : العَوَج. ويقال : شجرتك فيها عَوَج شديد.

قلت : وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلَّا العَوَجُ.

وقال الأصمعيّ : يقال هذا شيء معوجٌ وقد اعوجّ اعوجاجاً على افعلّ افعلالاً.

ولا تقول معوَّج على مفعَّل إلا لعُود أو شيء رُكِّب فيه : العاج.

قلت : وغيره يجيز عوّجت الشيء تعويجاً إذا حنيته ، وهو ضد قوّمته. فأمّا ما انحنى من ذاته فيقال : اعوجّ اعوجاجاً ، ويقال عُجْته فانعاج أي عطفته فانعطف ، ومنه قول رؤبة :

* وانعاج عُودي كالشظيف الأخشن*

ويقال عَوِجَ الشيء يَعْوَجُ عَوَجاً فهو أعوج لكلّ ما يُرَى ، والأنثى عوجاء ، والجماعة عُوج ، ويقال لقوائم الدابة : عَوج ، ويستجبّ ذلك فيها. يقال : نخيل عُوج إذا مالت.

وقال لبيد يصف عَيْر وأُتُنَهُ وسَوقه إيّاها :

إذا اجتمعت وأَحوذ جانبيها

وأوردها على عُوج طِوال

فقال بعضهم : معناه : أوردها على نخل نابتة على الماء قد مالت ، فاعوجَّت لكثرة حَمْلها ؛ كما قال في صفة النخل :

* غُلبٌ سواجد لم يدخل بها الحصر*

وقيل معنى قوله : أوردها على عُوج طوال أي على قوائمها العُوج ، ولذلك قيل للخيل : عُوج ، ويقال ناقة عوجاء إذا عَجِفت فاعوجَ ظهرها ؛ وامرأة عوجاء إذا كان لها ولد تَعُوج إليه لترضعه ، ومنه قول الشاعر :

إذا المُرْغِث العوجاء بات يَعُزُّها

على ثديها ذو وَدْعتين لَهُوج

والخيل الأعوجيّة منسوبة إلى فحل كان يقال له : أعوج ، يقال : هذا الحِصَان من بنات أعوج.

وقال الليث : العاج : أنياب الفِيَلة ، قال ولا يسمى غير الناب عاجاً.

وقال شمر : يقال للمَسكِ : عاج. قال وأنشدني ابن الأعرابي :

وفي العاج الحِنّاء كفٌّ بنانُها

كشحم النَقَا لم يعطها الزند قادح

أراد بشحم النقا دوابَّ يقال لها : الحُلَك.

ويقال لها : بنات النقا يشبَّه بها بنان الجواري للينها ونَعْمتها.

قلت : والدليل على صحة ما قال شمر في العاج أنه المَسكُ ما جاء في حديث مرفوع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لثَوبان : «اشتر

٣٢

لفاطمة سواراً من عاج» ، لم يُرد بالعاج ما يُخْرط من أنياب الفِيَلة ؛ لأن أنيابها مَيْتَةٌ ، وإنما العاج الذُّبْلُ وهو ظهر السُّلَحْفاة البحرية.

وقال ابن شميل المَسَك من الذَّبْل ومن العاج كهنئة السوار تجعله المرأة في يديها فذاك المَسَك. قال : والذَّبْلُ. القرون فإذا كان من عاج فهو مَسَك وعاج ووَقْفٌ ، فإذا كان مِن ذَبْلٍ فهو مَسَكٌ لا غير. وقال الهذلي :

فجاءت كخاصي العَيْرِ لم تَحْلَ عاجةً

ولا جاجة منها تلوح على وشم

فالعاجة : الذَّبلة ، والجاجة : خرزة لا تساوي فَلْساً.

وقال الليث : عُوجُ بن عُوق رجل ذُكِرَ من عِظَم خَلْقِه شناعةٌ ، وذُكر أنه ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى ، وأنه هلك على عِدَّان موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الليث : ويقال ناقة عاج إذا كانت مِذعان السير ليّنة الانعطاف ، ومنه قوله :

* تَقَدَّى بي الموماةَ عاجٌ كأنها*

قال : ويقال للناقة في الزجر : عَاج بلا تنوين ، وإن شئت جزمت على توهّم الوقوف ، يقال : عجعجت بالناقة إذا قلت لها : عاج عاج.

قال : وذُكر أن عوْج بن عُوق كان يكون مع فراعنة مصر ، ويقال : كان صاحب الصخرة التي أراد أن يُطْبقَها على عسكر موسى عليه‌السلام ، وهو الذي قتله موسى صلوات الله عليه.

وقال أبو عبيد : يقال للناقة عاجٍ وجاهٍ بالتنوين.

وقال أبو الهيثم فيما قرأت بخطّه : وَكلّ صوت يُزجَر به الإبل فإنه يخرج مجزوماً ، إلا أن يقع في قافية فيحوّل إلى الخفض ، تقول في زجر البعير ؛ حَلْ حَوْب ، وفي زجر السبع : هَجْ هَجْ ، وجَهْ جَهْ ، وجاهْ جاهْ ، قال : فإذا حكيت ذلك قلت للبعير : حَوْبَ أو حَوْبِ ، وقلت للناقة : حَلْ حَلْ ، وقلت لها حَلٍ ، وأنشد :

أقول للناقة قولي للجمل

أقول حَوْبٍ ثم أثنيها بِحَل

فخفض حَوْب ونوّنه عند الحاجة إلى تنوينه. وقال آخر :

* قلت لها حَلٍ فلم تَحَلْحَلِ*

وقال آخر :

وجمل قلت له حاهٍ جاهْ

يا ويله من جمل ما أشقاهْ

وقال آخر :

* سفرت فقلت لها هج فتبرقعت*

وقال شمر : قال زيد بن كُثْوة : من أمثالهم : الأيام عُوج رواجع ، يقال ذلك عند الشماتة ، يقولها المشموت به ، أو تقال عنه ، وقد يقال عند الوعيد والتهدُّد. قلت : عُوج ههنا جمع أعوج ، ويكون جمع عَوْجاء ، كما يقال أصور وصُور ، ويجوز أن يكون جمع عائج ؛ فكأنه قال : عُوُج على فُعُل فخفّفه ، كما قال الأخطل :

* فهنّ بالبذل لا بُخْلٌ ولا جُود*

أراد لا بُخُلٌ ولا جُوُدٌ.

٣٣

جوع : قال الليث : الجُوع : اسم للمخمصة ، والفعل جاع يجوع جَوْعاً وجَوْعة ، ويقال : رجل جائع وجَوْعان ، ورجل جائع نائع ، والمَجاعة : عامٌ فيه جوع ، ويقال أجعته وجوّعته فجاع يجوع جوعاً.

وقال الشاعر :

أجاع الله من أشبعتموه

وأشبع مَنْ بجوْركمُ أُجيعا

وقال الآخر :

كان الْجُنَيْد وهو فينا الزُّمَّلِقْ

مجوَّعَ البطن كِلَابِيَّ الْخُلُقْ

وقال أبو زيد : تقول العرب جُعت إلى لقائك وعطِشت إلى لقائك.

وقال أبو سعيد : المستجيع الذي يأكل كل ساعة الشيء بعد الشيء ، وفلان جائع القِدْر إذا لم تكن قدره ملأى ، وامرأة جائعة الوِشاح إذا كانت ضامرة البطن ، ويجمع الجائع جياعاً ، ورجل جوعان وامرأة جَوْعى ، ويقال تَوَحَّشْ للدواء وتَجَوَّعْ للدواء أي لا تستوفِ الطعام.

وجع : قال الليث : الوَجَع : اسم جامع لكل مرض مؤلم ، يقال : رجل وجِع وقوم وَجَاعى ، ونسوة وجاعى وقوم وَجِعون ، وقد وَجِعَ فلانٌ رَأْسَهُ أو بَطْنَه ، وفلان يَوْجَعُ رَأْسَه ، وفيه لغات ، يقال : يَوْجَع ، ويَيْجع ، وياجَع ، ومنهم من يكسر الياء فيقول يِيجَعُ ، وكذلك تقول : أنا أيْجَع وأنتِ تَيْجع.

قال : ولغة قبيحة ، منهم من يقول : وجِع يَجِع ، قال : وتقول : أنا أَوْجَع رأسي ، ويَوْجعني رأسي ، وأوجعت فلاناً ضرباً وَجِيعاً ، وتوجّعت لفلان ممَّا نزل به إذا رَثَيت له من مكروه نازل به.

وقال غيره : يقال ضرب وجيع أي موجِع ، كما يقال (عَذابٌ أَلِيمٌ) بمعنى مؤلم ، وقيل : ضرب وجيع : ذو وَجَع ، وأليم : ذو ألم.

وقال الليث وغيره : الوجعاء : الدُبُر ممدودة ، وأنشد :

أنِفت للمرء إذ نيكت حليلته

وإذ يشدّ على وجعائها الثفَرُ

أغشى الحروب وسر بالي مضاعفة

تغشى البنان وسيفي صارم ذكر

وروى سلمة عن الفراء : يقال للرجل : وَجِعْتَ بَطْنَكَ مثل سَفِهْتَ رَأْيَكَ ورَشِدْتَ أمرك.

قال : وهذا من المعرفة التي هي كالنكرة : لأن قولك : (بطنك) مُفَسِّر ، وكذلك : غَبِنْتَ رأيك ، والأصل فيه : وجع رأسُك ، وألم بطنُك ، وَسَفه رأيُك ونفسُك ، فلما حُوّل الفعل خرج قولك : وجعت بطنك وما أشبهه مفسراً ، قال وجاء هذا نادراً في أحرف معدودة.

وقال غيره : إنما نصبوا وجعت بطنك بنزع الخافض منه ، كأنه قال : وَجعت من بطنك ، وَكذلك سفهت في رأيك ، وهذا قول البصريين ، لأن المفسِّرات لا تكون إلا نكرات.

وتجمع الوجعاء : الدبر وَجْعاوات.

جعا : أهمله الليث.

وَروى أبو العباس عن عمرو بن أبي عمرو

٣٤

عن أبيه أنه قال : الْجَعْو : الطين ، قال وَيقال جعّ فلان فلاناً إذا رماه بالجَعْو وَهو الطين.

وقال الليث العَيْج : شبه الاكتراث ، وَأنشد :

وَما رأيت بها شيئاً أعِيج به

إلا الثمام وَإلا مَوقَدِ النار

ويقال : عاج به يعيج عيجوجة فهو عائج به.

وَروى أبو إسحاق عن هبيرة أنه قال : سمعت علياً يقول نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الجِعة.

وَفي الحديث «الجِعَة شراب يصنع من الشعير وَالحنطة حتى يُسكر». وَقال أبو عبيد : الجعة من الأشربة وَهو نبيذ الشعير.

باب العين والشين من معتل العين]

ع ش [وا يء]

عشا ، عيش ، شعا ، شيع ، شوع ، وشع.

عشا : أخبرنا أبو الفضل بن أبي جعفر عن أبي الحسن الطوسيّ عن الخزاز قال : سمعت ابن الأعرابيّ يقول : العُشْو من الشعراء سبعة : أعشى بني قيس أبو بصير ، وَأعشى باهلة أبو قحافة ، وَأعشى بني نَهْشل الأسود بن يَعْفر ، وَفي الإسلام أعشى بني ربيعة من بني شيبان ، وَأعشى هَمْدان ، وَأعشى تغلب بن جاوَان ، وَأعشى طِرْوَد من سُلَيم.

وَقال غيره : وَأعشى بني مازن من تميم. قلت : وَالعُشْو جمع الأعشى ، وقد عَشِي الرجل يعشى عشاً فهو أَعشى وَامرأة عشواء ، وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.

وقال الليث : العشا يكون سوء البصر من غير عمى ، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.

وقال أبو زيد : الأعشى هو السيّء البصر بالنهار وبالليل ، وقد عشا يعشو عَشْواً ، وهو أدنى بصره ، وإنما يعشو بعد ما يَعْشَى.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : عشا يعشو إذا أتى ناراً للضيافة ، وعشا يعشو إذا ضعف بصره.

وقال أبو زيد : عشَي الرجل عن حقّ أصحابه يَعْشَى عَشاً شديداً إذا ظلمهم ، وهو كقولك : عمى عن حقه ، وأصله من العشا ، وأنشد :

ألا رُبَ أعشى ظالمٍ متخمّط

جعلتُ لعينيه ضياءً فأبصرا

أبو عبيد عن أبي زيد : عَشِيَ عليَّ فلان يَعْشَى عشًا منقوص : ظلمني.

وقال الليث : يقال للرجال : يعشَوْن ، وهما يعشيان ، وفي النساء هن يعشَيْن ، قال : ولمَّا صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين تركت في يعشَيَانِ ياء على حالها ، وكان قياسه يعشَوَانِ ، فتركوا القياس ، قال : وتعاشى الرجُل في أمري إذا تجاهل.

الحراني عن ابن السكيت : عَشِي فلان يعشى إذا تعشّى فهو عاشٍ. ويقال في مثل : العاشقةِ تَهِيج الآبية ، أي إذا رأت

٣٥

التي تأبى الرَعْي التي تتعشّى هاجتها للرعي فرعت.

والعِشْيُ : ما يُتعشّى به ، وجمعه أَعْشاء.

قال الحطيئة :

وقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ

للخِمْس طال بها حَوْزِي وَتَنْسَاسي

قال شمر أراد انتظرتكم طويلاً قدر ما تَعَشَى إبل صدرت عن الماء لخمس وطال عشاؤُها.

يقول انتظرتكم انتظار إبل خوامِسَ ؛ لأنها إذا صدرت تعشَّت طويلاً وفي بطونها ماء كثير فهي تحتاج إلى ثَقَل كثير. قال : وواحد الأعشاء عِشْي.

وقال الليث : العَشْواء من النوق : التي لا تبصر ما أمامها ، وذلك لأنها ترفع رأسها فلا تتعاهد موضع أخفافها. وقال زهير

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تُمِته ومن تخطىء يُعمَّر فيهرَم

ومن أمثالهم السائرة : هو يخبِط خَبْط عشواء ، يُضرب مثلاً للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته ، كالناقة العشواء التي لا تبصر ، فهي تخبط بيديها كل ما مرَّت به ، وشَبَّه زهير المنايا بخبط عشواء لأنها تعمّ الكلّ ولا تخصّ.

وقال ابن الأعرابي : العُقَاب العشواء : التي لا تبالي كيف خَبَطت وأين ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لا تدري كيف تضع يدها.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : عشا يعشو : إذا أتى ناراً للضيافة ، وعشا يعشو : إذا ضعف بصره.

وقال الليث : العَشْو : إتيانك ناراً ترجو عندها هدى أو خيراً. تقول : عشوتها أعشوها عَشْواً وعُشُوّاً.

قال : والعاشية : كل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الْخَلْق ؛ كالفَرَاش وغيره ، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار. وأنشد :

وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها

بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ

قلت : غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار. والإبل العواشي جمع العاشية وهي التي ترعى ليلاً وتتعشّى ، ومنه قولهم : العاشية تهيج الآبية.

وقول الله جل وعزّ : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزّخرُف : ٣٦]. قال الفراء في كتابه في المعاني ولم أسمع هذا الفصل من المنذري لأن بعض هذه السورة كان فات أبا الفضل معناه : من يعرض عن ذكر الرحمن ، قال ومن قرأ (ومن يَعْشَ عن ذكر الرحمن) فمعناه من يَعْمَ عنه. وقال القتيبي معنى قوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي يُظلم بصرُه ، قال : وهذا قول أبي عبيدة ثم ذهب يردّ قول الفراء ويقول : لم أر أحداً يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه ، إنما يقال : تعاشيت عن الشيء : تغافلت عنه ، كأني لم أره وكذلك تعاميت.

٣٦

قال : وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.

قلت : أغفل القتيبي موضع الصواب ، واعترض مع غفلته على الفراء يردّ عليه فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه ، والعرب تقول : عَشَوت إلى النار أعشو عَشْواً أي قصدتها مهتدياً بها ، وعشوت عنها أي أعرضت عنها ، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل.

وقال أبو زيد : يقال : عشا فلان إلى النار يعشو عَشْواً إذا رأى ناراً في أوَّل الليل فيعشو إليها يستضيء بضوئها ، وعشا الرجل إلى أهله يعشو ، وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم.

وأخبرن المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : عَشِي الرجل يَعْشَى إذا صار أعشى لا يبصر ليلاً ، عَشَا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه ، وعَشَا إلى كذا وكذا يعشوا إليه عَشْواً وعُشوَّاً إذا قصد إليه مهتدياً بضوء ناره ، وأنشد قول الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خيرُ موقد

قال : ويقال : استعشى فلان ناراً إذا اهتدى بها ، وأنشد :

يتبعن جِرْوَياً إذا هِبْن قَدَمْ

كأنه بالليل مُسْتَعْشِى ضَرَم

يقول : هو نشيط صادق الطَرْف جريء على الليل ، كأنه مستعشٍ ضَرَمَةً وهي النار. وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها فعَمَد إلى ثوب فشقّه وفتله فتْلاً شديداً ثم غمسه في زيت أو دهن فروّاه ثم أَشْعَل في طَرَفه النار فاهتدى بها ، واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبله.

قلت : وهذا كله صحيح وإنما أَتَى القتيبي في وهمه الخطأُ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها ، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضدّ الآخر في باب الميل إلى الشيء والميل عنه ، كقولك : عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم ، وعدلت عنهم إذا مضيتَ عنهم ، وكذلك ملت إليهم وملت عنهم ، ومضيت إليهم ومضيت عنهم وهكذا.

قال أبو إسحاق الزّجاج في قوله جلّ وعزّ : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) [الزّخرُف : ٣٦] أي يُعرض عنه كما قال الفراء.

قال أبو إسحاق : ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلّين فعقابُه بشيطان نقيّضه له حتى يضلّه ويلازمه قريناً له فلا يهتدي ؛ مجازاة له حين آثر الباطل على الحقّ البيّن.

قلت : وأبو عُبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيّام العرب ، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه.

وفي حديث ابن عمر أن رجلاً أتاه فقال له : كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضرّ مع الإيمان ذنب؟ فقال ابن عمر : عَشِ ولا تَغْتَرَّ. قال أبو عبيد : هذا مثل ، وأصله فيما يقال أن رجلاً أراد أن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على ما فيها من الكلأ ، فقيل له عشِ إبلك قبل أن تفوِّز ، وخذ

٣٧

بالاحتياط ، فإن كان فيها كلأ لم يضرك ما صنعت ، وإن لم يكن فيها شيء كنت قد أخَذت بالثقة ، فأَراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتّكالاً على الإسلام ، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط. يقال عشّيت الإبل إذا رعيتها بعد غروب الشمس إلى ثلث الليل ، وعشيتها أيضاً إذا رعيتها بعد الزوال إلى غروب الشمس ، وعشّيت الرجل إذا أطعمته العشاء ، وهو الطعام الذي يؤكل بعد العِشاء ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قُرِّب العَشَاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعَشَاء ، فالعَشَاء : الطعام وقت العِشاء».

وقال ابن السكيت : إذا قيل لك تَعشَ قلت : ما بي تَعشِ يا هذا. ولا تقل : ما بي عَشاء ، قال : ورجل عَشْيان وهو من ذوات الواو لأنه يقال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فأنا أعشوه أي عشَّيته ، وقد عَشِي يَعْشَى إذا تَعَشَّى ، فهو عاش.

وقال أبو حاتم : يقال من الغَدَاء والعشاء : رجل غَدْيان وعَشْيان ، قال : والأصل غدوان وعشوان ؛ لأن أصلهما الواو ، ولكن الواو تقلب إلى الياء كثيراً ؛ لأن الياء أخفّ من الواو.

أبو عبيد عن أبي زيد : ضَحَيْتُ عن الشيء وعَشَيْتُ عنه معناهما : رَفَقْت به. وصلاة العِشَاء ، هي التي بعد صلاة المغرب ، ووقتها حين يغيب الشفق ، وهو قول الله جلّ وعزّ : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) [النُّور : ٥٨]. وأمّا العَشِيُ فإن المنذري أخبرني عن أبي الهيثم أنه قال : إذا زالت الشمس دُعي ذلك الوقت العشيّ ، فتحول الظل شرقياً وتحولت الشمس غريبة.

قلت : وصلاتا العشِيّ هما الظهر والعصر ، وحدَّثنا السعديّ عن عمر بن شَبَّة عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى صلاتي العشيّ ، وأكبر ظني أنها الظهر ، ثم ذكر الحديث. قلت : ويقع العِشِيّ على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها ، كل ذلك عِشيّ ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء.

وقال الليث : العَشِيّ بغير هاء : آخرُ النهار. فإذا قلت : عشيّة فهو ليوم واحد ، يقال لقيته عشية يوم كذا وكذا ، ولقيته عشيَّة من العشيَّات. قال أبو عبيد : يقال لصلاتي المغرب والعشاء العشاءان ، والأصل العِشاء فغُلّب على المغرب ، كما قالوا : الأبوان وهما الأب والأم. ومثله كثير. قال النضر : العِشاء : حين يصلي الناس لعتمة وأنشد :

ومجوّل مَلَث العشاء دعَوتُه

والليل منتشر السقيط بهيم

قال : وإذا صغّروا العشيّ قالوا : عُشَيْشيَان ، وذلك عند شفًى وهو آخر ساعة من النهار. قال : ويجوز في تصغير عشِيَّة عُشَيَّة وعُشَيشية.

قلت : كلام العرب في تصغير عشية : عُشَيشية ، جاء نادراً على غير قياس. ولم أسمع عُشَيَّة في تصغير عشِيّة ، وذلك أن عُشية تصغير العَشْوة وهي أوَّل ظلمة الليل ، فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير

٣٨

العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النَّازعَات : ٤٦] يقول القائل : وهل للعشية ضحى؟

قال : وهذا جيّد من كلام العرب. يقال : آتيك العشِيّة أو غداتَها ، وآتيك الغداة عشِيّتها ، فالمعنى لم يلبثوا إلّا عشية أو ضحى العشية ، فأضاف الضحى إلى العشية.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده :

ألَا ليت حظّي من زيارة أُمِّيَهْ

غِديَّاتُ قيظ أو عَشِياتُ أشتيه

وقال : الغَدَوات في القيظ أطول وأطيب ، والعشِيَّات في الشتاء أطول وأطيب ، وقال : غَدِية وغدِيات ؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.

الحراني عن ابن السكيت : يقال : لقيته عُشَيشية وعشيشِيات وعشيشيانات وعُشَيَّانَات ، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس. وذكر ابن السكيت عن أبي عبيدة وابن الأعرابي أنهما قالا : يقال : أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة. والمعنى فيه : أنه حمله على أن يركب أمراً غير مستبين الرشد ، فربما كان فيه عطَبُه ، وأصله من عَشْواء الليل وعُشوته مثل ظلماء الليل وظلمته ، فأمّا العِشاء فهو أول ظلام الليل.

ورَوَى شمر حديثاً بإسناد له عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يا معشر العرب احمدوا الله الذي رفع عنكم العُشوة. وقال شمر : أراد بالعُشْوة ظلمة الكفر ، كلَّما ركب الإنسان أمراً بجهل لا يبصر وجهه فهو عُشوة ، مأخوذ من عُشوة. وقال شمر : قال أبو عمرو : العُشْوة أيضاً في غير هذا : الشعلة من النار. وأنشد :

حتى إذا اشتال سُهَيل بسحر

كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر

عيش : يقال : عاش يعيش عيشاً ومعاشاً ومعيشة وعِشية ومعيشاً بغير هاء.

وقال الليث : العَيْش : المطعم والمشرب وما يكون به الحياة. والمعِيشة : اسم ما يعاش به ، والعيشة : ضرب من العيش ، يقال. عاش عِيشة صدق ، وعيشة سَوْءٍ ، وكلّ شيء يعاش به فهو معاش ، والأرض معاش للخلق. ويقال : عيش آل فلان اللبن إذا كانوا يعيشون به ، وعيش آل فلان الخبز ، وعيشهم التمر ، وربما سموا الخبز عَيْشاً.

وقال المؤرج : هي المعيشة ؛ قال والمَعُوشة لغة الأَزْد. وأنشد لحاجز بن الجُعَيْد :

من الخفِرات لا يُتْمٌ غَذَاها

ولا كدُّ المعوشة والعلاجُ

وقال ابن السكيت : تقول : هي عائشة ؛ ولا تقل عَيْشَة ، وتقول هي رَيْطة ؛ ولا تقل رائطة ؛ وتقول : هو من بني عَيِّذ الله ولا تقل : عائذ الله.

وقال الليث فلان العائشيّ ؛ ولا تقل :

٣٩

العَيْشيّ ؛ منسوب إلى بني عائشة. وأنشد : عبدَ بني عائشة الهُلَابعا

ويقال إنهم ليتعيّشون إذا كانت لهم بُلْغة من العيش ؛ ورجل عائش : حاله حسنة. وقال أكثر المفسرين في قوله جلّ وعزّ : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [طه : ١٢٤] : إن المعيشة الضنك عذاب القبر ، وقيل : إن هذه المعيشة الضنك في نار جهنّم ، والضنك في اللغة : الضيق والشدة. وقول الله جلّ وعزّ : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) [الأعرَاف : ١٠] فيحتمل أن يكون : ما يعيشون به ، ويمكن أن يكون الوُصْلة إلى ما يعيشون به ، قال ذلك أبو إسحاق ، قال : وأكثر القراء على ترك الهمز في (مَعايِشَ) ، إلا ما رُوي عن نافع أنه همزها ، والنحويّون على أن همزها خطأ. وذكروا أن الهمزة إنما تكون في هذه الياء إذا كانت زائدة ؛ نحو صحيفة وصحائف ، فأمّا معايش فمن العيش ، الياء أصلية.

شيع : قال الليث : شاع الشيءُ يشِيع مَشَاعاً وشَيْعُوعةً فهو شائع : إذا ظهر وتفرق.

وأجاز غيره شاع شُيُوعاً. وتقول : تَقْطُر قطرة من لبن في الماء فتشيع فيه أي تَفَرَّقُ فيه ، قال : ونصيب فلان شائع في جميع هذه الدار ، ومُشَاع فيها أي ليس بمقسوم ولا معزول. وقال غيره : أشعت المال بين القوم ، والقِدْرَ في الحي إذا فرّقته فيهم. وأنشد أبو عبيدة :

فقلت أشيعا مَشرا القِدْرَ حولنا

وأيَّ زمان قِدْرُنا لم تُمَشَّر

أبو عبيد عن الأصمعي : أشاعت الناقة ببولها وأوزغت وأزغلت كل هذا إذا رمت به رمياً وقطّعته ، ولا يكون ذلك إلَّا إذا ضربها الفحل. وقال أبو عبيد : يقال هذا شَيْعُ هذا أي مثله.

وقال شمر : لم أره منذ شهر وشَيْعِه أراد : ونحوه ، وأنشدني أبو بكر :

قال الخليط غداً تصدُّعُنا

أو شَيْعَهُ أفلا تودّعنا

قال أبو شيعه : أو بعد غد.

وقال الليث : الشَّيْع من أولاد الأسد ، ورجل مشياع ، مذياع لا يكتم سرّاً. يقال : أشعت السرّ وشِعْتُ به إذا أذعت به وفي لغة أشعت به.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) [الصَّافات : ٨٣] فإن ابن الأعرابي قال : الهاء لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي إبراهيم خُبِّر بخبره فاتّبعه ودعا له. وكذلك قال الفراء. يقول : هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقاً له.

وقال أبو الهيثم في قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) إن من شيعته نوح ومن أهل مّلته.

قلت : وهذا القول أقرب ؛ لأنه معطوف على قصّة نوح ، وهو قول الزَّجاج. والشيعة : أنصار الرجل وأَتْباعه. وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شِيعة. والجماعة شِيَع وأشياع ، وقال الله جلّ وعزّ : (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) [سَبَإ : ٥٤] والشيعة : قوم يَهْوَوْن هوى عِتْرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويوالونهم.

٤٠